فضائل زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام)
0%
مؤلف: طالب خان
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 103
مؤلف: طالب خان
تصنيف:
المشاهدات: 6869
تحميل: 3140
توضيحات:
مؤلف: طالب خان
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 103
مؤلف: طالب خان
تصنيف:
فضائل زيارة
الإمام الحسين (عليهالسلام )
طالب خان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
مقدّمة
من طبيعة الأيام أنها حبلى بالأحداث ، وأنها لا تنتهي من ولادة حدث إلا وتعيش ولادة أحداث جديدة أُخرى.
وعلى مدى الأيام شهدت الإنسانية أحداثاً ساخنة ، قد لا يستطيع الإنسان إحصاءها ، وقد ذهب ذكرها أدراج الرياح ، ولم يبق منها أثر. ولكن ثمّ حدث وقع سنة ( ٦١ ) للهجرة ، لا زال صداه يدوّي في الآفاق ، وأخباره تتناقلها الأجيال ، وتتعاطف معها الشعوب....
تُرى ما هو ذلك الحدث ، وما الذي جرى فيه ؟
إنه يوم عاشوراء ، حيث برز الإيمان بكل تجلياته في قبال الكفر والنفاق بكل أشكاله.
ولم يُخلّد يوم عاشوراء في وجدان البشرية إلا بفضل قائد جبهة الحق والإيمان الإمام الحسين (عليهالسلام ) ؛ منار الهدى والاستقامة ، ومعدن العلم والحكمة ، وتجلي الخير والبركة ، ورمز البطولة والشجاعة... إذ نهض بكل وجوده بوجه طغيان بني أُمية بعد أن استشرى فسادهم ، وعمّ ظلمهم وأذاهم ، وشاع انحرفهم عن نهج الرسالة....
وبذلك أماط (عليهالسلام ) كل الحجب التي تستّر بها بنو أُمية في سبيل إغواء المسلمين ، وفرض سلطانهم عليهم... فأبان قبح سيرتهم ، وضلالة نهجهم ، وشؤم أهدافهم... وكان بذلك قد دق جرس الإنذار على أقصى درجاته ، محذّراً من أخطار كبيرة تحيط بالأُمة ، بحيث لا يمكن السكوت عليها ، أو غض النظر عنها.
وتبعاً لذلك لم يسمح الإمام الحسين (عليهالسلام ) لنفسه أن يقف مكتوف الأيدي دون أن يظهر كلمته ، فأعلنها نهضة عارمة زلزلت عرش الطغيان.
ويخطئ من يتصور أن نهضة عاشوراء حدث تاريخي بحت ، له أُطره الزمانية والمكانية في غابر الزمان. والحق أن هذه النهضة لم تتحدد بإطار زماني ولا مكاني ، وإنما امتدّت مع الزمن لتجعل منه كل يوم عاشوراء ؛ كما أنها شملت كل أرجاء المعمورة ، مما صدق عليها القول : كل أرض كربلاء. إذ أن صوت الإمام الحسين (عليهالسلام ) بقي يدوّي في كل زمان وفي كل مكان، يدعو إلى نصرة الحق والدفاع عن المظلومين....
وبهذا جعل الإمام الحسين (عليهالسلام ) من يوم عاشوراء وأرض كربلاء منعطفاً كبيراً في مسيرة البشرية. لذا تجد أن كل من أعلن طغيانه قد وقف أمامه من يتحداه ، مستلهماً من عاشوراء دروساً ، ومن كربلاء تجارب ، فينغص عليه نشوته ، دون أن يخشى من بطشه وإرهابه ، لأنه يرى الموت في مواجهة الظالمين سعادة ، والعيش معهم برماً.
وقد آلى الطغاة على أنفسهم أن يخنقوا صوت الإمام الحسين (عليهالسلام ) وهو في رمسه ، حتى أنهم منعوا الناس من زيارته ، بل وهدموا قبره... ومع ذلك لم يقدروا على محو ذكره ، ولا إماتة نهجه....
ولعل أول من بادر إلى ذلك وتصور أنه قد تمكن من خنق صوت الحسين (عليهالسلام ) وإلى الأبد هو الطاغية يزيد بن معاوية ، يوم قُدّم بين يديه رأس الحسين (عليهالسلام ) شهيداً ، وراح ينكت على ثناياه بقضيب خيزران.
غير أن السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهماالسلام ) كشفت عن خطأ ما ذهب إليه يزيد ، وأن ظنه ليس إلا وهماً ، فقالت له : (( فكد كيدك ، واسع سعيك ،
وناصب جهدك ؛ فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا... ))(١) .
وقد أثبتت الأيام صحة ما نطقت به السيدة زينب (عليهاالسلام ) ، فمنذ أن ضمّت أرض كربلاء جسد الإمام الحسين (عليهالسلام ) راحت تتفاخر بفضلها وتتشامخ بعزتها ، لتقف في وجه كل عواصف الطغاة ، لتعلن عن كونها لا زالت تحمل راية الإمام الحسين (عليهالسلام ) المناهضة للظلم والاعتداء ، والمخالفة للفسوق والفساد ، والمعارضة للكفر والنفاق... وكأنها تصرخ بقول الإمام الحسين (عليهالسلام ) : (( هيهات منا الذلة ))(٢) .
ولم ينفك المؤمنون عن مراودة هذه الأرض لزيارة مرقد سيد الشهداء الإمام الحسين (عليهالسلام ) ، الذي يشم منه رائحة الجنة.
ولا تعجب من ذلك ، فقد روي عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبدالله - الإمام جعفر الصادق - (عليهالسلام ) يقول : (( موضع قبر الحسين (عليهالسلام ) منذ دفن روضة من رياض الجنة))(٣) .
وقال (عليهالسلام ) أيضاً : (( موضع قبر الحسين (عليهالسلام ) ترعة من ترع الجنة )).
ولم يفتأ المؤمنون يلثمون قبر الإمام الحسين (عليهالسلام ) بشفاههم ، ليستشفوا بتربته ويتقربوا إلى الله عز وجل بالدعاء عند قبره ، حيث هنالك تضمن الإجابة ، كما ورد عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر - الإمام محمد الباقر - وجعفر بن محمد - الإمام الصادق - (عليهماالسلام ) يقولان : (( إن الله عوّض الحسين (عليهالسلام ) من قتله أن الإمامة من ذريته ،
___________________
١- بحار الأنوار ، الشيخ محمد باقر المجلسي ٤٥/١٣٥.
٢- الاحتجاج ، الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ٢/٣٠٠.
٣- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي /١٢٠.
والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ؛ ولا تُعدّ أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ))(١) .
لذا لم يمنعهم مانع من اقتحام الصعاب ، وركوب المخاطر من أجل الظفر بزيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ). ورغم كل المحاولات الفاشلة من قبل الحكومات الظالمة لإبعاد الناس عن هذا المزار الشريف صار الناس يتوافدون لزيارته من كل فج عميق ، متحمّلين مشاكل الطريق وصعوبات السفر وكل خطر مرتقب....
وقد اعتاد الناس زيارته (عليهالسلام ) دون أن يدرك الكثير منهم فضائل زيارته ، وما له من ثواب عظيم.
ولأجل أن يزداد زائر الإمام الحسين (عليهالسلام ) معرفة بذلك بادرنا إلى تأليف هذا الكتاب ، حيث جمعنا فيه طائفة من الأحاديث والروايات الواردة عن النبي وأهل بيته (عليه وعليهمالسلام ) الدالة على ذلك. وقد عمدنا إلى ذكرها من دون أي شرح أو بيان ، ليأخذها القارئ كما هي من فم النبي وأهل بيته (عليه وعليهمالسلام ) ، وهي بلا أدنى شك أحلى بياناً ، وأجمل أدباً ، وأقرب فهماً.
ولا تعجب حينما تقرأ النصوص التي أوردناها في فضل زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) ، حيث تجدها متنوعة في الثواب ؛ فمنها ما يعادل غفران الله وفضل كثير، وأيضاً في كرامة الله وحفظ الله ، وكذلك أمان من الفقر وقضاءالحوائج... كما أنها متعددة في حجم الثواب ؛ فمنها ما يعادل الحج مرة ، واثنين وثلاث حتى عدّ الألف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العمرة ، وما إلى ذلك.
عندها قد يخطر على بالك بأن هذه النصوص يعتريها شيء من التضارب والاختلاف ، ولكنك إذا تأملتها بصورة أدق وجدتها تحكي حقيقة ناصعة رغم تفاوت نوع الثواب وحجمه.
___________________
١- وسائل الشيعة ، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ١٠/٣٢٩ - ٣٣٠.
ومن حقك أن تسأل : كيف ذلك ؟
الجواب : أن كل واحدة من الروايات والأحاديث تنطبق على أفراد دون غيرهم ، وذلك حسب تفاوتهم في درجات معرفة حق الإمام وحرمته وولايته ، ومستوى الإيمان والتقوى ، ومدى تحمله للمشقة في ذلك ، فتجد أحدهم لا يظفر من زيارته إلا اللمم من الثواب ، وآخر يعود بثواب عظيم.
وإلى هذا أشار العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي في قوله : لعل اختلاف هذه الأخبار في قدر الفضل والثواب محمولة على اختلاف الأشخاص والأعمال ، وقلة الخوف والمسافة وكثرتهما ؛ فإن كل عمل من أعمال الخير يختلف ثوابها باختلاف مراتب الإخلاص والمعرفة والتقوى وساير الشرايط التي توجب كمال العمل ، على أنه يظهر من كثير من الأخبار أنهم كانوا يراعون أحوال السائل في ضعف إيمانه وقوته ، لئلا يصير سبباً لإنكاره وكفره ، وأنهم كانوا يكلّمون الناس على قدر عقولهم(١) .
وهناك ثَمّ من يقف إزاء عظيم ثواب زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) متحيراً ، فيتساءل متعجباً : هل من المعقول أن ينال الإنسان بزيارة واحدة لقبر الإمام الحسين (عليهالسلام ) كل ذلك ؟
نقول له : نعم ، ينال ذلك بكل يقين ، لأنه من عطاء ربك الذي لا تفنى خزائنه ، ولا ينفد ما عنده ، ولا يزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً ، وما كان عطاء ربك محظوراً.
أما إذا نظرت إلى عظيم ثواب ما يناله زائر الإمام الحسين (عليهالسلام ) من منظارك الشخصي وقدراتك الذاتية ؛ مهما كنت كريماً ومعطاءً ، ومهما كان حبك وولاؤك للإمام الحسين (عليهالسلام ) إلا أنك ستجد نفسك لا تطيق قبول تلك الفضائل ، عندها تتولّد عندك حالة الشك في صحة تلك
___________________
١- بحار الأنوار ، الشيخ محمد باقر المجلسي ٩٨ / ٤٤.
الأخبار. وهذه الحالة تقودك إلى التكذيب بما جاء جملة وتفصيلاً.
وليس هذا بأمر جديد ، وإنما قد أُصيب به آخرون ، حتى في زمن أئمة الهدى (عليهمالسلام ).
وقد شكا من هذا الأمر ذريح المحاربي ، إذ قال : قلت لأبي عبدالله - الإمام جعفر الصادق - (عليهالسلام ) : ما ألقى من قومي ومن بنيّ إذا أنا أخبرتهم بما في إتيان قبر الحسين (عليهالسلام ) من الخير، إنهم يكذبوني ويقولون : إنك تكذب على جعفر بن محمد ؟ قال الإمام الصادق (عليهالسلام ) : يا ذريح ، دع الناس يذهبوا حيث شاؤوا. والله ، إن الله ليباهي بزائر الحسين (عليهالسلام )(١) .
من هنا يجدر بنا أن ننظر إلى فضائل زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) وثوابها من منظار رحمة الله الواسعة ، لا من منظارنا الشخصي.
وهنا لابد من القول : إن كل ما تقرؤه من روايات وأحاديث ، بالتأكيد ليست كلمات دعائية وعبارات تشجيعية لا تخلو من المبالغة وإنما هي كلمات الصادقين ، وعبارات المتقين ، الذين لا ينطقون عن الهوى.. فإذا ما تيقنت من هذا ضمنت لنفسك عظيم الثواب وجليل الفضائل ، لأنها لا تكون إلا من أتاها وقلبه مطمئن بها ومسلم لها.
ولنا كلمة أخرى ، وهي أن هذه الفضائل المخصصة لزوار الإمام الحسين (عليهالسلام ) بالتأكيد إنما هي جاءت لتهذيب النفس وبناء الشخصية الإيمانية ، لا أن يتخذها ذريعة لارتكاب المحارم واقتراف الذنوب والدخول في نفق المنكرات.
___________________
١- كامل الزيارات ، الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه / ١٤٣.
كلا ، يخطئ من يتصور أن زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) ستنقذه من العقاب الإلهي في حال إصراره على الذنوب والخطايا ، وإنما من تاب وآمن أُولئك لهم حسن الثواب.
وعليه لابد أن نتخذ من زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) مدرسة لبناء شخصياتنا وتربية أنفسنا ، وفق ما رسمه لنا الإمام الحسين (عليهالسلام ) في كلماته وسيرته الوضّاءتين. أما أن نطوف بحضرته ، وأن نحضر عند قبره فقط ، هذا لا يكفي أبداً ، وإنما يجدر بنا أن نتأدّب بآدبه ، وأن نسير بسيرته ، وأن نقتدي بهداه ؛ كأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونطيع الله ورسوله ، وأن نحقق في أنفسنا حالة التولي والتبري ، فنكون سلماً لمن سالمه وحرباً لمن حاربه ، وولياً لمن والاه وعدواً لمن عاداه.
نرجو أن يكون هذا الكتاب سبباً للمزيد من الاشتياق إلى زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) ، وخير وسيلة للاستزادة من الثواب ، كما نسأله تعالى أن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع بأحسن قبوله ، وأن يكتبنا عنده من زوار الإمام الحسين (عليهالسلام ) إن شاء الله تعالى.
طالب خان
١٥ / ربيع الأول / ١٤٢٥ ه
الفصل الأول
ذلكم الإمام الحسين (عليهالسلام )
قبل أن ندخل في رحاب معرفة فضائل زيارة الإمام الحسين (عليهالسلام ) يجدر بنا أن نتعرف على شخصيته ونهجه ومنهجه ؛ فيا تُرى هل عرفنا الإمام الحسين حق معرفته ؟
لاشك أن كل مسلم يعرف الإمام الحسين (عليهالسلام ) بنسبة أو أُخرى ، وقد تتضاعف تلك المعرفة عند المحبين والموالين له. ومهما تعاظمت تلك المعرفة إلا أنها تبقى على ضفاف شاطئ الحسين الوسيع والعميق ، وبذلك نجد أنفسنا نحبو على عتبة شخصيته. فهو سليل النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومعين العلم ، ومنهل الحكمة. المعصوم من الزلل ، المأمون من الفتن ، المطهّر من الدنس... فكيف يتسنى لنا أن نصف حسن ثنائه ، وأن نحصي جميل بلائه ؟ لذا باتت معرفة الإمام الحسين أكثر شموخاً وأعلى منزلة ، ولأجل أن نرقى إليها وأن نعرج في آفاقها ينبغي أن نوفر في أنفسنا مؤهلات المعرفة.
ولتحقيق ذلك لا مناص لنا من مراجعة كتب التفسير والحديث والتاريخ وغيرها... لنقف على بعض معالمه. ولسنا بصدد تدوين تفاصيل كل ذلك ، لأنه يحتاج الى تأليف مجلدات ومجلدات ، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نذكر ولو بعض معالم شخصيته. وخير من بَيَّن ذلك بعمق واختصار هو رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وأهل بيته الأطهار (عليهمالسلام ).
فقد قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : (( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً. حسين سبط من الأسباط ))(١) .
وقال (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : (( الحسن والحسين ؛ من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم. ومن أبغضهما وبغى عليهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار وله عذاب مقيم ))(٢) .
وقال (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) لعلي وفاطمة والحسن والحسين : (( أنا سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ))(٣) .
وقال الحسين بن علي (عليهماالسلام ) : (( دخلت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وعنده أُبيّ بن كعب ، فقال لي رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) : مرحباً بك يا أبا عبدالله ، يا زين السماوات والأرض. قال له أُبيّ : وكيف يكون يارسول الله زين السماوات والأرض أحد غيرك ؟! فقال : يا أُبيّ ، والذي بعثني بالحق نبياً إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله : مصباح هدى وسفينة نجاة ))(٤) .
وروي عن حذيفة قال : أتيت النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) فصليت معه المغرب ، فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل ، فتبعته ، فسمع صوتي فقال : (( من هذا ، حذيفة ؟ قلت : نعم.
___________________
١- ذخائر العقبى ، الشيخ محب الدين الطبري / ١٣٣.
٢- نظم درر السمطين ، الشيخ الزرندي الحنفي / ٢١٠.
٣- سنن ابن ماجه ، الشيخ محمد بن يزيد القزويني١ / ٥١.
٤- بحار الأنوار ، الشيخ محمد باقر المجلسي ٩١ / ١٨٤.
قال : إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربه أن يسلّم عليّ ويبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ))(١) .
وهكذا تترى الأحاديث النبوية الشريفة في بيان عظمة شخصية الإمام الحسين (عليهالسلام ) وعلو شأنه ورفعة منزلته. وحتى لا نسترسل مع هذه الأحاديث رغم جمالها وجلالها نوجز الحديث في جملة موارد أساسية في خصوص معرفة الإمام (عليهالسلام ).
١- مطهر من الدنس :
من عظيم شأن الإمام الحسين (عليهالسلام ) أنه طهر طاهر مطهَّر ؛ يفيض منه النقاء ، وتتجلى فيه كل سمات الصلحاء.. وفي ذات الوقت لا يدانيه باطل ، ولا يقربه هوى النفس.
وقد روي عن جابر قال : نزلت هذه الآية على النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ (الأحزاب / ٣٣).
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ) : (( اللهم هؤلاء أهلي ))(٢) .
وعن هذا روي أيضاً عن أبي سعيد الخدري في قول الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ قال: جمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) علياً وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أدار عليهم الكساء ، فقال : (( هؤلاء أهل بيتي. اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ))(٣) .
___________________
١- ذخائر العقبى ، الشيخ محب الدين الطبري / ١٢٩.
٢- شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني ٢ / ٢٩.
٣- شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني ٢ / ٣٨.
٢- معصوم :
ولما كان الإمام الحسين (عليهالسلام ) بعيداً كل البعد عن كل إثم ، كما كان بعيداً كل البعد عن كل خطيئة ، وكذلك كان بعيداً كل البعد عن كل مكروه ، حيث أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيراً ، كان معصوماً من الخطأ ، كما كان معصوماً من الرذائل ، وأيضاً معصوماً من كل قبيح.
وقد روي عن عبدالله بن عباس قال : سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) يقول : (( أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون ))(١) .
٣- إمام :
وهل تليق الإمامة إلا بمن توفرت فيه هذه الصفات المثلى ، والسمات العليا ؟
حقاً كان الحسين بن علي (عليهماالسلام ) هو الأَوْلى بتسنم درجة الإمامة ، لما يتميز به من علم ومعرفة ، وزهد وتقوى ، وشجاعة وبطولة. وقد اختاره الله عز وجل لهذه المهمة الصعبة والمكانة العظمى ، وقد أخبرنا بذلك على لسان نبيه (صلىاللهعليهوآله ) ، حيث روي عن سلمان الفارسي قال : دخلت على النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم ) فإذا بالحسين (عليهالسلام ) على فخذه ، وهو يقب-ل عينيه ويقب-ل فاه و[هو] يقول : (( أنت سيد ابن سيد ، وأنت إمام ابن إمام ، وأنت حجة ابن حجة ، وأنت أبو حجج تسعة ، تاسعهم قائمهم ))(٢) .
وقال الإمام الحسن (عليهالسلام ) : (( إن الحسين بن علي (عليهماالسلام ) بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي ، وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبيصلىاللهعليهوآله أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه
___________________
١- ينابيع المودة ، الشيخ سليمان القندوزي ٢ / ٣١٥.
٢- ينابيع المودة ، الشيخ سليمان القندوزي ٢ / ٣١٥.
وأُمّه ، فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمداً (صلىاللهعليهوآله ) ، واختار محمدٌ علياً (عليهالسلام ) واختارني علي (عليهالسلام ) بالإمامة ، واخترت أنا الحسين (عليهالسلام ) ))(١) .
٤- الولاية :
متى ما أحسستَ ببرد حب الحسين في قلبك ، ومتى ما لمست طهارة الحسين بوجودك ، ومتى ما أدركت عصمة الحسين في حياتك ، ومتى ما أقررت للحسين بالإمامة ، عند ذاك تكون مؤهلاً للدخول في رحاب ولايته.
وهل تعلم ماذا تعني ولاية الحسينعليهالسلام ؟
إنها عروة الله الوثقى.
وقد روي عن أبي جعفر - الإمام محمد الباقر - (عليهالسلام ) قال : (( قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) : من أراد أن يتمسّك بعروة الله الوثقى التي قال الله تعالى في كتابه فليوالِ علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهمالسلام ) ، فإن الله يحبهما من فوق عرشه ))(٢) .
٥- الشهادة :
وختم الإمام الحسين (عليهالسلام ) حياته بالشهادة ، وذلك حينما رأى الحق لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه ، والعدل أضحى جوراً والقرآن صار مهجوراً ؛ فخرج لطلب الإصلاح في أُمة جده رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ، لا أشراً ولا بطراً ، فناضل من أجل الدين ، ونهض من أجل المستضعفين ، دون أن يركن إلى الظالمين طرفة عين أبداً ، حتى سقط شهيداً على أرض كربلاء ، في يوم عاشوراء عام ( ٦١ ) للهجرة.
___________________
١- الكافي ، الشيخ الكليني ١ / ٣٠١.
٢- كامل الزيارات ، الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه / ١١٧.
وقبل أن يدخل هذا الحدث التاريخ أخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) بحدوثه ، بعد سويعات من ولادة الحسين (عليهالسلام ) ، إظهاراً لسمو مرتبته وعظيم منزلته.
ونلمس ذلك عن قرب ، حينما أخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) ابنته فاطمة الزهراء (عليهاالسلام ) بما يجري على ولدها الحسين (عليهالسلام ) في خاتمة حياته.
روي عن أبي عبدالله - الإمام جعفر الصادق - (عليهالسلام ) قال : (( كان الحسين (عليهالسلام مع أُمه تحمله ، فأخذه النبي (صلىاللهعليهوآله ) وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك.
قالت فاطمة : يا أبه ، أي شيء تقول ؟!
قال : يا بنتاه ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والبغي ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء ، يتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت : يا أبه ، وأي هذا الموضع الذي تصف ؟
قال : موضع يقال له كربلاء ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأُمة ؛ يخرج شرار أُمتي ، وإن أحدهم لو يشفع له من في السماوات والأرضين ما شُفِّعوا فيه ، وهم المخلدون في النار.
قالت: يا أبه ، فيُقتل ؟
قال: نعم يا بنتاه ، وما قُتِل قتله أحد كان قبله ، وتبكيه السماوات والأرضون والملائكة والنباتات والجبال والبحار ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس ؛ ويأتيه قوم من محبينا ، ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم لحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أُولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غداً ،
أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبونا ولا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، بهم ينزل الغيث.
فقالت فاطمة (عليهاالسلام ) : يا أبه ، إنا لله ، وبكت.
فقال : يا بنتاه ، إن أهل الجنة هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ، وعداً عليه الحق. فما عند الله خير من الدنيا ، وما فيه قتله أهون من ميتة. من كتب عليه القتل ، خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت.
يا فاطمة بنت محمد ، أما تحبين أن تأمري غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟
أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟
أما ترضين أن يكون أبوك يسألونه الشفاعة ؟
أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أولياءَه ، ويذود عنه أعداءَه ؟
أما ترضين أن يكون بعلك قسيم الجنة ، ويأمر النار فتطيعه ، يُخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟
أما ترضين أن تنظري الى الملائكة على أرجاء السماء ، وينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلايق وهو يخاصمهم عند الله ؛ فما ترين الله صانعاً بقاتل ولدك وقاتليك إذا أفلجت حجته على الخلايق ، وأمرت النار أن تطيعه ؟
أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لابنك ويأسف عليه كل شيء ؟
أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله الحرام واعتمر ، ولم يخلْ من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟
قالت: يا أبه ، سلمت ورضيت وتوكلت على الله.