تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن0%

تنزيه القران عن المطاعن مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 501

تنزيه القران عن المطاعن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عماد الدين أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد
الناشر: دار النهضة الحديثة
تصنيف: الصفحات: 501
المشاهدات: 66427
تحميل: 2089

توضيحات:

تنزيه القران عن المطاعن
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66427 / تحميل: 2089
الحجم الحجم الحجم
تنزيه القران عن المطاعن

تنزيه القران عن المطاعن

مؤلف:
الناشر: دار النهضة الحديثة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالمغفرة فما أصبرهم على النار ثمّ انه تمم هذا الزجر والوعظ بقوله( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) وبين ان ذلك غير مقبول إلّا بأن يؤمن المرء بالله فيعرفه حق المعرفة ويؤمن بالملائكة والنبيين ويؤتي المال وهو يحبه( ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ ) ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويوفي بعهد الله إذا عاهده وبعهد الناس ويصبر على البأساء والضراء يعني فيما ينزل به من جهة الله من الشدائد والأمراض قال تعالى( أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) وذكر في موضع آخر( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) وبين تعالى حكم القصاص في آيات فقال( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) لان من تصور انه إذا قتل يقتل كف عن القتل فيبقى حيا من قتله ثمّ ذكر تعالى فيمن يحضره الموت الوصية للوالدين والأقربين وهذا وان نسخ وجوبه فهو مرغوب فيه من الثلث أو ما دونه ثمّ قال( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أو إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) ترغيبا في ازالة الخلاف وبقاء الالفة، ثمّ بين تعالى حكم الصيام في آيات كثيرة وأوجب صيام شهر رمضان على المقيم الصحيح وزجر عن خلافه.

[ مسألة ] فان قيل فلما ذا قال( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) . وجوابنا أنّ ذلك كان من قبل فانه كان المرء مخيرا بين الصيام وبين الإطعام ثمّ نسخ بوجوب الصيام وإنّما رخص في ذلك لمن لا يطيق أو لمن خاف من الصيام ودل تعالى بقوله( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) على انه إذا كان لم يرد التشديد في الصوم مع السفر والمرض رحمة بالعبد فبأن لا يريد منه ما يؤديه إلى النار أولى وقوله تعالى( وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) لم يرد به تعالى قرب المكان وهذا كقوله( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) وكقوله( ما يَكُونُ مِنْ

٤١

نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) وكقوله( وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ ) وذلك مثله يحسن في الكلام البليغ وقد يقول المرء لغلامه وقد وكله في ضيعة على وجه التهديد له اني معك حيث تكون يريد معرفته باحواله والله تعالى بكل مكان على وجه التدبير للاماكن وعلى سبيل المعرفة بما يبطنه المرء ويظهره فهذا معنى الكلام ولولا صحة ذلك لوجب أن يكون قريبا ممن بالشرق وممن بالغرب وان يكون في الأماكن المتباعدة تعالى الله عن ذلك فانه قد كان ولا مكان وهو خالق الامكنة. وبين تعالى انه يجيب دعوة الداع إذا دعاه لكن ذلك بشرط أن لا تكون فسادا والذين يدعون لا يعرفون ذلك فلأجل ذلك ربما تقع الاجابة وربما لا تقع وربما تقدم وربما تأخر، وقد كان من قبل يحرم على الصائم الأكل إلّا عند الافطار ثمّ أباحه الله تعالى وأباح غيره طول الليل فهو معنى قوله( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ ) فقد كان من بعض الصحابة اقدام على الوطء ثمّ تاب من بعد ذلك فهو معنى قوله( فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ ) ثمّ أباحه بقوله( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) وروي عن بعض الصحابة ومن بعدهم انه كان يبيح الأكل إلى قريب من طلوع الشمس والصحيح انه انما يحل إلى طلوع الفجر الثاني وهو الذي عليه العلماء والظاهر يدل عليه.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ) فقالوا ان ذلك يدل انه استبطاء النصر من جهة الله فكيف يجوز ذلك على الأنبياء. وجوابنا انهم لم يقولوا ذلك استبطاء بل قالوه على وجه المسألة والدعاء وخوفا على ما يلحق المسلمين من جهة الكفار فبين تعالى ان نصره قريب وأمنهم مما خافوه وذلك مما يحسن.

٤٢

[ مسألة ] ويقال كيف يجوز أن يقول تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) وما كتبه الله علينا لا يجوز أن يكره لانه من مصالحنا. وجوابنا أنّ المرء تنفر نفسه عن ذلك لـما فيه من المشقة وليس المراد انه يكره ذلك كيف يصح هذا وقد أوجب الله تعالى أن يعزم عليه وأن يراد وكذلك معنى قوله( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) والمراد به كراهة المشقة والنفار والمراد بقوله( وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) محبة الميل والشهوة وقوله من بعد( وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يبين صحة ما ذكرناه وهو أنه عالم بالمصالح وبما يؤدي اليه ما يشق من المنافع وبما يؤدي اليه ما يتلذذ به من المضار.

[ مسألة ] وقيل كيف يقول تعالى إن في الخمر والميسر منافع للناس مع الإثم العظيم وجوابنا أنّه لا يمتنع أن يحصل في شربه منافع ترجع إلى مصالح البدن فاما ان يراد به منافع الآخرة فالذي بينه من أن الاثم في شربه أكثر من نفعه يبطل ذلك وهذه الآية من أقوى ما يدل على تحريم الخمر لان اثم شربها إذا كان كبيرا فيجب ان تكون محرمة ومعنى قوله( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ) يدل على اباحة خلط أموالهم بأموالنا واستعمال الاجتهاد فيما يكثر منها ويحصل فيه النماء وكان ذلك في أوّل الاسلام ثمّ نسخ بأن ينظر في أموالهم متميزة من أموالنا وتطلب لهم فيها المنفعة.

[ مسألة ] وقيل كيف قال تعالى( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) ثمّ قال بعد ذلك( أُولئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) وكذلك الفساق ربما دعوا إلى النار ويحل نكاح نسائهم. وجوابنا أنّ الكفار قبل قوة الاسلام في حال غلبتهم كان الله تعالى حرم نكاح نسائهم لهذه العلة ثمّ أباح نكاح الكتابيات وقد قوي الاسلام وذلوا باداء الجزية فخرجوا من أن يكون

٤٣

فيهم هذه العلة ولذلك قال تعالى( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) فنبه تعالى بقوله( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ) على أنّ ذلك شرع متجدد وهذا قول عامة الفقهاء وان كان في الناس من يحرّم نكاحهن في هذا الوقت أيضا فأما الفاسق من جملة من ينتحل الاسلام فانه لا يوصف بانه يدعو إلى النار.

[ مسألة ] وربما سألوا فقالوا قد قال( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) ومع ذلك فعندكم ان الحرة الكتابية يقدم نكاحها على نكاح الامة فكيف يصح ذلك وجوابنا أنّ المراد تقديم الأمة المؤمنة على الأمة الكافرة فلا يدل على ما ذكرته كأنه تعالى لـما أباح نكاح الحرائر نفى تحريم نكاح الاماء منهن أصلا أو تحريم تقديم نكاحهن إذا كنا إماء على نكاح الأمة المؤمنة وقد حصل في الكتابية إذا كانت أمة النقص من وجهين فلذلك تقدم الأمة المسلمة على نكاحها عند كثير من العلماء.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله تعالى( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا ) قالوا فكيف يمنع من ذلك مع البر وذلك غير مكروه. وجوابنا أنّ المراد ان لا تبروا ومثل ذلك شائع في اللغة كقوله تعالى( يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ) ومعناه أن لا تضلوا وقد قيل أنّ المراد كراهة الاكثار من اليمين وان بر فيه الحالف فيعظم ذكره جل وعز عن هذه الطريقة.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) فقالوا كيف يصح وقد يقع ذلك تعمدا. وجوابنا أنّ المراد أنه تعالى لا يؤاخذكم به على حد المؤاخذة بالايمان إذا كان ذلك يقع منه لا عن

٤٤

قصد إلى عقد اليمين وان كان قاصدا إلى نفس الكلام وهذا كما تعلم ان الأكل في شهر رمضان سهوا لا يؤاخذ به من حيث قصد نفسه الأوّل وان كان ذلك الأكل مما يقبح.

[ مسألة ] وسألوا عن قوله تعالى( وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) فقالوا كيف يصح ذلك وقد ثبت في الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انه تعالى لا يؤاخذ أمته بما تحدث به نفسها ما لم تعمل به. وجوابنا أنّ كسب القلب إذا كان من باب الاعتقاد أو من باب الارادة والكراهة يؤاخذ المرء به وإنّما أراد تعالى بهذا الكلام مؤاخذة الحالف على ما يقصد اليه من الايمان والمراد أيضا المؤاخذة في باب ما يلومه فيه الكفارة وليس لحديث النفس في ذلك مدخل ولا يؤاخذ المرء بحديث النفس إذا كان على وجه من التمني فانه يتمنى أن يرزقه الله تعالى مال زيد أو امرأة زيد إذا مات على الوجه المباح فالمرء الذي يعمل في ذلك عملا غير محرم لا يكون عليه في ذلك اثم.

[ مسألة ] وسألوا فيما قيل( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) فقالوا جعلهما من شعائر الله وذلك يقتضي التعبد ثمّ قال( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) وذلك يدل على الاباحة فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ في المتقدمين من قال أن المراد بذلك فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما كانه تعالى بين ان ذلك وان كان من الشعائر فليس بواجب وفي الناس من قال قد كان المشركون يمنعون من ذلك أشد منع فورد عن الله تعالى ازالة هذا المنع بقوله( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) ولا يمتنع ان ذلك ينصرف إلى ازالة المنع من التعبد ويقولون قد صح عنه صلّى الله عليه وسلم انه قال اسعوا فان الله كتب عليكم السعي وقوله( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) عقيب ذلك كالدلالة على أنّ ذلك تعبد لكنه يقوي الوجه الأوّل في انه ليس بواجب.

وبعد فان رفع الجناح يقتضي ان ذلك ليس بقبيح ثمّ الكلام كيف حاله هل هو واجب أو ليس بواجب يقف على الدليل فليس في الآية تناقض كما زعموا.

٤٥

[ مسألة ] وسألوا عن معنى قوله( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فقالوا كيف جعل له أن يقصر في حقها لمكان اليمين.

وجوابنا انه تعالى منع من ذلك بقوله( فَإِنْ فاؤُ ) فان المراد فان فاءوا فيها وخالفوا ما اقتضاه يمينهم فان الله غفور رحيم فمنع الزوج من أن يفعل ما يقتضيه يمينه فالأمر بالضد مما سألوا عنه والمراد يقوله فان فاءوا العود إلى خلاف ما منع نفسه منه باليمين وأباح له مع ذلك الطلاق إذا أراد بشرط أن لا يقصد إلى مضارتها لمكان اليمين ثمّ بين انه ان طلق فعلى المطلقة العدة وبين تلك العدة فبين ان في حال العدة لبعولتهن الرجعة ان أرادوا بذلك. وبين ان بعد الرجعة لهن حق كما أن عليهن حقا فبين كيف يطلق المرأة وكيف يخالع امرأته عند المضارة فبين في الطلاق الثلاث انها تحرم إلّا بعد زوج وان ذلك مخالف للطلقة والطلقتين. فبين تعالى ما فيه الرجعة مما لا رجعة فيه. وبين ان هذه الحدود متى لم يتمسك المرء بها عظم اثمه ثمّ بين في هذه الآيات ما يلزمه من أدب الدين في أحكام الزوجات وأحكام الرضاع وأحكام العدة وغيرها إلى قوله( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) فاكد وجوب المحافظة على هذه الوسطى ولم يبينها فربما يكون ترك بيانها أصلح كما نقول في ليله القدر لانها إذا لم تبين مفصلة يكون المرء أقرب إلى ما يلزم في حق عبادته وان كان العلماء قد اختلفوا في ذلك فذكروا الصبح والظهر والعصر وذكروا المغرب والذي يقوي في الخبر هو العصر.

[ مسألة ] وقالوا كيف يقول( وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ) ثمّ يقول( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أو رُكْباناً ) . وجوابنا أنّه فصل تعالى بين حال الأمن وبين حال الخوف الشديد لكن يتمسك المرء بالمحافظة وان لم يتمكن من القيام والتوجه في سائر الأركان كما يجب فقد روي في الخبر ان المراد بقوله( فَرِجالاً أو رُكْباناً ) مستقبلي القبلة وغير مستقبليها إذا كان حال

٤٦

المسايفة والمحاربة ولذلك قال تعالى( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ) أي كما حده وبينه من أركان الصلاة.

[ مسألة ] وربما قيل ما حده الله تعالى في المعتدة عن وفاة زوجها من الحول الذي بينه في قوله( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إلى الْحَوْلِ ) كيف أن يكون منسوخا بقوله( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) مع أنه المتأخر في القرآن فكيف يجوز في المنسوخ أن يكون هو المتأخر ومعلوم من حال الناسخ أن يكون آخرا وجوابنا أنّه متأخر في نظم التلاوة وهو متقدم في الانزال على الرسول صلّى الله عليه وسلم وهذا هو المعتبر وهذا بمنزلة ما يثبت أن الناسخ فيه مقارن للمنسوخ وان وجب أن يكون متأخرا. ومن أصحابه أيضا أن ينزل تعالى المنسوخ أولا ويتعبد بالتوقف فيه ثمّ يرد الناسخ فعنده يؤمر بالعمل به ثمّ بالعمل بالناسخ ويكون معهما قرائن وجعل الله على النساء الفراق بالموت أو الطلاق أو الفسخ مدة عدم احتياط الانسان فاذا لم يقع الدخول فلا عدة في الطلاق وتجب العدة في الوفاة. وجملة العدة تكون في الوفاة أربعة أشهر وعشرا إذا لم يكن حمل فان حصل الوضع قبلها انقضت العدة به وفي الطلاق بانقضاء أيام الحيض وهي ثلاث حيض واذا لم يكن الحيض ممكنا فبالشهور وهي ثلاثة أشهر في الحرائر وفي الاماء على النصف من عدة الحرة وكل ذلك ما لم يكن حمل فاذا كان فالعدة تنقضي بوضع الحمل وقد بين الله تعالى كل ذلك وبين أيضا ما يجب للزوجات من نفقة وغيرها.

[ مسألة ] وقوله( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ) وهو أمر بالاعتداء وكيف يجوز ذلك والاعتداء قبيح. وجوابنا أنّه تعالى أجرى اسم الاعتداء على ما هو مقابل له من الجزاء كقوله( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ

٤٧

سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ولا يجوز عليه تعالى أن يأمر بالاعتداء مع قبحه.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ) كيف يصح أن يريهم ذلك في الآخرة. وجوابنا أنّه يحتمل أن يريهم ذلك في الصحف ويحتمل أن يريهم ثواب عملهم من الجنة لو كانوا لقد أطاعوا فاذا صرف ذلك إلى غيرهم كثرت حسراتهم.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ) وكيف يصح ذلك ويتعالى الله عن جواز الاتيان عليه. وجوابنا أنّ المراد إتيان الملائكة أو متحملي أمره كما قال تعالى في سورة النحل( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أو يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ) وهذا كقوله( وَجاءَ رَبُّكَ ) والمراد رسل ربك.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ) ولا يجوز عليه أن يزين الكفر. وجوابنا أنّه لم يقل من الذي زين والمراد الشياطين وغيرهم ممن يحسن ذلك للكفار ويحتمل ان يراد ان الله تعالى زين الحياة الدنيا بالشهوات ليكون المكلف بالامتناع من ذلك مستحقا للثواب وهذا يكون من قبل الله تعالى لكنه يضيف إلى ذلك النهي والزجر ولذلك قال( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) ومعلوم في الثلاثة والسبعة انها عشرة فأي فائدة في ذلك وجوابنا أنّ المراد انها كاملة في الاجر لانه كان يجوز ان يقدر ان الهدى أعظم أجرا من هذا الصيام إذا لم يجد الهدى فبين تعالى انه مثل ذلك في الاجر ويحتمل أن يكون المراد أن أجرها في الكمال كأجر من أقام على احرامه ولم يتحلل ولم يتمتع وقد قيل أنّ المراد أن صوم

٤٨

السبعة وان فارق صوم الثلاثة فهو كامل كما يكمل لو اتصل. وقيل ان المراد بكاملة مكملة فكأنه قال تعالى فاكملوا صومها وقيل إن المراد قطع التوهم بوجوب شيء آخر بعدها.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ولا اتصال لذلك بما تقدم. وجوابنا أنّ المراد انه سميع لقول القائل عليم بفعله رغب بذلك في الجهاد والقيام به كما يجب.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) وعندكم قد هدى الله كل الخلق.

وجوابنا أنه خصهم لـما اختصوا بان قبلوا وعملوا كقوله في أوّل السورة( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ ) ولا ولا يجوز عليه عندكم ذلك. وجوابنا أنّ قوله لو يدل على نفي ما ذكر فدل بذلك على انه تعالى لا يشاء ما يكون قبيحا من العنت وغيره.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله في قصة طالوت( وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ ) وعندكم ان الملك في الظلم لا يكون من قبل الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد بالملك الاقتدار والنعمة والرأي الصادر عن العقل وكل ذلك من جهة الله أما نفس الظلم فلا يكون من فعله وهو سيئة.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله عز وجل( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) ان ذلك يدل على ان كل غلبة من المحاربين من قبل الله. وجوابنا أنّ الاذن قد يراد به التخلية وذلك يكون من

تنزيه القرآن (٤)

٤٩

قبله تعالى لأنه لا يأمر بما يقبح فأما الغلب في الجهاد فانه من قبل الله من حيث وقع بأمره وترغيبه.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ ) كيف قطعوا بذلك وهو حكاية عن طالوت والذين آمنوا معه. وجوابنا أنّ المراد بذلك انه لا طاقة لنا إلّا من قبله على وجه الاتكال على الله تعالى واضافة الحول والقوة اليه وقد قيل ان ذلك هو من قول أهل الشرك فيهم لا من قول المؤمنين.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) وكيف قال( وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا ) أو ما يدل ذلك على انه يريد القتال من الكفار أيضا وانه لم يرده من المؤمنين. وجوابنا أنّ المراد مشيئة الاكراه والمراد لو شاء الله أن يلجئهم فلم يقتتلوا لكن لم يشأ ذلك بل مكن من الأمرين تعريضا للثواب وقيل ان المراد بذلك ولو شاء الله أن لا يقتتلوا بسلب عقولهم لفعل ذلك لكن اختلفوا لـما أعطاهم العقول في القدر ولما اختلفوا فلو شاء الله أيضا ما اقتتل الذين من بعده بأن يمنعهم من القتال بالقتال.

[ مسألة ] وربما قيل إن قوله في قصة طالوت( رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً ) يدل على ان الصبر من قبل الله وأنتم تقولون انه من فعل العبد. وجوابنا انهم سألوا من الألطاف فيقوي نفوسهم على الصبر على القتال كما ذكرناه في قوله( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله تعالى( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ ) وقالوا ان ذلك يدل على ان الاسلام من فعل الله فيهم. وجوابنا أنّ ذلك كقوله( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ )

٥٠

ومعلوم انهم لم يفعلوا فيهم الكفر لكنهم رغبوا ودعوا إلى ذلك فالمراد انه تعالى يخرجهم من الظلمات إلى النور بالالطاف التي يفعلها في هذا الباب والاخراج من الكفر والايمان في الحقيقة لا يجوز وإنّما يذكر على وجه المجاز والتشبيه في انتقال الأجسام.

[ مسألة ] وربما قالوا ان قوله تعالى( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ) يدل على انه تعالى عالم بعلم وأنتم تقولون أنه عالم بذاته. وجوابنا أنّ المراد بذلك المعلومات ولذلك قال( إِلاَّ بِما شاءَ ) فأدخل فيه ما يدل على التبعيض وذلك لا يتأتى إلّا في المعلومات.

[ مسألة ] وربما قالوا كيف قال( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) أفما يدل ذلك على انه يستوي على الكرسي. وجوابنا أنّ المراد بهذه الاضافة انه مكان لعبادة الملائكة كما يقال في الكعبة إنها بيت الله وقد قيل أنّ المراد بالكرسي العلم والقدرة والاول أصح أراد تعالى أن يبين قدرته على العظيم من خلقه لتعلم بذلك قدرته على ما عداه.

[ مسألة ] وربما قيل ان قوله( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ) يدل على جواز الشك على الأنبياء في مثل ذلك. وجوابنا أنّ طلبه لذلك أن يريه ذلك عيانا من غير تدريج كما يخلق تعالى الحي من النطفة والعلقة لا انه لم يعرف الله فطلب زيادة شرح الصدر ولذلك قال( بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ ) ان قوله بعد قول ذلك الكافر( أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) يدل على ان ابراهيم انقطع في القول الأوّل وذلك لا

٥١

يجوز على الانبياء. وجوابنا في ذلك من وجوه ( أحدها ) ان خصمه المنقطع لان ابراهيم7 أراد إحياء من لا حياة فيه فلم يكن له في ذلك حيلة وادعى الاحياء على وجه التبقية ومع ذلك زاده بيانا آخر لا يمكنه التمويه فيه ( وثانيها ) انه أراد اثبات الالوهية بأمر لا يصح منا وذكر إحياء الميت لدخوله في هذه الجملة فاذا عدل إلى ذكر الشمس وطلوعها فانما عدل عن مثال إلى مثال لأن الأمثلة تذكر للايضاح ( وثالثها ) انه بين له انه لم يقدر على أن يأتي بالشمس من المغرب مع ان ذلك من جنس الحركات التي يقدر العبد عليها فكيف يصح منه ما ادعاه في إحياء الميت ( ورابعها ) أنه استأنف له حجة أخرى لـما انقطع في الأوّل وادعى ما هو خارج عن طوق الاحياء ( وخامسها ) أن المحاجة من الأنبياء تقع على طريقة الاستدعاء فلهم ان يؤدوا حالا بعد حال ما يكون أقرب إلى الاستجابة ولا يقع ذلك على طريقة المناظرة، واذا كان الله تعالى نبه المكلفين بذكر الأدلة على وجه التحقيق يكلهم بذلك إلى التدبير والتفكر. فالأنبياء صلى الله عليهم مثل ذلك بحسب ما يغلب في ظنهم من تأثيره فيمن يخاطب بذلك فلذلك قال تعالى بعده( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) لانه في الفصل الثاني تحير ولم يتمكن من إيراد شبهته كما أورد في الفصل الأوّل ( فان قيل ) فلو إنه قال لإبراهيم صلّى الله عليه وسلم عند قوله( فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ ) إن كان الله تعالى يأتي بها من المشرق فليأت بها من المغرب فكيف يكون حاله ( قيل له ) لو قال ذلك يسأل ربه أن يأتي بها من المغرب حتّى يصير مشاهدا لها وقوله تعالى بعد ذلك( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) يدل على أنه أراد بالهداية الاثابة أو طريقة الجنة أو الألطاف التي هي زيادات الهدي فان الهدى الذي هو الدلالة قد هدى به الظالمين كما هدى به المتقين. وفي هذه الآية دلالة على بطلان التقليد لانّ الأنبياء صلّى الله عليهم وسلم إذا لم يقتصروا على قولهم بل استعملوا المحاجة مع خصومهم فكيف يسوغ لأحد في الديانات التقليد.

٥٢

[ مسألة ] وربما قيل ما فائدة قوله في الذي( مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ ) وأي معنى في هذا السؤال. وجوابنا التنبيه على قدرته تعالى لانه ظن انه لبث يوما أو بعض يوم فأراه الله تعالى في أمر الطعام والشراب والحمار ما عرف به قدرته ولا يجوز في جوابه أن يحمل إلّا على الظن لأنّ الميّت لا يعرف مقدار ما بقي ميتا إلّا إنْ أحياه الله وكلّ ذلك يظهر ويكون معجزة لبعض الأنبياء.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) كيف يبطل ذلك. وجوابنا أنّ المراد بطلان ثوابها بما يقع من المتصدق من المنّ عليهم وأذية قلوبهم نحو أن يقول المتصدق للفقير ما أشد إبرامك وخلصنا منكم الله إلى ما يجري هذا المجرى فأدب الله تعالى المتصدق بأن لا يكسر قلب الفقير فكما أحسن في الفعل يحسن في القول ولذلك مثله( كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ) وأدب أيضا بقوله( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ) لان ما ينفق لله وطلبا للثواب يجب أن لا تكون منزلته دون منزلة ما يتلذذ به في الدنيا وهذا تأديب حسن. وأدب أيضا بقوله( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ) فيبعث على البخل وترك الصدقة( وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً ) فيبعثكم على الصدقة وعلى خلاف الفحشاء والمعاصي. وبعث الله تعالى أيضا على إخفاء الصدقة بقوله( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) والعلماء يقولون ان الأولى في الواجب أن يظهر وفيما عداه أن يكتم فيكون أقرب إلى أن يكون مفعولا لذات الله تعالى. وربما قيل ما معنى قوله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَ

٥٣

اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) مع أن الله تعالى بعثه هاديا ومبينا. وجوابنا أنّ المراد ليس هو الدلالة لان الله تعالى قال( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) بل المراد اللطف لان ذلك ليس في مقدوره صلّى الله عليه وسلم ولا يعلم الحال فيه فلذلك قال( وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) ويحتمل ان يريد به الثواب لان ذلك في مقدوره تعالى، فقد كان صلّى الله عليه وسلم يغتم إذا لم يؤمنوا فبين ان ان ذلك ليس اليه.

[ مسألة ] وربما قيل ان قوله( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) كيف يصح ذلك وعندكم ان الشيطان لا يقدر على مثل ذلك. وجوابنا أنّ مس الشيطان إنما هو بالوسوسة كما قال تعالى في قصة أيوب( مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) كما يقال فيمن تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب وبين ذلك قوله في صفة الشيطان( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) ولو كان يقدر على ان يخبط لصرف همته إلى العلماء والزهاد وأهل العقول لا إلى من يعتريه الضعف واذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة فتغلب عليه المرة فيتخبط كما يتفق ذلك في كثير من الانس إذا فعلوا ذلك بغيرهم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى ) فجعل العلة ما يعتري من النسيان وذلك قائم في الرجلين أيضا فكيف يقتصر عليهما في الشهادة وجوابنا أنّ الأغلب في النساء لنقصهن جواز النسيان وليس كذلك في الرجال فلذلك فصل بين الامرين.

٥٤

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) ان هذا يدل على جواز تكليف ما لا يطاق والا لم يكن لهذه المسألة معنى. وجوابنا أنّ مسألة الشيء لا تدل على أن خلافه يحسن أن يفعل يبين ذلك قوله تعالى( قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) ولا يجوز أن يحكم بغيره وقول ابراهيم7 ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) ولا يجوز أن يخزي الله تعالى الانبياء فبطل ما ذكرته وبعد فيجوز أن يكون المراد بذلك( وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ) من العذاب في الآخرة والطف بنا حتّى ننصرف مما يؤدي إلى ذلك.

٥٥
٥٦

سورة آل عمران

[ مسألة ] ربما قيل إذا كان في القرآن ما يخالف ما في التوراة والانجيل من النسخ وغيره فكيف يقال( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) . وجوابنا أنّ الناسخ به لا يكون مخالفا لان المنسوخ تعبّد به في وقت والناسخ تعبّد به بعد ذلك الوقت فلا خلاف فيه وفي شريعتنا ناسخ ومنسوخ وليس ذلك بموجب ان لا يصدق بعضه بعضا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ ) أفما يدل ذلك على ان ننظر فيهما كما ننظر في القرآن وجوابنا أنّ من عرف تلك اللغة وأمن التحريف يحسن منه أن ينظر فيهما لكنه لا يجب من حيث كان العقل والقرآن يغني عن ذلك وإنّما يمنع من النظر فيها لـما يجري من التحريف الذي لا يميزه مما لا تحريف فيه.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ) كيف يجوز أن ينزل ما يشتبه والمراد البيان. وجوابنا أنّ ذلك ربما يكون أصلح وأقوى في المعرفة وفي رغبة كل الناس في النظر في القرآن إذا طلبوا آية تدل على قولهم ويكون أقرب إذا اشتبه إلى النظر بالعقل ومراجعة العلماء وهذا يجوز ان يعرف المدرس انه إذا ألقى المسألة إلى المتعلم من دون جواب يكون أصلح ليتكل على نفسه وغيره.

٥٧

[ مسألة ] وربما قيل فما معنى قوله( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ) كيف يجوز في بعض القرآن أن لا يعلمه العلماء وإنّما يؤمنون به وقد أنزله الله بيانا وشفاء. وجوابنا أنّ في العلماء من يتأوله على ما تؤول اليه أحوال الناس في الثواب والعقاب وغيرهما فبين تعالى انه جل جلاله يعلم ذلك وهو تأويله وان الراسخين في العلم يؤمنون بجملة ذلك ولا يعرفونه ولم يمن بذلك الأحكام والتعبد وهذا كقوله( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ ) وأراد به المتأول وقال بعض العلماء المراد ان الراسخين يعلمون أيضا وهم مع ذلك يؤمنون به فيجمعون بين الامرين بأنه قد يعلم معنى الكلام من لا يؤمن به وقد يؤمن به من لا يعلم معناه بقوله تعالى( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أي والا الراسخون في العلم ويقولون مع ذلك( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ) وكلا الجوابين صحيح وبيّن تعالى ان من في قلبه زيغ يتبع المتشابه كاتباع المشبهة والمجبرة ظاهرة ما في القرآن فذمهم بذلك. والواجب اتباع الدليل وليس في المتشابه آية إلّا ويقترن بها ما يدل على المراد. والعقل يدل على ذلك فالله تعالى جعل بعض القرآن متشابها ليؤدي إلى اثارة العلم والى أن لا يتكلوا على تقليد القرآن ففيه مصلحة كبيرة. وقد قيل أنّ المراد لا يعلم تأويله على التفصيل عاجلا أو آجلا إلّا الله تعالى وإنْ كان الراسخون في العلم يعلمون ذلك على الجملة دون التفصيل.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله في أوّل السورة( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ) ويقولون انه تعالى ذكر ذلك ثمّ كرره بقوله( وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ ) وأنتم تمنعون من مثل هذا التكرار في كتاب الله تعالى. وجوابنا أنّ المعنى والغرض ذا اختلفا لم يكن تكرارا ففي الأوّل بين أنّه أنزل الكتاب بالحقّ وأنّه مصدق لـما بين يديه من الكتب وفي الثاني ان

٥٨

التوراة والانجيل كما جعلهما هدى للناس كذلك الفرقان جعله هدى ومفرّقا بين الحق والباطل.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) ما فائدة الشهادة منه تعالى ومن لا يعلم ويعرف بصفاته وعدله لا يوثق بقوله ؛ وكذلك شهادة الملائكة فما الفائدة في ذلك. وجوابنا أنّه تعالى قد نبه على طريق معرفته في مثل قوله( يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) وفي آية المحاجة لإبراهيم صلّى الله عليه وسلم وغير ذلك فأراد تعالى أن يحقق التوحيد بذكر شهادة الملائكة والعلماء ومثل ذلك بعد البيان يكون مصلحة وليس المراد بذلك الشهادة التي هي مثل البينات في الحقوق بل المراد التنبيه على وضوح الشيء ووضوح أدلته وبعث السامعين على تأمل طريقته.

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله تعالى( رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ) ان ذلك كالدلالة على أنه يزيغ قلوب البعض من العباد وانه يصرفهم عن الهدى. وجوابنا ما تقدم من أن السائل قد يسأل ما المعلوم أنه تعالى لا يفعل خلافه فليس في هذه المسألة دلالة على أنه تعالى يفعل ببعضهم زيغ القلب كما ليس في قوله( رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) دلالة على انه يحكم بالباطل والمراد انهم سألوا أن يلطف بهم في أن لا يزيغ قلبهم بعد الهدى لأن المهتدى قد يحتاج إلى الالطاف ليثبت على ذلك ويزداد هدى إلى هدى.

[ مسألة ] وربما قالوا فعلى هذا التأويل سألوا الله تعالى أن يلطف لهم في أن لا يزيغ قلبهم عن الهدى وهو اللطف فيجب في قوله( وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) أن يكون تكرارا لأنّ الأوّل أيضا رحمة ونعمة. وجوابنا أنّ المسألة الاولى هي اللطف في باب الدين والثانية في التفضل في المعجل في مصالح الدنيا فالمعنى مختلف.

٥٩

[ مسألة ] قالوا لم ذكر تعالى في قوله( وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) ولا تعلق لوصفه تعالى بأنه سريع الحساب بقوله ومن يكفر بآيات الله فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ المراد بالحساب المجازاة على ما يأتيه المرء لان العلماء في الحساب مختلفون فمنهم من يقول المراد به بيان ما يستحقه المرء على عمله ومنهم من يقول بل المراد نفس المجازاة وعلى الوجهين جميعا للثاني تعلق بالأول فكانه قال( وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ ) المحاسبة له ولغيره فيظهر ما يستحقه ويحل به وهذا نهاية في التهديد وفي بيان العدل لانه تنبيه على ما ينزل به من العقاب فهو بحسب ما يستحقه لانه يفعل به على وجه المجازاة ولذلك قال تعالى بعده( وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) لـما كان من باب التفضل.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) ما الفائدة في ذكر قتل الأنبياء بعد الكفر وقتل المؤمنين ومعلوم انهم يستحقون العقاب على كفرهم وان لم يفعلوا شيئا من ذلك. وجوابنا أنّ ما بشر به من العذاب لا يجب أن يرجع إلى مجموع ذلك بل يرجع إلى كل خصلة منه فكأنه قال( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) فكمثل ذلك فلا يدل ذكر الكل على ما ذكره لان الوعيد راجع إلى كل واحد وقد قيل ان الآية نزلت في اليهود الذين كان سلفهم بهذه الصفات.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ ) إنه يقع من العباد فكيف أضافه الله اليه. وجوابنا أنّ النصر قد يقع من العباد بعضهم على بعض والأكثر منه ما يقع من الله بأمور يفعلها فتقوى

٦٠