زبدة التفاسير الجزء ٧

زبدة التفاسير0%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579

زبدة التفاسير

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579
المشاهدات: 41840
تحميل: 1930


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41840 / تحميل: 1930
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء 7

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: 964-7777-09-4
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رمضان، كان يسمّى على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرزوق»(١) .

وفي رواية عبد الله بن بكير عن زرارة عن أحدهما قال: «سألته عن الليالي الّتي يستحبّ فيها الغسل في شهر رمضان. قال: ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وهي ليلة الجهني. وحديثه: أنّه قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ منزلي ناء عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين».

قال الشيخ أبو جعفررحمه‌الله (٢) : واسم الجهني عبد الله بن أنيس الأنصاري.

وقيل: إنّها ليلة سبع وعشرين. عن أبيّ بن كعب وعائشة.

وروي عن ابن عبّاس وابن عمر قالا: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تحرّوها ليلة سبع وعشرين.

وعن زرّ بن حبيش قال: قلت لأبي: يا أبا المنذر من أين علمت أنّها ليلة سبع وعشرين؟ قال: بالآية الّتي أنبأنا بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: تطلع الشمس غداتئذ، كأنّها طست ليس لها شعاع.

وقال بعضهم: إنّ الله قسّم كلمات هذه السورة على ليالي شهر رمضان، فلمّا بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال: هي.

وقيل: إنّها ليلة تسع وعشرين. وروي عن أبي بكر قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «التمسوها في العشر الأواخر، في تسع بقين، أو سبع بقين، أو خمس بقين، أو ثلاث بقين، أو آخر ليلة».

والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة، ويحيوا جميع ليالي رمضان طمعا في إدراكها، كما أنّ الله سبحانه أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم في الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.

وورد في فضل هذه الليلة روايات كثيرة. منها: ما روي عن ابن عبّاس، عن

__________________

(١) الفقيه ٢: ١٠٢ ح ٤٥٩.

(٢) الفقيه ٢: ١٠٤ ذيل ح ٤٦١.

٤٨١

النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: «إذا كان ليلة القدر تنزّل الملائكة الّذين هم سكّان سدرة المنتهى، ومنهم جبرئيل. فينزل جبرئيل ومعه ألوية، ينصب لواء منها على قبري، ولواء على بيت المقدس، ولواء في المسجد الحرام، ولواء على طور سيناء. ولا يدع فيها مؤمنا ولا مؤمنة إلّا سلّم عليه، إلّا مدمن الخمر، وآكل لحم الخنزير، والمتضمّخ(١) بالزعفران».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه».

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «إنّ الشيطان لا يخرج في هذه الليلة حتّى يضيء فجرها، ولا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيه سحر ساحر».

وروى الحسن عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في ليلة القدر: «إنّها ليلة سمحة، لا حارّة ولا باردة، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع».

( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها ) وهو جبرئيل. أفرد بالذكر لمزيّة شرفه وفضله بينهم. وقيل: خلق من الملائكة لا تراهم الملائكة إلّا تلك الليلة.( بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ) إلى الأرض، أو إلى السماء الدنيا( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) من أجل كلّ أمر قدّر في تلك الليلة من المصالح الدينيّة والدنيويّة.

( سَلامٌ هِيَ ) ما هي إلّا سلامة، أي: لا يقدّر الله فيها إلّا السلامة والخير، ويقضي في غيرها السلامة والبلاء. أو ما هي إلّا سلام، لكثرة ما يسلّمون فيها على المؤمنين، لـما روي: «أنّه لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلّا سلّموا عليه في تلك الليلة».

( حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) أي: وقت مطلعه، أي: طلوعه. وقرأ الكسائي بالكسر، على أنّه كالمرجع، أو اسم زمان على غير قياس، كالمشرق.

__________________

(١) تضمّخ بالطيب: تلطّخ به.

٤٨٢

(٩٨)

سورة البيّنة

وتسمّى سورة البريّة، وسورة القيامة. مختلف فيها. وهي ثمان آيات.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأها كان يوم القيامة مع خير البريّة مسافرا ومقيما».

وعن أبي الدرداء قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو يعلم الناس ما في( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها. فقال رجل من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول الله؟ فقال: لا يقرؤها منافق أبدا، ولا عبد في قلبه شكّ في اللهعزوجل .

والله إنّ الملائكة المقرّبين ليقرؤنها منذ خلق الله السماوات والأرض، لا يفترون عن قراءتها. وما من عبد يقرؤها بليل إلّا بعث الله ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه، ويدعون له بالمغفرة والرحمة. فإن قرأها نهارا، أعطي عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار، وأظلم عليه الليل».

فقال رجل من قيس غيلان: زدنا يا رسول الله من هذا الحديث، فداك أبي وأمّي.

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعلّموا( عَمَّ يَتَساءَلُونَ ) . وتعلّموا( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ) . وتعلّموا( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) . وتعلّموا( وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ ) . فإنّكم لو تعلمون ما فيهنّ لعطّلتم ما أنتم فيه وتعلّمتموهنّ، وتقرّبتم إلى الله بهنّ، فإنّ الله يغفر بهنّ كلّ ذنب إلّا الشرك بالله. واعلموا أنّ( تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) تجادل عن صاحبها يوم القيامة ،

٤٨٣

وتستغفر له من الذنوب».

أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «من قرأ سورة «لم يكن» كان بريئا من الشرك، وأدخل في دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعثه الله تعالى مؤمنا، وحاسبه حسابا يسيرا».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) )

وروي: أنّ الكفّار من أهل الكتاب وعبدة الأصنام كانوا يقولون قبل مبعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ننفكّ ممّا نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتّى يبعث النبيّ الموعود الّذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل والزبور، وهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلمّا بيّن سبحانه في سورة القدر أنّ القرآن حجّة، حكى الله في هذه السورة ما كانوا يقولون حجّة عليهم، وتوبيخا وإلزاما لهم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ) اليهود والنصارى، فإنّهم كفروا بالإلحاد في صفات الله تعالى. و «من» للتبيين.

٤٨٤

( وَالْمُشْرِكِينَ ) وعبدة الأصنام( مُنْفَكِّينَ ) عمّا كانوا عليه من دينهم. أو الوعد باتّباع الحقّ إذا جاءهم الرسول. ومعنى انفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامه به، كالعظم إذا انفكّ من مفصله. والمعنى: أنّهم متشبّثون بدينهم لا يتركونه( حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) إلّا عند مجيء المبيّن للحقّ. والتاء للمبالغة. أو مجيء المعجزة البيّنة، وهي القرآن الّذي هو المعجزة.

وقوله:( رَسُولٌ مِنَ اللهِ ) بدل من البيّنة بنفسه أو بتقدير مضاف، وهو الوحي، وتقديره: وحي رسول من الله. أو مبتدأ( يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً ) خبره.

وعلى البدليّة صفته. والرسول وإن كان أمّيّا، لكنّه لـمّا تلا مثل المسطور في الصحف كان كالتالي لها. وقيل: المراد جبرئيل، فإنّه التالي للصحف المطهّرة المنتسخة في اللوح. وكون الصحف مطهّرة أنّ الباطل لا يأتيها، أو أنّها لا يمسّها إلّا المطهّرون.

( فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) مكتوبات مستقيمة ناطقة بالحقّ.

( وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) عمّا كانوا عليه، بأن تفرّقوا فرقا مختلفة: كافرة، ومؤمنة، ومتردّدة بين الكفر والإيمان( إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) إلّا وقت مجيء البيّنة. فتفرّقوا، فمنهم من آمن، ومنهم من أنكر، ومنهم من عرف وعاند وأصرّ على الكفر، ومنهم من تردّد في دينه. والمعنى: وما تفرّقوا عن الحقّ إلّا بعد مجيئه، فنقضوا ما يعدّون من اجتماع الكلمة والاتّفاق على الحقّ إذا جاءهم الرسول. فيكون كقوله:( وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ) (١) . وإفراد أهل الكتاب بعد الجمع بينهم وبين المشركين للدلالة على شناعة حالهم، وأنّهم لـمّا تفرّقوا مع علمهم كان غيرهم أولى بذلك.

( وَما أُمِرُوا ) أي: في كتبهم بما فيها( إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ ) أي: إلّا لأجل أن يعبدوا الله( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) لا يشركون به( حُنَفاءَ ) مائلين عن العقائد الزائغة

__________________

(١) البقرة: ٨٩.

٤٨٥

( وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ) على طريقة الإسلام( وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ ) على وجه تعيّن في الإسلام( وَذلِكَ ) الّذي تقدّم ذكره( دِينُ الْقَيِّمَةِ ) دين الملّة القيامة.

دلّت هذه الآية على بطلان مذهب أهل الجبر، لأنّ فيها تصريحا بأنّه سبحانه إنّما خلق الخلق ليعبدوه مخلصا عن الشرك. وعلى وجوب النيّة في الطهارة، إذ أمر الله بالعبادة على وجه الإخلاص، ولا يمكن الإخلاص إلّا بالنيّة والقربة. والطهارة عبادة، فلا تجزي بغير نيّة، خلافا لبعض العامّة.

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨) )

ثمّ ذكر سبحانه حال الفريقين بقوله:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ) أي: يوم القيامة، أو في الحال، لملابستهم ما يوجب ذلك. واشتراك الفريقين في جنس العذاب لا يوجب اشتراكهما في نوعه، فيمكن أن يختلف، لتفاوت كفرهما.( أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) الخليقة. وقرأ نافع: البريئة بالهمزة، على الأصل.

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ) فيها مبالغات: تقديم المدح، وذكر الجزاء المؤذن بأنّ ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به، والحكم عليه بأنّه من «عند ربّهم»، وجمع جنّات، وتقييدها إضافة ووصفا بما يزداد لها نعيما، وتأكيد

٤٨٦

الخلود بالتأبيد.

( رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ) بما قدّموا من الطاعات المخلصة. استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم.( وَرَضُوا عَنْهُ ) لأنّه بلّغهم أقصى أمانيّهم( ذلِكَ ) أي: المذكور من الجزاء والرضوان( لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) فإنّ الخشية ملاك الأمر، والباعث على كلّ خير.

وفي كتاب شواهد التنزيل للحاكم أبي القاسم الحسكانيرحمه‌الله قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالإسناد المرفوع إلى يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليّعليه‌السلام ، قال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: «قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا مسنده إلى صدري، فقال: يا عليّ ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) هم أنت وشيعتك. وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب تدعون غرّا محجّلين».(١)

وفيه عن مقاتل بن سليمان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس: في قوله:( أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال: نزلت في عليّ وأهل بيتهعليهم‌السلام .(٢)

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢: ٤٥٩ ح ١١٢٥.

(٢) شواهد التنزيل ٢: ٤٧٣ ح ١١٤٦.

٤٨٧
٤٨٨

(٩٩)

سورة الزلزال

مدنيّة. وهي ثمان آيات.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأها فكأنّما قرأ البقرة، وأعطي من الأجر كمن قرأ ربع القرآن».

وعن أنس بن مالك: «سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا من أصحابه فقال: يا فلان هل تزوّجت؟ قال: لا، وليس عندي ما أتزوّج به. قال: أليس معك( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ؟

قال: بلى. قال: ربع القرآن. قال: أليس معك( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ؟ قال: بلى.

قال: ربع القرآن. قال: أليس معك( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ) ؟ قال: بلى. قال: ربع القرن.

ثمّ قال: تزوّج تزوّج تزوّج».

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «لا تملّوا من قراءة إذا زلزلت، فإنّ من كانت قراءته في نوافله لم يصبه الله بزلزلة أبدا، ولم يمت بها ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدنيا، فإذا مات أمر به إلى الجنّة، فيقول الله سبحانه: عبدي أبحتك جنّتي، فاسكن منها حيث شئت وهويت، لا ممنوع ولا مدفوع عنه».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ

٤٨٩

الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨) )

ولـمّا ختم سبحانه سورة البيّنة ببيان حال المؤمنين والكافرين، افتتح هذه السورة ببيان وقت ذلك، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ) إضافة الزلزال إلى الأرض لإفادة أنّ المراد زلزالها الّذي تستوجبه في حكمة الله ومشيئته، وهو الزلزال الشديد الّذي ليس بعده. ونحوه: قولك: أكرم التقيّ إكرامه، وأهن الفاسق إهانته.

تريد: ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة. أو زلزالها كلّه، وجميع ما هو ممكن منه، بخلاف الزلازل المعهودة الّتي تختصّ ببعض الأرض. فتكون الإضافة للتنبيه على شدّتها. وذلك عند النفخة الأولى أو الثانية.

( وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) ما في جوفها من الدفائن أو الأموات. جمع ثقل، وهو متاع البيت.

( وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ) أي: ما للأرض زلزلت هذه الزلزلة الشديدة، ولفظت ما في بطنها من الدفائن والأموات أحياء؟! فيقولون ذلك لـما يبهرهم من الأمر الفظيع، كما يقولون:( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا ) (١) . وقيل: هذا قول الكافر، لأنّه كان لا يؤمن بالبعث، فأمّا المؤمن فيقول:( هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (٢) .

( يَوْمَئِذٍ ) منصوب بمثل: اذكر. أو بدل من «إذا»، وناصبها قوله:( تُحَدِّثُ

__________________

(١) يس: ٥٢.

(٢) يس: ٥٢.

٤٩٠

أَخْبارَها ) أي: تحدّث الخلق أخبارها. فحذف المفعول الأوّل، لأنّ المقصود ذكر تحديثها الأخبار، لا ذكر الخلق، تعظيما لليوم. وتحديث الأرض مجاز عن إحداث الله فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث باللسان، حتّى ينظر من يقول: ما لها؟ إلى تلك الأحوال، فيعلم لم زلزلت؟ ولم لفظت الأموات؟ وأنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويحذّرون منه.

وقيل: ينطقها الله على الحقيقة، وتخبر بما عمل عليها من خير وشرّ، كما في الحديث أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أخبارها أن تشهد على كلّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، وتقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا. فهذا أخبارها».

وعلى هذا ؛ يجوز أن يكون الله تعالى أحدث الكلام فيها.

( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ) أي: تحدّث بسبب إيحاء ربّك لها، بأن أحدث فيها ما دلّت على الأخبار، أو أنطقها بها. ويجوز أن يكون بدلا من «أخبارها» إذ يقال: حدّثته كذا وبكذا. واللام بمعنى «إلى»، أو على أصلها، إذ لها في ذلك تشفّ من العصاة. وعن أبي سعيد الخدري: إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالأذان، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «لا يسمعه جنّ ولا إنس ولا حجر إلّا يشهد له».

( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ ) من مخارجهم، من القبور إلى الموقف( أَشْتاتاً ) متفرّقين بحسب مراتبهم، بيض الوجوه آمنين، وسود الوجوه فزعين. أو يصدرون عن الموقف أشتاتا، يتفرّق بهم طريقا الجنّة والنار.( لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ ) جزاء أعمالهم.

ثمّ فصّل إراءة الأعمال بقوله:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) أي: ير ما يستحقّ عليه من الثواب.

( وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) وقرأ هشام بإسكان الهاء. و «من» الأولى

٤٩١

مخصوصة بالسعداء، والثانية بالأشقياء، لقوله: «أشتاتا». والذرّة: النملة الصغيرة، أو الهباء(١) .

ويمكن أن يستدلّ بها على بطلان الإحباط، لأنّ الظاهر يدلّ على أنّه لا يفعل أحد شيئا من طاعة الله أو معصيته إلّا ويجازى عليها، وما يقع محبطا لا يجازى عليه. وليس لهم أن يقولوا: إنّ الظاهر بخلاف ما تذهبون إليه في جواز العفو عن مرتكب الكبيرة. وذلك لأنّ الآية مخصوصة بالإجماع، فإنّ التائب معفوّ عنه بلا خلاف. وعندهم أنّ من شرط المعصية الّتي يؤاخذ بها أن لا تكون صغيرة، فجاز لنا أيضا أن نشترط فيها أن لا تكون ممّا يعفو الله عنه.

__________________

(١) الهباء: الغبار، دقائق التراب منثورة على وجه الأرض.

٤٩٢

(١٠٠)

سورة العاديات

مدنيّة. وقيل: مكّيّة. وهي إحدى عشرة آية بالإجماع.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من قرأها اعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعا».

سليمان بن خالد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من قرأ والعاديات وأدمن قراءتها، بعثه الله مع أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم القيامة خاصّة، وكان في حجره ورفقائه».

واعلم أنّ هذه السورة اتّصلت بما قبلها، لـما فيها من ذكر القيامة والجزاء، اتّصال النظير بالنظير.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا

٤٩٣

يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١) )

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحا. وهو صوت أنفاسها وأجوافها عند العدو. ونصبه بفعله المحذوف، أي: يضبحن أو تضبح ضبحا. أو بالعاديات، لأنّها تدلّ بالالتزام على الضابحات. أو حال بمعنى: ضابحات.

( فَالْمُورِياتِ ) فالّتي توري النار، أي: تنقدح من حوافرها( قَدْحاً ) قدحن قدحا. أو قادحات صاكّات بحوافرها الحجارة، فإنّ الإيراء إخراج النّار. والقدح: الصكّ. يقال: قدح الزند فأورى. وانتصب «قدحا» بما انتصب به «ضبحا».

( فَالْمُغِيراتِ ) يغير أهلها على العدو( صُبْحاً ) أي: وقته ذكر الصبح، لأنّهم كانوا يسيرون إلى العدوّ ليلا، فيأتونهم صبحا.

( فَأَثَرْنَ بِهِ ) عطف على الفعل الّذي وضع اسم الفاعل موضعه، لأنّ المعنى: واللاتي عدون، فأورين، فأغرن، فأثرن به، أي: فهيّجن بذلك الوقت، أي: وقت العدو( نَقْعاً ) غبارا.

( فَوَسَطْنَ بِهِ ) فتوسّطن بذلك الوقت، أو بالعدو، أو بالنقع، أي: ملتبسات به. يقال: وسطه بمعنى: توسّطه.( جَمْعاً ) من جموع الأعداء.

عن مقاتل: بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريّة إلى حيّ من كنانة، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد النقباء، فتأخّر رجوعهم، فقال المنافقون: قتلوا جميعا، فأخبر الله تعالى عنها بقوله:( وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ) .

وقيل: نزلت السورة لـمّا بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاعليه‌السلام إلى ذات السلاسل، فأوقع بهم. وذلك بعد أن بعث إليهم مرارا غيره من الصحابة، فرجع كلّ منهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٤٩٤

وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في حديث طويل، قال: «وسمّيت هذه الغزوة ذات السلاسل، لأنّه أسر منهم وقتل وسبى، وشدّ أسراهم في الحبال مكتّفين كأنّهم في السلاسل. ولـمّا نزلت السورة خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الناس فصلّى بهم الغداة، وقرأ فيها والعاديات، فلمّا فرغ من صلاته قال أصحابه: هذه سورة لم نعرفها. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم، إنّ عليّا قد ظفر بأعداء الله، وبشّرني بذلك جبرئيل في هذه الليلة. فقدم عليّعليه‌السلام بعد أيّام بالأسارى والغنائم».

وفي رواية عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: بينما أنا في الحجرة جالس إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا، فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثمّ تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم ويورون نارهم. فانفتل(١) عنّي وذهب إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا.

فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عبّاس، فقال: إنّها الخيل حين تغير في سبيل الله. قال: اذهب فادعه لي. فلمّا وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر، وما كان معنا إلّا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات الخيل؟ بل( الْعادِياتِ ضَبْحاً ) الإبل، من عرفة إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى. قال ابن عبّاس: فرغبت عن قولي، ورجعت إلى الّذي قاله عليّعليه‌السلام .

وعلى هذا ؛ فالمراد بالضبح الضبع. قال في الصحاح: «عن أبي عبيدة: ضبحت الخيل ضبحا، مثل: ضبعت، وهو السير»(٢) . ثمّ قال: «ضبعت الإبل تضبع ضبعا، إذا مدّت أضباعها في سيرها، وهي أعضادها. والناقة ضابع. والضبع: أن يهوي بحافره إلى عضده»(٣) .

والمراد بالموريات أنّ أصحابها يورون نارهم في عرفة وجمع ومنى.

__________________

(١) أي: انصرف. من: فتل وجهه عنهم، أي: صرفه.

(٢) الصحاح ١: ٣٨٥، و٣: ١٢٤٧.

(٣) الصحاح ١: ٣٨٥، و٣: ١٢٤٧.

٤٩٥

وقال عكرمة: هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلّم به.

وعن محمد بن كعب: هي النيران بجمع. وعنه أيضا: يريد بقوله:( فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً ) الإبل ترتفع بركبانها يوم النحر من جمع إلى منى. والسنّة أن لا ترتفع بركبانها حتّى تصيح. والإغارة سرعة السير. ومنه قولهم: أشرق(١) ثبير كيما نغير. وعنه أيضا المراد بقوله:( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ) يريد جمع منى.

والتفسير الأوّل قول أكثر المفسّرين. ويحتمل أن يكون القسم بالنفوس العادية أثر كمالهنّ، الموريات بأفكارهنّ أنوار المعارف، والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهنّ مثل أنوار القدس، فأثرن به شوقا، فوسطن به جمعا من جموع العلّيّين.

وعلى التقادير جواب القسم( إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) لكفور. من: كند النعمة كنودا. ومنه سمّي كندة، لأنّه كند أباه ففارقه. أو لعاص، بلغة كندة. أو لبخيل، بلغة بني مالك.

( وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ ) إنّ الإنسان على كنوده( لَشَهِيدٌ ) يشهد على نفسه، ولا يقدر أن يجحده، لظهور أمره عليه. وقيل: إنّ الله على كنوده لشهيد. فيكون وعيدا.

( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ ) لأجل حبّ المال، من قوله:( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) (٢) .( لَشَدِيدٌ ) لبخيل. يقال: فلان شديد ومتشدّد. أو لقويّ مبالغ فيه.

( أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ) بعث( ما فِي الْقُبُورِ ) من الموتى( وَحُصِّلَ ) جمع محصّلا في الصحف، أو ميّز( ما فِي الصُّدُورِ ) من خير أو شرّ. وتخصيصه لأنّه الأصل.( إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ ) وهو يوم القيامة( لَخَبِيرٌ ) عالم بما أعلنوا وما أسرّوا، فيجازيهم عليه. وإنّما قال «ما» ثمّ «بهم» لاختلاف شأنهم في الحالين.

__________________

(١) تبير: جبل بمكّة. والمعنى: ليشرق شعاع الشمس على ثبير حتّى نغير على الأعداء.

(٢) البقرة: ١٨٠.

٤٩٦

(١٠١)

سورة القارعة

مكّيّة. وهي إحدى عشرة آية.

أبيّ بن كعب عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «ومن قرأها ثقّل الله بها ميزانه يوم القيامة».

عمرو بن ثابت عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «من قرأ القارعة آمنه الله من فتنة الدجّال أن يؤمن به، ومن قيح جهنّم يوم القيامة».

واعلم أنّ هذه السورة اتّصلت بما قبلها اتّصال النظير بالنظير، لأنّ كلتيهما في ذكر القيامة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١) )

٤٩٧

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْقارِعَةُ ) اسم من أسماء القيامة، لأنّها تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء الله بالعذاب.

ثمّ عظّم شأنها وهوّل أمرها بقوله:( مَا الْقارِعَةُ ) أيّ شيء القارعة( وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ) أي: لا تعلم حقيقة أمرها وكنه وصفها على التفصيل، وإنّما تعلمها على الإجمال. وقد سبق مزيد البحث فيها في الحاقّة(١) .

ثمّ بيّن سبحانه أنّها متى تكون، فقال:( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ ) نصب بمضمر دلّت عليه القارعة، أي: تقرع يوم يكون الناس( كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ) في كثرتهم وذلّتهم وحقارتهم وانتشارهم واضطرابهم، لفزعهم عند البعث، فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة. وهذا مثل قوله:( كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ) (٢) . وسمّي الفراش فراشا لتفرّشه وانتشاره على أنحاء مختلفة.

( وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ) كالصوف المصبغ ألوانا، لأنّها ألوان( الْمَنْفُوشِ ) المندوف، لتفرّق أجزائها وتطايرها في الجوّ.

( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ) بأن ترجّحت مقادير أنواع حسناته. جمع موزون، وهو العمل الّذي له وزن وخطر عند الله. أو جمع ميزان. وثقلها: رجحانها.( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) ذات رضا، أي: مرضيّة.

( وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) بأن لم يكن له حسنة يعبأ بها، أو ترجّحت سيّئاته على حسناته. والقول في تحقيق الوزن والميزان والاختلاف في ذلك قد مرّ في الأعراف(٣) .( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) فمأواه النار. وهي مأخوذة من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة: هوت أمّه، لأنّه إذا هوى ـ أي: سقط وهلك ـ فقد هوت أمّه ثكلا

__________________

(١) راجع ص ١٥٨.

(٢) القمر: ٧.

(٣) راجع ج ٢ ص ٤٩٦، ذيل الآية ٩ من سورة الأعراف.

٤٩٨

وحزنا. فكأنّه قيل: وأمّا من خفّت موازينه فقد هلك.

وقيل: هي من أسماء طبقة النار العميقة، لهويّ أهل النار فيها مهوى بعيدا، كما روي: «يهوى فيها سبعين خريفا» أي: فمأواه النار البعيدة العمق جدّا. وقيل للمأوى أمّ على التشبيه، لأنّ الأمّ مأوى الولد ومفزعه.

وعن قتادة:( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) فأمّ رأسه هاوية في قعر جهنّم، لأنّه يطرح فيها منكوسا.

ثمّ قال تفخيما لأمرها:( وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ ) الضمير للهاوية. والهاء للسكت.

وقد أجيز إثباتها مع الوصل، لأنّها ثابتة في المصحف. وقرأ حمزة بغير الهاء حين الوصل.( نارٌ حامِيَةٌ ) ذات حمى شديدة الحرارة.

٤٩٩
٥٠٠