- أريد أن لا أحس بألم الإنتقال.. أريد أن تكون شهادتي مريحة.. لطيفة.. بطرفة عين..
دمعت عينا رضا.. وضمه إلى صدره.. إلا أنهما عادا وبسرعة إكمال العمل الذي سوف يكون أقوى ضربة نوعية توجهها المقاومة الإسلامية لإسرائيل وفاتحة عصر الإستشهاد..
في الصباح، وبعد أن صمم أحمد على أن يكون هو البادىء وهو الفاتح لعصر الإستشهاديين، وبعد أن اكتمل جسم العبوة وتركيبها في السيارة، وكان رضا قد قدّر حجم الأعمدة وقوتها ثم صمم العبوة بحيث تدمّرها وتحول بناءً ضخماً من ثمانية أدوار إلى ركام..
في الصباح وقبل شروق الشمس فرغ أحمد من صلاة الصبح وجلس يسبّح تسبيحة الزهراء ثم تناول القرآن الكريم وفتحة ورضا ينظر إليه.. وينتظر كلاماً منه..
- الظاهر أننا لن ننفذ العملية هذا اليوم…
لم يسقط في يد رضا ولم يفاجأ، بل سلّم أمره إلى الله تعالى، وهو الذي استشاره أحمد بالقرآن.. ومضى ذلك اليوم، ورضا يتردد على السيارة المختبئة يتفحصها ويتأكد من التوصيلات ومن صحة عمله..
وجاء اليوم الثاني، والثالث.. وكل صباح بعد الفجر، يسارع إلى لقاء أحمد.. اذ ما زال يستخير الله تعالى على الشروع وفي كل مرة تكون الآية غير مريحة فهي إما نهي أو عذاب أو وعيد.. ولا يتردد أحمد في تأجيل العمل إلى الغد.. حتى داخل رضا وقيادة المقاومة في جبل عامل شيء في أنفسهم وتخيلات وأوهام حول نية أحمد وخشوا أن يكون متردداً أو خائفاً.
إلى أن جاءت تلك الليلة الخريفية، فما أن غربت شمس جبل عامل باكراً بسبب الغيوم التي تلبدت، وكان البرق هو الذي يضيء سماءه بين فينة وأخرى، حتى هطلت الأمطار بغزارة، واجتاح المنطقة برد قارص.. وعواصف هوائية عاتية..
وكما كل صباح، بعد الفجر، وبعد صلاة الصبح، استخار أحمد على التنفيذ في هذا اليوم، وإذا بالقرآن يفاتحه بآيه من آيات الرحمة والرضوان..
وابتسم أحمد قصير وقبّل الكتاب العزيز ووضعه على رأسه ومسح به وجهه.. وكان المبتسم الثاني هو رضا حريري، ثم ثم سرت الابتسامة إلى بقية الرجال، في قيادة المقاومة الإسلامية...