زبدة التفاسير الجزء ٧

زبدة التفاسير0%

زبدة التفاسير مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: تفسير القرآن
ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579

زبدة التفاسير

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: ISBN: 964-7777-09-4
الصفحات: 579
المشاهدات: 41838
تحميل: 1929


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 579 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41838 / تحميل: 1929
الحجم الحجم الحجم
زبدة التفاسير

زبدة التفاسير الجزء 7

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
ISBN: 964-7777-09-4
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أو من السجلّ. ومعناه: من جملة العذاب المكتوب المدوّن. كأنّه علم للديوان الّذي كتب فيه عذاب الكفّار، كما أنّ سجّينا علم لديوان أعمالهم.

( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) كورق زرع وقع فيه الأكال، وهو أن يأكله الدود. أو كتبن أكلته الدوابّ وراثته(١) . أو أكل حبّه فبقي صفرا منه.

__________________

(١) راث الفرس: مثل: تغوّط الرجل.

٥٢١
٥٢٢

(١٠٦)

سورة قريش

مكّيّة. وهي أربع آيات.

وفي حديث أبيّ: «من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من طاف بالكعبة واعتكف بها».

وروى العيّاشي بإسناده عن المفضّل بن صالح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سمعته يقول: «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة، إلّا الضحى وألم نشرح، وألم تر كيف ولإيلاف قريش».

وعن أبي العبّاس عن أحدهماعليهما‌السلام قال: «ألم تر كيف فعل ربّك، ولإيلاف قريش سورة واحدة».

وروي: أنّ أبيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه.

وقال عمرو بن ميمون الأزدي: صلّيت المغرب خلف عمر بن الخطّاب، فقرأ في الأولى والتين والزيتون، وفي الثانية ألم تر كيف ولإيلاف قريش.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤) )

٥٢٣

ولـمّا ذكر سبحانه عظيم نعمته على أهل مكّة بما صنعه بأصحاب الفيل، قال عقيب ذلك :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) متعلّق بقوله:( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ) . والفاء لـما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى: أنّ نعم الله عليهم لا تحصى، فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل( إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ) أي: الرحلة في الشتاء إلى اليمن ـ لأنّها بلدة حارّة ـ وفي الصيف إلى الشام، لأنّها بلدة باردة، فيمتارون ويتّجرون. وكانوا في رحلتيهم آمنين، لأنّهم أهل حرم الله وولاة بيته، فلا يتعرّض لهم، وغيرهم يتخطّفون ويغار عليهم.

أو بمحذوف(١) ، مثل: اعجبوا. أو بما قبله، كالتضمين في الشعر، وهو أن يتعلّق معنى البيت بالّذي قبله تعلّقا لا يصحّ إلّا به. والمعنى: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش. ويؤيّده أنّهما في مصحف أبيّ سورة واحدة.

والمعنى: أنّه أهلك الحبشة الّذين قصدوهم ليتسامع الناس بذلك، فيتهيّبوهم زيادة تهيّب، ويحترموهم فضل احترام، حتّى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم، فلا يجترئ أحد عليهم.

والإيلاف من قولهم: آلفت المكان أولفه إيلافا إذا ألفته، فأنا مؤلف.

وقريش ولد النضر بن كنانة. منقول من تصغير قرش، وهو دابّة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، فلا تطاق إلّا بالنار. فشبّهوا بها، لأنّها تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى.

وعن معاوية: أنّه سأل ابن عبّاس لم سمّيت قريش؟ قال: لدابّة تكون في البحر من أعظم دوابّه، يقال لها: قريش، لا تمرّ بشيء من الغثّ والسمين إلّا أكلته. وصغّر الاسم للتعظيم.

__________________

(١) عطف على قوله: متعلّق بقوله ...، في بداية الفقرة السابقة.

٥٢٤

وقيل: من القرش، وهو الكسب، لأنّهم كانوا كسّابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد، ولم يكونوا أصحاب ضرع ولا زرع.

وأطلق الإيلاف ثمّ أبدل المقيّد عنه، تفخيما لأمر الإيلاف، وتذكيرا بعظيم النعمة فيه. وقرأ ابن عامر: لإلاف، بغير ياء بعد الهمزة. ونصب «رحلة» بأنّه مفعول به لـ «إيلافهم»، كما نصب «يتيما» بـ «إطعام»(١) .

وروي: أنّ أوّل من حمل الميرة(٢) من الشام، ورحّل إليها الإبل، هاشم بن عبد مناف.

( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) بالرحلتين. والتنكير للتعظيم، أي: أطعمهم بالرحلتين: من جوع شديد كانوا فيه قبلهما، حتّى كانوا يأكلون فيه الجيف والعظام المحرقة والأرواث( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) خوف أصحاب الفيل. أو خوف التخطّف في بلدهم ومسايرهم. وقيل: خوف الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم. وقيل: كلّ ذلك بدعاء إبراهيم على نبيّنا وعليه‌السلام .

__________________

(١) البلد: ١٤ ـ ١٥.

(٢) الميرة: الطعام الّذي يدّخره الإنسان.

٥٢٥
٥٢٦

(١٠٧)

سورة أرأيت

وتسمّى سورة الماعون. مكّيّة، مختلف فيها. وهي سبع آيات.

وفي حديث أبيّ: «من قرأ هذه السورة غفر الله له إن كان للزكاة مؤدّيا».

عمرو بن ثابت عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: «من قرأ «أرأيت الّذي يكذّب بالدين» في فرائضه ونوافله قبل الله صلاته وصيامه، ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧) )

ولـمّا ذكر سبحانه نعمته على قريش، عجّب في هذه السورة من تكذيبهم مع عظيم النعمة عليهم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَرَأَيْتَ ) استفهام في معنى التعجّب، أي: هل عرفت( الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) بالجزاء أو الإسلام من هو؟ إن لم تعرفه( فَذلِكَ الَّذِي

٥٢٧

يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وأذى، ويردّه ردّا قبيحا بزجر وخشونة. وهو أبو جهل، كان وصيّا ليتيم فجاءه عريانا يسأله من مال نفسه فدفعه. أو أبو سفيان، نحر جزورا فسأله يتيم لحما فقرعه بعصاه. أو الوليد بن المغيرة. أو منافق بخيل.

( وَلا يَحُضُ ) ولا يبعث أهله وغيرهم( عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ) على بذله، لعدم اعتقاده بالجزاء، ولذلك رتّب الجملة على تكذيب الجزاء بالفاء. يعني: أنّه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد لخشى الله وعقابه، ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه علم أنّه مكذّب.

ثمّ وصل به قوله:( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ) كأنّه قال: إذا كان الأمر كذلك فويل للمصلّين( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) أي: تاركوها مع أنّها عماد الدين، لقلّة مبالاتهم بها حتّى تفوتهم. أو لا يصلّونها كما صلّاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل ينقرونها نقرا من غير حفظ أركانها وشرائطها وآدابها، من خشوع وإخبات.

وقيل: يريد المنافقين الّذين لا يرجون لها ثوابا إن صلّوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتّى يذهب وقتها، فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلّوا.

وعن أبي أسامة، عن زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى:( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) . قال: «هو الترك لها، والتواني عنها».

وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: «هو التضييع لها».

( الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ) الناس أعمالهم ليروهم الثناء عليها، فإنّ المراآة مفاعلة من الإراءة، والمرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به. وعن بعضهم: أنّه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنّما قال هذا لأنّه توسّم فيه الرياء والسمعة. على أنّ اجتناب الرياء صعب إلّا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثمّ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الرياء

٥٢٨

أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح(١) الأسود».

( وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) الزكاة. أو ما يتعاوره الناس بينهم في العادة، من الفأس والقدر والدلو والمقدحة، ونحوها من ماء ونار وملح. وروي ذلك مرفوعا.

وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار، وقبيحا في المروءة في غير حال الضرورة. والحاصل أنّ الفاء جزائيّة.

والمعنى: إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين، والموجب للذمّ والتوبيخ، فالسهو عن الصلاة الّتي هي عماد الدين، والرياء الّذي هو شعبة من الكفر، ومنع الزكاة الّتي هي قنطرة الإسلام، أحقّ بذلك. ولذلك رتّب عليها الويل.

وقيل: المعنى: فويل لهم. فوضع صفتهم موضع ضميرهم، لأنّهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكّين أموالهم. وعلى هذا ؛ إنّما جمع الضمير لأنّ المراد بالموصول الجنس.

والفرق بين «عن صلاتهم» و «في صلاتهم»: أنّ معنى «عن» أنّهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلّة التفات إليها، وذلك فعل الكفّار والمنافقين أو الفسقة من المسلمين. ومعنى «في» أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة الشيطان، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم، ومن ثمّ أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس: الحمد لله على أن لم يقل: في صلاتهم.

واعلم أنّ المكلّف لا يكون مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة. فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقولهعليه‌السلام : «ولا غمّة(٢) في فرائض الله» لأنّها إعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحقّ الذمّ والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار. وإن كان تطوّعا فحقّه أن يخفى، لأنّه ممّا لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا، وإنّما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح. وكذلك البحث في الزكاة.

__________________

(١) المسح: البلاس يقعد عليه، والكساء من شعر.

(٢) أي: لا ستر ولا وإخفاء.

٥٢٩
٥٣٠

(١٠٨)

سورة الكوثر

مختلف فيها. وهي ثلاث آيات بالإجماع.

في حديث أبيّ: «من قرأها سقاه الله من أنهار الجنّة، وأعطي من الأجر بعدد كلّ قربان قرّبه العباد في يوم عيد ويقرّبون، من أهل الكتاب والمشركين».

أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «من قرأ( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) في فرائضه ونوافله، سقاه الله يوم القيامة من الكوثر، وكان محدّثه عند محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصل طوبى».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) )

ولـمّا ذكر سبحانه في سورة الماعون تاركي الصلاة ومانعي الزكاة، ذكر في هذه السورة الحافظين على الصلاة بشرائطها، والمعطين للزكاة، فتكون مقابلة للسورة المتقدّمة، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) الخير المفرط الكثرة بحيث

٥٣١

لا غاية لكثرته، من خير الدارين الّذي لم يعطه أحد غيرك. فاجتمعت لك الغبطتان السنيّتان على الوجه الأكمل الأتمّ، فإنّ زنة فوعل موضوعة للمبالغة جدّا.

وقيل: الكوثر نهر في الجنّة. وعن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنّه نهر في الجنّة ووعدنيه ربّي، فيه خير كثير». ثمّ قال في صفته: «أحلى من العسل، وأشدّ بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافّتاه الزبرجد، وأوانيه من فضّة، عدد نجوم السماء. لا يظمأ من شرب منه أبدا. أوّل وارديه فقراء المهاجرين، الدنسوا الثياب، الشعث الرؤوس، الّذين لا يزوّجون المنعّمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على الله لأبّره». أي: لو سأل الله أجابه.

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «نهر في الجنّة أعطاه الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عوضا من ابنه».

وروى مسلم في الصحيح عن أنس: «بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى(١) إغفاء، ثمّ رفع رأسه متبسّما. فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليّ آنفا سورة. فقرأ الكوثر، ثمّ قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنّه نهر ووعدنيه عليه ربّي خيرا كثيرا، هو حوضي ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء. فيختلج(٢) القرن منهم، فأقول: يا ربّ إنّهم من أمّتي. فقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»(٣) .

وعن عكرمة: الكوثر النبوّة والقرآن. وقيل: كثرة الأصحاب والأشياع. وقيل: هو الشفاعة.

__________________

(١) أي: نعس ونام نومة خفيفة.

(٢) أي: يجتذب وينتزع. والقرن: الجماعة والأمّة.

(٣) صحيح مسلم ١: ٣٠٠ ح ٥٣.

٥٣٢

وعن ابن عبّاس: أنّه فسّر الكوثر بالخير الكثير. فقال له سعيد بن جبير: إنّ ناسا يقولون: هو نهر في الجنّة. فقال: هو من الخير الكثير.

وقيل: كثرة ذرّيّته من ولد فاطمةعليها‌السلام حتّى لا يحصى عددهم. ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في العاص بن وائل السهمي. وذلك أنّه رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج من المسجد، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدّثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلمّا دخل العاص قالوا من الّذي كنت تحدّث؟ قال: ذلك الأبتر. وكان قد توفّي قبل ذلك عبد الله ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو من خديجة، وكانوا يسمّون من ليس له ابن ابتر، فسمّته قريش عند موت ابنه أبتر وصنبورا، وهو الّذي لا عقب له. واللفظ محتمل للكلّ، فيجب أن يحمل على جميع ما ذكر من الأقوال.

( فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) فدم على الصلاة خالصا لوجه الله الّذي أعزّك بإعطائه إيّاك الخير الكثير في الدارين، وصانك من منن الخلق، خلاف الساهي عنها المرائي فيها، شكرا لإنعامه، فإنّ الصلاة جامعة لأقسام الشكر( وَانْحَرْ ) البدن الّتي هي خيار الأموال، وتصدّق على المحاويج لله تعالى، خلافا لهم في النحر للأوثان، ولمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون.

وعن عطيّة: صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. عن عطاء وعكرمة وقتادة: صلاة العيد والنحر بمنى. والأولى أن يكون جنس الصلاة والنحر.

وقيل: معناه: صلّ لربّك الصلاة المكتوبة، واستقبل القبلة بنحرك. وتقول العرب: منازلنا تتناحر، أي: هذا ينحر هذا، يعني: يستقبله.

وما روى العامّة عن عليّعليه‌السلام أنّ معناه: ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة.

فممّا لا يصحّ عنه، لأنّ جميع عترته الطاهرة قد رووه عنه بخلاف ذلك، وهو أنّ معناه: ارفع يديك إلى النحر في الصلاة.

٥٣٣

وعن عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في قوله:( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) هو رفع يديك حذاء وجهك». وروى عنه عبد الله بن سنان مثله.

وعن جميل قال: «قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) . فقال: أشار بيده هكذا، يعني: استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».

وعن حمّاد بن عثمان قال: «سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام : ما النحر؟ فرفع يده إلى صدره فقال: هكذا، ثمّ رفعها فوق ذلك فقال: هكذا. يعني: استقبل بيديه القبلة في افتتاح الصلاة».

وروي عن مقاتل بن حيّان، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال: «لمّا نزلت هذه السورة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيل: ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربّي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنّ صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع هكذا، وإنّ لكلّ شيء زينة، وإنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة».

وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع الأيدي من الاستكانة. قلت: وما الاستكانة؟ قال: ألا تقرأ هذه الآية( فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ ) (١) . أورده الثعلبي والواحدي(٢) في تفسيريهما.

( إِنَّ شانِئَكَ ) إنّ من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم( هُوَ الْأَبْتَرُ ) الّذي لا عقب له ولا له عاقبة خير، إذ لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر، وأمّا أنت فتبقى ذرّيّتك الطيّبة، وحسن صيتك على المنائر والمنابر، وعلى لسان كلّ عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله ويثنّى بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت

__________________

(١) المؤمنون: ٧٦.

(٢) الوسيط ٤: ٥٦٢.

٥٣٤

الوصف، فمثلك لا يقال له: أبتر، إنّما الأبتر هو شانئك المنسيّ في الدنيا والآخرة، وإن ذكر ذكر باللعن.

وفي هذه السورة دلالات على صدق نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحّة نبوّته :

أحدها: أنّه أخبر عمّا في نفوس أعدائه من أنّ محمّدا ليس له عقب، فيموت عن قريب، ونستريح منه، ويدرس دينه، وينقطع أمره. ولم يكن بلغه ذلك، فكان مطابقا لـما أخبر.

وثانيها: أنّه قال:( أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) . فانظر كيف انتشر دينه، وعلا أمره، وكثرت ذرّيّته، حتّى صار نسبه أكثر من كلّ نسب، ولم يكن شيء من ذلك في تلك الحال.

وثالثها: أنّ جميع فصحاء العرب والعجم قد عجزوا عن الإتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها، مع تحدّيه إيّاهم بذلك، وحرصهم على بطلان أمره منذ بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم الناس هذا، وهذا غاية الإعجاز.

ورابعها: أنّه سبحانه وعده بالنصر على أعدائه، وأخبره بسقوط أمرهم، وانقطاع دينهم وأعقابهم، فكان المخبر على ما أخبر به.

٥٣٥
٥٣٦

(١٠٩)

سورة الكافرون

مختلف فيها. وهي ستّ آيات بالإجماع.

في حديث أبيّ: «ومن قرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) فكأنّما قرأ ربع القرآن، وتباعدت عنه مردة الشياطين، وبرىء من الشرك، ويعافى من الفزع الأكبر».

وعن جبير بن مطعم قال: «قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتحبّ يا جبير أن تكون إذا خرجت سفرا من أمثل أصحابك هيئة وأكثرهم زادا؟ قلت: نعم، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله. قال: فاقرأ هذه السور الخمس:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) و( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ ) و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) .

فافتتح قراءتك بـ «بسم الله الرحمن الرحيم». قال جبير: وكنت غير كثير المال، وكنت أخرج مع من شاء الله أن أخرج، فأكون أكبرهم همّة وأمثلهم زادا حتّى أرجع من سفري ذلك.

وعن فروة بن نوفل الأشجعيّ، عن أبيه، أنّه أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: «جئت يا رسول الله لتعلّمني شيئا أقوله عند منامي. قال: إذا أخذت مضجعك فاقرأ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثمّ نم على خاتمتها، فإنّها براءة من الشرك».

شعيب الحدّاد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «كان أبي يقول:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ربع القرآن. وكان إذا فرغ منها قال: أعبد الله وحده، أعبد الله وحده».

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «إذا قلت: «لا أَعْبُدُ ما

٥٣٧

تَعْبُدُونَ »» فقل: ولكنّي أعبد الله مخلصا له ديني. فإذا فرغت منها فقل: ديني الإسلام، ثلاث مرّات».

وعن الحسين بن أبي العلاء قال: من «قرأقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ » و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا، وإن كان شقيّا محي من ديوان الأشقياء، وكتب في ديوان السعداء، وأحياه الله سعيدا، وأماته شهيدا، وبعثه شهيدا».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦) )

ولـمّا ذكر سبحانه في سورة الكوثر أنّ أعداءه عابوه بأنّه أبتر، فردّ عليهم ذلك، وذكر في هذه السورة أنّهم سألوه المداهنة، فأمره بالبراءة منهم، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) يعني: كفرة مخصوصين، قد علم الله منهم أنّهم لا يؤمنون. فاللام للعهد. روي: أنّ رهطا من قريش قالوا: يا محمّد هلمّ فاتّبع ديننا ونتّبع دينك، تعبد آلهتنا سنة، ونعبد إلهك سنة. فقال: معاذ الله أن أشرك بالله غيره. فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدّقك ونعبد إلهك. فنزلت:( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) .

( لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) أي: فيما يستقبل، فإنّ «لا» لا تدخل إلّا على مضارع بمعنى الاستقبال، كما أنّ «ما» لا تدخل إلّا على مضارع بمعنى الحال. ألا ترى أنّ

٥٣٨

«لن» تأكيد فيما ينفيه «لا». وقال الخليل في «لن» إنّ أصله: لا أن. فالمعنى: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه منّي من عبادة آلهتكم.

( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ) فاعلون العبادة( ما أَعْبُدُ ) ما أطلب منكم من عبادة إلهي، أي: فيما يستقبل، لأنّه في قران «لا أعبد».

( وَلا أَنا عابِدٌ ) وما كنت قطّ عابدا فيما سلف( ما عَبَدْتُّمْ ) يعني: لم تعهد منّي عبادة صنم في الجاهليّة، فكيف ترجى منّي عند فشوّ الإسلام؟!( وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ) وما أنتم عبدتم في وقت مّا( ما أَعْبُدُ ) ما أنا على عبادته. ويجوز أن تكونا تأكيدين على طريقة أبلغ. وإنّما لم يقل: ما عبدت، ليطابق «ما عبدتم» لأنّهم كانوا موسومين قبل المبعث بعبادة الأصنام، وهو لم يكن حينئذ موسوما بعبادة الله. وإنّما قال «ما» دون «من» لأنّ المراد الصفة، كأنّه قال: لا أعبد الباطل، ولا تعبدون الحقّ. أو للمطابقة، فإنّ معبودهم من غير ذوي العقول.

وقيل: إنّها مصدريّة، أي: لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي. وقيل: الأوليان بمعنى الّذي، والأخريان مصدريّتان.

( لَكُمْ دِينُكُمْ ) الّذي أنتم عليه لا تتركونه، من الإشراك( وَلِيَ دِينِ ) الّذي أنا عليه من التوحيد، لا أرفضه. يعني: أنّي نبيّ مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحقّ والنجاة، فإن لم تقبلوا منّي ولم تتّبعوني فاتركوني على ما أنا فيه من التوحيد، ولا تدعوني إلى الشرك. فليس فيه إذن في الكفر، ولا منع عن الجهاد، ليكون منسوخا بآية(١) القتال. أللّهمّ إلّا إذا فسّر بالمتاركة وتقرير كلّ من الفريقين الآخر على دينه. وقد فسّر الدين بالحساب والجزاء والدعاء والعبادة. وقرأ نافع وحفص وهشام بفتح الياء.

روي: أنّه لـمّا نزلت هذه السورة غدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المسجد الحرام، وفيه الملأ من قريش، فقام على رؤوسهم فقرأها عليهم، فأيسوا.

__________________

(١) التوبة: ٥ و٢٩.

٥٣٩
٥٤٠