مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)0%

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه) مؤلف:
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 256

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني
تصنيف: الصفحات: 256
المشاهدات: 62003
تحميل: 6691

توضيحات:

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 256 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 62003 / تحميل: 6691
الحجم الحجم الحجم
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي (عجّل الله فرجه)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابين أحدهما: عبدٌ مخطوط، وكل واحد منهم متقلّد بسيف، وشيخاً منقّباً بيده رمح، والآخر متقلّد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف، وهو متحنّك بعذبته.

فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح في الأرض.

ووقف الشابان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي؛ ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: (أنت غداً تروح إلى أهلك؟)

فقال: نعم.

فقال له: (تقدّم حتى أبصر ما يوجعك) .

قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول؛ ثم إنّي بعد ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده، ومدّني إليه، وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة، فعصرها بيده، فأوجعني؛ ثم استوى في سرجه كما كان.

فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.

فعجبتُ من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إن شاء الله.

قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.

قال: فتقدمت إليه فاحتضنته، وقبّلت فخذه.

ثم إنّه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: (ارجع ).

فقلت: لا أفارقك أبداً.

فقال: (المصلحة رجوعك) .

فأعدت عليه مثل القول الأوّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه؟!

١٨١

فجبهني بهذا القول، فوقفت فتقدّم خطوات، والتفت إليّ، وقال: (إذا وصلت بغداد، فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر) ، فإذا حضرت عنده، وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضا ليكتب لك إلى عليّ بن عوض، فإنَّني أوصيه يعطيك الذي تريد) .

ثم سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابوا عنّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة، ثم مشيت إلى المشهد؛ فاجتمع القوّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيّراً، أوجعك شيء؟

قلت: لا.

قالوا: أخاصمك أحد؟

قلت: لا؛ ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.

فقلت: لا؛ بل هو الإمام (عليه السلام).

فقالوا: الإمام هو الشيخ، أو صاحب الفرجية؟

فقلت: هو صاحب الفرجية.

فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟

فقلت: هو قبضه بيده، وأوجعني.

ثم كشفت رجلي فلم أرَ لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً؛ فانطبق الناس عليّ ومزقوا قميصي، فأدخلني القوّام خزانة، ومنعوا الناس عني.

وكان ناظر بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجّة وسأل عن الخبر، فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة، وٍسألني عن اسمي، وسألني منذ كم خرجت من بغداد؛ فعرّفته أني خرجت في أوّل الأسبوع.

١٨٢

فمشى عنّي، وبتّ في المشهد وصلّيت الصبح وخرجت، وخرج الناس معي إلى أن بعُدت عن المشهد، ورجعوا عنّي، ووصلت إلى أوانا، فبتّ بها، وبكرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون مَن ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان؛ فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ، ومزّقوا ثيابي، ولم يبق لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد، وعرّفهم الحال، ثم حملوني إلى بغداد، وازدحم الناس عليّ، وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي (1) (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه الله) وتقدّم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين، ومعه جماعة، فوافينا باب النوبي، فرّد أصحابه الناس عنّي. فلمّا رآني قال: أعنك يقولون؟

قلت: نعم.

فنزل عن دابته، وكشف عن فخذي، فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي، وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا! هذا أخي، وأقرب الناس إلى قلبي.

فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دوائها إلا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات.

فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع، ولا يموت؛ في كم تبرأ؟

فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.

فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟

قالوا: منذ عشرة أيام.

____________________

(1) لعله المقصود به الوزير ابن العلقمي.

١٨٣

فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، وصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.

فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.

ثم أنه اُحضر عند الخليفة المستنصر (رحمه الله)، فسأله عن القصة، فعرّفه بها كما جرى؛ فتقدَّم له بألف دينار. فلمَّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.

فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة.

فقال الخليفة: ممّن تخاف؟

فقال: من الذي فعل معي هذا؛ قال: (لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً) .

فبكي الخليفة وتكدّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عليّ بن عيسى عفا الله عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي؛ وكان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، وأنا لا أعرفه. فلمّا انقضت الحكاية، قال: أنا ولده لصلبه.

فعجبت من هذا الاتفاق، وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟

فقال: لا؛ لأنّي أصبوا عن ذلك، ولكنّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر.

وسألت السيد صفي الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدين حيدر بن الأيسر (رحمهما الله)، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي إلهيَّات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي؛ فأخبراني بصحة هذه القصة، وأنّهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها.

وحكى لي ولده هذا أنّه كان بعد ذلك شديد لفراقه (عليه السلام)، حتّى إنّه جاء إلى بغداد، وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كل يوم يزور سامراء، ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى ويقضي له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو

١٨٤

ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغُصَّته، والله يتولاّه وإيّانا بحرمته بمنّه وكرامته (1) .

[حكاية أبي عطوة]:

والحكاية الثانية: قال صاحب كشف الغمة (رحمه الله): وحكى إليّ السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني، أنّ أبا عطوة كان به أدرة، وكان زيدي المذهب، وكان ينكر على بنيه الميل إلى مذهب الإمامية ويقول: لا أصدّقكم، ولا أقول بمذهبكم حتّى يجيء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرأني من هذا المرض.

فتكرّر هذا القول منه؛ فبينما نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة، إذا أبونا يصيح ويستغيث بنا؛ فأتيناه سراعاً فقال: الحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي.

فخرجنا، فلم نرَ أحداً؛ فعدنا إليه، وسألناه، فقال: إنّه دخل إليّ شخص، وقال: (يا عطوة)

فقلت: مَن أنت؟

فقال: (أنا صاحب بنيك، قد جئت لأبرئك ممّا بك).

ثم مدّ يده، فعصر قروتي، ومشى؛ ومددت يدي، فلم أرَ لها أثراً.

قال لي ولده: وبقي مثل الغزال ليس به قلبة.

واشتهرت هذه القصة، وسألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرّ بها (2) .

وقال صاحب (كشف الغمة) بعد نقله هاتين الحكايتين: وإنّه (عليه السلام) رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها، فخلّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا، ولولا التطويل لذكرت منها جملة (3) .

____________________

(1) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 493 - 497.

(2) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 497.

(3) كشف الغمة / المحقق الإربلي 2: 497.

١٨٥

يقول مؤلّف هذه الأربعين: إنّي أعرف ما بيني وبين الله تعالى مَن رآه (عليه السلام) كراراً، وقد ابتلى في بعض الأزمنة بمرض مهلك فتفضّل (عليه السلام) بالشفاء الكامل.

وذُكر بالخبر أنّه (عليه السلام) ليحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه (1) .

كما أنّ حديث غانم الهندي له (عليه السلام) مشهور جداً عند رواة الحديث.

[حكاية بني راشد وسبب تشيُّعهم]:

نقل ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) حكاية، قال:

سمعنا شيخاً من أصحاب الحديث يقال له: أحمد بن فارس الأديب، يقول: سمعت بهمدان حكاية حكيتها - كما سمعتها - لبعض إخواني، فسألني أن أثبتها له بخطّي، ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها على مَن حكاها، وذلك:

أنّ بهمدان ناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلّهم يتشيّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؛ فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحاً وسمتاً -: إنّ سبب ذلك أنّ جدنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّاً، فقال: إنّه لمّا صدر من الحجّ، وساروا منازل في البادية، قال: فنشطت في النزول والمشي، فمشيت طويلاً حتى أعييت ونعست، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

قال: فما انتبهت إلاّ بحرّ الشمس ولم أرَ أحداً، فتوحَّشت، ولم أرَ طريقاً، ولا أثراً؛ فتوكَّلت على الله (عزّ وجلّ)، وقلت: أسير حيث وجّهني الله، ومشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنّها قريبة عهد من غيث، وإذا

____________________

(1) أقول: راجع كمال الدين / الصدوق: 440 / باب 44 / ح8؛ قال: (حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، قال: سمعته يقول: (والله، إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم...) ، الحديث).

١٨٦

تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده، ولم أسمع به، فقصدته. فلمَّا بلغت الباب، رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما، فردّا ردّاً جميلاً وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً.

فقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد، ثمّ خرج فقال: قم فادخل.

فدخلت قصراً لم أرَ بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوء منه، فتقدّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه؛ ثم قال لي: ادخل.

فدخلت البيت، فإذا فتىّ جالس في وسط البيت، وقد عُلّق فوق رأسه من السقف سيفٌ طويلٌ تكاد ظبته تمسّ رأسه، والفتى كأنّه بدر يلوح في ظلام؛ فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام وأحسنه، ثم قال لي: (أتدري مَن أنا؟)

فقلت: لا، والله.

فقال: (أنا القائم من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف (وأشار إليه) فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

فسقطت على وجهي، وتعفّرت، فقال: (لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها: همدان) .

فقلت: صدقت يا سيدي ومولاي.

قال: (أفتحب أن تؤوب إلى أهلك؟).

فقلت: نعم! يا سيدي، وأبشّرهم بما أتاح الله (عزّ وجلّ) لي.

فأومأ إلى الخادم، فأخذ بيدي وناولني صرّة، وخرج، ومشى معي خطوات؛ فنظرت إلى طلال وأشجار ومنارة مسجد.

فقال: (أتعرف هذا البلد؟).

فقلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد وهي تشبهها.

قال: فقال: (هذه أسد آباد، امض راشداً) ؛ فالتفتّ فلم أره.

١٨٧

فدخلت أسد آباد، وإذا في الصرة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همدان، وجمعت أهلي، وبشّرتهم بما يسّره الله (عزّ وجلّ) لي، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير (1) .

وقال الشيخ السديد السعد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي الملقّب بالمفيد (عليه رحمة الله الملك المجيد) في كتاب (الإرشاد): (فمن الدلائل على [إمامته (عليه السلام)] (2) ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود إمام معصوم، كامل، غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان؛ لاستحالة خلو المكلَّفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وحاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدبٍ للجناة، مقوّم للعصاة، رادع للغواة، معلّم للجهال، منبّهٍ للغافلين، محذّر من الضلال، مقيم للحدود، منفذٍ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأمراء، شادٍّ للثغور، حافظٍ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للناس في الجمعات والأعياد.

وقيام الأدلة على أنّه معصوم من الزلاّت لغناه عن الإمام بالاتفاق، واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، ووجوب النص على من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميّزه ممّن سواه، وعدم هذه الصفات من كل أحدٍ سوى مَن أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وهو ابنه المهدي (عليه السلام)، على ما بيّناه، وهذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 453 و454 / باب 43 / ح20.

في الترجمة زيادة: (وقد بقي التشيّع في عقبنا ببركة وجوده، وسوف يبقى قائماً فينا إلى يوم القيامة). ولا يخفى عليك أنّ هناك بعض الاختلافات البسيطة في الترجمة، آثرنا أن نعتمد على الأصل مقتصرين عليه.

(2) هذه الزيادة في الترجمة وليست في المصدر.

١٨٨

وتعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال.

ثم قد جاءت روايات في النص على ابن الحسن (عليه السلام) من طرق ينقطع بها الأعذار) (1) .

وليعلم أنَّ لصاحب الأمر (عليه السلام) غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى. وأنَّ أكثر الحكايات التي ذكرت إنّما كانت في الغيبة الكبرى.

وأمَّا الغيبة الصغرى، فقد كانت مدتها أربع وسبعين سنة، وكان بعض خُلَّص شيعته يصلون بخدمته (عليه السلام)، ويرسلون إليه (عليه السلام) مسائلهم التي تشكل عليهم، وكان البعض لا يقدر أن يصل إليه فكان يصل إلى وكلائه (عليه السلام)، ويقدم لهم مسائله وحاجاته ومشكلاته إليهم، وهم يقدمونها للإمام (عليه السلام)، ثم يأخذون الجواب.

وكان يُعبَّر في تلك المدة الزمنية عنه (عليه السلام) أحياناً بـ: (م ح م د)، وأحياناً بـ: الصاحب، والحجة، والقائم، والمهدي، وهو كذلك. ولا يسمح بتسميته قبل ظهوره (عليه السلام). ويقال لمكان ولادة الإمام (عليه السلام): الناحية المقدسة، وقد وقع في الأحاديث المنع من التصريح باسمه وكنيته (عليه السلام) قبل ظهوره في كل وقت أريد وقصد حضرة ولي المعبود.

وأمَّا أسماء وكلائه (عليه السلام) وتوقيعاته (عليه السلام) التي كتبها لخواصّه، فهي مذكورة في الكتب المعتبرة، وقد ظهرت منه (عليه السلام) معجزات عظيمة، من يوم ولادته (عليه السلام) حتّى آخر يوم من غيبته الأولى، وهكذا بعدها إلى هذا الزمان، وكل واحد منها شاهد عدل على وجوده (عليه السلام)، وهي مسطورة في دفاتر روايات الثقات، كما أنّ هناك روايات صحيحة وصريحة مروية عن الطرفين

____________________

(1) الإرشاد / الشيخ المفيد 2: 342 و343.

١٨٩

تُؤيِّد هذا المعنى، مثل حكاية البحر الأبيض والجزيرة الخضراء، وحكاية مدينة الشيعة، والبلد الذي في أقصى أرض المغرب، ولم نذكرها خوف الإطناب في هذا المختصر.

وهناك الكثير من الشيعة والموالين الذين تشرّفوا بالحضور في خدمته (عليه السلام) في زمان الغيبة الكبرى، وقد كتب في (كشف الغمة) و(الفصول المهمة) و(كمال الدين) و(الخرائج) وغيرها بعض ما وصل لأصحاب هذه الكتب، ولا يوجد تعارض بين الحديث القائل: (مَن يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصحيحة فهو كاذب) ، وهذه الأخبار،كما هو ظاهر لمقتضي آثار الأئمّة الأطهار. ولمَن يريد بيان وتوضيح هذا المعنى، فعليه الرجوع إلى قاطف عناقيد محصول المحدثين في كتاب (رياض المؤمنين).

[أسماء مَن رأى المهدي (عليه السلام)]:

وأمَّا أسماء مَن رأى الصاحب (صلوات الله عليه) ووصل إلى خدمته من وكلائه وخرجت إليهم التوقيعات؛ فهي مذكورة في أكثر الكتب، بالخصوص كتاب كمال الدين، وكتاب كشف الغمة.

أولاً: من الوكلاء.

ببغداد: العمري وابنه... وحاجز... والبلالي... والعطّار.

ومن الكوفة: العاصميّ.

ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.

ومن أهل الري: البسّامي... والأسدي.

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.

١٩٠

ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان (1) .

وثانياً: من غير الوكلاء.

من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس... وأبو عبد الله الكندي... وأبو عبد الله الجنيدي... وهارون القزاز... والنيلي... وأبو القاسم بن دبيس... وأبو عبد الله بن فرّوخ... ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)... وأحمد ومحمّد ابنا الحسن... وإسحاق الكاتب من بني نوبخت... وصاحب النواء... وصاحب الصرّة المختومة.

ومن همدان: محمد بن كشمرد... وجعفر بن حمدان... ومحمّد بن هارون بن عمران.

ومن الدينور: حسن بن هارون... وأحمد بن أُخيّة... وأبو الحسن.

ومن أصفهان: ابن باذشالة.

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قم: الحسن بن النضر... ومحمّد بن محمّد... وعليّ بن محمّد بن إسحاق... وأبوه... والحسن بن يعقوب.

ومن أهل الري: القاسم بن موسى وابنه... وأبو محمد بن هارون... وصاحب الحصاة... وعليّ بن محمّد.... ومحمّد بن محمّد الكليني... وأبو جعفر الرفّاء.

ومن قزوين: مرداس... وعليّ بن أحمد.

ومن فاقتر: رجلان.

ومن شهرزور: ابن الخال.

ومن فارس: المحروج.

ومن مرو: صاحب الألف دينار... وصاحب المال والرقعة البيضاء... وأبو ثابت.

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 442 / ح16.

١٩١

ومن نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.

ومن اليمن: الفضل بن يزيد... والحسن ابنه... والجعفري... وابن الأعجمي... والشمشاطي.

ومن مصر: صاحب المولودين... وصاحب المال بمكة... وأبو رجاء.

ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.

ومن الأهواز: الحصيني (1) .

وهؤلاء ليسوا من الوكلاء، ولكنّهم رأوه (عليه السلام) على التحقيق.

ونقل في (كشف الغمة) كثير من الوكلاء والسفراء وغيرهم، وغير هؤلاء الجماعة المذكورين، لم نوردهم خوفاً من التطويل، وقد ظهرت له معجزات (عليه السلام) لكل واحد من هذه الجماعة تفوق الحصر.

ومن جملة التوقيعات ما روى محمد بن شاذان بن نعيم النيشابوري أنّه قال:

اجتمع عندي مال للغريم (عليه السلام) خمسمائة درهم، ينقص منها عشرون درهماً، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ إليّ محمّد بن جعفر القبض، وفيه: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهماً) (2) .

وروى أيضاً عن نصر بن الصباح قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلى حاجز، وكتب رقعة، وغيّر فيها اسمه، فخرج إليه الموصول باسمه ونسبه والدعاء له (3) .

وروى أيضاً عن سعد بن عبد الله بن صالح (4) أنّه قال:

____________________

(1) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 442 و443 / باب 43 / ح16.

(2) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 485 و486 / باب 45 / ح5.

(3) كمال الدين / الشيخ الصدوق 2: 488 / باب 45 / ح10.

(4) هكذا في الترجمة، وفي المصدر المطبوع: (سعد بن عبد الله بن محمّد بن صالح؛ قال:... الحديث).

١٩٢

كتبت أسأله الدعاء لباداشالة (1) وقد حبسه ابن عبد العزيز، وأستأذن في جارية لي أستولدُها، فخرج: (استولدْها، ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلصه الله).

فاستولدت الجارية، فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس (يوم خرج إليّ التوقيع) (2) .

[دعاء الحجة (عليه السلام) لعليّ بن الحسين بن بابويه]:

وروى أيضاً أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي، أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزّ وجلّ) أن يرزقه ولداً ذكراً.

قال: فسألته، فأنهى ذلك؛ ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنّه قد دعا لعليّ بن الحسين، وأنّه سيولد له ولد مبارك ينفع الله (عزّ وجلّ) به وبعده أولاده) (3) .

وقد ولد بهذا الدعاء محمّد بن عليّ بن بابويه المشهور، وهو من أعظم مجتهدي الإمامية، وقد كتب (عليه السلام) في حق أبي جعفر: (ليس إلى هذا سبيل) ، يعني: سوف لا يولد لك ولد؛ ولم يولد لأبي جعفر ولد (4) .

وقال ابن طاووس والشيخ الطبرسي (رحمه الله) الأوّل في كتاب (ربيع الشيعة)،

____________________

(1) لم يذكر في الترجمة اسم المحبوس.

(2) سقطت هذه الزيادة من الترجمة، والرواية في كمال الدين / الصدوق: 489 / باب 45 / ح12.

(3) كمال الدين / الصدوق 2: 502 / ح31.

(4) في كمال الدين: 502 و503 / باب 45 / ح31، بعد أن نقل الرواية المتقدمة: (قال أبو جعفر محمّد بن علي الأسود (رضي الله عنه): وسألته في أمر نفسي أن يدعو لي أن يرزقني ولداً ذكراً، فلم يجبني إليه. وقال: (ليس...) الحديث).

١٩٣

والآخر في كتاب (أعلام الورى)، بعد أن ذكرا بعض النصوص: وأنّ لصاحب الزمان (عليه السلام) غيبتان: (فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر (عليه السلام) على حسب ما تضمنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده (عليهم السلام). أمّا غيبته الصغرى منهما، فهي التي كانت فيها سفراؤه (عليه السلام) موجودين، وأبوابه معروفين، لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن عليّ (عليه السلام) فيهم، فمنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليّ بن عثمان، وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، وابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، وعمر الأهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم، وجماعة أخر ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.

كانت مدّة هذه الغيبة أربعاً وسبعين سنة، وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدس الله روحه) باباً لأبيه وجده (عليهما السلام) من قبل، وثقةً لهما، ثم تولى الباقية من قبله، وظهرت المعجزات على يده. ولمَّا مضى لسبيله، قام ابنه أبو جعفر مقامه (رحمهما الله) بنصّه عليه، ومضى على منهاج أبيه (رضي الله عنه) في آخر جمادى الآخرة من سنة أربع أو خمس وثلاثمائة، وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، وأقامه مقام نفسه، ومات (رضي الله عنه) في شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة، وقام مقامه أبو الحسن السمري بنص أبي القاسم عليه، وتوفِّي في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة (1) .

* * *

____________________

(1) إعلام الورى / الشيخ الطبرسي 2: 259 و260.

١٩٤

الحديث الثامن والثلاثون:

علامات الساعة

قال أبو محمّد بن شاذان (عليه الرحمة والغفران): حدّثنا الحسن بن محبوب (رضي الله عنه) قال: حدّثنا عليّ بن رئاب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد الله بن العباس، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إنّ للساعة علامات، منها: السفياني، والدجال، والدخان، وخروج وخسف بجزيرة العرب، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) .

وروى الفضل (رحمه الله) هذا الحديث بطريق آخر، وهو هذا، حيث قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عشر قبل الساعة لا بدّ منها: السّفياني، والدّجال، والدّخان، والدّابّة، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى (عليه السلام)، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر) .

وقد نقله الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) في كتاب الغيبة بهذا الطريق:

١٩٥

عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان (1) .

وقد ذكره ابن بابويه (رضي الله عنه) في كتاب الخصال بطريق آخر (2) .

____________________

(1) أقول: راجع الغيبة / الطوسي: 436 / فقرة رقم 426.

(2) أقول: روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال / باب العشرة: ثلاثة أخبار تقرب من مضمون هذا الخبر الذي أشار إليه المؤلف (رحمه الله) في الأصل، ولم يذكر مقصود الخبر من هذه الثلاثة، وهي:

في الخصال: 431 / باب العشرة / ح13:

عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أُسيد قال: أطلع علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من غرفة له ونحن نتذاكر الساعة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: الدّجال، والدّخان، وطلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا، وتقيل معهم إذا قالوا).

وفي الخصال: 446 / باب العشرة / ح46:

قال: حدّثنا الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن حكيم القاضي، قال: حدّثنا الحسين بن عبد الله بن شاكر، قال: حدّثنا إسحاق بن حمزة البخاري، وعمّي، قالا: حدّثنا عيسى بن موسى غنجار، عن أبي حمزة، عن رقبة، وهو ابن مصقلة الشيباني، عن الحكم بن عتيبة، عمّن سمع حذيفة بن أُسيد يقول: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (عشر آيات بين يدي الساعة: خمس بالمشرق، وخمس بالمغرب)، فذكر الدّابة والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وعيس بن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج، وأنّه يغلبهم ويغرقهم في البحر، ولم يذكر تمام الآيات.

وفي الخصال: 449 / باب العشرة / ح52، قال: =

١٩٦

وقد روى هذا الحديث جماعة من علماء الإمامية وكثير من فضلاء العامة، ولكن باختلاف الترتيب والعلامات، فقد أضيف في بعضها يأجوج ومأجوج أيضاً. وقد يكون سبب الاختلاف بالترتيب والعلامات لإمكان أن سيد البشر قد تكلّم بهذا الكلام المعجز مرّات متكرِّرة، وكان قد ذكر في كل مرة بعضاً من تلك العلامات فإنَّ علامات القيامة كثيرة.

فاعلم أيُّها العزيز أنّه لا بدّ لك في باب هذا الحديث الشريف من معرفة عدة أشياء:

الأوّل: أنّه لا يشترط في هذه العلامات المذكورة في الحديث أن تظهر على النحو الترتيبي.

الثاني: أنَّ العلامات غير محصورة في هذه المجموعة من العلامات التي ذُكرت. ويستفاد هذا أيضاً من لفظة (منها) التي جاءت في الحديث الأوّل.

الثالث: أنَّ المقصود من ذكر هذا الحديث في هذا المقام هو التذكير بخروج صاحب الأمر (عليه السلام).

____________________

= حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم قال: حدّثنا أبو عبد الله الوراق محمد بن عبد الله بن الفرج قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن بيان المقريء، قال: حدّثنا محمّد بن سابق قال: حدّثنا زائدة، عن الأعمش قال: حدّثنا فرات القزاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أُسيد الغفاري قال: كنّا جلوساً في المدينة في ظل حائط، قال: وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في غرفة فأطلع علينا، فقال: (فيم أنتم؟) ، فقلنا: نتحدّث، قال: (عن ماذا؟)، قلنا: عن الساعة، فقال: (إنّكم لا ترون الساعة حتى ترون قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدّجال، ودابّة الأرض، وثلاثة خسوف في الأرض: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى بن مريم (عليه السلام)، وخروج يأجوج، وتكون في آخر الزمان نار تخرج من اليمن من قعر الأرض لا تدع خلفها أحداً، تسوق الناس إلى المحشر، كلَّما قاموا قامت لهم تسوقهم إلى المحشر) .

ولعل مقصوده هذا الحديث الأخير والله تعالى العالم.

١٩٧

الرابع: أنّ الولي والعدو متّفقون على القول بأنّ ظهوره (عليه السلام) إنّما وهو من علامات القيامة. وعليه فلا يعوّل على الحديث الذي نقله العلاَّمة المجلسي في حكومة النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والإمام الحسين (عليهما السلام) ألفاً وأربعة وتسعين سنة ومدة قليلة، وسوف تكون وسطاً بين القيامة وعلامات القيامة.

وسوف تعلم بعد هذا أنّ زمان إمامة وخلافة وحكومة وسلطنة الحجة (صلوات الله عليه) سوف تتصل بالقيامة؛ وهذا لا يتنافى مع ما جاء في مواضع كثيرة من الروايات: في أنّه سوف يكون بين وفاته (عليه السلام) وقيام القيامة أربعون يوماً؛ لأنّ هذه الأربعين يوماً إنّما هي من مقدّمات القيامة.

ولذلك نرى بعض علماء الإمامية الذين غفلوا عن هذا المعنى، لم يقولوا بوجود الفاصل الأربعين يوماً بين وفاة الحجّة (عليه السلام) والقيامة؛ ومن أولئك الشيخ إبراهيم (عليه الرحمة)، فإنَّه قد أصرّ جداً على هذا في كتاب (بيان الفرق) واستدل على هذا المطلب في رسالة (الفرقة الناجية) بالأحاديث المنقولة من طرق العامة.

وليعلم أيضاً أنّ لكل علامة من هذه العلامات شرح مفصّل لا يسع هذا المختصر لتلك الشروح، ومَن أراد استيفاء ذلك فعليه أن يرجع إلى كتاب (رياض المؤمنين وحدائق المتقين) الذي ألّفتُه في أيام شباب هذا الحقير.

وهناك حديث طويل لابن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في ذكر علامات آخر الزمان نقله في كتاب (إثبات الرجعة) عن أبي عبد الله (عليه صلوات الله)، وقد رواه صاحب الكافي في روضته بدون زيادة ولا نقصان (1) ، وقد أورده هذا المنكسر الحزين في (رياض المؤمنين)، ومَن أراد الإطلاع عليه فعليه بالرجوع إلى ذلك الكتاب.

وأطلب من قارئ هذه الرسالة وذلك الكتاب وغيرهما من مؤلفات هذا الفقير أن يطلبوا للمؤلف العفو من غفّار الخطايا.

والسلام على مَن اتبع الهدى.

____________________

(1) راجع: الرّوضة من الكافي / الكليني 8: 36 - 42.

١٩٨

الحديث التاسع والثلاثون:

أحداث تكون قبل ظهوره (عليه السلام)

قال الشيخ الجليل الفاضل ابن شاذان بن الخليل (طيّب الله مرقده): حدّثنا محمّد بن أبي عمير (رضي الله عنه)، قال: حدّثنا جميل بن دراج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: (استعيذوا بالله من شرّ السفياني والدجال وغيرهما من أصحاب الفتن) .

قيل له: يا ابن رسول الله، أمّا الدجال فعرفناه وقد بيّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمَن السفياني وغيره من أصحاب الفتن، وما يصنعون؟

قال (عليه السلام): (أوّل مَن يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس؛ يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم.

فبينا هم كذلك إذ يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه، ويتقشّف، ويتقنَّع بخبز الشعير، والملح الجريش، ويبذل الأموال؛ فيجلب بذلك الجهّال والأرذال، ثم يدّعي الخلافة، فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويظهرون

١٩٩

الباطل، فيقولون: إنّه خير أهل الأرض؛ وقد يكون خروجه، وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد، وفي شهر واحد، وسنة واحدة.

فأوّل مَن يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم، ويرجع إلى اليمن، فيقتله اليماني، ثم يفرّ الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما، ويقهرهما، ويقهر كل مَن ينازعه ويحاربه إلاَّ اليماني، ثم يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويسخر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني، ويرجع منها منتصراً في عنقه صليب.

ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة، ومقاتلات شديدة، فيتبعه اليماني، فتكثر الحروب، وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأسارى، وفيقطّعهما إرباً إرباً.

ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة؛ ثم يفوّض المُلك بابنه السعيد، ويأوي مكّة، وينتظر ظهور قائمنا حتى يُتوفّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في مكّة، وسلطانه قريباً من أربعين سنة. وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا (عليه السلام)) .

قال زرارة: فسألته عن مدّة ملك السفياني.

قال (عليه السلام): (تمدّ إلى عشرين سنة).

ويستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ السمرقندي سوف يحتلّ في ذلك الزمان بلاد الروم، ولكنّه ليس من الواضح والمعلوم أنّه هل سوف يقع القتال بين هذين المضلّين والضّالين أم أنّهما سوف يتصالحان، أم أنَّ السفياني سوف ينصرف ويرجع بدون التقاء هاتين الفئتين ووقوع أحد الأمرين؟

وليعلم أنّ من مؤيّدات هذا الحديث ما رواه الشيخ عالي الشأن، أعني: الفضل بن شاذان (عليه الرحمة والغفران) في كتاب (إثبات الرجعة)، ونقله

٢٠٠