الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء0%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف: محمد جواد مغنية
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528
المشاهدات: 53112
تحميل: 1931

توضيحات:

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53112 / تحميل: 1931
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: 964-465-169-3
العربية

يمجدونه ، ويشيدون بأعماله الإصلاحيّة ، بخاصّة الأب لا مانس(١) فقد أطنب وأشاد بسمو أفكاره ومشاريعه الإنسانيّة ، وألّف فيه وفي أبيه معاوية كتابا ضخما قدّمه إلى قومه المستعمرين ، ليختاروا عملاء من العرب ، والمسلمين أمثال يزيد ينصّبونهم حكّاما على قومهم ، وحراسا لمصالح الإستعمار ، يمدونهم بالقوّة والسّلاح ، لينكّلوا بالمصلحين ، ويكيدوا للإسلام ، ويعملوا على هدمه ، وتقويض شعائره.

__________________

(١) لا مانس مستشرق فرنسي ، وهو أصدق مثال للمستشرق الطّاعن على الإسلام ، ورجاله ، والمبغض للقرآن ، ومحمّد وآله. يقول عن فاطمة سيّدة النّساء : كانت بنتا مقلقة مزعجة تثير الشّغب والإضطراب. أمّا معاوية وولده يزيد فمن المصطفين الأخيار ، ويا ليت جميع حكّام الشّرق في صفاتهما وأخلاقهما حتّى يطمئن الإستعمار «ولا يبيتن إلّا هاديء البال».

عمل بنظريّة جولد تسهير في الحديث ، وبيّن فيه بأنّه من الخيال لأنّه مأخوذ من الأصل القرآني ، ثمّ قال بأنّ السّيرة أيضا هي من الخيال كما جاء في كتابه حياة محمّد والسّيرة ، ثمّ تهجّم على فاطمة في كتابه الموسوم (فاطمة وبنات محمّد). ترجمة كتبه إلى اللّغة العربيّة ، والإنجليزيّة ، والألمانيّة.

«المترجم الدّكتور مسلم فداء حسين». من الهيئة العلميّة في زهراء عليها‌السلام آكاديمي.

٢٢١
٢٢٢

مشهد الحسين

كان مصرع الحسينعليه‌السلام بدء نهاية الحكم الأموي ، إذ هو السّبب الأكبر لظهور الدّعوة إلى آل البيت النّبوي ، وانتشارها في أرجاء العالم الإسلامي ، حتّى اسفرت عن زوال تلك الدّولة وقيام دولة بني العبّاس. لأنّ العرب والمسلمين على السّواء اعتبروا هذا الحادث عدوانا أثيما على بيت النّبوّة ولذلك أصبح سهل كربلاء بقعة مقدّسة ، كثرت حولها المؤلّفات والأشعار والقصّص. وممّا رواه الإمام السّادس أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أنّ الملائكة حملت ترابا مقدّسا من القدس إلى كربلاء قبل ألف سنة ليكون قبرا»(١) . وقيل : «أنّ الإمام عليّ رضى الله عنه تحدّث عن قداسة المكان فقال : «أنّ مئتي نبي ومئتي مندوب للأنبياء ومئتين من أبناء الأنبياء يودون أن يدفنوا هنا»(٢) .

فليس بغريب إذن أن يصبح الموضع الّذي دفن فيه جسد سيّد الشّهداء مزارا ، يحجّ إليه النّاس للتّبرك به ، وتأدية واجب الإحترام له. واسم كربلاء أطلق أصلا

__________________

(١) انظر ، قريب من هذا في مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٧٦ ، الإصابة : ١ / ٦٨ و : ٨ / ٢٦٧ ، و : ٥ / ٢٣١ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٩٩ ، تأريخ دمشق : ١٣ / ٦٢ ح ٦٣١ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٧٩ و ١٨٧ ، الصّواعق المحرقة : ١٩٢ ح ٢٨ و ٢٩ ، المناقب لأحمد : ٢ / ٧٧٠ ح ١٣٥٧.

(٢) انظر ، مجلّة العالم عدد حزيران سنة «١٩٥٩ م». (منهقدس‌سره ). لم أعثر على هذا النّص.

٢٢٣

على القسم الشّرقي من حدائق النّخل الّتي تحيط بالبلدة الّتي نمت وازدهرت بسرعة ، إلّا أنّنا نجد لها ذكرا في المراجع التّأريخيّة الأولى. وأوّل ما قرأنا عنها أنّ الخليفة العبّاسي المتوكّل أمر ـ عام (٨٥٠ ميلادي ـ) بإغراق المنطقة وهدم البيوت والأبنية الموجودة فيها وحرث الأرض كلّها ، وفرض عقوبات صارمة على الحجّاج القادمين إليها كي يمنع زيارتها(١) . لكنّ البلدة ما لبثت أن عادت

__________________

(١) عن عبد الله بن دانية الطّوري ، قال : حججت سنة (٢٤٧ ه‍) سبع وأربعين ومئتين ، فلمّا صدرت من الحجّ وصرت إلى العراق زرت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب على حال خيفة من السلطان ، ثمّ توجهت إلى زيارة الحسين ، فإذا هو قد حرث أرضه ، وفجّر فيها الماء ، وأرسلت الثّيران ، والعوامل في الأرض فبعيني وبصري كنت أرى الثّيران تساق في الأرض فتنساق لهم حتّى إذا جاءت القبر حادت عنه يمينا وشمالا ، فتضرب بالعصي ، الضّرب الشّديد فلا ينفع ذلك ، ولا تطأ القبر بوجه ، فما أمكنني الزّيارة ، فتوجهت إلى بغداد وأنا أقول : تالله إن كانت أميّة قد أتت الأبيات جواد شبّر في أدب الطّفّ :١ / ٣٢٧ ، الطّبعة الأولى ـ بيروت ١٣٨٨ ه‍ ـ ١٩٦٩ م.

إذن لم يكتف المتوكل بتنكيل الأحياء ، حتّى اعتدى على قبور الأموات ، فهدم قبر الحسين عليه‌السلام وما حوله من المنازل والدّور ، ومنع النّاس من زيارته ، ونادى مناديه من وجدناه عند قبر الحسين حبسناه في المطبق ـ سجن تحت الأرض.

وينسب هذا الشّعر إلى عبد الله بن دانية ، كما جاء في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٢١ ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ٣٢٩. قال هذا الشّعر وهو لا يعلم في قتل المتوكل ، فوصل إليه الخبر في تلك اللّيلة.

انظر ، الكامل في التّأريخ : ٧ / ٥٥ ، مقاتل الطّالبيين : ١٣٠ و ٤٢٨.

وكان المتوكل يقرّب عليّ بن جهم ؛ لأنّه كان يبغض عليّا أمير المؤمنين ، وكان أبي الجهم هذا مأبونا : سمعه يوما أبو العيناء يطعن على الإمام ، فقال له : إنّك تطعن عليه ، لأنّه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط ، وأنت أسفلهما. انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٣٦٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٦ و ٢١٥ طبعة آخر.

وأبلغ ما قرأت عن هذه الجرأة والتّضحية : إنّ الأديب العالم المعروف بابن السّكّيت كان يوما في مجلس المتوكل المبغض المعلن بالعداء للإمام أمير المؤمنين ، فقال لابن السّكّيت (هو الشّيخ الأديب ـ

٢٢٤

للظهور ثانية ، واعتقد الشّيعة أنّ المشهد لم يتأثر أبدا بالماء وظل على حاله. وبعد قرن من الزّمن كتب ابن حوقل عن المشهد الّذي بني فوق ضريح الحسينعليه‌السلام فوصفه بأنّه غرفة واسعة تعلوها قبّة ، لها باب في كلّ من جهاتها

__________________

ـ يعقوب بن إسحاق الدّورقي ، الأهوازي الشّهير بابن السّكّيت ، وكان عالما بنحو الكوفيين ، وعلم القرآن ، واللّغة ، والشّعر ، راوية ثقة ، أخذ عن البصريين ، والكوفيين ، كالفرّاء ، وأبي عمرو الشّيباني ، والأثرم ، وابن الأعرابي ، له تصانيف كثيرة في النّحو ، ومعاني الشّعر ، وتفسير دواوين الشّعر ، منها تهذيب الألفاظ ، وإصلاح المنطق ، قتله المتوكل بعد أن سل لسانه من قفاه فماترحمه‌الله يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومئتين ، بعد إن كانت ولادته سنة (١٨٦ ه‍).

انظر ، بغية الوعاة : ٤١٨ ، وبغية الطّالب لابن العديم : ٨ / ٣٧٦٨ ، شذرات الذّهب : ٢ / ١٠٦ ، تأريخ دمشق : ١٨ / ٣١٧ ، ذيل تأريخ بغداد : ٥ / ٦ ، البداية والنّهاية : ١١ / ٢٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١٢ / ١٩ ، وفيات الأعيان : ٦ / ٣٩٩.

وابن السّكّيت هذا هو القائل :

يصاب الفتى من عثرة بلسانه

وليس يصاب المرء من عثرة الرّجل

فعثرته في القول تؤدّي برأسه

وعثرته في الرّجل تبرا على مهل

وكان عند المتوكل مخنث يدعى عبّادة ، فيشد على بطنه مخدّة ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون : اقبل البطين خليفة المسلمين وهم يعنون عليّا أمير المؤمنين ، والمتوكل يشرب ويضحك ، وفعل ذلك يوما ، وابنه المنتصر حاضر ، فقال لأبيه : أنّ الّذي يحكيه هذا الكلّب ويضحك منه النّاس هو ابن عمّك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكلّ أنت لحمه إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلّب وأمثاله ، فقال المتوكل للمغنين : غنّوا.

غار الفتى لابن عمّه

رأس الفتى في حر أمه

انظر ، الكامل في التّأريخ : ٧ / ٥٥ ، إكمال الكمال ، لابن ماكولا : ٦ / ٢٨ ، تأريخ دمشق : ٢٦ / ٢٢١.

وسمعه يوما يشتم فاطمة بنت الرّسول ، فسأل أحد الفقهاء ، فقال له : قد وجب عليه القتل إلّا أنّه من قتل أباه لم يطل عمره.

فقال المنتصر : لا ابالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول عمري ، فقتله ، فعاش بعده سبعة أشهر.

انظر ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ٣٢٨ ح ١٠٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٢١ ، المجدي في أنساب الطّالبين : ٣٧٢ ، كتاب العبر للذّهبي : ١ / ٤٤٩.

٢٢٥

الأربع. وبعد مئتي سنة (٩٧٩ م ـ ٩٨٠ م) هاجم البلدة فريق من الأعراب جاءوا من عين التّمر ، وخرّبوا المشهد وغيره من الأماكن ، فصبّ عليهم بنو بويه ـ وهم شيعيون ـ جام غضبهم وعاقبوهم ومن رافقهم أقسى عقوبة ، وأسرع عضد الدّولة(١) فأعاد بناء كربلاء وبسط عليها الحماية(٢) .

وفي ربيع الأوّل سنه (٤٠٧ ه‍ أو ١٠١٦ م) شبّ حريق في البناء فتهدّمت القبّة والأروقة واحترقت. وفي سنة (٤١٤ ه‍) أمر الحسين بن الفضل ببناء سور حول كربلاء. ومن ذلك الوقت تشابه تأريخ النّجف الأشرف وكربلاء إلى حدّ بعيد ، فاحترمها الأتراك الّذين احتلوا العراق ، وزار ملك شاة سنة (٤٧٩ ه‍ أو ١٠٨٦ م) المشهدين وفرّق الصّدقات والأموال. ونجت البلدتان من غزو المغول.

__________________

(١) عضد الدّولة البويهي (٣٢٤ ـ ٣٧٤ ه‍) فنا خسرو ، ابن الحسن الملقّب ركن الدّولة ابن بويه الدّيلمي ، أبو شجاع : أحد المتغلبين على الملك في عهد الدّولة العبّاسيّة بالعراق. تولى ملك فارس ، ثمّ ملك الموصل وبلاد الجزيرة. وهو أوّل من خطب له على المنابر بعد الخليفة ، وأوّل من لقّب في الإسلام «شاهنشاه. قال الزّمخشري في ربيع الأبرار : وصف رجل عضد الدّولة فقال : وجه فيه ألف عين ، وفم فيه ألف لسان ، وصدر فيه ألف قلب. كان شديد الهيبة ، جبّارا عسوفا ، أديبا ، عالما بالعربية ، ينظم الشّعر ، نعته الذّهبي بالنّحوي ، وصنّف له أبو عليّ الفارسي (الإيضاح) و (التّكملة). كما صنّف له أبو إسحاق الصّابي كتاب (التّاجي) في أخبار بني بويه ، ولقّبه بتاج الملّة ومدحه فحول الشّعراء كالمتنبي والسّلامي. قال الذّهبي : أظهر بالنّجف قبرا زعم أنّه قبر الإمام عليّعليه‌السلام وبنى عليه المشهد وأقام مأتم عاشوراء. انظر ، الكامل في التّأريخ : الجزآن ٨ و ٩ ، بغية الوعاة : ٣٧٤ ، البداية والنّهاية : ١١ / ، ٢٩٩ ، الأعلام : ٥ / ١٥٦.

(٢) هذا من أعمال عضد الدّولة نقلناه من كتاب «الحضارة الإسلاميّة في القرن الرّابع الهجري» لآدم متز ، تعريب الأستاذ محمّد عبد الهادي أبي ريدة. وانظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢٠ / ٤٢ ، إعجاز القرآن للباقلاني : ١٩ ، تأريخ بغداد : ١ / ١٢١ ، ميزان الإعتدال : ٤ / ٢٦ ، سير أعلام النّبلاء : ١٥ / ١٢١ ، المنتظم : ٧ / ١٠٤.

٢٢٦

وفي سنة (١٣٠٣ م) زار الخان غازي كربلاء وحمل معه هدايا غالية الثّمن ، وشقّ «أرغون» قناة من نهر الفرات إلى البلدة أطلق عليها فيما بعد اسم نهر الحسينيّة. وجاء العثمانيون إلى الحكم فحافظوا على المشهدين ، وزار سليمان القانوني ضريح الحسين وأمر بتجديد حفر القناة ، وتوسيعها ، وزراعة الأراضي المحيطة بالبلدة ، وكانت الأوامر تصدر إلى الولاة في بغداد بأن يراعوا كربلاء ويعلوا بأبنيتها. وجدّد مراد الرّابع سنة (٩٩١ ه‍ أو ١٥٨٣ م) بناء الضّريح والمشهد وما حولهما من الزّوايا.

وعادت النّجف وكربلاء إلى حكم الشّيعة إذ انتزعها «عبّاس الكبير»(١) من الحكم العثماني ، فأعاد بناء المشهدين على الشّكل الّذي نراه في الوقت الحاضر. وفي سنة (١٧٤٣ م) شيّد نادر شاه(٢) قبّة مشهد الحسين ، وصادر في الوقت ذاته الأوقاف الّتي خصّص ريعها للأئمّة. وتوالت الهدايا من الأمراء ، والأغنياء الشّيعيّين من كل مكان. وفي أواخر القرن الثّامن عشر زين مؤسّس أسرة قاجار المالكة في إيران القبّة ، والمنارة بالذّهب.

ويقع ضريح الحسينعليه‌السلام في باحة مساحتها (٣٥٤ قدما ـ ٢٧٠ قدما(٣) تحيط بها الإيوانات والحجرات ، وجدرانها محلّاة بحجارة ذات لون أزرق نقشت عليها جميع آيات القرآن الكريم بأحرف بيضاء. ومساحة المشهد ذاته (١٥٦ ـ ١٣٨)

__________________

(١) انظر ، كتاب «تأريخ إيران» لمكاريوس : ١٥٣ طبعة سنة (١٨٩٨ م).

(٢) انظر ، تأريخ الشّعوب الإسلاميّة لبروكلمان ، معجم المؤلّفين : ٩ / ٦٠ ، الأنوار العلوية : ٤٢٠ ، أعيان الشّيعة : ٤٤ / ٢٧٠ ، الذّريعة : ٥ / ٦٣ و : ٢٦ / ١٥٢ ، معادن الجواهر للسّيّد الأمين : ج ٢ ، وتأريخ الشّيعة للشّيخ المظفر.

(٣) القدم ثلاثون سانتمتر ونصف على التّقريب. (منهقدس‌سره ).

٢٢٧

قدما ، ويتألّف من عمارة قائمة الزّوايا لها قاعة خارجيّة مذهّبة تحف بها ممرّات أعدّت للطواف. وفي منتصف الغرفة المركزيّة المقبّبة توجد «صندوقة الحسين» وحولها مشبكان ، الخارجي مصنوع على شكل مشربية من الفضّة ، والدّاخلي من الذّهب. وفي هذين المشبكين يلقي المخلصون هداياهم من النّقود والمجوهرات ، ويفتحان مرّة في السّنّة لجمع هذه الهدايا بحفلة ضخمة. وهناك ضريح ثان دفن فيه عليّ الأكبر ابن الحسينعليه‌السلام .

وفي كربلاء مشهد كبير ثان للعبّاس بن عليّ ، وهو يشبه في نسق بنائه وحجمه وتعدد الأروقة والغرف فيه مشهد الحسين. والفرق الوحيد هو أنّ للثّاني مآذن وللأوّل مئذنتين ، كما أنّ قبّته غير مغطاة بصفائح الذّهب والسّبب في ذلك هو أنّ نادر شاه رأى (وهو يعتزم بناء المشهدين) العبّاس في منامه ، فقال له : «أنا أصغر سنّا من الحسين ، وما أنا إلّا قلامة ظفر لسيّدي. ولذلك وجب أن تجعل فرقا في البناء بين مقام السّيّد ومقام العبد». ويعتقد الزّوار أنّ النّقمة تحل بكلّ من يحلف كاذبا عند ضريح العبّاس.

وفرش داخل المشهدين بالسّجاجيد العجيبة النّفيسة ، وزين أبدع زينة تثير الإعجاب والرّوعة ، وتصعب على الواصف.

لقد مضى على مصرع سيّد الشّهداء الحسين بن عليّ رضي الله عنه (١٣١٧ سنة)(١) ، وما زال الألوف يزورون مشهده للتّبرك به ، وتقديم واجب الإحترام للمدفون فيه ، وتجديد ذكرى الفاجعة الّتي حدثت في العاشر من شهر المحرّم سنة (٦١ ه‍).

__________________

(١) وضع الشّيخ مغنيّة هذا الكتاب عام (١٣٧٨ ه‍). ونحن الآن في سنة (١٤٢٦ ه‍). المحقّق.

٢٢٨

معاوية

حاول بعض الشّيوخ أن ينزّه معاوية بن أبي سفيان عن الجرائم بل ألّف ابن حجر كتابا للذّب عنه ، اسماه «تطهير الجنان واللّسان عن الخطور والتّفوه بثلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان»(١) . وقال آخر : «قل ما تشاء عن يزيد ولا

__________________

(١) التّأريخ في كلّ يوم يكشف لنا منقبة من مناقب هذا الصّعلوك! وهذا التّقويم لمعاوية ليس من الشّيعة حتّى تقول هذا من مفتريات الشّيعة ، بل إنّ الأعجب هنالك إعتراف صريح من قبل مؤرّخيكم ممّن يخلط بين الحقّ ، والباطل بعد إطلاعه على أحاديث الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك أقوال بعض الصّحابة ، والتّابعين ، بل حتّى من مستشاري معاوية نفسه ، وبطانته ، بأنّ معاوية ملعون على لسان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أمر المصطفى الأمجد ، والّذي لا ينطق عن الهوى :( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) ، المسلمين إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ، و... و... ثمّ بعد هذا الإطلاع يقول بكلّ صلافة ووقاحة أنّ سيّدنا معاوية دسّ السّم لسيّدنا الحسن ، بواسطة جعدة بنت الأشعث ، واشترك سيّدنا معاوية بسّم الأشتر ، و... ثمّ يقول : قتل سيّدنا يزيد سيّدنا الحسين ، وهكذا يستمر في هذه الخزعبلات ، والتّرهات ، ثمّ يدّعى بأنّه من المؤرّخين المنصفّين المحايدين وها هو عبد الله بن بديل يقول في معاوية : «إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ، ومن ليس مثله ...».

انظر ، وقعة صفّين : ٢٣٤ ، طبعة القاهرة ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٩ ، ابن الأثير : ٣ / ١٢٨ ، الإستيعاب : ١ / ٣٤٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٤٨٣ و : ٤ / ١١ و ١٧ ، المقاتل : ٤٣ ، وأنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، ابن كثير : ٨ / ٤١ ، تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة ترجمة الحسن ، ابن قتيبة: ١٥٠ ، الصّواعق : ٨١ ، مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، أسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، ابن الأثير : ٢ / ١٩٧ ، وابن ـ

٢٢٩

تزيد»(١) .

والحقيقية أنّ يزيد سيئة من سيئات معاوية ، وأنّ الابن لم يأت بمنكر إلّا أتى الأب بما هو أعظم وأخطر ، بل أنّ معاوية أحدث بدعا لا يعرفها يزيد ولا غير يزيد. وإليك الأرقام.

تأمّر يزيد على المسلمين بالقهر والغلبة ، وكذلك أبوه معاوية تأمّر عليهم من غير مشورتهم ، وعلى غير رضا من المهاجرين والأنصار ، وحارب يزيد الحسين في كربلاء ، وقتله وقتل أصحابه ، وحارب معاوية عليّا في صفّين ، وقتل عمّار بن ياسر الصّحابي الجليل(٢) ، وسمّ الحسن(٣) ، ومالك الأشتر(٤) ، وعبد الرّحمن بن

__________________

ـ شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢ ، تأريخ الدّول الإسلاميّة : ١ / ٥٣ ، تذكرة الخواصّ : ٦٢ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٩٤ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٩ ، تأريخ الخلفاء للسّيوطي : ٧٤ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٧٦.

(١) تقدّم التّعليق على مخازي يزيد.

(٢) انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ١٢٢ و ٢ / ٣٠٥ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي :٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢.

(٣) انظر ، مروج الذّهب : ٢ / ١٣٩ طبعة بيروت ، المغتالين من الأشراف : ٣٩ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٣٩ طبعة بيروت ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٩ ، والطّبريّ في تأريخه : حوادث سنة (٣٨ ـ ٣٩ ه‍) ، تهذيب الكمال : ٢٧ / ١٢٦ رقم ٥٧٣١ ، التّأريخ الكبير للبخاري : ٧ / ٣١١ ، وتأريخ الصّغير : ١ / ٨٧ ، الثّقات لابن حبّان : ٢ / ٢٩٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٥ ، تأريخ مدينة دمشق : ٥٦ / ٣٧٦ و ٣٩١ ، الأنساب : ٥ / ٤٧٦ ، نظرات في الكتب الخالدة لحامد حفني : ١٦١ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ١٧٩ ، ولكن بعض المصادر نسبت القول إلى عمرو بن العاص.

العسل الّذي كان يدس فيه السّم ، وقتل به الإمام الحسن ريحانة رسول الله انظر ، المقاتل : ٤٣ ، وأنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، وابن أبي الحديد في شرح النّهج : ٤ / ١١ و ١٧ ، ابن كثير : ٨ / ٤١ ، تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة ترجمة الحسن ، ابن قتيبة : ١٥٠ ، الصّواعق : ٨١ ، المسعودي في ـ

٢٣٠

خالد ابن الوليد ، وقتل حجر بن عدي ، وأصحابه في مرج عذراء(١) ، ومحمّد بن أبي بكر(٢) ، وذبح جيش يزيد بقيادة عمر بن سعد أطفال الحسين ، وكذلك ذبح

__________________

ـ مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، وتهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، وأسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، وابن الأثير : ٢ / ١٩٧ ، وابن شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢ ، تأريخ الدّول الإسلاميّة : ١ / ٥٣ ، تذكرة الخواصّ : ٦٢ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٩٤ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٩ ، تأريخ الخلفاء للسّيوطى : ٧٤ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٧٦ ،

(٤) انظر ، مروج الذّهب : ٢ / ١٣٩ طبعة بيروت ، المغتالين من الأشراف : ٣٩ ، وتأريخ اليعقوبي :٢ / ١٣٩ طبعة بيروت ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٩ ، والطّبريّ في تأريخه : حوادث سنة (٣٨ ـ ٣٩ ه‍) ، تهذيب الكمال : ٢٧ / ١٢٦ رقم ٥٧٣١.

(١) هو حجر بن عديّ الأبرد الكندي الملقّب بحجر الخير ، وكان من فضلاء الصّحابة ، وفد إلى النّبيّ وشهد القادسية ، وقد قتله معاوية صبرا ، ويقال : إنّه أوّل من قتل صبرا في الإسلام ، قتل معه ستة من أصحابه ، وهم : شريك بن شدّاد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشّيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب السّعدي ، وكدام بن حيّان العنزي ، وعبد الرّحمن بن حسّان العنزي. وكان حجر ثقة عينا ولم يرو عن غير عليّ شيئا ، وهو الّذي افتتح مرج عذراء ، وكان شريفا في قومه مطاعا ، آمرا بالمعروف ، صالحا عابدا يلازم الوضوء ، وبارا بأمّه ، كثير الصّلاة والصّيام.

انظر ، ترجمته في شرح نهج البلاغة : ١٥ / ١٠٠ ، طبقات ابن سعد : ٦ / ١٥١ و ١٥٤ ، المستدرك : ٣ / ٤٦٨ ، الاستيعاب : ١ / ١٣٤ الرّقم ٥٤٨ ، طبعة حيدر آباد ، اسد الغابة : ١ / ٣٨٥ ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ٣٠٥ التّرجمة رقم ٣١٤ ، تأريخ الذّهبي : ٣ / ٢٧٦ ، تأريخ ابن كثير : ٨ / ٥٠ ، الإصابة : ١ / ٣١٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٢ / ١١١ ـ ١٤٩ و ٥ / ٢٧٧ ، تأريخ ابن الأثير : ٣ / ٤٠٣ و ٤٠٤ ، وقعة صفّين : ١٠٣ ، مروج الذّهب : ٣ / ٣ ـ ٤ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٤٨٥ الرّقم ١١٤١ ، المعارف لابن قتيبة : ٣٣٤ ، الأغاني : ١٦ / ١٠ ، تأريخ دمشق : ٢ / ٣٧٩ ، مسند أحمد : ٤ / ٤٢١ ، والمعجم الكبير للطّبراني : ١ / ٤٢٧ ، والعقد الفريد : ٤ / ٣٤٥ ، وتهذيب ابن عساكر : ٧ / ٢٠٦ ، وصفوة الصّفوة : ١ / ٢٣٨ ، وسيرة ابن هشام : ٤ / ١٧٩.

(٢) انظر ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١١٤ طبعة النّجف ، التّمهيد والبيان : ٢٠٩ ، الأغاني : ٢١ / ٩ ، الإشتقاق : ٣٧١ ، الطّبريّ ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكر حوادث سنة (٣٦ ه‍) ، الإصابة حرف الميم : ـ

٢٣١

عسكر معاوية بقيادة بسر بن أرطأة القثم وعبد الرّحمن طفلي عبيد الله بن العبّاس في حجر أمّهما(١) .

وشرب يزيد الخمر ، ولبس الحرير والدّيباج ، وشرب معاوية الخمر أيّام حكمه في الشّام(٢) ، ولبس الحرير والدّيباج ، وشرب بآنية الذّهب والفضّة ، وركب السّروج المحّلاة بهما ، وأباح يزيد مدينة الرّسول ، وأرسل معاوية بسرا إلى المدينة فأخافها ، وقتل منها خلقا كثيرا(٣) ، وحين رأى يزيد رأس الحسين

__________________

ـ ٣ ق ٢ / ٤٥١ ، الاستيعاب : ٣ / ٣٢٨ ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٧٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٥٥ وما بعدها ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٥٤١ رقم ٥٠٩٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٣ / ١٩٠.

(١) هو بسر بن أرطاة ، كان من شيعة معاوية ، أحد فراعنة الشّام ، وكان من أهل الرّدّة وقد دعا عليه عليّعليه‌السلام عند ما بلغه أنّه يقتل الصّبيان فقالعليه‌السلام : «اللهمّ أسلب دينه ، ولا تخرجه من الدّنيا حتّى تسلبه عقله ، فأصابه ذلك وفقد عقله. وقالوا : دخل المدينة فخطب النّاس ، وشتمهم يومئذ وتوعّدهم وقال : شاهت الوجوه. ولمّا دخل ثقل عبيد الله بن العبّاس ، وفيه ابنان له صغيران ، فذبحهما بيده بمدية كانت معه ، ثمّ انكفأ راجعا إلى معاوية. فقالت له إمرأة له : يا هذا قتلت الرّجال ، فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهليّة والإسلام ، والله يا ابن أرطاة إنّ سلطانا لا يقوم إلّا بقتل الصّبي الصّغير ، والشّيخ الكبير ، ونزع الرّحمة ، وعقوق الأرحام لسلطان سوء.

انظر ، كتاب الغارات برواية ابن أبي الحديد : ٢ / ٣ ـ ١٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٤١ ، تهذيب التّهذيب : ١ / ٤٣٦ ، تأريخ دمشق : ٣ / ٢٢٢ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣٧١ ، الفتوح لإبن أعثم : ٢ / ٣٩ و ٩٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٢٣ و ١٤٨ و ١٥٠ ، الاسيعاب : ٦٤ ـ ٦٧ ، وقعة صفّين : ٤٦٢ ط ٢ سنة ١٣٨٢ ه‍ وطبعة ٢ تحقّيق عبد السّلام هارون المؤسّسة العربيّة الحديثة ، تهذيب ابن عساكر : ٣ / ٢٢٠ ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٨٠ ، و : ٤ / ٢٠ وما بعدها طبعة أخرى.

(٢) انظر ، فقد جاء في مسند أحمد : ٥ / ٣٤٧ ، «عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال : دخلت أنا وأبي على معاوية بن أبي سفيّان فأجلسنا على الفرش ، ثمّ أتينا بالطّعام فأكلنا ، ثمّ أتينا بالشّراب فشرب معاوية ، ثمّ ناول أبي ، قال : ما شربته منذ حرمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

(٣) انظر ، مروج الذّهب ، المسعودي. (منهقدس‌سره ).

٢٣٢

فرح واستبشر ، وأنشد «ليت أشياخي ببدر شهدوا» ، وحين جاء نعي الحسن لمعاوية أظهر الفرح والسّرور ، ورفع صوته بالتّكبير.

وتشاء الصّدف أن يتم شبه الابن بالأب من جميع الوجوه ، ذلك أنّه عند ما كبّر معاوية معلنا الإبتهاج بموت الحسن سمعته فاخته بنت فرضة ابن عمرو بن نوفل ، فدخلت عليه ، وقالت : ما الّذي بلغك فسررت؟

قال : موت الحسن. فصاحت ، وبكت ، وقالت : يموت الحسن سيّد المسلمين وابن رسول الله ، فتظهر الشّماتة(١) ؟! وهكذا فعلت هند بنت عبد الله بن عامر مع يزيد حين أدخلوا الرّأس ، والسّبايا ؛ وسبّ معاوية عليّا ، لأنّه يحمل علم الله والرّسول ، وداس يزيد ظهر الحسين وصدره بسنابك الخيل ، لأنّ فيه علم الله والرّسول(٢) .

وتفرّد معاوية ببدع وأحداث لم يشاركه فيها أحد ، حتّى ولده يزيد ، فلقد حوّل الخلافة الإسلاميّة إلى ملك يتوارثه السّفهاء والغلمان(٣) ، وألحقّ ابن

__________________

(١) انظر ، مروج الذّهب : ٢ / ٣٠٥ ، الإستيعاب : ١ / ٣٧٤ ، كفاية الطّالب : ٢٦٨ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٤١ الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٣٢٣ هامش رقم «٣».

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣١٤ ، والكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٤.

(٣) ذكر ذلك صاحب مروج الذّهب بهامش ابن الأثير : ٥ / ١٦٥ ـ ١٦٦. وأضاف صاحب كتاب الأغاني : ٦ / ٣٥٥ والإستيعاب : ٦٩٠ ، والنّزاع والتّخاصم للمقريزي : ٢٠ طبعة النّجف.

«وروى العقاد في آخر كتاب عثمان : «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : «قد صارت إليك بعد تيم وعديّ ـ أي أبي بكر وعمر ـ فأدرها كالكرة ، واجعل أوتاها بني أميّة ، فإنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة ولا نار». انظر ، الاستيعاب : ٤ / ١٦٧٩ ، والمطبوع بهامش الإصابة : ٤ / ٨٧ ، شرح الأخبار : ٢ / ٥٢٨ ، مناقب أهل البيت لحيدر الشّيرواني : ٤٠٧ ، النّزاع ـ

٢٣٣

السّفاح بغير أبيه الشّرعي ، كما فعل مع زياد ابن أبيه(١) ، وخذل عثمان ، ثمّ نشر قميصه مطالبا بدمه ، وأعطى عهودا للحسن ، ثمّ نكث وأخلف. ودفن الأحياء تحت التّراب ، فقد دفن زياد ابن أبيه عبد الرّحمن بن حسّان العنزي حيّا بأمر معاوية(٢) ، ودبّر المكايد للتّفرقة بين المرء وزوّجه ، كما فعل مع عبد الله بن سلّام وزوّجته زينب بنت إسحاق(٣) ، وسنّ سبّ الصّلحاء والأولياء على المنابر(٤) ، ووهب مصر لابن العاص ثمنا لغدره وخيانته ، وكذب على الله ورسوله ، وشجع

__________________

ـ والتّخاصم : ٦٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٤٥ و : ٩ / ٥٣ و : ١٥ / ١٧٥ ، التّذكرة الحمدونية : ٩ / ١٧١ ح ٣٨٠ ، تأريخ الطّبري : ١١ / ٣٥٧ ولكن بلفظ : «تلقفوها تلقف الكرة». مروج الذّهب : ٦ / ٤٠٧ ، تقوية الإيمان : ١٩٧ ، تأريخ ابن عساكر : ٦ / ٤٠٧.

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٤ / ٢٠٢ و : ١١ / ٣٥٧ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢٣٧ ، ومسند أحمد : ٤ / ٤٢١ ، وقعة صفّين : ٢٤٦ ، والمعجم الكبير : ١ / ٤٢٧ ، العقد الفريد : ٤ / ٣٤٥ ، الاسيعاب : ٤١٢ ، واسد الغابة : ٣ / ١٠٦ ، تهذيب ابن عساكر : ٧ / ٢٠٦ ، الإصابة : ٢ / ٢٦٠ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٢٢٢ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٢٣٨ ، سيرة ابن هشام : ٤ / ١٧٩.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) انظر ، القصّة كاملة في الإتحاف بحبّ الأشراف ، الشيخ عبد الله بن محمّد بن عامر الشّبراوي ، بتحقيقنا : ٤٤٦ ، ومعاوية بن أبي سفيان في الميزان ، عبّاس محمود العقاد : ١٥٩ ، شيخ المضيرة أبو هريرة ، الشّيخ محمود أبو ريّه : ٢٣٥ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٢١٧ ، دراسة عن أرينب بنت إسحاق ، عبد الله بن حسون العلي ، مطبعة الزّهراء سنة ١٩٥٠ ه‍ ، وكمامة الزّهر وفريدة الدّهر ، لابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون طبعت بمصر سنة ١٣٤٠ ه‍.

(٤) قال جاهل متعصب : أنّ الشّيعة كفّار ، لأنّهم يسبّون بعض الصّحابة. ونقول في جوابه : أنّ هذه النّسبة رواية لم تثبت ، ولكن سبّ معاوية عليّا على المنابر ثابت بشهادة التّأريخ ، ومع ذلك لا تقول بكفره ، فإن كان السّب يوجب الكفر فمعاوية كافر ، وإن كان لا يوجب الكفر فالشّيعة مسلمون ، وإن صحّ أنّهم يسبّون ، فإمّا أن تقول بإسلامهما معا وإمّا بكفرهما معا ، والتّفكيك جزهل وتعصب. (منهقدس‌سره ).

٢٣٤

على وضع الأحاديث عن الرّسول الأعظم(١) .

في ذات يوم صعد المنبر ، وقال :

«أيّها النّاس أنّ رسول الله قال : أنّك ستلي الخلافة من بعدي ، فاختر الأرض المقدّسة ، فإنّ فيها الأبدال ، وقد اخترتكم ، فالعنوا أبا تراب(٢) ثمّ كتب كتابا ،

__________________

(١) انظر ، الطّبري في تأريخه : ٧ / ١٣ ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ٣٠٠ ، التّنبيه والأشراف : ٦٤ ، مروج الذّهب : ٣ / ٧١ ، طبقات ابن سعد : ٥ / ٢١٥ ، فتح الباري : ١٣ / ٧٠ ، كتاب المحن : ١ / ١٥٥ ، وفاء الوفاء : ١ / ١٣١ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٣٥ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٥٨ ، الأخبار الطّوال : ٢٦٥ ، فتح الباري : ١٣ / ٧٠ ، تأريخ خليفة بن خيّاط : ١٨٣ ، تأريخ مدينة دمشق : ٥٨ / ١٠٥.

(٢) قال الشّيخ أبو زهرة في كتاب المذاهب الإسلاميّة : ٥١ : «كتبت أمّ سلمة زوّج الرّسول إلى معاوية كتابا تقول له فيه : أنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه وأشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحبّه».

وفي مسند أحمد ، وصحيح البخاري ، ومسلم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم خيبر : أنّي دافع الرّاية غدا إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح الله له ، ثمّ دفعها إلى عليّ. بعد أن كان قد أخذها كل من أبي بكر ، وعمر ورجع ، ولم يفتح له. (منه قدس‌سره).

انظر ، شواهد التّنزيل : ٢ / ٤٥٩ ، فرائد السّمطين : ١ ب ٣١ ح ١١٧ / ١٥٥ طبعة بيروت ، تأريخ دمشق : ٢ / ٣٤٨ و ٤٤٢ و ٤٤٣ ح ٨٥١ الطّبعة الثّانية ح ٩٥٩ ، لسان الميزان : ١ / ١٧٥ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٠٣ و ١١٣ ، أحمد بن حنبل : ح ٧٢ / ٤٦ طبعة قم ، كفاية الطّالب : ب ٦٢ / ٢٤٤ و ٢٤٦ ، كنوز الحقائق : ٨٢ و ٩٢ و ١٣١ ، المناقب للخوارزمي : ٦٢ و ١٨٧ فصل ١٧ ح ١١ فصل ٩ ، نور الأبصار : ٧٠ و ١٠١ ، الصّواعق المحرقة : ٩٦ و ١٦١.

انظر ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٣١ ، و : ٧ / ١٧ ، بشارة المصطفى : ١٦٣ ، تفسير الطّبريّ : ٦ / ١٨٦ ، و : ١٢ / ٦٥٧ ، وذخائر العقبى : ٨٨ و ١٠٢ ، وروح المعاني : ٣٠ / ٢٠٧ طبعة مصر ، وتأريخ بغداد : ٧ / ٤٢١ ، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين : ٣٥٤ ، ينابيع المودّة : ٦٢ و ٧٤ و ٢٧٠ طبعة اسلامبول و : ٧١ و ٨٤ و ٣٦١ و ٣٦٢ طبعة الحيدريّة ، و : ١ / ١٩٦ و ٢٢٣ طبعة اسوة ، و : ٢ / ٣٥٧ و ٤٥٢ طبعة اسوة ، تذكرة الخواصّ : ١٨ ، فتح القدير للشّوكاني : ٥ / ٤٧٧ ، إسعاف الرّاغبين بهامش نور الأبصار : ١٧٢ ، جواهر العقدين : ٢ / ٢١٩ ، الصّواعق المحرقة : ١٦١ ب ١١ فصل ١

٢٣٥

وقرأ النّاس ، وفيه هذا كتاب أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الّذي بعث محمّدا نبيّا ، وكان أميّا لا يقرأ ولا يكتذب فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا ، فكان الوحي ينزل على محمّد وأنا أكتبه ، وهو لا يعلم ما أكتب ، فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه»(١) .

وولّى معاوية أبا هريرة على مدينة الرّسول ، لأنّه وضع حديثا كاذبا ، وهو : «أنّ لكلّ نبي حرما ، وأنّ حرمي بالمدينة ما بين عير وثور ، فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين ، وأشهد بالله أنّ عليّا أحدث فيها»(٢) .

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ٧٢.

(٢) لا نريد التّعليق على هذه الرّواية الّتي يرويها الدّوسي الّذي كان يدلس في الأحاديث ، بل نرجع القارىء الكريم أن يدرس حياة الدّوسي في كتاب شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة ، والبداية والنّهاية ، وانظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٦٧ ، مسند عليّ للسّيوطي : ١ / ١٨٠ ح ٥٦٥ ، كنز العمّال : ١٧ / ١٠٦ و : ١٢ / ٢٤٢ ح ٣٤٨٦٤ ، تأريخ دمشق : ٢٣ / ٢١٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٧٧ ، فتوح البلدان : ١ / ٦ ح ٢٠. تأريخ رواية هذا الإفتراء متأخر عن غزوة بسر للمدينة واستخلافه أبا هريرة بعده! عليّ الّذي قال عنه الرّسول : «يا عليّ ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق». عليّ في منطق أبي هريرة قد أحدث في المدينة ، أمّا معاوية الّذي مات على غير سنة محمّد ـ بشهادة عبد الله بن عمر معاوية هذا صان مدينة الرّسول ، ومنع عنها البدع ، والأحداث بشهادة بسر وخليفته أبي هريرة. انظر ، كنز العمّال : ١١ / ٥٩٨ ح ٣٢٨٧٨ و ٣٣٠٢٨ ، و : ١٣ / ١٧٨ ح ٣٦٢٩ ، الصّواعق المحرقة : ١٢٢ ، كفاية الطّالب : ٦٨ ، شرح الأخبار : ١ / ١٥٢ ح ٨٩ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٤٢ ح ١١٤ ، اسد الغابة : ٣ / ٦٠٢ طبعة بيروت ، المصنّف لابن أبي شيبة : ١٢ / ٥٧ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٠٦ ح ٣٨١٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري : ١ / ٦٠ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٦٤ ، السّنن الكبرى : ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ و : ٦ / ٥٣٤ ح ١١٧٤٩ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٢١٤ ، خصائص النّسائي : ١٠٥ ، مسند أبي يعلى : ١ / ٢١٥ ، المعجم الأوسط : ٢ / ٣٣٧ ، و : ٥ / ٨٧ ، مسند ـ

٢٣٦

فجاء شاب من أهل الكوفة ، فجلس إلى أبي هريرة وقال له : يا أبا هريرة ، أنشدك الله ، أسمعت رسول الله يقول لعليّ بن أبي طالب : «أللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه؟ فقال : اللهمّ نعم. فقال الشّاب : أشهد بالله لقد واليت عدوّه ، وعاديت ولّيه»(١) .

وبذل معاوية لسّمرة بن جندب(٢) مئة ألف درهم ليروي عن النّبيّ أنّ هذه

__________________

ـ أحمد : ٦ / ٢٩٢ ح ٢٦٥٥٠ ، سنن النّسائي : ٨ / ١١٦ ، تأريخ دمشق : ٢ / ١٩٠ ، الغارات : ٢ / ٥٢٠ ، مسند الحميدي : ١ / ٣١ ح ٥٨ طبعة المدينة المنوّرة ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ٤٦٩ ح ٩٦٣ ، كشف الخفاء : ٢ / ٣٨٢ ح ٣١٨١ ، شواهد التّنزيل : ١ / ٤٧٧ ح ٥٠٩ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ٣١٩ ح ٨٣١٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١٢ / ٤٣٧ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٢٣٢ ، تأريخ بغداد : ٢ / ٢٩ ، تهذيب الأسماء : ١ / ٨٨ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦١٩ ح ١٠٥٩ و ١١٦٩.

(١) كتاب «أضواء على السّنّة المحمّديّة» للأستاذ محمود أبو ريّة : ١٩١ طبعة (١٩٥٨ م) ، وهذا الكتاب جديد وفريد في بابه ، لا غنى عنه للفقيه والمحدّث ، ولا لأي كان يريد أن يأخذ الدّين من معدنه ، فقد أثبت المؤلّف بالأرقام والبرهان أنّ الصّحاح السّتة الّتي تعتمد السّنّة على أحاديثها لم تتّخذ المقايّيس العلميّة لتميّيز الأحاديث الكاذبة من الصّحيحة ، وأنّ الكثير من رجال الصّحاح لا يجوز الأخذ بحديثهم بخاصّة أبا هريرة الّذي كذّبه عليّ ، وعمر ، وعثمان ، وعائشة ، وأنّي أشعر بالرّغبة الملحة في تلخيصه بفصل مستقل في بعض مؤلّفاتي ، وعسى أن تسنح الفرصة. (منهقدس‌سره ).

(٢) هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريح الفزاري ، استعمله ابن زياد على شرطته في البصرة والكوفة ، واستعمله معاوية على ولاية البصرة ثمّ عزله ، فقال : لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذبني أبدا ، مات سنة (٥٨ أو ٥٩ ه‍).

انظر ، الإصابة : ٢ / ٧٨ ، اسد الغابة : ٢ / ٣٥٤ ، الجرح والتّعديل : ٤ / ١٥٤ ، شذرات الذّهب : ١ / ٦٥ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢٣٦.

وروي عن حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد بن خالد ، قال : كنت إذا أتيت أبا هريرة سألني عن سمرة بن جندب ، وإذا أتيت سمرة بن جندب سألني عن أبي هريرة. فقلت : يا أبا هريرة ما أراك تسألني إلّا عن

٢٣٧

الآية :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) (١) نزلت في عليّ بن أبي طالب ، وأنّ آية :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) (٢) نزلت في قاتله ابن ملجم ، فلم يقبل

__________________

ـ سمرة ، وأرى سمرة يسألني عنك؟ فقال : إذا والله أخبرك ولا أكتمك ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: اخركم موتا في النّار». انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٩٦.

وعن محمّد بن قيس الأسدي ، قال : سمعت الشّعبي يقول : سمعت أبا عمر يقول : قال ، قال عمر بن الخطّاب ، وهو يخطب على المنبر : «لعن الله سمرة بن جندب كان أوّل من اتجر في الخمر في الإسلام ولا يحلّ من البيع إلّا ما يحل أكله».

انظر ، الغارات : ٢ / ٩٤١ ، تأريخ الطّبري : حوادث سنة ٥٣ ، طبعة مصر سنة ١٣٢٦ ه‍ ، أو ص : ١٦٢ ، وابن الأثير حوادث سنة ٥٣ أو ص : ١٨٣ وحوادث سنة ٥٤ ص : ١٩٦ و : ٣ / ١٩٥ ، الإصابة: ٣ / ١٥٠ ، مجمع الزّوائد : ٨ / ٢٩٠ ، جزء أشيب لأبي عليّ الحسن بن موسى الأشيب (شيخ الإمام أحمد ابن حنبل) : ٥٨ ، طبعة دار علوم الحديث ، الإمارات العربية المتحدة ، الطّبعة الأولى سنة ١٤١٠ ه‍.

وعن ابن عدي ، قال قدمت المدينة ، فجلست إلى أبي هريرة ، فقال : ممّن أنت؟ قلت : من أهل البصرة ، قال : ما فعل سمرة بن جندب؟ قلت : هو حيّ ، قال : ما أحد أحبّ إليّ طول حياة منه ، قلت : ولم ذاك؟ قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ليّ ، وله ، ولحذيفة بن اليمان : آخركم موتا في النّار».

انظر ، المعرفة والتّأريخ : ٣ / ٣٥٦.

وعن أبي النّضرة عن أبي هريرة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعشرة من أصحابه : آخركم موتا في النّار ، فيهم سمرة بن جندب ، قال أبو النّضرة ، فكان سمرة بن جندب آخرهم موتا. والخلاصة سمرة بن جندب باع دينه بدنياه وآثر العاجلة على الآخرة إذ ارتكب الكذب والبهتان.

انظر ، المعجم الأوسط : ٦ / ٢٠٨ و : ٧ / ١٧٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٧٨ ، التّأريخ الصّغير : ١ / ١٣٣ ، تهذيب الكمال : ١٢ / ١٣٣ ، و : ٣٤ / ٢٥٧ ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ١٨٤ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢٠٧ و : ١٢ / ٢٠٠ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢٥٣ ، البيهقيّ في الدّلائل : ٦ / ٤٥٩ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى : ١ / ٣٣٩.

(١) البقرة : ٢٠٤.

(٢) البقرة : ٢٠٧.

٢٣٨

سمرة بالمئة ألف ، فبذل له مئتي ألف ، فلم يقبل ، فبذل ثلاثمئة ألف فلم يزقبل ، فبذل له أربعمئة ألف فقبل ، وروى كذبا وافتراء(١) !

عليّ الّذي قال له الرّسول : «يا عليّ ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق»(٢) .

__________________

(١) لا نريد التّعليق على هذا الكلام مرّة ثانية ، والّتي أطبق المؤرّخون على أنّها نزلت في عليّعليه‌السلام ، وسبق وأن دللنا على ذلك بالمصادر الّتي ذكرناها سابقا ، كالطّبري : / ١٢٢ و ٦١٦٤ ، شواهد التّنزيل للحاكم الحسكاني : ١ / ١٢٣ ح ١٣٣ وما بعده ، والثّعلبي في الكشف والبيان : ١ / ١١٧ ، والرّازي في تفسيره : ٢ / ١٥٢ ، وغيرهم كثير.

فلاحظ بعض مخازي سمرة في ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة : ١ / ٧٨٩ طبعة الحديثه ببيروت ، والشّرح المختار المذكور : ٧٩٢ ، فإذا كانت المقارنة من هذا الباب فلا عتب ، ولا استدلال. انظر ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٥٨ ، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين : ٤٣٣ ، الخصائص لابن البطريق : ٩٨ ، كشف اليقين : ٩٠ ، بحار الأنوار : ٣٨ / ٢٨٩ ، و : ٣٦ / ٤٨ و ٤٩ ، إعلام الورى : ١٩١ ، الطّرائف : ٣٣ ، العمدة : ٣٤٠ ، دلائل الصّدق : ٢ / ٥٣٨ ، الشّافي للسّيّد المرتضى : ٤ / ٢٥ ، الغدير : ٢ / ٤٨ ، تذكرة الخواصّ لسّبط ابن الجوزي : ٤٠ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٣٣ ، الطّرائف لابن طاووس : ٤٠٧ ، اختيار معرفة الرّجال : ١ / ١٣٠ ، كفاية الطّالب : ١١٥ ينابيع المودّة : ١٠٥.

(٢) انظر ، كنز العمّال : ١١ / ٥٩٨ ح ٣٢٨٧٨ و ٣٣٠٢٨ ، و : ١٣ / ١٧٨ ح ٣٦٢٩ ، الصّواعق المحرقة: ١٢٢ ، كفاية الطّالب : ٦٨ ، شرح الأخبار : ١ / ١٥٢ ح ٨٩ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٤٢ ح ١١٤ ، اسد الغابة : ٣ / ٦٠٢ طبعة بيروت ، المصنّف لابن أبي شيبة : ١٢ / ٥٧ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٠٦ ح ٣٨١٩ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٣٣ ، فتح الباري : ١ / ٦٠ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٦٤ ، السّنن الكبرى : ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ و : ٦ / ٥٣٤ ح ١١٧٤٩ ، الرّياض النّضرة : ٢ / ٢١٤ ، خصائص النّسائي : ١٠٥ ، مسند أبي يعلى : ١ / ٢١٥ ، المعجم الأوسط : ٢ / ٣٣٧ ، و : ٥ / ٨٧ ، مسند أحمد : ٦ / ٢٩٢ ح ٢٦٥٥٠ ، سنن النّسائي : ٨ / ١١٦ ، تأريخ دمشق : ٢ / ١٩٠ ، الغارات : ٢ / ٥٢٠ ، مسند الحميدي : ١ / ٣١ ح ٥٨ طبعة المدينة المنوّرة ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ٤٦٩ ح ٩٦٣ ، كشف الخفاء : ٢ / ٣٨٢ ح ٣١٨١ ، شواهد التّنزيل : ١ / ٤٧٧ ح ٥٠٩ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ٣١٩ ح ٨٣١٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١٢ / ٤٣٧ ، تهذيب الكمال : ١٥ / ٢٣٢ ، تأريخ بغداد : ٢ / ٢٩ ، تهذيب الأسماء : ١ / ٨٨ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦١٩ ح ١٠٥٩ و ١١٦٩.

٢٣٩

وقال : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»(١) ، وقال يوم خيبر : «سأعطي الرّاية إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّار غير فرّار ، ثمّ أعطاها لعليّ»(٢) . عليّ هذا خصم لله ، وابن ملجم من الّذين اشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله!

وليس بعجب ولا غريب أن يفتري معاوية وسمرة الكذب على الله ، فالأوّل عدوّ الدّين ، والثّاني باع دينه للشّيطان ، ولكن العجب من الّذين يقدّسون معاوية وسمرة ، ويؤمنون بعد التهما لا لشيء إلّا لصحبتهما. فقد قرّر الكثير من شيوخ السّنّة في كتب الحديث والأصول أنّ جميع الصّحابة عدول لا يجوز نقدهم ولا تجريهم «واعتبروهم جميعا معصومين من الخطأ والسّهو والنّسيان»(٣) .

معاوية معصوم عن الخطأ حتّى ولو تعمد الكذب على الله والرّسول ، وسمرة عادل ، وإن باع دينه للشّيطان ، أمّا عليّ ، والحسن ، والحسين فغير معصومين ،

__________________

(١) هكذا روي الحديث : «الحقّ مع عليّ ، وعليّ مع الحقّ لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

انظر ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٢٩٧ ح ٣٧٩٨ و : ١٢ / ١٢٦ ، وجامع التّرمذي : ٢ / ٢١٣ ، التّفسير الكبير للفخر الرّازي : ١ / ٢٠٥ ، فيض القدير : ٦ / ٣٥٦ ، مجمع الزّوائد : ٧ / ٢٣٥ و : ٩ / ١٣٤ ، تأريخ بغداد : ١٤ / ٣٢١ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٨ ، شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربي : ٢ / ٦٠ ، ربيع الأبرار للزّمخشري : ١ / ٨٢٨ ، فرائد السّمطين : ١ / ١٧٧ ح ١٣٨ ، المناقب لابن المغازلي : ١١٧ و ٢٤٤ ، والمستدرك : ٣ / ١٩ و ١٢٤ ، العقد الفريد : ٣ / ١٠٨ الطّبعة الثّالثة ، تأريخ ابن عساكر ترجمة الإمام عليّ : ٣ / ١١٩ ح ١١٦٢ و : ٤٢ / ٤٤٩ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٢ ، أنساب الأشراف : ٢ / ٢٨١ الطّبعة الأولى ، فضل آل البيت للمقريزي : ٦٠ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ لابن دمشق : ١ / ٣٤٣ ، الملل والنّحل : ١ / ١٠٣.

(٢) تقدّمت تخريجاته.

(٣) انظر ، كتاب «الأضواء على السّنّة المحمّديّة» : ٣٢٢. (منهقدس‌سره ).

٢٤٠