• البداية
  • السابق
  • 369 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22481 / تحميل: 3293
الحجم الحجم الحجم
دائرة المعارف الحسينية معجم الشعراء الناظمين في الحسين (عليه‌السلام) الجزء الأوّل

دائرة المعارف الحسينية معجم الشعراء الناظمين في الحسين (عليه‌السلام) الجزء الأوّل

مؤلف:
الناشر: المركز الإسلامي للدراسات
العربية

وأمّا عن أوّل مَنْ نظم فيه بعد استشهاده فهي السيدة زينب (عليها‌السلام )(١) ، وقد أوردنا رثاءها في ديوان القرن الأوّل(٢) .

إذاً ، بدأ الشعر في الحسين (عليه‌السلام ) من قس بن ساعدة الأيادي ، ولم ينتهِ بعد ولن ينتهي ، وقد فصلنا القول في محلّه عن أوّل الراثين على الإمام الشهيد فليراجع(٣) .

وهكذا بدأ الشعر الحسيني ، وبدأ معه التراكم في عدد الناظمين ، وتفاقم هذا العدد الهائل من هؤلاء الشعراء ؛ ليكوِّن هذا المعجم الذي بين يديك.

____________________

= الضبي ، المتوفّى عام ٣٦ه في يوم الجمل في الإمام (عليه‌السلام ) أيضاً ، راجع ديوان القرن الأوّل ٢ / ٢٥٤ ، وبشر بن منقذ الشني ، المتوفّى حدود عام ٥٠ه ؛ فإنّه نظم فيه وفي أخيه وأبيه في معركة صفين ، راجع ديوان القرن الأوّل ١ / ٢٤٣ ، وكعب بن زهير المازني ، المتوفّى عام ٤٥ه ، راجع ديوان القرن الأوّل ١ / ١٣٣.

١- السيدة زينب : هي ابنة الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) (٥ - ٦٢ه) تزوّجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، حضرت واقعة كربلاء عام ٦١ه ، وكانت لها مشاركة فاعلة في نهضة أخيها الحسين (عليه‌السلام ).

٢- ديوان القرن الأوّل ١ / ٢٢١.

٣- راجع باب الأوائل من هذه الموسوعة حيث ذكرنا أنّ أوّل الراثين من الهاشميين النساء السيدة زينب (عليها‌السلام ) ، ومن الرجال الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) ، ومن غير الهاشميين عبد الله بن عفيف الأزدي ، وذلك في الثالث عشر من محرّم ٦١ه ، كما ذكرنا أنّ أوّل الراثين على قبره هو عقبة بن عمرة السهمي على ما اشتهر بين المؤرّخين.

٢١

طبقات الشعراء

لا شك أنّ في كلّ مجموعة - سواء كانت علمية ، أو أدبية ، أو سياسية ، أو اجتماعية أو غيرها - طبقات مختلفة ، وقد قال الله تبارك وتعالى :( وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) (١) .

وقد صنّفوا الشعراء كغيرهم(٢) إلى أصناف مختلفة وطبقات متنوّعة ، هذه التصنيفات قد تكون على حساب القرون أو العصور ، كتصنيفهم إلى شعراء القرن الأوّل والثاني وهلمّ جرّا ، أو تصنيفهم إلى شعراء جاهليين ومخضرمين (١٣ق.ه - ٤١ه) ، ثمّ إلى شعراء العصر الأموي (٤١ - ١٣٢ه) والعباسي (١٣٢ - ٦٥٦ه) مثلاً ، وقد استخدم هذا النمط عدد كبير من المتأخّرين ، منهم الأستاذ عمر فروّخ(٣) في كتاب تاريخ الأدب العربي.

وقد يكون تصنيفهم على شكل مشاركاتهم العلمية ، كتصنيفهم إلى شعراء فقهاء ، وشعراء نحويين ، وشعراء لغويين ، وما إلى ذلك(٤) .

ومنهم مَنْ أفرزهم حسب المناطق والأقطار كما فعل الثعالبي(٥) في يتيمة الدهر(٦) .

____________________

١- سورة الزخرف / ١٩.

٢- راجع كشف الظنون ١ / ٣٢٠ - ٣٢٢.

٣- فروّخ : هو عمر بن عبد الله ، وهو عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة ، وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق ، وعضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي.لهُ مؤلفات عديدة.توفّي سنة ١٤٠٧ه.

٤- راجع نهاية معجم الأدباء - لياقوت الحموي.

٥- الثعالبي : هو عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري ، المتوفّى حدود عام ٤٢٩ه.كان أديباً لغوياً.له مصنّفات منها : يتيمة الدهر ، وفقه اللغة ، وسرّ الأدب.

٦- ولقد خصّص العديد من المؤلّفين معاجمهم ببلد معين ، كما هو الحال في شعراء كربلاء - لسلمان طعمة ، وشعراء الغري - لعلي الخاقاني.

ومنهم مَنْ خصّص معجمه بأكثر من ذلك حيث ترجم للشعراء الشعبيين لبلد معين ، ومن ذلك : شعراء الكوفة الشعبيين - لكامل الجبوري ، والشعراء الشعبيون من كربلاء - لسلمان طعمة.

٢٢

وقد يكون على حساب الأغراض الشعرية السائدة ، كما في قولهم شعراء الرثاء وشعراء التصوّف وما شابه ذلك ، وهذا الأسلوب اعتمده جمع من المؤلّفين.

ومنهم مَنْ قسّمهم على ما اشتهروا به ، كقولهم الشعراء الفرسان ، وشعراء البلاط ، والشعراء الصعاليك وأمثال ذلك(١) .

وقد يناط تصنيفهم حسب الرتبة الأدبية في الشعر ، فيحدّد طبقته بالأولى والثانية والثالثة ؛ لتكون الطبقة الأولى هي الطبقة المتفوّقة ، وقد سلك هذا المنحى ابن سلام الجمحي(٢) حيث صنّف الشعراء الإسلاميين إلى عشر طبقات.

وهناك مَنْ صنّفهم بشكل آخر كابن شهر آشوب(٣) حيث صنّف شعراء أهل البيت (عليهم‌السلام ) على أربع طبقات ؛ المجاهرون والمقتصدون ، والمتّقون والمتكلّفون(٤) إلى غيرها من اعتبارات ومميّزات(٥) .

____________________

١- راجع كتاب المجاني الحديثة حيث جُزِّئ الكتاب إلى خمسة أجزاء ، خُصّص كلّ جزء بمجموعة من الشعراء يجمعهم عنوان واحد.

ولمزيد البيان ننقل من كتاب تاريخ التراث العربي / ١٤٩ - ١٦٣ بعض النماذج : كتاب الشعراء القدماء والإسلاميّين - لعلي بن يحيى المنجم ، المتوفّى عام ٢٧٥ه ، كتاب أسماء فحول الشعراء - لأحمد بن عبدة العبدي ، المتوفّى نحو عام ٣٠٠ه ، كتاب الشعراء المشهورين - للحسن بن بشر الآمدي ، المتوفّى عام ٣٥٣ه ، كتاب المماليك الشعراء - لعلي بن الحسين الأصفهاني ، المتوفّى عام ٣٥٦ه ، كتاب الشعراء الندماء - لمحمد بن أحمد المتيم ، المتوفّى في نهاية القرن الرابع الهجري ، المحمدون من الشعراء - لعلي بن يوسف القفطي ، المتوفّى عام ٦٤٦ه ، كتاب الإماء الشواعر - لعلي بن الحسين الأصفهاني ، المتوفّى عام ٣٥٦ه ، كتاب النساء الشواعر - لناجي بن عبد الواحد بن الطراح ، المتوفّى بعد عام ٧٢٠ه.

مضافاً إلى كتاب مَنْ نُسب إلى أنّه من الشعراء ، أو كتاب مَنْ يسمّى من الشعراء عمرواً ، كتاب ألقاب الشعراء ، كتاب كُنى الشعراء ، معجم ألقاب الشعراء - للعاني ، إلى غيرها.

٢- ابن سلام : هو محمد بن سلام بن عبد الله الجمحي بالولاء (١٥٠ - ٢٣١ه) ، من أئمّة الأدب من أهل البصرة ، مات ببغداد ، له مؤلّفات منها : طبقات الشعراء ، بيوتات العرب ، غريب القرآن.

٣- ابن شهر آشوب : هو محمد بن علي بن شهر آشوب (٤٨٨ - ٥٨٨ه) من أعلام الإمامية ومحدّثيهم من أهل ساري بمازندران ، سكن بغداد والموصل ، ثمّ حلب فتوفّي بها ، له مؤلّفات منها : مناقب آل أبي طالب ، الفصول ، أسباب نزول القرآن.

٤- معالم العلماء / ١٤٦.

٥- وهناك مَنْ وضع كتابه على الأسماء كما في كتاب : المحمدون من الشعراء وأشعارهم.

٢٣

ولكن بعد دراسة سريعة ودقيقة في آن واحد وجدنا أنّ الخضوع لهذه التقسيمات قد يسبب لنا الكثير من المتاهات التي نحن في غنىً عنها ؛ ولكي نجمع بينها ولمزيد الفائدة فقد وضعنا جدولاً خاصّاً بذلك ، سنستعرضه في آخر المطاف من معجم الشعراء إن شاء الله تعالى.

وأمّا الحديث عن تاريخ وضع هذه التقسيمات ، فليس في المصادر التي اطّلعنا عليها ما يدلّ على رصد هذا المعنى ، إلّا بعض الاحتمالات التي لم تقترن بالدليل.

ومن المعلوم أنّ وضع المعاجم عن الشعراء سابق على تدوين طبقاتهم ، ومن الطبيعي أن تخضع مسألة أخبار الشعراء إلى عملية التطوير فيتدرّج الحديث عن طبقتهم.

وهذا لا يختصّ بأخبار الشعراء ، بل أعمّ منه ؛ ولذا فعندما يضع واصل بن عطاء(١) كتابه طبقات أهل الجهل والعلم ، لا بدّ وأن يتأثّر غيره في سلوك مسلكه لدى وضعه عن موضوعات أُخرى ، ومنها أخبار الشعراء.

وهناك مَنْ يريد القول بأنّ هذا الفنّ مستورد من الفرس ، وأنّه متوغّل في القدم إلى ما قبل الميلاد ؛ حيث نُسب إلى الملك لهراسب بن كوغان(٢) القرن ١٣ ق.ه (القرن ٦ ق.م) كتاب طبقات الكتّاب ، وأضاف بأنّه من مصادر ابن الكلبي(٣) ، إلّا أنّه بعيد جدّاً.

وقد نسب هذا القول إلى

____________________

١- واصل بن عطاء : الغزّال المعتزلي (٨٠ - ١٣١ه) ولد في المدينة ونشأ بالبصرة ، من أئمّة البلاغة والمتكلّمين ، وهو الذي نشر مذهب الاعتزال في الآفاق.له مؤلّفات منها : أصناف المرجّئة ، السبيل إلى معرفة الحقّ ، المنزلة بين المنزلتين.

٢- لهراسب بن كوغان بن كيموس : أولاه الملك كيخسرو بن سياوش بن كيقبا ، ثالث ملوك الكيانيانية الفرس ، الحكم إلّا أنّه زهد عنه ، ولمـّا ظهر زرداشت في القرن ٦ق.م تدين بدينه ، ولكن ابنه الملك كستاسب تولّى الحكم بعد مهراب بن كيوجي ، وأصبح خامس ملوك الكيانيانية ، وهم السلسلة الحاكمة الثانية من ملوك الفرس في عصر التاريخ ، حكموا بعد سلسلة الماد التي انتهى حكمها عام ٥٥٠ق.م (١١٧٢ق.ه).

٣- ابن الكلبي : هو هشام بن محمد بن السائب الكوفي ، المتوفّى عام ١٤٦ه ، ولد وتوفّي بالكوفة ، من أئمّة علم الأنساب ، كان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما‌السلام ) ، له نيف وخمسون ومئة كتاباً ، منها : جمهرة الأنساب ، بيوتات قريش ، الأقاليم.

٢٤

الطبري(١) في تاريخه(٢) إلّا أنّنا لم نعثر عليه فيه.

وممّا يؤيد عدم صحته ، ما ذهب إليه فرنز كاسكل(٣) حيث صرّح لدى ترتيبه لكتاب جمهرة النسب للكلبي بوصفه أحد مصادر ابن الكلبي ، أنّ كتاب طبقات الكتّاب من الكتب المنحولة من أواخر العصر(٤) الساساني(٥) .

ولكن الذي يظهر أنّ في القرن الثاني الهجري كانت ولادة هذا النوع من التدوين بالنسبة للشعراء ، ولعلّ أوّل كتاب حمل هذا الاسم هو كتاب ( طبقات الشعراء - لمحمد بن سلام الجمحي ) المتوفّى عام ٢٣١ه والذي يحتوي على طبقات الشعراء الجاهليين ، وطبقات الشعراء الإسلاميين.

ثمّ تلاه كتاب ( طبقات الشعراء - للحسن بن عثمان الزيادي )(٦) ، المتوفّى عام ٢٤٣ه ، وآخر لدعبل بن علي الخزاعي(٧) بالاسم ذاته ، والذي ألّفه عام ٢٤٦ه(٨) .

وأمّا الحديث عن مقياس التفاضل والترجيح بين الشعراء ، ففي الحقيقة

____________________

١- الطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد (٢٢٤ - ٣١٠ه) ، ولد بآمل طبرستان ، وسكن الرّي والكوفة ثمّ بغداد وتوفّي بها ، مؤرّخ ومفسّر ، له مؤلّفات منها : أحاديث غدير خم ، جامع البيان ، حديث الطير.

٢- تاريخ الطبري : المسمّى بتاريخ الأمم والملوك.

٣- فرنز كاسكل.

٤- العصر الساساني : حكم الساسانيون الفرس ما بين عام ٣٩٨ق.ه - ١٠ه (٢٢٤ - ٦٣١م).

٥- تاريخ التراث العربي ، قسم الشعر ١ / ١٤٩ عن جمهرة النسب ١ / ٧٥.

٦- الزيادي : أبو حسان الحسن بن عثمان بن حماد البغدادي (١٥٦ - ٢٤٣ه) ، أديب ، إخباري ، قاضي ، من مؤلّفاته : الأدباء والأُمّهات ، ألقاب الشعراء ، عروة بن الزبير.

٧- دعبل بن علي الخزاعي الكوفي : (١٤٨ - ٢٤٦ه) من كبار شعراء العرب ، إمامي المذهب ، من أصحاب الإمام الكاظم والرضا (عليهما‌السلام ) ، سكن بغداد بعد الكوفة ، له ديوان شعر معروف ضاع ، إلّا أنّ عبد الصاحب بن عمران الدجيلي جمع شعره ، وله كتاب الواحدة.

٨- ومنها كتاب أخبار الشعراء وطبقاتهم - لمحمد بن حبيب ، كتاب طبقات الشعراء - لأبي المنعم ، كتاب طبقات الشعراء الجاهليين - للفضل بن الحباب الجمحي المتوفّى عام ٣٠٥ه ، كتاب طبقات العرب والشعراء - لعبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى عام ٣٣٢ه ، كتاب طبقات الشعراء - لإسماعيل بن يحيى اليزيدي المتوفّى بعد عام ٣٧٥ه ، كتاب الإحصاء لطبقات الشعراء - لعبد الله بن عبد العزيز البكري المتوفّى عام ٤٨٧ه إلى غيرها.

٢٥

أنّه يخضع إلى الذوق.

ومن المعلوم أنّه مختلف ، ولم يوضع له معيار معيّن يرجع إليه ، وما دام كذلك دخلت فيه الأهواء والأغراض ؛ ولذلك أجاب بشار بن برد(١) عندما سُئل عن الأخطل(٢) والفزردق(٣) وجرير(٤) قائلاً : لم يكن الأخطل مثلهما ، ولكن ربيعة تعصبت له وأفرطت فيه(٥) .

وفي هذا السياق ذكر ابن رشيق : كان الرواة يتعصّبون لشعراء أقطارهم(٦) .

وهناك تجمعات أو أفراد توزّع الأوسمة والألقاب ، كالإمارة والعمادة وأمثالهما على عدد من الشعراء ، بل على غيرهم أيضاً بمقتضى سياساتها القومية أو العرقيّة ، أو الإقليمية أو المذهبية وما إلى ذلك بغض النظر عن تأهّلهم العلمي أو الأدبي والفني.

إنّ عملية التعادل والترجيح كما اصطلح عليه الرجاليون هي في الواقع تأتي فيما بين الأقران ، دون من اتسعت الهوة بينهما.

وفي الحقيقة : فإنّ عملية التفاضل هذه صعبة للغاية ؛ إذ لا بدّ أن يكون الحكم ممّنْ هو في منزلتهم ، أو على مقربة منهم ، وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بأهل الخبرة لدى حديثهم عن تشخيص الأعلم.

والحاصل : إنّ في الموازنة بين الشعراء يشترط أن يستقصي(٧) الحكم

____________________

١- بشّار : هو ابن برد العقيلي بالولاء ، أصله من طخارستان ، غربي نهر جيحون ، (٩٥ - ١٦٧ه) نشأ في البصرة ومات فيها ، وقدم بغداد وأدرك الدولتين الأموية والعباسية.له ديوان معروف في ثلاثة أجزاء.

٢- الأخطل : هو غياث بن غوث التغلبي (١٩ - ٩٠ه) من كبار شعراء الأمويين ، نشأ على المسيحية في أطراف الحيرة بالعراق ، ثمّ اتصل بالأمويين وسكن دمشق ، وله ديوان معروف.

٣- الفرزدق : هو همام بن غالب الدارمي التميمي (نحو ١١ه - ١١٠ه) ، من كبار شعراء أهل البيت (عليهم‌السلام ) ، ولد في البصرة ونشأ في باديتها ، من أصحاب الإمام زين العابدين (عليه‌السلام ) ، توفّي بالبصرة.

٤- جرير : هو ابن عطية بن حذيفة الخطفي الكلبي (٢٨ - ١١٠ه) ، من كبار الشعراء ، ولد ومات في اليمامة ، جمع شعره في جزأين ، ونقائضه مع الفرزدق في ثلاثة أجزاء.

٥- تاريخ الأدب العربي ١ / ٤٦.

٦- العمدة - لابن رشيق ١ / ٨٠.

٧- نعم ، يجوز للحَكَم أن يفضّل أحد الشاعرين على الآخر في كلّ ما نظما ، أو اطّلع على أعمالهما الشعرية جميعاً ، أو يفضّل أحدهما على الآخر في مقطوعتين مثلاً.

٢٦

كلّ الشعراء المميّزين ، ثمّ يطّلع على جميع أعمالهم ، وسائر أغراضهم ؛ ليمكنه الحكم بطبقته وأشعريته ، ولا بدّ أن يجعل معيار الأفضلية هو مدى مراعاته لأوجه البلاغة والبديع ، مضافاً إلى الموجة الشاعرية التي تدغدغ المشاعر ، وتحرّك العواطف دون أمور أُخرى(١) ، فكلّما كانت النسبة أكبر كانت منزلة الشاعر أسمى ، مع مراعاة الكم النسبي لأعمال الشاعر.

ولعلّ الأفضل فصل الأغراض بعضها عن بعض ، وموازنة أعمال الشعراء في مجال تلك الأغراض ، وعليه تحدد طبقة الشاعر في ذلك الغرض دون غيره ، وربما كان هذا هو الأقرب إلى الحقيقة.

وهناك شرطان هامان أشار إليهما الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) في نقد الشعر هما ؛ الإحاطة بجميع الشعراء ، والثاني أن لا يكون النظم لرغبة أو رهبة ، حيث يقول (عليه‌السلام ) : (( لو أنّ الشعراء المتقدّمين ضمّهم زمان واحد ، ونصبت لهم رايةٌ فجَروا معاً علمنا مَنْ السابق منهم ، وإن لم يكن فالذي لم يقل لرغبة ولا رهبة...))(٢) .

ولعلّهم عبّروا عن عملية تقييم الشعر هذه بالنقد أو النقد الجمالي ، ونأمل أن تقوم مؤسسات أدبية بتقييم الشعر ، ووضع مسابقات في هذا الشأن ، وتوزيع الأوسمة بغرض نمو الحسّ الأدبي وتقدير الشعراء ، شرط أن تكون مجرّدة من الانتماءات والمصالح بكافة أشكالها.

هذا ولابن سلام مقولة جميلة بدأ كلامه عن الشعر بها ، وفيها يضرب الحكم بالمثال ؛ لتقريب الصورة في تقييم الشعر ، ويشبهه بالدينار تارة ، وبالحسناء تارة أُخرى ، ويحدّد فيهما أهمية المقيّم أيضاً فيقول : وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم ، كسائر أصناف العلم والصناعات ، منها ما تثقّفه العين ، ومنها ما تثقّفه الأذن ، ومنها ما تثقّفه اليد ،

____________________

١- جاء في تاريخ الأدب العربي ١ / ٤٦ كان النقّاد يتّخذون لتفضيل شاعر على آخر مقاييس مختلفة : منهم مَنْ قدّم الشاعر لتقدّمه في الزمن ، ومنهم مَنْ يقدّم الشاعر لجودة معناه ، أو لحسن لفظه ، ومنهم مَنْ قدّم الشاعر لهوى أو عصبية...، ومن النقّاد مَنْ يختار الشعر ويقدّم صاحبه على خفة الروي ، أو على غرابة المعنى ، أو نيل قائله ، أو على ندرته ؛ لأنّ صاحبه لم يقل غيره ، وعلى سوى ذلك.

٢- العمدة - لابن رشيق ١ / ١١١ عن ديوان ابن رشيق القيرواني / ٣٣٥.

٢٧

ومنها ما يثقّفه اللسان من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممّن يبصره ، ومن ذلك الجهبذة(١) بالدينار والدرهم لا يعرف جودتهما بلون ولا مس ، ولا طراز ولا حس ولا صفة ، ويعرفها الناقد عند المعاينة ، فيعرف بهرجها(٢) وزائفها ، وستّوقها(٣) ومفرَّغها(٤) ....

والشعر الذي يحمل جمال اللفظ والمعنى سيجري في الآفاق مجرى الأمثال ، كما في كثير من شعر المتنبي ، كما سيبقى خالداً خلود الحياة.

وفي ذلك يقول دعبل - من الطويل - :

سأقضي ببيتٍ يحمدُ الناسُ أمره

ويكثرُ من أهلِ الرواياتِ حامله

يموتُ رديء الشعرِ من قبلِ أهله

وجيّده يبقى وإن ماتَ قائله(٥)

هذا وقد فصّلنا الحديث عن ذلك في محلّه(٦) .

____________________

١- الجهبذة : بالكسر ، النقّاد الخبير.

٢- البهرج : الباطل الرديء.

٣- الستوق : البهرج إذا لبس بالفضة ، أو الدرهم المصنوع من النحاس ومطلي بالفضة.

٤- المفرغ : ما فرغ من الدنانير والدراهم داخله.

٥- العمدة - لابن رشيق ١ / ٢٣٦ عن ديوان دعبل / ١٧٨.

٦- راجع باب المدخل إلى الشعر الحسيني من هذه الموسوعة.

٢٨

الشعر والإلقاء

هما موهبتان الأولى ملكة ، ولعلّ بعضهم اعتبرها فنّاً وراثياً ، ولكنّ الصحيح أنّ البيئة العائلية هي التي تورث وليس الفنّ ذاته ، وأمّا الإلقاء فهو كسبي ممارسي ، وقد يساعده في ذلك بعض المواهب الوراثية ، كامتلاكه حنجرة ذات أوتار عالية ، وصوت موسيقي يتناسب وإلقاء الشعر.

وهما فنّان منفصلان ، وبينهما عموم وخصوص مطلق ، قد يجتمعان في شخص واحد فيزيده كمالاً ، وهناك الكثير من الشعراء لا يقدرون على الإلقاء ، وهذا وإن كان عيباً إلّا أنّه لا يقدح بشعره وشاعريته.

وللإلقاء دور كبير في إيصال رسالة الشاعر إلى الجماهير ، فقد يلقي مَنْ لا تخصّص له بهذا الفنّ شعر المتنبي فيسبب النفرة عن المتنبي وشعره ، بينما يلقي آخر أبياتاً قد كثرت زحافاتها إلّا أنّه يصلحها بالمد والإدغام ، فتتحسّن صورتها بشكل يجعل المستمع توّاقاً إلى حفظها وتداولها ، إلّا أنّه لمـّا يواجّه الحقيقة فيهجرها ، كما هو الحال في عدد من الأشعار التي يتداولها المطربون في هذه الأيّام.

٢٩

الناظم والشاعر

لقد فصّلنا الكلام عن الشعر والنظم في المدخل إلى الشعر الحسيني ، ولا يجوز لنا إعادته ثانية إلّا مجملاً ؛ لتوضيح المقام فنقول : إنّ الشعر في مصطلح الأدباء المعتدلين ما حرَّك الشعور الإنساني ، بل مطلق الشعور مع مراعاة الوزن والقافية اللتان هما من لوازم ذلك ، وأمّا إذا التزم بالوزن والقافية فقط فهو النظم.

فعلى هذا بينهما عموم وخصوص من وجه ، فكلّ شعر نظم وليس العكس ، ولعلّ صعوبة قرضه أو الإبداع فيه تكمن في هذا الجانب بالذّات ، وربما إلى هذا أشار الجاحظ(١) في قوله - من الرجز - :

الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلّمه

إذا ارتقى فيهِ الذي لا يعلمه

زلّت بهِ إلى الحضيضِ قدمه

يريدُ أن يعربهُ فيعجمه(٢)

فالاشتقاق اللفظي لكلّ من الاتجاهين للقائم بهما يكون شاعراً وناظماً ، وبينهما أيضاً عموم وخصوص من وجه ، وربما حمل لنا هذا الاشتقاق معنى زائداً على الأصل ، فربما أطلق الناظم على مَنْ كانت له محاولات شعرية ، أو كان بدائياً ، أو كان مقلاً جدّاً ، أو نظم على بيتين أو ثلاث ولم يتجاوزهما إلى القصائد والمطوّلات ، والشاعر مَنْ كانت له ملكة النظم ، أو اجتاز المرحلة البدائية ، أو نظم في معظم الأغراض ولم يقتصر نتاجه على المثنويات أو ما شابه ذلك ، وربما جمع الشاعر كلّ هذه الصفات مع عامل تحريك الشعور.

____________________

١- الجاحظ : هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الليثي البصري ، ولد عام ١٣٦ه ، وكان من رجال الدولة العباسية ، توفّي سنة ٢٥٥ه ، ولَهُ كتب عديدة منها : العثمانية ، وكتاب الحيوان ، والبيان والتبيين.

٢- دائرة المعارف - للبستاني ١٠ / ٤٧٤.

٣٠

وقد عرّف بعضهم الشعر بالكلام الذي يهيج به العواطف وتستلذه الأذن ، فإن استعمل غزلاً وتشبيباً أغرى الأفئدة بالهوى ، وسهّل للجسد احتمال الجوى(١) ، وإن سيق على طريق الحماسة هاج النفس لاقتحام الردى ، وتلتل(٢) بالقلب لخوض نيران الوغى ، وإن أنشد في حثّ أو طلب ، أو استعطاف أو استعصاء حرّك العواطف وهيّجها ، واستولى عليها وميّلها(٣) ، فمَنْ كان قادراً على ذلك فهو الشاعر.

وهناك مَنْ يرى أنّ الناظم هو القادر على نظم الشعر حسب القواعد العروضية ولو بتكلّف ، فإذا ما أصبح لديه ملكة النظم أصبح شاعراً.

وعليه فإنّ الشاعر مَنْ كانت له قريحة موهوبة دون مَنْ يصطنع الشعر ؛ ولذلك نجد أنّ الجاحظ يقول في ما يقوله عن أصحاب الفنّ إلى أن يصل إلى الشاعر : ومن تمام آلة الشعر أن يكون الشاعر أعرابياً(٤) ؛ لأنّه ينظم على السليقة والقريحة دون مراجعة الأوزان العروضية ودراستها ، وربما كان الشاعر لا يميّز بين هذه التسميات العروضية ولا يجيدها ، بل إنّه قادر على أن يصنّفها بأذنه الموسيقية ، وقريحته الذاتية دون تكلّف ، وكثيراً ما سألت شاعراً مجيداً عن وزن بيت أو قصيدة ، فأجابني بعدم معرفته للأوزان ، وأنّه لا يتعامل مع الشعر على هذا الشكل.

وكثيراً ما يطلق الشاعر على الناظم وبالعكس ، كما هو الحال بين النظم والشعر فيكون بينهما عموم وخصوص مطلق.

وربما تطرّق البعض فقال : إنّ الرجز ليس بشعر وبذلك يخرج ناظمهُ من حلبة الشعراء ، ولا يخفى أنّ لنا كلاماً حول شعر الرجز والحرّ أوردناه في محلّه(٥) .

وتوجد في هذا المعجم ترجمة مَنْ لم ينظم إلّا بعض الأراجيز الحماسية

____________________

١- الجوى : شدّة الوجد من حزنٍ أو عشق.

٢- تلتل : دفع.

٣- دائرة معارف القرن العشرين ٥ / ٣٩٠.

٤- البيان والتبيين ١ / ٦٨.

٥- راجع المدخل إلى الشعر الحسيني من هذه الموسوعة.

٣١

في ساحة الحرب ، وهذا لا يمكن أن نسمّيه شاعراً(١) ، كما لا يمكن تجاهله وهو الذي حدا بنا إلى إيضاح الفرق بين الشاعر والناظم ، فهو لا شك من القسم الثاني دون الأوّل ، وأمثال هؤلاء قليلون ؛ ولذلك أعرضنا عن تسميته بمعجم الشعراء والناظمين ، واقتصرنا في التسمية على معجم الشعراء من باب الغلبة.

٣٢

الترجمة

ترجم من الصيغ الرباعية على زنة دحرج ، ومعناه التوضيح والتفسير ، يُقال : ترجم عنه ، إذا أوضح أمره ، وترجم الرجل ، ذكر سيرته ، وأخلاقه ونسبه ، والجمع منه تراجم ، وترجمة الكتاب فاتحته ؛ لأنّ فيه ما يفصح عمّا بداخله ، ويُطلق أيضاً على تحويل اللغة إلى أُخرى ؛ لأنّ فيه تفسيراً وتوضيحاً لتلك اللغة ، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه(١) .

ومن الخليق بيانه هنا ، أنّ ترجمة الأعلام بشكل عام سبقت العصر الإسلامي قروناً متمادية ، وقد اشتهر عدد من الأعلام بمعرفتهم بأخبار العرب وأنسابهم ، ولم يكن كلّ من التاريخ والأنساب مستقلاً عن الآخر ، بل كان يعدّ كلاهما علماً واحداً.

وكان التاريخ يعتمد على أعلامه دون أحداثه ، فإذا ما ذكروا شخصيّة ما ، وشخّصوا نسبه ذكروا سيرته وأخباره والتي هي التاريخ بذاته ؛ حيث إنّ التاريخ صنيع هذه الشخصيات.

وقد رتَّب بعض المؤرّخين مصنّفاتهم التاريخيّة على هذا المنوال حتى في العصور المتأخّرة عن عهد صدر الإسلام ، كابن عساكر(٢) والخطيب البغدادي(٣) ، فكلاهما اعتمدا على ذكر الشخصيات التي سكنت ، أو نشأت في دمشق أو بغداد فترجماها وبيّنا تاريخها وصنيعها ، ومع هذا سمّيا كتابيهما بتاريخ دمشق وتاريخ بغداد.

وبمرور الزمان وتطوّر العلوم انفصل التاريخ

____________________

١- راجع الجزء الأوّل من الموسوعة (البداية).

٢- ابن عساكر : هو أبو القسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي ، صاحب كتاب تاريخ دمشق ، وكتاب الأربعين ، توفّي بدمشق عام ٥٧١ه.

٣- الخطيب البغدادي : هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي الأشعري ، المعروف بالخطيب ؛ لأنّه كان يخطب بجامع بغداد في الجمعات والأعياد ، ولَهُ مصنّفات أشهرها كتاب تاريخ بغداد ، ولد سنة ٣٩٢ه ، وتوفّي سنة ٤٦٣ه ، ودُفن ببغداد.

٣٣

عن الأنساب وارتفع شأن الأوّل في العصر الأموي ، بينما انحسر شأن الثاني لأسباب سياسية ، وكان لمعاوية(١) بن أبي سفيان اليد الطولى في تحريف مسار الأوّل وطمس معالم الثاني ؛ فاتّخذ من الأوّل مطيّة لنشر ما يقوّي شوكته ، فبذل المال لهذا الشأن ، وأمر بتدوين ما يحلو له ، وإسقاط ما لا يرتضيه ، بل وتحريفه ، وبذل محاولة جادّة للتخلّص من الأنساب باعتباره الأداة الهدّامة لتاريخه وتاريخ بني قومه.

واعتبر المراقبون بأنّ عملية إلحاقه ابن زياد بأبيه أبي سفيان كانت وثيقة بعدم الاعتراف بالأنساب ، وقد تحدّثنا عن علم الأنساب ، وعلم التاريخ ، وتطوّرهما في محلّه(٢) .

وأخذ علم الأنساب يتقلّص شيئاً فشيئاً من ناحية ، وأخذ يتمحور في بيان النسب دون غيره إلى أن نعاه السيد شهاب الدين المرعشي(٣) بقوله : إنّ علماء هذا الفنّ الجليل قد نفذوا وذهبوا إلى رحمة الله تعالى ، وكنت ممّن أدركت أواخر علماء النسب ، واستفدت من قدسيّ أنفاسهم ، فيا أسفاً على فقدان أعلام النسب ورجالاته(٤) .

ولا يخفى أنّ عقيل بن أبي طالب(٥) كان أقدم الناس وأبرزهم بأخبار

____________________

١- معاوية : هو ابن صخر بن حرب ، ولد سنة ٢٠ قبل الهجرة ، مؤسس الدولة الأموية ، خاض حرباً ضدّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) عُرفت بحرب صفين ، توفّي سنة ٦٠ه في دمشق وفيها دُفن.

٢- راجع مقدّمة باب السيرة الحسينية ، ومقدّمة باب الحسين نسبه ونسله من هذه الموسوعة.

٣- المرعشي : هو أبو المعالي شهاب الدين بن محمود المرعشي النجفي ، المولود عام ١٣١٥ه في النجف الأشرف ، والمتوفّى عام ١٤١١ه في قم المقدّسة وهو النسابة الفقيه ، تولّى المرجعية في إيران بعد وفاة السيد حسين البروجردي عام ١٣٨٠ه إلى جانب أقرانه.

٤- لباب الأنساب / ٧.

٥- عقيل : هو أبو زيد عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، المولود عام ٤٣ق.ه ، والمتوفّى عام ٦٠ه.

قال عنه الصفدي في نكت الهميان : إنّه كانت لعقيل طنفسة (بساط) تُطرح في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويجتمع إليه في علم النسب وأيّام العرب ، وكان أسرع الناس جواباً ، وأخطرهم مراجعة في القول ، وأبلغهم في ذلك ( لباب الأنساب / ٩ ).

٣٤

العرب وأنسابهم في صدر الإسلام ؛ حيث كان من المخضرمين في ذلك ، وكان المرجع الأوّل في هذا العلم.

هذا وقد ظهر إلى جانب هذا العلم - إثر وفاة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وتراكم الأحاديث المنقولة عنه ، والصراع حول صحة النسبة إليه - علم الرجال الذي يبحث عن الأعلام أيضاً ، إلّا أنّه من ناحية الوثاقة والاعتماد في النقل ، ويعتبر عبد الله الكناني(١) هو المؤسس لهذا العلم ، وهو أوّل مَنْ صنّف فيه(٢) .

ومن المعلوم ، أنّ هذه العلوم والفنون أخذت تتميّز بعضها عن الآخر ، وتتولّد منها علوم أُخرى ، وتتطوّر حسب الحاجة حتى أصبح لكلّ منها اختصاص وعلماء وأرباب.

وفي خضمّ هذه انبثق علم الترجمة ؛ ليستقلّ بنفسه باعتباره فنّاً يجمع بين ذكر مشخّصات الرجل ، كتاريخ الولادة والوفاة والنشأة ، وبين تاريخ الرجل ونشاطه العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي ، وسرد مؤلّفاته أو بعض أشعاره وما إلى ذلك من الأمور التي لها علاقة بالرجل ، فمن هنا جاء فنّ الترجمة ، وتبعته فكرة المعاجم.

____________________

١- الكناني : هو أبو محمد عبد الله بن جبلة بن حيان بن الحرّ ، المتوفّى عام ٢١٩ه ، ذكره النجاشي في رجاله / ١٥٠ وقال عنه : كان فقيهاً ثقة مشهوراً ، له كتب منها : كتاب الرجال ، وبيت جبلة بيت مشهور بالكوفة.

٢- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام / ٢٣٣.

٣٥

المعجم

المعجم : مصدر ميمي من عجّم ، أو أعجم الكتاب إذا أزال عجمته وإبهامه بوضع النقاط والحركات ، أو فسره وبيَّنه ، وهي من كلمات الضدّ ، استخدم في كلّ ما من شأنه الإفصاح عن شيء ؛ سواء كان عِلْماً ، أو شخصاً أو ما إلى ذلك.

فإذا قلت : معجم اللغة ، أردت بيان معاني كلماته ، وإذا قلت : معجم الشعراء ، أردت بيان حالهم ، والجمع منه معاجم ، وقد سبق الكلام عنه بشيء من التفصيل(١) .

ولا يخفى أنّ فكرة وضع المعاجم جاءت في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريّين ، ولكنّ التسمية بالمعجم بدأت على ما يظهر في النصف الأوّل من القرن الرابع الهجري ، حين قام أبو عمرو الزاهد محمد بن عبد الواحد ، المعروف بغلام ثعلب ، والمتوفّى عام ٣٤٥ه باستخدام كلمة المعجم كاسم لمصنّفه في تراجم الشعراء ، فسمّاه معجم الشعراء(٢) .

وتبعه بعد ذلك عدد من أعلام القرن الرابع المتأخّرين عنه فأخذوا منه فكرة التسمية وطبّقوها على مؤلّفاتهم ، ومنهم النقّاش(٣) والطبراني(٤) ،

____________________

١- راجع الجزء الأوّل من هذه الموسوعة المسمّى ب- (البداية).

٢- غلام ثعلب : لقب اشتهر به محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المطر الباوردي الإمامي ، المولود عام ٢٦١ه ، أحد أئمّة اللغة المكثرين في التصنيف.كانت ولادته في أبيورد من نواحي خراسان ، وكانت صناعته تطريز الثياب ، صحب ثعلباً النحوي زماناً حتى لقّب بغلام ثعلب ، توفّي في بغداد ، أملى من حفظه في اللغة نحو ثلاثين ألف ورقة ( الأعلام - للزركلي ٦ / ٢٥٤ ).

٣- النقاش : هو أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ، المتوفّى عام ٣٥١ه ، والذي له ثلاثة معاجم :

أ - المعجم الكبير ، ب - المعجم الأوسط ، ج - المعجم الصغير ، وكلّها في القراءات القرآنية ( كشف الظنون ٢ / ١٧٣٧ ).

٤- الطبراني : هو أبو القاسم سليمان بن أحمد ، المتوفّى عام ٣٦٠ه ، صاحب المعاجم

=

٣٦

والإسماعيلي(١) والمرزباني(٢) ، والهمداني(٣) والقناني(٤) ، ثمّ شاع استعماله إلى يومنا هذا(٥) .

وعلى أيّة حالٍ ، فإنّ الغرض من وراء وضع المعاجم عن الشخصيات هو معرفة أخبارهم ، وإحياء ذكراهم ، وتكريم ذواتهم.

وفي هذا المضمار يقول الشاعر - من الطويل - :

إذا عرفَ الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضى

تخيّلته قد عاشَ حيناً من الدهرِ

وقد عاشَ كلّ الدهرِ مَنْ كان عالما

كريماً حليماً فاغتنم أطولَ العمرِ(٦)

____________________

=

الثلاثة :

أ - المعجم الكبير ، ب - المعجم الأوسط ، ج - المعجم الصغير ، وكلّها في الحديث ( كشف الظنون ٢ / ١٧٣٧ ).

١- الإسماعيلي : هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ، المتوفّى عام ٣٧١ه ، له معجم الشيوخ ( كشف الظنون ٢ / ١٧٣٥ ).

٢- المرزباني : هو أبو عبد الله محمد بن عمران الخراساني البغدادي ، المتوفّى عام ٣٨٤ه ، صاحب معجم الشعراء ( الذريعة ٢١ / ٢١٧ ).

٣- الهمداني : هو أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد بن الفرج بن بلال ، المولود عام ٣٠٧ه ، والمتوفّى عام ٣٩٨ه ، له معجم الصحابة ( معجم المؤلّفين ١ / ٣١٨ ).

٤- القناني : هو أبو الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرّة الكاتب ، من أعلام القرن الرابع ، له كتاب معجم رجال أبي المفضّل ( رجال النجاشي / ٢٨٣ ).

٥- هذا وقد فصّلنا الكلام عن هذا الموضوع في الجزء الأوّل من دائرة المعارف الحسينية ، المسمّى بالبداية.

٦- النور السافر / ٢.

٣٧

هذا المعجم

لقد قمنا بدراسة واسعة لعدد كبير من المعاجم التي تولّت عملية ترجمة الشعراء ، قبل أن نضع هذا المعجم لمحاولة القيام بالأفضل في هذا الحقل ، وكان كالتالي :

١ - إنّ الحدّ الأوسط والذي يمكن من خلاله إعطاء فكرة غير مجحفة في حقّ الشاعر لا يتمّ عادة إلّا من خلال عشر صفات ؛ ليتسنّى استعراض جوانب مختلفة من نتاجه الأدبي.

وهذا ما حدا بنا أن نلتزم بهذا المقدار(١) حدّ الإمكان ، ولكن هناك فوارق وتجاوزات لا بدّ من الإشارة إليها هنا وهي :

أ - قد يبخل التاريخ في إعطاء صورة واضحة عن الشعراء ، بسبب الاضطهادات المتكرّرة التي أعدمت الكثير من نتاجهم الأدبي ، وصادرت عيون أشعارهم ، بل وسترت جميع الوثائق التاريخية ، أو بعضها بستائر الحقد والجهل ، وعندها نضطرّ إلى ثبت كلّ ما بحوزتنا من المعلومات ؛ لملأ الخلاء الذي واجهناه في مسيرة الترجمة.

وهذا بحدّ ذاته يعتبر تجاوزاً لما ألزمنا به أنفسنا من البحث عن جانب الشعر دون غيره ، وفي هذه الحالة نفضّل البحث عن حياته الأدبية - في جانب النثر - بالدرجة الأولى إن وجد ، ثمّ التطرّق إلى سيرته الذاتية وغيرها.

وهذا لا يعدّ خرقاً في الحقيقة ، بل محاولة لمعرفة شخصيّة الشاعر ، والخروج به من دائرة الجهل بالقدر الممكن.

وقد لا نوفّق للحصول على هذا القدر من المعلومات عن شخصيته ، أو

____________________

١- ومن الجدير ذكره : أنّنا التزمنا بالعشر صفحات بغض النظر عن الهوامش ، فلا ينتقض بما إذا جاء التعليق في الهامش على ترجمة أحدهم ، وتسبب بزيادة عدد الصفحات ؛ إذ العبرة بالمتن حسب صفحاتنا قبل الطبع وقبل التعليق.

٣٨

قد يتّفق إنّنا قد تطرّقنا إليها في مجال آخر فلا نودّ إعادة تلك المعلومات وثبتها في حقلين ؛ تجنّباً من التكرار الممل والمعيب معاً ، فعندها نخضع للأمر الواقع وننتظر أن يكشف لنا المستقبل ما يمكن كشفه.

وإذا ما اتّفق أنّ المترجم له وردت ترجمته في أكثر من مجال في هذه الموسوعة ، كالشاعر الخطيب ، والشاعر المؤلّف ، والشاعر من أنصار الحسين (عليه‌السلام ) فهذا بالطبع يترجم في كلّ هذه الحقول ، ولكن نوعية الترجمة تختلف اختلافاً كلّياً ؛ فترجمة الشاعر تخصّص بالجانب الأدبي من الشعر دون غيره ، وترجمة الخطيب تقتصر على الجانب الخطابي وهكذا.

ومع هذا فإنّ هناك بعض المعلومات لا بدّ وأن تتكرّر ؛ لأنّها ملازمة لمعرفة تلك الشخصية ، كالاسم والنسب ، وتاريخ الولادة وبلدها ، والنشأة وتاريخ الوفاة ، وهذا هو القاسم المشترك بين التراجم كلّها.

ب - هناك شخصيات تأخذ مساحة أكبر من الذي حدّدناه للجدل القائم في الشخص مثلاً ، أو في نتاجه الأدبي ونسبته إليه ، أو في معتقده فيما إذا ساعدنا ذلك على كشف الغموض عن حياته الأدبية ، وعندها نترك العنان لحدّ التواصل إلى المقصود مع مراعاة عدم الإسهاب في ذلك.

٢ - من خلال دراستنا للمعاجم الأخرى لفت انتباهنا أنّ بعض أصحاب المعاجم أخذتهم الحمية في ترجمة بني قومه أو طائفته ، أو بلدته أو قوميّته أو ما إلى ذلك ، فأسهب إلى حدّ الإفراط ، وتحدّث عن الواحد منهم بعشرات الصفحات حتى كادت ترجمته تكوّن مجلداً مستقلاً ، بينما أجحف في حقّ غيره دون أن يقدّم سبباً مقنعاً لذلك.

وقد لاحظت من أحدهم كيف يميّز بين المترجمين ويجعلهم في درجات مختلفة حسب الترتيب التالي : بنو قومه ، بنو بلدته ، بنو قوميّته ، بنو المهجر ، ولا يتورّع من الطعن في غيره.

وقد زاد استغرابي حين قرأت لبعضهم عن شخصيّة ليست من بني قوميّته فتعرّض لأمور أقلّها أنّها لا تطابق ، وقول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( ليس لعربي على عجمي فضل إلّا بالتقوى ))(١) ، وهذا لا اختصاص بقوميّة دون أخرى ، بل

____________________

١- بحار الأنوار ٧٣ / ٣٥٠.

٣٩

وجدته عند أكثر الأطرف من الرجال لا يليق بهم ذلك.

والأغرب من ذلك أنّه كثيراً ما وجدت المترجم يمدح المترجم له في نتاجه الأدبي ، ورغم ذلك يطعن فيه وفي نتاجه من جهة كونه من أبناء طائفة أُخرى ، ويختلف معه عقائدياً ، وقد نسي قول الله تبارك وتعالى :( إنَّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أتْقاكُم ) (١) .

وهناك مَنْ يذكر أبناء مدينته فيطيل الكلام في مدحه ، ويكرّر الألفاظ الفضفاضة دون جدوى ، ولمـّا يصل إلى آخر من غير مدينته فيأتيه العسر والبخل والشح معاً فتتكرّم أنامله بتحرير بعض الأسطر الجافة ، فتأتي ترجمة الشخص مقتضبة جدّاً ، قد لا تتجاوز في بعض الأحيان حتى نصف الصفحة ، وقد نسي قول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : (( الناس سواء كأسنان المشط ))(٢) .

وهذا ما جعلني أن آخذ جانب الحياد ، وأنظر إلى الشاعر من زاوية الأدب ، ومن منطلق الشعر ؛ لأقف موقفاً يصدق معه ( لا تأخذني فيه لومة لائم ).

٣ - امتنعت عن نقل أيّة معلومة من شأنها التنقيص بحقّ المترجم ؛ لأنّني لست في صدد دراسة سيرته الذاتية لألقي الضوء الكاشف على كلّ جوانب حياته حتى السلبية منها ، وإنّما أقتصر على دارسة حياته الأدبية - جانب الشعر - فقط ، وقد امتعضت ممّا شاهدته في بعض المعاجم القديمة والحديثة على حدّ سواء من التطرّق إلى ما لا يرتضيه ذو الفكر السليم ، والأولى بنا أن نستر ما ستره الله تعالى.

نعم ، هناك بعض الاستثناءات لا بدّ لي من الإشارة إليها ، ولعلّها تنحصر في مَنْ شاع ظلمه وأصبح طاغية ، بل أصبح الظلم بعينه ، أصاب ظلمه العباد والبلاد ، أو أنّه أخذ يسيء ويهجو رمزاً عقائدياً ، كالرسول محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، أو أهل بيته الذين فرض الله علينا مودّتهم ، وطهّرهم تطهيراً ، فعندها نجوّز لأنفسنا كشف سجلّه المليء بالظلم والانحراف ، وحنيئذ تنقلب الآية فلا يغتفر لِمَنْ يكتم ذلك ، كما هو الحال في يزيد البارحة واليوم ، قال

____________________

١- سورة الحجرات / ١٣.

٢- بحار الأنوار ٧٥ / ٢٥١.

٤٠