مجالس السبايا

مجالس السبايا0%

مجالس السبايا مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: دواوين
الصفحات: 96

  • البداية
  • السابق
  • 96 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13685 / تحميل: 2333
الحجم الحجم الحجم
مجالس السبايا

مجالس السبايا

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

٦١

مجلس رأس الحسينعليه‌السلام في طريقه إلى الشام

أَسفي على النِسوانِ في ذُلِّ السِبا

إِذْ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ هنالِكَ يَسمعُ

وَمَضَى الجوادُ إلى الخيامِ مَحَمْحِمَاً

يَنعَى الحسينَ وَدَمعُهُ يَتَدَفّعُ

فَسَمِعْنَ رَنَّتَهُ النِساءُ فقُلنَ قَدْ

وَقَعَ الذي كُنَّا لَهُ نَتَوَقّعُ

فَخَرَجْنَ من فِسطاطِهنَّ صَوارِخاً

جَزَعاً صُراخاً للصُخورِ يُصَدِّعُ

وأَتَيْنَهُ والشِمرُ جَاثٍ فَوقَهُ

بحُسامِهِ للرأسِ منهُ يُقَطِّعُ

فَرَقَى الحسينَ وقُلنَ وَيلَكَ يا عدوَّ

اللهِ ماذا بالـمُطهَّرِ تَصنَعُ

فاحتزَّ رأسَ السبطِ يا لَكِ لوعةً

لم يَبقَ للإسلامِ شَملٌ يُجْمَعُ

٦٢

وَجَرَت خيولُهُمُ على جُثمانِهِ

حتَّى تَحَطَّمَ صَدرُهُ والأضْلُعُ

يا عينُ إبكي للحسينِ وأهلِهِ

بدمٍ إذا ما قلَّ منكِ المَدْمَعُ

إبكي عليه ورأسُهُ في ذابِلٍ

والجسمُ منهُ بالسُيوفِ مُبَضَّعُ

إبكي له ملقىً بلا غُسلٍ ولا

كَفَنٍ ولا نَعشٍ هناكَ يُشَيَّعُ

إبكي لنسوانِ الحسينِ حواسِراً

في البيدِ ما فِيهِنَّ مَنْ يَتَقَنَّعُ

إِبكي لهنَّ يُسَقْنَ بعدَ حياتِهِ

قَسراً وَهُنَّ إذَنْ عُطَاشَا جُوَّعُ(١)

على اوليانها رادت يمرها

يسيره أو بالگلب يسعر جمرها

اشلون الخارجي لختك يمرها

وهي امخدرة حمّاي الحميه

التمهيد للمصيبة (گوريز):

عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينما أنا في الطواف أيّام الموسم, إذا رجلٌ يقول: الّلهم اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تغفر. فسألته عن السبب؟ فقال: كنت أحدَ الأربعين الذين حملوا

____________________

١- القصيدة للشيخ نعمانرحمه‌الله .

٦٣

رأسَ الحسينعليه‌السلام إلى يزيد على طريق الشام. فنزلنا أوّل مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى والرأس مركوز على رمح، فوضعنا الطعام ونحن نأكل، فإذا بكفٍّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم من حديد سطراً بدم:

أترجو أمّةٌ قَتَلَتْ حُسَيناً

شَفاعةَ جَدِّه يَومَ الحِسابِ

وقَدْ قُتِلَ الحسينُ بحُكمِ جَورٍ

وَخَالَفَ حُكمُهُم حُكمَ الكِتابِ

ثمّ غاب.

قال سبط ابن الجوزيّ: فنزلوا بعض المنازل، وفي ذلك المنزل دير فيه راهب، فأخرجوا الرأس على عادتهم ووضعوه على الرمح, وحرسه الحرس على عادته وأسندوا الرمح إلى الدير، فلـمّا كان من نصف الليل رأى الراهبُ نوراً من مكان الرأس إلى عنان السماء، فأشرف على القوم وقال: من أنتم؟ قالوا: نحن أصحاب ابن زياد. قال: وهذا رأس من؟ قالوا: رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب ابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: نبيّكم؟ قالوا: نعم. قال: بئس القوم أنتم، لو كان للمسيح ولد لأسكنَّاه أحداقَنا. ثمّ قالَ: وهل لكم في شيء؟ قالوا: وما هو؟ قال: عندي عشرة آلاف دينار تأخذونها وتعطوني الرأس يكون

٦٤

عندي تمام الليلة وإذا رحلتم تأخذونه. قالوا: وما يضرّنا، فناولوه الرأس وناولهم الدنانير، فأخذه الراهب فغسّله وطيّبه وأدخله في صومعته، وأقبل يبكي الليل كلّه، فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال: طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته، فرفع الراهبُ رأسه.

المصيبة:

وقال: يا ربِّ بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس يتكلّم معي، فتكلّم الرأس وقال: يا راهب أيّ شيء تريد؟ قال: أقسم عليك من أنت؟ قال: أنا ابن محمّد المصطفى، وأنا ابن عليّ المرتضى، وأنا ابن فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وأنا المقتول بكربلا، أنا المظلوم، أنا العطشان، فسكت، لـمّا سمع الراهب ذلك، وضع وجهه على وجه الحسين وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله. فلـمّا أصبحوا أخذوا منه الرأس.

أقول: شقّ على الراهب أن يفارق رأس الحسينعليه‌السلام , وأصبح مفجوعاً لفراق أبي عبد الله ومعرفة الراهب بالحسينعليه‌السلام عمرها ليلة واحدة فقط، مع ذلك عزّ عليه الفراق.

إذاً ما حال من قضت ستّة وخمسين سنة مع الحسينعليه‌السلام وعينها ما فارقت الحسينعليه‌السلام , ومنذ الطفولة زينبعليها‌السلام

٦٥

والحسينعليه‌السلام من حضن فاطمة الزهراءعليها‌السلام إلى حجر أبيها عليّعليه‌السلام , قضت عمرها إلى جنب الحسينعليه‌السلام ولكن اليوم فارقته على رمضاء كربلا

تگله خويه عمر ما فارگتك بيه

تذكر يوم احنا زغار

من حضن امنا الزهرا

الجوانح حيدر الكرار

عيني إتبحّر بوجهك

وروحي وياك ليل نهار

أيام الكنت وياك

أناغيك وتناغيني

خرجت من كربلاء وهي تقول: أخي لو خيّروني بين المقام عندك أو الرحيل عنك لاخترت المقام عندك ولو أنّ السباع تأكل لحمي.

ودعتك الله سفرتي صعبة او طويله

يحجاب خدري ناقتي عجفا او هزيله

محّد بقى منكم يخويه يلتجيله

بس العليل او فوق ناقه امقيدينه

أبكي عليكَ بعبرةٍ مسكوبةٍ

ومدامعَ بدمِ الفؤادِ مَشُوبَةْ

وَ لِمَا أَصَابَكَ مِن عَظيمِ مُصيبةٍ

تبكيكَ عَينِي لا لأَجلِ مَثُوبَةْ

لكنَّما عيني لأجلِكَ بَاكِيَة

٦٦

مجلس الدخول إلى الشام ‏

بقيَّةَ آلِ اللهِ سَوِّمْ عِرابَها

فَقَدْ سَلَبَتْ حَربٌ نِزاراً إهابَها

وشيعتُكُم ضَاعَتْ فحيثُ توجَّهتْ

رأتْ نِوَبَ الأرزاءِ سَدَّتْ رِحَابَها

فُنينا فَقُم وانقذ بقيَّةَ شملِنا

فَقَد أنشَبَتْ فِينا أعاديكَ نابَها

أتسطيعُ صبراً أنْ يُقَالَ أُميةٌ

أجَالَتْ على جِسمِ الحسينِ عرابَها

وإِنَّ برغمِ الغُلْبِ أبناءَ غالِبٍ

كريمتُه أضحى الدماءُ خِضَابَها

تُخاطبُ شَجْواً حامليهِ نساؤهُ

وقد شَبَّ في أحشائِها ما أَذَابَها

أيا حامِلاً في الرمحِ رأساً بحَملِهِ

لَوَتْ ذلّةً اَبنا لؤيٍّ رقابَها

أتعلمُ ماذا قَد حَمَلتَ على القَنَا

وأيَّ بني وحيٍ تُقِلُّ كتابَها

٦٧

أتنسى وهل يُنسى مُصابُ حرائرٍ

أصابَك ما يوم الطفوفِ أصَابَها

أتنسى وهل يُنسى وقوفُ نسائكم

لدى ابن زيادٍ إذ أماطَ حِجَابَها

وعمّتُكَ الحوراءُ أنّى توجَّهَتْ

رَأَتْ نَائِباتِ الدهرِ تقرَعُ بابَها

لها اللهُ مِن مسلوبةٍ ثوبَ عزِّها

كستها سياطُ المارقينَ ثيابَه(١)

گوم يبن العسكري ما تنهضم

تنسى وقعة كربلا أوعينك غفت

تنسى وقعة كربلا اوجدك ذبيح

ظل ثلث تيام علرمضا طريح

يمتى تنهض سيدي أوبيها تصيح

يالثار احسين وأصحابه الغدت

يا لثار احسين جدك ولصحاب

علثرى أمست أو مسلوبه الثياب

ليت حاضر سيدي اتشوف الرقاب

دون عزها احسين كلها اتقطعت

التمهيد للمصيبة ( گوريز):

عن جابر الجعفيّ، أنّه قال: لـمّا جرّد أبو جعفرعليه‌السلام أباه عليّ بن الحسينعليه‌السلام ثيابه سمعته ينشج(٢) فأمهلته إلى أن فرغ، فقلت له: يا بن رسول الله ممَّ بكاؤك وأنت تغسل أباك، أكان حزناً عليه؟

____________________

١- القصيدة للسيّد عبد الحسين شكررحمه‌الله , من قصيدة له يخاطب بها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

٢- نشج الباكي ينشج - كضرب يضرب - نشيجاً:غصّ بالبكاء في حلقه.

٦٨

قال: لا يا جابر وإن عزَّ عليّ فراقه, ولكن يا جابر لـمّا جرّدت أبي ثيابه, رأيت آثار الجامعة(١) في عنقه, وآثار جرح القيد في رجليه.

وهذه الآثار في عنقه ورجليه لـمّا حُملوا إلى الشام أسارى, وقد صادف دخول الصحابيّ سهل بن سعد الساعديّ إليها.

قال المجلسيّ في البحار: عن سهل بن سعد الساعديّ قال: خرجت إلى بيت المقدس حتّى توسطّت الشام، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار، وقد علّقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول. فقلت في نفسي لا نرى لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن، فرأيت قوماً يتحدّثون. فقلت: يا قوم ألَكم بالشام عيد لا نعرفه نحن. قالوا: يا شيخ نراك غريباً؟! فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قالوا: يا سهل ما أعجبك السما لا تمطر دماً، والأرض لا تخسف بأهلها. قلت: ولم ذلك؟ قالوا: هذا رأس الحسين عترة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُهدى من أرض العراق. فقلت: واعجباه يُهدى رأس الحسين والنّاس يفرحون، قلت: من أيّ باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يُقال له: باب الساعات.

____________________

١- الجامعة مؤنث جامع: الغل، لأنها تجمع اليدين إلى العنق.

٦٩

المصيبة:

قال: فبينما أنا كذلك إذ الرايات يتلو بعضها بعضاً، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان، عليه رأس, نعم أتدري لمن هذا الرأس؟ وجهه قمريّ أزهريّ كأنّه بدر طالع أشبه النّاس بأمير المؤمنينعليه‌السلام وهو رأس قمر العشيرة أبي الفضل. ثمّ نظر سهل أمام المخدّرات فرأى رأساً آخر يشرق النور منه, وله مهابة عظيمة ذو لحية مدوّرة, قد خالطها الشيب والريح تلعب بلحيته الشريفة يميناً وشمالاً, كأنّه وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلـمّا تبيّن سهل وإذا به رأس الحسين بن عليعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

مَشَينَ أُسًارى خَلفَ رأْسٍ مُعَلَّقٍ

على الرمحِ لا وَعيٌ لهنَّ ولا صَبْرُ

قد اضْطَرَمَتْ أكبادُهُنَّ من الأسَى

وحَلَّ بِهِنَّ الموتُ والرُّعبُ والذُعْرُ

سَبايا وهَلْ تُسْبى بناتُ محمَّدٍ

وهُنّ بتاجِ المَجْدِ أنْجُمُهُ الزُّهْرُ

لـمّا رأى سهل النساء المسبيّات مقيّدات بالحبال (قال سهل): فدنوت من أولاهنّ فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين.

٧٠

آنه العگب عزّي اودلالي

أوجمعت هلي أوذيك الليالي

ما بين گوم أنذال تالي

يسيره أو زجر صاير الوالي

يا ذلّتي او يا ظيم حالي

فقلت لها: ألك حاجة إليّ، فأنا سهل بن سعد ممّن رأى جدّك وسمع حديثه؟ قالت: يا سهل قل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا, حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه, ولا ينظروا إلى حرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس فقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة دينار؟ قال: ما هي؟ قلت: تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك فدفعت إليه ما وعدته.

سَرَتْ وَمِنْ رأسِ الحسينِ أمامَها

ثَغْرٌ يضيءُ لها الدُجى وجَبينُ

بأبي المشيّعِ فوقَ أطرافِ القَنَا

ولَهُ عويلٌ خلفَهُ ورنينُ

تصفّر منهنَّ الوجوهُ فإنْ بكَتْ

تسودُّ منها بالسياطِ متونُ

(..) قال سهل: ورأيت روشناً(١) عالياً فيه خمسة نسوة, ومعهنّ

____________________

١- الرونش: هي أن تخرج أخشاباً إلى الدرب وتبنى عليها، وتجعل لها قوائم من أسفل.

٧١

عجوز محدودبة الظهر فلـمّا رأت رأس الحسينعليه‌السلام وهو على رمح طويل, وشيبته مخضوبة بالدماء قالت: لمن هذا الرأس المتقدّم؟ وما هذه الرؤوس التي خلفه؟ فقالوا لها: هذا رأس الحسينعليه‌السلام وهذه رؤوس أصحابه. ففرحت فرحاً عظيماً وقالت: ناولوني حجراً لأضرب به رأس الحسين, فناولوها حجراً فضربت به وجه الحسينعليه‌السلام , فأدمته وسال الدم على شيبته, فالتفتت إليه أمّ كلثوم فرأت الدم سائلاً على وجهه وشيبته, فلطمت وجهها ونادت: واغوثاه وا مصيبتاه وا محمّداه وا عليّاه واحسيّناه.

يا جميلاً كسا الوجودَ جَمالا

وجهُكَ البدرُ نَيّرٌ يَتلالا

خاطبتْهُ مُذ بَانَ يزهو هِلالا

يا هلالاً لمَاَّ استَتَمَّ كَمَالا

غالَهُ خسفُهُ فأبدى غُروبا

وقيل: أنّ سهل قال للإمامعليه‌السلام : هل من حاجة؟ قال: يا سهل هل عندك ثوب عتيق؟ قلت سيّدي: ما تصنع به (أنتم تهدون إلى النّاس الثياب الثمينة وتسألني ثوباً بالياً)؟ قال: لأضعه تحت الجامعة فإنّها أكلت عنقي. قال سهل فناولته الثوب، فلـمّا

٧٢

رفع الجامعة سالت الدماء من تحتها وسمع الإمام ينشد هذه الأبيات:

أٌقادُ ذليلاً في دمشقَ كأنَّني

من الزنجِ عبدٌ غابَ عنه نَصيرُ

وجدّي رسولُ اللهِ في كلِّ مشهدٍ

وشَيخي أميرُ المؤمنينَ وزيرُ

فيا ليتَ أُمّي لم تَلدْنِي ولم يكنْ

يزيدُ يَراني في البلادِ أسيرُ

ما لي أراكَ ودمعُ عينِكَ جامدٌ

أوَمَا سمعتَ بمحنةِ السجَّادِ

ويصيحُ واذُلّاهُ أينَ عَشِيرَتي

وسَراةُ قومي أينَ أهلُ وِدادي

٧٣

مجلس مصائب السبايا في خربة الشام

آلُ النَبيِّ بنو الوَحيِ وَمَنبعُ الشرفِ

العَليِّ وللعلومِ مَفاتِحُ

الجَدُّ خيرُ المرسلينَ محمَّدُ

الهادي الأمينُ أخوُ الخِتامِ الفاتِحُ

والأُمُّ فاطمةُ البتولِةِ بَضعةُ الهادي

الرسولِ لَهَا الـمُهيّمنُ مانحُ

والوالدُ الطهرُ الوصيُّ المرتضى

عَلَمُ الهدايةِ والمنارُ الواضِحُ

مولىً له النبأُ العظيمُ وحبُّهُ

النَهجُ القويمُ به المتاجِرُ رابِحُ

يا ناصرَ الإسلامِ يا بابَ الهُدى

يا كاسرَ الأصنامِ فهي طَوامِحُ

يا ليتَ عينَكَ والحسينُ بكرَبلا

بينَ الطغاةِ عنِ الحريمِ يُكافِحُ

أفديهِ محزوزَ الوريدِ مرمَّلاً

مُلقىً عليه التُرْبُ سَافٍ سافِحُ

٧٤

والطاهراتُ حواسِرٌ وثَواكِلٌ

بينَ العِدى ونَوادِبٌ ونَوائِحُ

يا فاطمُ الزهراءُ قومي وانظُري

وجهَ الحسينِ لَه الصَعيدُ مُصَافِحُ

أكفانُهُ نَسْجُ الغُبارِ وغُسلُهُ

بدمِ الوريدِ ولمن تَنُحْهُ نوائِحُ

وعلى السِنانِ سِنانُ رافعُ رأسِه

ولجسمِهِ خيلُ العِداةِ رَوامِحُ(١)

حرت يحسين بعيالك ولمها

امصايب شفت ما يبره ولمها

درت بالطف بني هاشم ولمها

تسل اسيوفها أو تنغر عليه

التمهيد للمصيبة (گوريز):

أمر يزيد اللعين بإنزال السبايا في خربة تصهرهم فيها حرارة الشمس, وقد ذكر أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان يخرج منها ليروّح عن نفسه, فرآه المنهال ابن عمرو يوماً في حالة يُرثى لها فقال له: سيّدي ما الذي أخرجك مع ما أرى بك من الضعف؟ فقال: يا منهال إنّ الخربة التي نحن فيها لا تقينا من الحرّ, حتّى لقد تقشّرت وجوه عمّاتي من حرارة الشمس, يا

____________________

١- القصيدة للشيخ الحافظ البرسيّرحمه‌الله .

٧٥

منهال أنا أخرج سويعة أروّح فيها عن ضعف بدني, فقال المنهال وبينما أنا أكلّمه ويكلّمني, وإذا بامرأة تقوم وتقع تنادي إلى أين يا حمانا؟ إلى أين يا رجانا؟ فسألت عنها فقيل لي: هذه عمّته زينب, فما رجعت إلى الخربة حتى أرجعته معها.

وفي تلك الخربة كانت للحسينعليه‌السلام بنت صغيرة يحبّها وتحبّه كثيراً, تسمّى رقيّة, لها ثلاث سنين, وكانت مع الأسراء في الشام, وهي تبكي لفراق أبيها ليلها ونهارها, وكانوا يقولون لها هو في السفر فرأته ليلة في النوم.

المصيبة:

فلـمّا انتبهت جزعت جزعاً شديداً وقالت: ايتوني بوالدي قرّة عيني, وكلّما أراد أهل البيتعليهم‌السلام إسكاتها ازدادت حزناً وبكاءاً ولبكائها هاج حزن أهل البيتعليهم‌السلام فأخذوا في البكاء ولطموا الخدود وارتفع الصياح, فسمع يزيد صيحتهم وبكاءهم فقال: ما الخبر؟ قيل له: إنّ بنت الحسين الصغيرة رأت أباها بنومها فانتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح. فلـمّا سمع يزيد ذلك قال: ارفعوا إليها رأس أبيها وحطّوه بين يديها تتسلّى, فأتوا بالرأس في طَبَق مغطّى بمنديل ووضعوه بين يديها فقالت: ما هذا! إنّي

٧٦

طلبت أبي ولم أطلب الطعام, فقالوا: إنّ هنا أباك فرفعت المنديل ورأت رأساً, فقالت: ما هذا الرأس؟! قالوا: رأس أبيك, فرفعت الرأس وضمّته إلى صدرها, وهي تقول: يا أبتاه مَن ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه مَن ذا الذي قطع وريديك؟! يا أبتاه مَن ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟! يا أبتاه مَن لليتيمة حتى تكبر؟! يا أبتاه مَن للنساء الحاسرات؟! يا أبتاه مَن للأرامل المسبيّات؟! يا أبتاه من للعيون الباكيات؟! من بعدك واغربتاه يا أبتاه!!

يا والدي والله هظيمه

أنا صير من زغري يتيمه

والنوح من بعدك لجيمه

أثاري الأبو يا ناس خيمه

يفيّي على ابْناته وحريمه

ليتني توسّدتُ الترابَ ولا أرى شيبك مخضّباً بالدماء!!

ثمّ وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم وبكت حتىَّ غشى عليها, فلـمّا حرّكوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا, فارتفعت أصوات أهل البيتعليهم‌السلام بالبكاء وتجدّد الحزن والعزاء.

كَمْ رأتْ في خَرابةِ الشامِ أحزاناً

تَسيخُ الجِبالُ مِن بَلوَاهَا

رَأتِ الذلَّ والهوانَ وقيدَ

الأسرِ فازدادَ حُزنُها وَشَجَاها

٧٧

وجاءت هند زوجة يزيد لتتفرّج على السبايا, ولم تعرف أنهنّ سبايا آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه هند كانت قد عاشت في المدينة وتعرف بيت أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أقبلت هند ووضع لها كرسيّها، جلست عليه وأخذت تطيل النظر إلى العائلة، بينما هي تنظر وإذا بها أجهشت بالبكاء, ثمّ التفتت إلى زينبعليها‌السلام وما كانت تعرف أنّ هذه زينبعليها‌السلام ، ومن أين تعرفها؟! وما ظنّت أنّ الزمان يضربها هذه الضربة! تقدّمت إليها بعبرة قالت لها: أخيّه إدني منيّ، أقبلت زينب ومعها الأطفال يريدون أن يعرفوا ماذا تريد أن تسأل زوجة يزيد، قالت لها: أخيّه أنا جئت لأتفرّج والآن تغيّر الحال لـمّا رأيتكم، كسرتم خاطري، وقطّعتم قلبي وبكيت لكم رحمة بكم، من أيّ السبايا أنتم؟ قالت لها زينبعليها‌السلام : نحن سبايا من المدينة، قالت: المدائن كثيرة، من أيّ مدينة؟ قالت زينب: من مدينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لـمّا سمعت هند ذلك قامت على قدميها وضعت يديها على رأسها قالت: السلام عليك يا رسول الله ثمّ التفتت إلى السيّدة زينبعليها‌السلام وقالت لها: يا صالحة لي بهذه المدينة أهل ودار أسألك عنهم، قالت: ومن هم؟ قالت: هي دار سيّدي ومولاي أمير المؤمنين

٧٨

عليه‌السلام ... إلى أن قالت: أسألك عن فخر المخدّرات زينب، أسألك عن سيّدي أبي عبد الله، وأسألك عن مولاي أبي الفضل العبّاس، وأسألك عن رباب وأمّ كلثوم وعن سكينة.. أخذت تسأل عن الجميع..فاختنقت زينب بعبرتها، قالت لها زينبعليها‌السلام : يا هند لقد آذيتينا، يا هند تسألين عن دار عليّ فقد خلّفناها تنعى أهلها.

تسألين عن الحسين رأسه بين يدي يزيد، تسألين عن قمر العشيرة تركناه على شاطي العلقميّ بلا كفّيْن، تسألين عن أمّ كلثوم هذه الجالسة بجانبك، تسألين عن رباب هذه رباب، تسألين عن سكينة تلك سكينة الجالسة ورأسها بين ركبتيها، بعد عن من تسألين؟ تسألين عن زينب؟ آه.. أنا زينب.

أنا زينب لِيحكون عني

عظيم المصايب مرْمرَنِّي

مصايب حسين الدوهنّني

نِزْلن على عيوني وعمنّي

قالت: ماذا صنع الدهر بكم يا زينب؟

بينه، والله خان الدهر يا هند بينه

أخونه انذبح واحنا انسبينه

لـمّا سمعت ذلك هند شقّت جيبها، وضربت رأسها فخرجت

٧٩

صارخة: وا إماماه.. واحسيّناه، صاح النّاس: أجننت يا أميرة؟! قالت: سوّد الله وجوهكم أهل الشام، أتفرحون وهذا رأس الحسين عند يزيد.

ثمّ قامت هند وحسرت رأسها وشقّت الثياب وهتَكت الستر, وخرجت حافية إلى يزيد وهو في مجلس عامّ، وقالت: يا يزيد أنت أمرت برأس الحسينعليه‌السلام يُشال على الرمح عند باب الدار؟ رأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء داري؟ فلـمّا رأى زوجته على تلك الحالة وثب إليها فغطّاها وقال: نعم فأعولي يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش فقد عجّل عليه ابن زياد فقتله.

أيّ المحاجر لا تبكي عليك دَمَاً

أبكيت والله حتّى مِحْجَرَ الحَجَرِ

٨٠