الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء7%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68951 / تحميل: 4504
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وإن كانوا أهل بيت الرّسول ، بل ولو ضحّوا في سبيل الإسلام بالأرواح ، والعيال ، والأطفال! لقد أنكر بعض الكتّاب على الشّيعة قولهم بعصمة من زكّاهم القرآن ، وطهّرهم من الرّجس ، ولم ينكر على بعض السّنّة القول بعدالة الصّحابة الّذين هم على شاكلة معاوية وسمرة!

معاوية عادل ، لأنّه بذل الأموال ، والمناصب لوضع الأحاديث في القدح بأخي الرّسول في الدّنيا والآخرة! ومعاوية مؤمن ، لأنّه شجّع الإفتراء على الله ، وأمر بوضع أحاديث في فضائله مثل «كتب معاوية آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هديّة له من فوق العرش»(١) . وهذا الحديث المفترى هو المصدر الوحيد لكتابة معاوية للوحي(٢) .

سئل النّسائي وهو في دمشق عن فضائل معاوية. فقال : ألا يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضّل(٣) ؟!».

وإذا وجد في الصّحابة مثل سمرة بن جندب ، وأبي هريرة ، وابن العاصّ يقبضون ، ويكذبون فإنّ فيهم من يناصر الحقّ ، ولا تستهويه الأموال ، والمناصب فلقد وقف جماعة لمعاوية وجابهوه بالحقيقة ، وصارحوه بمثالبه ومروقه من

__________________

(١) انظر ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ١٢٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ١١١ هامش رقم «٤».

(٢) انظر ، كتاب الأضواء على السّنّة المحمّديّة : ٨١١ ، والنّصائح الكافية لمن يتولّى معاوية : ١٧٢ طبعة (١٩٤٨ م). (منهقدس‌سره ). انظر ، تلخيص الحبير : ٤ / ١٨٨ ، الإكمال لابن ماكولا : ١ / ٥٢٦.

(٣) ذهب النّسائي إلى دمشق ، وهو أحد أصحاب الصّحاح السّتة عند السّنّة ، فقيل له : حدثنا عن فضائل معاوية ، فقال : أما يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضل؟! وقال : لا أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنه ، فداسوه بالأرجل ، ومات بسبب ذلك. انظر ، العبر : ٣ / ٢٨ ، البداية والنّهاية : ١١ / ٣١٧ ، وفيّات الأعيان : ١ / ٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ٥٣٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٢٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٣٦٥ ، مسند الطّيالسي : ح ٢٧٤٦ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٢٠٤.

٢٤١

الدّين ؛ وأقوالهم مثبتة في كتب السّير والتّأريخ ، لو جمعت لجاءت في مجلّد ضخم ، وإليك بعضها :

كتب معاوية إلى سعد بن وقّاص يستحثه على الطّلب بدم عثمان فردّ عليه سعد : «أنّ عليّا أحقّ بالخلافة من غيره ، لأنّه شارك غيره في محاسنه ، ولم يشاركه أحد في محاسنه»(١) . وكتب قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري إلى معاوية جوابا له عن كتابه : «أمّا بعد فأنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها ، وخرجت منه طوعا»(٢) .

وقالت له أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب : «لقد كفرت النّعمة ، وتسميّت بغير اسمك ، وأخذت غير حقّك بلا بلاء كان منك ولا من أبيك بعد أن كفرتم بما جاء به محمّد ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأضرع منكم الخدود حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبيّنا هو المنصور على كلّ من ناواه ، ولو كره المشركون ، فكنّا أهل البيت أعظم النّاس في هذا الدّين بلاء ، وعن أهله غناء وقدرا حتّى قبض الله نبيّه مغفورا ذنبه مرفوعة منزلته ، شريفا عند الله مرضيّا ، فوثب علينا بعده تيم وعدي ، وبنو اميّة ، فأنت منهم تهدي بهداهم ، وتقصد بقصدهم ، فصرنا فيكم بحمد الله أهل البيت بمنزلة قوم موسى وآل فرعون يذبّحون أبنآءهم ويستحيون نسآءهم ، وصار سيّدنا فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هرون

__________________

(١) انظر ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٤٤ ، فتح الباري : ١٣ / ٥٧ ، قريب منه.

(٢) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٤٣ ، الكامل للمبرد : ١ / ٣٠٩ ، البيان والتّبيّين : ٢ / ٦٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٣ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٦٢ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٩٤ ، مقتل الخوارزمي : ٢٥٨ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٣٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٤٣.

٢٤٢

من موسى ، حيث يقول :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، فلم يجتمع بعد رسول الله شمل ، ولم يسهل وعث ، وغايتنا الجنّة ، وغايتكم النّار»(٢) .

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) انظر ، العقد الفريد : ١ / ٤٥٧ ، بلاغات النّساء : ٢٧ ، محادثات النّساء : ٨٣ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٤٩ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥٠.

٢٤٣
٢٤٤

عقيل ومعاوية

كان لأبي طالب ـ واسمه عبد مناف(١) ـ ستة أولاد : أربعة ذكور وابنتان ، طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وعليّ ، وأمّ هاني ، وجمانة وأمّهم جميعا فاطمة بنت أسد ، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ، وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين ، وجعفر أسنّ من عليّ بعشر سنين(٢) .

وليس فيما لدي من المصادر ذكر لجمانة سوى أنّها أختّ الإمام عليّ ، وأمّا أمّ هاني ، واسمها فاخته فقد أسلمت ، وتزوّجها هبيرة بن أبي لهب بن عمرو ،

__________________

(١) ويلقّب بأبي البطحاء لأنّهم استقوا به سقيا فكنّوه بذلك ، وهو شيبة بن هاشم ، وهو عمرو بن عبد مناف. انظر ، ذخائر العقبى ، الطّبري : ١٧١ ، المعارف لابن قتيبة تحقّيق ثروة عكاشة : ١ / ١١٧ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٥٥ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٩٨ ، اسد الغابة : ١ / ٢٨٦ ، الإصابة : ١ / ٢٤٨ ، طبقات ابن سعد: ٤ / ٢٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٣ / ٤٠٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٢٠٨ ، الإستيعاب : ١ / ٨١ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٤ ، معجم ما استعجم للبكري : ١ / ٧٧ ، صبح الأعشى للقلقشندي : ١ / ٣٥٥.

(٢) انظر ، سيرة النّبيّ لابن هشام : ٤ / ١٠٧٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٢١ ، عون المعبود : ٦ / ٢٢ ، مسند ابن راهويه : ٣ / ٧٣٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٣ / ٣٩ ، الجامع الصّغير : ٢ / ٥٠٥ ح ٧٩٧٧ ، كنز العمّال : ٧ / ٢٢٩ ح ١٨٧٤٥ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٩٣ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٤.

٢٤٥

وولدت له أولادا(١) ، ومات وهو مشرك ، وعن ابن عبّاس أنّ النّبيّ دخل يوم الفتح على أمّ هاني ، وكان جائعا ، فقالت : يا رسول الله أنّ أصهارا لي قد لجؤا إليّ ، وأنّ أخي عليّا لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأخاف أن يعلم بهم ، فيقتلهم ، فجعل من دخل دار أمّ هاني آمنا.

فقال رسول الله : «أجرنا من أجارت أمّ هاني»(٢) .

ثمّ قال لها : هل عندك من شيء نأكله؟.

فقالت : ليس عندي إلّا كسر يابسة ، واستحي أقدّمها لك.

قال : هلمي بهنّ ؛ ولمّا أتته بكسر الخبز ، وضعهنّ بالماء والملح

وقال لها : هل من إدام؟

قالت : ما عندي إلّا شيء من خلّ ، فصبّه النّبيّ على طعامه. وأكل منه ، ثمّ حمد الله ، وقال : نعم الإدام الخلّ ، يا أمّ هاني ، لا يفتقر بيت فيه خلّ(٣) .

واسلم جعفر قبل هجرة الرّسول إلى المدينة ، وهاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة ، وكان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الحبّ له ، فقد قال له يوما :

__________________

(١) انظر ، كتاب العقد الفريد : ٥ / ٣١٣ طبعة ١٩٥٣ م ، و : ٥ / ٨٧.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٥٩ ح ٦٨٧٥ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٧٦ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٠٢ ح ٣٣١٨ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٨٧ ح ٦٩٣٤ ، المعجم الكبير : ٢٤ / ٤١٨ ح ١٠١٨ و ١٠٥٥ ، شعب الإيمان : ٥ / ١٠١ ح ٥٩٤٤ ، فيض القدير : ٥ / ٤٢٤ ، حلية الألياء لأبي نعيم : ٨ / ٣١٣ ، نصب الرّاية : ٤ / ٣١ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ٣٣.

(٣) أراد النّبيّ أن يهوّن على ابنة عمّه ، كي لا يدخل في روعها أنّها قصّرت بحقّه ، وأن يعطي درسا عامّا لجميع النّاس بأنّ كلّ ما تيسّر من الطّعام فهو خير خلّا كان أو غيره ، وإنّما ذكر الخلّ بالخصوص ؛ لأنّه الميسور في ساعته تلك ، وغير بعيد أنّه لو لم يوجد عند أمّ هاني إلّا الملح لقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم الأدام الملح». (منه قدس‌سره). انظر ، المصادر السّابقة.

٢٤٦

«أشبهت خلقي وخلقي»(١) ، وصادف قدوم جعفر من الحبشة يوم فزتح خيبر ، فتلقاه النّبيّ ، وقبّله بين عينيه ، وقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»(٢) . وقال له : حدّثني ببعض عجائب الحبشة.

فقال : نعم ، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، بينا أنا سائر في بعض طرقات الحبشة إذا بعجوز على رأسها مكتل ، فأقبل شاب يركض على فرس له ، فألقاه على وجهها ، وألقى المكتل على رأسها ، فاسترجعت قائمة ، واتبعته النّظر ، وهي تقول : الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه ، فاقتص للمظلوم من الظّالم. ، فجرت دموع رسول الله على لحيته مثل الجمان ، ثمّ قال : لا قدّس الله أمّة لا تأخذ للمظلوم حقّه من الظّالم(٣) .

وكان جعفر خير النّاس للمساكين ، يطعمهم ويكسوهم ، ويجلس إليهم يحدّثهم ويحدثونه ، حتّى كنّاه رسول الله أبا المساكين ، وكان النّاس يعرفونه

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٩٦٠ ح ٢٥٥٢ و : ٣ / ١٣٥٩ ح ٣٥٠٤ و : ٤ / ١٥٥١ ح ٤٠٠٥ ، صحيح ابن حبّان : ١١ / ٢٢٩ ح ٤٨٧٣ و : ١٥ / ٥٢٠ ح ٧٠٤٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٤ ح ٣٧٦٥ ، مجمع الزّوائد : ٤ / ٣٢٤ و : ٩ / ٢٧٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٥ ح ١٥٥٤٦ ، مسند أحمد : ١ / ٩٨ ح ٧٧٠.

(٢) انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٢٨١ ح ٣٢٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٦ ح ٣٦٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٨ ح ١٤٦٩ ، شعب الإيمان : ٦ / ٤٧٧ ح ٦٩٦٨ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٢١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٣٣٥ ح ٦٠٠٩ و : ٥ / ٢٥٣ ح ٥٢٣٤ ، معجم الشّيوخ : ١ / ١٧١ و : ٦ / ٨١ ح ٧٥٤٩ ، السّنّة لابن عاصم : ١ / ٢٥٧ ح ٥٨٢ ، البيان والتّعريف : ٢ / ١٥٠ ، فيض القدير : ٥ / ٥٩.

٢٤٧

وينادونه بهذره الكنية(١) ، وقتل جعفر في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة ، وثبت عن النّبيّ بطريق السّنّة والشّيعة أنّه قال : «رأيت جعفرا يطير بجناحين في الجنّة مع الملائكة»(٢) .

وتزوّج جعفر أسماء بنت عميس ، وكانت معه في الحبشة ، وولدت له هناك

__________________

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٥ ح ٣٧٦٧ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٣٨١ ح ٤١٢٥ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٧ ح ٣٦٥ ، شعب الإيمان : ٧ / ٤٣٧ ح ١٠٨٨٢ ، فتح الباري : ٩ / ٥٥٨ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٧ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٧ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٥١٨ ، الإصابة: ١ / ٤٨٦.

(٢) جعفر بن أبي طالب (عبد مناف) بن عبد المطّلب بن هاشم (ت ٨ ه‍) صحابي هاشمي من شجعانهم ، يقال له جعفر الطّيّار ، وهو أخو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وكان أسنّ من الإمام عليّعليه‌السلام بعشر سنين ، وهو من السّابقين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثّانية ، فلم يزل هناك إلى أن هاجر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة. فقدم عليه جعفر وهو بخيبر سنة (٧ ه‍).

انظر ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، تلخيص الحبير : ٣ / ٢١٤ ح ١٦٠٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠.

وفي صحيح البخاريّ : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ ، أنّ ابن عمر كان إذا سلّم على ابن جعفر قال : السّلام عليك يا ابن ذي الجناحين) ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٤٤ ح ٤٣٥٢ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٧ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٩ ح ١٤٧٤ و : ١٢ / ٢٦٣ ح ١٣٠٥٥ ، فتح الباري : ٧ / ٧٦ ح ٣٥٠٦ و : ١٠ / ١٨٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٥ ، تهذيب الكمال : ٢ / ٨٣ ح ١٤٦ و : ٥ / ٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٨٨٨ ح ١٦٨٤ ، فضائل الصّحابة للنّسائي : ١ / ١٨ ح ٥٥.

وفي الحديث المرفوع أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بكى لمّا قتل جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في مؤته ، قال : «المرء كثير بأخيه». انظر ، مسند الشّهاب : ١ / ١٤١ ح ١٨٦ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٢٠٥ ح ٦٦٢٥ ، فيض القدير : ٢ / ٣٩٩ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٦٤ ح ٢٢٨٢ و ٢٧٩١.

٢٤٨

عبد الله ، ومحمّدا ، وعونا(١) ، ولمّا قتل عنها تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّدا(٢) ، ولمّا توفّي أبو بكر تزوّجها أمير المؤمنين عليّ ، فولدت له يحيى ، وتوفّي في حياة أبيه ، ولا عقب له(٣) .

وأمّ أسماء بنت عميس هي هند بنت عوف بن الحارث الجرشي من جرش اليمن ، وكان لهند هذه أربع بنات :

١ ـ أسماء تزوّجها جعفر ، وأبو بكر ، وعليّ.

٢ ـ ميمونة تزوّجها رسول الله ، وهي آخر امرأة تزوّجها.

٣ ـ أمّ الفضل لبانة تزوّجها العبّاس بن عبد المطّلب ، وهي أمّ ولده عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل ، ومعبد ، وقثم.

٤ ـ سلمى تزوّجها الحمزة بن عبد المطّلب(٤) .

__________________

(١) انظر ، ترجمة هؤلاء في جوامع السّيرة : ٢٨٢ ، والمعارف : ٢٠٥ ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاريّ : ٥ / ٢٤.

(٢) انظر ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١١٤ طبعة النّجف ، التّمهيد والبيان : ٢٠٩ ، الأغاني : ٢١ / ٩ ، الإشتقاق :٣٧١ ، الطّبريّ ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكر حوادث سنة (٣٦ ه‍) ، الإصابة حرف الميم : ٣ ق ٢ / ٤٥١ ، الاستيعاب : ٣ / ٣٢٨ ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٧٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٥٥ وما بعدها ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٥٤١ رقم ٥٠٩٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦٤ و : ٣ / ١٩٠ ، شرح النّهج لمحمّد عبده : ١ / ١١٧.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٤٢ ، مقاتل الطّالبيين : ١١ ، شرح معاني الآثار : ١ / ٤٨ ، لسان الميزان : ٧ / ٥٢٢ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٦٢٩ ، أنساب الأشراف : ٣٩٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ٥٢ ، تحفة الأحوذي : ٧ / ١٢٠ و : ٨ / ٥٢.

(٤) انظر ، اسد الغابة : ٧ / ١٥٧ و ٢٠٢ ، المعارف : ١٢٣ و ١٣٧ ، السّيرة لابن هشام : ٤ / ٢٨٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ و : ٨ / ١٥٧ ، الإستيعاب : ٤ / ١٨١٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٨٣ و ١١٢ و ٢٣٣ ، صحيح ـ

٢٤٩

فأحماء هذه الجرشية رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والحمزة ، وجعفر ، والعبّاس ، وأبو بكر ، وقيل : من أحمائها الوليد بن المغيرة ، وأنّ أمّ خالد بن الوليد ابنة هذه الجرشية ، ولذا اشتهر أنّ الجرشية أكرم النّاس أحماء(١) .

أمّا عقيل ، ويكنى أبا يزيد فقد أخرجه المشركون يوم بدر لحرب الرّسول مكرها ، فأسره مع عمّه العبّاس رجل من الأنصار يدعى أبا بشر(٢) ، ورآه أخوه

__________________

ـ مسلم : كتاب الرّضاع : ١٠٦٥ ح ٤٩ ، صحيح البخاري : تفسير سورة الأحزاب : ٣ / ١١٨ وكتاب النّكاح : ٣ / ١٦٤ و ١٦٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢١ ، نسب قريش : ٤٠ ، جمهرة أنساب العرب : ٣٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٠ ، كنز العمّال : ٧ / ١٠٥ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٩٧ ، سنن ابن ماجه : ٢٨٩ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٧٦.

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ١١ ، تهذيب الكمال : ٣٥ / ١٢٧.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢.

أمّا تشكيك الطّبري في : ٤ / ٢٢٦ من حضور العبّاس غزوة بدر فهو تشكيك في غير محله ولسنا بصدد مناقشة الطّبري وأمثاله حتّى أنّ ابن قتيبة في معارفه : ١٥٤ أوّل ما ذكر العبّاس بن عبد المطّلب ، وكذلك في سيرة ابن هشام : ٢٢ / ٣٢١ بل نورد الأحاديث الّتي وردت من قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّهي عن قتل العبّاس خاصّة ، وقتل بني هاشم عامّة. وكذلك نهى عن قتل أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد ، مع ملاحظة أنّ نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل بني هاشم عامّة ونهيه عن قتل عمّه خاصّة تأكيد وتشديد ومبالغة لما عنده من العلم بأنّهم اخرجوا كرها ولم يؤذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يأمل توفيقهم وهدايتهم إلى الله تعالى ورسوله ومع ذلك فقد أبى ابن البختري عندما قال له المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن قتلك ، فقال ابن البختري : أنا وصاحبي ـ جنادة بن مليحة من بني ليث؟ قال له : لا والله ما نحن بتاركي صاحبك وما أمرنا رسول الله إلّا بك وحدك فاختار القتال وقتله المجذر.

ومن أراد الإطّلاع على ذلك فليراجع المصادر مثل الكامل في التّأريخ : ٢ / ٨٩ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ٢٨٢ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ١٧٢ ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ـ

٢٥٠

__________________

ـ ٢ / ٢٨١ ، والسّيرة الحلبية : ٢ / ١٦٨ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٣٣ و ١٨٣ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٤ ، ومجمع البيان : ٤ / ٥٥٩ ، وغيرها.

أمّا أنّ العبّاس قد اسر فلا شكّ ولا ريب في ذلك ، وقد نصّ عليه كلّ من أرّخ وقعة بدر من أهل السّير والأخبار ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي قال : سمعت تضوّر عمّي العبّاس في وثاقه فمنعني النّوم ، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

انظر ، ابن الأثير في الكامل : ٢ / ٨٩ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٨٢ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٢ ح ٥٣٩١ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ٥٢٠ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٥ ، وصحيح مسلم : ٦ / ١٥٧ ، شواهد التّنزيل : ١ / ٥١١ ح ٥٤١ ، الماوردي : ٢ / ٤٦.

وذكره أيضا ابن قتيبة في المعارف : ١٥٥ ، قال العبّاس : يا رسول الله إنّ هذا والله أسرني بعد ما أسرني رجل أجلح من أحسن النّاس وجها ، على فرس أبلق ما أراه فى القوم ، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله ، فقال : أسكت لقد أيّدك الله عزوجل بملك كريم ، فقال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر ، قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قطّ هيئته كذا وكذا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أعانك عليه ملك كريم. وقال للعبّاس : افد نفسك ، وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن عمر ، فقال : يا رسول الله إنّي كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلم باسلامك. فإن كان ما قلت فإنّ الله يجزيك.

ولذا نجد مفتي الشّافعيّة أحمد دحلان صاحب السّيرة النّبويّة : ١ / ٥٠٤ من هامش السّيرة الحلبية يدافع عن العبّاس ويقول : كان العبّاس يكتم إسلامه وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكّة ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمره بالمكوث في مكّة ليكتب له أسرار قريش.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٥ / ١٤٢ طبعة دار الفكر ، و : ٦ / ١٢٤ طبعة مطابع دار الشّعب ، و : ٣ / ١١٦ طبعة الخيرية بمصر ، و : ٥ / ٧٩ طبعة بمبي ، أسباب النّزول للسّيوطي بهامش تفسير الجلالين : ٤٤٢ طبعة بيروت ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٥ ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٢١٢.

أمّا العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة ، وعامر بن عبد الله ، ونوفل بن خويلد بن أسد ، ومسعود بن أميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبه بن الحجّاج ، وحاجب بن السّائب ذكرهم الواقدي في المغازي : ١ / ٤٨ طبعة اكسفورد ، والبخاريّ في صحيحه : ٦ / ٩٨ ، وصحيح مسلم : ٨ / ٢٤٥ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ١٩٧ و ٢٦٩ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٣ ، ـ

٢٥١

عليّ مع الأسرى فتجاهله وحاد عنه ، فقال له عقيل : يا ابن أمّ والله لقد رأيت مكاني ، فتركه ولم يلتفت إليه ، وهو أخوه لأمّه وأبيه»(١) . وكان عقيل حاضر الذّهن سريع الجواب ، رآه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الأسرى يوم بدر ، فقال له : يا أبا يزيد قتل أبو جهل. فقال له عقيل : إذن لا تنازعوني في تهامة(٢) . وأمر النّبيّ عمّه العبّاس أن يفدي نفسه ، وابن أخيه عقيلا ، فقال العبّاس : لا مال عندي. قال له النّبيّ : لقد تركت مالا عند أمّ الفضل ، وأوصيتها به. فقال : من أخبرك بهذا؟ قال جبرائيل عن الله. فقال العبّاس : ما علم بهذا أحد ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله(٣) . فرجع الأسرى ، كلّهم مشركون إلّا العبّاس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب.

وكان النّبيّ يحبّ عقيلا. وقد صارحه بهذا الحبّ ، إذا قال له يوما ، «يا أبا يزيد إنّي أحبّك حبّين : حبّا لقرابتك منّي ، وحبّا لحبّ عمّي إيّاك»(٤) ، وكان عقيل فقيرا كثير العيال والأطفال لا يجد ما يسدّ حاجتهم الضّروريّة من المأكل والملبس ،

__________________

ـ والفلكي في الإبانة ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٠٨ ، والمغازي للواقدي : ١٤٣ ـ ١٥٣ طبعة آخر ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ٢ / ٤٣٦ ، المعارف لابن قتيبة : ١٥٦.

(١) انظر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٤٦ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٣٢٢ ، فتح الباري : ٦ / ١١٦.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، المنتخب من ذيل المذيل للطّبري : ٣٠.

(٣) انظر ، مسند أحمد : ١ / ٣٥٣ ح ٣٣١٠ ، معتصر المختصر : ١ / ٣٤٣ ، دلائل النّبوّة للإصبهاني : ١ / ١٣٧ ح ١٥٠ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ١٤ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٨٢. وفدى العبّاس نفسه بمئة اوقية ، وفدى كلّ واحد من بني أخيه وحليفه بأربعين اوقية. انظر ، الأحكام السّلطانية للماوردي : ٤٦.

(٤) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٦٦٧ ح ٦٤٦٤ ، الإستيعاب : ٣ / ١٠٧٨ ح ١٨٣٤ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ١٧ / ١٩١ ح ٥١٠ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٩ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ١ / ٢٧ ، فضائل الصّحابة لأحمد : ٢ / ٦٦٣ ح ١١٣١.

٢٥٢

ولمّا تولّى الإمام الخلافة قدم عليه يسترفده ، فعرض عليه الإمام عطاءه ، فقال : «إنّما أريد من بيت المال. فقال له الإمام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فلمّا صلّى الجمعة قال له : ما تقول بمن خان هؤلاء؟ قال : بئس الرّجل. قال : إنّك امرتني أن أخونهم واعطيك»(١) . فخرج من عنده إلى الشّام(٢) .

ورحّب به معاوية ، وأعطاه مئة ألف درهم من مال المسلمين ، وقال للنّاس وعقيل حاضر : هذا أبو يزيد لو لا علمه بأنّي خير من أخيه ما تركه ، وأقام عندنا ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنظر لنفسه منك ، وأنت خير لي في دنياي ، وأنظر لي من نفسك ، وقد آثرت دنياي ، وأسأل الله العفو»(٣) .

وقال له يوما : «غلبك أخوك على الثّروة.

قال : نعم ، وسبقني وإيّاك إلى الجنّة»(٤) .

وقال له : «أنّ فيكم للينا يا بني هاشم!

قال : أجل ، فينا لينا من غير ضعف ، وعزّا من غير عنف ، وأنّ لينكم يا معاوية غدر ، وسلمكم كفر.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٢ ، الإمامة والسّيّاسة لابن قتيبة : ١ / ١٠١ ، نظرات في الكتب الخالدة للدّكتور حامد حنفي : ١٤٧ ، مجلّة رسالة الإسلام العدد (١٤) تنظيم الصّدقة في الإسلام لحامد حنفي داود.

(٢) لم يحقق في سند هذا القول ، وإلّا من خلال التّتبّع التّأريخي ، لم نعثر على نصّ يؤكّد ذهاب عقيل إلى معاوية قبل استشهاد الإمام عليّعليه‌السلام . انظر ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، جواهر المطاب في مناقب الإمام عليّ لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٢٩ ، العقد الفريد : ٤ / ٩٠ طبعة بيروت.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥.

(٤) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٢.

٢٥٣

فقال معاوية : ولا كلّ هذا يا أبا يزيد!»(١) .

وفي ذات يوم أقبل عقيل على معاوية ، وعنده عمرو ابن العاص فالتفت معاوية إلى ابن العاص ، وقال له : لأضحكنّك من عقيل ؛ ولمّا سلّم ، قال له معاوية : مرحبا بمن عمّه أبو لهب ـ مع العلم بأنّ أبا لهب عمّ النّبيّ كما هو عمّ عقيل وعليّ ـ فقال عقيل : وأهلا بمن عمّته حمّالة الحطب في جيدها حبل مّن مّسد ـ يشير إلى أمّ جميل العوراء زوّجة أبي لهب(٢) ، وهي أخت أبي سفيان وعمّة معاوية ـ فقال معاوية ما ظنّك بعمّك أبي لهب. فقال : إذا دخلت النّار ، فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب»(٣) .

وغدا يوما على معاوية ، وجلساؤه حوله ، فقال له معاوية : «يا أبا يزيد خبّرني عن عسكري وعسكر أخيك ، فقد وردت عليهما.

فقال عقيل : مررت بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ، ونهار كنهاره ، ليس في القوم إلّا مصلّي لله أو قاريء للقرآن ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين الّذين نفروا برسول الله ليلة العقبة.

ثمّ قال : من هذا عن يمينك يا معاوية؟.

قال : هذا عمرو ابن العاص.

قال : هذا الّذي اختصم فيه ستة نفر ، فغلب عليه جزّار ، فمن الآخر؟

قال : الضّحاك بن قيس.

__________________

(١) انظر ، المصادر السّابقة.

(٢) انظر ، ترجمتها في غوامض الأسماء المبهمة : ١ / ١٩٠ ، فتح الباري : ٣ / ٩.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٣ ، أمالي السّيّد المرتضى : ٢٠٠.

٢٥٤

فقال : والله لقد كان أبوه يجيد خصي التّيوس ، فمن الآخر؟

قال : أبو موسى الأشعري.

قال : هذا ابن السّراقة.

فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جلساءه سأله معاوية عن نزفسه ليقول فيه ما قال فيهم ، ويخفف عنهم ، فقال له : ما تقول فيّ؟

قال : دعني منك.

قال : لتقولنّ.

قال : أتعرف حمامة؟.

قال : ومن حمامة؟.

قال : سلّ عنها؟.

فسأل عنها معاوية ، فقيل له : هي جدّته أمّ أبي سفيان كانت بغيّا في الجاهليّة ، وصاحبة راية تدل على مهنتها ، فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت ، فلا تغضبوا»(١) .

لقد اضطر عقيل للشّخوص إلى معاوية ، وأعطاه هذا كلّ ما يريد وفوق ما يريد ، وحاول بجميع خدعه وحيله أن يجد لنفسه مدخلا في قلب عقيل ، أو ينتزع منه كلمة باطل ترضيه وتغضب الله فلم يفلح ، بل على العكس ، فكان كلّما أراد شيئا من هذا أجابه عقيل بما يفضحه ويخزيه ، كما رأينا.

ولمّا بلغ عقيلا خذلان أهل الكوفة لأخيه كتب إليه يعرض نفسه وأولاده عليه ، وقال له فيما قال : «والله لا أحبّ أن أبقى في الدّنيا بعدك ، إنّ عيشا نعيشه

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١٢٥ ، الغارات : ١ / ٦٥.

٢٥٥

بعدك لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع»(١) . فأعفاه الإمام ، ولم يكلفه وأولاده حضور الحرب ، وكأنّ الإمامعليه‌السلام نظر بعين الغيب ، فادّخر أولاد أخيه إلى يوم ولده الحسين ، فقد قتل من ولد عقيل مع الحسين (١٣) شهيدا (٨) من أولاده و (٥) من أحفاده(٢) . توفّي عقيل سنة (٥٠) من الهجرة عن ست وتسعين سنة(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله ، وعلى عقيل وأولاده وأحفاده.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١١٩ ، الغارات : ٢ / ٤٣٠ ، المعيار والموازنة : ١٧٩ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٤.

(٢) تقدّمت تخريجاته. انظر ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٢٨ ، الإصابة لابن حجر تحت الرّقم «٢٥٦٣٠» ، البيان والتّبيّين : ١ / ١٧٤ ، اسد الغابة : ٢ / ٥٦٠ تحت الرّقم «٣٧٢٦». وقيل : توفّي سنة «٦٠ ه‍».

٢٥٦

مع بطلة كربلاء

٢٥٧
٢٥٨

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

وبعد :

فقد رغبت إليّ إحدى دور النّشر والتّوزيع أن أضع لها كتابا في «السّيّدة زينب بنت أمير المؤمنين» عليها وعلى آبائها أفضل الصّلاة والسّلام.

فقلت لصاحب الدّار : إنّ الّذين ألّفوا في هذا الموضوع لم يقصّروا ، ولم يتجافوا عن الغاية المنشودة من التّأليف بل بعض هؤلاء قد اجتذب إليه القرّاء ، واستقبلوا كتابه أحسن إستقبال.

فقال : أنّك كتبت في فضائل أبيها أمير المؤمنين ، مع أنّ غيرك كتب ، واجتذب إليه القرّاء.

فتوكلت على الله عزوجل ، وكتبت هذه الصّفحات ، وحاولت ما استطيع أن اضيف إلى ما كتبوا أشياء ، لها أهميتها ، على أن لا اضايق القاريء بذكر مطولات منقولة من هنا وهناك وإذا كتب البعض تملقا للجمهور ، أو رغبة في شيء يطلبه ، فإنّ هدفي الأوّل والأخير أن أوحي إلى القاريء الشّعور بعظمة السّيّدة ، وآل بيت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٩

ومعلوم أنّ دور النّشر لا تستجيب لشيء إلّا للجمهور القاريء لذا تملكتني الغبطة بهذا الطّلب ، وقلت في نفسي : لم يبق أي مجال للسّكوت ما دام الطّلب قائما ، وحمدت الله سبحانه على أن يكون هذا الموضوع ، وما إليه مرغوبا ومفضلا عند القرّاء ، مع أنّ هذا اللّون من الكتب لا يعتمد على وسائل التّشويق والإغراء ، كما هي الحال في كتب الجنس والخلاعة ، والغرام والإجرام ـ إذن ـ فالدّافع الوحيد لإقبال القرّاء أنّ في أهل البيت سرّا ينبض بالحياة ويفيض بالخيرات ، وقوّة ذاتية تجذب إليها كلّ إنسان ، من حيث لا يدري.

هذا ، مع العلم بأنّ كلّ من كتب في فضائل أهل البيت ومناقبهم ، منذ البداية حتّى اليوم لم يتجاوز المرحلة الأولى ، ولن يتجاوزها ، مهما أطنب وأطال ولا أعرف أحدا عرض هذا الموضوع عرضا وافيا ، حتّى العلّامة المجلسي في بحاره وأنواره والسّر هو طبيعة الموضوع ، فإنّه أسمى وأعظم من أن تصل العقول إلى كنهه وحقيقته.

وقد سبق أن كتب خمسة كتب في أهل البيت وفضائلهم ـ ما عدا هذا الكتاب(١) وهي في مجموعها تعبّر عن عظمتهم تعبيرا جزئيّا ، أو قل : أنّها ليست تصويرا لتلك العظمة ، وإنّما هي مجرد إقرار واعتراف بمنزلتهم ومكانتهم وكذلك هذه الصّفحات إن هي إلّا إقرار واعتراف بعظمة بنت الوحي والنّبوّة.

والله سبحانه المسئول أن يجعل الوقت الّذي أمضيته في كتابتها أفضل أوقاتي كلّها ، أنّه خير مسئول ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّيبين.

__________________

(١) هذا الكتاب هو الواحد بعد العشرين ، والسادس في الفضائل ، الخمسة تلك هي : «أهل البيت» ، «عليّعليه‌السلام والقرآن» ، «الشّيعة والحاكمون» ، «المجالس الحسينيّة» ، «فضائل الإمام عليّعليه‌السلام » ؛ (منهقدس‌سره ).

٢٦٠

نسب السّيّدة زينب(١)

أبوها عليّ بن أبي طالب.

جدّها لأبيها أبو طالب.

جدّتها فاطمة بنت أسد.

أمّها فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّها لأمّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

جدّتها خديجة بنت خويلد.

أخوتها الإمامان الحسن والحسين ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وقمر بني هاشم أبو الفضل العبّاس.

عمومتها جعفر الطّيّار في الجنّة ، وطالب ، وعقيل أبو مسلم.

وبالتالي ، فهيّ عمّة الأئمّة التّسعة المعصومين.

عليّ :

لقد أثنى الله على عليّ في كتابه ، ومحمّد في سنّته ، ودانت الملايين بالولاء

__________________

(١) الزّينب شجر حسن المنظر طيّب الرّائحة ، وبه سميّت المرأة ، وواحد الزّينب للشّجر زينبة. انظر ، لسان العرب : ١ / ٤٥٣.

٢٦١

له ، وألّف في فضائله العلماء القدامى والمحدثون من السّنّة والشّيعة وغير المسلمين من الشّرقيّين ، والغربيّين مئات المجلّدات ، وسيبقى الحديث عن عليّ إلى آخر يوم وأكتفي ـ هنا ـ وأنا أتكلّم عن نسب ابنته بقولهعليه‌السلام : «نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد ، فينا نزل القرآن ، وفينا معدن الرّسالة»(١) . وبكلمة الجاحظ الّتي علّق بها على هذه الجملة ، قال(٢) :

«صدق عليّ في قوله : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد» ، وكيف يقاس بقوم ، منهم رسول الله ، والأطيبان عليّ وفاطمة ، والسّبطان الحسن والحسين ، والشّهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر ، وسيّد الوادي عبد المطّلب ، وساقي الحجيج العبّاس ، وحليم البطحاء والنّجدة ، والخيرة فيهم ، والأنصار من نصرهم ، والمهاجرون من هاجر إليهم ومعهم ، والصّدّيق من صدّقهم ، والفاروق من فرّق بين الحقّ والباطل فيهم ، والحواري حواريهم ، وذو الشّهادتين ، لأنّه شهد لهم(٣)

__________________

(١) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٤٨٦ ح ٣٦٧٦ ، ينابيع المودّة : ١ / ٧١ ح ٢ ، مناقب أمير المؤمنين للكوفي : ٢ / ١٤٢ ح ٦٢٣ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٤٢٣ ح ٥١٧ ، بشارة المصطفى : ٣٢ ، مئة منقبة : ٦٥ ، تذكرة الخواصّ : ١٨٢ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٦٧١ ح ١١٤٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٣١١ ح ٦٩١٣ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١٨ ، الصّواعق المحرقة : ٢٣٣ ، الشّرف المؤيّد : ٢٩ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٤ ح ٣٤٢٠١ ، تأريخ دمشق : ٣٠ / ٣٦١ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ١٩٥ ، المعجم الكبير : ٧ / ٢٥ ، طبعة بغداد ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس مخطوط ورقة (٢٦٦).

(٢) انظر ، البيان والتّبيين للجاحظ : ٣ / ٢٨٠ ، الموفقيات : ٣٩٩.

(٣) يقال : أنّ اعرابيا باع فرسا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ ندم ، وأنكر البيع ، وقال للرّسول : أين شاهدك على البيع؟ فشهد خزيمة بأنّ الأعرابي باع فرسه للنّبيّ.

فقال له النّبيّ أكنت حاضرا عند البيع يا خزيمة؟.

٢٦٢

__________________

ـ فقال : لا يا رسول الله! ولكن هل أصدقك بما جئت به عن الله ، ولا أصدقك على هذا الأعرابي الخبيث؟.

فقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : شهادتك شهادة رجلين.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٣ / ١٠٣٣ ح ٢٩٥٢ و : ٤ / ١٧٩٥ ح ٤٥٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٢١ ح ٢١٨٧ ، مجمع الزّوائد : ٧ / ١٨٢ و : ٩ / ٣٢٠ ، سنن البيهقيّ الكبرى : ٢ / ٤١ ح ٢٢٠٣ و : ٧ / ٦٦ ح ١٣١٨٢ و : ١٠ / ١٤٥ ، سنن النّسائي : ٧ / ٣٠١ ح ٤٦٤٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٤ / ٥٣٨ ح ٢٢٩٣٣ ، شرح معاني الآثار : ٣ / ٤٣ ، معتصر المختصر : ٢ / ٢٦ ، مسند أحمد : ٥ / ١٨٨ ح ٢١٦٨٣ و ٢١٩٣٣ و ٢١٩٣٥ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٣٥٩ ح ٣٦٠٤ ، فتح الباري : ٦ / ٢٤ ح ٢٦٥٢ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٧٠٣ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٧٩ ، الإصابة : ٢ / ٢٧٨ ح ٢٢٥٣ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٧٧ ح ١٤٧ ، تحفة الطّالب : ١ / ٢٩٠ ، المحلى لابن حزم الظّاهري : ٨ / ٣٤٨ ، نيل الأوطار للشّوكاني : ٥ / ٢٧١.

ولسنا بصدد بيان ردّ المؤرّخ الكبير أبي جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ في تأريخه : ٣ حوادث سنة (٣٧ ه‍) وما بعدها ، وما تبعه المؤرّخون من بعده بأنّه بدّل وغيّر اسم الصّحابي الجليل الّذي شهد بدرا وما بعدها ، إلى رجل آخر اسمه خزيمة بن ثابت الأوسي شهد بدرا ، أو أحدا وهو غير خزيمة الّذي قتل في صفّين مع الإمام عليّ عليه‌السلام بل قال : أنّه مات زمن عثمان ، وهذه من مختلقات سيف وهو يحرّف ، ويصحّف ، ويقلّب ، ويختلق أمّة من الصّحابة ، والتّابعين ، ورواة الحديث ، وقادة الفتوح ، والشّعراء ، وعددا كبيرا من أماكن ، وكتبا سياسيّة ، وأراجيز كما فعل في اسطورة القعقاع ، وعبد الله بن سبأ ، وسمّاك بن خرشة الّذي زعمه غير أبي دجانة ، وبرّة بن يحنس الخزاعي مرادفا لاسم الصّحابي وبر بن يحنس الكلبي وغيرهم ، ومن أراد المزيد فليراجع كتاب العلّامة السّيّد مرتضى العسكري في كتابيه : عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : ١ و ٢ ، وخمسون ومئة صحابي مختلق : ١ و ٢. وخزيمة هذا هو الّذي قاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم الجمل ، وقاتل مع عليّ عليه‌السلام يوم صفّين.

انظر الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩ ، تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١ ، قارن بين خزيمة الحقيقي وخزيمة المختلق في الإصابة : ١ / ٤٢٥ رقم التّرجمة : ٢٢٥١ و ٢٢٥٢ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد تحقّيق أبو الفضل : ١ / ١٠٩ ، الكامل : ٣ / ٨٤ ، تأريخ ابن خلدون : ٢ / ٤٠٧. وانظر كذلك أصحاب ـ

٢٦٣

ولا خير إلّا فيهم ولهم ومنهم ، وأبان رسول الله أهل بيته بقوله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب اللهعزوجل حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ؛ فانظروا كيف تلحقوا بي فيهما»(١) . ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لمّا طلب مصاهرة عليّ : «إنّي سمعت رسول الله يقول : «كلّ سبب

__________________

ـ العيون والأقلام المأجورة مجلّة الأزهر : ٣٢ / العدد ١٠ / ١١٥٠ ، و : ٣٣ / العدد ٦ / ٧٦٠ ، ومجلّة «راهنمائي كتاب» الفارسيّة طبع طهران السّنة الرّابعة العدد : ٧ / ٦٩٦ ، والعدد : ٨ / ٨٠٠ ، والعدد : ٩ / ٨٩٤.

وقد رثته ابنته ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشّهادتين :

عين جودي على خزيمة بالدم

ع قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشّهادتين عتوّا

أدرك الله منهم بالتّرات

قتلوه في فتية غير عزل

يسرعون الرّكوب للدعوات

إلى آخر الأبيات ، انظرها في وقعة صفّين : ٣٦٥ و ٣٦٦ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٢ / ٢٨٠ ، اسد الغابة : ٣ / ١٢٤ و ٢٨٢ ، الإصابة : ٢ / ٢٨٠ ، و : ٤ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢٨٤ طبعة الأندلس ، الاستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٢٦٨ و ٣٩٥ ، و : ٤ / ٢٠١ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٢٧ ، اسد الغابة : ١ / ٣٠٣.

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / باب ٣٢ ، و : ١٣ / ١٧١ ، صحيح مسلم : ٤ / فضائل عليّ ح ٣٦ و ٣٧ و : ٧ / ١٢٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / فضائل القرآن ، وخصائص النّسائي : ٥٠ ، تذكرة الخواصّ : الباب ١٢ ، واسد الغابة : ٢ / ١٢ ، وتأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٠٩ ، ومسند أحمد : ١ / ١٧٠ و ١٧٣ و ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ و ١٨٥ و ٣٣٠ ، و : ٣ / ٣٢ و ٣٣٨ ، و : ٦ / ٣٦٩ و ٤٣٨ ، والصّواعق المحرقة : ٢٥ المطبعة الميمنية بمصر ، وص : ٤١ المطبعة المحمّدية بمصر ، ومجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٤ ، وتأريخ دمشق لابن عساكر : ٢ / ٤٥ ح ٥٤٥ ، وكنز العمّال : ١ / ١٦٨ ح ٩٥٩ الطّبعة الأولى ، وينابيع المودّة : ٣٧ طبع إسلامبول إلخ).

انظر ، البخاريّ في صحيحه : ٢ / ٢٠٠ ، والطّيّالسي : ١ / ٢٨ / ٢٠٥ و ٢٠٩ و ٢١٣ ، وابن ماجه: ح ١١٥ ، الأصول الثّمانيّة : ٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٦٢ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ ، ابن كثير: ٥ / ٢٠٩ ، من هم الزّيديّة ، السّيّد يحيى ابن عبد الكريم الفضيل : ٥٩ ، الأمالي الخميسيّة : ١ / ١٥٦. هذا الحديث الأخذ والعمل به ثقيل وخطير ؛ ولذا سمّي «بحديث الثّقلين» ـ كتاب الله والعترة.

٢٦٤

ونسب منقطع يوم القيامة إلّا سببي ونسبي»(١) . أمّا عليّ فلو أردنا أن ندوّن

__________________

(١) أمّ كلثوم الكبرى تزوّجها عمر ابن الخطّاب ، وأصدقها أربعين ألفا ، وقيل مئة ألف

انظر ، تعليق الشّيخ المفيد في رسالته الخاصّة بهذا الموضوع ، وفي الإرشاد : ١ / ٣٥٤ ولكن بلفظ : زينب الصّغرى المكناة أمّ كلثوم ، وفي أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ أضاف : تزوّجها عمر بن الخطّاب وتحت رقم (٢٣٥) يورد عن هشام الكلبي عن أبيه عن جدّه قال : خطب عمر بن الخطّاب من عليّ أمّ كلثوم فقال : إنّها صغيرة وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٦) عن عثمان بن محمّد بن عليّ قال : خرج عمر إلى النّاس فقال زفّوني وساق الحديث ، وكذلك تحت رقم (٢٣٧) عن عكرمة عن ابن عبّاس وقال ابن الكلبي : ولدت أمّ كلثوم بنت عليّ لعمر ، زيد ، ورقية فمات زيد وأمّه في يوم واحد.

ونحن لسنا بصدد تحقيق حقيقة الزّواج ، وعدمه ؛ ولكن نشير إلى أنّ الحديث منقطع السّند ، وغير ناهض للحجّية. والطّبريّ في تأريخه : ٤ / ١١٨ لم يذكر ذلك ، ونكتفي بنقل كلام الشّيخ المفيد في جواب المسائل السّروية : ٦١ ـ ٦٣ حيث قال ؛ : إنّ الخبر الوارد بتزوّيج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر غير ثابت ، وطريقه من الزّبير بن بكّار ، ولم يكن موثوقا به في النّقل ، وكان متّهما فيما يذكره ، وكان يبغض أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وغير مأمون فيما يدّعيه على بني هاشم والحديث بنفسه مختلف ، فتارة يروى أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام تولّى العقد له على ابنته ، وتارة يروى أنّ العبّاس تولّى ذلك عنه ، وتارة يروى أنّه لم يقع العقد إلّا بعد وعيد من عمر ، وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروى أنّه كان عن إختيار ، وإيثار ، ثمّ إنّ بعض الرّواة يذكر أنّ عمر أولدها ولدا سمّاه زيدا ، وبعضهم يقول : إنّه قتل قبل دخوله بها ، وبعضهم يقول : إنّ لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : إنّه قتل ولا عقب له ، ومنهم من يقول : إنّه وأمّه قتلا ، ومنهم من يقول : إنّ أمّه بقيت بعده ، ويقال إنّه رمي بحجر بين حيين في حرب فمات ولا عقب له ، ويقال إنّه مات هو وأمّه في ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الآخر ، وصلّى عليهما عبد الله بن عمر ، وقدم زيدا على أمّه فصار سنّة ، ومنهم من يقول : إنّ عمر أمهر أمّ كلثوم أربعين ألف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمئة درهم ، ويبدوّ هذا الإختلاف فيه يبطل الحديث ، فلا يكون له تأثير على حال ، انتهى.

وسبق وأن أوضحنا بأنّ أمّ كلثوم هي بنت الخليفة الأوّل أبي بكر وهي الّتي تزوّجها عمر بن الخطّاب ، ولكن الأقلام المأجورة ، والضّغائن والأحقاد هي الّتي أثبتت أنّها بنت الإمام عليّ عليه‌السلام لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

٢٦٥

لأيّامه الشّريفة ، ومقاماته الكريمة ، ومناقبه السّنية ، لأفنينا في ذلك الطّوامير ، العرق صحيح ، والمنشأ كريم ، والشّأن عظيم ، والعمل جسيم ، والعلم كثير ، والبيان عجيب ، واللّسان خطيب ، والصّدر رحب ، وأخلاقة وفق أعراقه ، وحديثه يشهد لقديمه»(١) .

إسلام أبي طالب :

ولا بدّ من كلمة في اسلام أبي طالب ، ونحن نتحدث عن نسب حفيدته السّيّدة زينب. وقد اشتهر بين السّنّة أنّه مات على غير الإسلام ، وأجمعت كلمة الشّيعة على أنّه مات مسلما ، ولكنّى نعرف الحقّ مع أي جانب من الطّائفتين ينبغي التّمهيد بما يلي :

١ ـ إذا اتّفقت كلمة المسلمين جميعا السّنّة والشّيعة على شيء ، كان اتّفاقهم دليلا بنفسه لا يحتاج معه إلى البحث والنّظر ، وكان لكلّ مسلم أن يجزم ويعتقد بما اتّفقوا عليه دون قيد أو شرط ، وبدون ترو وتريث ، فلو قال قائل : أنّ أبا جهل مات على غير السّلام ، فلا يحقّ لأحد أن يعترض عليه ، ويطلب منه التّثبت قبل الحكم بكفره ، لأنّ المفروض اتّفاق الجميع على ذلك ، وعدم وجود قولين ، ليجب النّظر ، والتّدقيق في أي القولين أصح ، وأي الدليلين أقوى؟.

أمّا إذا اختلف المسلمون فيما بينهم ، وذهبت كلّ طائفة إلى رأي فيجب حينئذ البحث والنّظر ، ومن جزم وحكم بدون تثبت ، ولمجرد الإعتماد على الشّهرة عند أحد الفريقين فهو مقلّد جاهل ، إذ ليس كلّ ما هو موجود واقعا يجب أن يشتهر ،

__________________

(١) انظر ، مئة منقبة للجاحظ : ٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٤٥.

٢٦٦

ولا كلّ مشهور يجب أن يكون موجودا في الواقع ، ولذا قيل : «ربّ مشهور لا أصل له ، وربّ متأصّل غير مشهور». ولو سلّمنا جدلا ، لا اعتقادا أنّ الشّهرة حقّ وصدق فإنّما تكون حقّا إذا لم يقم الدّليل المحسوس الملموس على ضدّها وكذبها وقد جاء في الحديث : «ليس المخبر كالمعاين»(١) ، على أنّ الأخذ بما اشتهر عند السّنّة دون الأخذ بما اشتهر عند الشّيعة تحكّم ، وترجيح بلا مرجّح. وعليه يتحتّم طرح القولين معا ، وترك التّعصب لأحدهما ، والتّجرد للبحث النّزيه فلقد دلّت التّجارب منذ القديم على أنّ الّذين يلجأون إلى نزوات العاطفة لا يهتدون إلى خير ، ومحال أن يهتدوا ما دامت الميول هي المسيطرة ، والتّقاليد هي المتحكّمة.

٢ ـ أنّ عقيدة الإنسان ، أي إنسان لا تعرف على حقيقتها إلّا في ضوء واقعة وحياته الخاصّة ، وما يحيط بها من الظّروف والملابسات ، فهي الّتي توجّهه في سلوكه ، وآرائه ، ومعتقداته ، ومحال أن نعرف شيئا من ميوله ورغباته بمعزل عن واقعه وعالمه الخاصّ.

٣ ـ أنّه كما اشتهر بين السّنّة أنّ أبا طالب مات على غير الإسلام ، فقد أجمعت الشّيعة أنّ أبا سفيان مات على النّفاق ، واختلفت السّنّة في حسن إسلامه ، أي في نفاقه وعدمه ، قال صاحب «الإستيعاب» : «اختلف في حسن إسلام أبي سفيان ، فطائفة تروي أنّه لمّا أسلم حسن إسلامه وطائفة تروي أنّه كان كهفا

__________________

(١) انظر ، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي : ٢ / ٦٨٩ ، تأويل مختلف الحديث : ١ / ٩٧ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ٦ / ٢٩١ ح ١٧٧٨ ، تأريخ بغداد ٣ / ٢٠٠ ، غريب الحديث لابن قتيبة : ١ / ٢٦٠.

٢٦٧

للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهليّة ينسب إلى الزّندقة»(١) .

ويحتم علينا المنطق في مثل هذه الحال أن لا نجزم بإسلام أبي طالب ، ولا بحسن إسلام أبي سفيان إلّا بعد البحث والنّظر ، وأن لا نعتمد على قول أيّة فئة من الفئات بل علينا أن ننظر ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ إلى حياة كلّ من أبي طالب وأبي سفيان وظروفة الخاصّة : هل تتّجه به إلى الإسلام ، والإيمان برسالة محمّد ، أو إلى الشّرك ، ومحاربة محمّد ورسالته؟

وإنّ واقع أبي سفيان ، وكلّ ما يتّصل بتأريخه وحياته من قريب أو بعيد يتّجه إلى التّعلق بالأوثان ، والدّفاع عنها ، والتّضحية من أجلها بكلّ غال وعزيز ، حتّى ولو كان في واقعة ، وبينه وبين نفسه لا يعتقد بها ولا بشيء أبدا لأنّ الأوثان تمنحه الإمتياز والسّيادة على الضّعفاء والمساكين ، ومحمّد يجرده من كلّ ذلك ، ويدعو إلى الإخاء والمساواة ، والأوثان تبيح له السّلب ، والنّهب ، والفسق ، والفجور ، وما إليه من الرّذائل ، ومحمّد يأمر بالفضائل ، ومكارم الأخلاق ، فمحمّد ـ إذن ـ خطر على الإستقراطيّين بعامّة ، وعلى أبي سفيان بخاصّة.

هذا ، إلى العداء الموروث المتأصّل بين هاشم واميّة ، فكيف يستسلم أبو سفيان وينقاد إلى ألد أعدائه ، وقد ظهر ذلك في الحروب والمكائد الّتي نصبها للرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهل بعد هذه الأرقام المحسوسة المستمدّة من واقع أبي سفيان من شكّ ، وريب في أنّه أظهر الإسلام عن خوف لا عن إيمان ، وحقنا لدمه لا بدافع من ضميره ووجدانه؟ وهل نأخذ بالشّهرة وغير الشّهرة بعد أن انكشف الواقع كشفا حسيّا تبددت معه الشّكوك والأوهام؟ أنّ أبا سفيان لا

__________________

(١) انظر ، الإستيعاب في اسماء الأصحاب : ٤ / ٨٦ المطبوع مع الإصابة سنة (١٩٣٩ م). (منهقدس‌سره ).

٢٦٨

يرجع في سلوكه إلى عقل ، ولا دين ، ولا ضمير ، وإنّما المعيار ، والدّافع ، والمثل الأعلى عنده هي المنفعة الخاصّة لا غيرها شأن جميع الأقوياء الّذين لا يربطهم أي شيء بهذا العالم غير المصالح الشّخصيّة(١) .

أمّا واقع أبي طالب فعلى الضّد تماما من واقع أبو سفيان ، فلا يلتقيان في جهة ، ولا يتشابهان في شيء ، فأبو سفيان تأكل الضّغائن قلبه على محمّد ، وأبو طالب يحنو عليه حنو المرضع على فطيمها ، فعن طبقات ابن سعد أنّه كان يحبّه حبّا شديدا لا يحبّه ولده ، وكان لا ينام إلّا وهو إلى جنبه(٢) ، وإذا خرج أخرجه معه(٣) ،

__________________

(١) قال صاحب الإستيعاب : ٤ / ٨٨ : «لأبي سفيان أخبار رديئة ذكرها أهل الأخبار» ونحن نشير هنا إلى بعضها ، منها : ذكره صاحب الإستيعاب : ٨٧ «أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت إليه الخلافة ، وقال له : درها كالكرة إنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة وما نار.

ومنها : ما ذكره صاحب الإصابة : ٢ / ١٧٢ طبعة (١٩٣٩ م) (أنّ أبا سفيان قال في نفسه : ما أدري بم غلبنا محمّد؟ فضرب النّبيّ على ظهره ، وقال : بالله غلبك.

ومنها : ما جاء في العقد الفريد : ٥ / ١٠ طبعة (١٩٥٣ م) (أنّه حين بويع أبو بكر ، قال أبو سفيان : أنّي أرى غبرة لا يطفئها إلّا الدّم ، وجعل يطوف في أزقّة المدينة ويقول : انظر ، تأريخ اليعقوبي : ١ / ١٠٥ ، و : ٢ / ١٢٦ ، تأريخ المدينة : ٣ / ١٠٩٠ ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ١٠٥.

بني هاشم لا تطمعوا النّاس فيكم

ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكم وإليكم

وليس لها إلّا أبو حسن عليّ

فقال عمر لأبي بكر : أنّ هذا فاعل شرّا ، وكان يتألّفه على الإسلام ، فدع ما بيده من الصّدقة ، ففعل ، فرضي أبو سفيان وبايعه. انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٤٤٩ ، ابن عبد ربّه : ٣ / ٦٢.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١١٩ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٦٦ ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٥ ، الكاشف : ٣ / ٢٦٤ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٣٨٤ ، وأخرجه أبو نعيم عن الواقديّ عن شيوخه ، وذكره ابن حجر في الإصابة : ١ / ١٧٩ ، وابن سعد في الطّبقات : ١ / ١٢١ ـ ،

٢٦٩

وأبو سفيان يخشى من انتصار محمّد على مجد «اميّة» ، ويعتقد أبو طالب أنّ في انتصار أخيه المجد الدّائم والشّرف الخالد ، وأي شرف أعظم من أن يعهد الله سبحانه إلى ربيب أبي طالب بأمانته ، ويختاره على جميع خلقه؟.

هذا إذا قسنا أبا طالب بمقياس النّفعيّين والإنتهازيّين تماما كما نقيس أبا سفيان ، وقلنا : أنّ كلّا منهما يعمل بدافع من منافعه الخاصّة ، لا بوحي من عقله وضميرة فإنّ النّتيجة الحتيمة المنطقية هي إيمان أبي طالب بمحمّد ورسالته ، وجحود أبي سفيان بكلّ ما يمت إلى النّبيّ بسبب.

ولو نزّهنا أبا طالب عن الغايات والأهواء ، ونظرنا إليه كطالب للحقّ من مصدره وأدلّته لجاءت النّتيجة أيضا إيمانه بالله والرّسول ، فلقد شاهد من آيات ابن أخيه منذ طفولته إلى ما بعد النّبوّة ما لم يتسن لأحد سواه مات أبو النّبيّ قبل أن يرى ولده العظيم ، فكفله جدّه عبد المّطّلب(١) ، ثمّ توفّي الجدّ ، وللنّبيّ من العمر ثماني سنوات ، وكان قد عهد به إلى أبي طالب ، وقال له فيما قال : «استمسك به وانصره بلسانك ، ويدك ، ومالك فإنّ له شأنا وأرجو أن يبلغ

__________________

ـ والسّيوطيّ في الخصائص : ١ / ٢٠٨ ، ودلائل النّبوّة : ١ / ٢١٥ ، و : ٢ / ٢٤ ، ابن هشام في السّيرة : ١ / ١٨٠ ، والتّرمذيّ برقم «٣٦٢٤» ، والفتح : ١٠ / ٣٤٥.

(١) انظر ، شرح صحيح مسلم : ٩ / ١٤٠ ، و : ١٧ / ١٣٣ ، الدّيباج على مسلم : ٣ / ٤٠٨ و : ٦ / ١٤٨ ، تلخيص الحبير لابن حجر : ٤ / ٥٩٥ ، مسند أحمد : ١ / ٣٦٣ و : ٥ / ٨٩ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٦ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ١٥٣ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٥ و ١٨ و ٣٦٧ ، مجمع الزّوائد : ٢ / ١٨٢ و : ٨ / ٢٩٨ ، البداية والنّهاية : ٦ / ١٤١ و : ٣٠٨ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ٧ / ٤٣٣ ، صحيح ابن خزيمة : ٣ / ١٤٠ ، المعجم الكبير : ١٢ / ١٤٥ و : ٢٣ / ٢٥٥ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ٢٥٢ ، تأريخ دمشق : ٤ / ٣٩٠ و : ٧ / ٢٠٢ ، اسد الغابة : ١ / ٢٩ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٨ ، تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٥.

٢٧٠

من الشّرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده»(١) .

وكان أبو طالب يحدّث عن النّبيّ بعد أن ضمّه إليه ، ويقول :

«كنت كثيرا ما اسمع منه إذا ذهب اللّيل كلاما يعجبني ، وكنّا لا نسمي على الطّعام ، ولا الشّراب ، حتّى سمعته يقول : بسم الله الأحد ، ثمّ يأكل ، فإذا فرغ قال : الحمد لله كثيرا(٢) ، وكنت آتيه على غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السّماء ولم أرمنه كذبة قطّ ، ولا جاهليّة قطّ ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضّحك ، ولا وقف مع الصّبيان في لعب ، ولا التفقت إليهم ، وكانت الوحدة ، والتّواضع أحبّ إليه»(٣) .

ونقل ابن عساكر أنّ قحطا أصاب قريشا ، فاستسقى أبو طالب بمحمّد ، وما أن مدّ باصبعه ، حتّى أقبل السّحاب من هاهنا وهنا ، وأغدق الوادي ، وأخصب النّادي ، وفي ذلك يقول أبو طالب(٤) :

__________________

(١) انظر ، الخصائص الكبرى للسّيوطي : ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١ / ٧٠ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٢ دار الكتب العلميّة بيروت.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٠٧٨ ح ٥١٤٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٧١٠ ح ١٩٣٥ ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٩٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ٢٨٦ ح ١٤٤٤٨ ، مسند أحمد : ٥ / ٣٥٦ ح ٢٢٢٥٤.

(٣) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٥ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٤٦.

(٤) انظر ، التّأريخ الكبير لابن عساكر : ١ / ٣٣٣ طبعة الشّام ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ١٢٥ طبعة مصر ، الخصائص الكبرى : ١ / ١٢٤.

ذكر هذه القصيدة أكثر أهل السّير ، وشرحها أيضا كثيرون ، كالعلّامة الدّحلاني في أسنى المطالب في نجاة أبي طالب : ١١ ، وقال : قال ابن كثير هذه القصيدة بليغة جدّا ، لا يستطيع أن يقولها إلّا من نسبت إليه ، وهي أفحل من المعلقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى.

وأمّا سبب إنشائها فقد اختلف المؤرّخون في ذلك ط ، فقيل : إنّه قالها حين انتشر أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

٢٧١

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وكانت فاطمة بنت أسد زوّجة عمّه أبي طالب تحدّث عنه ، وتقول :

«كان في صحن داري شجرة قد يبست ، فأتى محمّد يوما إلى الشّجرة ، فمسّها بكفّه ، فصارت من وقتها وساعتها خضراء وحملت الرّطب»(١) . وفي طبقات ابن سعد : «أنّ أبناء أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا كان معهم النّبيّ شبعوا»(٢) .

وبعد أن رأى أبو طالب هذه الآيات بعينيه ، وتكرّرت عليه مرّات ومرّات ، وبعد أن سمع من أبيه وغير أبيه التّنبؤات ، يقال له : أنّه مات على غير الإسلام ، وهو ذو العقل الكبير ، والنّظر البعيد؟. وهل عرب البادية وغيرهم من المهاجرين والأنصار أرجح عقلا من أبي طالب أو رأوا وشاهدوا من آيات محمّد أكثر ممّا رأى وشاهد أو كانوا ألصق به وأقرب إليه من عمّه؟. وبعد ، فبأي منطق أخذ الباحث ، وبأي مقياس قاس أبا طالب ، فالنّتيجة أنّ عدم إسلامه مستحيل أو شبه مستحيل.

__________________

ـ وخاف أبو طالب أن تعاضد العرب قومه على قلعهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أنشأها وتلاها عليهم وسمعها الأشراف تعوذوا بها. وقيل : إنّه قالها في الشّعب وفي بعض أبياتها ما يؤيد ذلك.

انظر ، ابن هشام في سيرته : ١ / ٢٨٦ ، أبا هفان العبدي في ديوان أبي طالب : ٢ ـ ١٢ ، ابن أبي الحديد في شرح النّهج : ٢ / ٣١٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٥٣ ، إرشاد السّاري : ٢ / ٢٢٧ ، المواهب اللّدنية: ١ / ٤٨ ، عمدة القاريّ : ٣ / ٤٣٤ ، خزانة الأدب : ١ / ٢٥٢.

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٦ ، العدد القوّية لعليّ بن يوسف الحلّي : ١٢٨.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٠ طبعة دار بيروت سنة (١٩٥٧ م). (منهقدس‌سره ).

تأريخ دمشق : ٣ / ٨٦ ، البداية والنّهاية : ٢ / ٣٤٤ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ١ / ٢٤٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ١٣٥.

٢٧٢

أنّ من شكّ بإسلام أبي طالب فقد شكّ بنبوّة محمّد ، من حيث لا يدري ولا يشعر إذ لا يمكن بحال أن نجمع بين القول بأنّ النّبيّ أتى بالبرهان القاطع على نبوّته ، وبين القول بأنّ أبا طالب غير مسلم ، مع العلم والتّسليم بصحة إدراكه ، ورجحان عقله ، وخبرته التّامة بحقيقة ابن أخيه ، وشدّة حبّه وإخلاصه له. فكلّ من قال بأنّ محمّد أتى بالدّليل الكافي الوافي يلزمه القول بإسلام أبي طالب ، وكلّ من قال بعدم إسلامه يلزمه القول بأنّ النّبيّ لم يقم الدّليل المقنع بذاته على نبوّته ، والتّفكيك جهل وتحكم وبكلمة أنّ عدم إسلام أبي طالب ـ لو فرض ـ يدل على أنّ في الواقع سرّا يستدعي عدم الإيمان بمحمّد حاشا لله ولرسوله ، ولكافله ، وحاميه ، والذّاب عنه وعن رسالته.

وربّ من يسأل ويقول : ما هو السّبب للتّشكيك بإسلام أبي طالب ما دام بهذه المنزلة والوضوح؟.

الجواب : أنّ القول بنفي الإسلام عن أبي طالب جاء جوابا للقول بنفاق أبي سفيان أليس أبو طالب والد عليّ أمير المؤمنين ، وأبو سفيان والد معاوية؟! ولا بدّ من الموازنة ، وترجيح هذا على ذلك ، أو المساواة بينهما على الأقل

سؤال ثان : لماذا لم يجاهر أبو طالب بإسلامه منذ اليوم الأوّل لدعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كما فعل ولده عليّ؟.

الجواب :

أوّلا : أنّه جاهر بذلك فيما قاله من الشّعر الّذي في كتب السّير والتّأريخ ، ومنه قوله:

٢٧٣

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البرية دينا(١)

لو لا الملامة أو حذار مسبّة

لوجدتني سمحا بذاك مبينا

ودعوتني وعرفت أنّك ناصحي

ولقد صدقت وكنت فيه أمينا(٢)

ثانيا : أنّ الإسلام كان ضعيفا في بدء الأمر ، وقد تألّبت عليه قوى الشّرك من كلّ جانب ، فكان من صواب الرّأي ، والخير للإسلام ونبيّه أن يكتم أبو طالب إيمانه إحكاما لخطة الدّفاع ، وهذا كثيرا ما يحدث بين أصحاب المباديء ، فلقد كتم مؤمن من آل فرعون إيمانه ليمكّنه الدّفاع عن موسىعليه‌السلام :( وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ) (٣) . وأمر رسول الله نعيم من مسعود الأشجعي أن يكتم إيمانه في وقعة الأحزاب ، ليخذّل بين اليهود وقريش ، بل أذن له أن يقول فيه ما يشتهون(٤) .

وقال السّيّد محسن الأمين في الأعيان :

__________________

(١) انظر ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠.

(٢) هذان البيتان هما من قصيدته النّونيّة الّتي قالها «أبو طالب» لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخافته قريش أوّلها :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتّى أوسّد في التّراب دفينا

انظر ، تفسير الثّعلبيّ ، والّذي قال فيه : «قد اتّفق على صحّة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب ، ديوان أبي طالب : ١٢ ، السّيرة النّبوّية لزيني دحلان هامش السّيرة الحلبية : ١ / ٩١ ، و ٢١١ ، شرح ابن أبي الحديد :

٣ / ٣٠٦ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٢٠ ، فتح الباري : ٧ / ١٥٣ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمدية للقسطلاني : ١ / ٦١ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ٤٢ ، الواحديّ في أسباب النّزول : ١٦١ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٤٠٦ ، الإصابة : ٧ / ٢٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٥٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٤ / ٥٥ ، الكاشف : ١ / ٥٠٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٥٦ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٤٦٤.

(٣) غافر : ٢٨.

(٤) انظر ، فتح الباري : ٧ / ٣٩٣ ، فيض القدير : ٣ / ٤١١.

٢٧٤

«لو جاهر أبو طالب بإسلامه لم يمكنه ما أمكنه من نصرة رسول الله»(١) .

وقال صاحب السّيرة الحلبيّة : «وكان من حكمة أحكم الحاكمين بقاء أبي طالب على دين قومه ، لما في ذلك من المصالح الّتي تبدو لمن تأملها»(٢) .

ويأبى الله سبحانه إلّا أن يقيم الشّواهد على الحقّ ، ولو على لسان الجاحدين والمعاندين أنّ هذا القائل ينكر إيمان أبي طالب ، ويعترف في الوقت نفسه أنّ مصلحة الإسلام تستدعي ذلك ، وذهل عن بديهة لا تقبل الشّك ، وهي أنّ الكفر بالله قبيح في ذاته ، وأنّه لم ولن تكون فيه مصلحة ولا حكمة مهما تكن الظّروف والبواعث والأهداف وأيضا ذهل أنّ الغرض المطلوب يتحقّق في كتم الإيمان ، كما فعل نعيم بن مسعود ، ومؤمن آل فرعون ، ولو شاء الله عدم إسلام أبي طالب لمصلحة النّبيّ لكان كفره أفضل من إيمانه بل وجب أن يؤاخذ ويعاقب على الإسلام والإيمان بالله ورسوله ولا قائل بهذا الهجر ، والهذايان أحد فتعيّن ـ إذن ـ القول بأنّ كتم إيمانه ، جمعا بين مصلحة الإسلام ، وقبح الكفر.

وقد وضعت كتب خاصّة في إسلام أبي طالب ومناقبه ، فليرجع إليها من أراد التّفصيل ، تسهيلا على القاريء نزوده بهذين الرّقمين :

الأوّل : جاء في السّيرة النّبوّة لابن هشام أنّ أبا طالب قال لولده عليّ : «أنّ محمّدا لم يدعك إلّا إلى خير ، فالزمه»(٣) . ولا معنى للإسلام إلّا الإعتراف بأنّ

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣ / ٥ طبعة (١٩٦٠ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ ، «باب وفاة أبي طالب وزوّجته». (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، السّيرة النّبوّة لابن هشام : ١ / ٢٤٧ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ). وانظر ، الإصابة لابن حجر : ـ

٢٧٥

دعوة محمّد خير يجب اتّباعه والإلتزام به.

الثّاني : جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد ، وفي السّيرة الحلبيّة : «أنّ عليّا حين أخبر النّبيّ بموت أبيه (أبي طالب) بكى ، وقال : إذهب ، فاغسله وكفّنه ، وواره ، غفر الله له ورحمه»(١) .

__________________

ـ ٤ / ١١٦ ، رقم «٦٨٤» الكنى تأريخ الطّبري : ٢ / ٢١٤ ، عيون الأثر : ١ / ٩٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، أسنى المطالب : ١٠.

(١) انظر ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ١ / ١٢٣ طبعة (١٩٥٧ م) ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٤٦٧ (باب وفاة أبي طالب) (منه قدس‌سره). انظر ، السّنن الكبرى : ١ / ٣٠٥ ح ١٣٥٤ ، الدراية في تخريج أحاديث الهداية : ١ / ٢٣٦ ح ٣٠٧ ، تلخيص الحبير : ٢ / ١١٥ ح ٧٥٤ ، نصب الرّاية : ٢ / ٢٨١ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٣ / ٣١٤ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، معجم القبور : ١ / ٢٠٤ ، العقد الفريد : ٢ / ٣١٥ طبعة الجماليّة بمصر.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، أسنى المطالب : ٢١ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبيّة : ١ / ٣٧٣ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، السّيرة الحلبيّة لدحلان : ١ / ٩٠ ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٨٤ ، أسنى المطالب : ٢١.

وقال : أنا أموت على ملّة عبد المطّلب ، ثمّ مات. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب ، تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث وأمثاله. وانظر ، المواهب اللّدنيّة بالمنح المحمديّة للقسطلاني : ١ / ٦٢ ، الرّوض الأنف : ٤ / ٢٩ ، ولكنّ المسعوديّ يرى في عبد المطلب ، أنّه قد قال فيه : أنّه مات مسلما لمّا رأى من الدّلائل على نبوّة محمّد ٩ ، وعلم أنّه لا يبعث إلّا بالتّوحيد. وانظر ، الحاوي للفتاوي : ٢ / ٢١٩ ، الإصابة : ٧ / ١٩٨ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٦٠ ، مشكل الآثار للطّحاوي : ١ / ١٠٨ ، العلل المتناهية لابن الجوزيّ : ٢ / ٤٢١ ، مستدرك الحاكم : ١ / ٣٧٣ ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٢ / ٣٤٦ ، السّيرة النّبوّية لابن هشام : ٢ / ٥٩ ، دار إحياء التّراث العربي بيروت ، ابن حجر في فتح الباري : ٧ / ١٩٣.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله بحقّه : وصلت رحمك وجزاك الله خيرا يا عمّ. انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه ـ

٢٧٦

وما كان النّبيّ ليأمر بتجهيّز من أشرك وألحد ، ويطلب له من الله الرّحمة والرّضوان وغريب حقّا أن يحتاج إسلام أبي طالب إلى دليل ، وأن يكون محلا للتّساؤل ، وهو الّذي كفل رسول الله صغيرا ، ونصره كبيرا ، ولاقى من أجله أشدّ البلاء والعناء ، حتّى أنّ أحدا لم يطمع برسول الله ، وأنّ الله لم يأمره بالهجرة إلّا بعد وفاة عمّه أبي طالب غريب أن يكون إسلام أبي طالب محلا للتّساؤل ، وقد اتّفقت الكلمة على أنّه لو لا أبو طالب لقضي على دعوة محمّد ، وهي في المهد ، ولم يكن للإسلام عين ولا أثر.

فاطمة بنت أسد

وأبوها أسد أخو عبد المطّلب جدّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهيّ أوّل هاشميّة(١) . تزوّجها هاشمي ، ولم يتزوّج أبو طالب بغيرها ، وولدت له طالبا ، ولا عقب له ، وعقيلا ، وجعفرا ، وعليّا ، وكلّ واحد أسنّ من الآخر بعشر سنين ؛ وأمّ هاني ، واسمها

__________________

ـ أبي طالب ، تأليف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقيقنا ، لتجد مناقشة هذا الحديث والآية. انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ٣١٤ ، معجم القبور : ١ / ١٩١ و ٢٠٤ ، شيخ الأبطح : ٤٣ ، تذكرة الخواصّ : ١٠ ، إيمان أبي طالب : ١٠ ، الطّبقات الكبرى : ١ / ١٠٥ ، السّيرة الحلبية : ١ / ٣٧٣ ، أسنى المطالب : ٣٥ ، تأريخ ابن كثير : ٣ / ١٢٥ ، الإصابة : ٤ / ١١٦ ، الحجّة على الذّاهب إلى تكفير أبي طالب لابن فخّار : ١٤٥.

(١) انظر ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٥ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا.

٢٧٧

فاختة(١) .

ولمّا كفل أبو طالب محمّدا أنزلته من قلبها منزلة الأحشاء ، وجعلته نصب عينيها ، إن غاب عنها لحظة لم يغب مثاله ، ولم تفقد شخصه ، وتذهل عن كلّ شيء ، حتّى يحضر ، فتشتغل بتغذيته ، وغسله ، وتنظيفه ، وتلبيسه ، وتدهينه ، وتعطيره ، وإصلاح شأنه فإذا كان اللّيل اشتغلت بفرشه ، وتوسيده ، وتمهيده ، فكانت لا تغفل عنه وعن خدمته لحظة في ليل ولا نهار ، وكان يسميها أمّي.

ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله بقميصه ، وأمر(٢) من يحفر قبرها ، فلمّا بلغوا اللّحد حفره بيده ، واضطجع فيه ، وقال ، «أللهمّ اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها ، فقيل له : يا رسول الله! رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها ، فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة ، واضطجعت في قبرها ، ليوسع الله عليها ، وتأمن ضغط القبر ، أنّها كانت من أحسن خلق الله صنعا إليّ بعد أبي طالب»(٣) .

صنع النّبيّ بها هذا وفاء لإحسانها ، واعترافا بجميلها ، ومع هذا فقد جعله دون إحسان عمّه أبي طالب ، لأنّها أحسنت إليه بالذات ، وعمّه أحسن للإسلام

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته. انظر ، كتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩. لا حظت ، وأنا اتّتبع كتب الفضائل أنّ ما من منقبة يذكرها الشّيعة لأهل البيت إلّا وفي كتب السّنّة مثلها.

(٢) أمر ، اسامة بن زيد ، وأبا أيوب الأنصاري ، وعمر بن الخطّاب ، وغلاما أسود. (منهقدس‌سره ).

(٣) انظر ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٢٨ / ٣٠٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ١٤ ، الإمامة والسّياسة :

١ / ٧٥ في الهامش رقم (٢) ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقيقنا ، النّعيم المقيم لعترة النّبأ العظيم ، محمّد بن عبد الواحد الموصليّ : ١٤٥ ، بتحقّيقنا ، طرز الوفا في فضائل آل المصطفى : ٢٩٧ ، بتحقّيقنا ، تذكرة الخواصّ : ٢٠ ، المناقب لابن المغازلي : ٦ ، وكتاب «مناقب آل أبي طالب» : ٢ / ١٩.

٢٧٨

والمسلمين جميعا ولو لا دفاع أبي طالب وسيف ولده عليّ لما قام للإسلام قائمة ، ولما عاش فى ظلّه إنسان وغريبة الغرائب أن يعترف النّبيّ بأنّ لعمّه حقوقا دونها حقوق الأمّهات على الأبناء ، ثمّ يقول من يدّعي الإسلام : أنّه في ضحضاح من نار(١) ، لا لشيء إلّا لأنّ في هذا الإفتراء مسّا بعليّ وخلافة عليّ وبالتالي ، فإنّ على الباحث المنصف أن يضع هذه الحقيقة في حسابه ، وهو يقرأ أو يسمع لمن أنكر إسلام أبي طالب عليه أن يقف موقف المدقق الّذي ينظر إلى أبعد الأسباب والدّوافع ، لا موقف الجاهل المقلّد الّذي لا يعرف إلّا المظاهر ، ويؤمن بالكلمة المطبوعة ، لا لشيء إلّا لأنّها مطبوعة ، وكفى.

__________________

(١) بفتح الضّاد المعجمة بعدها الحاء المهملة السّاكنة : هو في الأصل مارقّ من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنّار ، ذكره (ابن الأثير في حرف الضّاد) بعد أن ذكر الحديث المذكور. وحديث الضّحضاح ، هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الّتي وضعها الوضّاعون لبني أميّة خاصّة. فقد ورد في صحيح مسلم : ١ / ١٣٤ و ١٣٥ باب شفاعة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي طالب ، وصحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠١ باب قصّة أبي طالب.

انظر ، ترجمة رواة الحديث في تهذيب التّهذيب : ٧ / ٤١ ، ميزان الإعتدال للذّهبي : ٣ / ٩٦ و ١٥١.

انظر ، بلوغ المآرب في نجاة آبائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمّه أبي طالب تألّيف العلّامة السّيّد سليمان الأزهريّ اللّاذقيّ ، بتحقّيقنا. فقد عالج الحديث الموضوع دلالة وسندا.

٢٧٩
٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528