زبدة التفاسير الجزء ٦

زبدة التفاسير0%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-08-6
الصفحات: 645

زبدة التفاسير

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: ISBN: 964-7777-08-6
الصفحات: 645
المشاهدات: 19975
تحميل: 2044


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 645 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19975 / تحميل: 2044
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء 6

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: 964-7777-08-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والله كمن استشهد مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله. قلت: وأيّ آية جعلت فداك. قال: قول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) . ثمّ قال: صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم».

( لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) لهم مثل أجر الصدّيقين والشهداء ومثل نورهم، ولكنّه من غير تضعيف، ليحصل التفاوت. أو الأجر والنور الموعودان لهم.

( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) فيه دليل على أنّ الخلود في النار مخصوص بالكفّار، من حيث إنّ التركيب يشعر بالاختصاص، والصحبة تدلّ على الملازمة عرفا.

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) )

ولـمّا ذكر حال الفريقين في الآخرة حقّر أمور الدنيا، تزهيدا للمؤمنين في أمور الدنيا وركونهم إلى لذّاتها، فقال :

( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ) أي: الحياة في هذه الدار الدنيّة والأمور

٦٠١

المتعلّقة بها أمور خياليّة قليلة النفع سريعة الزوال، لأنّها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جدّا، إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة( وَلَهْوٌ ) يلهون به أنفسهم عمّا يهمّهم من الأمور الأخرويّة( وَزِينَةٌ ) يتزيّنون بها، كالملابس الحسنة، والمراكب البهيّة، والمنازل الرفيعة( وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ ) بالأنساب والعدد والعدد( وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ) .

ثمّ مثّل لها في سرعة تقضّيها وقلّة جدواها بقوله:( كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ) أي: نبات أنبته المطر فاستوى بحيث أعجب الحرّاث. أو الكافرون بالله، لأنّهم أشدّ إعجابا بزينة الدنيا. ولأنّ المؤمن إذا رأى معجبا انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطّى فكره عمّا أحسّ به، فيستغرق فيه إعجابا( ثُمَّ يَهِيجُ ) ييبس بعاهة وآفة( فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ) يتحطّم ويتكسّر بعد يبسه. وشرح هذا المثل قد تقدّم في سورة يونس(١) .

( وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ ) لأعداء الله، تنفيرا عن الانهماك في الدنيا، وحثّا على ما يوجب كرامة العقبى. ثمّ أكّد ذلك بقوله:( وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ) لأولياء الله( وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ) أي: لمن أقبل عليها، ولم يطلب بها الآخرة.

ثمّ رغّب سبحانه في المسابقة لطلب الجنّة، فقال:( سابِقُوا ) وسارعوا مسارعة السابقين في المضمار( إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) إلى موجباتها من الأعمال الصالحة( وَجَنَّةٍ ) وسابقوا إلى استحقاق ثواب جنّة هذه صفتها( عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) وإذا كان العرض كذلك فما ظنّك بالطول؟! وقيل: طولها لا يعلمه إلّا الله.

وقيل: المراد به البسطة، كقوله:( فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ ) (٢) .

__________________

(١) راجع ج ٣ ص ٢٠٢، ذيل الآية ٢٤. من سورة يونس.

(٢) فصّلت: ٥١.

٦٠٢

وقيل: إنّ الله قال:( عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) ، والجنّة المخلوقة في السماء السابعة، فلا تنافي بينهما.

( أُعِدَّتْ ) ادّخرت وهيّئت( لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ) فيه دليل على أنّ الجنّة مخلوقة، وأنّ الإيمان وحده كاف في استحقاقها، لأنّه ذكر أنّ الجنّة معدّة للمؤمنين، ولم يذكر معه شيئا آخر، وهذا أعظم رجاء لأهل الإيمان.

( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) ذلك الموعود يتفضّل به على من يشاء، فإنّه يجزي الدائم الباقي على القليل الفاني. ولو اقتصر في الجزاء على قدر ما يستحقّ بالأعمال، كان عدلا منه، لكنّه تفضّل بالزيادة.

وقيل: معناه: إنّ أحدا منّا لا ينال خيرا في الدنيا والآخرة إلّا بفضل الله، فإنّه سبحانه لو لم يدعنا إلى الطاعة، ولم يبيّن لنا الطريق، ولم يوفّقنا للعمل الصالح، لـما اهتدينا إليه، فذلك كلّه من فضل الله. وأيضا فإنّه سبحانه تفضّل بالأسباب الّتي يفعل بها الطاعة، من التمكين والألطاف وكمال العقل، وعرض المكلّف للثواب، فالتكليف أيضا تفضّل.

( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) فلا يبعد منه التفضّل بذلك وإن عظم قدره.

( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) )

ولـمّا بيّن الثواب على الطاعة، عقّبه ببيان الأعواض على مقاساة المصائب، فقال:( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ) كالجدب والعاهة( وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ )

٦٠٣

كالمرض، والآفة، وموت الأولاد، وسائر الأقارب والأحباب( إِلَّا فِي كِتابٍ ) إلّا مكتوبة في اللوح، مثبتة في علم الله( مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) والمعنى: أنّه تعالى أثبتها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس والأرض، ليستدلّ ملائكته به على أنّه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها( إِنَّ ذلِكَ ) أن يثبته في الكتاب على كثرته( عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) لاستغنائه عن العدّة والمدّة.

( لِكَيْلا تَأْسَوْا ) أي: أثبت وكتب ذلك لئلّا تحزنوا( عَلى ما فاتَكُمْ ) من نعم الدنيا( وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ) بما أعطاكم الله منها، فإنّ من علم أنّ الكلّ مقدّر هان عليه الأمر. وأيضا إذا علم الإنسان أنّ ما فات منها ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة، فلا ينبغي أن يحزن لذلك. وإذا علم أنّ ما ناله منها كلّف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه، فلا ينبغي أن يفرح به. وإذا علم أنّ شيئا منها لا يبقى، فلا ينبغي أن يهتمّ له، بل يجب أن يهتمّ لأمر الآخرة الّتي تدوم ولا تبيد.

وقرأ أبو عمرو: «بما أتاكم» من الإتيان، ليعادل «ما فاتكم». وعلى الأوّل فيه إشعار بأنّ فواتها يلحقها إذا خلّيت وطباعها، وأمّا حصولها وبقاؤها فلا بدّ لهما من سبب يوجدها ويبقيها.

والمراد به نفي الأسى المانع عن التسليم لأمر الله، والفرح الموجب للبطر والاختيال. ولذلك عقّبه بقوله:( وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) إذ قلّ من يثبت نفسه في حالي الضرّاء والسرّاء.

وقيل لبزرجمهر الحكيم: مالك أيّها الحكيم لا تأسف على ما فات، ولا تفرح بما هو آت؟

فقال: لأنّ الفائت لا يتلافى بالعبرة، والآتي لا يستدام بالخبرة.

واعلم أنّ في هذه الآية إشارة إلى أربعة أشياء :

الأوّل: حسن الخلق، لأنّ من استوى عنده وجود الدنيا وعدمها، لا يحسد، ولا يعادي، ولا يشاحّ، فإنّ هذه من أسباب سوء الخلق، وهي من

٦٠٤

نتائج حبّ الدنيا.

وثانيها: استحقار الدنيا وأهلها، إذا لم يفرح بوجودها، ولم يحزن لعدمها.

وثالثها: تعظيم الآخرة، لـما ينال من الثواب الدائم الخالص من الشوائب.

ورابعها: الافتخار بالله دون أسباب الدنيا.

ويروى أنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام جاءه رجل فقال له: ما الزهد؟ فقال: «الزهد عشرة أجزاء. فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع. وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين. وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا. وإنّ الزهد كلّه في آية من كتاب الله:( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) ».

( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) بدل من «كلّ مختال» فإنّ المختال بالمال يضنّ به غالبا. أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله:( وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) لأنّ معناه: ومن يعرض عن الإنفاق، فإنّ الله غنيّ عنه وعن إنفاقه، محمود في ذاته، لا يضرّه الإعراض عن شكره، ولا ينتفع بالتقرّب إليه بشيء من نعمه. وفيه تهديد وإشعار بأنّ الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق. وقرأ نافع وابن عامر: «فإنّ الله الغنيّ».

( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا

٦٠٥

فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩) )

ثمّ بيّن سبحانه بعث الأنبياء على عباده إرشادا لهم إلى الطاعات البدنيّة، المثمرة للخضوع والخشوع، الزاجرين عن البطر والاختيال، وإلى العبادات الماليّة المنتجة للإحسان على المحتاجين، المانعة عن البخل المذموم عند ربّ العالمين، فقال :

( لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا ) أي: الملائكة إلى الأنبياء، أو الأنبياء إلى الأمم( بِالْبَيِّناتِ ) بالحجج والمعجزات( وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ) المكتوب الّذي يتضمّن الأحكام، وما يحتاج إليه الخلق من الحلال والحرام، كالتوراة والإنجيل والقرآن، ليبيّن الحقّ، ويميّز صواب العمل( وَالْمِيزانَ ) ذا الكفّتين الّذي يوزن به لتسوى به الحقوق، ويقام به العدل، كما قال:( لِيَقُومَ النَّاسُ ) في معاملاتهم( بِالْقِسْطِ ) . وإنزاله إنزال أسبابه، والأمر بإعداده.

٦٠٦

وروي: أنّ جبرئيل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال: مر قومك يزنوا به.

ويجوز أن يراد به العدل لتقام به السياسة، ويدفع به الأعداء، كما قال:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) أي: يمتنع به، ويحارب به في القتال. والمعنى: أنّه يتّخذ منه آلتان: آلة للدفع وآلة للضرب، فإنّ آلات الحروب متّخذة منه.

قيل: نزل آدم من الجنّة ومعه خمسة أشياء من الحديد: السندان، والكلبتان، والميقعة(١) ، والمطرقة(٢) ، والإبرة. وروي: ومعه المرّ(٣) والمسحاة.

وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض: أنزل الحديد، والنار، والماء، والملح».

وعن الحسن:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) : خلقناه، كقوله تعالى:( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ) (٤) . وذلك أنّ أوامره تنزل من السماء.

( وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ) في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم، إذ ما من صنعة إلّا والحديد آلتها، أو ما يعمل بالحديد.

( وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفّار. والعطف على محذوف دلّ عليه ما قبله، فإنّه حال يتضمّن تعليلا. كأنّه قال:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ) ليكون أسلحة للحرب ومنافع للعباد، وليعلم الله نصرة من ينصره ورسله نصرة موجودة، وجهاد من جاهد مع رسوله موجودا. أو اللام صلة لمحذوف، أي: أنزله ليعلم الله من ينصره ورسله.( بِالْغَيْبِ ) حال من المستكن في «ينصره». كما قال ابن عبّاس معناه: ينصرونه ولا يبصرونه. يعني: ينصرونه بالعلم الواقع

__________________

(١) الميقعة: خشبة القصّار ـ أي: محوّر الثياب ومبيّضها ـ يدقّ عليها.

(٢) المطرقة: آلة من حديد ونحوه يضرب بها الحديد ونحوه.

(٣) المر: المسحاة.

(٤) الزمر: ٦.

٦٠٧

بالاستدلال والنظر من غير مشاهدة بالبصر.

( إِنَّ اللهَ قَوِيٌ ) على إهلاك من أراد إهلاكه( عَزِيزٌ ) لا يفتقر إلى نصرة أحد. وإنّما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به، ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.

( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ ) خصّهما بالذكر لفضلهما، ولأنّهما أبوا الأنبياء( وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ) بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب. وعن ابن عبّاس: المراد بالكتاب الخطّ بالقلم. يقال: كتب كتابا وكتابة.( فَمِنْهُمْ ) فمن الذرّيّة. أو من المرسل إليهم، وقد دلّ عليهم «أرسلنا».( مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) خارجون عن الطريق المستقيم. والعدول عن سنن المقابلة للمبالغة في الذمّ، والدلالة على أنّ الغلبة للضلال.

( ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا ) ثمّ أتبعنا بالإرسال على آثار من ذكرناهم من الأنبياء برسل آخرين إلى قوم آخرين( وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) أي: أرسلنا رسولا بعد رسول حتّى انتهى إلى عيسىعليه‌السلام . والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم، أو من عاصرهما من الرسل، لا للذرّيّة، فإنّ الرسل المقفّى بهم من الذرّيّة.

( وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ) في دينه، يعني: الحواريّين وأتباعهم، اتّبعوا عيسى( رَأْفَةً ) هي أشدّ الرقّة والرحمة( وَرَحْمَةً ) وإنّما أضافهما إلى نفسه، لأنّه سبحانه جعلهما في قلوبهم بالأمر بهما، والترغيب فيهما، ووعد الثواب عليهما.

( وَرَهْبانِيَّةً ) انتصابها بفعل مضمر يفسّره ما بعده، تقديره: وابتدعوا رهبانيّة( ابْتَدَعُوها ) وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس، واتّخاذ الصوامع لها في البراري والجبال. منسوبة إلى الرهبان، وهو المبالغ في الخوف، من: رهب، كالخشيان من: خشي. والمعنى: ترهّبهم في الجبال فارّين من الجبابرة أن يفتنوهم في دينهم مخلصين أنفسهم للعبادة، كما سيجيء تفصيله.

٦٠٨

( ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) ما فرضناها عليهم( إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ ) استثناء منقطع، أي: ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، وألزموها على أنفسهم، كما أنّ الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفرض عليه لزمه أن يتمّه.

وقيل: متّصل، و «رهبانيّة» معطوفة على ما قبلها، و «ابتدعوها» صفة لها في محلّ النصب، أي: وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانيّة مبتدعة من عندهم. بمعنى: وفّقناهم للتراحم بينهم، ولابتداع الرهبانيّة واستحداثها، والإتيان بها أولا، لا أنّهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم. ما كتبناها عليهم إلّا ليبتغوا رضوان الله، ويستحقّوا بها الثواب. على أنّه كتبها عليهم وألزمها إيّاهم ليتخلّصوا من الفتن، ويبتغوا بذلك رضا الله تعالى وثوابه.

( فَما رَعَوْها ) فما رعوا جميعا( حَقَّ رِعايَتِها ) كما يجب على الناذر رعاية نذره، لأنّه عهد مع الله لا يحلّ نكثه. وذلك بضمّ التثليث، والقول بالاتّحاد، وقصد السمعة، والكفر بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحوها، إلى الابتداع.

( فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أتوا بالإيمان الصحيح. وهم أهل الرحمة والرأفة الّذين اتّبعوا عيسى، وحافظوا حقوقه، ومن ذلك الإيمان بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مِنْهُمْ ) من المتّسمين باتّباعه( أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ) خارجون عن الاتّباع، غير حافظين على نذرهم.

وعن ابن مسعود قال: «دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال: يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها اثنتان، وهلك سائرهنّ. فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسىعليه‌السلام فقتلوهم. وفرقة لم تكن لهم طاقة لموازاة الملوك، ولا أن يقيموا بين ظهرانيّهم يدعونهم إلى دين الله تعالى ودين عيسىعليه‌السلام ، فساحوا في البلاد وترهّبوا. وهم الّذين قال الله فيهم:( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ) . ثمّ قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها حقّ

٦٠٩

رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون».

وأيضا عن ابن مسعود قال: «كنت رديف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمار، فقال: يا ابن أمّ عبد هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانيّة؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسىعليه‌السلام ، يعملون بمعاصي الله، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرّات، فلم يبق منهم إلّا القليل.

فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا، ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرّق في الأرض إلى أن يبعث الله النبيّ الّذي وعدنا عيسىعليه‌السلام ، يعنون محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فتفرّقوا في غيران(١) الجبال، وأحدثوا رهبانيّة، فمنهم من تمسّك بدينه، ومنهم من كفر. ثمّ تلا هذه الآية:( وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ) إلى آخرها.

ثمّ قال: يا ابن أمّ عبد أَتدري ما رهبانيّة أمّتي؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: الهجرة، والجهاد، والصلاة، والصوم، والحجّ، والعمرة».

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) بتوحيد الله، وصدّقوا موسى وعيسى وسائر الرسل المتقدّمة( اتَّقُوا اللهَ ) فيما نهاكم عنه( وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ ) نصيبين( مِنْ رَحْمَتِهِ ) لإيمانكم بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبمن قبله من الأنبياء. ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق ـ وإن كان منسوخا ـ ببركة الإسلام( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) يريد المذكور في قوله:( يَسْعى نُورُهُمْ ) (٢) . أو الهدى الّذي يسلك به إلى جناب القدس.( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) ما أسلفتم من الكفر والمعاصي( وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

__________________

(١) جمع: غار.

(٢) الحديد: ١٢.

٦١٠

روي عن سعيد بن جبير: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم عليه ودعاه، فاستجاب له وآمن به. فلمّا كان عند انصرافه قال ناس ممّن آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلا: ائذن لنا في الوفادة على رسول الله، فأذن لهم. فقدموا مع جعفر وقد تهيّأ لوقعة أحد، فلمّا رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة استأذنوا رسول الله، وقالوا: يا نبيّ الله إنّ لنا أموالا، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا، فواسينا المسلمين بها، فأذن لهم. فانصرفوا فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين. فأنزل الله فيهم:( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) إلى قوله:( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) (١) .

فلمّا سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله:( يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ ) (٢) فخروا على المسلمين وقالوا: أمّا من آمن منّا بكتابكم وبكتابنا فله أجره مرّتين، وأمّا من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم، فما فضلكم علينا؟ فأنزل الله تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) الآية. فجعل لهم أجرين، وزادهم النور والمغفرة.

ثمّ قال:( لِئَلَّا يَعْلَمَ ) «لا» مزيدة. وعن الفرّاء: إنّما تدخل «لا» صلة في كلّ كلام دخل في أواخره أو أوائله جحد، وإن لم يكن مصرّحا به، نحو قوله:( ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) (٣) .( وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٤) .( وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (٥) .

__________________

(١) القصص: ٥٢ ـ ٥٤.

(٢) القصص: ٥٢ ـ ٥٤.

(٣) الأعراف: ١٢.

(٤) الأنعام: ١٠٩.

(٥) الأنبياء: ٩٥.

٦١١

والمعنى: ليعلم( أَهْلُ الْكِتابِ ) الّذين لم يؤمنوا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ) . «أن» هي المخفّفة. والمعنى: أنّ الشأن لا ينالون شيئا ممّا ذكر من فضله، من الكفلين والنور والمغفرة، ولا يتمكّنون من نيله، لأنّهم لم يؤمنوا برسوله، وهو مشروط بالإيمان به. أو لا يقدرون على شيء من فضله، فضلا عن أن يتصرّفوا في أعظمه، وهو النبوّة، فيخصّوها بمن أرادوا. ويؤيّده قوله:( وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ ) في ملكه وتصرّفه( يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) يتفضّل على من يشاء من عباده المؤمنين.

وقال الكلبي: كان الوافدون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اليمن أربعة وعشرين رجلا، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة، لم يكونوا يهودا ولا نصارى، وكانوا على دين الأنبياء، فأسلموا. فقال لهم أبو جهل: بئس القوم أنتم، والوفد لقومكم. فردّوا عليه:( وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ ) (١) الآية. فجعل الله لهم ولمؤمني أهل الكتاب ـ عبد الله بن سلام وأصحابه ـ أجرين اثنين. فجعلوا يفخرون على أصحاب رسول الله ويقولون: نحن أفضل منكم، لنا أجران، ولكم أجر واحد. فنزلت:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ) إلى قوله:( لِئَلَّا يَعْلَمَ ) إلى آخرها.

وقيل: «لا» غير مزيدة. والمعنى: لئلّا يعتقد أهل الكتاب أنّهم لا يقدرون أن يؤمنوا، لأنّ من لا يعلم أنّه لا يقدر يعلم أنّه يقدر.

وقيل: معناه: لئلّا يعلم اليهود والنصارى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين لا يقدرون على ذلك، بل علموا أنّهم يقدرون عليه، أي: إن آمنتم كما أمركم الله آتاكم الله من فضله، فعلم أهل الكتاب ذلك، ولم يعلموا خلافه. وعلى هذا فالضمير في «يقدرون» ليس لأهل الكتاب.

وقال أبو سعيد السيرافي: معناه: إنّ الله يفعل بكم هذه الأشياء لئلّا يعلم ـ أي: ليتبيّن ـ جهل أهل الكتاب، وأنّهم لا يعلمون أنّ ما يؤتيكم الله من فضله لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم.

__________________

(١) المائدة: ٨٤.

٦١٢

(٥٨)

سورة المجادلة

أبيّ بن كعب، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «ومن قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله يوم القيامة».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) )

٦١٣

ولـمّا ختم الله سبحانه سورة الحديد بذكر فضله على من يشاء من عباده، افتتح هذه السورة بذكر بيان فضله في إجابة دعاء خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة، رآها زوجها ساجدة في صلاتها، وكانت حسنة الجسم عظيمة الأليتين، فلمّا سلّمت راودها فأبت، فغضب، وكان به خفّة ولمم(١) ، فظاهر منها.

وهذا أوّل ظهار في الإسلام، وكان طلاق أهل الجاهليّة. فأتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه، فقالت: إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة، غانية(٢) ، ذات جمال ومال وأهل، حتّى إذا أكل مالي، وأفنى شبابي، وتفرّق أهلي، وخلا سنّي، ونثرت بطني ـ أي: كثر ولدي ـ جعلني عليه كأمّه.

وروي أنّها قالت له: إنّ لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا.

فقال: ما عندي في أمرك شيء.

وروي أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها: حرمت عليه.

فقالت: يا رسول الله، ما ذكر طلاقا، وإنّما هو أبو ولدي، وأحبّ الناس إليّ.

فقال: حرمت عليه.

فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي. كلّما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حرمت عليه، هتفت وشكت إلى الله فقالت: أللّهمّ فأنزل على لسان نبيّك.

فقامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر. فقالت: انظر في أمري جعلني الله فداك يا نبيّ الله.

فقالت عائشة: اقصري حديثك ومجادلتك، أما ترين وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نزل عليه شيء أخذه مثل السبات.

__________________

(١) اللمم: جنون خفيف، أو طرف من الجنون يلمّ بالإنسان.

(٢) الغانية: المرأة الغنيّة بحسنها وجمالها عن الزينة.

٦١٤

فلمّا قضي الوحي قال: ادعي زوجك. فقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ) تراجعك في شأنه سؤالا وجوابا( وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ) وتظهر شكواها وما بها من المكروه، فتقول: أللّهمّ إنّك تعلم حالي فارحمني، فإنّ لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. ومعنى «قد» التوقّع، لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمجادلة كانا يتوقّعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرّج عنها كربها. وأدغم حمزة والكسائي وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر دالها في السين.

( وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ) تراجعكما الكلام. وهو على تغليب الخطاب.( إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) للأقوال والأحوال.

ولـمّا كان الظهار من عادة الجاهليّة، ومن أيمانهم خاصّة دون سائر الأمم، وبّخهم الله تعالى وهجّنهم في ذلك، فقال :

( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ) أي: يقولون لهنّ: أنتنّ كظهور أمّهاتنا. مشتقّ من الظهر. وأصل «يظّهّرون»: يتظهّرون. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: يظّاهرون، من: اظّاهر. وعاصم: يظاهرون، من: ظاهر.( ما هُنَ ) ما الزوجات اللاتي يظاهرونهنّ( أُمَّهاتِهِمْ ) على الحقيقة، فإنّ إلحاق الزوجة بالأمّ، وجعلها مثلها بقول: أنت عليّ كظهر أمّي، تشبيه باطل، لتباين الحالين.

( إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ) فلا تشبّه بهنّ في الحرمة إلّا من ألحقها الله بهنّ كالمرضعات، لأنّهنّ لـمّا أرضعن دخلن بالرضاع في حكم الأمّهات شرعا، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». وكذلك أزواج الرسول، لأنّ الله تعالى حرّم نكاحهنّ على الأمّة، فدخلن بذلك في حكم الأمّهات، بخلاف الزوجات، فإنّهنّ أبعد شيء من الأمومة، لأنّهنّ لسن بأمّهات حقيقة، ولا بداخلات

٦١٥

في حكم الأمّهات. فكان قول المظاهر منكرا، كما قال عزّ اسمه:( وَإِنَّهُمْ ) أي: المظاهرين( لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ ) إذ الشرع أنكره( وَزُوراً ) وكذبا منحرفا عن الحقّ. وعن عاصم: أمّهاتهم بالرفع، على اللغة الحجازيّة والتميميّة.( وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) لـما سلف منه مطلقا، أو إذا تيب عنه.

وهل يقع الظهار لو شبّهها بغير الظهر، كالبطن والفخذ وغير ذلك من الأعضاء؟ الأقوى عندنا عدم الوقوع. وكذا لو شبّه عضوا من زوجته بظهر أمّه، الأقرب عدم الوقوع أيضا، اقتصارا على منطوق النصّ، وجمودا في التحريم على ما أبلغ عليه. قال الفقهاء: إذا شبّهها بجزء يحرم النظر إليه ـ كالبطن والفخذ ـ وقع.

والآية تدلّ على أنّ الظهار حرام، لوصفه بالمنكر. نعم، لا عقاب فيه، لتعقيبه بذكر المغفرة والرحمة. وهو ملحق بالصغائر الّتي تقع مكفّرة.

ثمّ بيّن حكم الظهار، فقال:( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) يتداركون ما قالوا، لأنّ المتدارك للأمر عائد إليه. وقال الفرّاء: يعودون لـما قالوا، وإلى ما قالوا، وفيما قالوا. معناه: يرجعون عمّا قالوا. يقال: عاد لـما فعل، أي: نقض ما فعل. ومنه المثل: عاد الغيث على ما أفسد، أي: تداركه بالإصلاح. وذلك عندنا وعند مالك بإرادة الوطء. وإضمار الإرادة في العود كإضمارها في قوله:( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ) (١) . وعند الشافعي بإمساك المظاهر عنها في النكاح زمانا يمكنه مفارقتها فيه. وعند أبي حنيفة باستباحة استمتاعها ولو بنظرة شهوة.

( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) أي: فعليهم، أو فالواجب إعتاق رقبة. والفاء للسببيّة. ومن فوائدها الدلالة على تكرّر وجوب التحرير بتكرّر الظهار. والرقبة مقيّدة بالأيمان عندنا وعند الشافعي.

__________________

(١) النحل: ٩٨.

٦١٦

( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) أن يجامعها، لشهرة المسيس بمعنى الجماع في الكتاب والسنّة. وعند الشافعي: من قبل أن يستمتع كلّ من المظاهر والمظاهر عنها بالآخر، لعموم اللفظ. وفيه دليل على حرمة ذلك قبل التكفير.

( ذلِكُمْ ) أي: ذلكم الحكم بالكفّارة( تُوعَظُونَ بِهِ ) لأنّه يدلّ على ارتكاب الجناية الموجبة للغرامة الرادعة عنها، فيجب أن تتّعظوا بهذا الحكم لتنزجروا عن أن تعودوا إلى الظهار( وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) لا تخفى عليه خافية.

( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) أي: الرقبة( فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) فإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف. وإن أفطر لعذر بنى. وعند أصحابنا أنّه إذا اصام شهرا، ومن الثاني شيئا ولو يوما واحدا، ثمّ أفطر لغير عذر صحّ، ولا يلزمه الاستئناف. وإن أفطر قبل ذلك استأنف. ومتى بدأ بالصوم وصام بعض ذلك، ثمّ وجد الرقبة، لا يلزمه الرجوع إليها. وإن رجع كان أفضل. وعند جماعة يلزمه الرجوع إلى العتق.

( فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) أي: الصوم، لهرم أو لعلّة( فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) لكلّ مسكين نصف صاع عند أصحابنا، فإن لم يقدر فمدّ. وإنّما لم يذكر التماسّ مع الطعام اكتفاء بذكره مع الآخرين.

( ذلِكَ ) أي: ذلك البيان، أو التعليم للأحكام. ومحلّه النصب بفعل معلّل بقوله:( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) أي: فرض ذلك لتصدّقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه، ورفض ما كنتم عليه في جاهليّتكم.

( وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ ) لا يجوز تعدّيها( وَلِلْكافِرِينَ ) الّذين لا يقبلونها( عَذابٌ أَلِيمٌ ) وهو نظير قوله:( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) (١) .

روي: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول آيات الظهار خيّر الأوس بين الطلاق والإمساك.

__________________

(١) آل عمران: ٩٧.

٦١٧

فاختار الإمساك. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: كفّر بعتق رقبة.

فقال: مالي غيرها. وأشار إلى رقبته.

فقال: صم شهرين متتابعين.

فقال: لا طاقة لي بذلك.

فقال: أطعم ستّين مسكينا.

فقال: والله ما بين لابتيها أشدّ مسكنة منّي. فأمر له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشيء من مال الصدقة، وأمره أن يطعمه عن كفّارته. فشكا خصاصة حاله، وأنّه أشدّ فاقة وضرورة ممّن أمر بدفعه إليهم. فضحك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّم وأمره بالاستغفار، وأباح له العود إليها.

وفيها دلالة على أنّه مع العجز عن الكفّارة يستغفر الله ويعود. ويؤيّده رواية إسحاق بن عمّار موثّقا عن الصادقعليه‌السلام : «أنّ الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفّارة فيستغفر ربّه».

وبواقي أحكام الظهار والشرائط المعتبرة فيه مذكورة في كتب الأصحاب، فليطالع ثمّة.

( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) )

( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) يعادونهما، فإنّ كلّا من المتعاديين في حدّ غير حدّ الآخر. أو يضعون، أو يختارون حدودا غير حدودهما.( كُبِتُوا ) أخزوا وأهلكوا. وأصل الكبت الكبّ.( كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) يعني: كفّار الأمم

٦١٨

الماضية. قيل: أريد كبتهم يوم الخندق.( وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ ) تدلّ على صدق الرسول وصحّة ما جاء به( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) يذهب عزّهم وتكبّرهم.

( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ ) منصوب بـ «مهين». أو بإضمار: اذكر، تعظيما لليوم.

( جَمِيعاً ) كلّهم لا يدع أحدا غير مبعوث. أو مجتمعين في حال واحدة.

( فَيُنَبِّئُهُمْ ) الله، أي: يخبرهم( بِما عَمِلُوا ) على رؤوس الأشهاد، تشهيرا لحالهم، وتقريرا لعذابهم، وتوبيخا لهم( أَحْصاهُ اللهُ ) أحاط به عددا، لم يغب منه شيء( وَنَسُوهُ ) لكثرته، أو تهاونهم به( وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) لا يغيب عنه شيء.

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) )

ثمّ بيّن سبحانه أنّه يعلم ما يكون في العالم فقال:( أَلَمْ تَرَ ) الخطاب للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد جميع المكلّفين( أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) كلّا وجزءا( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ ) من «كان» التامّة. وتذكير الفعل على أنّ النجوى تأنيثها غير حقيقيّ، و «من» فاصلة. أو على أنّ المعنى: ما يقع شيء من النجوى. والنجوى: التناجي. فلا تخلو: إمّا أن تكون مضافة إلى ثلاثة، أي: من نجوى ثلاثة نفر، أو موصوفة بها على حذف المضاف، أي: من أهل نجوى ثلاثة، أو جعلوا نجوى في أنفسهم مبالغة، كقوله تعالى:( خَلَصُوا نَجِيًّا ) (١) . واشتقاقها من

__________________

(١) يوسف: ٨٠.

٦١٩

النجوة، وهي ما ارتفع من الأرض، فإنّ السرّ أمر مرفوع إلى الذهن، لا يتيسّر لكلّ أحد أن يطّلع عليه.

( إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ) إلّا الله يجعلهم أربعة، من حيث إنّه يشاركهم في الاطّلاع.

والاستثناء من أعمّ الأحوال.( وَلا خَمْسَةٍ ) ولا نجوى خمسة( إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ) .

وتخصيص هذين العددين إمّا لخصوص الواقعة، فإنّ الآية نزلت في تناجي قوم من المنافقين مغايظة للمؤمنين على هذين العددين: ثلاثة وخمسة. وروي عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن اميّة، كانوا يوما يتحدّثون، فقال أحدهم: أَترى أنّ الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر: يعلم بعضا، ولا يعلم بعضا. وقال الثالث: إن كان يعلم بعضا فهو يعلم كلّه.

أو لأنّ الله وتر يحبّ الوتر، والثلاثة أوّل الأوتار. أو لأنّ التشاور لا بدّ له من اثنين يكونان كالمتنازعين، وثالث يتوسّط بينهما، إلى خمسة إلى ستّة، ولا يتجاوزون عن الستّة غالبا عرفا عندهم.

( وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ ) ولا أقلّ ممّا ذكر، كالواحد والاثنين( وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ) ومعنى كونه معهم: أنّه يعلم ما يجري بينهم من التناجي، ولا يخفى عليه ما هم فيه، فكأنّه مشاهدهم ومحاضرهم، وقد تعالى عن المكان. وقرأ يعقوب: ولا أكثر بالرفع، عطفا على محلّ «من نجوى»، أو محلّ «ولا أدنى»، بأن جعلت «لا» لنفي الجنس.( أَيْنَ ما كانُوا ) فإنّ علمه بالأشياء ليس لقرب مكاني حتّى يتفاوت باختلاف الأمكنة.

( ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ) تفضيحا لهم، وتقريرا لـما يستحقّونه من الجزاء( إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) لأنّ نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكلّ على سواء.

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ

٦٢٠