فلسفتنا

فلسفتنا0%

فلسفتنا مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
تصنيف: كتب
الصفحات: 438

فلسفتنا

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
تصنيف: الصفحات: 438
المشاهدات: 32553
تحميل: 10015

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32553 / تحميل: 10015
الحجم الحجم الحجم
فلسفتنا

فلسفتنا

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدر (قدّس سره)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلسفتنا

آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدرقدس‌سره

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

اسم الكتاب : فلسفتنا

المؤلّف : آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدرقدس‌سره

إعداد وتحقيق : لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدرقدس‌سره

الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصّصية للشهيد الصدرقدس‌سره

الطبعة المحقّقة في المؤتمر : الثانية

المطبعة : شريعت ـ قم

تاريخ الطبع : ١٤٢٧ هـ ق

الكميّة : ٣٠٠٠ نسخة

رقم الشابك : ٨ ـ ٢٨ ـ ٥٨٦٠ ـ ٩٦٤ : ISBN

جميع الحقوق محفوظة للناشر

٣

فلسفتنا

دراسة موضوعيّة في معترك الصّراع الفكريّ القائم بين مختلف التّيّارات الفلسفيّة

وخاصّة الفلسفة الإسلامية والمادّية الدّيالكتيكيّة (الماركسيّة)

تأليف :

سماحة آية الله العظمى الإمّام الشّهيد السّيّد محمّد باقر الصّدرقدس‌سره

المؤتمر العالميّ للأمّام الشّهيد الصّدرقدس‌سره

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٥

هذا الكتاب

غزا العالم الإسلامي ، منذ سقطت الدولة الإسلامية صريعةً بأيدي المستعمرين ـ سيلٌ جارفٌ من الثقافات الغربي القائمة على أُسُسهم الحضاريّة ، ومفاهيمهم عن الكون والحياة والمجتمع ، فكانت تمدّ الاستعمار إمداداً فكريّاً متواصلاً في معركته التي خاضها للإجهاز على كيان الأُمّة ، وسرّ أصالتها المتمثّل في الإسلام.

ووفدت بعد ذلك إلى أراضي الإسلام السليبة أمواج أُخرى من تيّارات الفكر الغربي ومفاهيمه الحضاريّة ؛ لتنافس المفاهيم التي سبقتها إلى الميدان ، وقام الصراع بين تلك المفاهيم الواردة ، على حساب الأُمّة ، وكيانها الفكري والسياسي الخاصّ

وكان لابدّ للإسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير ، وكان لابدّ أن تكون الكلّمة قويّة عميقة ، صريحة واضحة ، كاملة شاملة ، للكون والحياة ، والإنسان والمجتمع ، والدولة والنظام ؛ ليتاح للأُمّة أن تعلن كلمة (الله) في المعترك ، وتنادي بها ، وتدعو العالم إليها كما فعلت في فجر تاريخها العظيم

وليس هذا الكتاب إلاّ جزءاً من تلك الكلّمة ، عُولجت فيه مشكلةُ الكون كما يجب أن تعالج في ضوء الإسلام ، وتتلوه الأجزاء الأُخرى التي يستكمل فيها الإسلام علاجه الرائع لمختلف مشاكل الكون والحياة

٦

كلمة المؤتمر :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين

منذ منتصف القرن العشرين ، وبعد ليل طويل نشر أجنحته السوداء على سماء الأُمة الإسلامية لعدّة قرون ، فلفّها في ظلام حالك من التخلّف والانحطاط والجمود ، بدأت بشائر الحياة الجديدة تلوح في أُفق الأُمّة ، وانطلق الكيان الإسلامي العملاق ـ الذي بات يرزح تحت قيود المستكبرين والظالمين مدى قرون ـ يستعيد قواه حتّى انتصب حيّاً فاعلاً قويّاً شامخاً بانتصار الثورة الإسلامية في إيران تحت قيادة الإمام الخمينيقدس‌سره يقضّ مضاجع المستكبرين ، ويبدّد أحلام الطامعين والمستعمرين

ولئن أضحت الأُمّة الإسلامية مدينة في حياتها الجديدة على مستوى التطبيق للأمّام الخمينيقدس‌سره ، فهي بدون شكّ مدينة في حياتها الجديدة على المستوى الفكري والنظري للإمّام الشهيد الصدرقدس‌سره ، فقد كان المنظّر الرائد بلا منازع للنهضة الجديدة ؛ إذ استطاع من خلال كتاباته وأفكاره التي تميّزت بالجدة والإبداع من جهة ، والعمق والشمول من جهة أُخرى ، أن يمهّد السبيل للأمّة ويشقّ لها الطريق نحو نهضة فكرية إسلاميّة شاملة ، وسط ركام هائل من التيّارات

٧

الفكرية المستوردة التي تنافست في الهيمنة على مصادر القرار الفكري والثقافي في المجتمعات الإسلامية ، وتزاحمت للسيطرة على عقول مفكّريها وقلوب أبنائها المثقّفين

لقد استطاع الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدرقدس‌سره بكفاءةٍ عديمة النظير أن ينازل بفكره الإسلامي البديع عمالقة الحضارة المادّية الحديثة ونوابغها الفكريّين ، وأن يكشف للعقول المتحرّرة عن قيود التبعيّة الفكريّة والتقليد الأعمى ، زيف الفكر الإلحادي ، وخواء الحضارة المادّية في أُسسها العقائديّة ودعائمها النظريّة ، وأن يثبت فاعليّة الفكر الإسلامي وقدرته العديمة النظير على حلّ مشاكل المجتمع الإنساني المعاصر ، والاضطلاع بمهمّة إدارة الحياة الجديدة بما يضمن للبشريّة السعادّة والعدل والخير والرفاه

ثم إنّ الإبداع الفكري الذي حقّقته مدرسة الإمام الشهيد الصدر ، لم ينحصر في إطار معيّن ، فقد طال الفكر الإسلامي في مجاله العامّ ، وفي مجالاته الاختصاصيّة الحديثة كالاقتصاد الإسلامي والفلسفة المقارنة والمنطق الجديد ، وشمل الفكر الإسلامي الكلّاسيكي أيضاً ، كالفقه والأُصول والفلسفة والمنطق ولكلّام والتفسير والتأريخ ، فأحدث في كلّ فرع من هذه الفروع ثورةً فكريّة نقلت البحث العلمي فيه إلى مرحلة جديدة متميّزة ، سواء في المنهج أو المضمون

ورغم مضيّ عقدين على استشهاد الإمام الصدر ، ما زالت مراكز العلم ومعاهد البحث والتحقيق تستلهم فكره وعلمه ، وما زالت الساحة الفكريّة تشعر بأمسّ الحاجة إلى آثاره العلميّة وإبداعاته في مختلف مجالات البحث والتحقيق العلمي

ومن هنا كان في طليعة أعمال المؤتمر العالمي للإمّام الشهيد الصدر إحياء تراثه العلمي والفكري بشكل يتناسب مع شأن هذا التراث القيّم

٨

وتدور هذه المهمّة الخطيرة ـ مع وجود الكمّ الكبير من التراث المطبوع للشهيد الصدر ـ في محورين :

أحدهما : ترجمته إلى ما تيسّر من اللغات الحيّة بدقّة وأمّانة عاليتين

والآخر : إعادّة تحقيقه للتوصّل إلى النصّ الأصلي للمؤلّف منزّهاً من الأخطاء التي وقعت فيه بأنواعها من التصرّف والتلاعب والسقط نتيجة كثرة الطبعات وعدم دقّة المتصدّين لها وأمّانتهم ، ثمّ طبعه من جديد بمواصفات راقية

ونظراً إلى أنّ التركة الفكرية الزاخرة للسيّد الشهيد الصدرقدس‌سره شملت العلوم والاختصاصات المتنوّعة للمعارف الإسلامية وبمختلف المستويات الفكريّة ، لذلك أوكلّ المؤتمر العالمي للشهيد الصدر مهمّة التحقيق فيها إلى لجنة علمية تحت إشراف علماء متخصّصين في شتّى فروع الفكر الإسلامي من تلامذته وغيرهم ، وقد وُفّقت اللجنة في عرض هذا التراث بمستوى رفيع من الإتقان والأمّانة العلميّة ، ولخّصت منهجيّة عملها بالخطوات التالية:

١- مقابلة النسخ والطبعات المختلفة

٢- تصحيح الأخطاء السارية من الطبعات الأُولى أو المستجدة في الطبعات اللاحقة ، ومعالجة موارد السقط والتصرّف

٣-ـ تقطيع النصوص وتقويمها دون أدنى تغيير في الأُسلوب والمحتوى أمّا الموارد النادرة التي تستدعي إضافة كلمة أو أكثر لاستقامة المعنى ، فيوضع المضاف بين معقوفتين

٤- تنظيم العناوين السابقة ، وإضافة عناوين أُخرى بين معقوفتين

٥- استخراج المصادر التي استند إليها السيّد الشهيد بتسجيل أقربها إلى مرامه وأكثرها مطابقة مع النصّ ؛ ذلك لأنّ المؤلّف يستخدم النقل بالمعنى ـ في عددٍ من كتبه وآثاره ـ معتمداً على ما اختزنته ذاكرته من معلومات ، أو على نوع

٩

من التلفيق بين مطالب عديدة في مواضع متفرّقة من المصدر المنقول عنه ، وربما يكون بعض المصادر مترجماً وله عدّة ترجمات ؛ ولهذا تُعدّ هذه المرحلة من أشقّ المراحل

٦- إضافة بعض الملاحظات في الهامش للتنبيه على اختلاف النسخ أو تصحيح النصّ أو غير ذلك ، وتُختم هوامش السيّد الشهيد بعبارة : (المؤلفقدس‌سره ) تمييزاً لها عن هوامش التحقيق

وكقاعدة عامّة ـ لها استثناءات في بعض المؤلّفات ـ يُحاول الابتعاد عن وضع الهوامش التي تتولّى عرض مطالب إضافيّة أو شرح وبيان فكرةٍ مّا أو تقييمها ودعمها بالأدلّة أو نقدها وردّها

٧- تزويد كلّ كتاب بفهرس موضوعاته ، وإلحاق بعض المؤلفات بثبت خاص لفهرس المصادر الواردة فيها

وقد بسطت الجهود التحقيقيّة ذراعيها على كلّ ما أمكن العثور عليه من نتاجات هذا العالم الجليل ، فشملت : كتبه ، وما جاد به قلمه مقدمةً أو خاتمةً لكتب غيره ثم طُبع مستقلاًّ في مرحلة متأخرة ، ومقالاته المنشورة في مجلاّت فكريّة وثقافيّة مختلفة ، ومحاضراته ودروسه في موضوعات شتّى ، وتعليقاته على بعض الكتب الفقهيّة ، ونتاجاته المتفرّقة الأُخرى ، ثمّ نُظّمت بطريقة فنيّة وأُعيد طبعها في مجلّدات أنيقة متناسقة

ومن جملة الكتب التي شملتها الجهود التحقيقيّة المذكورة كتاب (فلسفتنا) ، وهو من جملة آثاره القيّمة التي ألّفها في أواسط العقد الثالث من عمره الشريف ، في الوقت الذي غزا العالم الإسلامي سيلٌ جارف من الثقافات الغربيّة القائمة على أُسسهم الحضاريّة ومفاهيمهم عن الكون والحياة والمجتمع ، وكان لابدّ للإسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير ، ليتاح للأُمّة الإسلامية أن تعلن كلمة

١٠

(الله) في هذا المعترك ، وتنادي بها ، وتدعو العالم إليها ، كما فعلت في فجر تاريخها العظيم ؛ فكان هذا الكتاب تعبيراً واضحاً قويّاً عن تلك الكلّمة ، عولجت فيه مشكلة المعرفة والكون ضمن دراسةٍ موضوعيّة عن الصراع الفكري القائم بين مختلف التيّارات الفلسفيّة ، وخاصّة الفلسفة الإسلامية والمادّية الديالكتيكيّة الماركسيّة ، وقد أخذ مأخذه العظيم من الشهرة والنفوذ في الأوساط العلميّة والثقافيّة ، ونال قصب السبق في هذا المجال

وقد مُني هذا الكتاب بمحنة التحريف السافر بأمر النظام البعثي البائد في الطبعة التي قام بها هذا النظام في حياة المؤلّفقدس‌سره ورغم أنفه ، فكانت هذه ظلامة من عشرات الظلامات التي وقعت على هذا الرجل العظيم كما أنّ دُور النشر التي تصدّت لطبع هذا الكتاب في خارج العراق لم تكن على مستوى الأمّانة والدقّة الكافيتين ، ممّا سبّب وقوع أخطاء كثيرة جدّاً فيه

وعلى هذا الأساس ؛ ولأجل الأهميّة الفريدة لهذا الكتاب ، تصدّت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدررحمه‌الله لتحقيق هذا الكتاب بجدّية خاصّة ، وبذلت جهدها على مستوىً رفيع جدّاً لتجريده عن الأخطاء والتحريفات ، كما أنّها قامت باستخراج المصادر التي استند إليها المؤلّف العظيمقدس‌سره مبلغ الإمكان ، وأضافت إليها إرجاعاتٍ عديدةً في موضوعات مختلفة إلى المصادر الفلسفيّة الحديثة والقديمة ، لكي يتسنّى للقارئ العزيز التوسّع والتعمّق في تلك المجالات

ومن أهمّ ما قامت به اللجنة المذكورة في تحقيق هذا الكتاب المقارنة الدقيقة بين النظريّات الفلسفيّة التي تبنّاها المؤلّفقدس‌سره في هذا الكتاب ، وبين ما انتهى إليه نظره بعد اثنتي عشرة سنة في كتابه القيّم (الأسس المنطقيّة للاستقراء) حيث إنّهقدس‌سره كان قد ألّف كتاب (فلسفتنا) في ضوء الأفكار الفلسفيّة السائدة عند

١١

فلاسفة المسلمين والتي تعتمد في الغالب على منطق (أرسطو) والمذهب العقلي في نظريّة المعرفة ، ولكنّه استطاع بعد ذلك أن يتوصّل إلى نظريّات فلسفيّة جديدة سواء في بحث نظريّة المعرفة أو في بحث فلسفة الوجود ممّا أثبت جلّها في كتابه(الأُسس المنطقيّة للاستقراء) ، ووضع بذلك الجذور الأوّلية لفلسفة جديدة تختلف تماماً عن الفلسفة السائدة ولهذا رأينا من المناسب جدّاً أن يشار في كتاب(فلسفتنا) إلى جميع النقاط التي تغيّر فيها رأي المؤلّف رحمه‌الله في كتابه الآخر بعد ردحٍ غير قصير من الزمان وهذا ما صنعته لجنة التحقيق بقدر ما حالفها التوفيق والسداد من الله تبارك وتعالى هذا

ولا يفوتنا أن نشيد بالموقف النبيل لورثة السيّد الشهيد كافّة سيّما نجله البارّ (سماحة الحجّة السيّد جعفر الصدر حفظه الله) في دعم المؤتمر وإعطائهم الإذن الخاصّ في نشر وإحياء التراث العلمي للشهيد الصدرقدس‌سره

وأخيراً ، نرى لزاماً علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى اللجنة المشرفة على تحقيق تراث الإمام الشهيد ، والعلماء والباحثين كافّة الذين ساهموا في إعداد هذا التراث وعرضه بالأُسلوب العلمي اللائق ، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يتقبّل جهدهم وأن يمنّ عليهم وعلينا جميعاً بالأجر والثواب ، إنّه سميع مجيب

المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدرقدس‌سره

أمّانة الهيئة العلميّة

١٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلمة المؤلّف

فلسفتنا هو : مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم ، وطريقة التفكير فيه ؛ ولهذا كان الكتاب ـ باستثناء التمهيد ـ ينقسم إلى بحثين : أحدهما نظرية المعرفة ، والآخر المفهوم الفلسفي للعالم

ومسؤولية البحث الأوّل في الكتاب تتلخّص فيما يلي :

أوّلاً- الاستدلال على المنطق العقلي القائل بصحّة الطريقة العقلية في التفكير ، وإنّ العقل ، بما يملك من معارف ضرورية فوق التجربة ، هو المقياس الأوّل في التفكير البشري ، ولا يمكن أن توجد فكرة فلسفية أو علمية دون إخضاعها لهذا المقياس العامّ ، وحتّى التجربة التي يزعم التجريبيّون أنّها المقياس الأوّل ، ليست في الحقيقة إلاّ أداة لتطبيق المقياس العقلي ، ولا غنى للنظرية التجريبية عن الرصيد العقلي

وثانياً- درس قيمة المعرفة البشرية ، والتدليل على أنّ المعرفة إنّما يمكن التسليم لها بقيمة على أساس المنطق العقلي ، لا المنطق الديالكتيكي الذي يعجز عن إيجاد قيمة صحيحة للمعرفة(١)

____________________

(١) ولا يخفى أنّ المؤلّفقدس‌سره تكاملت أفكاره في بحث (نظريّة المعرفة) بعد تأليفه لهذا

١٣

وهدفنا الأساسي من هذا البحث هو : تحديد منهج الكتاب في المسألة الثانية ؛ لأنّ وضع مفهوم عامّ للعالم يتوقّف ـ قبل كلّ شيء ـ على تحديد الطريقة الرئيسية في التفكير ، والمقياس العامّ للمعرفة الصحيحة ، ومدى قيمتها ؛ ولهذا كانت المسألة الأُولى في الحقيقة بحثاً تمهيديّاً للمسألة الثانية والمسألة الثانية هي المسألة الأساسية في الكتاب التي نلفت القارئ إلى الاهتمام بها بصورة خاصّة

والبحث في المسألة الثانية يتسلسل في حلقات خمس :

ففي الحلقة الأُولى نعرض المفاهيم الفلسفية المتصارعة في الميدان وحدودها ، ونقدّم بعض الإيضاحات عنها

وفي الحلقة الثانية نتناول الديالكتيك بصفته أشهر منطق ترتكز عليه المادّية الحديثة اليوم ، فندرسه دراسة موضوعية مفصّلة بكلِّ خطوطه العريضة التي رسمها هيجل وكارل ماركس ، الفيلسوفان الديالكتيكيان

وفي الحلقة الثالثة ندرس مبدأ العلّية وقوانينها التي تسيطر على العالم ، وما تقدّمه لنا من تفسير فلسفي شامل له ، ونعالج عدّة شكوك فلسفية نشأت في ضوء التطوّرات العلمية الحديثة

وننتقل بعد ذلك إلى الحلقة الرابعة : المادّة أو الله ، وهو البحث في المرحلة النهائية من مراحل الصراع بين المادّية والإلهية ، لنصوغ مفهومنا الإلهي للعالم في

____________________

ð

الكتاب ، وانتهى إلى تأسيس اتّجاه جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثلان في (المذهب العقلي) و(المذهب التجريبي) ، وقد عرض هذا الاتّجاه الجديد في كتابه القيّم (الأُسس المنطقيّة للاستقراء) ، وسمّى ذلك بـ (المذهب الذاتي للمعرفة) تمييزاً له عن المذهبين الآخرين ، وحاول فيه إعادة بناء نظريّة المعرفة على أساس جديد ، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في القسم الأوّل من هذا الكتاب(لجنة التحقيق)

١٤

ضوء القوانين الفلسفية ، وفي ضوء مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية

وأمّاالحلقة الأخيرة فندرس فيها مشكلة من أهمّ المشاكل الفلسفية ، وهي : (الإدراك ) ، الذي يمثّل ميداناً مُهِمّاً من ميادين الصراع بين المادّية والميتافيزيقية وقد عولج البحثُ [ فيها ] على أساسٍ فلسفيٍّ ، وفي ضوء مختلف العلوم ذات الصلة بالموضوع : من طبيعية ، وفسيولوجية ، وسيكولوجية .

هذا هو الكتاب في مخطّط إجمالي عامّ ، تجده الآن بين يديك نتيجة جهود متضافرة طيلة عشرة أشهر ، أدّت إلى إخراجه كما ترى وكلُّ أملي أن يكون قد أدّى شيئاً من الرسالة المقدّسة بأمّان وإخلاص

وأرجو من القارئ العزيز أن يدرس بحوث الكتاب دراسة موضُوعية بكلّ إمعان وتدبُّر ، تاركاً الحكم له أو عليه إلى ما يملك من المقاييس الفلسفية والعلمية الدقيقة ، لا إلى الرغبة والعاطفة ولا أُحبّ له أن يطالع الكتاب كما يطالع كتاباً روائيّاً ، أو لوناً من ألوان الترف العقلي والأدبي ، فليس الكتاب رواية ولا أدباً أو ترفاً عقليّاً ، وإنّما هو في الصميم من مشاكل الإنسانية المفكِّرة

( وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) (١)

محمّد باقر الصدر

النجف الأشرف

٢٩ ربيع الثاني ١٣٧٩ هـ

____________________

(١) هود : ٨٨

١٥

١٦

تمهيد

المسألة الاجتماعيّة

الديمقراطية الرأسماليّة

الاشتراكيّة والشيوعيّة

الإسلام والمشكلة الاجتماعيّة

١٧

١٨

المسألة الاجتماعية

مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم وتمسُّ واقعها بالصميم هي :

مشكلة النظام الاجتماعي ، التي تتلخّص في محاولة إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي : ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية ، وتسعد به في حياتها الاجتماعية ؟

ومن الطبيعي أن تحتلّ هذه المشكلة مقامها الخطير ، وأن تكون في تعقيدها وتنوّع ألوان الاجتهاد في حلّها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها ؛ لأنّ النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية ، ومؤثِّر في كيانها الاجتماعي في الصميم

وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة من تأريخ البشرية ، وقد واجهها الإنسان منذ نشأت في واقعه الحياة الاجتماعية ، وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثّل في عدّة أفراد تجمعهم علاقات وروابط مشتركة فإنّ هذه العلاقات التي تكوّنت تحقيقاً لمتطلّبات الفطرة والطبيعة ، في حاجة ـ بطبيعة الحال ـ إلى توجيه وتنظيم ، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقّف استقرّر المجتمع وسعادته

وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفكرية والسياسية إلى خوض جهاد طويل ، وكفاح حافل بمختلف ألوان الصراع ، وبشتّى مذاهب العقل

١٩

البشري التي ترمي إلى إقامة البناء الاجتماعي وهندسته ، ورسم خططه ، ووضع ركائزه ، وكان جهاداً مُرهِقاً يضجُّ بالمآسي والمظالم ، ويزخر بالضحكات والدموع ، وتقترن فيه السعادة مع الشقاء ؛ كلّ ذلك لمّا كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح ولولا ومضات شعَّت في لحظات من تأريخ هذا الكوكب ، لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرّة ، وسبح دائم في الأمواج الزاخرة.

ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي ؛ لأنّنا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرّخ للإنسانية المعذَّبة ، وأجوائها التي تقلّبت فيها منذ الآماد البعيدة ، وإنّما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر، وفي أشواطها التي انتهت إليها ؛ لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي إليها الشوط ، والساحل الطبيعي الذي لا بدّ للسفينة أن تشقّ طريقها إليه ، وترسو عنده ؛ لتصل إلى السلام والخير ، وتؤوب إلى حياة مستقرّة ، يعمرها العدل والسعادة ، بعد جهد وعناء طويلين ، وبعد تطواف عريض في شتّى النواحي ومختلف الاتّجاهات

المذاهب الاجتماعية :

إنّ أهمّ المذاهب الاجتماعية التي تسود الذهنية الإنسانية العامّة اليوم ، ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي على اختلاف مدى وجودها الاجتماعي في حياة الإنسان ، هي مذاهب أربعة :

١- النظام الديمقراطي الرأسمالي

٢- النظام الاشتراكي

٣- النظام الشيوعي

٢٠