تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 65897
تحميل: 2044

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 65897 / تحميل: 2044
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً ) يدل على قوة عزمه على الصبر ثمّ قال بعده( فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ) ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) ان ذلك يثقل عليه فقد يقال إن فلانا لا يقدر على سماع كلام فلان وأراد أنه يثقل عليه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ) عند خرق السفينة وقتل الغلام أليس ذلك يدل على أن القدرة مع الفعل فنفي استطاعته عن الصبر لـما لم يصبر. وجوابنا أنّ المراد ليس هو الاستطاعة التي هي القدرة بل المراد ثقل ذلك عليه لـما رأى الامر العجيب ولم يعرف تأويله ووجه الحكمة فيه فلذلك قال تعالى( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) فبين انه انما لم يستطع الصبر لأنه لم يعرف تأويله ولو عرفه كان يستطيع وهذه الاستطاعة هي بمعنى ما يثقل على المرء ويخفف.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ) ثمّ قال تعالى( وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) فانه إذا كان يأخذ كل سفينة فكيف يصح أن يقول ذلك. وجوابنا أنّ المراد يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا وذلك ما يعقل من الكلام بقوله تعالى( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها ) لانه نبه بذلك على أنّ ذلك الملك كان ينصرف عن أخذ المعيب من السفن إلى أخذ الصحيح فاما قوله جل وعز( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ) فان من تدبر يعرف به حكمة الله تعالى وعدله وأنه يفعل بالمكلف أقرب الأشياء إلى طاعته وانه تعالى ينفي

تنزيه القرآن (١٦)

٢٤١

عنه ما يدعوه إلى معصيته فامر عز وجل صاحب موسى بقتل الغلام لـما كان لو بلغ بلوغه داعية كفرهما ويدل أيضا على ان الكفر من فعلهما لأنه لو كان خلقا من الله تعالى لم يصح ذلك وقوله عز وجل( وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) يدل على أنّ ذلك كان من أمر الله تعالى وإذنه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( حَتَّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) كيف يصح أن يجدها تغرب في شيء من الأرض وهي إنما تغرب في مجاري غروبها. فجوابنا انها تغرب على وجه يشاهد كذلك كما توجد الشمس تغرب في البحر إذا كان المرء على طرفه وكما يقول المرء ان الشمس تطلع من الأرض وتتحرك في السماء والمراد بذلك ما ذكرناه من تقدير المشاهدة وقوله تعالى من بعد( قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً ) يدل على أنّ ذلك الظلم فعل العبد وعلى أنّ هذا التعذيب فعل ذي القرنين فلذلك أضاف العذاب المتقدم إلى نفسه ثمّ العذاب المتأخر إلى ربه.

[ مسألة ] وربما قيل في قصة يأجوج ومأجوج كيف يصح وصفه لهم بأنهم( لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) ثمّ وصفهم بأنهم يفسدون وكيف يصح قوله تعالى( فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً ) وكيف يصح أن يبقوا على الزمان لا يستطيعون ذلك حيث يقول تعالى( فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) يعني الحشر. وجوابنا أنّ قوله( لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ) يحتمل مع كمال عقلهم للمباينة في اللغة ويحتمل خلافه فلا يدل على ما ذكروا وقوله( مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) يحتمل أن يكون مع كمال العقل ويحتمل مع فقده كما يقال فيمن لا عقل له انه يفسد الزرع بل يقال ذلك في البهائم وذلك السد معمول بالصفر وما يجري مجراه فصح ان لا يمكنهم التأثير فيه لفقد الآلات ولقوة السد وإحكامه ويحتمل أنه تعالى يصرفهم عن الشغل بذلك فيبقى إلى يوم القيامة. واختلفوا في يأجوج ومأجوج

٢٤٢

فمنهم من قال هم غير مكلفين ومنهم من قال يجوز أن يكون تكليفهم بجميع العقلي والشرعي بأن يسمعوا الأخبار ممن يقرب من السد فتتواتر عندهم ومنهم من قال بل تكليفهم بالعقلي دون الشرعي الذي لم تبلغ دعوته اليهم ثمّ ذكر تعالى من بعد ما تعظم الفائدة به لمن تدبره فقال سبحانه( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) فبين تعالى ان أعمال من لا يحفظ عمله فيفسدها بالكفر والفسق تكون إلى خسار وتبار وتصير كالحسرة في الآخرة فلذلك قال الذين ضل سعيهم والمراد ذهب هدرا ولذلك قال آخرا( فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ) فنبه على ان كل من حبط عمله يكون حكم سعيه في الخيرات هذا الحكم ثمّ بين أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلم يحبطوا ما فعلوه( كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً ) فان مساكن الدنيا قد يبتغي المرء عنها حولا وليس كذلك الجنة وفي قوله تعالى عز وجل( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ) ما إذا تأمله العاقل علم ان كلمات الله تعالى لا تحصر وأنه قادر على ما لا نهاية له ومن هذا حاله كيف يصح أن يقال محدث أو مخلوق.

٢٤٣
٢٤٤

سورة مريم

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) أليس يدل على ان صلاحه من قبل الله تعالى؟ وجوابنا أنّ الرضا قد يكون كذلك بأمور يفعلها الله به من كمال العقل والحزم ومن النبوة وغير ذلك فلا يصح تعلقهم به.

[ مسألة ] وربما سألوا وقالوا كيف خاف زكريا صلّى الله عليه وسلم الموالى فرغب إلى ربه أن يرزقه ولدا يرثه حق الانبياء ولم الفكر في أمور الدنيا؟ وجوابنا أنّه لم يعن وراثة المال بل عنى وراثة العلم والدين والنبوة فأراد أن يكون ذلك في داره ولم يذكر أيضا ما الذي خافه من الموالي وقد يحتمل أن يكون خاف منهم التغير إذا مات فأحب أن يكون هناك من يقوم مقامه في النبوة حتّى لا يتغيروا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى ) ما الفائدة في ذكر الاسم واللقب والكل في ذلك سواء وما الفائدة في قوله( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) ولو جعل له سميا لم تتغير البشرى؟ وجوابنا أنّ من تمام نعمة الله أن يرزقه المسمى ويتولى اسمه لان ذلك يكون في الانعام أزيد وكذلك إذا لم يكن له من قبل من يساويه في الاسم كان الاحسان أعظم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ

٢٤٥

وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) كيف يستبعد ذلك وهو نبيّ وقد بشّره الله تعالى به لأجل ما ذكره؟ وجوابنا أنّ ذلك استبعاد من حيث العادة لا من حيث القدرة وذلك يصح في الانبياء كما يصح في غيرهم ولو أن نبيّا من الانبياء بشر من بالبادية بنهر جار لجاز أن يقال كيف يصح ذلك في هذا المكان فيكون استبعادا من حيث العادة لا من حيث القدرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ) أليس ذلك يدل على أن المعدوم ليس بشيء؟ وجوابنا أنّ المراد ولم تك شيئا على الوصف الذي أنت عليه من الفضل والنبوة فإذا صح أن أخلقك على هذا الوجه صح أن أرزقك ولدا مع كبرك فلا تستبعد ذلك في القدرة وجواز مثله في العادة وقوله تعالى( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) فيدل على ان القوة قبل الفعل على ما نقول والا كان لا يصح ذلك كما لا يصح ممن لا يد له أن يقال خذ بيدك فأما قوله تعالى( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) فيدل على أن مخالفة الصبي للبالغ هو من حيث العادة لا من حيث القدرة وقوله( وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا ) أراد به الانعام العظيم عليه بأن جعله نبيا وناصحا وباعثا على الخيرات وقوله تعالى( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) لا يدل على أنه لم يكن واثقا بما بشّر به على ما روي عن بعضهم أنه شك في البشرى بل مراده بذلك التوكيد لـما بشر به إذا لم يجعل له آية تدل على الوقت الذي يرزق فيه الولد وان كان قد عرف بالبشارة ذلك لكنه جوّز التقديم والتأخير.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ) أليس ذلك يتناقض لأنه إذا كان تقيا استغنى فيه عن التعوذ وكان الاقرب أن يقول : إنّي أعوذ بالرّحمن منك إن لم تكن تقيا؟ وجوابنا أنها قالت هذا القول وهي لا تعرفه فقالت أعوذ بالرحمن منك ان

٢٤٦

كنت ممن يتقيه ويخشى عذابه على وجه التخويف كقول القائل ان كنت مؤمنا فلا تظلمني وقوله تعالى( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) يدل على أن خلقة الملائكة مخالفة لخلقة الناس فتمثل بهذه الخلقة ويدل على تقارب خلقتهم في البنية لخلقة البشر وان كانت لهم آلات وعظام ويجوز أن تنفصل وتتصل وإنّما أنزل اليها جبريل صلّى الله عليه وسلم وان كان نزوله من المعجزات علما لزكريا صلّى الله عليه وسلم فقد كان نبيا في الوقت وقول مريم( يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا ) لا يدل على كراهتها لـما قضاه الله فيها وفي ولدها وإنّما تمنت ذلك من حيث يعصى الناس في أمرها لخروجه عن العادة ولما يلحقها من الخجل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أُخْتَ هارُونَ ) كيف يصح أن يقال لها ذلك وبينها وبين هارون أخي موسى الزمن الطويل؟ وجوابنا أنّه ليس في الظاهر أنه هارون الذي هو اخو موسى بل كان لها أخ يسمى بذلك واثبات الاسم واللقب لا يدل على أن المسمى واحد وقد قيل كانت من ولد هارون كما يقال للرجل من قريش يا أخا قريش.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ) فكيف يصح للطفل أوّل ما يولد أن يتكلم بذلك وأن يكلف الصلاة والزكاة وأي فرق بين من يجوز ذلك وبين من يجوز تكليف الموتى؟ وجوابنا أنّه تعالى قادر على اكمال عقله وتقوية جسمه في تلك الحالة وان كان كلا الامرين يحصل فينا في العادة في الوقت الطويل بالتدريج واذا كان كذلك وألهمه الله تعالى هذا القول صح أن يقول ما قال وصح سائر ما وصف به نفسه أو ليس يوجب قوله وأوصاني

٢٤٧

بالصلاة والزكاة أنه في هذا الوقت خاصة لان الوصية تتقدم وتتأخر وإنّما جعل الله معجزة عيسى صلّى الله عليه وسلم في حال ولادته لـما كان في ذلك من ازالة الريب بذلك عن القلوب وبغير هذه الآية لا يكاد يزول.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) كيف يصح في أمر محال أن يقال ما كان لله أن يفعله وإنّما يصح ذلك فيما يصح ويمكن ولذلك لا يقال ما كان لزيد وهو شاب أن يلد رجلا شيخا لأن ذلك يستحيل؟ وجوابنا أنّ القوم كانوا ينسبونه إلى ذلك فنفى عن نفسه على الوجه الذي كانوا يضيفونه اليه ولذلك قال ( سبحانه ) فنزه نفسه عن ذلك وبين أن كل الأولاد من خلقه وأنه قادر على خلقهم فلا يجوز عليه الولادة وقد يقال ذلك بمعنى البيان والدلالة إذا دلّ وبين أن ذلك لا يجوز عليه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ) كيف جاز من ابراهيم7 أن يقول ذلك ولم يكن أبوه ممن يعبد الشيطان؟ وجوابنا أنّه أراد لا تتبعه ولا تطعه كما روي في تفسير قوله تعالى( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) فقال صلّى الله عليه وسلم لم يتخذوهم أربابا بالعبادة لكن أطاعوهم في التحليل والتحريم ولذلك قال ابراهيم صلّى الله عليه وسلم( لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ) لانه كان يعبد الاصنام فلا يجوز أن يريد بقوله( لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ) الا ما ذكرنا ولذلك قال من بعد( فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا ) ومعنى قوله من بعد( قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) انه ان تاب وقبل قول ابراهيم يستغفر له ويرجو له الثواب والنجاة لأنه لا يستغفر له وهو على اصراره على الكفر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ ) كيف يصح ذلك وولادة

٢٤٨

اسحاق كانت بعد ذلك بزمان وولادة يعقوب أبعد من ذلك؟ وجوابنا أنّه تعالى بين أنه لـما اعتزلهم لم يدعه فريدا وحيدا بل خلق له الاولاد وليس في ذلك ذكر وقت مخصوص.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) كيف يصح ذلك وليس في الجنة ليل يتلوه نهار؟ وجوابنا أنّ المراد بذلك تقدير وقت الأكل فقدّر جل وعز بما جرت به العادة لا أن هناك نهارا بعده ليل أو يجوز أن يكون لهم علامات تتقدر بها هذه الاوقات على حسب أوقات الليل والنهار بعده ليل أو يجوز أن يكون لهم علامات تتقدر بها هذه الاوقات على حسب أوقات الليل والنهار وقد قيل إن هناك من الحجب وغلق الابواب ثمّ فتحها ورفع الحجب ما يدل على ذلك وبيّن تعالى من صفتهم ما تشتد فيه الرغبة فقال تعالى( لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً ) وقال( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا ) ما المراد بذلك؟ وجوابنا أنّه بيّن به أنه مالك الافعال في الاوقات الماضي والمستقبل والدائم وأن التقديم والتأخير سواء في أنه عالم به ولذلك قال بعده( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) وربما يتعلق بعضهم بقوله( رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما ) وقال بينهما أفعال العباد فيجب أن يكون ربها وذلك يدل على أنه يكون خالقها. وجوابنا أنّ ما بينهما هو الاجسام كالهواء وغيره فلا مدخل لافعال العباد في ذلك وبعد فقد يقال أنه تعالى ربنا ورب أفعالنا لـما صح منه انه يمكن منها ويمنع منها ولذلك قال بعده( فَاعْبُدْهُ ) وذلك بين خروج العبادة وما جرى مجراها مما ذكر أولا ومعنى قوله( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) أي مثيلا ونظيرا فذكر الاسم وأراد المسمى فليس لأحد أن يسأل عن ذلك.

٢٤٩

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ) بعد ذكر جهنم أليس يدل ذلك على أن كل من يحشر يرد النار فكيف يصح ذلك في أهل الثواب.

وجوابنا أنه بمعنى القرب منها لا بمعنى الوقوع فيها كقوله تعالى في قصة موسى( وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ ) وهذه طريقة العرب في الورود بمعنى القرب ولذلك قال بعده( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ) لانهم إذا قربوا سلك بأهل الثواب مسلك الجنة وأدخل أهل العقاب النار ولا بد أن يتأول على ما ذكرناه فإنه تعالى بين أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومن هذه حالته لا يجوز أن يلقى في النار ويظن به ذلك وبين تعالى بعده بقوله( وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ) أنه عز وجل يخص المهتدي بألطاف من حيث آمن واهتدى وأن ذلك يؤديه إلى الباقيات الصالحات. وذكر قبله( قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ) أنه تعالى يبقيهم ليزولوا عن الضلالة ويفعل بالمهتدين الهدى ليثبتوا على الايمان.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) كيف يصح قولكم أنه تعالى زجرهم عن الكفر بأقوى زجر وعن القبول من الشيطان وهو يقول ذلك. وجوابنا أنّ المراد خلينا بين الشيطان وبينهم ولم يمنع من ذلك لـما فيه من المصلحة وعلى هذا الوجه يقال فيمن ربط الكلب على باب داره ولم يمنعه من الوثوب على من زاره قد أرسلت كلبك على الناس وفي قوله( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ) دلالة قوية على ما تأولنا عليه قوله تعالى( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها. )

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ

٢٥٠

وَلَداً ) كيف يصح أن يعظم ذلك هذا التعظيم ثمّ يأمرنا بأن نقرهم عليه بأخذ الجزية. وجوابنا أنّ الله تعالى ما عظم الا العظيم من القول والكفر وقد كان يجوز أن لا يخلق من يكفر لكنه تفضل وكلف لكي يؤمنوا وكذلك لا يمنع أن يأمرنا بأن نقرهم على وجه أقرب إلى أن يؤمنوا عند المخالطة وسماع التوحيد وعند ما ينالهم من الذل بدفع الجزية وبين أن كل من في السموات والارض خلقه وهو قادر على اضعافه فلا يجوز أن يتخذ منهم ولدا مع قدرته على أن يكونوا له عبيدا.

٢٥١
٢٥٢

سورة طه

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى ) ما الوجه في أن يقول بعده( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) ؟ وجوابنا أنّه تعالى عظم شأن القرآن من حيث كان( تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ ) ثمّ أتبعه بما هو أعظم من ذلك فقال( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) والمراد استولى واقتدر عليه لأن العرش من أعظم ما خلق فنبّه على أنه إذا كان مقتدرا عليه مع عظمة وعلى السموات وعلى الارضين ويملك ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى فاعلموا عظم محل القرآن لصدوره عمّن هذا وصفه وتمسكوا بآدابه وأحكامه فذلك بعث من الله تعالى على تدبر القرآن وقد بينا من قبل بطلان قول المشبهة بأنه تعالى استوى على العرش وقلنا ان من يصح ذلك عليه يكون حسّا ذا صورة ومن هذا حاله يكون محدثا محتاجا إلى مصور فالمراد الاستيلاء والقدرة كما ذكرناه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ) ما معنى قوله( وَأَخْفى ) ولا شيء أخفى من السر؟ وجوابنا أنّ ما يخطر بالقلب ويحدث المرء به النفس أخفى من السر فنبه على عظم شأنه والعلم بذلك ثمّ قال( اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) فنبه بذلك على ما يجب من ذكر أسمائه التي تفيد عظم شأنه على ما قدمه من قوله( تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ ) ولا فائدة في ذكر

٢٥٣

أسماء الله إلاّ بأن ينوي المرء بها ما تفيده مما يقتضى تعظيمه واجلاله.

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله تعالى( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ) وإذا جاز أن يكون عليه سائر ثيابه فما المانع من أن يكون لابسا لنعليه مع كونه في الوادي المقدّس؟ وجوابنا أنّ النعلين تلبسان لا على حدّ ما يلبس سائر الثياب ولذلك لا يلبسهما المرء في بيته وإنّما يلبسهما لدفع الأذى في المواضع التي تخشى فيها النجاسات وغيرها وعلى هذا الوجه جرت العادة فيمن يعظم المكان أنه يخلع نعله فأراد تعالى تنبيه موسى على عظم محل الواد المقدس وأحب أن تلحقه بركة ذلك الوادي وهو يباشره برجله وأحب أن يعرّفه عظم محله بهذا الصنيع وقد روي في نعليه أنهما كانا من جلد حمار ميّت فإن كان كذلك فهما أولى ما يخلع وإلا فالذي قدمناه وجه صحيح.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ما فائدة قوله( لِذِكْرِي ) والصلاة لا تقام الا لذكره تعالى؟ وجوابنا أنّ قوله( لِذِكْرِي ) يرجع إلى الصلاة والى العبادة جميعا فكأنه قال فاعبدني لذكري وأقم الصلاة لذكري وهما جميعا لا يصحّان إلا إذا كان المرء ذاكرا لله تعالى وتوحيده لان الغافل عن ذلك لا يعتد بما فعله وعلى هذا الوجه يجتهد المرء في الصلاة أن يتحرز من السهو فيكون ذاكرا لله قاصدا بما يأتيه إلى عبادته وخص تعالى الصلاة بالذكر وإن دخلت في جملة العبادة تفخيما لشأنها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها ) ما فائدة قوله تعالى( أَكادُ أُخْفِيها ) ؟ وجوابنا أنّ المراد أخفى ما فيها لـما في ذلك من المصلحة فإن أراد تعالى أخفى موت كل أحد ففي ذلك مصلحة لأنه متى علم وقت موته كان ذلك إغراء بالمعاصي أن تطاول وإلجاء إلى الطاعة أن تقارب وإن أراد تعالى ما يظهر من زوال التكليف وحصول أشراط

٢٥٤

الساعة فقد أخفاها والمصلحة فيها ظاهرة لـما بينا فلما كان ذلك مصلحة أخفاها تعالى وذكر ذلك بهذا اللفظ معتاد لقرب الامر والفائدة فيه أن يظن قربها فيكون المرء إلى الطاعة أقرب ولذلك قال تعالى( لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ ) لحن ظاهر فكيف يجوز ذلك في القرآن؟ وجوابنا أنّ كثيرا من القراء قرأ إن هذين وهي مروية عن الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعمرو بن عبيد وعيسى بن عمر وعاصم وقد حكى عن الزهري وغيره أنه قرأ( إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ) بتخفيف ان وروي أيضا ذلك عن عاصم وبعد فإذا جاز في الحقائق أن يعدل عنها إلى المجاز في كتاب الله لم يمتنع مثل ذلك فيما ذكرته فيكون تعالى ذكر إن وأراد غيره كما قيل إن معناه نعم وأجل وقد قيل إن ذلك لغة بني الحارث بن كعب يقولون رأينا الزيدان وقيل شبهت الالف بقول القائل يفعلان فلم تغير قال الزجاج فيها اضمار والمعنى إنه هذان لساحران وقيل لـما كان هذا يستعمل في موضع الرفع والنصب والخفض على أمر واحد لم تغير التثنية وأجريت مجرى الواحد وإذا كان في القرآن يدعى الحذف في مواضع كثيرة ليصح المعنى فما الذي يمنع من أن يدعى في ذلك حذف يخرج معنى الكلام من أن يكون لحنا وإذا صحّ ذلك فالحذف الذي يصحّ فيه كثير لا معنى لعده.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ بَلْ أَلْقُوا ) كيف يصح من موسى7 أن يأمر بذلك وهذا الفعل منهم قبيح؟ وجوابنا أنّه أمر بشرط فإنه قال إن كنتم محقّين فيما تدّعون فافعلوا وهذا كما يقول الحاكم للمنكر احلف على ما أنكرت فيكون مراده مثل ذلك ولا يمتنع أن يقال إن الالقاء إذا انكشف به المعجز من موسى صلّى الله عليه وسلم جاز أن يحسن من وجه فلا يكون قبيحا من كل وجه.

٢٥٥

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى ) كيف يخاف موسى وهو عالم بما يظهر عليه وانه يكشف عن بطلان ما أتوه؟ وجوابنا أنّه يجوز أن يكون خائفا على قوم قد شاهدوا ما فعلته السحرة أن يفسدوا ويثبتوا على فسادهم خصوصا أن تأخر امره تعالى بإلقاء العصا ومن تأمل حال فرعون وقومه مع كثرتهم كيف ذهلوا عن القبول من موسى صلّى الله عليه وسلم مع ظهور أمره علم أن شهوة المرء وهواه مسلّطان عليه فيجب أن يتحرّز التحرّز الشديد من أتباع الهوى وإيثار الدنيا على الآخرة ويبذل الجهد في اتباع الحق وإن شق وأوجب مفارقة الإلف والعادة ومفارقة السلطان والرئاسة وكذلك القول في السحرة الذين آمنوا بموسى صلّى الله عليه وسلم لـما رأوا أمره الذي بهرهم كيف انقادوا واختاروا الايمان وحسن العاقبة على القتل والصلب فالمحكي عن ابن عباس2 أنه قال أصبحوا من أهل النار وأمسوا من أهل الجنة كلام هذا معناه وروي انه أكرههم على ذلك السحر لقولهم( وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) ثمّ قال سبحانه قالوا( إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى ) فإن كان هذا من قول السحرة دلّ على استبصار منهم وإن كان من كلامه تعالى دل على أنّ دار المجرمين غير دار الصالحين المؤمنين وقوله تعالى( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى ) يدل على شدة الذم له وعلى أنه تعالى لا يضلّ عن الدين وانه أراد باضافة الضلال إلى نفسه ما تأولناه من أن المراد به العقاب وما يتصل به ولذلك قال تعالى( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ) ( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) ثمّ قال( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ ) إلى غير ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ

٢٥٦

مِنْ بَعْدِكَ ) ما الوجه في ذلك وقد آمنوا به. وجوابنا أنّ المراد بذلك تشديد المحنة على أمة الرسول لأن في حال حياته تكون المحنة أخف منها بعد وفاته وكذلك حال حضوره تكون المحنة أخف من حال غيبته ولذلك قال تعالى( وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) بما اتخذه من العجل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) والوصف المتقدم هو الاهتداء. وجوابنا أنّه لزم هذه الطريقة وحفظها لـما كلف من الطاعات لينتفع بذلك.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى حكاية عمّن لم يعبد العجل من بني اسرائيل( ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ) وما الفائدة في ذلك لأن هذا الكلام لا معنى له؟ وجوابنا أنّ مرادهم إنا لم نجد السبيل إلى ردّ من عبد العجل ولم نتمكن من ذلك فلم نخلف ما كنا وعدناك من إنكار مثل ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ) كيف يجوز ذلك على الانبياء وقد أدبه الله تعالى بقوله( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ) فأمره بذلك في معاملة فرعون ويفعل بأخيه مثل هذا الفعل. وجوابنا أنّ ظاهر ذلك لا يدل على ان موسى فعل وإن كان هارون جوّز أن يفعل والذي في القرآن أنه أخذ برأسه يجره إليه ليظهر لبني إسرائيل غضبه عليهم ومثل ذلك يحسن كما يحسن ان يأخذ نفسه فأحب هارون أن لا يفعل ذلك وإن كان فيه إنكار وإظهار للغضب ويفعل ما يقوم مقامه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز في نبيّ من أنبياء الله أن يقول( وَانْظُرْ إلى إِلهِكَ الَّذِي ) فسمى العجل الذي اتخذه إلها؟ وجوابنا أنّ مراده ما اتخذته إلها على وجه التوبيخ ولذلك قال بعده( لَنُحَرِّقَنَّهُ

تنزيه القرآن (١٧)

٢٥٧

ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ) كيف يصحّ أن يخفى عليهم ذلك مع كثرتهم لأنه تعالى قال( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ) وجوابنا أنّ المراد لبثهم بعد الممات فان ذلك يخفى ولا يعلم ولم يتفقوا على ذلك كما قال تعالى( إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) كيف يصحّ هذا الوصف وقد ثبت أنهم في الآخرة يبصرون كما قال تعالى( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ) وكيف يصح أن تكون معيشتهم ضنكا وفيهم من ليس هذا وصفه؟ وجوابنا أنّه تعالى يحشرهم عميا ثمّ يبصرون لأن أحوال الآخرة مختلفة وقد قيل مشبها بالاعمى لـما ينزل به من الحيرة ومتى قيل كيف يصح ذلك مع قوله تعالى من قبل( وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً ) وهذا صفة للبصر. فجوابنا أنّ المراد نحشرهم زرقا عميا ثمّ يبصرون. وقد قيل شبه الاعمى بالازرق لذهاب السواد عن البصر وقوله من بعد( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً ) يدل على أنهم مع معرفتهم بالآخرة فإنهم آمنون.

٢٥٨

سورة الانبياء

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ ) ما فائدة تكرار هذه الكلمة وكيف ترتبط بما تقدم ولم يتقدم في الكلام جحد فتليق به هذه الكلمة؟ وجوابنا أنّه تعالى قد ذكر عن الكفار الجحود بقوله( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) فبين تعالى بعده أنه عالم بجحودهم ثمّ ذكر( بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) فبين اختلاف اقاويلهم وأن فيهم من قال إن الذي يأتينا من المنامات المختلفة وقال بعضهم افتراه وقال بعضهم هو سحر وأنهم تحيروا في أمره فذكر تعالى إنكارهم لنبوته وحقق ذلك بما حكاه عنهم بقوله( بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) وبين بقوله( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) أنه في إزاحة العلة ببعثه الانبياء قد بلغ الغاية فلم يبعث من نسب إلى نقص فيكون في بعثته تنفير عن القبول منه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَسْئَلُوا أهل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) كيف يعرف أنه لم يرسل إلا الرجال فيرجع إلى مسألة أهل الذكر؟ وجوابنا أنّ أهل الذكر والعلم يعلمون أن بعثة الانبياء إذا كانت للمصلحة والدعاء إلى الطاعة فلا بد من أن يكون المبعوث لا نقص فيه ولا عيب ينفر عنه وبيّن تعالى بقوله( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما

٢٥٩

بَيْنَهُما ) لا يحسن أنه خلق ذلك على وجه الحكمة وعرض للثواب العظيم وخلق ما يكون لعبا وهو معنى قوله تعالى( ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ ) ومعنى قوله( لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً ) ثمّ حقق ذلك بقوله تعالى( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) وقال لمن خالف الحق( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) ثمّ بين تعالى حال عبادة الملائكة له وخضوعهم وأنهم لا يستكبرون عن عبادته وكل ذلك ترغيب لنا في الطاعة ثمّ قبح تعالى فعلهم فقال( أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ ) تبكيتا لهم ثمّ بين فساد ذلك بقوله تعالى( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) فبين أنه لو كان يدبرهما آلهة لفسد ما هما عليه بأن يريد أحدهما أن يكون ليلا والآخر نهارا أو يريد أحدهما أن يكون حرّ والآخر برد فكان التدبير فيهما يفسد وهذا هو دليل علماء التوحيد في أنه لا ثاني لله تعالى قد نبّه سبحانه عليه بهذه الكلمات اليسيرة ونزّه نفسه عن هذا القول بقوله( فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ثمّ بيّن تعالى حكمته في فعله لقوله( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ) لأن من كل أفعاله حكمة لا يسأل عن فعل وإنّما يسأل من في فعله سفه كما أن من في فعله قبح وذلك يبطل قول هؤلاء المجبرة لأنه لو كان كل ظلم وقبح من فعله كان يجب أن يسأل عما يفعل تعالى الله، وبين بقوله( أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) أنّ من لا حجة معه فيما يأتيه فهو جاهل وفي ذلك دلالة على فساد التقليد وأن كل قول لا برهان معه لا يصح ثمّ قال( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ) فنبه بذلك على ان المحق هو الاقل ثمّ نبه على بطلان قول النصارى فقال( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ) فبيّن ان منزلة عيسى وسائر الانبياء أنهم مكرمون ومعظمون

٢٦٠