الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68960 / تحميل: 4504
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بني هاشم رهط النّبيّ فإنّني

بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب

قهدمت داره ، وطرد وشرّد ، لأنّه أوقف لسانه وبيانه على نصرة الأئمّة الأطهار(١) .

ودعبل(٢) صاحب التّائية الذّائعة النّائحة الّتي يقول فيها(٣) :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشطّ فرات

إذا للطمت الخدّ فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

هذا الشّاعر الثّائر لاقى في حبّ محمّد وعترته أبشع أنواع التّنكيل والتّعذيب. وقال المتوكّل للعالم الكبير ابن السّكّيت : أيّهما أحبّ إليك ، ولداي : المعتز ،

__________________

ـ أمالي السّيّد المرتضى : ١ / ٢٨ ، تأريخ دمشق : ٥ / ٢٣٣ ، سير أعلام النّبلاء : ٥ / ٣٨٨ ، شرح الشّريف الرّضي على الكافية : ٢ / ٢٤١.

(١) انظر ، الهاشميات والعلويات ، قصائد الكميت ، وابن أبي الحديد : ١٦١ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٣٨.

(٢) أبو عليّ دعبل بن عليّ بن رزين الخزاعي من شعراء القرن الثّاني ، والثّالث الهجريّين ، ولد سنة (١٤٨ ه‍) في الكوفة ، تحدّى دعبل ظلم العبّاسيّين وطغيانهم حتّى أنّه قال : أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين عاما ، لست أجد أحدا من يصلبني عليها. وقد عاصر هذا الشّاعر البارع الإمام الصّادق ، والكاظم ، والرّضا ، والجواد : ، قرأ قصيدته التّائية على الإمام الرّضاعليه‌السلام أثناء ولاية العهد فبكى الإمام لبعض أبياتها ، واستحسنها ودعا له وأكرمه ، توفّي ؛ سنة (٢٤٦ ه‍).

انظر ، ترجمته في سير أعلام النّبلاء : ١١ / ٥١٩ ، الكامل في التّأريخ : ٧ / ٩٤ ، مروج الذّهب : ١ / ١٧٩ ، و : ٢ / ٧٨ ، و : ٣ / ٢٣١ ، وفيّات الأعيان : ٢ / ٢٦٦ ، الأغاني : ١٨ / ٢٩ طبعة بولاق ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، وهناك شعراء آخرون للإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه‌السلام .

(٣) انظر ، ديوان دعبل : ١٢٤ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣١٠ وما بعدها ، بتحقّيقنا ، مقصد الرّاغب : ١٦٧ ، الفرج بعد الشّدّة : ٣٢٩ ، كشف الغمّة : ٢ / ٣١٨ ـ ٣٢٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٩ / ٣٩١ ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي : ٤٥٤ ، مطالب السّؤول : ٨٥ ، معجم الادباء : ٤ / ١٩٦ ، تذكرة الخواصّ لسّبط ابن الجوزي : ٢٣٨ ، مقاتل الطّالبيّين لأبي فرج الإصفهاني : ٥٦٥.

١٤١

أم الحسن والحسين؟!.

فقال له : «والله! إنّ قنبرا خادم عليّ بن أبي طالب خير منك ومن ولديك.

فأمر المتوكل جلاوزته بسل لسانه من قفاه فسل ، ومات في ساعته(١) .

والحبر الشّهير بالشّهيد الأوّل محمّد بن مكّي قتل وصلب ورجم ، ثمّ أحرق لا لشيء إلّا لأنّه يتشيّع لآل محمّد ، وهكذا كان مصير العالم العظيم زين الدّين المعروف بالشّهيد الثّاني ، وغير هؤلاء كثر لا يبلغهم الإحصاء تقبلوا القتل والعذاب مغتبطين بمرضاة الله ، ونصرة أوليائه.

لاقى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من المعاندين كلّ عنت في سبيل الإسلام ، فاستهزأوا به ، وقال له قائلهم : «أما رأى الله غيرك يبعثه رسولا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتّى اجتمع النّاس عليه فجعلوا يرمونه بالحجارة حتّى أدموا رجليه(٢) . وألقوا عليه الأوساخ ، وهو يصلّي لله ، وتآمروا على قتله ،

__________________

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٩٧ ـ ٥٩٩.

وقال ابن خلّكان : لمّا هدم المتوكّل قبر الحسين بن عليّ عليه‌السلام سنة (٢٢٦ ه‍) قال البسّامي :

تالله إن كانت أميّة قد أتت

قتلى ابن بنت نبيّها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه مثلها

هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا

في قتله فتتبعوه رميما

(٢) انظر ، فتح الباري : ١٢ / ٢٥٠ ، تأويل مختلف الحديث : ١٥٠ ، تفسير مجمع البيان : ٢ / ٣٨٦ ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٧٥ ، الدّر المنثور : ٢ / ٢٩٨ ، تفسير الثّعالبي : ٢ / ١٠٤ ، فتح القدير : ٢ / ٦١ ، تأريخ دمشق : ٦٢ / ٢٤٧ ، تأريخ الطّبريّ : ١ / ١٨٢ ، عصمة الأنبياء للفخر الرّازي : ٧٨ ، عيون الأثر لابن سيّد النّاس : ٢ / ٤٢١ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى : ١ / ١٠٥ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٥.

١٤٢

وعذّبوا أتباعه ، كصهيب(١) ، وبلال(٢) ، وخبّاب(٣) ، وعمّار ، وأبيه ياسر ، وأمّه سميّة(٤) الّتي طعنها أبو جهل في قلبها فماتت(٥) ، وهي أوّل شهيدة في الإسلام(٦) .

__________________

(١) صهيب بن سنان الرّبعي الّنمري فقد كان أبوه عاملا لكسرى على الابلة. فغارت الرّوم عليهم ، وأسرت صهيبا فنشأ فيهم ، ثمّ باعته إلى كلب فجاءت به إلى مكّة ، فباعته من عبد الله بن جدعان فأعتقه ، وكان من السّابقين إلى الإسلام الّذين عذّبوا في مكّة وكنّاه الرّسول أبا يحيى ، وكان في لسانه لكنّة ، توفّي بالمدينة (٣٨ أو ٣٩ ه‍) ودفن بها. (انظر ، اسد الغابة : ٣ / ٣١ ـ ٣٣).

(٢) هو بلال بن رباح ، وأمّه : حمامة. وكان من مولّدي «مكّة» لرجل من بني جمح فاشتراه «أبو بكر» بخمس أواق وأعتقه ، وكان يعذب في الله ، وشهد بدرا والمشاهد كلّها. وهو أوّل من أذّن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أتى «أبا بكر» فاستأذنه إلى الشّام ، فأذن له ، فلم يزل مقيما بها ، ولم يؤذّن بعد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله . انظر ، ترجمته في المعارف لابن قتيبة : ١٧٦.

(٣) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٢٨٥ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٣٠٥ ، المصنّف لعبد الرّزاق الصّنعاني : ١١ / ٢٤٢ ح ٢٠٤٣٢ ، المعجم الأوسط : ٣ / ٢٤١ ، المعجم الكبير : ٨ / ٢٩ و : ٢٤ / ٤٣٥ ، تأريخ المدينة : ٢ / ٤٧٩ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٥٨٧ ، الإصابة : ٣ / ٣٦٥ ، أسد الغابة : ٣ / ٣١ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٣٤٩ و : ٨ / ٥٣٠ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٣٣٦ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٧٥ و : ٧ / ١٦٧ ، تأريخ دمشق : ١٠ / ٤٤٨ و : ٢٤ / ٢٢٠ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٠٨ ح ٣١٩٠٩ و ٣٣١٣٣ و ٣٣٦٧٦ ، مسند الشّاميين : ٢ / ١١ ، الجامع الصّغير : ١ / ٤١٣ ح ٢٦٩٥ و : ٢ / ٦٦ ح ٤٧٩٣.

(٤) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ٢٥٣ و ٢٥٩ ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ : ٢٤ / ١٩٢ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦٤ و ٢٠٦ ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٢ و ٣ و ٢٨ و ٢٩ ، كنز العمّال : ١٦ / ١٤٣ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ١٤٨ و ١٥٧ و ١٥٨ ، المرقاة في شرح المشكاة : ٥ / ٤٤٧ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٢٦ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٢٧٧ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٣٧٨ ، نسيم الرّياض في شرح الشّفا : ٣ / ١٦٦ ، العقد الفريد : ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، خصائص النّسائي : ١٣٣ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٦٤ و ٢٦٥ ، تأريخ مدينة دمشق : ٤٣ / ٤٢٥ ، تفسير ابن العربي : ٢ / ٥١٩ ، تهذيب الكمال : ١٧ / ١١٤.

(٥) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ١٣٤ ، القرآن وإعجازه العلمي لمحمّد إسماعيل إبراهيم : ٢١ ، الرّوض الأنف: ١ / ٢٠٣ ، الإصابة ، التّرجمة رقم «٥٨٢».

(٦) انظر ، الإستيعاب بهامش الإصابة : ٤ / ٣٣١ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٣٣٥ (٥٨٢) ، المعارف لابن ـ

١٤٣

وهكذا لاقى أبناء الرّسول وشيعتهم في سبيل الدّين والإسلام ، بل لاقوا أكثر وأكثر حتّى قال قائلهم(١) :

نحن بني المصطفى ذوو محن

تجرعها في الحياة كاظمنا

عجيبة في الأنام محنتنا

أوّلنا مبتل وآخرنا

يفرح هذا الورى بعيدهم

ونحن أعيادنا مآتمنا

وإذا كانت حياة الأئمّة الأطهار كلّها أحزان ومآتم حتّى أيّام الأعياد ، فحقيق بنا ، نحن الموالين لهم ، أن نجعل هذه المآتم من شعائر الدّين ، فإذا اجتمعنا للعزاء فإنّما نجتمع ، كما نكون في الجامع للصّلاة ، وكما نكون في مكّة المكرّمة للحجّ لا نبغي إلّا مرضاة الله وثوابه ، نجتمع للعزاء أملا أن تنالنا دعوة الإمام الصّادقعليه‌السلام حين سأل ربّه سبحانه بقوله :

«أللهمّ ارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا» ، «وارحم تلك القلوب الّتي حزنت واحترقت لنا ...» ، «وارحم تلك الصّرخة الّتي كانت لنا ...».

__________________

ـ قتيبة : ١١١ ، وقعة صفّين : ١٩٩ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٤٠٩ ، تأريخ بغداد : ١ / ١٦١ ، تأريخ دمشق : ٤٣ / ٣٥٩ و ٣٦٠.

(١) الأبيات في يتيمة الدّهر : ١ / ٢٥٤ ، سير أعلام النّبلاء : ١٥ / ١٦٧ ، مع بعض الإختلاف.

١٤٤

الإستهانة بالموت

قال ابن أبي الحديد في شرح النّهج :

«قيل لرجل شهد يوم الطّفّ مع عمر بن سعد : «ويحكم أقتلتم ذرّيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! فقال : عضضّت بالجندل(١) أنّك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها ، كالأسود الضّارية ، تحطّم الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة ، أو الإستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنّا فاعلين لا أمّ لك؟!».

ومن أجل ذلك صاح عمر بن الحجّاج برفاقه المارقين :

«ويلكم يا حمقاء ، مهلا ، أتدرون من تقاتلون؟ إنّما تقاتلون فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا برز إليهم منكم أحد(٢) . ومن أجل ذلك

__________________

(١) الجندل : الصّخر العظيم. (منهقدس‌سره ). انظر ، لسان العرب : ١١ / ١٢٨.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٣٣١ و : ٥ / ٤٣٥ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٣ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٩ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٨٦.

١٤٥

أيضا نهى ابن سعد أصحابه أن يبرزوا لأصحاب الحسين رجلا رجلا»(١) .

وليس هذا بعجيب ولا بغريب على من لا يبتغي شيئا في هذه الحياة إلّا وجه الله والدّار الآخرة ، ليس هذا غريبا على الحقّ إذا نازل الباطل ، وعلى من سمع بعقله وقلبه صوت الله يناديه إقدم ، ولك أحسن الجزاء. لقد عبّر كل شهيد في الطّفّ بأفعاله قبل أقواله عمّا قاله سيّد الشّهداء : «أما والله لا اجيبهم إلى شيء ممّا يريدون ، حتّى ألقى الله تعالى ، وأنا مخضّب بدمي»(٢) .

لم يكن المال والأمان من أهداف أبطال الطّفّ ، لم يكن لهم إلّا هدف واحد ، يفتدونه بكلّ ما غلا وعز ، ويستعذبون في سبيله كلّ شيء حتّى الموت ، ليس لأصحاب الحسين إلّا هدف واحد لا غير هو التّقرب إلى الله بنصرة العترة الطّاهرة ، ولا وسيلة إلى نصرتهم في هذا الموقف إلّا بذل النّفوس ، والإلتجاء إلى السّيوف ، فرحوا يحطمون الفرسان بسيوفهم يمينا وشمالا ويلقون بأنفسهم على الموت ، لا يحول بينهم وبين المنيّة حائل ، وما زادهم الحصار ، والجوع ، والعطش إلّا بسالة ومضاء.

ولم تكن لأصحاب الحسين هذه الشّجاعة والإستهانة بالموت ، ولا هذه العاطفة السّامية والمعاني النّبيلة لو لا إيمانهم بالله وبالحسين. إنّ الإخلاص للحقّ يبعث في النّفوس البطولة والتّضحية ، والعزم والصّراحة. وهذا ما يجعلنا نشكّك

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٢٦٣ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣١ و : ٥ / ٤٣٥ ، الإرشاد : ٢ / ١٠٣.

(٢) انظر ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٥٧ و ١٠٠ ، مثير الأحزان : ٥٨ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٩ ، الحدائق الورديّة (مخلوط) ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٥ ، نسب قريش لمصعب الزّبيري : ٥٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٧.

١٤٦

بالّذين يظهرون الإيمان ، ولا يجرأون على التّفوه بكلمة الحقّ طمعا في حطام زائل ، أو خوفا على منصب لا يدوم ، ومن أجله يؤثرون أهواء أهل الدّنيا على إرادة الله والرّسول. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أغلب النّاس من غلب هواه بعلمه»(١) . وقال : علامة الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك. لا يؤنسنّك إلّا الحقّ. ولا يوحشنّك إلّا الباطل»(٢) .

وما نقله ابن أبي الحديد عن الرّجل الّذي يشهد يوم الطّفّ يدل دلالة صريحة واضحة على صدق ما روي عن شجاعة أبطال الطّفّ ، وأنّ الواحد منهم كان يقتل جمعا كثيرا من أصحاب ابن سعد قبل أن يقتل ، وأنّهم كانوا على قتلهم لا يحملون على جانب من جيش الكوفة إلّا كشفوه ، فلقد أرسل عروة بن قيس إلى ابن سعد ، وكان قائده على الخيّالة ، أرسل إليه يقول : ألا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه القلّة اليسيرة؟! فأمده بخمسمئة من الرّماة ، فأقبلوا حتّى دنوا من أصحاب الحسين ، ورشقوهم بالنّبل ، فلم يلبثوا حتّى عقروا خيولهم ، وصاروا رجّاله كلّهم ، وكان الباقون من أصحاب الحسين إثنين وثلاثين رجلا ، فأجمع عليهم عسكر ابن سعد ، وهم ألوف ، واشتبكوا معهم في أشد قتال ، حتّى انتصف النّهار ، وقد قتل أصحاب الحسين من أهل الكوفة المئات.

فقد رماهم أبو الشّعثاء الكندي ، وهو جاث بين يدي الحسين بمئة سهم لم يكد يخيب منها خمسة أسهم(٣) . وكان نافع البجلي يكتب اسمه على نبله ،

__________________

(١) انظر ، غرر الحكم : ٣١٨١ ، عيون الحكم والمواعظ : ١١٦.

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة «١٢٠».

(٣) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٥ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٦٠٣ ، وقعة الطّفّ : ٢٣٧.

١٤٧

ويرسلها ، فيقتل بها ، ويجرح ، وقلّما تخطيء ، فأحاطوا به من كلّ جانب ، وضربوه وأسمعهم ما يكرهون ، وقال لهم : قتلت منكم إثني عشر رجلا سوى من جرح ، ولو بقيت لي عضد لزدت(١) .

وقتل حبيب بن مظاهر اثنين وستين رجلا ، كان يصول ويجول على شيخوخه وكبر سنّه ، ويستقبل الرّماح بصدره ، والسّيوف بوجهه ، وقد عرضوا عليه الأمان والأموال ، فأبى وقال : «لا والله لا عذر لنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن قتل الحسين ، وفينا عين تطرف». فاجتمعوا عليه ، وقتلوه(٢) . وكان حبيب صحابيّا أدرك النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد مع أمير المؤمنين حرب الجمل ، وصفّين ، والنّهروان ، وكان من خاصّته ، وحملة علومه ، وكان عابدا زاهدا يختم القرآن في ليلة واحدة.

وبعد ما انتهت المعركة رجع ابن سعد إلى الكوفة ، ومعه سبايا الحسين ، فخرج النّساء ، والأطفال ينظرون إلى السّبايا ، وكان مع من خرج القاسم بن حبيب بن مظاهر ، وهو يومئذ غلام قد راهق الحلم ، فرأى رأس أبيه معلقا في عنق فرس(٣) فأقبل الغلام من الفارس لا يفارقه ، فإذا دخل القصر دخل معه ، وإذا

__________________

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٧٨ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٧٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٩٨ و ١٣٤ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٢٩ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٧ ، المزار للشّهيد الأوّل : ١٥١ ، المزار للمشهدي : ٤٩٣ ، معجم رجال الحديث : ٢٠ / ١٣٥ رقم «١٣٠٠٢» ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٣ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٥ ، الأعلام : ٨ / ٦ ، مثير الأحزان : ٤٥ ، الكامل في التأريخ : ٤ / ٢٩.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٢ ، مقتل الحسين : ٢ / ٤ ، و : ٤ / ٣٢٠ ، مقتل الحسين لابي مخنف : ١١٣ ، إعلام الورى : ١ / ٤٥٧ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٩٥ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٣ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.

(٣) كان أمير المؤمنين قد أخبر حبيبا بما يحدث له ، وأخبر ميثم التّمار بأنّه يصلب ، وتبقر بطنه ، وبعد ـ

١٤٨

خرج منه خرج معه ، فارتاب به الرّجل ، وقال له : مالك يا بني تتّبعني؟ فقال الغلام : إنّ هذا الرّأس رأس أبي ، اعطني إيّاه حتّى أدفنه. قال : إنّ الأمير لا يرضى أن يدفن ، وأريد أن يثيبني على قتله. فقال له الغلام : ولكن الله لا يثيبك ، وبكى. ثمّ ذهب الغلام ، ولم يكن له من هم إلّا أن يقتل قاتل أبيه ، ولم تمض الأيّام حتّى خرج مصعب بن الزّبير(١) ، وكان القاتل مع جيش مصعب ، فراقبه الغلام يلتمس الفرصة السّانحة ، وفي ذات يوم دخل عسكر مصعب ، فوجد القاتل نائما في فسطاطه ، فضربه بسيفه حتّى برد(٢) .

__________________

ـ وفاة الإمام عليّعليه‌السلام التقى ميثم بحبيب ، وكان كلّ منهما يركب فرسا ، فقال حبيب يطايب ميثما : كأنّي بشيخ أصلع قد صلب في حبّ أهل البيت ، وتبقر بطنه فقال ميثم : أنّي لأعرف رجلا ثمّ افترقا ، فقال قوم كانوا جالسين يسمعون كلامهما ، ما رأينا أحدا أكذب من هذين. وقبل أن يفترق أهل المجلس أقبل رشيد الهجري ، فسأل أهل المجلس عنهما ، فقالوا : مرّا من هنا ، وقالا كذا وكذا. فقال رشيد ، نسي ميثم أن يقول : أنّه يزاد في عطاء من يأتي برأس حبيب مئة درهم. ثمّ أدبر ، فقال أهل المجلس : هذا ، والله أكذبهم. ولكن لم تمض الأيّام حتّى شاهد هؤلاء ميثما مصلوبا ، ورأس حبيب يطاف به ، وتحقّق كل ما سمعوه. (منه قدس‌سره). انظر ، أبصار العين في أنصار الحسين : ١٠١ ، رجال الكشي : ٧٨ رقم «١٣٣» ، منتهى المقال في أحوال الرّجال : ٢ / ٣٢٨.

(١) انظر ، الأخبار الطّوال : ٣١٨ ، تأريخ الطّبري : ٧ / ١٨١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٢٧ و : ٦ / ٦٥٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٢ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٧١.

١٤٩
١٥٠

أنتم مؤمنون

أين المؤمنون؟ أين المسلمون حقّا؟ أين الأسوة والعزاء بالأنبياء والأولياء؟ وبالتالي أين الموالون للنّبي وأهل بيته الّذين أحبّوا ما أحبّ الله ، ومحمّد ، وعليّ ، والحسن ، والحسين؟! قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «ولو لم يكن فينا إلّا حبّنا ما أبغض الله ، ورسوله ، وتعظيمنا ما صغر الله ورسوله لكفى به شقاقا لله ومحادّة عن أمر الله»(١) .

نحن ننكر على عثمان بن عفّان ، لأنّه آثر الأقارب والأرحام ، وآوى عمّه الحكم طريد رسول الله ولعينه(٢) . وننكر على معاوية مبايعته لولده يزيد الّذي أهلك الحرث والنّسل ، وننكر على ابن العاصّ ، لأنّه باع دينه إلى معاوية بولاية مصر ، وننكر على ابن سعد ، لأنّه قتل الحسين أملا بملك الرّي ، أجل ، أنّنا ننكر

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٩ / ٢٣٢ ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٢ / ٥٩.

(٢) الحكم هذا هو أخو عفّان أبي عثمان ، وكان يؤدي رسول الله ، وينبيء المشركين بأخباره. ذات يوم بينما يمشي رسول الله مشى الحكم خلفه يتفكك ، ويتمايل يختلج بفمه وأنفه مستهزءا بالرّسول فالتفت إليه ، وقال له كن كذلك. فما زال بقيّة عمره كذلك. ثمّ أسلم خوفا من القتل ، فطرده الرّسول من المدينة ، ولم يزل خارجها بقيّة حياة الرّسول وخلافة أبي بكر وعمر حتّى تولى عثمان فردّه إليها وقرّبه ، وقالت عائشة لابنه مروان «أشهد أنّ الله لعن أباك وأنت في صلبه». (منهقدس‌سره ). انظر ، تفسير القرطبي : ١٠ / ٢٨٦ ، ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد : ٣٦.

١٥١

على هؤلاء وأمثالهم لا لشيء إلّا لأنّهم آثروا العاجلة على الآجلة ، واستجابوا لأهواء الأولاد والأرقاب ، واستبدّت بهم الشّهوات والمنافع ، ولم يرعوا أمر الله وحرمة الدّين.

ونحن نكرّم أهل البيت ، ونقيم لهم الحفلات ، ونحي الذّكريات لأنّهم جاهدوا وضحّوا في سبيل الله ، وجابهوا الباطل ، وقاوموا العدوّان ولم يثنهم الخوف على منصب أو ولد ، ولكنّا في نفس الوقت نستجيب لأهواء الأولاد والأرقاب ، وتستبد بنا الشّهوات ، ولم نراع لله أمرا ولا نهيا ، تماما كما فعل أعداء أهل البيت ، نحن في أقوالنا ومظاهرنا مع الرّسول وعترته ، وفي أفعالنا وواقعنا مع الّذين حاربوا الله ورسوله ، وعاندوا الحقّ وأهله.

نحن لا نطلب من المسلم أن يكون حسينا ، ولا كأصحاب الحسين ، ولكن نطلب منه أن لا يكون كابن سعد ، وأصحاب ابن سعد نطلب أن لا يسمّي الظّلم عدلا ، والباطل حقّا تملقا لأبناء الدّنيا ورغبة في ما بأيديهم ، نريده أن يقول للظّالم يا ظالم ، ولا يسكت عن الحقّ. أنّ السّكوت عن الحقّ ومدراة الطّغاة وأصحاب المال ، والجاه لا تجتمع مع موالاة أهل البيت الّذين كانوا حربّا على كلّ طاغ وباغ ؛ قال الإمام الباقرعليه‌السلام لجابر الجعفي :

«اعلم بأنّك لا تكون لنا وليّا إلّا إذا اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنّك رجل صالح لم يسرّك ذلك ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فإن كنت سالكا سبيله ، زاهدا في تزهيده ، راغبا في ترغيبه ، خائفا من تخويفه فأثبت وأبشر ، فإنّه لا يضرّك ما قيل فيك. وإن كنت مباينا للقرآن فماذا الّذي يغرّك من نفسك؟!. إنّ المؤمن معني بمجاهدة

١٥٢

نفسه ليغلبها على هواها»(١) .

فالمقياس هو القرآن. وما اهتمّ القرآن في شيء أكثر من اهتمامه بالمعروف والنّهي عن المنكر ، قال الله تعالى :( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ ) (٢) .

وقال الفقهاء : المعروف قسمان واجب وندب ، والأمر بالواجب واجب ، والأمر بالنّدب ندب ، أمّا المنكر فكلّه حرام ، فالنّهي عنه واجب(٣) .

وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : «يكون في آخر الزّمان قوم سفهاء ، لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضّرر ، يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير ، يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصّلاة والصّيام ، وما لا يكلّفهم في نفس ولا مال ، ولو أضرّت الصّلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتم الفرائض وأشرفها»(٤) .

أراد الإمام من أتم الفرائض وأشرفها الأمر المعروف والنّهي عن المنكر ، أمّا قوم آخر الزّمان فهم نحن ، حيث نفعل المنكر غير مكترثين ، أو نرضى به ، أو نغض الطّرف عن فاعله متذرعين بخوف الضّرر ، كما قال الإمام ، متجاهلين الصّبر على المكروه في جنب الله ، وخدمة الدّين؟ وأيّة فضيلة للمرشد إذا لم يعان

__________________

(١) انظر ، تحف العقول : ٢٨٤.

(٢) المائدة : ٧٩.

(٣) انظر ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٥٨.

(٤) انظر ، مختلف الشّيعة : ٤ / ٤٦١ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٤٥٨ و : ٩ / ٤٤٠ ، الوافي : ٩ / ٢٩ ، تهذيب الأحكام : ٦ / ١٨٠.

١٥٣

المشقّة والصّعاب في سبيل الحقّ ، وإعلاء كلمته.

فإيّاك أن تغتر بقول من قال : لا يجب التّذكر إلّا مع أمن الضّرر واحتمال النّفع(١) ولو صحّ قولهم هذا لما وجب التّذكير في وقت من الأوقات ، لأنّه لا يخلو زمان من معاندين ، ولا يسلم محق من جاحدين ، أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجب ، وإلقاء الحجّة لا بدّ منه. وإليكم المثل والدّليل :

قبل أن يعلم الحسين بخبر ابن عمّه مسلم كتب إلى جماعة من أهل الكوفة :

«بسم الله الرّحمن الرّحيم ، من الحسين بن عليّ إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم ، فإنّي أحمد إليكم الله الّذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جائني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، وإجتماع ملئكم على نصرنا ، والطّلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصّنع ، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثّلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التّروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فامكثوا في أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه ، إن شاء الله ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(٢) .

وأرسل الكتاب مع قيس بن مسهر الصّيداوي(٣) ، ولمّا قارب قيس الكوفة

__________________

(١) أمّا قوله تعالى :( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ) الأعلى : ٩ ؛ فليس النّفع شرطا حقيقيّا للتّذكير ، وإنّما هو أشبه بقول القائل : سله إن نفع السّؤال ؛ لأنّ الأنبياء بعثوا للأعذار والإنذار ، فعليهم التّذكير على كلّ حال نفع أو لم ينفع. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨١ ، الإرشاد : ٢ / ٧٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٢ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٩٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٤٥ ، مثير الأحزان : ٣٠ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٦١.

(٣) انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ٩٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٢٩ و ٢٣٥ ، و ٢٤٨ طبعة آخر ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٧٤ ، عوالم العلوم : ١٧ / ٢٢٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٣٢ ، الملهوف : ٦٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٠٢ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٥٩٥ ، وقعة الطّفّ : ١٦٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٨.

١٥٤

اعترضه الحصين بن نمير(١) فأخرج قيس الكتاب وخرّقه ، فحمله الحصين إلى ابن زياد ، فلمّا مثل بين يديه ، قال له : من أنت؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وابنهعليهما‌السلام ، قال : لماذا خرّقت الكتاب؟. قال : لئلّا تعلم ما فيه ، قال : وممّن وإلى من؟ قال : من الحسين بن عليّ إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم ، فغضب ابن زياد ، وقال : والله لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن عليّعليهما‌السلام وأباه وأخاه ، وإلّا قطّعتك إربا إربا.

فاغتنم قيس هذا الفرصة لصعود المنبر ، وقال : أمّا القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأمّا اللّعن فأفعل ، قال له : اصعد والعن ، فصعد قيس ، وحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النّبيّ ، وأكثر من التّرحم على عليّ ، والحسين ، والحسن ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أميّة عن آخرهم ، ثمّ قال : أيّها النّاس أنا رسول الحسين إليكم ، قد تركته في مكان كذا ، فأجيبوه ، فأمر ابن زياد بالقائه من أعلى القصر ، فتكسّرت عظامه ، وبقي به رمق ، فأتاه رجل يقال له عبد الملك ابن عمير اللّخمي فذبحه ، فقيل له في ذلك وعيب عليه ، فقال : أردت أن اريحه(٢) .

__________________

(١) كان الحصين على شرطة ابن زياد ، وهو الّذي رمى الكعبة بالمنجنيق لمّا تحصّن فيها ابن الزّبير ، وقتل الحصين في ثورة التّوابين ، قال ابن أبي الحديد : أنّ أبا الحصين هو الّذي سأل أمير المؤمنين عن عدد شعر رأسه حين قال: سلوني قبل أن تفقدوني ، فقال له : وما علاقه الصّدق لو أخبرتك؟ كيف تعد الشّعر ، ولكن اخبرك أنّ تحت كلّ شعرة في رأسك شيطانا يلعنك ، وعلامة ذلك أنّ ولدك سيحمل الرّاية ويخرج لقتال ولدي الحسين ، ولم تمض الأيّام حتّى تحقّق ما قال الإمام. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٩٥ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٣٤٥ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦ و ٧١ ، ـ

١٥٥

هؤلاء أصحاب يزيد ، وابن زياد كلّهم عبد الملك ينبشون الأموات ، ويمثلون بالأبرار ؛ أمّا أصحاب الحسين فكلّهم قيس بن مسهر. أقدم قيس رضوان الله عليه وهو على يقين من قتله والتّمثيل به ، ولكن استخف بالموت ما دام الغرض الأسمى الّذي قصد إليه قد تحقّق ، وهو تبليغ رسالة سيّده الحسين ، وإلقاء الحجّة على أعداء الله.

والسّر الأعظم في أصحاب الحسين أنّهم يطلبون الموت بلهفة المشتاق ، ويودون لو تكرّر قتلهم مرّات ومرّات في سبيل الحسين. وهكذا المؤمنون المنزّهون عن الأغراض ، والمطامع لا يخافون على أنفسهم من القتل ، ولا على أولادهم من اليتم والضّياع ، وإنّما يخشون الله وحده على دينهم وإيمانهم.

__________________

ـ تأريخ الطّبري : ٤ / ٢٦٢ و ٣٠٦ و : ٥ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٤١ و ٢٤٥ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ٣٣٣ ، و : ٩٨ / ٢٧٣ و ٣٤٠ ، العوالم : ١٨٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٥ ، المزار للشّهيد الأوّل : ١٥٢ ، المزار للمشهدي : ٤٩٣ ، معجم رجال الحديث : ١٥ / ١٠٣ رقم «٩٦٩٨» ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٤٦ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٣٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨١ ، الأخبار الطّوال : ٢٢٩.

١٥٦

أولوا العزم

قال الله جلّ وعلا :

( وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ) (١) .

نصّت هذه الآية على أنّ أولي العزم من الأنبياء خمسة : وهم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد(٢) ، ومعنى أنّهم من أولي العزم أنّ لكلّ منهم شريعة خاصّة ، دعا إليها ، وحثّ على العمل بها ، ولاقى في سبيل ذلك الكثير من المصاعب ، والمتاعب ، ولكنّه صبر وثابر ، بخاصّة محمّد بن عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي قال : «ما أوذي نبّي بمثل ما أوذيت»(٣) ، وأوصاه الله سبحانه بالصّبر كما صبر من كان قبله من أولي العزم ، حيث قال عزّ من قائل :( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ

__________________

(١) الأحزاب : ٧.

(٢) انظر ، شرح اصول الكافي : ٧ / ٣٧٥ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٢٦٠ ، تفسير الميزان : ١٨ / ٢٢١.

(٣) انظر ، صحيح ابن حبّان : ٤ / ٥١٥ ح ٦٥٦٠ ، الأحاديث المختارة : ٥ / ٣٠ ح ١٦٣٣ ، موارد الظّمآن : ١ / ٦٢٦ ح ٢٥٢٨ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٦٤٥ ح ٢٤٧٢ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٤ ح ١٥١ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣١٣ ح ٣١٧٠٤ ، مسند البزّار : ٨ / ١٧٦ ح ٣٢٠٥ ، مسند أحمد : ٣ / ١٢٠ ح ١٢٣٣ ، مسند أبي يعلى : ٦ / ١٤٥ ح ٣٤٢٣ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٤٣٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٢١ / ١٨٩.

١٥٧

مِنَ الرُّسُلِ ) (١) .

أجل ، ما أوذي نبي بمثل ما أوذي به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن ولده الحسينعليه‌السلام قد أصابه في سبيل الإسلام يوم كربلاء أشدّ وأعظم ممّا أصاب جدّه الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصبر صبر الأنبياء والرّسل ، أمر أهله وأصحابه بالصّبر ، فمن أقواله يوم الطّفّ :

«صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس ، والضّرّاء إلى الجنان الواسعة ، والنّعيم الدّائم ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ، وما هو لأعدائكم إلّا كما ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب ، أنّ أبي حدّثني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الدّنيا سجن المؤمن ، وجنّة الكافر»(٢) ، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم ، وجسر هؤلاء إلى جهنّمهم ، ما كذبت ولا كذّبت»(٣) .

وقال وهو يودّع عياله :

«استعدوا للبلاء ، واعلموا أنّ الله حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النّعم والكرامه ، فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم»(٤) .

لقد تحمّل من ارزائها محنا

لم يحتملها نبيّ أو وصيّ نبيّ

__________________

(١) الأحقاف : ٣٥.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٨ / ٢١٠ ، مسند أحمد : ٢ / ٣٢٣ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٣٨٥ ح ٢٤٢٦ ، صحيح ابن حبّان : ٢ / ٤٦٢ ح ٦٨٧.

(٣) انظر ، تحف العقول : ٥٣ ، معاني الأخبار : ٢٨٩ ح ٣.

(٤) انظر ، جلاء العيون ، للمجلسي : ١٥٦.

١٥٨

وأنّ أعظم ما لاقاه محتسبا

عند الإله فسامى كلّ محتسب

حمل الفواطم أسرى للشّام على

عجف النّياق تقاسي نهشة القتب

وما رأت أنبياء الله من محن

وأوصياؤهم في سالف للحقب

كمحنة السّيّد السّجّاد حين أتت

يزيد نسوته أسرى على النّجب

أمامها رفعت فوق الأسنّة من

حماتها أرؤس فاقت سنى الشّهب

١٥٩
١٦٠

أمضي على دين النّبيّ

قال الله تعالى :

( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) (١) .

كلّ إنسان له عاطفة ، وشهوات ، وميول ، تقيّا كان أو شقيّا ، والفرق أنّ الشّقي إذا تصادمت عاطفته مع دينه تغلّبت العاطفة على الدّين ، وكانت هي الغالبة ، وهو المغلوب ، فإذا مالت نفسه إلى الحرام اقتحمه غير مكترث بواعظ ، ومزدجر بزاجر ، أمّا التّقيّ فعلى العكس يتغلب دينه على عاطفته ، فإذا راودته النّفس إلى المعصية وهمّ بها تذكّر أمر الله ونهيه ، وزجر مشاعره ، ونهى نفسه عن ميولها وهواها.

والأشياء الّتي تقود العاطفة وتحركها كثيرة لا يبلغها الإحصاء ، كالجاه ، والمال والنّساء ، والولد والصّداقة ، وما إلى ذلك ، ولكن عاطفة الأب تّجاه ولده أقواها جميعا ، فكم من عالم تثق به النّاس قادته هذه العاطفة إلى المهالك ، وأودت بدينه

__________________

(١) الصّافّات : ١٠٢ ـ ١٠٦.

١٦١

وجاهه وكيانه ، وهنا يعرف المؤمن حقّا ، ويتميّز عن الزّائف.

والآية الكريمة خير مثال على ذلك ، فإنّ الوالد أرفق النّاس بولده. وأحبّهم إلى قلبه ، ومع هذا فإنّ دين إبراهيمعليه‌السلام تغلب على هذا الرّفق ، والحبّ ، وهذه العاطفة الأبويّة ، وأقدم على ذبح ولده طاعة لله سبحانه وأيضا استسلم ولده للذّبح طاعة لخالقه رغم عاطفته ورغبته في الحياة.

وكذلك الحسينعليه‌السلام سلّم للذّبح ولديه عليّ الأكبر(١) ، والطّفل الرّضيع(٢) ،

__________________

(١) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦١ ـ ١٦٤ ، إبصار العين : ٢١ طبعة النّجف ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٠ ، و : ٦ / ٢٥٦ ، المعارف : ٢١٣ و ٢١٤ ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٥ و ٥٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٠ ، والأخبار الطّوال : ٢٥٤ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٦٢٥.

(٢) هو عبد الله بن الحسين بن عليّعليه‌السلام ولد في المدينة ، وقيل في الطّفّ ولم يصح ، وأمّه الرّباب بنت امرىء القيس وهي الّتي يقول فيها الإمام الحسينعليه‌السلام :

لعمرك إنّني لأحبّ دارا

تحلّ بها سكينة والرّباب

قال المسعودي في ينابيعه : ٣ / ٧٧ ، والإصبهاني : ٣٥ و ٩٥ ، والطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، و : ٢ / ٣٦٠ طبعة أوربا ، وغيرهم : إنّ الحسين لمّا آيس من نفسه ذهب إلى فسطاطه فطلب طفلا له ليودّعه فجاءته به اخته زينب فتناوله من يدها ووضعه في حجره ، فبينما هو ينظر إليه إذ أتاه سهم فوقع في نحره فذبحه. قالوا : فأخذ دمه الحسين عليه‌السلام بكفّه ورمى به إلى السّماء وقال : أللهمّ لا يكون أهون عليك من دم فصيل قالوا : فروي عن الباقر عليه‌السلام أنّه لم تقع من ذلك الدّم قطرة إلى الأرض

والّذي رماه بالسّهم حرملة بن الكاهن (كاهل) الأسدي ، وقيل : إنّ الّذي رماه عقبة بن بشر الغنوي ، وقيل : غير ذلك. انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٧١ ـ ١٧٢ وهامش «١» من ص ١٧٣ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٢٢ ، الإختصاص للشّيخ المفيد : ٣٠ ، نسب قريش : ٥٩ ، سرّ السّلسلة العلوية : ٣٠ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٦٥ ولم يذكر اسم أمّه ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٨ طبعة النّجف ، البحار : ١٠ / ٢٣ ، و : ٤٥ / ٤٦ و ٤٧ طبعة آخر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٢ ، مثير الأحزان لابن نما الحلّي : ٣٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٨ / ١٨٦ ، أخبار الدّول للقرماني : ١٠٨ ، منتهى الآمال : ١ / ٦٩٣ ، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي : ٢٥٢ ، ـ

١٦٢

وأخاه أبا الفضل(١) ، وجميع أقاربه وأصحابه ، ثمّ ضحّى بنفسه ، وسلّمها للسّيوف ، والرّماح ، والسّهام طاعة لله جلّ وعزّ ، وبرز إلى الموت مردّدا شعاره

__________________

ـ الإحتجاج : ٢ / ٢٥ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي : ٣ / ٧٨ طبعة اسوة ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٨ و ١٣٥.

(١) العبّاس بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ولد سنة ست وعشرين من الهجرة ، وكان له عقب ، وكان يسمّى بالسّقّاء ، ويكنى أيضا أبا قربة. وكان رجلا وسيما جميلا ، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطّان في الأرض ، وكان يقال له قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسينعليه‌السلام معه يوم قتل.

انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٨٩ ـ ٩٠ ، و : ٥٨ طبعة آخر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٢٩ ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٢ ، تأريخ خليفة : ٢٣٥ ، مروج الذّهب للمسعودي : ٣ / ٧٧ ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٧ و ٢١١ و ٨٨ ، الإشتقاق : ٢٩٦ ، جمهرة أنساب العرب : ٢٦٥ و ٢٦١ ، جمع الفوائد : ٢ / ٢١٨ ، ينابيع المودّة : ٣ / ١٧ ، و : ٦٧ و ٦٨ طبعة اسوة ، جواهر العقدين : ٢ / ٣٢٩ ، الإرشاد : ٢ / ١٠٩ ، و : ٢٥٥ طبعة آخر.

انظر أيضا ، الإرشاد : ٢ / ١٢٥ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٧٤ و ٢٣٤ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ٢٥ طبعة النّجف الأشرف ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٢٦٠ ، و : ٤ / ١٠٨ ، عوالم العلوم : ١٧ / ٣٤٣ ، البحار : ٤٥ / ٤٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٩ و ٣٠ ، العقد الفريد : ٢ / ٨٣ ، تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي : ١٤٢ ، إعلام الورى : ٢٨ ، مثير الأحزان : ٢٨ ، أسرار الشّهادة : ٣٨٧ ، و : ٣٣٧ طبعة آخر ، تأريخ الطّبري : ٦ / ١٣٧ ، روضة الواعظين : ١٥٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٧٦ ، تظلّم الزّهراء : ١١٨ ، المنتخب للطّريحي : ٣١١ ، و : ٣٠٥ طبعة آخر ، رياض المصائب : ٣١٣ ، المقتل للمقرّم : ٢٦٦ ـ ٢٧٠ ، منتهى الآمال : ١ / ٦٨٦ و ٦٨٧ ، الخصال : ١ / ٦٨ ، معالي السّبطين : ١ / ٤٤١ و ٤٤٠ ، الدّمعة السّاكبة : ٤ / ٣٢٢ ـ ٣٢٤ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ٦٤٥ و : ٢ / ١٦٧ ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم : ٢٣٥ ، بتحقّيقنا.

وفي المقاتل : ٨٩ قال : والعبّاس آخر من قتل من إخوته لأمّه وأبيه ولكنّ الإصفهاني كعادته يطلق العنان لقلمه بدون تروّي وبصيرة لأنّه يردف قائلا : فقدّمهم بين يديه ، فقتلوا جميعا ، فحاز ميراثهم ونحن نسأل كم تتصوّر أيّها المؤرّخ أنّ العبّاس بقي حيّا بعد إخوته حتّى يحوز ميراثهم؟ وهل أنّ العبّاس كان يفكّر بالمادّيات كما تفكّر أنت وغيرك؟ وهل وهل إلخ.

وكان يقال له «قمر بني هاشم» لو سامته وجماله. انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ١١٨.

١٦٣

الوحيد : «أمضي على دين النّبيّ»(١) .

ومن أجل هذا الشّعار القدّسي استشهد عليّ ، والحسن ، والحسين وأصحابهم وشيعتهم الخلّص ، وهو المثل الأعلى لكلّ من والى آل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقّا وصدقّا ، والفلسفة الصّحيحة للتّشيّع الحقّ الّتي لا يحلّ محلها أيّة فلسفة أخرى.

عش في زمانك ما استطعت نبيلا

واترك حديثك للرّواة جميلا

ولعزّتك استرخص حياتك أنّه

أغلى وإلّا غادرتك ذليلا

تعطي الحياة قيادها لك كلّما

صيرّتها للمكرمات ذلولا

العزّ مقياس الحياة وضلّ من

قد عدّ مقياس الحياة الطّولا

قل كيف عاش ولا تقل كم عاش من

جعل الحياة إلى علاه سبيلا

لا غرو أن طوت المنيّة ماجدا

كثرت محاسنه وعاش قليلا

قتلوك للدّنيا ولكن لم تدم

لبني اميّة بعد قتلك جيلا

ولرّب نصر عاد شرّ هزيمة

تركت بيوت الظّالمين طلولا

حلّت بصّفّين الكتاب رماحهم

ليكون رأسك بعده محمولا

يدعون باسم محمّد وبكربلا

دمه غدا بسيوفهم مطلولا(٢)

__________________

(١) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٩٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٨.

(٢) انظر ، ديوان الأزري الكبير ، للشّيخ كاظم الأزري التّميمي : ٢٣٤.

١٦٤

لا عمل بعد اليوم

أنّ الّذين رصدوا خطوات الحياة منذ درج الإنسان على وجه الأرض ، واستعرضوا الماضي يدركون أنّ جيلنا هذا لم يستقل بخلق المدنيّة الحديثة وإيجادها ، وإنّما هي نتيجة لازمة لإطّراد تقدم الإنسان ورقيّة على سلّم التّصاعد منذ وجد حتّى الآن ، فالسّلف شريك الخلف في كلّ ما تحويه المدنيّة من أفانين وأعاجيب. إنّ حلقة الإتّصال بين الماضي والحاضر هي وراثة الثّاني للأوّل ، في جميع أشيائه الماديّة والمعنويّة ، إنّ حياة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها بناية واحدة ، وكلّ عصر هو حجر في بنائها ، إذن نحن نعيش بالماضي والحاضر معا ، كما ستعيش الأجيال المقبلة بنا والمستقبل.

لمن هذه الأنظمة والقوانين الّتي ترتكز عليها السّياسة؟ ومتى نشأت هذه الأديان الّتي شيّدت لها المعابد والمعاهد ، ونبتت بذورها وأيعنت في كلّ قلب حتّى سيّرت الأمم والأفراد في مسالكها الخاصّة والعامّة؟ وأين أرباب هذه الألوف من الكتب الّتي فرضت نفسها على الكلّيات والجامعات؟ أمّا منشأ اللّغات وتطورها فعلمها عند ربّي ، فأي مادّة تقع عليها العين نجت من يد الماضي! وأي روح لم تسترشد بحكمته وتهتد بسنائه! وكم حوت كنوز آبائنا العرب من جواهر الحكمة ، فأضاعها ورّاثها الأقربون وانتفع بها الأباعد

١٦٥

الغاصبون ، واتّخذوا من ثمارها وسيلة إلى الكبرياء ، والتّعاظم علينا ، وهي لنا ومن ميراثنا الّذي ذهلنا عنه حتّى أصبح فريسة الذّئاب.

قرأت في مجلّة «المختار» كلمة بعنوان «أطع هذا الحافز» للدّكتور وليم مولتون ، وهي على طولها وعرضها تتلخص بجملة نطق بها أحد أبطال الطّفّ الّذين ناصروا الحسين بن عليّ. وهو عابس بن أبي شبيب البطل العربي ، قالها عند ما رأى السّيوف ، والرّماح ، والسّهام ، والأحجار تنهال وتتراكم على الحسين وأهل بيته وأصحابه ، فأججّ هذا المنظر في نفسه شعلة جعلت الدّماء تشب في عروقه كاللهب المضطرم ، وخيّل إليه أنّ السّماء والأرض قد استحالتا إلى دخان ورماد ، فنظر إلى مولى كان معه يدعى شوذبا(١) ، وناداه يا شوذب ما في نفسك أن تصنع اليوم ، قال شوذب : اقاتل حتّى أقتل دون ابن رسول الله ، قال عابس ذلك الظّن بك ـ أنّه لا عمل بعد اليوم ـ(٢) حكمة بالغة ليس كمثلها شيء إلّا العمل بها ، ولو قالها غربي لقرأتها في كلّ صحيفة وسمعتها من كلّ لسان ، ولكنّه منّا ، وعربي مثلنا.

وصدق شوذب القول بالفعل فقاتل حتّى قتل ، وماذا فعل عابس الّذي نطق بهذه الحكمة الخالدة ـ لا عمل بعد اليوم ـ تقدّم من الحسين وقال : أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب أو بعيد أحبّ عليّ منك ، ولو قدرت أن أدفع عنك القتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت ، ثمّ مضى إلى المعركة فعرفه رجل

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣٨ و : ٥ / ٤٤٣ و ٤٤٤ ، مقتل الحسين : ٢ / ٢٢ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٠٥ ، إقبال الأعمال : ٣ / ٧٩ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ٧٣ ، ٩٨ / ٢٧٣ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ٤٥ رقم «٥٧٦٤» ، إعلام الورى : ١ / ٤٦٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٥٤.

١٦٦

من أصحاب ابن سعد يدعى ربيع بن تميم ، وكان شاهده مع الإمام عليّ في صفّين ، ورأى منه الأعاجيب ، فصاح ربيع بأصحابه : أيّها النّاس هذا أسد الأسود لا يخرجنّ إليه أحد ، فأخذ عابس ينادي ألا رجل فهابه القوم ، فنادى ابن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة ، فانهالت عليه من كلّ جانب ، فلمّا رأى عابس ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ عليهم ؛ قال ربيع رأيته والله يطرد أمامه أكثر من مئتين ، ثمّ تكاثروا عليه فقتلوه ، واختصم الجيش في قتله وادّعاه الجميع ، فأصلح ابن سعد بينهم بقوله : هذا لم يقتله واحد ، كلّكم قاتله ، فهدأت الفتنة(١) .

قتل عابس وضحّى بنفسه في سبيل مبدئه وإحياء عقيدته ، ومات شهيد الحقّ والفضيلة ، وبلغ بعمل ساعة ما لم يبلغه غيره بعمل الدّهر كلّه ، وحاول ابن سعد أن يصرع الأقمار بالأحجار فهوت على رأسه وقلبه ، ترجمه بها يد التّأريخ ما وجد له قارئا أو سامعا.

أنّ نداء ـ لا عمل بعد اليوم ـ هو الشّعار الوحيد الّذي يعبّر عن مبدأ شهداء الطّفّ وعقيدتهم الّتي من أجلها نصبوا مهجهم هدفا للسّهام والرّماح دون الحسين ، وهل تجدي الأعمال كلّها بعد قتل الحسين! إذن العمل كلّه في هذا اليوم بل في هذه اللّحظة الّتي ما زال الحسين فيها حيّا.

وقد ندم التّوابون بعد قتل الحسين على تركهم نصرته ، فنهضوا وثاروا وقتلوا ، ولكن عملوا بعد قتل الحسين ، ولا عمل بعد قتله إلّا الحسرة والتّلهف ، قال

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

١٦٧

شاعرهم عبد الله بن الحرّ(١) :

فيا لك حسرة ما دمت حيّا

تردّد بين حلقي والتّراقي

فلو فلق التّلهف قلب حيّ

لهمّ اليوم قلبي بإنفلاق

فقد فاز الألى نصروا حسينا

وخاب الآخرون أولوا النّفاق(٢)

وهذا تفسير قول أبي الشّهداء ـ فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠. لعلّ من أصدق النّماذج الّتي حفظها لنا تأريخ تلك الفترة قول عبيد الله بن الحرّ ، الّذي فرّ من الكوفة حين اتّهمه عبيد الله بن زياد بعدم الولاء للسّلطة ، وقدم إلى كربلاء ، فنظر إلى مصارع الشّهداء وقال :

يقول أمير غادر حقّ غادر

ألا كنت قاتلت الشّهيد بن فاطمة

فيا ندمي ألّا أكون نصرته

ألا كلّ نفس لا تسدد نادمة

وإنّي لأنّي لم أكن من حماته

لذو حسرة ما إن تفارق لازمة

سقى الله أرواح الّذين تأزروا

على نصره سقيا من الغيث دائمة

وقفت على أجداثهم ومجالهم

فكاد الحشى ينفض والعين ساجمة

لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى

سراعا إلى الهيجا حماة خضارمة

تآسوا على نصر ابن بنت نبيّهم

بأسيافهم آساد غيل ضراغمة

فإن يقتلوا فكلّ نفس تقية

على الأرض قد أضحت لذلك واجمة

وما إن رأى الرّاؤون أفضل منهم

لدى الموت سادات وزهرا قماقمة

أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا

فدع خطة ليست لنا بملائمة

لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم

فكم ناقم منّا عليكم وناقمة

أهم مرارا أن أسير بجحفل

إلى فئة زاغت عن الحقّ ظالمة

فكفوا وإلّا زرتكم بكتائب

أشدّ عليكم من زحوف الدّيالمة

انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٦٣ و : ٤ / ٣٦٠ و : ٥ / ٤٦٩ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٢٩ ، مقتل الحسين لابي مخنف : ٢٤٥ ، تأريخ دمشق : ٢٧ / ٤٣٠.

(٢) انظر ، خزانة الأدب : ٢ / ١٥٧ ، الأخبار الطّوال : ٢٦٢ ، ترجمة الإمام الحسين من الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٩٤.

١٦٨

الظّالمين إلّا برما»(١) ـ لم يستفد من هذا الدّرس الّذي هو أبلغ دروس الحياة ، سوى أبطال الطّفّ الّذين تسابقوا إلى الموت بين يدي الحقّ ، والفضيلة فرحين مستبشرين.

وبين هؤلاء الأبطال شبه كبير من الوجهة النّفسيّة ؛ فدرس بعضهم يوقفنا على حقيقة الباقين لا نستثني منهم سوى رجل واحد ، هو الضّحاك ابن عبد الله المشرقي ، فإنّه لازم الحسين من أوّل يوم حتّى إذا لم يبق مع الإمام إلّا اثنان الضّحاك ثالثهم ، استأذن الحسين فأذن له فركب فرسه ونجا ، حاول الضّحاك أن يلائم بين إرادة الحياة واحترام العقيدة ، وأن تسالم كلّ واحدة جارتها ، ولمّا وقع بينها العداء الصّراع قدّم مصالحه الشّخصيّة على عقيدته(٢) ، على عكس النّتيجة الّتي انتهى إليها الحرّ الرّياحي(٣) .

تطوع الحرّ بن يزيد الرّياحي في جيش ابن زياد لحرب الحسين ، ولمّا أيقن أنّ الحسين مقتول لا محالة انسحب من جيش الكوفة وصحب معه ولده الشّاب بكير وانضمّا إلى الإمام وقتلا معا بين يديه ، لقد كان في الحرّ حنكة ومرونة إلى جانب إيمانه القوي ، فحاول أن يؤلّف بين إيمانه وتقلبات البيئة والظّروف ، فقال

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤١٨ و ٤٤٥ و ٤٢٢ وفي ٤٣٦ و : ٤ / ٣٢٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٣ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٩٥ ، الأخبار الطّوال : ٢٥٦.

(٣) انظر ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم : ٢١٥ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٨٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٣٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٥١ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٦٨ ، الإمامة والسّياسة : ٢ / ١١ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٠٢ ، الأخبار الطّوال للدّينوري : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ ، أنساب الأشراف : ١٦٩ ـ ١٧٦ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ٨٥.

١٦٩

في نفسه ـ أصانع القوم بما لا ينفعهم ولا يضرّ الحسين كي لا يظنوا أنّي خرجت من طاعة ـ ولمّا امتنع عليه الوئام بين إحياء العقيدة وإرادة الحياة استجاب إلى صوت ضميره الحي وقام بواجب الحقّ فضحّى بحياته وحياة ولده في سبيل إحياء إيمانه الصّادق.

قدّم الحرّ عقيدته على حياته ، وقدّم الضّحاك حياته على عقيدته ، ولم يكن هذا الفارق الوحيد بين الرّجلين ، فقد بعث منظر القتل ، والقتلى في نفس الحرّ الشّجاعة والإقدام على الموت ، بينما بعث في نفس الضّحاك الجبن لذى أدّى به إلى الهزيمة والفرار. فرّ الضّحاك رغبة في البقاء على نفسه وأهله ، وقدّم الحرّ ولده الشّاب إلى المذبحة طيّب النّفس ، ولمّا رآه قتيلا يتخبط بدمه قال : الحمد لله يا بني الّذي نجّاك من القوم الظّالمين ، ومنّ عليك بالشّهادة بين يدي إمامك.

أنّ تطوع الحرّ في جيش ابن زياد وموقفه من الحسين باديء ذي بدء لا يدل على عقيدته ودخيلة نفسه السّامية ، كما أنّ انضمام الضّحاك إلى الإمام منذ اللّحظة الأولى إلى قرب الشّوط الأخير لا ينبيء عن زهده في الشّهادة لأجل الحقّ ، بل يشعر بالإقدام والتّضحية.

من هذه المقارنة يدرك البصير أنّ ثوب الوطنية والطّنطنة والتّهويل ، لا يدل على الإخلاص والتّضحية ، كما أنّ الهدوء وعدم الثّرثرة والتّشدق بالألفاظ الفارغة لا تكشف عن الخيانة والجبن ولكن :

إذا اشتبكت(١) دموع في خدود

تبين من بكى ممّن تباكى(٢)

__________________

(١) في بعض المصادر (انسكبت) وفي البعض (اشتبهت) وفي البعض (استبكت).

(٢) ينسب هذا الشّعر تارة إلى حكيم من حكماء العرب كما في تفسير القرطبي : ٨ / ٢٣٠ ، وتارة إلى ـ

١٧٠

ما أحبّ الباطل شابّا ولا كهلا

في ليلة العاشر من المحرّم ، ضرب للحسينعليه‌السلام فسطاط ، ليطلي بالمسك والنّورة ، ولمّا دخله وقف برير بن خضير الهمداني ، وعبد الرّحمن ابن عبد ربّه الأنصاري تختلف مناكبهما ، يتضايقان ، ليسبق كلّ واحد صاحبه إلى فاضل المسك ، فيفوز بما لمسته أنامل الطّهر والقداسة ، فيعبق نشره مع نشر الدّم الزّكي ، دم الشّهادة والتّضحية ، قال راوي الحديث : فأخذ برير يهازل عبد الرّحمن ويضاحكه فأجابه عبد الرّحمن دعنا ، فو الله ما هذه بساعة باطل.

قال برير : والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا(١) . ولكنّي لمستبشر بما نحن لاقون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلّا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، وودّدت أنّهم مالوا علينا السّاعة(٢) .

أنّ الباطل في عرف القدّيسين مثل عبد الرّحمن وبرير أن يختار الإنسان الحسن مع القدرة على الأحسن ، فذكر الله في هذه السّاعة الّتي هي أشبه ما تكون

__________________

ـ المتنبي كما في الدّيوان : ٥٨٦ ، وتارة ثالثة إلى الشّريف المرتضي كما في التّرجمة.

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢١ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٣ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٥.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢١ و ٤٢٣ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٠٦ ، الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٧ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٢.

١٧١

بساعة النّزع وتسليم الرّوح خير من الدّعابة ، والبكاء أولى من الإبتسام ، وما كان عبد الرّحمن يجهل بريرا. كيف وقد تخرجا من مدرسة واحدة على معلم واحد ، على سيّد الوصيّين وإمام المتّقين الّذي كان يلقّنهم دروس الكمال بأفعاله قبل أقواله ، ويعلمهم أنّ الإستخفاف بصغير الذّنوب من أكبر الذّنوب ، لأنّه استخفاف بالله ، وشرائعه ، وقوانيه!.

لم تكن تلك الدّروس الّتي تلقّاها برير وعبد الرّحمن عن المعلم الأعظم ألفاظا تذروها الرّياح ، وأصواتا لا تتجاوز الآذان ، بل هي بذور تغرس في النّفس فتحيا وتنمو إلى أن تصبح غرائز وملكات تحرك أربابها ، وتقودهم إلى مرضاة الله ورضوانه.

لقد عرف عبد الرّحمن بريرا كهلا وما عرفه شابّا ، والشّباب مظنّة الوقوع في الخطايا ، فنفى برير الطّيب الّذي لم يلغ في حياته كلّها بألفاظ اللهو والعبث ، نفى عن نفسه هذه المظنّة بحجّة لا تعادلها حجّة في القوّة والصّدق ـ والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شابّا ولا كهلا ـ وأي حجّة أقوى في الدّلالة ، وأصدق في الشّهادة على سير الإنسان وسلوكه من شهادة قومه وعشيرته الّذين صاحبوه كبيرا وصغيرا ، وخالطوه غنيّا وفقيرا ، ورؤوا أفعاله ، وسمعوا أقواله في جميع أطواره وأدواره في سرّه وعلانيته ، ورضاه وغضبه ، وحزنه وسروره ، ونعيمه وبؤسه ، لقد تمكن برير من نفسه وتغلب على شهواته في دور شبابه ، دور طفولة العقل ، والإستسلام إلى الملذات والأهواء ، فهو كامل في شبابه ، كامل في كهولته ، لم يرتكب منكرا ولم يقترف سيئة لا أوّلا ولا آخرا. وما أحبّ باطلا ألبتة ، وهؤلاء قومه وعارفوه ، يشهد كبيرهم وصغيرهم أنّه منذ صغره اهتدى إلى

١٧٢

سبيل الرّشد والسّداد ، يستبق الخيرات ، ويسارع إلى المكرمات ، يناصر الحقّ والعدالة ، ويحارب الظّلم والعدوان. ومن أقواله وهو في معركة الطّفّ(١) :

يعرف فينا الخير أهل الخير

أضربكم ولا أرى من ضير

كذلك فعل الخير من برير

وكلّ خير فله برير

لقد ارتكز حبّه الخير ، وبغضه الشّر على إيمانه القوي ، وعقيدته في شخصيته ، وثباته في عزمه ، وثقته من مقدرته وشجاعته.

كان برير يوم الطّفّ كلّما تكرّرت الفظائع من العدوّ يقف منذرا ومحذرا عاقبزة البغي مذكرا بالله تعالى وأهل بيت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بقول لين خفيف على النّفوس والأسماع ، فما فاه بكلمة في موقف يشعر بهجر أو فحش.

فكان في مواقفه كلّها متّنزنا في أقواله ، كاظما لغيظه ، معتصما بالصّبر والأناة ، لذلك عند ما أكثر عليهم القول لم يزيدوا في جوابه حرفا على قولهم : «لقد أكثرت الكلام يا برير».

قال لهم في موقف : «يا قوم اتّقوا الله فإنّ ثقل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أصبح بين أظهركم» ، وقال في موقف ثان : «أفجزاء محمّد هذا؟!» ، وفي ثالث : «لا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيّهم ، أفّ لهم غدا»(٢) .

ولمّا حمل جيش البغي على الحسين وأصحابهعليه‌السلام انقّض عليهم برير كالصّاعقة يفريهم بسيفه ويقول : «أضربكم ولا أرى من ضير»(٣) .

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠.

(٢) انظر ، أمالي الشّيخ الصّدوق : ٢٢٢ ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٣٨٣ و : ٤٥ / ٥.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

١٧٣

هذه ألفاظه ، وهذا اسلوبه ، وخطابه مع قوم ما وضعت ألفاظ السّباب واللّعن إلّا للدّلالة على خساستهم. إنّ تلك الفظائع لم تخلق من برير رجلا غير برير ، فهو هو ذاك الوادع المتواضع ، والزّاهد الخاشع الدّاعي إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإذا كان برير عظيما فكيف يفوّه بالحقير الّذي يستطيع النّطق به الطّفل الصّغير ، والمرأة الضّعيفة ، والسّفيه الفاجر ، إذا كان برير عظيما فليدع الكلام للسّيف وحده. برز برير لقتال جيش الظّلام وبين جنبيه قلب يستبشر بالموت استبشاره بعناق الحور العين ، فلم يدن أحد منه لشجاعته وهيبته ، فكان يحمل على الأعداء ويفرون من بين يديه خشية من لقائه ، فيناديهم اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين ، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين ، ولمّا عجزوا عن مقاومته وجها لوجه اغتاله كعب بن جابر بطعنة رمح في ظهره ، بعد أن قتل منهم ثلاثين رجلا ، فأودت الطّعنة بحياته الطّاهرة الزّكيّة الّتي شهد لصاحبها الرّجال والنّساء من قومه وعارفيه أنّه ما عرف الباطل شابّا ولا كهلا ؛ قال بعض من أعان على الحسينعليه‌السلام لكعب عندما رآه قاصد اغتيال برير : ويّلك هذا الّذي كان يعلمنا القرآن(١) ، وأقسمت زوّجته لدى رجوعه إليها أن لا تكلمه أبدا(٢) . لقد لبّى برير

__________________

(١) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٨ ولكن بلفظ «برير بن خضير» بدل «يزيد بن الحصين» كما جاء في الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٤٤ ، بتحقّيقنا. وكان من الزّهّاد الّذين يصومون النّهار ويقومون اللّيل ، فقال : يابن رسول الله إئذن لي أن آتي هذا الفاسق عمر بن سعد فأعظه لعلّه يتّعظ ويرتدع عمّا هو عليه ، فقال الحسين : ذاك إليك يا برير ، فذهب إليه حتّى دخل على خيمته فجلس ولم يسلّم ، فغضب عمر وقال : يا أخا همدان ما منعك من السّلام عليّ ألست مسلما اعرف الله ورسوله وأشهد بشهادة الحقّ؟ فقال له برير : لو كنت عرفت الله ورسوله كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله تريد قتلهم ، وبعد فهذا الفرات يلوح بصفائه ويزلج كأنّه بطون الحيّات تشرب منه كلاب

١٧٤

دعوة ربّه وقدّم حياته قربانا بين يدي الله ورسوله ، وفاز بكرامة الدّنيا والآخرة. وذلك هو الفوز العظيم.

__________________

ـ السّواد وخنازيرها

انظر ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٠٦ وزاد فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ثمّ رفع رأسه وقال : إنّي والله أعلمه يا برير علما يقينا أن كلّ من قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النّار لا محالة ، ولكن ويّحك يا برير! أتشير عليّ أن أترك ولاية الرّي فتصير لغيري؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا ومثله في الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٧ بلفظ «برير». ومثله في أمالي الصّدوق : ٩٦ مجلس ٣٠ طبعة أوّل ، تأريخ الفتوح التّرجمة الفارسية : ٣٨٠ ، منتهى الآمال : ١ / ٦٢٩ بلفظ «برير بن خضير» اللهوف في قتلى الطّفوف : ٩٥ ، المقتل لسّيّد عبد الرّزاق المقرّم : ٢٣٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٤٣ ، و : ٢٤٠ طبعة آخر ، ٤ / ٣٢٠ بلفظ «برير بن حضير» و : ٥ / ٢٤١ طبعة آخر ، بحار الأنوار : ٤٥ / ٤ و ٥ و ١٥ ، عوالم العلوم للشّيخ عبد الله البحراني الإصفهاني : ١٧ / ٢٣٣ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١١٢ بلفظ «حضير».

(٢) كعب بن جابر : أحد جنود الجيش الأموي ، قالت له زوجته أو أخته لمّا رجع من المعركة : «أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا» فأجابها بشعر يفتخر فيه بفعله تضمّن بيتا يذكر فيه أنّه أنقذر رضي بن منقذ من القتل حين أعانه على خصمه في المعركة:

قتلت بريرا ، ثمّ حملت نعمة

أبا منقذ لمّا دعا : من يماصع

ونلفت النّظر إلى عقيدة الجبر الظّاهرة عند رضي بن منقذ العبدي في البيت الأوّل في قوله (لو شاء ربّي ما شهدت قتالهم) ، انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.

١٧٥
١٧٦

السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة

يحتفل المصريون في كلّ عام بمولد السّيّدة زينب(١) ، وتجتمع الحشود لهذه الغاية في مسجدها بالألوف ، وكتب محرّر مجلة «الغد» مقالا خاصّا بهذه المناسبة عن السّيّدة ، قال:

«طوال ثلاثة أسابيع في الشّهر الماضي ، وكانت حشود من الرّجال ، والنّساء ، والأطفال تتّجه إلى حيّ السّيّدة ، وتظل تلك الحشود الكبيرة ساهرة رغم البرد الشّديد حتّى الفجر ، وسط الأنوار الزّاهية ألوف من النّاس تستمتع فعلا بالمولد الكبير لبطلة كربلاء زينب أخت شهيد الإسلام الخالد الحسين بن عليّ.

وفي السّرادقات ، والمقاهي المنتقلة ، وحول السّيرك والملاهي ، ترتفع دقّات الدّفوف ونغمات الرّبابة ، وإيقاع الطّبول ، وأصوات المطربين والمنشدين ، وتهتزّ

__________________

(١) السّيّدة زينب بنت الإمام عليّعليه‌السلام أمّها : فاطمة الزّهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهي شقيقة الحسن ، والحسينعليهما‌السلام . تزوّجها ابن عمّها عبد الله بن جعفر الطّيّار ذي الجناحين بن أبي طالب ، وولدت له عليّا ، وعونا ويدعى بالأكبر ، وعبّاسا ، ومحمّدا ، وأمّ كلثوم. وذرّيّتها موجودة إلى الآن بكثرة.

انظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الإستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

١٧٧

القلوب وتمتليء بالبهجة العريضة وترتفع الأصوات من حناجر الألوف ممتلئة بالحبّ الحقيقي تنادي : «يا رئيسة الدّيوان» ...!

أنّ السّيّدة زينب «رئيسة الدّيوان» رمز لشيء عميق الدّلالة ، أنّها المرأة الباسلة الشّجاعة الّتي ظلّت تضمّد جراح الرّجال في معركة كربلاء من أبناء بيت الرّسول وأتباع الحسين ، حتّى سقطوا جميعا صرعى بين يديها.

لم يرهبها جنود «يزيد بن معاوية» الأنذال السّفّاحون ، الّذين اقتلع حكم يزيد الباطش المطلق من نفوسهم آخر خيط يربطهم بالإنسانيّة فكانوا يقطعون بسيوفهم رقاب الأطفال أمام السّيّدة زينب ، ورأتهم يبقرون بطن غلام من أبناء الحسين ، فلم يزدها ذلك إلّا بسالة وتماسكا ورغبة في النّصر.

ورأت أخاها العظيم الباسل «الحسين بن عليّ» وقد وقف بمفرده أمام جنود يزيد وهو يرفض التّسليم وراح يقاتلهم بعد أن استشهد كلّ أتباعه وأهله ما عدا ولده زين العابدين الّذي كان مريضا ، ونائما في حضن عمّته «زينب» فتركوه ظنّا منهم أنّه سيلفظ أنفاسه الأخيرة من المرض لكنّه عاش وكان شوكة في جنب الدّولة الأمويّة ، تلك الدّولة الّتي أقامها معاوية بالدّس والشّر ، والتّنكر لأعظم مباديء الإنسانيّة في ذلك الزّمان لرسالة محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واندفعت زينب من خبائها نحو أخيها حاسرة الرّأس ملتاعة ، وزعقت بكلّ قواها وا حسيناه ثمّ سقط مغمى عليها من الحزن العميق

كانت ترى في نهاية الحسين ، انهيارا لبناء هائل كبير أقامه جدّها النّبيّ في طول الأرض وعرضها ، ليخلّص البشريّة من انحطاطها واندفاعها نحو الفوضى

١٧٨

والشّر!.

ومع ذلك فإنّ مصرع الحسين كان نذيرا لدولة معاوية الآفاق ، وانهارت الدّولة بعد ذلك بنصف قرن وسط أفراح الشّعب.

ظلّ الشّعب العربي يلعن يزيد بن معاوية وخلفاءه حتّى سقطوا بل أنّ الشّعب العربي انتقم من قادة الجيش الأمويّين شرّ انتقام ، فلقي أكثرهم مصرعه بعد أن استشهد الحسين على أيديهم وهو الإمام ، والقائد ، والزّعيم السّياسي المثالي لأمّة العرب في ذلك الحين ، والرّجل الّذي قام برحلته الدّامية إلى العراق ، وهو يعلم أنّ ألوف الجنود المرتزقة من جيش يزيد ، سوف تلحق به وتحول بينه وبين الإتّصال بالشّعب.

وكان الحسين يعلم أنّه مستشهد لا محالة ، هو وأهل بيته ، لكنّه مضى في طريقه دون خوف أو تردّد ، وتلك صفات الزّعماء الحقّيقيّين للشّعوب.

طلبوا منه أن يسلّم نفسه فأبى طلبوا منه البيعة ليزيد ، فرفض أن يبايع شابّا فاسدا شرّيرا ، لا يصلح أن يقود أمّة حديثة في طريقها الطّويل.

وامتشق سيفه ، وظلّ يقاتل جنود الشّيطان يزيد ، خليفة المسلمين الّذي فرضه أبوه معاوية فرضا على الأمّة العربيّة

ولم يكن معه سوى العشرات من الرّجال ، والنّساء ، والأطفال ، كلّ جيشه كان يمكن لفصيلة من الجنود سحقها في لحظات لكن الجيش الصّغير صمد أيّاما طويلة وقاتل بقيادة الحسين ببسالة عجيبة مذهلة ، لم يشهد تأريخ الشّرق أو الغرب مثيلا لها.

كان الحسين عطشان جائعا ورجاله يفتك بهم الظّمأ مثله ، وأطفاله

١٧٩

يصرخون في طلب جرعة ماء كان الحصار من حوله في كربلاء محكما جدّا ، ألوف من جنود الشّيطان يمنعون عنه وعن عياله الماء ...!.

ومع ذلك قاتل وصمد ولم يترك سيفه ورمحه إلّا بعد أن تمزق جسده بعديد من السّيوف والحراب.

وخلال ذلك كلّه خلال أعظم معركة في سبيل العقيدة ، شهدها التأريخ القديم ، لأمّة العرب ، برزت شخصيّة السّيّدة زينب «رئيسة الدّيوان» كما نسمّيها نحن أبناء مصر بطلة باسلة مؤمنة شجاعة حتّى أنّ يزيد بن معاوية الآفاق ، لم يجرؤ على مناقشتها عندما ساقوها إليه ، ورفضت أن تبايعه ، ولعنته ، كما لعنت كلّ الّذين يغدرون ويطعنون المؤمنين في ظهورهم!

ومن أجل ذلك نحن في مصر وفي كلّ الوطن العربي ، نؤمن ببطولة السّيّدة زينب ، كما نؤمن بذلك البطل الخالد «الحسين بن عليّ» أبي الشّهداء جميعا نؤمن بأمثال هؤلاء الأعاظم ، ونحتفل بمولدهم ، ونرقص ، ونغني ، ونطرب ، وننشد الأغاني حول أضرحتهم ، وذلك لأننا نحبّهم ولا أحد يستطيع أن يزيل من قلوبنا الحبّ الصّادق لرائد البطولة الخارقة

وقد نحيا ونمتليء بالأمل فنعمل ونكافح لأنّ مثل هذا الرّمز يضيء لنا الطّريق ، ويشحننا بالرغبات الطّيبة والإيمان بالشّرف.

ونحن لا نبالغ إذا اعتبرنا مولد السّيّدة زينب ومولد الحسين من الأعياد القوميّة لأمّة العرب»(١) .

__________________

(١) انظر ، مجلّة الغد عدد فبراير شباط سنة (١٩٥٩ م) صفحة ٩ تحت عنوان «مولد السّيّدة وأعيان الأمّة العربيّة». (منهقدس‌سره ).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528