مجالس السبايا

مجالس السبايا0%

مجالس السبايا مؤلف:
المحقق: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: دواوين
الصفحات: 96

  • البداية
  • السابق
  • 96 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 15418 / تحميل: 3761
الحجم الحجم الحجم
مجالس السبايا

مجالس السبايا

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

مجلس الأربعين ورجوع السبايا إلى كربلاء

وَكَمْ ذَاتِ خِدرٍ سَجَّفَتْها حماتُها

بِسُمْرِ قنىً خِطيَّةٍ وبِلُمَّعِ

لقد نَهَبَتْ كَفُّ المصابِ فُؤادَها

وأيدي عِداها كلَّ بُردٍ وبُرقعِ

فلم تستطِعْ عن ناظريها تستُّراً

بغيرِ أكفٍّ قاصراتٍ وأذرعِ

ولـمّا رأتهُ بالعراء مُجَدَّلاً

عفيراً على الرمضاءِ غيرَ مشيَّعِ

دَنَتْ منهُ والأرزاءُ تَمضَغُ قَلبَها

وحنَّتْ حنين الوالِهِ المتَفَجِّعِ

تقولُ وظِفرُ الوجدِ يُدمي فُؤادَها

عليَّ عزيزٌ أن أراكَ مُوَدِّعي

عليَّ عزيزٌ أن تموتَ على ظَمىً

وتشربُ في كأسٍ من الحتفِ مُترَعِ

أخِي إنَّ شمراً سامَني بَعدَكَ الأَذَى

وأَركَبَني مِن فَوقِ أدبُرِ أضلعِ

٨١

أنعِمْ جَوابَاً يا حسينُ أَمَا تَرَى

شمرَ الخنا بالسوطِ كسَّر أضلُعي

فأجَابَ زَينبَ وهو يفحصُ في الثرى

قُضِيَ القَضاءُ بِما جَرَى فاسترجِعِي

وَتَكَفَّلي حَالَ اليَتَامَى وانظُري

ما كُنتُ أصنَعُ في حماهُم فاصنَعِي(١)

تگله يحسين توصيني بالايتام

حرمه وطحت ما بين ظلاّم

ترضه يبو الشيمه يضرغام

خواتك يسارى اتروح للشام

خويه يحسين والله حيّرتني

حرمة ابجريره كلّفتني

وما بين عدوانك عفتني

التمهيد للمصيبة (گوريز):

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : زُرِ الحسين جائعاً عَطِشاً شعثاً مغبّراً, فإنّه قُتِلَ جائعاً عطشاناً، ومن هنا فإنَّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كلّما نظر إلى طعام أو شراب يبكي ويقول: كيف آكل وقد قُتِلَ والدي الحسين جائعاً؟ وكيف أشرب وقد قُتِلَ أبي عطشاناً؟

ولعلّ أوّل من زار الحسينعليه‌السلام هو جابر بن عبد الله الأنصاريّ, وكان يولي الحسين محبّةً خاصّة, حتى عرف بحبيب الحسينعليه‌السلام , وكان قد فقد بصره, ويروى أنّه رأى رؤيا قبل خروجه إلى كربلا, نام ليلته فرأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وهو أشعث

____________________

١- القصيدة للشيخ محمّد حسين الحلّي رحمه‌الله.

٨٢

مغبّر مكشوف الرأس، فقال: ما لي أراك يا رسول الله أشعث؟ فقال: يا جابر الآن رجعت من دفن ولدي الحسين، ثمّ تجهّز جابر للمسير إلى كربلاء، فجاء ومعه عطيّة وغلامه حتّى وافى كربلاء.

عن عطيّة العوفيّ قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاريّ زائراً قبر الحسينعليه‌السلام ، فلـمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات, فاغتسل ثمّ اتّزر بإزار وارتدى بآخر. ثمّ فتح صرّة فيها سُعدٌ فنثرها على بدنه, ثمّ لم يخطو خطوة إلّا ذكر الله تعالى, حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه.

المصيبة:

فألمستُهُ فخرّ على القبر مغشيّاً عليه, فرششت عليه شيئاً من الماء، فلـمّا أفاق قال: يا حسين ثلاثاً ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه.

الله يا جسم الربه إبحضن الزكيه

وابحضن طه المصطفى أوحيدر وصيّه

تالي الجسم هذا تگطْعه اسيوف أُميّه

وابنات حيدر تنسبي أوتمشي ويّالجناب

ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب, وقد شخبت أوداجك على أثباجك, وفرّق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنّك ابن خاتم النبيّين, وابن سيّد المؤمنين, وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لك لا تكون هكذا

٨٣

وقد غذّتك كفّ سيّد المرسلين, وربّيت في حجر المتّقين, ورضعت من ثدي الإيمان, وفطمت بالإسلام, فطبت حيّاً وطبت ميّتاً, غير أنّ قلوبَ المؤمنين غير طَيّبةٍ بفراقك, ولا شاكّةٍ في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا.

ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت برحله، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه، قال عطيّة:

فقلت له يا جابر فكيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً, ولم نضرب بسيف والقوم قد فرّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأوتمت أولادهم وأرملت أزواجهم؟ فقال (لي): يا عطيّة سمعت حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: "من أحبّ قوماً حُشر معهم, ومن أحبّ عمل قوم أُشرك في عملهم".

ويروى لـمّا رجع السبايا من الشام إلى المدينة توجّهت زينبعليها‌السلام إلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام : عمّه مُرِ الحادي أن يعرّج بنا إلى كربلاء لنجدّد عهداً بأبيك وباقي أعمامك. فزينبعليها‌السلام منذ أربعين يوماً غائبة وشوقها إلى الحسينعليه‌السلام يحدوها للقائه لتبثّه شكواها ممّا جرى لها في السبي.

كأنّي بها توجّهت نحو حادي الإبل:

بالله عليك مر بينا يحادي الابل

مر بحسين نشكيله الهظم والذل

٨٤

ذل وهظم نشكيله وفرقه البين

دلاها العليل ويهلّ دمع العين

عمّه إن كنت تسألين عن دُور إخوتك فهذه ديارهم أضحت قبوراً, تضمّ أجساداً مبضّعة وأشلاءً مقطّعة, وهذا قبر الحسين أبي يا عمّه.

يا عمة الدار هذي وذاك قبر حسين

وهاي قبور اخوتك والاصحاب الكل

من سمعته ونّت والدمع مدرار

طبت كربلا والقلب يجدح نار

تگل للدار أسمع سؤال زينب للدار

وين اهلك غدو يا دار

دليني بيا وادي بيا منزل

بيا وادي بيا منزل غدوا عنك

خنت الضيف ما هذا الرجا منك

عمّن تسألين يا زينب؟

صاحت عن احسين عن عباس انشدنچ

يوعن علي وجاسم والعيون تهلْ

قال عطيّة: فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام، فقلت: يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام، فقال جابر لعبده:

انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره، قال فمضى العبد، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله، هذا زين العابدينعليه‌السلام قد جاء بعمّاته وأخواته، فقام جابر

٨٥

يمشي حافي القدمين مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدينعليه‌السلام فقال الإمامعليه‌السلام : "أنت جابر؟" فقال: نعم يا بن رسول الله، فقال: "يا جابر ها هنا والله قُتلت رجالنا, وذُبحت أطفالنا, وسُبيت نساؤنا وحُرقت خيامنا".

يا جابر مات بوي حسين ظامي

بشط العلقمي والماي طامي

ولا واحد لفى من أهلي وعمامي

بس الخيل حول الخيم تفتر

أمّا زينبعليها‌السلام كأنّي بها:

يَا نَازِلِينَ بِكَربَلا هَلْ عِندَكُم

خَبَرٌ بِقَتلانا وَمَا أَعلَامُها

مَا حَالُ جُثَّةِ مَيتٍ في أرضِكُم

بَقِيَتْ ثَلاثاً لا يُزارُ مَقَامُها

ويروى أنّه لـمّا دنا منها الإمامعليه‌السلام قالت: خذ بيدي فلقد غشي على بصري أصبحت لا أرى، دلّني على قبر أخي، أخذ السجادعليه‌السلام بيدها، أقبل بها إلى قبر الحسينعليه‌السلام وَضَعَ يديها على القبر صرخت الحوراءعليها‌السلام واحسيّناه، واحسيّناه.

أخي حسين هل غسّلوك أم كفّنوك أم بغير كفنٍ دفنوك. وجعلت تبثّه شكواها

أنا ضعت وتحيّرت يحسين بعداك

وتمنيت الفنا بعد يا خوي بعداك

والله ما ريد العمر يحسين بعداك

عمت عيني ولا شوفك عالوطيه

أدارت العائلة على قبر الحسينعليه‌السلام يلطمون واحسيّناه

٨٦

وامصيبتاه، هذا وزينب لسان حالها:

تنادي لو ينكشف يا حسين قبرك

أشگ اللحد وتمدد بجنبك

ريت عمري قبل عمرك

وإنت اللي تكفني يا لحسين

واجتمعت النّساء على الإمام السجّادعليه‌السلام كلٌّ تسأله عن قبر فقيدها. فمنهنّ الرباب أمّ عبد الله أقبلت إليه والثكل بادٍ عليها منادية: يا بن الحسين أين قبر ولدي الرضيع؟ دلّني عليه، فأقبل بها إلى قبر أبيه الحسينعليه‌السلام وعيناه تمطران دموعاً وقال: ها هنا دفنت ولدك وأشار إلى جانب صدر الحسين، فانكبّت على القبر الشريف.

وكأنّي بها تقول مخاطبة الحسينعليه‌السلام في قبره:

رد لهفتي يا لتسمع انداي

أو فكّ الگبر بحسين ليّه

خافن أَوليدي ابنومته هاي

تحت الترب شايف أذيّه

درّت عله اوليدي ثداياي

أو هوّه تحت هاي الوطيّة

ثمّ التفتت زينبعليها‌السلام إلى النساء:

نادت يا الحرم قومن مشنَّه

لعند لي تكفلنا من أهلنا

نريده يقوم ويردنا لوطنا

ما هو لي جابنا وبينا تكفل

أقبلت الحوراء مع النساء إلى قبر أبي الفضلعليه‌السلام جلست

٨٧

عنده نادت عبّاس:

والله نادت يا خوي يا عزنا وقمرنا

هاي المحامل قوم ردنا

لعند المدينة وطن جدنا

أَتُرَى يَعودُ لنا الزمانُ بِقُربِكُم

هَيهاتَ مَا لِلقُربِ مِن مِيعادِ

٨٨

٨٩

مجلس الرجوع إلى المدينة

يا رَاكِباً شدقميَّاً في قَوائِمِهِ

يطوي أديمَ الفَيافِي كُلَّمَا ذَرَعَ(١)

عُجْ بالمدينةِ واصرَخْ في شَوارِعِها

بِصَرخةٍ تَملأُ الدُنيا بِها جَزَعا

نادِ الذينَ إذا نَادَى الصَريخُ بِهم

لَبُّوهُ قَبلَ صَدىً من صوتِهِ رَجعا

قل يا بني شيبةِ الحمدِ الذينَ بِهمْ

قامتْ دعائمُ دينِ اللهِ وارتَفَعَا

قُوموا فَقَدْ عَصَفَتْ بالطَفِّ عَاصِفَةٌ

مالَتْ بَأرجاءِ طَودِ العِزِّ فانصَدَعا

إنْ لم تَسدّوا الفَضا نَقْعاً فلم تَجدوا

إلى العُلا لَكُمُ من مَنهجٍ شَرعَا

فلتَلْطمِ الخيلُ خدَّ الأرضِ عَاديةً

فإنَّ خدَّ حسينٍ للثَرَى ضَرَعَا

ولتُملإِ الأرضُ نَعياً في صَوارِمِكُم

فَإنَّ نَاعي حسينٍ في السماءِ نَعَا

ولتذهلِ اليومَ مِنكمْ كُلُّ مُرضِعَةٍ

فطِفْلُهُ مِن دِما أوداجِهِ رَضَعا(٢)

____________________

١- يقال هذه ناقة تُذارعُ بُعد الطريق، أي تمدُّ باعها وذراعها لتقطعه, لسان العرب، ج٨، ص٩٥.

٢- القصيدة للشيخ صالح الكوّازرحمه‌الله .

٩٠

يا طارشي عجّل بمسراك

وخذلي رسالة عتب ويّاك

لبويه الصميده مدير الافلاك

أوصيك من توصل بحيّاك

وتشوف وادي الغري بعيناك

أصفج يمينك فوق يسراك

ونادي يمن بالكون فتّاك

زينب الكانت قبل بحماك

يسيره تراهي بولية اعداك

التمهيد للمصيبة ( گوريز):

في أمالي الشيخ الصدوق بسنده المعتبر عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام قال: "كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أمّ سلمة، فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد، فجاء الحسين- وهو طفل- فما ملكتُ معه شيئاً، حتى دخل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت أمّ سلمة على أثره، فإذا الحسين على صدر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا النبيّ يبكي، وإذا في يده شيء يقبّله. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمّ سلمة، إنّ هذا جبرئيل يخبرني أنّ هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك، فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي. فقالت أمّ سلمة: يا رسول الله، سل الله أن يدفع ذلك عنه؟ قال: قد فعلت، فأوحى الله - عزَّ وجلَّ - إليّ: أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين، وأنّ له

٩١

شيعة يشفعون فيشّفعون، وأنّ المهديّ من ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين، وشيعته هم - والله - الفائزون يوم القيامة".

ولـمّا عزم الحسينعليه‌السلام أن يخرج من المدينة, جئته وقلت: أي بُنيّ لا تفجعني بنفسك, فإنّي سمعت جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض العراق, بمكان يقال له كربلاء, لا تخرج إلى العراق.

فقال لها الحسينعليه‌السلام : يا أمّاه وأنا أعلم ذلك وأعرف اليوم الذي أقتل فيه, وأعرف من يُقتل معي من أهل بيتي, ولو أردت يا أمّاه أن أريك حفرتي ومضجعي ومصرعي لفعلت.

قالت: بلى يا بُني إنّي أحبّ ذلك, فأومأ الحسينعليه‌السلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض, فنظرت أمّ سلمة فأراها الإمامعليه‌السلام مكان مصرعه ومصارع أصحابه وأهل بيتهعليهم‌السلام .

فبكت أمّ سلمة وقالت: خارَ الله لك, ولكن جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع إليَّ تربة, وقصّتها كيت وكيت.

المصيبة:

قالعليه‌السلام : نعم يا أمّاه أنا أعلم بتلك التربة, وهذه تربة أيضاً من تلك التربة, ضعيها مع تربة جدّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراقبيها, متى رأيتيهما يفوران دماً عبيطاً فاعلمي أنّي قد قتلت.

٩٢

عن عبد الله بن عبّاس، قال: بينما أنا راقد في منزلي إذ سمعت صراخاً عظيماً عالياً من بيت أمّ سلمة زوج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرجت يتوجّه بي قائدي إلى منزلها، وأقبل أهل المدينة إليها الرجال والنساء، فلـمّا انتهيت إليها قلت: يا أمّ المؤمنين، ما بالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني، وأقبلت على النسوة الهاشميّات وقالت: يا بنات عبد المطلب اسعدنني وابكين معي، فقد والله قتل سيّدكن وسيّد شباب أهل الجنّة، قد والله قتل سبط رسول الله وريحانته الحسين, فقيل يا أمّ المؤمنين، ومن أين علمت ذلك؟ قالت: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام الساعة شعثاً مذعوراً، فسألته عن شأنه ذلك، فقال: قتل ابني الحسين وأهل بيته اليوم فدفنتهم، والساعة فرغت من دفنهم.

ويروى أنّ ابن عبّاس قال لها: يا أمّ سلمة هذه رؤيا, فهل عندك دليل آخر؟ قالت: فقمت حتى دخلت البيت وأنا لا أكاد أن أعقل، فنظرت فإذا بتربة الحسين التي أتى بها جبرئيل من كربلا وقد صارت دماً عبيطاً تفور. قالت: يا بن عبّاس أوما تنظر القارورتين تفوران دماً؟ فلطم وجهه.

قال ابن عبّاس: وأخذت أمّ سلمة من ذلك الدم, فلطّخت به

٩٣

وجهها, وجعلت ذلك اليوم مأتماً ومناحة على الحسين..

ويلي إجاني الخبر بحسين مذبوح

ودمه على التربان مسفوح

لنوحن وقضِّي العمر بالنوح

واعمي عيوني واتلف الروح

اشلون الصبر وحسين مذبوح

فقال لها ابن عبّاس:

يا أمّ سلمة أكتمي الخبر حتّى يأتي البريد- يعني حتى ينتشر النبأ بصورة عامّة وبصورة رسميّة- فكتموا الخبر إلى أن صار اليوم الذي قدم فيه الإمام زين العابدينعليه‌السلام بعمّاته وأخواته, ودخل بشرُ بن حذلم ينعى الحسينعليه‌السلام لأهل المدينة فصار يصرخ في أزقّة المدينة وشوراعها:

يا أهلَ يَثرِبَ لا مُقامَ لَكُم بِها

قُتِلَ الحسينُ فَأدمُعِي مِدْرَارُ

الجِسْمُ مِنهُ بِكربلاءَ مُضَرَّجٌ

والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ

في ذلك اليوم ضجّت المدينةُ ضجّةً واحدة, حتّى صارت كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول بشر: بينما أنا أسير وإذا بإمرأة طويلة القامة، على كتفها طفلٌ رضيع، قالت: يا بشر عندك علمٌ بالحسينعليه‌السلام ؟

قلتُ: نعم على الخبير سقطتِ, ولكن من أنتِ تسألين عن الحسينعليه‌السلام ؟ فقالت: يا بشر أنا أمّ البنين أُمّ أبي الفضل العبّاس

٩٤

عليه‌السلام ، فقلتُ لها: يا أمّ البنين عظَّم الله لكِ الأجر بولدكِ جعفر، قالت: يا بشر أخبرني عن الحسينعليه‌السلام , سألتك عن الحسينعليه‌السلام .. يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدكِ عبد الله، قالت: يا بشر أخبرني عن الحسينعليه‌السلام .. يا أمّ البنين عظّم الله لكِ الأجر بولدكِ عَون، قالت: يا بشر أخبرني عن الحسينعليه‌السلام . قلتُ: يا أمّ البنين عظّم الله لك الأجر بولدكِ قمر العشيرة, أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام . لـمّا سمعت ذلك وضعت يدها على خاصرتها، وقالت يا بشر لقد قطّعت نياط قلبي، أخبرتني بموت أربعة من أولادي، ولكن إعلم أنّ أولادي وجميع من تحت الخضراء فداءٌ لأبي عبد الله، أخبرني عن الحسينعليه‌السلام .

عند ذلك قلتُ لها يا أمّ البنين عظَّم الله لكِ الأجر بالحسينعليه‌السلام , فلقد خلَّفناه بأرض كربلاء جثّةً بلا رأس, فصاحت أمّ البنين واولداه وا حُسيّناه.

يصير النوب دهري بيهم يعود

ورد اشيل راسي بيهم ردود

ترد كفوف أبو فاضل للزنود

تتلايم ردود جروح لأكبر

بالأمسِ كَانوا مَعي وَاليومَ قَدْ رَحَلوا

وَخَلَّفوا في سُويدَا القَلبِ نِيرانا

نَذرٌ عَليَّ لإنْ عادوا وإنْ رَجَعوا

لأزرعنَّ طَريقَ الطَفِّ رَيْحَانَاً

٩٥

الفهرس

المقدمة ٦

مجلس سلب الحسين عليه‌السلام ورضّ جسده الشريف ٨

مجلس حرق الخيام وفرار بنات الرسالة ١٣

مجلس حمل آل الرسول على النياق ١٨

مجلس مشاهد عن الرأس الشريف ٢٣

والرباب زوجة الحسين عليه‌السلام ٢٣

مجلس مرور الموكب الحسينيّ على مصارع الشهداء ٣٠

مجلس الموكب الحسينيّ في الكوفة ٣٨

مجلس دفن الأجساد الطاهرة ٤٦

مجلس حمل خوَلّي لعنه الله لرأس الإمام عليه‌السلام ٥٤

مجلس رأس الحسين عليه‌السلام في طريقه إلى الشام ٦٢

مجلس الدخول إلى الشام ‏ ٦٧

مجلس مصائب السبايا في خربة الشام ٧٤

مجلس الأربعين ورجوع السبايا إلى كربلاء ٨١

مجلس الرجوع إلى المدينة ٩٠

الفهرس ٩٦

٩٦