عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء

عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء0%

عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 151

عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء

مؤلف: السيد محمد تقي المدرسي
تصنيف:

الصفحات: 151
المشاهدات: 30355
تحميل: 1644

توضيحات:

عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 151 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30355 / تحميل: 1644
الحجم الحجم الحجم
عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء

عاشوراء امتداد لحركة الأنبياء

مؤلف:
العربية

لا فرق بين أن تدعي انك تؤمن بالله ثم تكفر به عملياً، أو تدعي ذلك رأساً، ولا فرق بين أن تعتقد بأنك تؤمن بالله ثم تشرك به عن طريق خضوعك وسجودك لصنم وبين أن تشرك بالله عن طريق خصوعك لطاغوت، فان ذلك صنم وهذا هو الآخر صنم، أحدهما صنم حجري، والآخر صنم بشري ولا فرق بينهما.

ولذلك التبست الامور على طائفةً من الناس ففسروا القرآن وزعموا ان كلمة الشرك والكفر والفسق، إنما هي مخصوصة باولئك الذين كانوا يعلنون الشرك ويجحدون بالله بصورة واضحة.

أسباب وأهداف وتوجيهات بعثة الأنبياء.

لنعد الى القرآن ونتدبر في آياته لنرى من الذي أرسل اليهم الانبياء، وبالتالي لنعرف لماذا كان قيام الانبياء (ع)، وماذا كان هدف الانبياء (ع) من ثورتهم، ومن حركتهم التصحيحية في مسيرة الكون.

القرآن الكريم يقول:

((كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * اني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون)) (١٠٥/١١٠ الشعراء)

٢١

في هذه الآيات نرى بصورة واضحة ان النبي نوح (ع) وهوشيخ المرسلين كان يأمر قومه بالتقوى وبالطاعة مما يدل على ان مشكلتهم كانت الفسق، ومعصية الرسول، فلننظر ماذا أجابه قومه قالوا:

((أنؤمن لك واتبعك إلا الارذلون)) ١١١/الشعراء

هذا هو الجواب الذي يدل على نوعية المشكلة، فما هي مشاكل مجتمع النبي نوح عليه الصلاة والسلام؟.

المشاكل الاجتماعية في عهد نوح (ع) آنذاك كانت الطبقية، والنبي نوح (ع) إنما جاء لحل هذه الاشكالات من مجتمعه، فقالوا أنؤمن لك، واتبعك الارذلون.

وناتي على طائفة أخرى من الاقوام البشرية وهم عاد وجاء في القرآن الحكيم:

((كذبت عاد المرسلين * إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون * اني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين * أتبنون بكل ريع آية تعبثون * وتتخذون مصانع لعلّكم تخلدون * واذا بطشتم بطشتم جبارين * فاتقوا الله واطيعون * واتقوا الذي أمدّكم بما تعلمون * أمدّكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين * ان هذا إلا خلق الاولين * وما نحن بمعذبين * فكذبوه فأهلكناهم ان في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)) (١٢٣/١٣٩/الشعراء)

٢٢

في هذا الموقف نتسائل ونقول: ماذا كانت دعوة هود لقوم عاد، والى ماذا دعاهم؟

الجواب:

دعاهم الى التقوى والطاعة، ودعاهم الى ترك السلبيات التي تورطوا فيها، سلبية الغرور والبطش والاعتماد على الامور المادية. فماذا كان رد عاد، وماذا قالوا له؟

قالوا: لا، نحن لا نؤمن بالرجعية، ولا نؤمن بالافكار المتخلفة التي يدعوها نبي الله هود-عليه الصلاة والسلام-.

إذاً فالمشكلة بين هود وقومه عاد لم تكن مشكلة في أصل الايمان، وإنما المشكلة الاساسية فيما يترتب على الايمان من السلوك الحسن، ومن التواضع، ومن التسليم لأمر الله، ومن التقوى والطاعة.

٢٣

* يقول القرآن الحكيم:

((كذبت ثمود المرسلين * إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون * اني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسئلكم عليه من أجر ان أجري إلا على رب العالمين * أتتركون في ما ها هنا آمنين * في جنات وعيون * وزرع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون في الجبال بيوتاً فارهين فاتقوا الله وأطيعون * ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون * قالوا إنما أنت من المسحرين * ما أنت إلا بشر مثلنا فات بآية ان كنت من الصادقين * قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم * ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم * فعقروها فأصبحوا نادمين * فأخذهم العذاب أنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين)) (١٤١/١٥٨/الشعراء).

وهكذا كانت ثمود حيث جاء شعيب الى قومه اصحاب الايكة ودعاهم بنفس الفكرة وذات النغمة:

((فاتقوا الله وأطيعون)).

إذن فكل ذلك يدل على فكرة واحدة هي ان الانبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يكونوا مرسلين الى قوم يجحدون بالله جحداً تاماً إلا في بعض الفترات اما في الاغلب فكانت رسالتهم موجهة ضد أولئك الذين جحدوا بالله عملياً وسلوكياً، ونقرأ في سورة أخرى وهي سورة العنكبوت آيات توضح لنا هذه الفكرة أكثر فالقرآن الحكيم يقول:

٢٤

((وعاداً وثمود قد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين * وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبيانات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين * فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)) (٣٧/٤٠)

أنظروا.. ماذا تقول هذه الآيات الكريمة، تقول ان هؤلاء استكبروا في الارض فزين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل، وكانوا أصحاب بصيرة وكان طريقهم قويماً، وبعد أن كانوا مهتدين بهدى الحق، ولكن ضلوا عن هذا الطريق بسبب أعمالهم التي زينها الشيطان لهم

فالمشكلة اذا كانت مشكلة سلوكية قبل أن تكون مشكلة عقائدية بالمفهوم الضيق لكلمة العقيدة، ان الانبياء بعثوا في الاغلب الى أولئك الذين أنكروا الرسالات بأعمالهم ففسروها تفسيراً خاطئاً، وفسقوا ولم يأتمروا بأوامرها، ولم يلتزموا بالتزاماتها كقوم صالح (ع) أو انهم لم يطيعوا القيادات الرسالية التي بعثت اليهم. هذه كانت خلاصة الانحراف، الذي جاء الانبياء من أجل اصلاحه في المجتمعات الانسانية.

٢٥

ثانياً: التوجه الجزئي للرسالات عائق للتفاعل الحياتي مع القرآن.

لو اننا زعمنا بأن الانبياء إنما أرسلوا الى قوم أنكروا الله انكاراً تاماً، وبصورة علنية كالذين قالوا ان الله غير موجود، مثل نمرود، لو قلنا هذا الكلام لفصلنا جزءاً كبيراً من القرآن الحكيم عن التفاعل في حياتنا، لماذا؟

لان الناس في الارض عادة على مرّ التاريخ خصوصاً-الآن-لا ينكرون الله انكاراً تاماً وصريحاً واذا سألتهم من ربكم؟ قالوا الله فاطر السماوات والارض، وحتى المشركين في مكة المكرمةكانوا يطوفون حول البيت، ويرددون هذه الكلمة، [لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك لبيك]، يعني لا شريك لك إلا شريك واحد، وهذه الكلمة كان يرددها المشركون حول الكعبة كثيرا، وهم كانوا يؤمنون بالله ولا ينكرون وجوده.

ان الشرك يعني عبادة الاصنام أيضاً، هذا شرك يمكن تفسيره تفسيراً معيناً، إذ أن هؤلاء الذين كانوا يعبدون الاصنام كانوا يقولون لا نعبدهم إلا لتقربنا الى الله زلفى، ومن ثم اتخذوا الاصنام وسيلة، وأحد شعراء الصوفية يقول في شعره الفارسي: المشكلة بين فرعون وموسى لم تكن مشكلة توحيدية، إنما مشكلة من نوع آخر، موسى كان يقول لفرعون، لماذا أنت فقط الا له؟ لكل أناس آلهة فالشمس إله، والقمر إله، والارض إله.

٢٦

المشكلة الحضارية للعالم..

المشكلة الحيققية التي لا تزال موجودة في العالم هي مشكلة الانحرافات السلوكية، والانحرافات الحضارية، أي انحراف الانسان عن القيادات الصحيحة والرسالية، هذه المشكلة التي لا تقبل الحل، أما مشكلة أن تقول للناس قولوا لا إله إلا الله، فالناس يقولوا ألف مرة، والصلاة يصلونها في وقتها، وكذلك الصوم يصومون، وسائر ما عليهم من العبادات يؤدونها، فماذا تريد؟

ان هذا ليس فيه أدنى اشكال، أنما الاشكال الذي نحن فيه والمشاكل التي نحن فيها، هي من نوع آخر، من نوع انحراف الانسان النفسي بالاضافة الى الامراض الاجتماعية، والامراض الاقتصادية، والامراض السياسية الموجودة عند البشرية، ولو قلنا بأن الانبياء لم يأتوا لمعالجة هذه الامراض، فان ذلك يعني فصل القرآن عن المجتمع، وقد لا يكون الانفصال تاماً، وإنما يمارس البعض منا تلاوة القرآن الغير واعية مع اعتقاده الراسخ بأن هذه الآيات لا تخصه ، لان النبي الذي جاء ليس من أجل هذه الامراض التي نعانيها، وإنما جاء من أجل مرض آخر لا نعاني منه شيئاً ، ربما كان هذا الهدف الوهمي ضيق من حدود القرآن الكريم، وحجم آفاق رسالة الانبياء في بؤرة صغيرة وهي مقاومة الشرك العلني أو الكفر الصريح، وكما قلنا ان هذا الهدف بعيد عن روح القرآن، بل هو صريح في آيات البعد عن آيات القرآن التي تأتي لتبين بأن الانبياء يذهبون لاداء رسالتهم وهم يركزون على سلوكيات معينة في المجتمع وعلى انحرافات خاصة.. أنظروا في سورة يونس، وسورة الانبياء، وسور الشعراء والقصص والروم والعنكبوت، هذه السور القرآنية توضح كيف ان رسالة الانبياء، كانت موجهة لانحرافات معينة، بعضها اقتصادية، وبعضها اجتماعية، والاخرى خلقية، فلماذا رفض قوم لوط رسالة الله التي جاءتهم على يد لوط؟

٢٧

القرآن بجيب:

لانهم كانوا منحرفون خلقياً، ولان لوط عليه الصلاة والسلام كانت رسالته موجهة بصورة مباشرة ومركزة ضد هذا الانحراف، لذلك لم يقبلوه، ورفضوه، وبالتالي عذبهم الله. ومن أجل سائر الانحرافات الاجتماعية جاءت رسالات السماء.

٢٨

ثالثاً: فهم القرآن بالقرآن.

ان الكمات القرآنية يجب أن تفهم بالقرآن ذاته، وذلك لعدة أسباب منها:

١-لانه خلال أربعة عشر قرن تغيرت أشياء كثيرة ومن ضمنها اللغة، فالكلمات التي كانت تعني شيئاً في عهد الرسول (ص) أو قبل عهده في أيام الجاهلية، لم تعد بذلك المعنى وتلك الظلال وبتلك الابعاد والخاصية التي كانت في عهد الرسول (ص).

كان للكلمات جرس وايحاءات خاصة، وقد يكون المعنى الاساسي للكلمة لا يتغير، ولكن ايحاءاته واشاراته وظلاله تتغير حسب الظروف، وحسب المتحدث والسامع وما أشبه. لذلك تجد الآن في العالم حينما يكتبون القاموس يكتبون القاموس هكذا:

يقولون الكلمة كانت في القرن كذا تدل على هذا المعنى، وفي القرن الثاني تدل على هذا المعنى، وفي القرن الثالث تدل على هذا المعنى، لماذا؟!

لانه حسب القرون تختلف ايحاءات الكلمة، وهكذا تبدلت ايحاءات الكلمات خصوصاً الكلمات الاساسية.

٢٩

معنى كلمة الشرك

وكلمة الشرك يختلف معناها بين أمرين:

الأمر الأول:

السجود لصنم حجري.

الأمر الثاني:

الخضوع لصنم بشري.

هناك فرق كبير وعظيم بين الامرين. لانه بالامر الاول لا يشمل هذا اللفظ إلا مجموعة بسيطة من الناس، بينما الامر الثاني يشمل الملايين الذين يخضعون للانظمة الفاسدة.

إذن هذه الكلمة حساسة وترتبط بمصالح الانسان وأهواءه، ولها اتصال بتزيين الشيطان للإنسان أعماله، وبتسويل النفس الامارة بالسوء.

لو كان الانسان يغير شيئاً، ويؤول فكره، ويحرف ديناً، لعرف هذه الكلمة. لان هذه الكلمة هي الاساسية. ونحن نعلم بأن الانسان في التاريخ حرّف وبدّل وأوّل، وحاول أن يتهرب من رسالات السماء بألف طريقة وطريقة، وقد فعل ذلك، وفعله هذا تركز في كلمة الشرك في الاسلام.

٣٠

إذن لا يمكن أن نفهم الكلمات القرآنية حسب القواميس التي تكتب في القرن الرابع عشر. والقواميس التي تخضع للوسط الاجتماعي والثقافي علماً وثقافة، لانها تخضع لذلك الوسط إلا ما عصمه الله.

تغيرت القواميس والافكارومن هنا لابد أن نجد ينبوعاً آخر لفهم القرآن الحكيم، ذلك الينبوع هو القرآن بذاته. لذلك جاء في الحديث الشريف عن الامام أميرالمؤمنين (ع):

((كتاب الله تبصرون وتنطقون به. وتسمعون به ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض..))(١)

وكما جاء في الحديث الشريف:

((من فسر القرآن بعضه ببعض هدي الصواب)).

ولم يدع القرآن كلمة ذكرها في آياته إلا وفسرها في آيات أخرى، ولكن الناس لا يبصرون، لأنهم لا يتدبرون في القرآن، ولو تدبروا لعرفوا كلمة الشرك ومعنى الكفر وكلمات أخرى مرتبطة بها، مثل الفسق.

٣١

هذه الكلمات والمصطلحات القرآنية في القرآن الحكيم، اشارات واضحة الى معانياها والآن لنبحث عن معنى الكفر.

قال الله تعالى:

((ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين)) (٩٧/آل عمران).

ماذا يعني هذا؟

يعني ان الكفر قد يتجسد في عدم الحج، وهناك آية ثانية يقول القرآن الحكيم:

((والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين)) (٩/عنكبوت).

يعني هذا ان الكافر هو الذي لم يعمل الصالحات والذي لم يؤمن هو الآخر.

وآية أخرى تقول:

((ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين)) (٤٢/٤٣/المدثر)

وهذه الآية الكريمة تبين لنا معنى ثالثاً، وهو ان ترك الصلاة هو الذي يسلك الانسان في سقر وقبل هذه الآية دلالة على ان المخاطبين هم كفار، وكذلك الشرك وكذلك الفسق، وكذلك سائر المصطلحات القرآنية. إذن استطعنا أن نفهم هذه المصطلحات وتلك الكلمات.

٣٢

الى ماذا كانت تهدف رسالة الأنبياء.

لنعرف ان الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-ثار لذات الخط. وان الانحراف الذي مالت اليه الامة الاسلامية في عصر الامام الحسين (ع). هل كان يشبه الانحراف الذي كان عند الناس الذين بعث اليهم الانبياء (ع) أم لا. وكيف؟

وكيف نستطيع أن نقول ونحن نقرأ زيارة الامام الحسين (ع)-السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، والسلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث ابراهيم خليل الله، السلام عيلك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليكم يا وارث محمد حبيب الله- وكيف؟

وكيف كان الامام الحسين عليه الصلاة والسلام وارثاً لهؤلاء. ولماذا لا نقرأ هذه الزياة إلا عندما نقف عند ضريح سيد الشهداءأبي عبد الله الحسين (ع)؟

إن قيام الامام الحسين (ع) كان امتداداً لقيام حركة الانبياء عليهم الصلاة والسلام، ورسالة الامام الحسين (ع) كانت هي رسالة الانبياء (ع). وبالتالي فاننا بدورنا نستطيع أن نقوم بنفس الدور اذا استلهمنا عبر التاريخ وجسدنا دور الانبياء في أنفسنا وجعلنا الامام الحسين (ع) اماماً لنا، خاصة ونحن نعتقد بأن الامام الحسين (ع)هو امامنا الثالث ولكن ما هو معنى الامام؟

٣٣

ان يد التحريف البشرية قد غيرت حتى هذه الكلمة وهذه مشكلة الانسان. إذ حجّمت إشعاعات الامام بجماعة مخصوصة نقول ان الامام هو أمامنا.

ان الامام الحسين (ع) هو امام الامة والطلائع، فأي صفة كانت في الامام الحسين (ع) واقتبستها انت، وأي سلوك كان للامام الحسين (ع) وتخلقت به أنت، وأي عمل قام به الامام الحسين (ع) وعملت به أنت، صرت من أتباعه وشيعته ومواليه.

ولماذا نقف أمام ضريحه ونقول (أنا سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم) ومن الذي سالم الامام الحسين، ومن الذي حاربه.

حبيب بن مظاهر سالم الامام الحسين (ع)، ومسلم بن عوسجة، وعابس بن شبيب، وعلي الاكبر، والعباس،والقاسم هؤلاء هم الذين سالموا الامام الحسين عليه الصلاة والسلام فهل أنت مثلهم، ومن الذي حارب الامام الحسين عليه الصلاة والسلام، انه يزيد، وابن زياد، وصدام، وفهد، وآل خليفة وكل طاغية باغي، ناشر للفساد، محب الدمار والخراب.

لماذا تقف وتقول ياليتنا كنا معكم؟

ولماذا تدعي انك من شيعة الامام الحسين عليه الصلاة والسلام اذا لم تعرف من الذي حارب الامام الحسين؟

٣٤

ومن هو الذي قاومه.. ولماذا؟

ان هذه الاسئلة يجب علينا أن نفكر فيها، ونحن ندخل هذا الموسم المبارك، لا لكي نجلس عاجزين، ونقول بأننا لا نستطيع أن نقلد الامام الحسين (ع).

كلا.. ان الذي خلق الامام الحسين (ع) خلقك، والذي أودع في الامام الحسين (ع) تلك الصفات الخيرة أودع شيئاً منها فيك كأنسان، وجعل الامام الحسين (ع) أمامك لكي تقتدي به في تلك الصفات بالذات.

إذن رسالة الحسين (ع) ورسالة الانبياء (ع) لا تزال موجودة في الارض، إنما علينا أن نجسدها في أنفسنا ونبدأ بالتحرك عبر تلك المسيرة الثورية التي كان الامام الحسين عليه الصلاة والسلام أحد أبرز أبطالها وأئمتها.

ــــــــــــــــــــــ

١ - نهج البلاغة خطبة ١٣٣

٣٥

السلام عليك يا وارث موسى كليم الله

ان قيام الامام الحسين (ع) ونهضته الالهية هي امتداد لرسالة الانبياء، وفي كل فصل من فصول كربلاء درس وعبرة قد استلهمت من تاريخ الرسل والانبياء والمصلحين.

٣٦

بين حركة موسى وحركة الامام الحسين:

وما أشبه قيام سيد الشهداء الامام الحسين عليه الصلاة والسلام برسالة موسى (ع) من عدة وجوه ومن عدة نواحي.

الوجه الأول:

الانقسام والتنازع الاجتماعي

ان رسالة موسى (ع) كانت قد هبطت على قوم كانوا قد انقسموا على أنفسهم فريقين، فالفريق الاول هو فريق المستكبرين الذين يسعون في الارض فساداً، والفريق الثاني هو فريق المستضعفين الذين يقاومون ذلك الفساد بقيادة رسول الله (س)، وحسب منهج سماوي.

وهكذا كان قيام الامام الحسين (ع)، تعبيراً حقيقياً عن ضمير الجماهير المستضعفة التي حاول الفريق المستكبر الحاكم المتمثل في بني أمية، أن سلبهم حريتهم وكرامتهم ودينهم.

على الرغم من أن هناك رسالات سماوية تختلف شيئاً ما عن ثورة الامام الحسين، حيث يقف الاغلبية المضلة من الناس في مواجهة الرسالة التي جاءت لانقاذهم، ويتدخل عامل الغيب في انقاذ الاقلية المؤمنة من الاكثرية الضالة المضلة، وتنتهي حضارة تلك الاكثرية أو ينتهي مجتمعهم وتهلك قريتهم، بصورة غيبية.

بينما بعض الرسالات لها علائم في ثورة الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-لا يمكن انكارها، وسنشير اليها، ولكن الخط العام لهذه النهضة كان أكثر شبهاً بالخطوط العامة لقيام المستضعفين في عهد موسى (ع) وبقيادته الرشيدة ضد فرعون وملئه.

٣٧

وحين نقرأ القرآن الحكيم بتدبر، نجد أن قصة موسى-عليه الصلاة والسلام-قد ذكرت حوالي سبعين مرة، وتكررت سائر القصص أقل من هذا بكثير وربما يكون سبب ذلك يتلخص في أمرين:

اولا:

ذلك الذي عبر عنه الرسول (ص)، قائلا،

((لتحذون حذو بني اسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه)).

ان تفاصيل حياة الامة الاسلامية تشبه حياة بني اسرائيل في عدة نقاط هي التالية:

١-لانها تلك الامة التي فضلت على العالمين بأمر الله سبحانه وتعالى، في بداية نشوئها وانطلاقها كما فضلت أمة بني اسرائيل.

٢-لان تلك الامة التي فضلت باذن الله على العالمين قد دب اليها الانحراف فانحرفت، وعبدت مرة العجل وطالبت ثانية بصنم، وثالثة انحرفت باختيار الادنى على اللافضل، وهكذا دبت اليها الانحرافات التي ذكرت في سورة البقرة.

٣٨

الوجه الثاني:

الامام الحسين (ع) والنبي موسى (ع) صرخة الضمير الانساني

ثانياً:

ان الضمير الجماهيري كان مع الامام الحسين (ع)، وهو يعبر عن ذلك الضمير بقوة واصرار.

ولقد التقى الامام الحسين (ع)، في مسيره الى كربلاء بالشاعر الكبير [الفرزدق] وهو من بني تميم، فسأله عن الناس في الكوفة فقال: يا أبا عبد الله [قلوبهم معك وسيوفهم عليك].

ان القلوب التي لم تستطع أن تعبر عن ذاتها بحمل السيف، والارادات الضعيفة التي استسلمت للواقع الفاسد كلها كانت في جانب قيامه المقدس، ومن هنا تماثلت وتشابهت حركة الامام الحسين (ع) في وجه يزيد مع حركة النبي موسى عليه الصلاة والسلام في وجه فرعون، ونجد في سورة الشعراء التي خضعت-حسب الظاهر-لبيان حركة الانبياء والوضع الاجتماعي الفاسد الذي كانت هذه الحركة تسعى من أجل اصلاحه، نجد في هذه السورة، وفي بدايتها بالذات آيات كثيرة وعديدة حول قصة موسى (ع).

أنظروا وتمعنوا في معنى الجانب من هذه الآيات لنعرف المفارقات بينها وبين قيام الامام الحسين (ع) يقول ربنا سبحانه وتعالى:

((وإذ نادى ربك موسى ان ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون * قال رب اني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فارسل الى هارون * ولهم عليّ ذنب فأخاف أن يقتلون * قال كلا فاذهبا بآياتنا أنّا معكم مستمعون)) (١٠/١٥/الشعراء).

في هذه الآيات نجد التأكيد على دور القائد وضرورة استقامته، وضرورة شجاعته وبطولته وارتفاع مستواه من جميع النواحي وتكاملها، وتفوقه على ضعف نفسه، النبي موسى (ع) يقول لربه هو يأمره بدعوة قومه الى التقوى:

٣٩

((أخاف أن يكذبون)).

انه كان يخاف أن يضيق صدره بتكذيبهم، ولا ينشرح أمام تكذبيهم، ويخاف أن لا ينطلق لسانه وبالتالي لا يفقهوا قوله، ويخاف أن يحملوا عليه ويقتلونه. واذا بالجواب من الله سبحانه وتعالى، كما جاء في القرآن الحكيم بكلمة واحدة:

((قال كلا فاذهبنا بآياتنا انّا معكم مستمعون)).

ان من يحمل رسالة السماء، ويضع على عاتقه الدفاع عن المحرومين والمستضعفين، يجب عليه أن يكون فوق تلك المعضلات التي بينها، وأن يتكل على الله سبحانه وتعالى ويعتمد عليه، ويسير وفق هداه، ولا يخاف ولا يخشىدركاً، ولا يتعثر بعقبة.

الامام الحسين وخريطة الثورة

أنظروا الى الامام الحسين (ع) حينما يرسم خريطة نهضته وحركته، منذ البدء يقول:

((خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وكأن بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواريس وكربلاء)).

٤٠