• البداية
  • السابق
  • 172 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8383 / تحميل: 2098
الحجم الحجم الحجم
شبهات وردود - الحلقة الثانية

شبهات وردود - الحلقة الثانية الجزء 2

مؤلف:
العربية

من ان الإمام علي (ع) امتنع عن بيعة أبي بكر ثم بايع راضيا.

ونحن نورد جواب السيد المرتضى باختصار وهو : ان عليا (ع) صحيح ترك النكير والخلاف بعد ما ظهر منه وبايع بعد وفاة فاطمة (ع) ولكنه ظهر منه في خلافته ما يكشف ان تركه الخلاف والمنازعة وإظهاره البيعة كان تقية ، فهنا قضيتان :

الأولى : ان عليا (ع) بعد ما بويع واستقر الأمر له بعد عثمان اظهر النكير على الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه وكشف بذلك انه كان قد سالمهم وبايعهم لاعتبارات عدة ليس منها الرضا بهم وقد روي عنه (ع) انه كان يقول : “ بايع الناس والله أبا بكر وأنا أولى بهم مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت أمري وألزقت كلكلي(١) بالأرض ثم ان أبا بكر هلك واستخلف عمر وقد والله علم اني أولى بالناس مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت أمري ثم ان عمر هلك وجعلها شورى وجعلني فيها سادس ستة كسهم الجدة فقال اقتلوا الأقل فكظمت غيظي وانتظرت أمري وألزقت كلكلي بالأرض (ثم ان عثمان قتل فجاؤني فبايعوني طائعين غير مكرهين) حتى ما وجدت إلا القتال أو الكفر بالله ”(٢) وقوله (ع) (حتى ما وجدت إلا

____________________

(١) الكلكل : الصدر.

(٢) انظر ابن عساكرفي تاريخدمشق ٣ :١٠١١٧٤ ،-١٧٥ بترجمةاميرالمؤمنين.

١٠١

القتال أو الكفر بالله) منبها على ان سبب قتاله لطلحة والزبير ومعاويةوكفه عمن تقدم انه لما وجد الأعوان والأنصار لزمه الأمر وتعين عليه فرض القتال وفي الحال الأولى كان معذورا لفقد الأعوان والأنصار.

وروى الواقدي في كتاب الجمل بإسناده ان أمير المؤمنين (ع) حين بويع خطب فحمد الله أثنى عليه ثم قال : “ حق و باطل و لكل أهل و لئن أمر الباطل لقديما فعل و لئن قل الحق لربما و لعل و قلما أدبر شىء فاقبل و إني لأخشى ان تكونوا في فترة و ما علينا إلا الإجتهاد وقد كانت لكم أمور ملتم فيها عليَّ ميلة لم تكونوا عندي فيها بمحمودين أما أني لو أشاء لقلت عفا الله عما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويحه لو قُصَّ جناحُه و قُطِع رأسُه لكان خيرا له ”(١) (٢) .

وقوله (ع) “ لقد تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى … ”الخ الخطبة.

وقوله (ع) “ ما زلت مظلوما منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه واله وإلى يوم الناس هذا ”.

____________________

(١) ابن ابي الحديد ج١ : ٢٧٥.

(٢) ابن ابي الحديد ج١ :٢٧٥

١٠٢

الثانية : ان ترك الإنكار بعد ظهوره منه (ع) لا يدل على رضاه ، لان المسالمة وترك الإنكار قد تكون معبرة عن الرضا وقد تكون معبرة عن التقية والخوف على النفس.

قال السيد المرتضى (رح) :

“ فان قال (أي صاحب المغني) ليس يجب علينا ان نقول فيما يدل على رضاه اكثر من بيعته وترك نكيره لان الظاهر من ذلك يقتضي ما ذكرناه وعلى من ادعى انه كان مبطنا بخلاف الرضا ان يدل على ذلك فانه خلاف الظاهر.

قيل له : ليس الأمر على ما قدرته لان سخط أمير المؤمنين (ع) هو الاصل لأنه لا خلاف بين الأمة في انه عليه السلام سخط الأمر وأباه ونازع فيه وتأخر عن البيعة (فهنا أمران الأول سخطه (ع) الثاني : امتناعه عن البيعة) ثم انه لا خلاف في انه بايع بعد ذلك وترك النكير ، فيبقى الأمر الأول وهو سخطه على حاله لم ينقله عنه شىء ويجب على من ادعى تغير الحال ان يثبت ذلك وليس له ان يجعل البيعة وترك الإنكار والخلاف دلالة الرضا لانا قد بينا ان البيعة وترك الإنكار قد يكونان عن رضا وقد يكونان عن غيره ”.

ثم قال (رح) أيضا :

“ وكيف يشكل على منصف ان بيعة أمير المؤمنين (ع) لم تكن

١٠٣

عن رضا والأخبار متظاهرة بين كل من روى السير بما يقتضي ذلك ، حتى ان من تأمل ما روي في هذا الباب لم يبق لديه شك في انه (ع) أُلجئ على البيعة وصار إليها بعد المدافعة والمحاججة لأمور اقتضت ذلك ليس من جملتها الرضا.

وقد روى أبو الحسن احمد بن يحيى بن جابر البلاذريوحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروف- قال : حدثني بكر بن الهيثم قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال “ بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي (ع) حين قعد عن بيعته وقال ائتني به بأعنف العنف ، فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي (ع) : احلب حلبا لك شطره والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤمرك غدا ، … ، ثم أتى فبايعه ”(١) وهذا الخبر يتضمن ما جرت عليه الحال وما يقوله الشيعة بعينه وقد انطق الله تعالى به رواتهم.

وقد روى البلاذري عن المدائني عن مسلمة بن محارب عن سليمان التيمي عن أبي عون “ ان أبا بكر أرسل إلى علي (ع) يريده على البيعة فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه قبس فلقيته فاطمة (ع) على

____________________

(١) انساب الاشراف ج١ : ٥٨٧.

١٠٤

الباب فقالت : يا ابن الخطاب أتراك محرقا عليَّ بابي قال : نعم وذلك أقوي فيما جاء به أبوك وجاء علي (ع) فبايع ”(١) ، وهذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة ، وإنما الطريف ان نرويه لشيوخ محدثي العامة وكلهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة ، وربما تنبهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم فكفوا عنه ، وأي اختيار لمن يحرَّق عليه بابه حتى يبايع.

وقد روى إبراهيم بن سعيد الثقفي ، قال حدثنا احمد بن عمرو البجلي ، قال حدثنا احمد بن حبيب العامري عن حمران بن أعينعن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) قال : “ والله ما بايع علي (ع) حتى رأى الدخان قد دخل بيته ”.

____________________

(١) انساب الاشراف ج١ : ٥٨٦ وفي ذيل الخبر (وقال علي(ع) كنت عزمت ان لا اخرج من منزلي حتى اجمع القرآن). اقول هذه الزيادة موضوعة على علي (ع) لتبرير تأخره عن البيعة وقد وردت في خبر آخر رواه البلاذري عن ابن سيرين قال : قال ابو بكر لعلي (ع) اكرهت امارة (امارتي) قال لا ولكني حلفت ان لا ارتدي بعد وفاة النبي (ص) برداء حتى اجمع القرآن كما انزل) (ج١ : ٥٨٧) ولا شك ان القرآن كان مجموعا في زمن النبي (ص) لان آخر آية نزلت هي آية اكمال الدين في ١٨ ذي الحجة وبقي النبي (ص) بعدها سبعين يوما تقريبا وهي كافية لجمع القرآن ان لم يكن جمع قبل ذلك. كما هو الاليق بتصرف النبي (ص) وعلي (ع) مع القرآن.

١٠٥

وروى المدائني عن عبد الله بن جعفر عن أبي عبد الله (ع) قال : “ لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي (ع) فقال : يا ابن عم انه لا يخرج أحد إلى قتال هؤلاء وأنت لم تبايع ، ولم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر فَسُرَّ المسلمون بذلك ، وجَدَّ الناس في قتالهم ”(١) .

وروى البلاذري عن المدائني عن أبي جري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : “ لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة اشهر فلما ماتت ضَرَع إلى صلح أبي بكر ، فأرسل إليه ان يأتيه ، فقال عمر لان تأته وحدك قال : وماذا يصنعون بي فأتاه أبو بكر فقال له (ع) : … والله لقرابة رسول الله (ص) احب إلي من قرابتي فلم يزل علي (ع) يذكر حقه وقرابته حتى بكى أبو بكر فقال ميعادك العشية ، فلما صلى أبو بكر خطب وذكر عليا (ع) وبيعته ثم بايع أبا بكر فقال المسلمون : أصبت وأحسنت ”(٢) .

ومن تأمل هذا الخبر وما جرى مجراه عليهم كيف وقعت الحال في البيعة ، وما الداعي إليها ، ولو كانت الحال سليمة والنيات

____________________

(١) انساب الاشراف ج١ ٥٨٧.

(٢) روى الخبر مفصلا البخاري في كتاب المغازي باب غزرة خيبر ج٣ : ص ٤٦ورواه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد ج٥ : ١٥٤.

١٠٦

صافية ، والتهمة مرتفعة ، لما منع عمر أبا بكر ان يصير إلى أمير المؤمنين (ع).

وروى إبراهيم الثقفي عن محمد بن أبي عمير عن أبي عن صالح بن أبي الأسود عن عقبة بن سنان عن الزهري قال : “ ما بايع علي (ع) إلا بعد ستة اشهر ، وما اجتُرِئَ عليه إلا بعد موت فاطمة (ع) ”.

وروى إبراهيم عن يحيى بن الحسن ، عن عاصم بن عامر ، عن نوح بن دراج ، عن داود بن يزيد الاودي ، عن أبيه عن عدي بن حاتم قال : “ ما رحمت أحدا رحمتي عليا حين أتى به مُلَبَّبا فقيل له : بايع ، قال : فان لم افعل ؟ قالوا : إذا نقتلك ، قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، ثم بايع كذا وضم يده اليمنى ”.

وروى إبراهيم عن عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد البجلي عن داود بن يزيد الاودي عن أبيه عن عدي بن حاتم قال “ إني لجالس عند أبي بكر إذ جىء بعلي (ع) فقال له أبو بكر : بايع ، فقال له علي (ع) : فأن لم افعل ؟ فقال : اضرب الذي فيه عيناك(١) ،

____________________

(١) لو لم يبايع علي (ع) لقتل جهرةً كما قتل مالك بن نويرة وقيل عنه قتل مرتدا انظر قصة قتل مالك في شرح النهج ١٨ : ٢٠٣ نقلا عن المغني للقاضي عبد الجبار. او يقتل غيلة كما قتل سعد بن عبادة في خلافة عمر حيث بعث اليه عمر رجلا وقال له ادعه الى البيعة وان ابى فأستعن بالله عليه فجاءه فرفض البيعة فرماه بسهم فقتله واشيع عنه ان الجن قتله(البلاذري ج١ :٥٨٩). وفي شرح النهج ج١٨ : ٢٢٣ ان قتل سعد كان في خلافة أبي بكر.

١٠٧

فرفع رأسه إلى السماء ثم قال : اللهم اشهد ، ثم مد يده ”.

وقد روي هذا المعنى من طرق مختلفة ، وبألفاظ متقاربة المعنى وان اختلفت ألفاظها ، وانه (ع) كان يقول في ذلك اليوم لما أُكرِه على البيعة وحُذِّرَ من التقاعد عنها : “ يا ابن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ”ويردد ذلك ويكرره ، وذِكْرُ اكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه ، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على ان البيعة لم تكن عن رضى واختيار ”.

ثم قال (رح) أيضا :

“ ومن أدل دليل على ان كفه (ع) عن النكير وإظهار الرضا لم يكن اختيارا وإيثارا ، بل كان لبعض ما ذكرناه انه لا وجه لمبايعته بعد الإِباء إلا ما ذكرناه بعينه فان إباءه المتقدم لا يخلو من وجوه :

١٠٨

إما ان يكون ما ادعاه صاحب الكتاب من انشغاله بالنبي (ص) وابنته ، واستيحاشه من ترك مشاورته ، وقد أبطلنا ذلك بما لا زيادة عليه(١) ”.

أو لأنه كان ناظرا في الأمر ومريبا في صحة العقد أما بأن يكون ناظرا في صلاح المعقود له الإمامة ، أو في تكامل شروط عقد إمامته ، ووقوعه على وجه الصحة ، وكل ذلك لا يجوز ان يكون خافيا على أمير المؤمنين (ع) ولا ملتبسا ، بل كان به اعلم واليه اسبق ، ولو جاز ان يخفى على مثله وقتا ووقتين لما جاز ان يستمر الأوقات ، وتتراخى المدد في خفائه وكيف يشكل عليه صلاح أبي بكر للإمامة وعندهم ان ذلك كان معلوما ضرورة لكل أحد ، وكذلك عندهم صفات العاقدين وعددهم ، وشروط العقد الصحيح مما نص النبي (ص) واعلم الجماعة به على سبيل التفصيل. فلم يبق شىء يرتئي فيه أمير المؤمنين (ع) وينظر في أصابته النظر الطويل يحمل عليه إباؤه وامتناعه من البيعة في الأول إلا ما نذكره من أنها وقعت في غير حقها ولغير مستحقها ، وذلك يقتضي ان رجوعه إليها لم يكن إلا لضرب من التدبير(٢) .

____________________

(١) انظر الشافي ج٣ : ٢٤٩-٢٥٠ حيث تعرض لذلك.

(٢) انظر كتاب الشافي ج٣ : ٢١٧-٢٥١.

١٠٩

وقوله (إلا لضرب من التدبير) أي للتقية والخوف على النفس.

رد على القاضي عبد الجبار :

اما قول صاحب المغني : “ انه لايجوز من مثل علي (ع) التقية …

وهلا ظهرت منه التقية يوم الجمل وصفين ”.

فيَرُدُّه قول علي (ع) “لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر و … لا لقيت حبلها على غاربها ”وقوله (ع) “ لوجدت أربعين ذوى عزم لناهضتهم ”وقوله (ع) لجندب بن عبد الله الازدى حين اقترح عليه ايام الشورى ان يقوم في الناس فيدعوهم الى نفسه ويسائلهم النصر فان اجابه عشرة من مائة شدَّ بهم على الباقين اجابه (ع) “ اترجو ان يبايعنى من كل عشرة واحد ؟ قلت ارجو ذلك قال : لكني لا أرجو ذلك لا والله ولا من الماءة واحد سأخبرك ان الناس انما ينظرون الى قريش فيقولون هم قوم محمد وقبيله … لا والله لايدفع الناس (أي قريش) هذا الامر طائعين ابدا ”.

وكذلك يرده قول علي (ع) فى خطبته الشقشقية “ فنظرت فاذا ليس لي راقد ولا ذاب ولامساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن لمنية ”(١) .

____________________

(١) مرت مصادر هذه الكلمات في جواب الشبهة -١٠ و الشبهة - ١٣.

١١٠

الفصل السابع :

قصة متعة الحج والعبرة منها

قال البغدادي :

لو كان ثمة نص على علي (ع) فأن الصحابة اكبر من ان يخالفوا أمر النبي (ص).

يقال له:

لم يكن الصحابة معصومين وقد تورطوا في اكثر من مرة بمخالفة النص الصريح وقصة متعة الحج من اكبر الشواهد.

١١١

١١٢

نص الشبهة

قال البغدادي :

“ ان من الغرابة بمكان ان يكون الطريق الوحيد هو ان يختار النبي بأمر الله شخصا / هو علي / يعده قياديا ورساليا ومع ذلك لم يجد أغلبية تؤيده من الجيل الطليعي للامة ”.

الرد على الشبهة

اقول : تزول هذه الغرابة إذا عرفنا ان أغلبية الصحابة كانوا قد خالفوا في تشريعات عبادية فضلا عن غيرها ولعل افضل حادثة تصور لنا هذه الحقيقة بكل وضوح هي مسألة حج التمتع وقد وردت أخبارها في كل كتب الحديث والى القارئ الكريم خلاصة عنها :

١١٣

العمرة والحج في الإسلام :

هناك ثلاثة أنواع من الحج في الإسلام :

الأول حج التمتع: وهو فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، ويتألف من عمرة التمتع وحج التمتع ، وصورة عمرة التمتع هي ، ان يحرم من الميقات في اشهر الحج ثم يأتي مكةويطوف بها سبعا ، ثم يصلي ركعتي الطواف ، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعا ، ثم يقصر ، فيحل من جميع ما حرم عليه بالإحرام ، ويقيم بمكة محلا إلى يوم التروية أي اليوم الثامن من ذي الحجة فينشئ إحراما لحج التمتع من الحرم ، ثم يخرج إلى عرفات ، ثم يفيض عنها بعد غروب التاسع إلى المشعر ، ومنه إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى ، ثم الذبح ثم الحلق ان كان حجه صرورة وبه يتحلل إلا من النساء والطيب ، ثم يطوف ويصلي ويسعى فيحل له الطيب ، ثم يطوف طواف النساء ويصلي فتحل له النساء ، ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ورمي الجمرات الثلاث ، فإذا بات ليلتين بمنى جاز له النفر في اليوم الثاني عشر بعد الزوال ، ويسمى هذا الحج بحج التمتع ، لان الحاج يتمتع بالحل بين إحرامي العمرة ، والحج ومدة الحل بين الإحرامين هي متعة الحج التي حرمها الخليفة عمر

١١٤

وتبعه اكثر المسلمين في وقته.

الثانى حج الإفراد : ويتألف من حج أولا ثم عمرة يأتي بها بعد الانتهاء من المناسك في منى ، وتسمى هذه العمرة بالمفردة ، كما يسمى الحج بحج الإفراد ، لان الحاج يأتي بكل منهما مفردا وليس في هذا الحج هدي.

الثالث حج القران : هو كحج الإفراد مع ملاحظة ان الحاج يسوق الهدي معه عند إحرامه ، وقد سمي بذلك لان الحاج يقرن بين التلبية وسوق الهدي.

والنوعان الأخيران من الحج فرض حاضري المسجد الحرام.

العمرة والحج في الجاهلية:

كان الحج والعمرة من اهم الشعائر في الجاهلية وهما إضافة إلى أمور أخرى مما بقي من دين إبراهيم (ع) ، وقد تحملت قريشبوصفها سكان البيت وذرية ابراهيم (ع) مسئولية إقامة الحج وتعليم الناس الوافدين إلى مكة أحكام الحج وكانت مكة قد عَظُمَ شأنها بعد حادثة الفيل ، وانعكس ذلك على قريش ، وابتدعت قريش بعد وفاة عبد المطلب بدعا خاصة في الحج وتابعتها العرب على ذلك ، وكان

١١٥

من تلك البدع هو بدعة تحريم العمرة في اشهر الحج وجعلها من افجر الفجور.

قال ابن القيم : (اعتمر رسول الله (ص) بعد الهجرة أربع عمر كلهن في ذي القعدة.. والمقصود مخالفة هدي المشركين فانهم كانوا يكرهون العمرة في اشهر الحج) زاد المعاد ١ / ٢٠٩.

حجة الوداع:

كانت حجة الوداع هي الحجة الأولى والأخيرة التي بيَّنالنبي (ص) فيها أحكام حج التمتع ، وكان قد جعل عمرة التمتع جزءا من الحج ، وقد وقعت هذه الحجة في السنة العاشرة من الهجرة ، وذلك بعد ان أسلمت جزيرة العرب ومن شاء الله من أهل اليمن وقدم المدينة بشر كثير يريدون ان يأتموا برسول الله (ص) ، قال أهل السير : “ فخرج لخمس بقين من ذي القعدة ومعه أزواجه وأهل بيته وعامة المهاجرين والأنصار ومن شاء الله من قبائل العرب وإفناء الناس ”(١) .

____________________

(١) الامتاع ١ : ٥١١. وفي السيرة الحلبية ٣ :٣٠٨ ان الذين خرجوا معه كانوا اربعين الفا وقيل كانوا سبعين الفا وقيل كانوا تسعين الفا وقيل كانوا مائة الف واربعة عشر الفا وقيل عشرين الفا وقيل كانوا اكثر من ذلك.

١١٦

روى أبو داود في سننه(١) ان النبي (ص) لما وصل إلى عسفان (وهي بين الجحفة ومكة والجحفة تبعد عن مكة أربعة مراحل) قال له سراقة بن مالك المذحجي يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال (ص) :

“ ان الله تعالى قد ادخل عليكم في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل إلاّ من كان معه هدي ”.

وتكرر منه (ص) نظير ذلك في (سَرَف) التي تبعد ستة أميال من مكة(٢) .

ولننظر الاَّن كيف تلقى الصحابة تشريع حج التمتع.

موقف قريش من حج التمتع :

روى مسلم في صحيحه(٣) عن جابر قال :

____________________

(١) ١ : ١٥٩.

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٨٩. وصحيح مسلم : ٨٧٥. وأيضا في بطحاء مكةسنن البيهقي٥ : ٤.

(٣) صحيح مسلم : ٨٨٢ ح١٣٨.

١١٧

“ أهللنا مع رسول الله (ص) بالحج فلما قدمنا مكة امرنا ان نحل ونجعلها عمرة فَكَبُرَ ذلك علينا وضاقت به صدورنا فبلغ ذلك النبي (ص).. فقال : أيها الناس أحلوا ، فلولا الهدي الذي معي فعلت مثل الذي أمرتكم به. قال فأحللنا حتى وطئنا النساء ، وفعلنا ما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج ”.

وفي رواية البخاري في صحيحه عن جابر أيضا :

“ فبلغه (أي النبي (ص)) انا نقول : لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس امرنا ان نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا ”. ومثله رواية مسلم وابن ماجة وأبي داود ومسند احمد.

وفي رواية أخرى للبخاري(١) أيضا :

“ ففشت في ذلك القالَةُ فبلغ ذلك النبي (ص) فقام خطيبا فقال : بلغني ان أقواما يقولون كذا وكذا والله لانا أبَرُّ واتقى لله منهم ”.

وفي رواية سنن ابن ماجة ومسند احمد ومجمع الزوائد :

“ قال الناس يا رسول الله قد احرمنا بالحج فيكف نجعلها عمرة ؟ قال : انظروا ما آمركم به فافعلوا ، فردوا عليه القول ،

____________________

(١) ٢ : ٥٢.

١١٨

فغضب ، فانطلق ثم دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت : من أغضبك أغضبه الله ! قال : ما لي لا اغضب وأنا آمر أمرا فلا أُتَّبَع ”(١) .

وفي رواية مسلم(٢) :

“ قالت عائشة : قدم رسول الله (ص) لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل عليَّ وهو غضبان ، فقلت من أغضبك يا رسول الله ادخله الله النار ؟ قال : وما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون ”.

قال العلامة العسكري:

“ يبدو ان الممتنعين من التمتع بالعمرة إلى الحج الذين تعاظم عليهم ذلك كانوا من مهاجرة قريش من أصحاب النبي ويدل على ذلك أولا : ما رواه ابن عباس في حديثه (ان هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة ومحرم). وثانيا : ان الذين منعوها بعد رسول الله (ص) هم ولاة المسلمين من قريش ”.

____________________

(١) مسند احمد ٤ : ٢٨٦ ، مجمع الزوائد ٣ : ٢٣٣ ، سنن ابن ماجة : ٩٩٣.

(٢) صحيح مسلم : ٨٧٩.

١١٩

حج التمتع على عهد ابي بكر:

روى البيهقي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال :

“ حججتُ مع أبي بكر فجرَّد ، ومع عمر فجرد ومع عثمانفجرد ”(١) . ومعنى جَرَّد أي افرد الحج.

حج التمتع على عهد عمر:

روى مالك بن انس في الموطأ عن عبد الله بن عمر قال :

“ ان عمر بن الخطاب قال : افصلوا بين حجكم وعمرتكم فان ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته ان يعتمر في غير اشهر الحج ”.

وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند احمد وغيرهم عن أبي موسى الاشعري قال :

“ كنت أفتي الناس بذلك (أي بالحل بعد إتمام أعمال متعة الحج) في إمارة أبي بكر وإمارة عمر فإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال انك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين في شان النُّسُك فقلت : أيها الناس من كنا أفتيناه بشىء فليتئد فهذا أمير المؤمنين قادم

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٥.

١٢٠