دروس في فنّ الخطابة

دروس في فنّ الخطابة0%

دروس في فنّ الخطابة مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 128

دروس في فنّ الخطابة

مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف:

الصفحات: 128
المشاهدات: 18195
تحميل: 3990

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 128 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18195 / تحميل: 3990
الحجم الحجم الحجم
دروس في فنّ الخطابة

دروس في فنّ الخطابة

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

الخطبة الثانية : صفات المنافقين

(( أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ ، وأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ ؛ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ ، والزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ(١) ، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً ، ويَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً(٢) ، ويَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ ، ويَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ ، قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ(٣) ، وصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ ، يَمْشُونَ الْخَفَاءَ(٤) ، ويَدِبُّونَ الضَّراءَ ، وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ ، وقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ ، وفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ(٥) ، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ(٦) ، ومُؤَكِّدُو الْبَلاءِ ، ومُقْنِطُو الرَّجَاءِ ، لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ(٧) ، وإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ ، ولِكُلِّ شَجْو دُمُوعٌ(٨) ، يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ(٩) ، ويَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ ، إِنْ سَأَلُوا

____________________

١ - الزالون من زل ، أي أخطأ. والمزالون من أزله إذ أوقعه في الخطأ.

٢ - يفتنون ، أي يأخذون في فنون من القول لا يذهبون مذهباً واحداً. ويعمدونكم ، أي يقيمونكم بكلّ عماد. والعماد ما يُقام عليه البناء ، أي إذا ملتم عن أهوائهم أقاموكم عليها بأعمدة من الخديعة حتى توافقوهم. والمرصاد : محل الارتقاب ، ويرصدونكم يقعدون لكم بكلّ طريق ليحولّوكم عن الاستقامة.

٣ - دوية ، أي مريضة من الدوى بالقصر وهو المرض ، والصفاح : جمع صفحة ، والمراد منها صفاح وجوههم ، ونقاوتها صفاؤها من علامات العداوة وقلبوكم ملتهبة بنارها.

٤ - يمشون مشي التستّر ويدبّون ، أي يمشون على هيئة دبيب الضرّاء ، أي يسيرون سريان المرض في الجسم ، أو سريان النقص في الأموال والأنفس والثمرات.

٥ - الداء العياء : - بالفتح - الذي أعيى الأطباء ولا يمكن منه الشفاء.

٦ - حسدة : جمع حاسد ، أي يحسدون على السعة ، وإذا نزل بلاء بأحد أكدوه وزادوه ، وإذا رجى أحد شيئاً أوقعوه في القنوط واليأس.

٧ - الصريع : المطروح على الأرض ، أي أنّهم كثيراً ما خدعوا أشخاصاً حتى أوقعوهم في الهلكة.

٨ - الشجو : الحزن ، أي يبكون تصنّعاً متى أرادوا.

٩ - يتقارضون كلّ واحد منهم يثني على الآخر ليثني الآخر عليه ، كأنّ كلاً منهم يسلف الآخر ديناً ليؤدّيه إليه وكلّ يعمل للآخر عملاً يرتقب جزاءه عليه.

١٠١

أَلْحَفُوا(١) ، وإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا ، وإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا ، قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً ، ولِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلاً، ولِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً ، ولِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً ، ولِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً ، يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ؛ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ ، ويُنْفِقُوا بِهِ أَعْلاقَهُمْ(٢) ، يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ(٣) ، ويَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ ، قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ(٤) ، وأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ ، فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ(٥) ، وحُمَةُ النِّيرَانِ ، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ )).

____________________

١ - بالغوا في السؤال وألحّوا. وإن عذلوا ، أي لاموا كشفوا ، أي فضحوا مَنْ يلومونه.

٢ - ينفقون ، أي يروّجون من النفاق - بالفتح - ، ضدّ الكساد. والأعلاق : جمع علق ، الشيء النفيس ، والمراد ما يزيّنونه من خدائعهم.

٣ - أي يشبهون الحقّ بالباطل.

٤ - يهوّنون على الناس طرق السير معهم على أهوائهم الفاسدة ، ثمّ بعد أن ينقادوا لهم يضلعون عليهم المضائق ، أي يجعلونها معوجّة يصعب تجاوزها فيهلكون.

٥ - اللمّة - بالضمّ - الجماعة من الثلاثة إلى العشرة ، والمراد هنا مطلق الجماعة ، واللمّة بالتخفيف : الإبرة تلسع بها العقرب ونحوها ، والمراد لهيب النيران.

١٠٢

١٠٣

الخطبة الثالثة : خطبة الجهاد

(( أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ ، وهُو لِبَاسُ التَّقْوَى ، ودِرْعُ اللهِ الْحَصِينَةُ ، وجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ(١) ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ الذُّلِّ ، وشَمِلَهُ الْبَلاءُ ، ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَةِ(٢) ، وضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالأسْدَادِ(٣) ، وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ ، وسِيمَ الْخَسْفَ(٤) ، ومُنِعَ النَّصَفَ.

أَلا وإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً ونَهَاراً ، وسِرّاً وإِعْلاناً ، وقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلّا ذَلُّوا(٥) ، فَتَوَاكَلْتُمْ وتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ،

____________________

١ - جنّته - بالضمّ - وقايته.

٢ - ديث مبنيّ للمفعول من ديثه ، أي ذل-له. وقمؤ الرجل ككرم قمأة وقماءة ، أي ذلّ وصغر.

٣ - الأسداد : جمع سدّ يريد الحجب التي تحول دون بصيرته والرشاد , قال الله :( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) , ويروى بالإسهاب وهو ذهاب العقل أو كثرة الكلام , أي حيل بينه وبين الخير بكثرة الكلام بلا فائدة.

٤ - أديل الحقّ منه ، أي صارت الدولة للحقّ بدله. وسيم الخسف ، أي أوّلى الخسف وكلفه , والخسف الذلّ والمشقّة أيضاً , والنصف - بالكسر - العدل , ومنع - مبني للمجهول - أي حرم العدل بأن يسلّط عليه مَنْ يغلبه على أمره فيظلمه.

٥ - عقر الدار - بالضم - وسطها وأصلها , تواكلتم : وكّل كلّ منكم الأمر إلى صاحبه , أي لم يتولّه أحد منكم ، بل أحاله كلّ على الآخر , ومنه يوصف الرجل بالوكل أي العاجز ؛ لأنّه يكل أمره إلى غيره. وشنّت الغارات : فرقت عليكم من كلّ جانب كما يشنّ الماء متفرّقاً دفعة بعد دفعة , وما كان إرسالاً غير متفرّق يُقال فيه سنّ - بالمهملة -.

١٠٤

ومُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الأَوْطَانُ ، وهَذَا أَخُو غَامِدٍ (وَ) قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأَنْبَارَ(١) ، وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ ، وأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا(٢) ، ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلائِدَهَا ورُعَاثَهَا(٣) ، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إلّا بِالاسْتِرْجَاعِ والاسْتِرْحَامِ(٤) ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ(٥) ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ، ولا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ ، فَلَو أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً ، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً ، فَيَا عَجَباً ، عَجَباً ! واللهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، ويَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ ، فَقُبْحاً لَكُمْ وتَرَحاً!(٦) ، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى ، يُغَارُ عَلَيْكُمْ ولا تُغِيرُونَ ، وتُغْزَوْنَ ولا تَغْزُونَ ، ويُعْصَى اللهُ وتَرْضَوْنَ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ(٧) ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ(٨) ، وإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ(٩) ، أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ ، كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ ، فَإِذَا

____________________

١ - أخو غامد : هو سفيان بن عوف من بني غامد , قبيلة من اليمن من أزد شنوءة , بعثه معاوية لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلاً على أهله. والأنبار : بلدة على الشاطىء الشرقيّ للفرات , ويقابلها على الجانب الغربيّ هيت.

٢ - جمع مسلحة - بالفتح - وهي الثغر. والمرقب : حيث يخشى طروق الأعداء.

٣ - المعاهدة : الذميّة. والحجل - بالكسر - : خلخالها. والقلب بالضمّ : سوارها. والرعاث : جمع رعثة ويحرّك بمعنى القرط , ويروى رعثها بضمّ الراء والعين جمع رعاث جمع رعثة.

٤ - الاسترجاع : ترديد الصوت بالبكاء , والاسترحام : أن تناشده الرحم.

٥ - وافرين : تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم , والكلم - بالفتح - : الجرح.

٦ - ترحاً بالتحريك ، أي همّاً وحزناً أو فقراً , والغرض : ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها , فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون وهم نصب لا يدفعون , وقوله : ويعصي الله , يشير إلى ما كان يفعله قوّاد جيش معاوية من السلب والنهب والقتل في المسلمين والمعاهدين ، ثمّ أهل العراق راضون بذلك إذ لو غضبوا لهمّوا بالمدافعة.

٧ - حمّارة القيظ : شدّة الحرّ.

٨ - التسبيخ بالخاء المعجمة والتخفيف والتسكين.

٩ - صبّارة الشتاء : برده , والقرّ - بالضمّ - : البرد.

١٠٥

كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ والْقُرِّ تَفِرُّونَ ، فَأَنْتُمْ واللهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ ولا رِجَالَ ، حُلُومُ الأَطْفَالِ وعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ(١) ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ ولَمْ أَعْرِفْكُمْ ، مَعْرِفَةً واللهِ جَرَّتْ نَدَماً ، وأَعْقَبَتْ سَدَماً(٢) ، قَاتَلَكُمُ اللهُ ، لَقَدْ مَلأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً ، وشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً ، وجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً(٣) ، وأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ والْخِذْلانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ولَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ ، لِلَّهِ أَبُوهُمْ ! وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً ، وأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي(٤) ، لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا ومَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ ، وهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ(٥) ، ولَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ )).

____________________

١ - حجال جمع حجلة : وهي القبّة وموضع يزين بالستور والثياب للعروس. وربّات الحجال : النساء.

٢ - السدم محرّكة : الهمّ أو مع أسفٍ أو غيظٍ. والقيح : ما في القرحة من الصديد. وشحنتم صدري : ملأتموه.

٣ - النغب جمع نغبة : كجرعة وجرع لفظاً ومعنى , والتهمام - بالفتح - : الهم وكلّ تفعال فهو بالفتح إلّا التبيان والتلقاء فإنّهما بالكسر , وأنفاساً : أي جرعة بعد جرعة.

٤ - مراساً : مصدر مارسه ممّارسة ومراساً ، أي وزاوله وعاناه.

٥ - ذرفت على الستين : أي زدت عليها , ويروى نيّفت بمعناه. وفي الخطبة روايات أُخرى لا تختلف عن رواية الشريف في المعنى وإن اختلفت عنها في بعض الألفاظ. أنظر الكامل - للمبرّد.

١٠٦

١٠٧

الخطبة الرابعة : فضائل أهل البيت (عليهم‌السلام )

(( ونَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ(١) ، ويَعْرِفُ غَوْرَهُ ونَجْدَهُ ، دَاعٍ دَعَا ورَاعٍ رَعَى ، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي واتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.

قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ ، وأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ ، وأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ(٢) ، ونَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ، نَحْنُ الشِّعَارُ(٣) والأَصْحَابُ والْخَزَنَةُ والأَبْوَابُ ، ولا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إلّا مِنْ أَبْوَابِهَا ، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.

(منها) فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ(٤) ، وهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ ، إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا ، وإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا(٥) ، فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ ، ولْيُحْضِرْ عَقْلَهُ ، ولْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ؛ فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ ، فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ

____________________

١ - ناظر القلب ، استعارة من ناظر العين : وهو النقطة السوداء منها ، والمراد بصيرة القلب بها يدرك اللبيب أمده ، أي غايته ومنتهاه ، والغور ما انخفض من الأرض. والنجد ما ارتفع منها ، أي يدرك باطن أمره وظاهره.

٢ - أرز يأرز - بكسر الراء في المضارع - أي انقبض وثبت ، وأرزت الحيّة : لاذت بحجرها ورجعت.

٣ - ما يلي البدن من الثياب ، والمراد بطانة النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

٤ - الضمير لآل النبيّ ، والكرائم : جمع كريمة ، والمراد أنزلت في مدحهم آيات كريمات. والقرآن كريم كلّه وهذه كرائم من كرائم.

٥ - لم يسبقهم أحد إلى الكلام وهو سكوت ، أي يهاب سكوتهم فلم يجرؤ أحد على الكلام فيما سكتوا عنه.

١٠٨

مَضَى فِيهِ ، وإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ ، فَلا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إلّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ ، والْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُو أَمْ رَاجِعٌ.

واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ ، ومَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ ، وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) : إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ(١) ويُبْغِضُ عَمَلَهُ ويُحِبُّ الْعَمَلَ ويُبْغِضُ بَدَنَهُ(*) .

واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً ، وكُلُّ نَبَاتٍ لا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ ، والْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ ، فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وحَلَتْ ثَمَرَتُهُ ، ومَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ )).

____________________

١ - إنّ الله يحبّ الخ ، أي يحبّ من المؤمن إيمانه ويبغض ما يأتيه من سيئات الأعمال ، ولا يفيده ذلك الحبّ مع هذا البغض إلّا عذاباً يتطهرّ به من خبث أعماله ، ويحبّ من الكافر عمله إن كان حسناً ويبغض ذاته لالتياثها بدنس الكفر، ولا ينتفع بالعمل المحبوب إلّا نفعاً مؤقّتاً في الدنيا وله في الآخرة عذاب عظيم ، فلا يكمل للإنسان حظّه من السعادة إلّا إذا كان مؤمناً طيّب العمل.

(*) يوجد بهامش الأصل : (( المؤمن إذا صدرت منه صغيرة فالله يحبّه ويبغض عمله ، والكافر إذا أحسن فالله يحبّ عمله ولا يحبّه )).

١٠٩

١١٠

الخطبة الخامسة : في ذم إبليس

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ والْكِبْرِيَاءَ ، واخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ ، وجَعَلَهُمَا حِمًى(١) وحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ ، واصْطَفَاهُمَا لِجَلالِهِ ، وجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ، ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ ؛ لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وهُو الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ ، ومَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ :( إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إلّا إِبْلِيسَ ) اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ ، وتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لأَصْلِهِ ، فَعَدُو اللهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ ، وسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ ، ونَازَعَ اللهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ ، وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ ، وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ ، أَلا تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللهُ بِتَكَبُّرِهِ ، ووَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ ، فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً ، وأَعَدَّ لَهُ فِي الآخِرَةِ سَعِيراً ؟!

ولَو أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ ، يَخْطَفُ الأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ ، ويَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ(٢) ، وطِيبٍ يَأْخُذُ الأَنْفَاسَ عَرْفُهُ ، لَفَعَلَ ، ولَو فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ

____________________

١ - الحمى : ما حميته عن وصول الغير إليه والتصرّف فيه.

٢ - الرواء - بضمّ ففتح - حسن المنظر. والعرف - بالفتح - الرائحة.

١١١

الأَعْنَاقُ خَاضِعَةً ، ولَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيهِ عَلَى الْمَلائِكَةِ ، ولَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ ، تَمْيِيزاً بِالاخْتِبَارِ لَهُمْ ، ونَفْياً لِلاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ ، وإِبْعَاداً لِلْخُيَلاءِ مِنْهُمْ )).

١١٢

١١٣

الخطبة السادسة :

خطبة عيد الفطر

يخطب بها إمام الجماعة بعد صلاة العيد ، وهي على ما رواها الصدوق في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ، عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) كما يلي :

(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ ، وجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ ، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ، لا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً ، ولا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ ، ولَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وهُو الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ ومَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، ومَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ومَا يَعْرُجُ فِيهَا وهُو الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ، كَذَلِكَ اللهُ لا إِلَهَ إلّا هُو إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إلّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ.

اللّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ ، واعْمُمْنَا بِمَغْفِرَتِكَ ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ ، ولا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ، ولا مُؤْيَسٌ مِنْ رَوْحِهِ ، ولا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبَادَتِهِ ، الَّذِي بِكَلِمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ ، واسْتَقَرَّتِ الأَرْضُ الْمِهَادُ ، وثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي ، وجَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ ، وسَارَ فِي جَو السَّمَاءِ السَّحَابُ ، وقَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا

١١٤

الْبِحَارُ ، وهُو إِلَهٌ لَهَا وقَاهِرٌ ، يَذِلُّ لَهُ الْمُتَعَزِّزُونَ ، ويَتَضَاءَلُ لَهُ الْمُتَكَبِّرُونَ ، ويَدِينُ لَهُ طَوْعاً وكَرْهاً الْعَالَمُونَ ، نَحْمَدُهُ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ ، وكَمَا هُو أَهْلُهُ ، ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَسْتَهْدِيهِ ، ونَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، يَعْلَمُ مَا تُخْفِي النُّفُوسُ ومَا تُجِنُّ الْبِحَارُ ، ومَا تَوَارَى مِنْهُ ظُلْمَةٌ ، ولا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ ، ومَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ ، ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتٍ إلّا يَعْلَمُهَا ، لا إِلَهَ إلّا هُو ، ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، ويَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ ، وأَيَّ مَجْرًى يَجْرُونَ وإِلَى أَيِّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، ونَسْتَهْدِي اللهَ بِالْهُدَى ، ونَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ونَبِيُّهُ ورَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ ، وأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، وأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ ، وجَاهَدَ فِي اللهِ الْحَائِدِينَ عَنْهُ ، الْعَادِلِينَ بِهِ ، وعَبَدَ اللهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ نِعْمَةٌ ، ولا تَنْفَدُ مِنْهُ رَحْمَةٌ ، ولا يَسْتَغْنِي الْعِبَادُ عَنْهُ ، ولا يَجْزِي أَنْعُمَهُ الأَعْمَالُ ، الَّذِي رَغَّبَ فِي التَّقْوَى ، وزَهَّدَ فِي الدُّنْيَا ، وحَذَّرَ الْمَعَاصِيَ ، وتَعَزَّزَ بِالْبَقَاءِ ، وذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ والْفَنَاءِ ، والْمَوْتُ غَايَةُ الْمَخْلُوقِينَ ، وسَبِيلُ الْعَالَمِينَ ، ومَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْبَاقِينَ ، لا يُعْجِزُهُ إِبَاقُ الْهَارِبِينَ ، وعِنْدَ حُلُولِهِ يَأْسِرُ أَهْلَ الْهَوَى ، يَهْدِمُ كُلَّ لَذَّةٍ، ويُزِيلُ كُلَّ نِعْمَةٍ ، ويَقْطَعُ كُلَّ بَهْجَةٍ ، والدُّنْيَا دَارٌ كَتَبَ اللهُ لَهَا الْفَنَاءَ ، ولأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءَ ، فَأَكْثَرُهُمْ يَنْوِي بَقَاءَهَا ، ويُعَظِّمُ بِنَاءَهَا ، وهِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ ، والْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ ، ويَضَنُّ ذُو الثَّرْوَةِ الضَّعِيفَ ، ويَجْتَوِيهَا الْخَائِفُ الْوَجِلُ ، فَارْتَحِلُوا مِنْهَا يَرْحَمُكُمُ اللهُ بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ ، ولا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْقَلِيلِ ، ولا تَسْأَلُوا مِنْهَا فَوْقَ الْكَفَافِ ، وارْضَوْا مِنْهَا بِالْيَسِيرِ ، ولا تَمُدُّنَّ أَعْيُنَكُمْ مِنْهَا إِلَى مَا مُتِّعَ الْمُتْرَفُونَ بِهِ ، واسْتَهِينُوا بِهَا ولا تُوَطِّنُوهَا وأَضِرُّوا بِأَنْفُسِكُمْ فِيهَا ،

١١٥

وإِيَّاكُمْ والتَّنَعُّمَ والتَّلَهِّيَ والْفَاكِهَاتِ ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَفْلَةً واغْتِرَاراً.

أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ وأَدْبَرَتْ ، واحْلَوْلَتْ وآذَنَتْ بِوَدَاعٍ ، أَلا وإِنَّ الآخِرَةَ قَدْ رَحَلَتْ فَأَقْبَلَتْ وأَشْرَفَتْ ، وآذَنَتْ بِاطِّلاعٍ ، أَلا وإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ ، والسِّبَاقَ غَداً ، أَلا وإِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ ، والْغَايَةَ النَّارُ ، أَلا فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ يَوْمِ مَنِيَّتِهِ ، أَلا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ وفَقْرِهِ ، جَعَلَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَخَافُهُ ويَرْجُو ثَوَابَهُ ، أَلا وإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ لَكُمْ عِيداً ، وجَعَلَكُمْ لَهُ أَهلاً ، فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ ، وادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ، وفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، فَلْيُؤَدِّهَا كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ عَنْهُ وعَنْ عِيَالِهِ كُلِّهِمْ ، ذَكَرِهِمْ وأُنْثَاهُمْ ، صَغِيرِهِمْ وكَبِيرِهِمْ ، وحُرِّهِمْ ومَمْلُوكِهِمْ ، عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعاً مِنْ بُرٍّ ، أَو صَاعاً مِنْ تَمْرٍ ، أَو صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ ، وأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ وأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ ، وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وحِجِّ الْبَيْتِ ، وصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، والأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، والإِحْسَانِ إِلَى نِسَائِكُمْ ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ، وأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ، وشُرْبِ الْخَمْرِ ، وبَخْسِ الْمِكْيَالِ ، ونَقْصِ الْمِيزَانِ ، وشَهَادَةِ الزُّورِ ، والْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ، عَصَمَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ بِالتَّقْوَى ، وجَعَلَ الآخِرَةَ خَيْراً لَنَا ولَكُمْ مِنَ الأُولَى ، إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ، وأَبْلَغَ مَوْعِظَةِ الْمُتَّقِينَ كِتَابُ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ هُواللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ * ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) )).

١١٦

١١٧

الخطبة السابعة :

خطبة الإمام الحسين (عليه‌السلام )

روي أنّه (صلوات الله عليه) لـمّا عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال : (( الحمد لله وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، وصلّى الله على رسوله وسلّم ، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً ، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذّ عن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّ بهم عينه ، وتنجز لهم وعده ، مَنْ كان فينا باذلاً مهجته ، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ؛ فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله )).

١١٨

الخطبة الثامنة :

خطبة السيّدة الزهراء (عليها‌السلام )

حدّثنا محمّد بن المتوكّل ، عن عليّ بن الحسين السعد آباديّ ، عن أحمد بن عبد الله البرقيّ ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن جابر ، عن زينب بنت عليّ (عليهما‌السلام ) ، قالت : قالت فاطمة (عليها‌السلام ) في خطبتها : (( لله فيكم عهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم ، كتاب الله بيّنة بصائره ، وآيّ منكشفة سرائره ، وبرهان متجلّية ظواهره ، مديم للبريّة استماعه ، وقائد إلى الرضوان أتباعه ، ومؤدّ إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنيرة ، ومحارمه المحرّمة ، وفضائله المدوّنة ، وجمله الكافية ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، وبيّناته الجالية ، ففرض الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها من الكِبر ، والزكاة زيادة في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص ، والحجّ تسلية للدين ، والعدل مسكاً للقلوب ، والطاعة نظاماً للملّة ، والإمامة لمـّاً من الفرقة ، والجهاد عزّاً للإسلام ، والصبر معونة على الاستيجاب ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، وبرّ الوالدين وقاية عن السخط ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، والوفاء للنذر تعرّضاً للمغفرة ، وتوفية

١١٩

المكاييل والموازين تغييراً للبخسة ، واجتناب قذف المحصنات حجباً عن اللعنة ، واجتناب السرقة إيجاباً للعفّة ، ومجانبة أكل أموال اليتامى إجارة من الظلم ، والعدل في الأحكام إيناساً للرعيّة ، وحرّم الله (عزّ وجلّ) الشرك إخلاصاً للربوبية ، فاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ فيما أمركم به ، وانتهوا عمّا نهاكم عنه ))(١) .

____________________

١ - علل الشرائع - للشيخ الصدوق ١ / ٢٤٨.

١٢٠