تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 66430
تحميل: 2090

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66430 / تحميل: 2090
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مع الذي كانوا عليه من المباينة الشديدة ومن الآنفة والحمية.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ) كيف يصح ان يضيف ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم وهو منزه عن الرغبة في الدنيا ولا يريد إلّا ما أراده الله تعالى. وجوابنا أنّه لم يضف ذلك إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم على الحقيقة حتّى يلزم ما ذكرته وإنّما نسبه إلى غيره ممن كان بغيته الغنائم وقد يصح ايضا من الانبياء إرادة عرض الدنيا من المباحات وان كان تعالى يريد العبادات ومعنى قوله تعالى( لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) فالمراد ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ من كون ما وقع من باب الصغائر المغفورة وقيل لو لا كتاب سبق نزوله ما أحدثتموه من الاسرى والكتاب هو القرآن فآمنتم به واستحققتم بالايمان غفران صغائر ذنوبكم لمسكم فيما أخذتم من الامر عذاب عظيم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ) أليس يدل ذلك على حدوث علم من الله تعالى. وجوابنا أنّه تعالى يذكر العلم ويريد المعلوم من حيث صح أن معلوم العلم يكون على ما تناوله وعلى هذا الوجه يمدح أحدنا صاحبه ويقول قد علمت ما أنت عليه من الخير والفضل وذلك كثير في القرآن.

تنزيه القرآن (١١)

١٦١
١٦٢

سورة التوبة

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ثمّ قوله( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) وانسلاخها بانقضاء المحرم وذلك ينقض الأول. وجوابنا أنّه كان في الكفار من له عهد ومن لا عهد له ومن له عهد يختلف عهده فقوله تعالى( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) هو لمن هذا عهده وقوله تعالى( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) هو لمن لا عهد له أو لمن ينقضى عهده بانقضاء هذه المدة فلا اختلاف بين الكلامين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ ) كيف يتولون. وجوابنا أنّ هذه اللفظة تفيد التهديد والمراد أنه تعالى قادر على انزال العقوبة فلم لا يجوز عليه المنع وما أكثر ما يرد في القرآن هذا اللفظ على الوجه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) كيف يصح أن يستثنيهم لمكان العهد وذلك لا ينجيهم من العذاب الاليم. وجوابنا أنّ قوله وبشر الذين كفروا يوهم أن الاقدام على كل كافر بالقتل يجوز فانزال الله تعالى هذا الايهام بقوله( إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ ) والمراد لكن الذين عاهدتم من المشركين فليس لكم إذا وفوا إلّا الوفاء لهم ومعنى قوله تعالى من بعد ان الله يحب المتقين ان الوفاء بالعهد يحبه الله وهو من باب التقوى.

١٦٣

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ ) كيف يستقيم تشبيه سقاية الحاج بمن آمن بالله. وجوابنا أنّ المراد أجعلتم القيم بسقاية الحاج كمن آمن بالله. أو يكون أجعلتم سقاية الحاج كايمان من آمن بالله ومثل هذا الحذف يحسن في اللغة إذا كان الثابت في الكلام يدل على المحذوف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ثمّ قوله( حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) كيف يصح فيمن يكفر بالله تعالى أن يسوغ له الكفر ببذل الجزية. وجوابنا أنّ قتلهم لأجل كفرهم وهو شرعي لا عقلي ويجوز ان يكون الصلاح في ذلك ما لم يعطوا الجزية. فاذا أعطوا حرم قتلهم وربما يكون في ذلك هدايتهم للاسلام إذا أقروا ثمّ سمعوا الشرائع وقد قيل ان قتلهم على الشرك لو لم يجز تركه لأدى إلى الاكراه وقد قال تعالى( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ) فان قيل فأنتم متى قلتم ذلك فان في الكفار من لا يرضى منه إلّا بالقتل فيجب أن يكون مكرها على الاسلام. وجوابنا أنّه لا كافر إلّا وقد يجوز أن يتخلص ببعض الوجوه وان كان مقيما على الكفر فلا يلزم ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ ) ما فائدة وصف قولهم بذلك وكل الاقوال هذا سبيلها. وجوابنا أنّ المراد به ان هذا القول لا حقيقة له لانه قد يوصف ما لا حاصل له من الأقوال بذلك وقد يقبل أحدنا على من يتكلم بما لا يصح فيقول هذا قولك بلسانك ولا تقوله عن قلبك ويراد به ما ذكرنا ولذلك قال بعده( يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فبين ان ذلك من الافك الذي لا حاصل تحته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ) كيف يصح ذلك وليس

١٦٤

فيهم من يتخذ أحبارهم أربابا وإنّما يقول بعضهم ذلك في عيسى فقط. وجوابنا أنّ المروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه قال في معناه انهم لـما أطيعوا فيما أمروا به ونهوا عنه وصفوا بأنهم اتخذوا أربابا وذلك صحيح فيهم وعلى هذا الوجه يوصف مالك العبد بأنه ربه إذا أطاعه فالأمر مستقيم وبين تعالى بعده بقوله( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ان الطاعة والعبادة لا تحق إلّا لله وكل من يطيع غيره فانما يطيعه بأمر الله فتكون طاعته طاعة لله ثمّ قال تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ) فوصف باطلهم بهذا الوصف وقال تعالى( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) فوصف الحق بهذا الوصف لصحته وبيانه ثمّ أردف ذلك بقوله تعالى( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ) فبين ان الذي يؤديه صلّى الله عليه وسلم هو الدين الحق ووصفه بأنه يظهره على الدين كله تحقيقا لقوله جل وعز( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) ثمّ بين ما عليه الاحبار والرهبان بقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) فبين أن طاعتهم محرمة إلّا من أمر الله بذلك فيه على ما قلنا، ثمّ أتبعه بالوعيد العظيم لمن امتنع عن الزكاة بقوله تعالى( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) واكثر المفسرين على أن المراد به مانع الزكاة وبين أن الأموال التي منعت منها الزكاة( يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) وذلك من أعظم الوعيد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) كيف خصها بالنهي عن الظلم وحال جميع الشهور سواء في ذلك. وجوابنا أنّ للاشهر الحرم التي هي رجب وشوال وذو القعدة وذو الحجة مزية في أن الظلم فيها يكون اعظم كما أن لنفس

١٦٥

الحرم مزية على الاماكن في الظلم فلذلك خصه بالذكر ولا يمنع ذلك فيما عداه انه بمنزلته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ ) كيف يصح ذلك وقد أمرهم بالجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وجوابنا أنّه لـما كان في خروجهم مضرة على المسلمين لنفاقهم اذ كانوا يضمرون التخريب جاز ان يقول تعالى ذلك لان الصلاح في صرفهم عن الخروج ولو خرجوا على الوجه الصحيح لـما كره الله ذلك ولذلك قال تعالى بعده( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) وقال( لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ) وكل ذلك يشهد بصحة ما ذكرناه وبين تعالى بعد ذلك ما يدل على أنه مع الفسق لا يتقبل من المرء شيء من الطاعات فقال( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أو كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ ) والتقبل لا يصح إلّا في الطاعات فيدل ذلك على أن الفسق والكفر لا يمنعان من وقوع الطاعة وان منعا من التقبل.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يصح قوله تعالى( وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ ) في صفة المنافقين وفاعل الانفاق لا يجوز أن يكون كارها له. وجوابنا أنّ المراد أنهم يكرهون ذلك الانفاق على الوجه الذي أمروا وإنّما ينفقون خوفا ولا يمتنع ان يراد الشيء على وجه ويكره على وجه آخر كما يراد من الغير ان يصلي لله ويكره منه أن يصلي على وجه الرياء والسمعة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) كيف يصح ان يريد تعالى أن يعذبهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا. وجوابنا أنّ تكثير الاموال والاولاد في

١٦٦

الدنيا لا يكون عقوبة لان الله تعالى يفعله تفضلا أو مصلحة في الدين لكنهما لـما جاز أن يكونا فتنة ومحنة وسببا للعقوبة من حيث يغتر المرء بهما فينصرف عن طريق الطاعة إلى خلافه جاز أن يقول تعالى ذلك بعثا للعباد عن هذا الجنس من الاغترار وهذا كقوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) ويحتمل أن يريد أنه يعذبهم في الآخرة بها فيكون التعذيب متناولا الآخرة دون الدنيا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) كيف يصح أن يأمر الله تعالى ببذل المال تالفا على الدين ومتى صاروا إلى الدين للمال لم ينتفعوا به. وجوابنا أنّ ذلك وان كان في الحال لا ينتفع به فقد يكون تلطفا في الاستدراج اليه فيصير الواحد منهم بذلك من أهل الدين وقد أمرنا الله تعالى بأن نأخذ أولادنا بالصلاة لمثل هذا المعنى وان كانوا لا ينتفعون بالصلاة وليسوا مكلفين. واختلف العلماء في المؤلفة هل يدخلون الآن في سهم من الزكاة فأكثرهم يمنع من ذلك لظهور الاسلام وقوته واستغنائه عن تألف قوم في الذّبّ عنه والمجاهدة فيه ومن العلماء من يقول بل سهمهم ثابت ابدا واذا وجد من ليس يقوى على الايمان ويظن أنه يصير من أهل القوة فيه إذا دفع ذلك اليه فيكون حاله كحال سهم في سبيل الله للذين يجاهدون.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) كيف يصح ان يكون خيرا وما يسمع قد يكون الخير والشر والصواب والخطأ. وجوابنا أنّه تعالى قيد ذلك فقال بعده( يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) فبين انه اذن يقبل ما تكون هذه صفته وقبول الخير وما يؤدي إلى الخير هو طريقة الصالحين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ

١٦٧

يُرْضُوهُ ) فذكرهما ثمّ وحّد كيف ذلك. وجوابنا أنّ الواجب ان لا يذكر تعالى مع غيره بل يجب أن يفرد بالذكر إعظاما وقد روي انه صلّى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول الله ورسوله فقال الله ثمّ رسوله، ولذلك قال تعالى بعد ذكر نفسه ورسوله( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) فأفرد ذكره وقد أفرد الله ذكر جبريل وميكائيل عن الملائكة تفخيما لهما وتعظيما، فما ذكرناه أحق وأولى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) كيف يصح ذلك وأكثر الفساق لا يوصفون بالنفاق. وجوابنا أنّه تعالى بيّن في المنافقين انهم كذلك لأن جميع المنافقين هم فاسقون، وإنّما كان يحب ذلك لو قال ان الفاسقين هم المنافقون.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ ) كيف يصح ذلك في تعذيب المنافقين وإنّما يستعمل حسب في الخير ويستعمل في خلافه حسيب. وجوابنا أنّ المراد بذلك الزجر عن النفاق كما تزجر من ينهمك في شرب الخمر، فتقول حسبك هذا الفعل فيكون على وجه الزجر لا على وجه الوصف ولذلك قال تعالى بعده( وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ) ثمّ انه تعالى بعد ذكر قصة المنافقين ذكر ما يحقق عدله وحكمته فقال( فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ولو كان الظلم خلقا لله تعالى لكان هو الظالم دون أنفسهم ثمّ ذكر بعده جل وعز طريقة المؤمنين فقال( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ ) فوقف رحمته تعالى على من هذه صفته، وبين انها صفة المؤمنين وان من ليس هو كذلك لا يمدح بالايمان، وبين انه وعدهم جنات عدن على ما وصف ووعدهم برضوان من الله وان ذلك من باب الانعام الاكبر

١٦٨

والاعظم. وبين ان ذلك هو الفوز العظيم لان من اوتي ذلك فقد أدرك نهاية المطلوب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ) كيف يصح ذلك ومن حكم المنافقين ان لا يجاهدوا وان يجروا مجرى المؤمنين في أحكام الدنيا. وجوابنا أنّ النفاق ما دام مكتوما فحاله ما وصفه فأما إذا ظهر فحال المنافقين في المجاهدة كحال الكفار، وإنّما ذكر تعالى ذلك عند ظهور نفاقهم على ما تقدم ذكره ولو صح ما ذكرته لحملنا مجاهدة المنافقين على غير الوجه الذي تحمل عليه مجاهدة الكفار.

ولذلك قال تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ) وقال بعده( يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) فنبه بذلك على ظهور النفاق.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى في وصفهم( وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ) وكانوا لم يزالوا على النفاق. وجوابنا أنّ المراد أظهروا الكفر بعد إظهار الاسلام وذلك دلالة على ما قلنا من أن نفاقهم ظهر فأوجب الله تعالى فيهم ما تقدم ذكره، ولذلك قال تعالى بعده( وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) ثمّ قال تعالى بعده( وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا ) فنبه بذلك على عظم الذم في نقض العهد والمواثيق وأن من نقضه يكون أعظم حالا ممن ابتدأ بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله جل وعز( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) فأضاف نفاقهم إلى نفسه وأنه أدامه فيهم

١٦٩

كيف يصح ذلك مع حكمته. وجوابنا أنّه تعالى لـما خلاهم ونفاقهم ولم يلطف بهم من حيث كان المعلوم أنه لا لطف لهم لتقدم النفاق فيهم جاز أن يضيف ذلك إلى نفسه وذلك قوله( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ ) والمراد به التخلية ولذلك قال تعالى بعده( بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ ) فبين أن المراد هو ذلك لا أنه خلق فيهم النفاق وقال تعالى بعده( وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ) وكل ذلك لا يليق إلّا بزجرهم عن النفاق ولو كان هو الخالق لذلك فيهم لـما صح ولذلك قال تعالى بعده( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أو لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) فبين أن استغفاره لا يؤثر وكذلك سائر الالطاف( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ ) لان تقدم ايمانهم صير ما يفعله لطفا لهم فاذا لم يتقدم حرموا أنفسهم ذلك وخرجوا بسوء اختيارهم عن أن يتأتى فيهم اللطف فيكون ذلك كالجناية منهم على أنفسهم وهو معنى قوله تعالى( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) ويقال ان المعاصي إذا اجتمعت وكثرت بلغ القلب في القسوة ما لا تؤثر فيه الالطاف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً ) كيف يصح مع ذلك أن يقول( وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) وذلك كالمتناقض. وجوابنا أنّ الكلام إذا اتصل دل آخره على أوّله فالمراد بذلك البعض ويحتمل أن يراد بالاعراب من امتنع عن المهاجرة فقد كان يقال مهاجر واعرابي. وبين ذلك قوله تعالى( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ) فميزهم من الأعراب الذين أرادهم بهذه الآية.

١٧٠

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) ما فائدة ذلك والله تعالى يقبل التوبة ممن لم يعمل إلّا السيئات كما يقبلها ممن خلط الصالح بالسيّئ. وجوابنا أنّه تعالى نبه بقوله( اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) على وقوع التوبة منهم والندامة فلذلك خصهم بقبول التوبة لا أنه نفى قبول التوبة عن غيرهم ممن ذكره تعالى بقوله( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) لأن هؤلاء لم يتوبوا بل أصروا فلذلك قال تعالى( إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) لأنهم إذا بقوا فاما أن يصروا فالعذاب وإما أن يتوبوا فتوبتهم مقبولة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) كيف يصح الأخذ من قبل الرسول صلّى الله عليه وسلم وبفعل غيرهم لا يلحقهم المدح حتّى يوصفوا بأنهم مطهرون مزكون وكيف يقول( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) . وجوابنا أنّ المراد بذلك من تاب وقبل الله توبته. فبين أنه إذا أخذ منهم الصدقة فهذه حالهم وأمره بأن يدعو لهم بالرحمة والثواب وهي معنى قوله( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) ولذلك قال بعده( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ) والمراد بهذا الاخذ القبول وذلك لا يليق إلّا بالمؤمن التائب الذي يسر ويرضى بما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلم من أخذ الزكاة منه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) كيف يصح من الرسول والمؤمنين أن يعلموا أعمالهم ولا سبيل إلى ذلك لا فيما بطن ولا فيما ظهر. وجوابنا أنّ المراد الاعمال الظاهرة التي يشهد الرسول بها ويشهد المؤمنون كما ذكره الله تعالى في الشهداء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

١٧١

أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) كيف يدخل قتل الكفار لهم فيما به يستحقون المدح وذلك كفر منهم. وجوابنا أنّ قتل الكفار لهم يتضمن وقوع الصبر الشديد على الجهاد فيدل على هذه الطاعة العظيمة فلذلك ذكره تعالى وعلى هذا الوجه الذي ذكرناه يوصف المقتول في الجهاد بانه شهيد لـما دل القتل له على ما ذكرناه ودل تعالى بقوله فيما بعد( التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) على ان المؤمن لا يتكامل كونه مؤمنا إلّا بهذه الخصال ونبه تعالى بقوله( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) على انهم مستحقون العقاب لا يجوز لنا أن نستغفر لهم ونترحم عليهم وإنّما يجوز ذلك في المؤمن الذي نقطع بايمانه أو تظهر منه دلالة ذلك ودل تعالى بقوله( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ ) على انه تعالى يريد بالضلال المضاف اليه العقاب وما شاكله فلذلك قال( حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) فنبه على ان اضلاله بالعقاب لا يكون إلّا بعد هذا البيان وأضاف الايمان والكفر إلى السورة في قوله( وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً ) إلى آخر الآية على وجه المجاز لـما كان الايمان منهم عند نزولها ولما كان الرجس والكفر من الكفار عند نزولها وذلك معلوم وهو كقوله تعالى( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) اذ معلوم لكل واحد ان المراد أهلها وزجر تعالى عباده بقوله( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أو مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) فبين أنه لا يدع بما ينزل بهم من الامراض والمصائب والمحن سترا يحجبهم عن الطاعة والتوبة وهم مع ذلك غافلون وذلك زجر عظيم عن الاعراض وترك التوبة.

١٧٢

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) ان ذلك يدل على أنه جل وعز يصرفهم عن الطاعة فما تأويل ذلك. وجوابنا أنّ المراد ثمّ انصرفوا بترك الطاعة والتوبة صرف الله قلوبهم أي عاقبهم على انصرافهم كما قال تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ » وقوله( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ان هذا كالنص في انه تعالى خلق الكفر فيهم. وجوابنا أنهم كانوا يؤخرون الحج من شهر إلى شهر، فبين تعالى انهم يضلّون بذلك لا ان الله تعالى يفعله فالاضلال منسوب اليهم لا اليه تعالى.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ) ان ذلك يدل على أنه يمنعهم من الطاعة. وجوابنا أنّ كلامنا في الطبع وانه علامة كالختم وانه لا يمنع من الايمان كما تقدم.

١٧٣
١٧٤

سورة يونس

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) ان ذلك كالنص في انه تعالى جسم يجوز عليه المكان. وجوابنا أنّ المراد بالاستواء الاستيلاء والاقتدار كما يقال استوى الخليفة على العراق وكما قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

وقد ثبت بدليل العقل أن ما يصح عليه الاستواء من الأجسام. ولا يكون إلّا محدثا مفعولا فلا بد من هذا التأويل ( فإن قيل ) فلما ذا قال الله تعالى( ثُمَّ اسْتَوى ) ومعلوم أن اقتداره لم يتجدد. وجوابنا أنّ ثمّ في اللفظ دخلت على الاستواء والمراد دخولها على التدبير وهو قوله( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) والتدبير من الله تعالى حادث.

ومتى قيل فلما ذا خص العرش بالذكر وهو مقتدر على كل شيء فجوابنا لعظم العرش وهذا كقوله تعالى( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) وان كان ربا لغيرهما ومعنى قوله بعد ذلك( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً ) ان مرجع الخلق اليه حيث لا مالك سواه، كما يقال رجع أمرنا إلى الخليفة إذا كان هو الناظر. في أمرهم وليس المراد بذلك المكان.

١٧٥

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ) ان ذلك يدل على جواز لقائه بالرؤية والمشاهدة. وجوابنا أنّ المراد لا يرجون لقاء ثوابنا واكرامنا ولا يرجون المجازاة على ما يكون في الدنيا وهذا كقوله( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) وكقوله( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ) وبعد فقد يقال لقي فلان فلانا وان لم يره وقد يوصف بذلك الضرير إذا حضر غيره وقد يرى الرجل غيره من بعد ولا يقال لقيه، فليس معنى اللقاء الرؤية ولذلك قال تعالى بعده( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ) فنبه بذلك على ان المراد انهم لا يؤمنون بيوم القيامة وقوله تعالى بعد ذلك( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ ) يدل على أن الهدى هو الثواب فيكون حجة على ما نتأول عليه وربما قيل في قوله تعالى( فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ ) ان ذلك يدل على ارادته لذلك، وجوابنا أنّ المراد نخلي بينهم وبين ذلك وان كنا لا نأمر ولا نريد إلّا الطاعة وهذا كقوله( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) والمراد التخلية وكما يقال أرسل فلان كلبه على من يدخل داره إذا لم يمنعه من الوثوب على الناس.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) أليس في ذلك دلالة على أنه تعالى لا يعلم الشيء حتّى يكون. وجوابنا أنّ المراد بذلك لننظر نفس العمل وهو تعالى يراه بعد وجوده وأما علمه فلم يزل ولا يزال.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ يَدْعُوا إلى دارِ السَّلامِ ) فعمم ذلك ثمّ قال( وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) فخص كيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه يدعو إلى دار السلام الكافة ومعنى قوله ويهدي

١٧٦

من يشاء أي من قبل ما كلفه دون من لم يقبل. ويحتمل ان يراد بهذه الهداية نفس الثواب فيكون قد دعا كل الخلق وأثاب من آمن منهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ) أليس المراد بها الرؤية على ما روي في الخبر. وجوابنا أنّ المراد بالزيادة التفضيل في الثواب فتكون الزيادة من جنس المزيد عليه وهذا مروي وهو الظاهر فلا معنى لتعلقهم بذلك وكيف يصح ذلك لهم وعندهم ان الرؤية أعظم من كل الثواب فكيف تجعل زيادة على الحسنى ولذلك قال بعده( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) فبيّن أن الزيادة هي من هذا الجنس في الجنة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) كيف يصح ذلك وكثير من الأحكام يعول فيها على الظن وجوابنا أنّه تعالى ذكر ذلك في محاجة من يعبد الاصنام في قوله تعالى( هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إلى الْحَقِّ ) إلى غير ذلك والظن في هذا الحق لا يقبل وإنّما يقبل الاجتهاد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ) ما الفائدة في هذا الجواب. وجوابنا أنّه لا يقول ذلك على وجه الحجاج لكنه إذا أقام الحجة واستمروا على التكذيب صح أن يزجرهم بهذا القول، وقد كان صلّى الله عليه وسلم يغتم بمثل ذلك فكان تسلية من الله تعالى له وما بعده من قوله( أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ) وقوله( أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ) كل ذلك يدل أن المراد طريقة الزجر لهم ثمّ ذكر تعالى بعده بقوله( إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ان الظلم من قبلهم ولم

تنزيه القرآن (١٢)

١٧٧

يؤتوا فيه إلّا من جهة تقصيرهم وأنهم ممكنون من تركه والعدول عنه كما نقول في هذا الباب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ) كيف يجوز من موسى أن يسأل ربه ذلك وأن يعتقد انه تعالى رزقهم لكي يضلوا. وجوابنا أنّ المراد أنعمت عليهم بهذه النعم فسيروها سببا لضلالتهم فمعنى قوله( لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ) أن عاقبتهم ذلك كقوله( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) وأما قوله تعالى( رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ) فهو دعاء عليهم وقد ضلوا ويجوز أن يدعى على من قد ضل وكفر بضروب العقاب ويجوز أنه يدعو عليهم بالاخترام والاماتة الذين معهما لا يؤمنون حتّى يروا العذاب الاليم في الآخرة لأنه من المعلوم أنه لا يؤمن أبدا كلما عجل اخترامه يكون عقابه أخف وبين تعالى بقوله( حَتَّى إذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ) ثمّ قال( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) أن الايمان مع الالجاء لا ينفع وإنّما ينفع والمرء متمكن من اختيار الطاعة والمعصية وداعيته مترددة بين الامرين.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ ) كيف يصح في العلم ان يكون سببا للاختلاف والقول الباطل. وجوابنا أنّ المراد بذلك انهم اختلفوا وقد أقام الحجة وأوضح الطريق لهم على جهة الندم لهم، ولذلك قال بعده( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ

١٧٨

الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ ) ومعلوم ان الشك في ذلك لا يجوز عليه. وجوابنا أنّه تعالى ذكره والمراد من شك في ذلك على وجه الزجر أو قال ذلك لاهل الكتاب الذين يجوز أن يسألهم غيرهم عما في الكتب من تصديق محمّد صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ) أليس ذلك يدل على ان تقدم كلمته تعالى يمنع من الايمان. وجوابنا أنّ المراد ان من المعلوم انه لا يؤمن وقد سبقت الكتابة من الله تعالى بذلك في اللوح المحفوظ لا يؤمن لكنه انما لا يؤمن اختيارا وكما سبق ذلك في الكتاب فقد سبق فيه أيضا انه يمكن من الايمان فيعدل عنه بسوء اختياره ولذلك قال تعالى( وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ) ولو كان ذلك يمنع من الايمان لم يكن في مجيء الآيات فائدة وقوله تعالى من بعد( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ) دلالة على انه لم يشأ إيمانهم على وجه الاكراه مع قدرته على أن يكرههم عليه وإنّما سأل ذلك على وجه التطوع والاختيار لكي يفوزوا بما عرضوا له من الثواب، وقوله تعالى من بعد( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) بعد تقدم ذكر العقاب يدل على ان من ليس بمؤمن من الفساق والكفار لا ينجيهم الله من العقاب.

[ مسألة ] وربما قيل كيف جاز أن يقول موسى للسحرة( أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ ) وذلك معصية لا يحسن الأمر بها. وجوابنا أنّه قال لهم لا على وجه الأمر لكن على وجه التعريف بأنهم مبطلون وان باطلهم ينكشف بما

١٧٩

سيأتيه فهو قريب من تحدي الانبياء بالمعجزات.

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله تعالى( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) والتنجية لا تكون إلّا بالبدن. وجوابنا أنّ المراد انا ننجيك خاصة دون غيرك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) كيف يفعل من ذلك ما لم يغن عنهم شيئا. وجوابنا أنّ ذلك كالزجر من حيث ينصرفون عما فيه حظهم ويحتمل انه لا يغني عنهم في الآخرة إذا عوقبوا من حيث تركوا القبول.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) كيف يجوز وقد سألوه أن يقتصر على الجواب واليمين دون الحجة. وجوابنا أنّه قد أقام الحجة وإنّما أراد منه الفتوى فأفتاهم وأكد ذلك باليمين.

١٨٠