مجالس الناشئة 1430هـ

مجالس الناشئة 1430هـ0%

مجالس الناشئة 1430هـ مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: دواوين
الصفحات: 70

مجالس الناشئة 1430هـ

مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف:

الصفحات: 70
المشاهدات: 9401
تحميل: 3204


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 70 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 9401 / تحميل: 3204
الحجم الحجم الحجم
مجالس الناشئة 1430هـ

مجالس الناشئة 1430هـ

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

قال الإمام الحسينعليه‌السلام في العاشر من شهر محرّم: " أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حقّ ينصرنا"؟.

لقد اهتمّ الإسلام بخدمة المؤمن وإغاثته في أوقات الشدائد، حتى أنّ بعض الروايات أظهرت أهميّة هذا العمل وفضّلته على الكثير من الأعمال الأخرى.

فضل إغاثة المؤمن:

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : "ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد". وعنهعليه‌السلام : "قضاء حاجة المؤمن أفضل من حجّة متقبّلة بمناسكها".

ثواب إغاثة المؤمن:

ذكرت الروايات الواردة عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام أنّ لمغيث المؤمن أجر وثواب عظيمين في الدنيا والآخرة، ومن هذه الروايات:

في الدنيا:

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : "ما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة"

٢١

في الآخرة:

عن الإمام الصادقعليه‌السلام : "من قضى حاجة لأخيه المؤمن قضى الله عزّ وجلّ له يوم القيامة مائة حاجة من ذلك أوّلها الجنّة".

هذا فيما يتعلّق بالفضل والثواب.

أمّا من ناحية الخذلان، فقد وردت العديد من الروايات التي تذمّ الأشخاص الذين يخذلون إخوانهم.

جزاء خذلان المحتاج: عن مولانا الإمام الصادقعليه‌السلام : "ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا".

لذلك على الإنسان المؤمن أن يعمل جاهداً على قضاء حوائج إخوانه من المؤمنين، لأنّ هذا الأمر محبوب عند الله، والذي يحبّه الله يثيب عليه، وبالتالي نحظى بالجنّة فنكون مع أحبّتنا من الأئمةعليهم‌السلام والمؤمنين.

وخذلان الإخوان أمر خطير سيّما إذا كانت حاجة المؤمن ملحّة وعاجلة،كما أنّ هناك أسباباً عديدة لخذلان المحتاج خاصّة حينما تكون نصرة المحتاج والملهوف تؤدي إلى القتل والشهادة، ويظهر لنا هذا الأمر في واقعة كربلاء فهناك الكثير ممن تخلّفوا عن نصرة الإمام الحسينعليه‌السلام منهم عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ الذي قال للإمامعليه‌السلام حينما

٢٢

طلب منه نصرته: والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة.. ولكن نفسي لم تسمح بعد بالموت.

نعي:

إنّ أمثال هؤلاء خذلوا إمامهم فويل لهم، وما سيكون موقفهم حينما تسألهم الزهراءعليها‌السلام عن سرّ تخلّفهم وخذلانهم لولدها الحسينعليه‌السلام ؟ وماذا سيجيبون؟! فهؤلاء تركوا الإمامعليه‌السلام الذي ترك مدينة جدّه وانتقل إلى مكّة، ومنها إلى العراق، بعد أن علم أنّ يزيد طلب قتله ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة، فأسرع الإمامعليه‌السلام بالطواف وأحلّ من إحرام الحجّ وجعلها عمرة مفردة- لأنّه لا يريد أن يقتل في بيت الله فتستحلّ حرم الله بدمهعليه‌السلام -، فخرج إلى العراق ومعه أهل بيته.

وفي هذا اليوم قتل مسلم بن عقيل بالكوفة، وبعدما سمع الإمام الحسينعليه‌السلام بمقتل مسلم استدعى الإمام حميدة بنت مسلم- وهي طفلة صغيرة- أجلسها الإمام في حجره وأخذ يمسح على رأسها، نعم كان الله في عون سكينة بنت الحسينعليه‌السلام مساء العاشر من المحرّم، عندما أصبحت يتيمة تبكي وحدها لا تجد من يمسح على رأسها.

أمّا العقيلة زينب أمّ المصائب فكانت تقف حائرة تبكي لليتامى الذين

٢٣

تركهم الحسينعليه‌السلام بعد أن أصبح جثّة بلا رأس.

قد كنتُ في الحرَمِ المَنيعِ خَبيئَةً

واليومَ نَقْعُ اليَعمُلاتِ خِبائي

ماذا أقولُ إذا التقَيتُ بِشَامِتٍ

أنّي سُبيتُ وإخوتي بإزائي

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.

٢٤

٢٥

اليوم الرابع

العبادة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

لو كان ينفعُ للعليلِ غليلُ

فَاضَ الفُراتُ بِمَدمَعِي والنِيلُ

كيفَ السُلُوُ وَلَيسَ بَعدَ مُصِيبَةِ

ابنِ عَقِيلٍ لِي جَلَدٌ وَلا مَعقُولُ

أفديهِ مِن فَادٍ شَريعةَ أحمَدٍ

بِالنَفسِ حَيثُ النَاصِرونَ قَليلُ

حَكَمَ الإلهُ بِما جَرَى فِي مُسلِمٍ

واللهُ لَيسَ لِحُكمِهِ تَبدِيلُ

خذلوهُ وانقلبُوا إلى ابنِ سُميّةٍ

وعن ابنِ فَاطِمةٍ يزيدُ بَديلُ

آوَتهُ طَوعَةُ مُذْ أتَاهَا والعِدَى

مِن حَولِهِ عَدْواً عليهِ تَجُولُ

٢٦

‏مكانة الصلاة:

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدهم وجه دينه". وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "ليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين".

ثواب الصلاة:

عن سلمان الفارسي، قال: كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظلّ شجرة، فأخذ غصناً منها فنفضه فتساقط ورقه، فقال: "ألا تسألوني عن ما صنعت"؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "إنّ العبد إذا قام إلى الصلاة تحاتت عنه خطاياه كما تحاتّ ورق هذه الشجرة".

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : "إنّ الإنسان إذا كان في الصلاة فإنّ جسده وثيابه وكلّ شيء حوله يسبّح".

- الصلاة في أوّل وقتها:

إنّ الصلاة في أوّل وقتها هو الأمر المطلوب، فالإنسان الذي يؤخر صلاته ولا يبالي لأدائها ويسهى عنها يكون من الذين توعّدهم الله بالويل، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾.

٢٧

- صلاة الجماعة:

إنّ الإمام الحسينعليه‌السلام لم يترك صلاة الجماعة حتى في كربلاء، ففي ليلة العاشر من المحرّم قال الإمام الحسين لأخيه العبّاسعليه‌السلام : "إرجع إليهم واستمهلهم هذه العشيّة إلى غد، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة له، وتلاوة القرآن وكثرة الدعاء، والاستغفار".

وفي يوم العاشر من المحرّم، نظر أبو ثمامة الصائدي في السماء وأخذ يقلّب وجهه فيها، ثمّ توجّه نحو الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقال: نفسي لنفسك الفداء، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك والله لا تقتل حتى أقتل معك، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فأجابه الحسينعليه‌السلام : "ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، وأقاموا الصلاة".

فالصلاة هي عمود الدين، هي التي صالح لأجلها الحسنعليه‌السلام ، وخرج دفاعاً عنها الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقتل بسببها مسلم بن عقيل ذاك البطل الشجاع، وكان أوّل من استشهد في ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام . مسلم ذاك السفير الأمين الذي لم يهب الموت، بل ذهب لأخذ

٢٨

البيعة للحسينعليه‌السلام ، وكان يصلّي في المسجد مراراً وتكراراً، ولكن في صلاته الأخيرة بدأ جماعته وخلفه صفوف كثيرة ولكنه أتمّ صلاته وحيداً فريداً، عندما خذله الناس،كما فعلوا بالإمام الحسينعليه‌السلام . مسلم ابن عقيل لم يجد معيناً سوى طوعة، تلك المرأة التي أعانته إكراماً له ولأهل البيتعليهم‌السلام ولكن بعد أن انكشف أمره وقبض عليه تألّم مسلم، وكان أكثر ما يؤلمه تلك الرسالة التي بعثها إلى الإمام الحسينعليه‌السلام والتي تتحدّث عن بيعة أهل الكوفة له. هذه الرسالة أبكت مسلماً، فحينما كانوا يقتادونه إلى قصر ابن زياد، قال له أحدهم: إنّ الذي يطلب ما تطلب لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك. فقال مسلم: لست لنفسي أبكي، إنّما أبكي لأهلي المقبلين، أبكي لحسين وآل حسين.

النعي:

ولمـّا أدخل مسلم إلى قصر بن زياد، أمر بأن يؤخذ إلى أعلى القصر فيقطع رأسه، ويرمى به من أعلى القصر، ففعلوا ذلك، ولكنّهم لم يكتفوا بذلك بل ربطوا رجليه بحبلٍ وجرّوه في أزقّة وشوارع الكوفة، والناس تنظر وترى ما حلّ به ولا تحرّك ساكناً.

وبعدما قتل مسلم وجرى له ما جرى، وصل الخبر إلى الإمام

٢٩

الحسينعليه‌السلام ، وكان لمسلم بنت صغيرة تسمى حميدة، ذهب إليها الحسينعليه‌السلام بعدما طلب من العقيلة زينب إحضارها إليه. فوضعها في حضنه الشريف وراح يمسح على رأسها، أدركت حميدة عند ذلك ما يريد الإمامعليه‌السلام أن يخبرها به، لأنّه مسح على رأسها، ومسح الرأس يكون لليتيم. فقالت له: هل قتل أبي؟.

فجرت دموع الإمام على خدّيه، فعلا بكاء ونحيب النساء، فقال الإمامعليه‌السلام لحميدة: "بنيّة إن قتل أبوك فأنا أبوك، وبناتي أخواتك".

ولهُ ابنةٌ مسحَ الحسينُ برأسِها

واليتمُ مسحُ الرأسِ فيه دليلُ

لمـّا أحسّت بيُتمِها صَرَخَت ألا

يا والدي حُزني عليك طويلُ

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.

٣٠

٣١

اليوم الخامس

أهميّة الأخوة والصداقة

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

شَهدَ الحسينُ بأنّهم أنصارُ

خطّوا سبيلاً للوفاءِ وسَاروا

هُم صَفوةُ الأقوامِ بعضُ شُيوخِه

هُم قِلّةٌ لكنّهم أحرارُ

هُم قُدوةُ الأنصارِ في يَومِ الوَغَى

أرَأيتَ إنْ جَلَّتِ الأخبارُ

أقوى مِن الإعصارِ عِندَ هُبوبِه

ولِمثلِهم قَد يَنحَني الإعصارُ

أحلَى مِن الأقمارِ يَومَ تمامِها

فَتَناثَرت مِن فِعلِهم الأنوارُ

أغلَى مِن التِذكَارِ فوحُ عَبيرِهِم

شَهِدَ الحُسينُ بأنَّهم أنصارُ

٣٢

اعلم أيّها العزيز أنّ الأخوة على قسمين:

١- الأخ من الوالدين.

٢- الأخ في الدين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾.

وحديثنا سيكون في القسم الثاني.

إنّ الإنسان المؤمن الناجح هو الذي يبني العلاقات الإجتماعية بشكل سليم ويجعل الأصدقاء من حوله بل يكثر منهم، فعن مولانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "استكثروا الإخوان، فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة".

وقد سمّي الأخ والصديق بذلك لنزاهتهم وأمانتهم، قال حبيبنا ومولانا الإمام الصادقعليه‌السلام : "إنّما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة، وسمّوا أصدقاء لأنّهم تصادقوا حقوق المودة"، فالصديق هو سندٌ وعونٌ عند الشدائد، بل هو المسكن والملجأ كما ورد عن صادق أهل البيتعليه‌السلام : "لكلّ شيءٍ شيءٌ يستريح إليه، وإنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن، كما يستريح الطير إلى شكله"، ومن منّا لا يرغب بهذه الراحة التي لو لم يكن لها فائدة غيرها لكفت، فكيف إن كان هناك العديد من الفوائد والثمرات التي يبشّرنا بها أهل البيتعليهم‌السلام فقد جاء في الحديث الشريف: "من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنّة"، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : "النظر إلى الأخ تودّه في الله عزّ وجلّ عبادة".

٣٣

وعليه فالتآخي والصداقة في الإسلام من الأمور المرغوبة والمطلوبة، والذي لا يتخذ أصدقاء وإخوة له يعيش في خسارة ووحدة، بل يكون كما وصفه أمير المؤمنينعليه‌السلام : "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم".

ولكن هل نكثر من الأصدقاء أياً كانوا هؤلاء الأصدقاء؟ والجواب: أنّه لا بدّ لنا من الإلتزام بالضوابط والموازين التي حدّدها لنا الإسلام عبر النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهارعليهم‌السلام في عمليّة اختيار الإخوة والأصدقاء، كما قال مولانا وحبيبنا وسيدنا الإمام الصادقعليه‌السلام : "واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيّين، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم".

دور التآخي في المجتمع المؤمن:

يعتبر الإسلام أنّ المؤمنين يجب أن يكونوا كالجسد الواحد، فحينما يمرض عضو تتأثّر باقي الأعضاء لمرضه، فعن سيدنا ومولانا وطبيب قلوبنا الإمام الصادقعليه‌السلام : "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح

٣٤

واحدة، وإنّ روح المؤمن أشدّ اتصالاً من اتصال شعاع الشمس بها".

وعليه فإنّ تأثير الأخوّة والصداقة على الحالة الإيمانيّة العامّة كبير جداً، فمن فوائدهما:

القدرة على تجاوز الأزمات والصعاب التي تواجه المؤمنين.

تنميّة روح التعاون والإيثار والبذل والعطاء بين المؤمنين.

تقوية روح الجماعة وتخفيف الروح الفرديّة والأنانيّة.

أصناف الإخوان:

جاء في الحديث الشريف عن سيّد العالمين بعد رسول الله أمير المؤمنينعليه‌السلام : "الإخوان صنفان: إخوان الثّقة، وإخوان المكاشرة ، فأمّا إخوان الثقة، فهم الكفّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثّقة، فابذل له من مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سرّه وعيبه، واظهر منه الحسن، واعلم أيّها السائل انّهم أقلّ من الكبريت الأحمر، وأما إخوان المكاشرة، فإنّك تصيب لذّتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان".

٣٥

أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام :

إنّ أرقى نموذج للأخوّة والصداقة وأسمى علاقة بين الأصحاب هي تلك العلاقة التي جسّدها أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام في وقفتهم معه في كربلاء، حتى وصل الأمر أن يضحّوا بأنفسهم من أجله، فكانوا خير الأصحاب وخير الأوفياء، فقد قال فيهم مولانا الإمام الحسينعليه‌السلام : "فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي.. ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي.. فجزاكم الله عنّي خيراً.. ألا وإنّي لأظن لنا يوماً من هؤلاء.. ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام.. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري". فوقف أصحابه الأبطال أمثال حبيب بن مظاهر، وزهير بن القين، وسويد بن أبي المطاع، ونافع بن هلال البجليّ، وجون مولى أبي ذر، وغيرهم، يرفضون التخلّي عنه بل يستعدّون للشهادة بين يديه، فهذا مسلم بن عوسجة بطل معارك أذربيجان والذي بسيفه وسيوف أمثاله كان الفتح قال: "أنحن نخلّي عنك؟! ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك، لا

٣٦

والله، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك، حتى أكسر في صدورهم رمحي، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك أو أموت معك". وذاك سعيد بن عبد الله الحنفيّ يقول: "مولاي... والله لو علمت أنّي أقتل فيك، ثمّ أحيا، ثمّ أحرق حياً، ثمّ أذرى، يفعل بي ذلك سبعون مرّة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك.. وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة".

النعي:

نعم هؤلاء هم أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ، هؤلاء هم الأبطال، هم أهل الإيثار، الذين بذلوا الغالي والنفيس فداءً للحسين وأهل بيتهعليهم‌السلام

في اليوم العاشر من شهر محرّم، بدأ الأصحاب يتقدّمون للقتال بعد استئذانهم من الإمامعليه‌السلام تارة فرداً فرداً وأخرى إثنان وأحياناً ثلاثة، حتى يستشهدوا رضوان الله عليهم، إلى أن سقط مسلم بن عوسجة، فمشى نحوه الإمام الحسينعليه‌السلام ومعه حبيب بن مظاهر، وكان ما يزال حيّاً، فقال الإمامعليه‌السلام : "رحمك الله يا مسلم، وتلا قوله تعالى:﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾. ثمّ دنا منه حبيب، وقال له: "لولا

٣٧

أعلم أنّي في الأثر لأحببت أن توصيني بجميع ما أهمّك". نعم ماذا يوصي مسلم في حاله هذه؟ نعم، الله أكبر، ما أعظمها من وصيّة، التفت مسلم إلى حبيب وقال: "أوصيك بهذا الغريب- وأشار إلى الحسينعليه‌السلام - فقاتل دونه حتى الموت". وهكذا فعل حبيب، قاتل حتى استشهد بين يدي سيّدي ومولاي الإمام الحسينعليه‌السلام ، نعم مات مدافعاً عن حفيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عندها مشى الإمامعليه‌السلام واتجه نحو حبيب فبكى وقال: " لله درّك يا حبيب، لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة".

نعم، هذا حال أصحاب الحسينعليه‌السلام ... وعندما استشهدوا بأجمعهم نادى الإمام الحسينعليه‌السلام : "يا حبيب بن مظاهر، يا زهيربن القين، يا مسلم بن عوسجة، يا فرسان الصفا، وأبطال الهيجا، ما لي أدعوكم فلا تجيبون وأناديكم فلا تسمعون".

يا حبيبَ القلوبِ رِزؤكَ مَهمَا

ذَكَرَتْهُ الرَاثُون شَقَّ القُلُوبا

يا وَحِيداً حَامَيتَ دون وحيدٍ

حيثُ لا نَاصِرٌ يُرى أو مُجيبَا

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد أيّ منقلب ينقلبون

والعاقبة للمتّقين.

٣٨

٣٩

اليوم السادس

الإيثار

صلّى الله عليك يا مولاي وابن مولاي يا أبا عبد الله، يا غريب كربلاء وسليب العمامة والرداء، يا من دمه غسله والتراب كافور، يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً.

القصيدة:

عَبَسَتْ وجوهُ القَومِ خَوفَ المـَوتِ

والعبّاسُ فِيهِم ضَاحِكٌ مُتَبَسِّمُ

قَلَبَ اليَمينَ عَلى الشِمَالِ وغَاصَ فِي

الأوسَاطِ يَحصُدُ في الرُؤوسِ وَيَحطِمُ

بَطَلٌ تَوَرَّثَ مِن أبيهِ شَجَاعَةً

فِيها أُنُوفُ بَنِي الضَلالَةِ تُرغَمُ

صَبَغَ الخُيولَ بِرُمحِهِ حَتَى غَدَتْ

سَيَّانَ أشقَرَ لَونُها والأدهَمُ

ما كَرَّ غَضبَانَاً على مَلومَةٍ

لّا وَحَلَّ بِها البَلاءُ المـُبرَمُ

لولا القَضَا لَمَحَا الوجودَ بِسَيفِه

واللهُ يَقضِي ما يَشاءُ ويَحكُمُ

٤٠