الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام0%

الإمام جعفر الصادق علیه السلام مؤلف:
تصنيف: الإمام الصادق عليه السلام
الصفحات: 333

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المستشار عبد الحليم الجندي
تصنيف: الصفحات: 333
المشاهدات: 86539
تحميل: 10837

توضيحات:

الإمام جعفر الصادق علیه السلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 333 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86539 / تحميل: 10837
الحجم الحجم الحجم
الإمام جعفر الصادق علیه السلام

الإمام جعفر الصادق علیه السلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والشافعية والمالكية والحنابلة يرون القرشي العادل إذا تغلب، فبايعه المسلمون بيعة صحيحة راضين مرضيين، تكون البيعة له صحيحة، وإن تأخرت عن الولاية التي نالها بالغلبة. أما الحنفية فيشترطون سبق البيعة ضمانا للحرية وكفالة للمشورة.

والشيعة الإمامية يرون الإمامة ثابتة لاثني عشر إماماً بذواتهم لا بالبيعة لهم، ولكن بالوصية اليهم. وهم علي وبقية الاثني عشرة، والله يعلن الإمامة لمن قبله فيوصي السلف للخلف. وليست بيعة الجماعة لهم إلا إعلان رضا المسلمين بهم، لا ترشيحهم أو اختيارهم.

والشيعة الإمامية يرون «واجبا على الله تعالى» ان ينصب إماما للناس لطفا منه بعباده. وأهل السنة يرون نصب الإمام «واجبا على الناس».

أما الخوارج فلا يرون واجبا نصب الإمام، بل يرونه «جائزا»، إلا إذا قامت الحاجة إليه فيجب. وهم كالمعتزلة يرون أن الخلافة يصلح لها أصلح رجل في الأمة عربيا أو غير عربي، ويرون أنها تكون بانتخاب حر. ويؤثرون أن ينتخب غير قرشي، لييسر نزعه إن أخطأ.

يقول الإمام الصادق (لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي له) ويقول: (أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا والله. ولكن عهد من الله ورسوله لرجل فرجل، حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه).

ويقول لتلميذ له (يا أبا محمد إن الله افترض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم خمس فرائض. الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة. ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا.لا والله ما فيها رخصة. وقال النبي عليه الصلاة والسلام «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية» عليكم الطاعة فقد رأيتم أصحاب علي).

ومن توفيق الإمام جعفر ، وأبنائه، أنهم لم يطلبوا لأنفسهم خلافة دنيوية. وبهذا يتميز تاريخ الشيعة الإمامية من الشيعة الإسماعيلية، التي ستظهر بعد موت الإمام بوقت طويل. والتي كان من أهدافها ولاية السلطة، وإقامة الدول.

٢٠١

قال سليمان بن خالد للإمام الصادق: إن الزيدية قوم عرفوا وخرجوا وشهدهم الناس، وما على الأرض محمدي أحب إليهم منك. فان أردت أن تدنيهم وتقربهم منك فافعل. فاجاب (إن كان هؤلاء السفهاء يريدون أن يصدونا عن علمنا إلى جهلهم، فلا مرحبا بهم، وإن كانوا يسمعون قولنا وينظرون أمرنا، فلا بأس).

ومع أن «مؤمن الطاق» - تلميذ الإمام الصادق - ثبط زيد عن الخروج، «فالصدوق» يروي عن الإمام «الكاظم» قول أبيه (رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى) فزيد لم يدع لنفسه، لأن الإمامة كانت للباقر. وإنما كان خروجه تجديداً للاستشهاد عندما تدعو دواعيه.

يقول الصادق (مضى والله عمي زيد وأصحابه شهداء على مثل ما مضى عليه الحسين بن علي بن أبي طالب وأصحابه)- بل هو يعلن الاستعداد للاستشهاد، ويراه واجباً من واجبات أهل البيت عامة، والأئمة خاصه وأبو بصير يروي عنه قوله (إن الله تعالى أعفى نبيكم أن يلقى من أمته ما لقيت الأنبياء من أممها جعل ذلك علينا).

والشيعة مجمعون أن عليا أولى بالخلافة - دينية أو دنيوية - من الصديق ومن عمر ومن عثمان - لكن عليا سما عن أن يترك في الأمة صدعا يوم بايع لأبي بكر، وقبل استخلاف أبي بكر لعمر، وبايع لعثمان مع المسلمين.

وتسبيب البيعة بأنها كانت لرأب الصدع فيه تسليم بأن ولاية شئون الدولة يمكن أن تنفصل عن الخلافة الدينية. فلو كانت غير ذلك لما سلم علي في أمر يخالف الدين. ولقد طالما عالن الخلفاء الثلاثة برأيه الشجاع. وأجمعوا دائما على تقديره، ونزلوا عنده- وسيبقى له في ضمير التاريخ وصحفه أنه دخل في إجماع المسلمين. فذلك درس لهم - من دروسه التي لا تكاد تحصى- ليعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا .

والذين يقولون - من أي فريق - إن عليا بايع «مرغما» يتأولون. فعلي أعلى صوتا ومكانا من أن يرغم، أو لا يعلن رأيه، مواجهة. ولما بايع عمر لأبي بكر يوم السقيفة، كان يومئذ - كعلي يوم بايع - يرأب الصدع بين المهاجرين والأنصار، وهم بين أظهرهم. ولما جعل عمر الخلافة شورى في الستة بعده، كان مسئولا عن المسلمين، كما كان أبوبكر يوم استخلفه.

٢٠٢

وعلي في طليعة المسئولين، وكمثله الأئمة بعده.

والذين ينسبون إلى الشيعة ما صنعه أو فهمه الدهماء منهم من قدح في أبي بكر أو في عمر ظالمون. ومن الشيعة مفكرون يعلنون أن من تعود البعض من الشيعة أن يلعنوه في احتفالات مآتم عاشوراء - وقد ظهرت بعد موت الإمام جعفر الصادق بقرن في عهد دولة بني بويه - هو عمر بن سعد قائد الجيش الذي قتل الحسين.

جاء في كتاب الأستاذ أحمد مغنية عن الإمام جعفر الصادق (وقد حورب المذهب الجعفري في عهد العثمانيين والأتراك كما أن المفرقين أنفسهم وجدوا في اتفاق الاسمين: عمر بن الخطاب وعمر بن سعد قاتل الحسين، ميدانا واسعا يتسابقون فيه في تشويه الحقائق يعرف الناس جميعهم أن الشيعة يعنون عناية تامة في المآتم الحسينية التي تقام أيام عاشوراء وغير عاشوراء من أيام السنة والحسين هو موضوع تلك المآتم وكان طبيعياً أن يكون لعنة اللعنات عمر بن سعد ومن من المسلمين وغير المسلمين لا يلعن عمر بن سعد قاتل ابن بنت رسول الله ؟ لا أنكر وجود أفراد - بالأمس - من سواد الشيعة وبسطائهم لا يفرقون بين هذين الاسمين بل لا يعرفون أن في دنيا التاريخ الإسلامي عمرين تقيا وشقيا وساعد على بعد الشقة وتوسيع نطاق الفتنة شيوخ جهلة مرتزقة أئمة من كلتا الطائفتين السنية والشيعة ...)

وأيا كانت الجهالة أو العصبية فهي بلاء ابتليت به الأمة يتفجر بذاء وخصومات في المناسبات - وفيما كان يقع بين مذاهب أهل السنة مشابه.

٢٠٣

منها - والمؤكد أن أئمة المذاهب منها براء. وأن الجيل الذي تعلم عليهم بريء من التعصب أو الافتراء. وأن العلماء الصدق بعيدون عن متابعة السواد والبسطاء(١) .

وفقه المذهب غزير في الإمامة مذ فتق الكلام فيها التلاميذ في حياة الإمام وبعد مماته. مستندين إلى أحاديث للنبي، صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وردت في كتبهم وفي كتب أهل السنة ذاتها - ويرتبون عليها نظرية الإمامة. أما أهل السنة فلهم في شأن هذه الأحاديث وجهات نظر أخرى حول السند وحول المعنى اللازم .

إليك «بعض» الأحاديث:

يقول عليه الصلاة والسلام (يا أيها الناس. إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا. كتاب الله وعترتي، أهل بيتي)(٢) ويقول (إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء وعترتي أهل بيتي. ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(٣) ويقول (إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)(٤) ويقول (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي.. فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(٥) أو (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي. وانهما لن يفترقا..)(٦) ذلك أنه لما رجع عليه الصلاة والسلام من حجة

___________________

(١) يذكر الراغب الأصفهاني في المحاضرات من قرون مضت: سئل رجل كان يشهد بالكفر على آخر عند جعفر بن سليمان فقال : إنه رجل معتزلي، ناصبي، حروري. جبري. رافضي. يشتم علي بن الخطاب وعمر بن أبي قحافة. وعثمان بن أبي طالب وأبا بكر بن عثمان. ويشتم الحجاج الذي هدم الكوفة على أبي سفيان. وحارب الحسين بن معاوية يوم القطائف فقال جعفر (قاتلك الله. ما أدري على أي شيء أحسدك. أعلى علمك بالأنساب أم بالأديان أم بالمقالات) .

(٢) أخرجه الترمذي والنسائي عن جابر.

(٣) أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم.

(٤) أخرجه أحمد بن حنبل بطريقين صحيحين وأخرجه الطبراني.

(٥) أخرجه أحمد بن حنبل وآخرون.

(٦) أخرجه الحاكم في المستدرك وآخرون ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

٢٠٤

الوداع نزل بغدير خم يوم ١٨ ذي الحجة في السنة العاشرة - والشيعة تعتبره عيداً يسمى عيد الغدير- وكان قد نزل عليه الوحي (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. وإن لم تفعل فما بلغت رسالته. والله يعصمك من الناس)، فأمر بدوحات فقممن فقال (كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ثم قال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(١) .

وابن حجر في صواعقه يقرر أن لهذا الحديث طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا مع اختلاف في المكان أهو غدير خم أم الطائف أم المدينة. أما طرقه عن أهل البيت فنحو ثمانين طريقا.

وفي علي قوله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليوال عليا وذريته من بعده. فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة)(٢) .

وفي أهل البيت قوله صلى الله عليه وسلم (ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح. من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل. من دخله غفر له(٣) وقوله (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف)(٤)

والشيعة مؤمنون بأنه لا ينقض حجة هذه الأحاديث على منزلة أهل البيت ومكانة علي، تأويلها من بعض أهل السنة أو التشكيك فيها من البعض الآخر.

___________________

(١) أخرجه الحاكم من طريقين عن زيد بن أرقم وأخرجه مسلم في صحيحه حتى كلمة الحوض مع خلاف في بعض الكلمات.

(٢) مسند أحمد بن حنبل -ابن حجر- كنز العمال- وبهذا المعنى في المستدرك

(٣) الصواعق لابن حجر.

(٤) أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس.

وفي مسند أحمد أن عمر كان أول المهنئين لعلي يوم الغدير. كما هنأه الصحابة الحاضرون.

٢٠٥

والآخرون يرونها سنداً صحيحاً في تكريم علي ولا يرونها سنداً في الإمامة بالمعنى الذي يريده الشيعة.

ولقد كان الصحابة يجلون عليا كل الإجلال. والكثرة منهم لا تسلم له بأولوية الخلافة على سابقيه من الخلفاء. ثم جاء جيل جديد أصبح فيه إنكار هذه الأولوية وسيلة للسلطة لتثبيت شرعيتها، بل طريقا إلى أصحاب السلطة، يسلكه من يلتمسون المصلحة أو الجاه أو الراحة .

لكن الأمة بقيت على حب علي وإبنائه. وكثرتها ككثرة الصحابة في إجلاله.

فالشافعي- أكبر عقل علمي- يضع حب أهل البيت بين فرائض الدين. ويذكر المسلمين بأن الصلاة على أهل البيت جزء من الصلاة لله يقول :

يا أهل بيت رسول الله حبكمو

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكمو من عظيم القدر أنكو

من لم يصل عليكم لا صلاة له

والإمام أحمد يقول (ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي) وتشيع أبوحنيفة محل إقرار أو إنكار. وهو القائل (لولا السنتان لهلك النعمان) قاصداً مدة دراسته على الإمام الصادق. ومالك بن أنس من أنبه تلاميذ الإمام جعفر ذكرا. والأربعة أئمة أهل السنة.

أخرج أحمد بن حنبل عن عائشة (جاء رجل فوقع في علي وعمار عند عائشة. فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئا. وأما عمار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه (لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما).

ولقد كان عمار من أول حياته في الإسلام، حيث كان في آخر يوم في حياته في الدنيا، مع علي. وفي جنده مات في صفين وهو في التسعين. قتلته الفئة الباغية عليه وعلى علي معه.

٢٠٦

ولقد أوصى(١) النبي لعلي أن يغسله صلى الله عليه وسلم ويجهزه ويدفنه ويفي دينه وينجز وعده، ويبرئ ذمته ويبين للناس ما اختلفوا فيه. وما ذلك إلا لأن عليا منه ومن أهل بيته حيث هو.

من هذه المكانة لعلي كان معه في صفين ثمانون من الصحابة الأحياء كلهم بدري، وهؤلاء من أهل الجنة.

أما معاوية فمعه الواهمون أو أهل الدنيا الذين يعدهم ويمنيهم، لتصير الأمور إلى ما انتهت إليه في أيامه و ما بعد أيامه.

وأما الأمة فجعلت مكان معاوية من علي، مثلا سائراً في اللسان العربي. (وأين معاوية من علي).

يقول الأحنف بن قيس: دخلت على معاوية فقدم إلي الحار والبارد والحلو والحامض مما كثر تعجبي منه. ثم قدم لونا لم أعرف ما هو. فقلت ما هذا ؟ قال: هذا مصارين البط محشوة بالمخ.. قد قلي بدهن الفستق. وذر عليه بالطبرزد ! فبكيت. فقال ما يبكيك؟ قلت: ذكرت عليا..: بينا أنا عنده وحضر وقت الطعام وإفطاره (إذ كان صائما) وسألني المقام. فجيء له بجراب مختوم. فقلت ما في الجراب؟ .

قال: سويق شعير. قلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟

قال: لا. ولا أحدهما. ولكني خفت أن يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت. فقلت: محرم هو يا أمير المؤمنين؟

___________________

(١) ومن نصوص وصية النبي الصريحة بالإمامة لعلي: عن محمد بن حميد الرازي - وقد وثقه الأئمة: أحمد ويحيى، وابن جرير الطبري، والبغوي، عن أبي بريدة (لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب) ومثله- بالمعنى مروي عن سلمان الفارسي. وقال عليه الصلاة والسلام لفاطمة (يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض فاختار اثنين أحدهما ابوك والآخر بعلك) وعن ابن عباس أن الرسول قال لها؟ أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما وأنك سيدة نساء أمتي كما سادت مريم نساء قومها. أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك؟)

ومنها أن النبي يقول عن الحسين (ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تاسعهم قائمهم).

٢٠٧

قال لا. ولكن يجب على أئمة الحق أن يعتدوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغى الفقير فقره.

فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله.

يرى الشيعة أهل البيت ثاني الثقلين وأولهما القرآن، والثقل كل خطير نفيس. وهم عدل القرآن في الأمة، وخلفاء الرسول في الحفاظ على الشريعة. فللأئمة جميع ماله من المناصب ما عدا رتبة النبوة. ولديهم الكتب التي دون فيها علم النبوة، وفيهم ينحدر الهدى النبوي، وتنحصر الإمامة.

وأن الله سبحانه وتعالى يختار للنبوة من يشاء ويختار للإمامة من يشاء. ويأمر نبيه بالنص عليه وتنصيبه للناس بعده للقيام بوظائفه، إلا أن الإمام لا يوحى إليه بل يتلقى الأحكام عن النبي مع تسديد السماء له، فهو مبلغ عن النبي، في حين أن النبي مبلغ عن الله جل شأنه.

والإمامية يرون الإمام إنسانا من البشر. لكنه أفضل أهل زمانه. ولا تجوز عبادته فهذا عمل من خداع إبليس. وأن من هذا شأنه يجب أن يكون معصوما من الخطأ. فالناقص لا يكمل غيره. ووجه الحاجة إلى العصمة فيه وفي النبي واحد(١) وهو حفظ الأحكام عن الخطأ وإذا كان ذلك كذلك، فما يرد عن الإمام سنة. سواء أكان رواية عن النبي أم كان رأيه لأنه نص. أما ما لا يرد عن الإمام فهو محل للاجتهاد وفق القرآن والسنة والإجماع والدليل العقلي.

أما ولاية الحكم، فقد رأينا الإمام الصادق وآباءه لم يطلبوها كما لم يطلبها الأئمة بعده.

يقول الكاظم لهشام (كما تركوا لكم الحكمة اتركوا لهم الدنيا). فما أحراهم أن يتركوا للملوك ما يتناحرون عليه .

___________________

(١) يقول الشريف المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء) (قالت الشيعة الإمامية لا يجوز عليهم (الأنبياء) شيء من المعاصي والذنوب. كبيراً كان أو صغيراً لا قبل النبوة ولا بعدها. ويقولون في الأئمه مثل ذلك) .

٢٠٨

ويعتبر الشيعة الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أصول الدين عندهم. وأنها «رديفة» التوحيد والنبوة، وفي حين لا يوافق أهل السنة على ذلك، لا تكفر الشيعة أهل السنة في إنكارها هذا الأصل. ولا يكفر أهل السنة الشيعة باعتقادها في الإمامة.

وإنما يشتد الخلاف من جراء الغلو في الأئمة ونسبة أشياء إليهم يختلف في بعضها أهل السنة أنفسهم، كالرجعة، أو القدح في بعض الصحابة، كعمرو ومعاوية والمغيرة. أو يختلف فيها الشيعة أنفسهم كولاية المفضول، والنص على الإمام بالاسم لا بالوصف. مما حدا بالأضداد والأشياع إلى تبادل أزمة الثقة. أما الفاقهون فأدخلوا خلافاتهم فى إطار ما يختلف فيه المجتهدون. وأما المتعصبون، من كل ملة، فيتقاطعون . وما يتقاطعون إلا للمصلحة أو للغلواء أو لضيق الأفق(١) .

___________________

(١) دخل إبراهيم بن هرثمة على المنصور فتهدده لأنه يمدح أهل البيت. ولما خرج إبراهيم لقي علويا سلم عليه فصاح به: لا تشط بدمي.

وفي سنة ٣٥٠ استعانت الجماهير بالجند ضد الشيعة. وفي سنة ٣٦٣ قتل الكثيرون من أجل اقامة الشيعة لشعائرهم. وفي سنة ٤٠٣ صدر مرسوم بلعن العلويين خلفاء مصر وإنكار نسبهم. وكانت موقعة الكرخ فتكاً بأموال الشيعة وأرواحهم وأطفالهم. وفي سنة ٤٣٩ كبست دار الطوسي ببغداد. وفي سنة ٤٤٨ و ٤٤٩ أحرقت مكتبة الطوسي فترك بغداد إلى النجف.

وعدوان المالكية على الشافعي في جامع عمرو مشهور. وطرد المالكية والحنفية من أجل الشغب في جامع عمرو بعد ذلك بأمر القاضي الحارث بن مسكين معروف. وكذلك فتنة الحنابلة في مجلس الطبري(٣١٠) وفي عهد البر بهاري وفيما بعده وقد طالما أرهجت بغداد.

ومن الإزراء بالتعصب المذهبي تتردد على الألسن سخرية الزمخشري، وهو حنفي

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه . كتمانه لي أسلم

فإن حنفيا قلت، قالوا بأننى

أبيح الطلى وهو الشراب المحرم

وإن شافعيا قلت، قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكيا قلت، قالوا بأننى

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

ولقد طالما كفرت جماعة جماعة أخرى: بغيا عليها أو تحاملا منها في التعبير عن الخلاف معها. كان نظم الملك(٣٨٥) وزيراً عظيما: ينشر العلم وينشئ المدارس، ويعمل للوحدة، ويحاول أن يجمع الخلافتين العباسية والفاطمية، أي أهل السنة والشيعة الإسماعيلية، وكان يجتمع لديه علماء الفرق، فدخل عليه عبد السلام بن محمد القزويني شيخ المعتزلة وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له: أيها الصدر. لقد اجتمع عندك رءوس أهل النار. أنا معتزلي وذلك أشعري وهذا مشبه. وبعضنا يكفر بعضا =

٢٠٩

= وفي سنة ٤١٢ صدر مرسوم في بغداد كفر به الخليفة القادر المعتزلة وأمر باستتابتهم، وقد سبق منهم العمل عند الخلفاء لقهر المحدثين والفقهاء في عصر المأمون والمعتصم والواثق

وفي حياة الفيروزابادي الشافعي قامت الفتنة على الشافعية سنة ٤٧٩. وفي سنة ٥٠٧ قال قاضي الحنفية بدمشق: لو كان لي من الأمر شيء لوضعت الجزية على الشافعية. وفي سنة ٥٦٧ قال أبو حامد الطوسي المقال نفسه في الحنابلة وفي سنة ٥٥٤ حرقت الأسواق في أصفهان لنزاع الحنفية والشافعية. وفي سنة ٤٦٩ هاج الحنابلة في بغداد إذ ولى القشيري الوعظ بالمدرسة النظامية. ومن قبل ذلك بعام سنة ٤٦٨ انتقل السمعاني من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي فثار الحنفية بمدينة مرو في خراسان فنفاه سلطانها حقنا لدمه. وفي العصر ذاته أمر ابن تاشفين بإحراق كتب الغزالي في احتفال رسمي بمسجد قرطبة

وذات يوم رأى الوالي الحنفي في بلاد ما وراء النهر في مخرجه للصلاة في الصباح مسجداً للشافعية فقال: أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق؟ وفي جيلان كان القوم حنابلة إذا قدم عليهم حنفي قتلوه وجعلوا ماله فيئا للمسلمين وأما أهل الأندلس فكانوا مالكية يطردون من الأندلس الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي إذا وفد عليها. فإن كان معتزليا فربما قتلوه...

ومن سد الذريعة أفتى البعض بتعزير من يترك مذهبا لمذهب.

وفي القرن الثامن من الهجرة فصل من التدريس بمصر أبو العباس الحنبلي (٧١٦) لأنه ذكر أن عمر منع تدوين الحديث، وأن ذلك كان سبب تعارض النصوص في الحديث وخلاف العلماء.

وفي القرن العاشر علقت على باب زويلة رأس المولى ظهير المدين الأردبيلي لأنه قال ان مدح الصحابة ليس بفرض.

وفي تركيا قتل في عهد السلطان سليم الأول (٩٢٦) نحو أربعين ألفا من الشيعة.

وهكذا تدور رحى البطش في كل اتجاه، لكن لها قانونا لا يتخلف هو أن الباطشين اليوم مبطوش بهم غداً.

٢١٠

ومرد عدم التكفير(١) بين الشيعة وأهل السنة مع الخلاف في الاعتقاد بالإمامة، إلى أن الأصول - كما يقول الشيعة - ثلاثة: التوحيد، والنبوة، والبعث - ويكفي من التوحيد الإيمان بوحدانية اللّه تعالى . ويكفي من النبوة الإيمان بأن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول اللّه صادق فيما أخبر به معصوم . ويكفي من المعاد الاعتقاد بأن كل مكلف يحاسب بعد الموت.. أما الفروع التي هي من ضرورات الدين فهي كل حكم اتفقت عليه المذاهب الإسلامية كافة، من غير فرق بين مذهب ومذهب كوجوب الصلاة . فإنكار حكم من هذه الأحكام إنكار للنبوة وتكذيب لما ثبت في دين الإسلام بالضرورة .

وضرورات «المذهب الشيعي» نوعان . نوع يعود للأصول وهو الإمامة. فيجب أن يعتقد كل «شيعي» إمامة الاثني عشر إماما . والنوع الثاني يرجع إلى الفروع كنفي العول ونفي التعصيب . فمن أنكر فرعا منها كان غير شيعي وإن كان مسلما.

___________________

(١) أهل السنة لا يكفرون إلا من يجحد فرائض الإسلام لأنه جاحد للأصل. يقول الغزالي: (أعلم أن شرح ما يكفر به ولا يكفر به يستدعي تفصيلا طويلا. فاقنع الآن بوصية وقانون. أما الوصية فأن تكف لسانك عن أهل القبلة، ما أمكنك، ما داموا قائلين لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه. وأما القانون فهو أن تعلم أن النظريات قسمان. قسم يتعلق بأصول القواعد وقسم يتعلق بالفروع. وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان باللّه وبرسوله وباليوم الآخر وما عداه فروع. واعلم أنه لا تكفير في الفروع أصلا. إلا في مسألة واحدة. وهي أن ينكر أصلا دينياً من رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتواتر. لكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات .)

٢١١

والإيمان والإسلام عند الشيعة مترادفان. يثبتان لمن آمن بالتوحيد والنبوة والبعث. ويطلقان على معنى أخص هو هذه الأركان ومعها ركن العمل بدعائم الإسلام - وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد - ويزيدون ركنا خامسا هو الاعتقاد بالإمامة، وأنها منصب إلهي كالنبوة، منصوص على من يليها. وأن الإمام أفضل أهل زمانه. ومعصوم. فمن اقتصر على الأركان الأربعة الأولى مسلم مؤمن. وإنما الاعتقاد بالإمامة له أثر في منازل القرب والكرامة يوم القيامة.

يقول الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء (نعم يظهر أثر التدين « بالإمامة » في منازل القرب والكرامة يوم القيامة - أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء. وبعضهم لبعض أكفاء. وأما في الآخرة فلا شك أن المسلمين تتفاوت درجاتهم ومنازلهم حسب نياتهم وأعمالهم. وأمر ذلك وعلمه عند اللّه سبحانه. ولا مساغ للبت به لأحد من الخلق. والغرض أن أهم ما امتازت به الشيعة عن سائر فرق المسلمين هو القول بإمامة الأئمة الاثني عشر. وبه سميت هذه الطائفة الإمامية. إذ ليس كل الشيعة تقول بذلك . والقول بالاثني عشر ليس بغريب عن أصول الإسلام وصحاح كتب المسلمين. فقد روى البخاري وغيره في صحاحه حديث الاثني عشر خليفة بطرق متعددة، فيها بسنده عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ..)(١) .

___________________

(١) في النصف الأول من القرن الحالي جرت «المراجعات» بين شيخ للأزهر هو الشيخ سليم البشري وبين الإمام عبد الحسين شرف الدين الموسوي(١٢٩٠ - ١٣٧٧) مدة إقامة الأخير بمصر، وهي مراجعات أطراها الطرفان وثبت منها التزام المسلمين جميعا أصول الإسلام، وسعة الفقة للخلاف حول الفروع.

ومن اتساع الفقة للخلاف وجدنا المأمون، المعتزلي الفكر، السني الفقه، يولي عهده عليا الرضا إمام الشيعة. ووجدنا الصاحب بن عباد الذي وزر للدولة البويهية ثمانية عشر عاماً من ٣٦٧ إلى ٣٨٥ وزيراً معتزلي الفكر لدولة زيدية العقيدة، تحكم دولة الخلافة السنية. ووجدنا الشريف الرضي نائبا للخليفة العباسي. كما وجدنا الدولة الأدريسية دولة سنية يحكمها الأدارسة وهم شيعة من نسل الحسن بن علي لكنهم لا يظهرون التشيع. وابن تومرت يقول إنه - كالأدارسة - من نسل الحسن بن علي ومع ذلك لا يقسر الدولة على التشيع. وكذلك بني حمود من نسل الحسن بن علي يحكمون دولة سنية ولا يقسرونها على التشيع . بل سنجد فقهاء عظماء - كالطوسي - حجة في المذهب الإمامي وفي مذاهب أهل السنة. =

٢١٢

= وفي سنة ٥٢٥ عين الخليفة الفاطمي بمصر قضاة أربعة: ثلاثة من مذاهب السنة ورابعا شيعيا لأن الشعب كان سنيا والدولة شيعية. وكان الحافظ السلفي(٤٧٨ - ٥٧٦) يلقى دروس الشافعية في مدرسة بناها له ابن السلام الوزير الفاطمي.

وفي النصف الأخير من القرن الحالي أفتى المرحوم الشيخ محمود شلتوت (أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك. وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين اللّه وما كانت شريعته تابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب. فالكل مجتهدون مقبولون عند اللّه تعالى يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات).

وقال الشيخ شلتوت عن فتواه بعد . (ثم تهيأ لي بعد ذلك - وقد عهد إلي بمنصب مشيخة الأزهر - أن أصدرت فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر المتبعة لسبيل المؤمنين ومنها مذهب الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) . وها هو ذا الأزهر الشريف ينزل على حكم هذا المبدأ، مبدأ التقريب بين أرباب المذاهب المختلفة، فيقرر دراسة هذه المذاهب الإسلامية سنيها وشيعيها دراسة تعتمد على الدليل والبرهان وتخلو من التعصب لفلان وفلان كما أنه اهتم في تكوين مجمع البحوث الإسلامية بأن يكون أعضاؤه ممثلين لمختلف المذاهب الإسلامية) .

والشيخ عبد المجيد سليم شيخ أسبق للأزهر يقول تحت عنوان (القطعيات والظنيات) (قد علمنا من استقراء المذاهب الفقهية وآراء الفرق الكلامية أن في كل منها خطأ وصوابا. ولم نعلم مذهبا من المذاهب الإسلامية المعتبرة خطأ كله أو صوابا كله. وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أن تطغى العصبية المذهبية على المسلمين. ولا ينبغي أن يكون هم الحنفي مثلا هو الانتصار لكل ما جاء في مذهب الحنفية. ولا أن يكون هم الإمامي أو الزيدي هو الانتصار والتعصب لكل ما جاء به الإمامية والزيدية. وهكذا.

بل الواجب على المسلمين أن يأخذوا بما ظهر بالبرهان صوابه وأن يكون قصار اهم الرغبة الصادقة في الوصول إلى الحق دون أن يقيموا وزنا لما سوى الحق. بذلك يصبحون فعلا أمة واحدة).

٢١٣

والشيعة يعتقدون أن الأرض لا تخلو من حجة على العباد من نبي أو وصي، ظاهر أو مستور، فالإمام «المهدي» الثاني عشر «غائب» منتظر.

والإمامة منصب ديني لا يجوز التنازل عنه لأنه من اللّه.

ولما تنازل علي للخلفاء السابقين عليه كان التنازل عن الخلافة الدنيوية، وحدها، وبناء على أسباب.

أمور خلافية في الفقه

يظهر من استعراض كبريات مسائل الخلاف بين الشيعة وبين مذاهب أهل السنة، في الفقه، أنها لا تمس أصل الدين. وأنها تحتمل الاجتهاد، وتتسع للخلاف عليها. كما اتسعت أمور أمثالها للخلاف بين مذاهب أهل السنة ذاتها - إلا زواج المتعة. فالخلاف فيه يتميز مما عداه:

أما الفرائض الدينية فواحدة عندهم وعند أهل السنة.

في «الصلاة»: الفروض واحدة لدى أهل السنة ولديهم. وعدد الركعات فيها واحد. اما المندوب عندهم فلا حصر له. وأفضله عندهم «الرواتب» وعددها «على المشهور» ثمانية للظهر وثمانية للعصر قبل الفريضة وأربع للمغرب بعد الفريضة وللعشاء ركعتان جالسا ويجوز قائما وثمانية ركعات صلاة الليل وركعتا الشفع وركعة الوتر وركعتا الصبح قبل الفريضة . فالرواتب عندهم كثيرة . ويشترطون القراءة في الصلاة باللغة العربية. ولا يجيزون الترجمة. ويشترطون الجهر بالبسملة.

وفي «الزكاة»، ووجوه البر، لا يختلفون عن جمهور المسلمين. بل هم يضيفون إليها «خمس» الدخل، الذي يجبى للإمام، لإنفاقه في مصارفه الدينية.

وفي «الصوم»: يرون الكذب على الرسول يفطر الصائم.

وفي «الحج»: جهاد لا يسقط بالموت بل يؤديه الوارث عن مورثه. وللغير أن يؤديه عنه من مال للمورث قبل أن تقسم التركة.

ويكثرون من مظاهر «الروح الإسلامي» في العقود. فيستحبون البدء بالبسملة في كل معاملة، ويحرصون على الصيغة العربية. ويكرهون معاملة تارك الصلاة والمستهتر. ويحرمون الاتجار بما يترتب عليه فساد المجتمع.

٢١٤

وفيما يلي أنواع خلاف بينهم وبين أهل السنة، لعلها تبين الإطار العام أو المعالم المهمة، للوفاق وللخلاف بين الفريقين.

١ - الجمع بين الصلاتين

المسلمون مجمعون على جواز الجمع في الحج في جبل عرفة بين الظهر والعصر وفي المزدلفة بين المغرب والعشاء للحجاج خاصة - اما غير ذلك فمحل خلاف. فالشيعة يجيزون الجمع مطلقا جمع تقديم وتأخير. لعذر وغير عذر. في السفر والحضر. وإن كان التفريق عندهم أفضل - إلا إذا حدث حرج.

وحجة الشيعة مشتقة من صحاحهم ومن تفسير الإمام الصادق لقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا).

فالغسق هو تراكم الليل واشتداد الظلمة. وبهذا تكون أوقات الصلاة الأربعة ممتدة من الزوال إلى نصف الليل. فالظهر و العصر ينتهيان في الغروب والمغرب و العشاء إلى نصف الليل أما الصبح فقد اختصها اللّه بقوله (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا).

٢ - الاذان

كان بلال - مؤذن الرسول - يؤذن لصلاة الصبح فيقول بعد «حي على الفلاح» «الصلاة خير من النوم». وأقره الرسول على ذلك.

والشيعة يقولون إن الاذان كان فيه (حى على خير العمل) حتى عهد عمر - كما قال الإمام الباقر. وسبب رفعها من الأذان أن المؤذن وجد عمر نائما عند أذان الصبح فأضاف (الصلاة خير من النوم) - كما أورد الزرقاني في تعليقه على الموطأ - فاستحسنها عمر

٢١٥

فأمر أن تضاف إلى أذان الصبح. وأخرج ذلك ابن أبي شيبة(١) .

وعلماء الشيعة متفقون على أن قول « أشهد أن عليا ولي اللّه » ليس من فصول الأذان وأجزائه. وأن من يأتي به بنية أنه من الأذان فقد أبدع في الدين، أي أدخل فيه ما هو خارج عنه.

ويقول الشيعة إن إسقاط (حي علي خير العمل). كان بأمر من أولي الأمر في عهد عمر، حرصا منهم على أن تفهم العامة أن الجهاد في سبيل اللّه هو خير العمل، وأن النداء على الصلاة بخير العمل مقدمة لفرائضها الخمسة ينافي التحريض المطلوب للجهاد. فخطب عمر فنهى عنه(٢) .

___________________

(١) الشيعة يستدلون على أن الأذان كان فيه عبارة (حي على خير العمل) بما هو ثابت بالسند الصحيح عن الإمام جعفر (لما هبط جبرائيل على رسول اللّه بالأذان أذن جبرائيل وأقام وعندها أمر رسول اللّه عليا أن يدعو بلالا فدعاه فعلمه رسول اللّه الأذان وأمره به) وكان أذان الإمام جعفر هكذا:

اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر

أشهد أن لا إله إلا اللّه. أشهد أن لا إله إلا اللّه

أشهد أن محمدا رسول اللّه. أشهد أن محمدا رسول اللّه

حي على الصلاة. حي على الصلاة

حي على الفلاح. حي على الفلاح

حي على خير العمل. حي على خير العمل

اللّه أكبر اللّه أكبر

لا إله إلا اللّه

(٢) وقد تعاقبت التصرفات في صدد الأذان من المسلمين. كان عليه الصلاة والسلام يأمر في فجر رمضان بأذانين أولهما يوقظ الغافلين ليستحروا. والثاني للصلاة. وكان أذان الجمعة في عهده يبدأ عندما يجلس على المنبر. وهو الأذان الوحيد الذي يؤدي من مكان مرتفع بالمسجد أو القرية كسقفه ومنارته. فلما كثر الناس في عهد عثمان استحدث نداء آخر على الزوراء وبقي النداء الأول كما كان - وفي عهد هشام بن عبد الملك(١٠٥ - ١٢٥) اكتفى بآذان المنارة. ونقل الأذان الثاني وجعله بين يدي الخطيب.

هذا وليس الكلام القليل بين يدي الخطيب، ولا عند الأذان، ليبطله.

٢١٦

٣ - المسح على الرجلين

يختلف الناس في أن مسح القدمين هو الفرض أو الغسل هو الفرض، لأن رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - توضأ ومسح على قدميه. والشيعة تستدل بمسح الرسول على قدميه على أن المسح هو الفرض - ومروي عن ابن عباس أنه قال: ما صح عن رسول اللّه الا غسلتين ومسحتين ويفسرون الآية (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم) بما يسعفهم في المسح.

٤ - الزواج والطلاق

في الزواج:

- المهر لا يقدر قلة ولا كثرة: إلا أن يقصر عن التقويم كأن يقول حبة قمح أما الكثرة ففيها قول اللّه (وآتيتم إحداهن قنطارا)، وإن كان يكره تجاوز مهر السنة الذي أصدقه النبي زوجاته وهو خمسمائة درهم.

- ويجوز النظر إلى وجه المطلوب زواجها دون استئذان ومع الوجه الكفين. وينظرها قائمة وماشية. وللمرأة أن تنظر إلى الرجل - ولا يجوز العزل عن المرأة إلا بإذنها.

- وللمرأة - بكرا أو ثيبا - أن تزوج نفسها ممن تريد إذا بلغت رشدها. وإن كان من المستحسن أن تسأذن وليها في ذلك.

في الطلاق:

- أما الطلاق الثلاث بفم واحد: فجعله عمر ثلاثا زاجرا للناس. وبقي الأمر كذلك ثلاثة عشر قرنا ظهر فيها ما أحوج إلى العودة إلى الأمر الأول.

والشيعة لم يقبلوا عمل عمر من بادئ الأمر. فالطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع مرة واحدة.

ولا حلف عندهم بالطلاق على عمل. وهذان إصلاحان أحدثتهما مصر في سنة ١٩٢٩.

- وهم يوجبون حضور شاهدين للطلاق، في حين لا يوجبون حضور شاهدين للزواج. فالزوجية تنشأ دون شهود. لكن الطلاق واجب له الشهود.

٢١٧

والمتفقهة الآن من أهل السنة في مصر يستحسنون إيجاب حضور شاهدين للطلاق، بل هذا تعديل مطلوب في مشروع قانون للأحوال الشخصية.

- وهم يمنعون طلاق المغضب. والمنهيج والمنزعج. ويقررون أن الطلاق الذي أمر به اللّه ورسوله هو الذي يقع إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضتها، فأشهد الرجل شاهدين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقة. ثم هو أحق برجعتها ما لم تحض ثلاثا. فإن مضت ثلاثة قروء قبل أن يراجعها فهي أملك لنفسها. فإن أراد أن يخطبها مع الخطاب خطبها. فإن تزوجها كانت عنده

- وليس للمريض أن يطلق. وله أن يتزوج. فإن تزوج ودخل بها فجائز. وإن لم يدخل ومات بطل الزواج. ولا مهر ولا ميراث للزوجة.

فلنلاحظ اليسر في الزواج عندهم. والتشدد في الطلاق. ورعاية المرأة في كل حال. والحرص على الأسرة.

٥ - زواج المتعة: (إلى أجل معين)

والشيعة يسمونه الزواج المؤقت. ويرجعونه إلى قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن). والمفسرون متفقون على أن جماعة من الصحابة العظماء أفتوا بإباحتها منهم ابن مسعود وأبي بن كعب و ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وعمران بن حصين. بل كانوا وهم يتلون الآية ينطقون بتفسيرها فيقرأون (فما استمتعتم به منهن (إلى أجل مسمى)). فالمشروعية ثابتة والعمل بها ثابت.

وإنما يجزم أهل السنة بأنها أبيحت لدواعيها ثم نسخت بأحاديث جازمة. والشيعة لا يرونها أحاديث ثابتة. ويقولون إن الحلال القطعي الثبوت لا ينفيه تحريم غير قطعي.

وهم يقولون إن المتعة سائغة في السفر لطلب العلم والتجارة والجهاد، فلقد كانت مشروعيتها للسفر وللجهاد. وإنها زواج عادي، لولا أنه إلى أجل. فالزوجة في زواج المتعة تعتد إذا انتهى الأجل، ككل طلاق. ولابد من المهر . والابن من الزواج هو ابن عادي، له الميراث والنفقة. اما الزوجة فلا نفقة ولا ميراث لها، إلا إذا اشترطت. وليست النفقة من لوازم الزوجية، فالناشز زوجة ولكنها بلا نفقة. ومن النساء من ترث وليست زوجة. كمن طلقت في مرض الموت ومات زوجها قبل مضي سنة.

٢١٨

والثابت أن عمر أعلن تحريم المتعة إذا خطب الناس فقال (متعتان كانتا على عهد رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وعلى عهد أبي بكر. رضي اللّه عنه، وأنا انهى عنهما .) وأنه حرمها وهو بصدد قضية لعمرو بن حريث ثم أطلق النهي.

وأهل السنة يقررون أن نهي عمر عنها كان إعلانا لتحريم ثابت قبل ذلك.

ولم تقبل الشيعة نهي عمر من بادئ الأمر بل قال علي (لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شفا (قليل أو مشف على الهلكة) أو شقي).

وثبت عن الإمام الصادق قوله (ثلاث لا أتقي فيهن أحدا متعة الحج ومتعة النساء والمسح على الخفين).

ومن نوادر يحيى بن أكثم قاضي المأمون أنه سأل شيخا من أهل البصرة بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال بعمر. قال كيف وكان من أشد الناس فيها؟(١) قال: إنه صعد المنبر

___________________

(١) كان يحيى مع المأمون عندما رأى - وهو على رأس جيشه لمحاربة الروم - جواز المتعة، فهي أول ما شرعت شرعت في الحرب، فأمر فنودي بتحليلها للمحاربين. قال يحيى لصاحبين كانا معه في سفر المأمون: بكرا إليه غدا فإن رأيتما للقول وجها فقولا. وإلا فأمسكا حتى أدخل. فدخلا عليه فسمعاه مغتاظا يقول متعتان كانتا على عهد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما. ومن أنت.. حتى تنهى عما فعله رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوبكر رضي اللّه عنه؟ (يقصد عمر بكلامه) - فأومأ أحد الرجلين لصاحبه وقال: رجل يقول في عمر ابن الخطاب . نكلمه نحن وأمسكا حتى جاء يحيى . فقال المأمون ليحيى: مالي أراك متغيراً؟ قال: هو غم يا أميرالمؤمنين لما حدث في الإسلام.

قال المأمون: وما حدث في الإسلام؟

قال: النداء بتحليل الزنا.

قال المأمون الزنا.

قال نعم المتعة زنا - قال تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) زوجة المتعة ملك يمين؟ قال لا. قال: فهي الزوجة التي عند اللّه ترث وتورث .ولها شرائطها؟ قال لا. قال يحيى: فقد صار متجاوز هذين من العادين. وهذا الزهري روى عن عبد اللّه والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان قد أمر بها.

وقال المأمون: محفوظ هذا من حديث الزهري؟

قال يحيى: رواه جماعة منهم مالك. قال استغفر اللّه نادوا بتحريم المتعة.

ولا غرابة في أن يعدل المأمون. فلقد طالما جلس هو وأخوه الأمين وأبوهما - الرشيد - في حلقة مالك.

٢١٩

فقال: أيها الناس. متعتان أحلهما اللّه ورسوله لكم. وأنا أحرمهما عليكم وأعاقب عليهما. فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه(١) .

___________________

(١) ولي يحيى القضاء في البصرة وعمره نحو عشرين سنة. فاستصغره أهل البصرة. فقال لهم أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي قاضيا على مكة يوم الفتح. وأنا أكبر من معاد بن جبل الذي وجه به النبي قاضيا على اليمن. وأنا أكبر من كعب بن أبي الذي وجه به عمر قاضيا على البصرة.

وكان يحيى حسن التأتي للأمور ومنها سياسة القضاء والخلفاة: دخل على المأمون رجل يشكو وكيلا للمأمون أنه اشترى منه جواهر بثلاثين ألف دينار. فقال المأمون: لعل الوكيل اشترى لنفسه أو سلم الشاكي المال . قال الشاكي: فإذن أدعوك إلى القاضي الذي نصبته لرعيتك. وجيء بيحيى بن أكثم. فقال للمأمون: إنك لم تجعل ذلك مجلس قضاء: قال : قد فعلت: قال: فإني أبدأ بالعامة أو لا يصلح المجلس للقضاء . ففتح الباب - وقعد في ناحية من الباب وأذن للعامة. ثم دعى بالرجل. فقال له يحيى ما تقول: قال: أقول أن تدعو بخصمي أمير المؤمنين.

فنادى المنادي فإذا المأمون قد خرج ومعه غلام يحمل مصلى حتى وقف على يحيى وهو جالس. فطرح المصلى ليقعد عليها فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين لا تأخذ على صاحبك شرف المجلس . فطرح للرجل مصلى آخر، ثم نظر في دعوى الرجل. وطالب الرجل المأمون باليمين فحلفها المأمون.

ووثب يحيى بعد فراغ المأمون من يمينه فقام على رجليه. قال المأمون: ما أقامك؟ قال إني كنت في حق اللّه جل وعز حتى أخذته منك. وليس الآن من حقي أن أتصدر عليك .

فأمر المأمون أن يحضر ما ادعى الرجل من المال فقال له: خذه إليك واللّه يعلم ما دفعت إليك هذا المال إلا خوفاً من هذه الرعية لعلها ترى أني تناولتك من وجه القدرة وإنها لتعلم الآن أني ما كنت أسمح لك باليمين وبالمال.

٢٢٠