مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)0%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني
تصنيف: الصفحات: 256
المشاهدات: 62056
تحميل: 6695

توضيحات:

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62056 / تحميل: 6695
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وكان الرجل في يده ضيعه لوَلَد عمّه، فيها شركة قد حبسها عنهم، فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمئة درهم، فأخرجها، وأنفذ الباقي فقَبِل (1) .

والرواية الأخرى: عن القاسم بن العلاء، قال: ولد لي عدّة بنين، فكنت أكتب وأسأل الدّعاء لهم، فلا يكتب إليّ بشيء من أمرهم، فماتوا كلهم؛ فلّما ولد لي الحسين - ابني - كتبت أسأل الدعاء له، فأجبت فبقي والحمد لله (2) .

والرواية الأخرى: عن أبي عبد الله بن صالح قال: خرجت سنة من السنين إلى بغداد، واستأذنت في الخروج فلم يُؤذن لي، فأقمت اثنين وعشرين يوماً بعد خروج القافلة إلى النهروان، ثم أذن لي بالخروج يوم الأربعاء؛ وقيل لي: (أخرج فيه) ، فخرجت وأنا آيس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان والقافلة مقيمة، فما كان إلاَّ أن علفتُ جملي حتّى رَحَلَتْ القافلة فَرَحَلْتُ، وقد دُعي لي بالسلامة، فلم ألقَ سوءاً والحمد لله (3) .

والرواية الأخرى: عن محمّد بن يوسف الشاشي قال: خرج بي ناسور فأريته الأطباء، وأنفقت عليه مالاً عظيماً فلم يصنع الدواء فيه شيئاً، فكتبت رقعةً أسأل الدعاء، فوقّع إليّ: (ألبسك الله العافية، وجعلك معنا في الدنيا والآخرة) .

فما أتت عليّ جمعةٌ حتى عوفيت وصار الموضع مثل راحتي، فدعوت طبيباً من أصحابنا وأريته إيّاه، فقال: ما عرفنا لهذا دواءً، وما جاءتك العافية إلاَّ من قبل الله بغير احتساب (4) .

والرواية الأخرى: عن عليّ بن الحسين اليماني قال: كنت ببغداد،

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 356.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 356.

(3) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 357.

(4) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 357 و358.

١٤١

فتهيَّأت قافلة لليمانين، فأردت الخروج معهم، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: (لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرةٌ، وأقم بالكوفة) .

قال: فأقمت، وخرجت القافلة، فخرجت عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.

قال: وكتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر، فعرفت أنَّه لم يسلم منها مركب؛ خرج عليها قوم يقال لهم: البوارج، فقطعوا عليها (1) .

والرواية الأخرى: عن عليّ بن الحسين أيضاً، قال: وردت العسكر، فأتيت الدرب مع الغيب، ولم أكلّم أحداً، ولم أتعرف إلى أحد، فأنا أُصلِّي في المسجد بعد فراغي من الزيارة، فإذا بخادم قد جاءني، فقال لي: قم.

فقلت له: إلى أين؟

فقال: إلى المنزل.

قلت: ومَن أنا! لعلّك أُرسلت إلى غيري.

فقال: لا، ما أُرسلت؛ (أنت علي بن الحسين، وكان معه غلام فسارَّه)، فلم أدرِ ما قال حتى أتاني بجميع ما أحتاج إليه، وجلست عنده ثلاثة أيام، واستأذنته في الزيارة من داخل الدار، فأذن لي فزرت ليلاً (2) .

والرواية الأخرى: عن الحسين بن الفضل أيضاً، أنَّه قال: كتب أبي بخطه كتاباً، فورد جوابه، ثم كتب بخطي، فورد جوابه، ثم كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحوّل قرمطياً (3) .

والرواية الأخرى: عن الحسين بن الفضل أيضاً، أنَّه قال: وردت العراق،

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 358.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 358 و359.

(3) المصدر السابق: 359.

١٤٢

وعملت على ألاَّ أخرج إلاَّ عن بيّنةٍ من أمري، ونجاح من حوائجي، ولو أحتجت أن أقيم بها حتى أتصدّق.

قال: وفي خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، وأخاف أن يفوتني الحج، قال: فجئت يوماً إلى محمّد بن أحمد - وكان السفير يومئذٍ - أتقاضاه، فقال لي: صر إلى مسجد كذا وكذا، فإنَّه يلقاك رجل.

قال: فصرت إليه، فدخل عليّ رجلٌ، فلمَّا نظر إليّ ضحك وقال لي: (لا تغتم، فإنّك ستحج في هذه السنة وتنصرَّف إلى أهلك وولدك سالماً) .

قال: فاطمأننت وسكن قلبي، وقلت: هذا مصداق ذلك.

قال: ثمّ وردت العسكر، فخرجت إليّ صرةٌ فيها دنانير وثوب، فاغتممت وقلت في نفسي:

جَدِّي (1) عند القوم هذا! واستعملت الجهل فرددتها، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامةً شديدة، وقلت في نفسي: كفرت بردّي على مولاي؛ وكتبت رقعةً أعتذر من فعلي، وأبوء بالإثم، وأستغفر من زللي، وأنفذتها. وقمت أتطهّر للصلاة وأنا إذ ذاك أُفكّر في نفسي وأقول: إن رُدّت عليّ الدنانير أحلل شدّها، ولم أُحدث فيها شيئاً حتى أحملها إلى أبي فإنّه أعلم منّي.

فخرج إليّ الرسول الذي حمل الصّرة وقال: قيل لي: (أسأت إذ لم تعلم الرجل، إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا ابتداءً، وربّما سألونا ذلك يتبرَّكون به) .

وخرج إليّ: (أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت فالله يغفر لك، وإذا كانت عزيمتك وعقد نيّتك فيما حملناه إليك ألاَّ تُحدث فيه حدثاً إذا رددناه إليك، ولا تنتفع به في طريقك، فقد صرفناه عنك. فأمّا الثوب، فخذه لتحرم فيه) (2) .

____________________

(1) جدّي: أيّ حظي ونصيبي، فهو قد استصغر ما أُعطي.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 360 و361.

١٤٣

وروى عنه أيضاً: أنّه قال: وكتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه، مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين والثالث - الذي طويت - مفسّراً (1) .

وروى عنه أيضاً: أنّه قال: وكنت واقفت جعفر بن إبراهيم النيسابوري - بنيسابور - على أن أركب معه إلى الحجّ وأُزامله. فلمّا وافيت بغداد، بدا لي وذهبت أطلب عديلاً، فلقيني ابن الوجناء وكنت قد صرت إليه، وسألته أن يكتري لي، فوجدته كارهاً. فلمَّا لقيني، قال لي: أنا في طلبك، وقد قيل لي: (إنّه يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلاً واكتر له) (2) .

وروي أيضاً: عن الحسن بن عبد الحميد، أنَّه قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر، فخرج إليّ: (ليس فينا شكّ ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، فردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد) (3) .

وروى عن محمّد بن صالح، أنّه قال: لمّا مات أبي وصار الأمر إليّ، وكان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريم، يعني صاحب الأمر (عليه السلام) (4) .

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها، ويكون خطابها عليه للتقية.

قال محمّد بن صالح: فكتبتُ إليه أعلمه؛ فكتب إليّ:

(طالبهم واستفض عليهم) .

فقضاني الناس إلاَّ رجلاً واحداً، وكانت عليه سفتجةٌ بأربعمئة دينار،

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 361.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 361.

(3) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 361 و362.

(4) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 362.

١٤٤

فجئت إليه، فمطلني واستخفّ بي ابنه، وسفه عليّ، فشكوته إلى أبيه، فقال: وكان ماذا؟!

فقبضت على لحيته وأخذت برجله، وسحبته إلى وسط الدار، فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد، وهو يقول: قميّ رافضيٌ قد قتل والدي.

فاجتمع عليّ منهم خلق كثير، فركبت دابّتي وقلت: أحسنتم - يا أهل بغداد - تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همذان من أهل السنة، وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرّفض ليذهب بحقّي ومالي، قال: فمالوا عليه وأردوا أن يدخلوا إلى حانوته حتّى سكّنتهم، وطلب إليّ صاحب السفتجة، أن آخذ مالها، وحلف بالطلاق أن يوفّني مالي في الحال، فاستوفيته منه (1) .

وروى أيضاً: عن أحمد بن الحسن، أنَّه قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة، أحبّهم جملةً، إلى أن مات يزيد بن عبد الله، فأوصى في علّته أن يدفع (الشهري السمند) وسيفه ومِنْطَقَتَه إلى مولاه، فخفت إن لم أدعُ الشهري إلى أذكوتكين نالني منه استخفاف، ودفعت الشهري إلى أذكوتكين، فقوَّمت الدابة والسيف والمنطقة سبعمائة دينار في نفسي، ولم أُطْلِع عليه أحد، ودفعتُ الشهري إلى أذكوتكين، وإذا الكتاب قد ورد عليّ من العراق: أن (وجّه السبعمئة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف والمنقطة) (2) .

وروى أيضاً، عن عليّ بن محمّد قال: حدّثني بعض أصحابنا، قال: ولد لي ولدٌ، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا تفعل) . فمات يوم السابع، أو الثامن.

ثم كتبت بموته، فورد: (ستخلف غيره وغيره، فسمّ الأوّل أحمد، ومن بعد أحمد جعفراً) . فجاء كما قال (3) .

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 362 و363.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 363.

(3) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 363.

١٤٥

وروى أيضاً: أنَّه قال: وتهيَّأت للحجّ وودّعت الناس وكنت على الخروج، فورد: (نحن لذلك كارهون، والأمر إليك) .

فضاق صدري، واغتممت وكتبت: أنا مقيمٌ على السمع والطاعة، غير أنّي مغتمٌّ بتخلُّفي عن الحجّ، فوقّع: (لا يضيقنّ صدرك، فإنّك ستحج قابلاً إنْ شاء الله).

قال: فلمَّا كان من قابل، كتبت أستأذن، فورد الإذن، وكتبت: إنّي قد عادلت محمّد بن العبّاس، وأنا واثق بديانته وصيانته، فورد: (الأسدي نعم العديل. فإن قَدِم، فلا تختر عليه) .

فقدم الأسدي وعادلته... (1)

والرواية الأخرى عن الحسن بن عيسى العريضي، قال: لمّا مضى أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ورد رجلٌ من مصر بمالٍ إلى مكّة لصاحب الأمر، فاختُلف عليه، وقال بعض الناس: إنّ أبا محمّد قد مضى عن غير خلف؛ وقال آخرون: الخلف من بعده جعفر؛ وقال آخرون: الخلف من بعده ولَده. فبعث رجلاً يكنَّى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن الأمر وصحته ومعه كتابٌ، فصار الرّجل إلى جعفر وسأله من برهان، فقال له جعفر: لا يتهيّأ لي في هذا الوقت.

فصار الرجل إلى الباب، وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا المرسومين بالسفارة، فخرج إليه: (آجرك الله في صاحبك فقد مات، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يجب، وأُجيب عن كتابه) .

وكان الأمر كما قيل له (2) .

والرواية الأخرى عن عليّ بن محمّد، قال: حمل رجل من أهل آية (3)

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2/ 364.

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 364 و365.

(3) آية: بلدة من نواحي ساوة القريبة من قم في إيران.

١٤٦

شيئاً يوصله، ونسي سيفاً كان أراد حمله. فلّما وصل الشيء، كتب إليه بوصوله، وقيل له في الكتاب: (ما خبر السيف الذي أنسيته؟) (1) .

والرواية الأخرى: عن الحسن بن محمّد الأشعري، قال: كان يرد كتاب أبي محمّد (عليه السلام) في الإجراء على الجنيد - قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه - وأبي الحسن، وأخي. فلمّا مضى أبو محمّد (عليه السلام)، ورد استئنافٌ من الصّاحب (عليه السلام) بالإجراء لأبي الحسن وصاحبه، ولم يرد في أمر الجنيد شيءٌ.

قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك (2) .

وقال صاحب كتاب كفاية المؤمنين وهو ترجمة (الخرائج والجرائح) (3) .

____________________

(1) وروى الشيخ المفيد (عليه الرحمة) بين الرواية السابقة والرواية الآتية هذه الرواية: وبهذا الإسناد عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن شاذان النيسابوري، قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً، فلم أحب أن أنفذها ناقصة، فوزنت من عندي عشرين درهماً وبعثت بها إلى الأسدي، ولم أكتب ما ليّ فيها، فورد الجواب: (وصلت خمسمئة درهم، لك منها عشرون درهماً) .

(2) الإرشاد / الشيخ المفيد: 2 / 365 و366.

(3) نقل القضية بالخرائج المطبوع 2: 695 و696؛ ونقله عند السيد هاشم البحراني في مدينة (المعاجز 8: 166 و167، ولكن في الترجمة اختلافات، وبما أنّا نحتمل أن الزيادة قد تكون من نسخة بدل؛ لذلك فقد ترجمنا الرواية في الأصل ونقلنا الرواية التي نقلها الشيخ الراونيد في الخرائج في الهامش، كما أنَّ الشيخ الطوسي روى هذه الرواية بشكل مختصر في كتابه الغيبة: 415 / ط محقَّقة.

قال الراوندي في الخرائج والجرائح:

قال محمّد بن يوسف الشاشي: إنَّني لمَّا انصرفت من العراق، كان عندنا رجل بمرو يقال له: (محمّد بن الحصين الكاتب)، وقد جمع مالاً للغريم، فسألني عن أمر الغريم، فأخبرته بما رأيته من الدلائل، فقال: عندي مال للغريم، فأيش تأمرني؟ فقلت: وجهّه إلى حاجز. فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم، الشيخ. =

١٤٧

وقد روى عن محمّد بن يوسف الشاشي، أنَّه قال: إنّي لمَّا انصرفت إلى العراق ووصلت إلى مرو، فرأيت رجلاً يقال له: محمّد بن الحصين الكاتب، وكنت أعرفه قبل أن أراه كثيرَ الاعتناء بزينته وغنياً جداً، وقد جمع مالاً للإمام (عليه السلام) من أمواله، فعندما رآني سألني: هل تعرف طريقة لأبرأ ذمتي؟ فقلت: نعم، شاب علوي ابن الإمام الحسن العسكري، وقد رأيت وسمعت عنه كثيراً من الدلائل الباهرات، والمعجزات الظاهرات، وإنّي على يقين أنَّه هو الإمام وخليفة الرحمن في هذا الزمان.

قال محمد بن الحصين: هل أقدر أن أصل إليه؟

فقلت: إنَّه لا يمكن أن يراه أحد، فقد اختفى خوفاً من الأعداء، ولكن حاجز يقوم بشؤونه، وتخرج توقيعاته (عليه السلام) أيضاً إلى الشيخ أبي القاسم بن روح، وتحل في تلك الرسائل مشكلات الخَلق.

قلت: أنا لا أعرف به (عليه السلام)، وأثق بكلامك، فإذا كنتَ قد قلت خلاف الواقع فسوف ألزمك يوم القيامة.

فقلت: ليكون ذلك ما تقول، فليس عندي شك أنَّ الإمام بالحق والخليفة المطلق هو ابن الحسن (عليهما السلام).

____________________

= فقال: فخرجت من عنده، فلقيته بعد سنين فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال الغريم، وأعلمك أنَّي وجهّت إليه بمئتي دينار لأنَّي شككت، وإنَّ الباقي له عندي. فكان كما وصف. وقال: إن أردت أن تعامل أحداً، فعليك بأبي الحسين الأسدي بالريّ. فقلت: أفكان كما كتب إليك؟

قال: نعم، وجهّت بمئتي دينار لأنّي شككت، فأزال الله عنّي ذلك، فورد موت حاجز بعد يومين أو ثلاثة، فصرت إليه، فأخبرته بموت حاجز، فاغتمّ.

فقلت: لا تغتم، فإنَّ ذلك دلالة لك في توقيعه إليك، وإعلامه أنَّ المال ألف دينار.

والثانية: أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز.

١٤٨

وافترقنا بعد هذا الحديث. وعندما انقضت سنتان من هذا التاريخ، التقيت مرة أخرى بمحمّد بن الحصين حينما كنت متوجِّهاً إلى العراق.

فقلت: كيف حالك وما علمت بذلك المال؟

فقال: بعثت بمئتي على يد عابد بن كعكي الفارسي وأحمد بن عليّ الكشوفي، وكتبت إليه بذلك وسألته الدعاء، فخرج الجواب: أنَّه (وصلت المئتي دينار التي أرسلتها، من الألف دينار الذي في ذمتك من حقِّنا) .

فعندما قرأت توقيعه الشريف (عليه السلام) هذا، فتذكَّرت أنَّه كان له قبلي ألف دينار، وكنت قد نسيته.

وكان قد كتب (عليه السلام) أيضاً: (إن أردت أن تؤدَّي الباقي، فلا تخرج عن رأي أبي الحسن الأزدي الذي يسكن حالياً في الري) .

وبعد ورود هذا التوقيع عليّ تيقَّنت أنَّه إمام الزمان وخليفة الرحمن.

يقول الراوي: قلت لمحمّد بن الحصين الكاتب: هل كان صحيحاً أنَّك أرشدته إلى ذلك الطريق؟

قال: أي والله.

وفي أثناء هذه الحكاية جاءنا مَن يخبرنا بموت حاجز.

فاغتم محمّد بن الحصين لموت حاجز كثيراً.

فقلت: لا تغتم كثيراً، فإن موت حاجز كان معلوماً له (عليه السلام)؛ ولذلك فوَّضك بالاسترشاد وبهذا الأمر إلى أبي الحسن الأزدي.

وقال أيضاً صاحب الكفاية: روي أنَّ مسرور الطبَّاخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقةٍ أصابتني رجاء مساعدته في هذا الاضطراب، وقبل أن أرسل هذا الكتاب صرت في الرحبة، فإذا بي أرى شاباً أسمر لم أرَ أحداً بحسنه وصورته، فقبض على يدي ودس

١٤٩

فيها صرة بيضاء، فإذا عليها كتابة فيها: اثنا عشر دينار، وكتب على الجانب الآخر: (مسرور الطبَّاخ) (1) .

وقال الشيخ الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير): إنَّه كان دائماً كلَّما يصل إليه (عليه السلام) من الخمس والهدية وغيرها، فإنَّه كان (عليه السلام) يصرفه.

وقال صاحب الكفاية أيضاً: روي عن جعفر بن حمدان عن حسن بن حسين الأسترآبادي، قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني وبين نفسي في الطواف [هل أتممت طوافي أم لا] (2) ، فإذا شاب قد استقبلني، حسن الوجه، قال: (طف أسبوعاً آخر) [وغاب عن ناظري، فعلمت أن طوافي كان تاماً، وكنت قد شككت بعدما أكملت الشوط السابع] (3) .

وقال أيضاً: وقد روي عن الراوي السابق: حدّثنا علاء بن أحمد، أنَّه روى عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد كبار الصالحين، وقد ولد بالمدائن ونشأ بمصر - قال: خرجت في طلب وصيه (عليه السلام) بعد مضي أبي محمّد - يعني الإمام الحسن العسكري - وقد بحثت في البلاد والأمصار لمعرفة خليفته وعلمت أنَّ خلفه الصدق هو الحجة بن الحسن (عليهما السلام)، ولكنِّي قلت: إنَّني ما لم أره، فلا يطمئن قلبي. فقلت في نفسي يوماً: إنَّه من المحتمل أن يظهر أثر لمطلوبي بعد سنتين أو ثلاث سنوات، فإذا بي أسمع صوتاً

____________________

(1) ولكن في الخرائج الرواية هكذا: أنَّ مسروراً الطباخ قال: كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقةٍ أصابتي، فلم أجده في البيت، فانصرفت، فدخلت مدينة أبي جعفر. فلمّا صرت في الرحبة، حاذاني رجل لم أرَ وجهه، وقبض على يدي ودسّ فيها صرّة بيضاء، فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثنا عشر ديناراً وعلى الصرّة مكتوب: (مسرور الطبّاخ). الخرائج والجرائح 2: 697 / ح12.

(2) هذه الزيادة في الترجمة، ولم تكن في المصدر المطبوع، ولا في غيره في الكتب المتقدِّمة، التي نقلت عن المصدر كمدينة المعاجز والبحار وغيرهما.

(3) هذه الزيادة في الترجمة، ولم تكن في المصدر المطبوع، ولا في غيره في الكتب المتقدِّمة، التي نقلت عن المصدر كمدينة المعاجز والبحار وغيرهما.

١٥٠

ولم أرَ شخصاً: (يا نصر بن عبد ربه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فآمنتم به؟ أم أنّكم أوقفتم إيمانكم به إلى أن تروه؟)

قال: فتعجّبتُ كثيراً من سماع هذا الكلام، وقلت: من أين علم هذا أن اسم أبي عبد ربه! مع أنّ أبي توفّي في المدائن وقد كنتُ رضيعاً، وجاء بي إلى مصر أبو عبد الله النوفلي وكنت صغيراً، حتى عرفني الجميع بأنّي ابنه، فعلمتُ أنّ هذا الصوت كان لشكّي بالحجة بن الحسن (عليهما السلام) فارتفع مني، فتوجَّهت من ساعتي إلى مصر فأخبرت أهل تلك الديار بذلك، فأقّر جمع كثير بإمامته (عليه السلام) (1) .

وقال صاحب الكفاية أيضاً: روي عن عليّ بن محمّد الرازي المشهور بالكليني أنّه قال: حدّثنا جماعة من أصحابنا أنّه بعث صاحب الزمان (عليه صلوات الرحمن) إلى أبي عبد الله بن الجنيد غلاماً لثمن بعض الأمتعة التي كانت عند أبي عبد الله، وكان أبو عبد الله قد باع المتاع وقد نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن أبو عبد الله ذلك المقدار من ماله، فأنفذ جميع ذلك المال بتمامه وكماله مع الغلام إليه (عليه السلام)، فحينما سلّم الغلام ذلك المال لأحد خدمته (عليه السلام) وأحضر الخادم المال إليه (عليه السلام)، وأشار (عليه السلام) إلى دينار وقال:

(ابعث بهذا الدينار إلى أبي عبد الله؛ لأنَّه أكمله من ماله بثمانية عشر قيراطاً

____________________

(1) وأمّا الرواية في المصدر، فهي: ومنها ما قال: وحدّثنا علان الكليني: حدّثنا الأعلم المصري، عن أبي الرجاء المصري - وكان أحد الصالحين - قال: خرجت في الطلب بعد مضي أبي محمّد (عليه السلام) فقلت في نفسي: لو كان شيء لظهر بعد ثلاث سنين.

فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: (يا نصر بن عبد ربّه، قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فآمنتم به؟!) .

قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنَّ اسم أبي (عبد ربّه)؛ وذلك أنّي ولدت بالمدائن فحملني أبو عبد الله النوفلي إلى مصر، فنشأت بها. فلمّا سمعت الصوت لم أعرّج على شيء وخرجت. الخرائج والجرائح 2: 698 و699 / ح 16.

١٥١

وحبّة) ، فعندما وزن ذلك الدينار، فكان ثمانية عشر قيراطاً وحبّة. وأُرجع بأمره (عليه السلام) إلى أبي عبد الله الجنيد (1) .

وروى ابن بابويه (رحمة الله عليه) حديثاً أورده في كتابه، وقد ترجمة أحد علماء الإمامية، وأنا أنقله على الوجه الذي رواه هذا العالم الشيعي رعاية للاختصار: قد ترجم هذا المرجع الديني على هذا النحو الذي ثبَّته في كتابه، قال سعد بن عبد الله ابن خلف الأشعري القمي (عليه الرحمة):

اتفق يوماً أن جرى الحديث بيني وبين أحد المخالفين حول الإمامة، ووصلت المناظرة إلى أن قال ذلك المخالِف: أسلم أبو بكر وعمر في الإسلام طوعاً أو كرهاً؟

ففكّرت في ذلك، فقلت: إن قلت كرهاً فقد كذبت [خفت خ ل]؛ إذ لم يكن حينئذٍ سيف مسلول؛ وإن قلت: طوعاً، فالمؤمن لا يكفر بعد إيمانه، فدفعته عني دفعاً بالراح لطيفاً، وخرجت من ساعتي إلى دار أحمد بن إسحاق أسأله عن ذلك، فقيل لي إنّه خرج إلى سر من رأى اليوم [للقاء الإمام (عليه السلام)]. فانصرفت إلى بيتي وركبت دابتي وخرجت خلفه حتى وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجيء إلى حضرت أبي محمّد (عليه السلام)، فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليّ.

فقال: خير صاحب ورفيق.

فمضينا حتّى دخلنا سرّ من رأى، وأخذنا بيتين في خان، وسكن كل واحد منّا في بيت، وخرجنا إلى الحمام واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة. فلمّا رجعنا، أخذ أحمد بن إسحاق جراباً ولفّه بكساء طبري، وجعله على كتفه، ومشينا وكنّا نسبح الله ونكبّره ونهلّله ونستغفره ونصلّي على محمّدٍ وآله

____________________

(1) وأمّا الرواية في المصدر، فهي: (ومنها: ما قال الكليني هذا: حدّثنا جماعة من أصحابنا أنّه بعث إلى أبي عبد الله بن الجنيد - وهو بواسط - غلاماً وأمر ببيعه، فباعه وقبض ثمنه. فلمّا عيّر الدنانير، نقصت ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، فوزن من عنده ثمانية عشر قيراطاً وحبّة، وأنفذ المال، فردّ عليه ديناراً وزنه ثمانية عشر قيراطاً وحبّة). الخرائج والجرائح / الراوندي 2: 704 / ح 20.

١٥٢

الطاهرين، إلى أن وصلنا إلى الدار، واستأذن أحمد بن إسحاق فأذن له بالدخول. فلمّا دخلنا، فإذا أبو محمّد (عليه السلام) على طرف الصفة قاعد، وكان على يمينه غلام قائم كأنّه فلقة قمر، فسلّمنا فأحسن الجواب وأكرمنا وأقعدنا. فجعل أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمّد (عليه السلام) ينظر في درج طويل في الاستفتاء قد وردّ عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كل مسألة جوابها، فالتفت إلى الغلام وقال: (هذه هدايا موالينا) وأشار إلى الجراب، فقال الغلام: (هذا لا يصلح لنا؛ لأنَّ الحلال مختلط بالحرام). فقال أبو محمّد (عليه السلام): (أنت صاحب الإلهام افرق بين الحلال والحرام) . ففتح أحمد الجراب وأخرج صرة، فنظر إليها الغلام وقال: (هذا بعثه فلان بن فلان [ وفيه ثلاثة دنانير ذهب: أحدها من فلان بن فلان وهو معيب، والآخر سرقه فلان بن فلان ] ) (1) .

وذكر على هذا المنوال أسماء الأشياء الباقية في الكيس وميّز حلالها عن حرامها. وهكذا أخرج أحمد الصرر واحدة واحدة وذكر (عليه السلام) عيب كل واحدة منها، إلى أن قال في الأخير: (أحملها إلى أصحابها) ] (2) .

ثمّ قال: (هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة) ، وكانت امرأة بقم قد غزلته بيدها ونسجته.

[فأخرجه أحمد، وقَبِل ذلك الثوب. فنظر الإمام (عليه السلام) إليّ وقال: (سلْ ولدي عن مسائلك، فإنّه يجيبك بالصواب) .

____________________

(1) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (من محلة كذا، وكان باع حنطة خاف على الزرّاع في مقاسمتها، وهي كذا ديناراً، وفي وسطها خط مكتوب عليه كميته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخرى ليس عليها السكة، والأخرى فلاني أخذها من نسّاج غرامة من غزل سرق من عنده) .

(2) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: ثم أخرج صرّة فصرّة وجعل يتكلّم على كل وحدة بقريب من ذلك. ثمّ قال: (اشدد الجراب على الصدر حتى توصلها - عند وصولك - إلى أصحابها) .

١٥٣

فعندما أردت أن أقولها] (1) ، فقال لي الغلام ابتداءً: (هلاَّ قلت للسائل: ما أسلما طوعاً ولا كرهاً، وإنّما أسلما طمعاً. فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم مَن يقول: [ إنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) سوف ] (2) يملك المشرق والمغرب وتبقى نبوته إلى يوم القيامة، ومنهم مَن يقول: يملك الدنيا كلها ملكاً عظيماً وتنقاد له الأرض، فدخلا كلاهما في الإسلام طمعاً في أن يجعل محمّد (صلّى الله عليه وآله) كل واحد منهما والي ولاية. فلمّا آيسا من ذلك، دبّرا مع جماعة في قتل محمّد (صلّى الله عليه وآله) ليلة العقبة، فكمنوا له، وجاء جبرئيل (عليه السلام) وأخبر محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بذلك، فوقف على العقبة وقال: يا فلان، يا فلان، اخرجوا فإنّي لا أمرّ حتى أراكم كلكم قد خرجتم، وقد سمع ذلك حذيفة. ومثلهما طلحة والزبير؛ فهما بايعا علياً بعد قتل عثمان طمعاً في أن يجعلهما كليهما عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) والياً على ولاية، لا طوعاً ولا رغبةً ولا إكراهاً ولا إجباراً. فلما آيسا من ذلك من عليّ (عليه السلام)، نكثا العهد وخرجا عليه وفعلا ما فعلا) وأجاب عن مسائلي الأربعين.

قال: ولمّا أردنا الانصراف، قال أبو محمّد (عليه السلام) لأحمد بن إسحاق: (إنّك تموت السنة) .

فطلب منه الكفن، فقال (عليه السلام): (يصل إليك عند الحاجة) .

[فعندما وصل أحمد إلى حلوان حمّ، وفي الليلة التي مات فيها أحمد] (3) فجاء اثنان من عند أبي محمّد (عليه السلام) ومعهما أكفانه، فغسلاّه وكفّناه وصلّيا عليه (4) .

____________________

(1) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (فخرج أحمد ليجيء بالثوب، فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): (ما فعلت مسائلك الأربعون؟ سل الغلام عنها يجيبك) ).

(2) هذه الزيادة في الترجمة، وبدلها في المصدر: (نبي يملك المشرق والمغرب، وتبقى نبوته إلى يوم القيامة) .

(3) هكذا في الترجمة، ولكن في المصدر: (قال سعد بن عبد الله: فخرجنا حتى وصلنا حلوان، فحمّ أحمد بن إسحاق ومات بالليل في حلوان).

(4) في المصدر اختلاف في بعض العبارات: راجعها في الخرائج / الراوندي 1: 481 / ح22؛ ورواه عنه البحراني في مدينة المعاجز 2: 159 - 163. وقد رواها الشيخ الصدوق بشكل أكثر تفصيلاً في كمال الدين: 454.

١٥٤

وقال هذا المرجع الديني بعد أن نقل هذا الخبر: إنّ هذه الحكاية طويلة وقد اختصرناها.

يقول مترجم هذه الأربعين: إنّ الذي دعا هذا الرجل الديني على الاكتفاء بهذا المقدار القليل والاختصار بالنقل، هو أنّ جناب الآخوند قد ذكر تفصيل ترجمة هذا الحديث في كتابه الذي ألّفه عن الرجعة.

إذن فلا يذهب بفكر بعض الأحباب إلى أنّ سبب الإجمال هو ما ذكره بعض علماء الرجال في باب هذا الحديث (1) .

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(1) قد وقع الكلام عند علماء الرجال في لقاء سعد بن عبد الله الأشعري للإمام العسكري (عليه السلام)، وذلك لِمَا قاله النجاشي (رحمه الله) في رجاله: (... ولقي أبا محمّد (عليه السلام). ورأيت بعض أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمّد (عليه السلام) ويقولون هذه حكاية موضوعة عليه. والله أعلم) انتهى كلامه رفع مقامه.

ولكنّك خيبر بأنّ الشيخ النجّاشي قد صرّح بلقاء سعد لأبي محمّد العسكري (عليه السلام) وذكر ذلك جازماً، حيث قال: (ولقي أبا محمّد (عليه السلام))، ولكنّه شكّك في قول مَن ضعّف لقاء سعد بأبي محمّد (عليه السلام) وختم مقالته بقوله (والله أعلم).

وما جاء في معجم الرجال لسيدنا (قدِّس سرّه) من تضعيف اللقاء بتضعيف الرواية التي رواها الشيخ الصدوق في (كمال الدين) سنداً؛ لِمَا احتواه السند من متهّم بالغلو، وهو محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، وإنّه لم يوثّق. بالإضافة إلى احتواء السند على مجاهيل. وبما جاء في متن الرواية ممّا أشكل عليه سيدنا بإشكالين...

يمكن معالجتهما بالرجوع إلى الرواية التي نقلها غير الصدوق، ولم تحتوِ على هذين المشكلتين متناً.

وكذلك يمكن الرجوع إليها لأنّها خالية من الإشكالات السَّنَديَّة؛ ولو أنَّنا يمكننا أن نعالج سند رواية الصدوق بتفصيل ليس هنا محلُّه.

وعلى كل حال، فإنَّ الإشكال في رواية الصدوق لا يصلح ردّ دعوى لقاء سعد بأبي محمّد (عليه السلام)؛ لاحتمال وجود روايةٍ بمتنٍ وسندٍ آخر لم يذكر.

مع قطع النجاشي بصحة لقائه بالإمام (عليه السلام).

١٥٥

[ملاقاة أبي محمّد العجلي للحجة (عليه السلام)]:

وكان ممَّن رآه أيضاً أبو محمّد العجلي، حيث دفع إليه أحد الشيعة ذهباً ليحج عن صاحب الأمر (عليه السلام)، وكانت هذه عادة الشيعة، وكان أبو محمّد هذا شيخاً كبير السن من صلحاء الشيعة، وكان له ولدان، أحدهما عابد صالح، والآخر فاسق وفاجر، فأعطى أبو محمد شيئاً من ذلك الذهب لولده الفاسق أيضاً.

فحكى قائلاً: عندما وصلت إلى عرفات رأيت شاباً حسن الوجه، أسمر اللون، مقبلاً على شأنه في الابتهال والدعاء والتضرع. فلمّا قرب نفر الناس، التفت إليّ وقال: (يا شيخ، أما تستحي من الله؟!)

قلت: من أي شيء يا سيدي ومولاي؟

قال: (يدفع إليك حجة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر فينصرف ذلك الذهب في الفسق، ولا تخاف أن تذهب عينك) وأومأ إلى أحد عينيَّ، فخجلت وجريت. وعندما رجعت إلى نفسي فأطلت النظر فلم أره، وأنا من ذلك اليوم إلى الآن على وجل ومخافة على عيني.

روى الأستاذ شيخ الطائفة، أعني: محمّد بن محمّد بن النعمان الملقَّب بالمفيد، أنَّه قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت.

فعلم أنّه كان ذلك الشاب هو الصاحب (عليه السلام) ولم يعرفه (1) .

والرواية الأخرى، عن أحمد بن أبي روح قال: وجهّت إليّ امرأة من أهل دينور، فأتيتها، فقالت: يا ابن أبي روح، أنت أوثق مَن في ناحيتنا ديناً وورعاً، وإنِّي أُريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤدّيها وتقوم بها.

فقلت: أفعل إنشاء الله تعالى.

____________________

(1) رواية الشيخ الراوندي في الخرائج والجرائح 1: 480 / ح21 مع اختلاف بعض الروايات.

١٥٦

فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم؛ لا تحلّه، ولا تنظر فيه حتّى تؤدّيه إلى مَن يُخبرك بما فيه؛ وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلى صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت: وما الحاجة؟

قالت: عشرة الدنانير استقرضتها أمّي في عرسي لا أدري ممّن استقرضتها، ولا أدري إلى مَن أدفعها، فإنْ أخبرك بها، فادفعها إلى مَن يأمرك بها.

قال: وكنت أقول بجعفر بن عليّ، فقلّت هذه المحبّة بيني وبين جعفر.

فحملت المال وخرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشّاء، فسلّمت عليه وجلست، فقال: ألك حاجة؟

قلت: هذا مال دُفع إليّ، لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو، ومَن دفع إليّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: لم أؤمر بأخذه، وهذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها:

(لا تقبل من أحمد بن أبي روح، توجّه به إلينا إلى سرّ من رأى) .

فقلت: لا اله إلا الله؛ هذا أجلّ شيء أردته.

فخرجت ووافيت سامراء، فقلت أبدأ بجعفر، ثم تفكّرت فقلت: أبدأ بهم، فإنْ كانت المحبة من عندهم وإلاّ مضيت إلى جعفر.

فدنوت من دار أبي محمّد (عليه السلام)، فخرج إليّ خادم، فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم.

قال: هذه الرقعة اقرأها.

فقرأتها، فإذا فيها:

(بسم الله الرحمن الرحيم

يا ابن أبي روح، أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك،

١٥٧

وهو خلاف ما تظن، وقد أدّيت فيه الأمانة، ولم تفتح الكيس ولم تدرِ ما فيه، وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً صحاح، ومعك قرط زعمت المرأة أنّه يساوي عشرة دنانير، صدقت، مع الفصّين اللّذين فيه، وفيه ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير، وهي تساوي أكثر، فادفع ذلك إلى جاريتنا فلانة، فإنّا قد وهبناه لها، وصر إلى بغداد وادفع المال إلى حاجز، وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.

وأمَّا العشرة دنانير التي زعمت أنّ أمّها استقرضتها في عرسها، وهي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمَن، وهي لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبيّة، فتحيّرت أن تعطيها إيّاها، وأوجبت أن تقسمها في إخوانها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها في ضعفاء إخوانها.

ولا تعودن يا ابن أبي روح إلى القول بجعفر والمحبة له، وارجع إلى منزلك فإنّ عدوك قد مات، وقد ورّثك الله أهله وماله) .

فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون ديناراً، فناولني ثلاثين ديناراً، وقال: أُمرت بدفعها إليك لنفقتك.

فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، (فإذا بفيج وقد جاءني من منزلني يخبرني بأنّ حموِّي) قد مات وأهلي يأمرونني بالانصراف إليهم.

فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار، ومئة ألف درهم (1) .

____________________

(1) في الترجمة اختلافات يسيرة، ويبدو أنّها بسبب الترجمة، وليست عندي نسخة بدل؛ فلذلك اكتفينا بنقل الرواية عن ما في المصدر.

ولكن في الترجمة في ذيل الحديث زيادة بعد أن استلم الراوي ما أعطاه حاجزاً: (فأخذتها وودّعته وتوجّهت إلى بلادي، فوصل إليّ في نفس الساعة مَن يخبرني أنّ عدوك عمر قد مات؛ وبعد أربعة أشهر تزوَّجت بزوجة عمر وكانت جميلة جداً وذات مال وفير، وصلني بعد زواجي بهذه المرأة ثلاثة آلاف ديناراً ومائة ألف درهم).

الخرائج والجرائح / الراوندي 2: 699 - 702 / ح16.

١٥٨

[ملاقاة ابن مهزيار للحجة (عليه السلام)]:

ونقل أيضاً شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر الطوسي (نور الله مرقده) في كتاب "الغيبة" بإسناده إلى حبيب بن يونس بن شاذان الصنعاني أنّه قال: دخلت إلى عليّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، فسألته عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فقال:

(يا أخي، لقد سألت عن أمرٍ عظيم، حججت عشرين حجّة كلاًّ أطلب به عيان الإمام، فلم أجد إلى ذلك سبيلاً. فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي، إذ رأيت قائلاً يقول: يا عليّ بن إبراهيم! قد أذن الله لك في الحجّ.

فلم أعقل ليلتي حتّى أصبحت، فأنا مفكّر في أمري أرقب الموسم ليلي ونهاري. فلمَّا كان وقت الموسم، أصلحت أمري، وخرجت متوجِّهاً نحو المدينة، فما زلت كذلك حتى دخلت يثرب، فسألت عن آل أبي محمّد (عليه السلام)، فلم أجد له أثراً ولا سمعت له خبراً، فأقمت مفكّراً في أمري حتّى خرجت من المدينة أريد مكّة، فدخلت الجحفة وأقمت بها يوماً، وخرجت منها متوجّهاً نحو الغدير، وهو على أربعة أميال من الجحفة. فلمّا دخلت المسجد وعفّرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم، وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتّى دخلت مكّة، فأقمت بها أياماً أطوف البيت واعتكفت؛ فبينا أنا ليلة في الطواف، إذ أنا بفتى حسن الوجه، طيّب الرائحة، يتبختر في مشيته طائف حول البيت، فحسّ قلبي به، فقمت نحوه فحككته، فقال لي: (من أين الرجل؟)

فقلت: من أهل العراق.

فقال: (من أي العراق؟)

قلت: من الأهواز.

فقال لي: (تعرف بها الخصيب؟)

فقلت: رحمه الله، دُعي فأجاب.

١٥٩

فقال: (رحمه الله، فما كان أطول ليلته وأكثر تبتّله وأغزر دمعته؛ أفتعرف عليّ بن إبراهيم بن المازيار؟)

فقلت: أنا علي بن إبراهيم.

فقال: (حيّاك الله أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام)؟) فقلت: معي.

قال: (أخرجها) .

فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها. فلمّا أن رآها، لم يتمالك أن تغرغرت عيناه بالدموع، وبكى منتحباً حتى بلّ أطماره؛ ثم قال: (أُذن لك الآن يا بن مازيار، صر إلى رحلك وكن على أهبّة من أمرك، حتّى إذا لبس الليل جلبابه، وغمر الناس ظلامه، سر إلى شعب بني عامر، فإنَّك ستلقاني هناك).

فسرت إلى منزلي؛ فلمَّا أن أحسست بالوقت، أصلحت رحلي وقدّمت راحلتي وعكمته شديداً، وحملت وصرت في متنه، وأقبلت مجدّاً في السيّر حتى وردت الشعب، فإذا أنا بالفتى قائم ينادي: (يا أبا الحسن إليّ) ، فما زلت نحوه. فلمّا قربت، بدأني بالسّلام وقال لي: (سر بنا يا أخ) ، فما زال يحدّثني وأحدثه حتى تخرّقنا جبال عرفات، وسرنا إلى جبال منى، وانفجر الفجر الأوّل ونحن قد توسطنا جبال الطائف.

فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول، وقال لي: (انزل فصلّ صلاة الليل) ، فصلّيت، وأمرني بالوتر فأوترت، وكانت فائدة منه، ثم أمرني بالسجود والتعقيب، ثم فرغ من صلاته وركب، وأمرني بالركوب، وسار وسرت معه حتّى علا ذروة الطائف، فقال: (هل ترى شيئاً؟)

قلت: نعم، أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نوراً.

فلمّا أن رأيته طابت نفسي، فقال لي: (هناك الأمل والرجاء).

ثم قال: (سر بنا يا أخ).

١٦٠