الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68943 / تحميل: 4503
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وهو على هذه الحال ، فأنكر عليه أشدّ الإنكار بعد أن علم أنّ الرّأس هو رأس الحسين ، وقال له فيما قال : هل سمعت يا يزيد! حديث كنسية الحافر؟

قال : وما هيّ؟.

قال الرّومي : عندنا مكان يقال بأنّ حمار عيسىعليه‌السلام مرّ به ، فبنينا فيه كنيسة الحافر(١) نسبة إلى حافر حمار عيسىعليه‌السلام ، ونحن نحجّ إلى المكان في كلّ عام ، ومن كلّ قطر ، ونهدي إليه النّذور ، ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، فأشهد أنّك على باطل ، فأمر يزيد بقتل الرّسول. فقام الرّومي إلى الرّأس فقبّله وتشهد الشّهادتين ، ثمّ أخذ ، وصلب على باب القصر!(٢) .

وقال الأستاذ العقّاد في كتاب «أبو الشّهداء» ، تحت عنوان الحرم المقدّس : «عرفت قديما باسم كور بابل ثمّ صحفّت إلى كربلاء ، فجعلها التّصحيف عرضة لتصحيف آخر يجمع بين الكرب والبلاء ، كما وسمها بعض الشّعراء.

ولم يكن لها ما تذكر به في أقرب جيرة لها فضلا عن أرجاء الدّنيا البعيدة منها فليس لها من موقعها ، ولا من تربتها ، ولا من حوادثها ما يغري أحدا

__________________

(١) بين عمّان والصّين بحر مسيرة سنة ليس فيها عمران إلّا بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها. ومنها يحمل الكافور والياقوت ، أشجارهم العود والعنبر ، وهي في أيدي النّصارى لا ملك لأحد من الملوك فيها سواهم ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلقة ، فيها حافر يقولون إنّ هذا حافر حمار كان يركبه عيسى ، وقد زينوا حول الحقّة بالذّهب والدّيباج ، يقصدها في كلّ عام عالم من النّصارى ، ويطوفون حولها ، ويقبّلونها ، ويرفعون حوائجهم إلى الله تعالى. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، نور العين في مشهد الحسين للإسفراييني : ٨٠ ، نهج الإيمان لابن جبر : ٦١٠ ، الصّواعق المحرقة : ١١٩ ، مثير الأحزان : ٨٢ ، مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي : ٢٢٩ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ١١١.

٨١

برؤيتها ، ثمّ يثبت في ذاكرة من يراها ساعة يرحل عنها.

فلعلّ الزّمن كان خليقا أن يعبر بها سنة بعد سنة ، وعصرا بعد عصر دون أن يسمع لها اسم ، أو يحس لها بوجود وشاءت مصادفة من المصادفات أن يساق إليها ركب الحسين بعد أن حيل بينه وبين كلّ وجهة أخرى ، فاقترن تأريخها منذ ذلك اليوم بتأريخ الإسلام كلّه. ومن حقّه أن يقترن بتأريخ بني الإنسان حيثما عرفت لهذا الإنسان فضيلة تستحق بها التّنويه والتّخليد.

فهيّ اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذّكرى ، ويزوره غير المسلمين للنّظر والمشاهدة ، ولكنّها لو أعطيت حقّها من التّنويه والتّخليد ، لحقّ لها أن تصبح مزارا لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة ، وحظّا من الفضيلة ، لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك الّتي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها»(١) .

هذه شهادة حقّ من خبير منصف ، لقد اقترن تأريخ كربلاء بتأريخ الإسلام كلّه ، فما من كتاب في تأريخ العرب والمسلمين إلّا ولكربلاء منه الحظّ الأوفر ، كما ظهر أثرها في كتّاب الغرب ، ودواوين الشّعراء ، وما ذكرت على لسان ، أو في كتاب إلّا بالإكبار والتّعظيم ، ولو لا الحسين لم تكن شيئا مذكورا :

ما روضة إلّا تمنّت أنّها

لك مضجع ولخطّ قبرك موضع(٢)

__________________

(١) انظر ، كتاب «أبو الشّهداء الحسين بن عليّ» : ١١٢ ، طبعة القاهرة.

(٢) انظر ، معجم الأدباء لياقوت الحموي : ١١ / ١١٠.

٨٢

من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام (١)

__________________

(١) سمي زين العابدين لكثرة عبادته وهو الإمام الرّابع عليّ مذهب الإماميّة.

انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠٠ ، تهذيب التّهذيب للعسقلاني : ٧ / ٣٠٦ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤. ولد الإمام زين العابدين عليه‌السلام بالمدينة الشّريفة يوم الخميس خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين في أيّاما جدّه عليّ بن أبي طالب قبل وفاته بسنتين (انظر ، أخبار الدّول : ١٠٩ ، مطالب السّؤول : ٢ / ٤١ ، تأريخ الأئمّة لابن أبي ثلج : ٤).

وكنيته المشهورة : أبو الحسن ، وقيل : أبو محمّد ، وقيل : أبو بكر (انظر ، بحر الأنساب : ٥٢ ، صبح الأعش : ١ / ٤٥٢ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ٢٧٧ ، بتحقّيقنا).

وألقابه كثيرة : أشهرها زين العابدين ، وسيّد العابدين ، والزّكي ، والأمين وذو الثّفثات (انظر ، ذخائر العقبى : ١٥١ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٦).

وصفته : أصفر قصير نحيف (انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٨٠ ، بتحقيقنا).

توفّي عليّ زين العابدين عليه‌السلام في ثاني عشر المحرّم (انظر ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، تأريخ الملوك للقرماني : ١١١) سنة أربع وتسعين من الهجرة ، وكان عمره إذ ذاك سبعا وخمسين سنة (انظر ، المعارف لابن قتيبة : ٢١٥ ، مطالب السّؤول : ٧٩ ، الصّواعق المحرقة لابن حجر : ١٢٠).

وله خمسة عشر ولدا (انظر ، الصّواعق المحرقة : ٢٠١ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٨٦ ، النّجوم الزّاهرة : ١ / ٢٠٢). ما بين ذكر وأنثى ، أحد عشر ذكرا ، وأربع إناث ، وهم : محمّد المكنّى بأبي جعفر الملقّب بالباقر ، أمّه أمّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ عمّ عليّ زين العابدين ، وزيد ، وعمر ، أمّهما أمّ ولد ، وعبد الله ، والحسن والحسين أمّها أمّ ولد ، والحسين الأصغر ، وعبد الرّحمن ، وسلمان أمّهم أمّ ولد. وعليّ وكان أصغر ولد عليّ بن الحسين ، وخديجة ، أمّهما أمّ ولد ، وفاطمة ، وعليّة ، وأمّ كلثوم ، أمّهن أمّ ولد.

٨٣

كان من أخلاق زين العابدين ، وما أخلاقه إلّا أخلاق أبيه الحسين ، وما أخلاق الحسين إلّا أخلاق أبيه عليّ ، وما أخلاق عليّ إلّا أخلاق ابن عمّه محمّد ، وما أخلاق محمّد إلّا أخلاق القرآن الّتي عبّر عنها الرّسول بقوله : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(١) . والّتي شهد الله بها لرسوله في محكم كتابه العزيز( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٢) ، وكلّ واحد من أئمّة أهل البيت على خلق جدّه النّبيّ المختارصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كان من أخلاق الإمام زين العابدينعليه‌السلام الإحسان لمن أساء إليه ؛ فقد روي أنّه كان له ابن عمّ يؤذيه ، فكان يأتيه الإمام ليلا ، ويعطيه الدّنانير ، وهو متستّر ، فيقول له : لكن عليّ بن الحسين لا يصلني ، لا جزاه الله خيرا ، فيسمع الإمام ذلك ويصبر ، فلمّا مات انقطعت عنه الدّنانير ، فعلم أنّ الّذي كان يعطيه ويصله هو الإمام زين العابدينعليه‌السلام (٣) .

__________________

ـ فهولاء أولاده رضي الله عنهم أجمعين.

وفي بغية الطّالب : أن أولاد عليّ زين العابدين الذّكور عشرة فقط. والله أعلم (انظر ، بغية الطّالب في ذكر أولاد عليّ بن أبي طالب ، السّيّد محمّد بن طاهر بن حسين بن أبي الغيث الحسيني المعروف بابن بحر اليمني المتوفّى عام (١٠٨٦ ه‍). مخطوط ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ١٥٥ ، تأريخ أهل البيت : : ١٠٣ نقلا عن تأريخ ابن الخشّاب : ١٨٠ هامش رقم ٣٥ ، كشف الغمّة : ٢ / ٨١ ، تذكرة الخواصّ : ٣٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢١١).

(١) انظر ، بداية المجتهد : ٢ / ٣٢١ ، السّنن الكبرى : ١٠ / ١٩٢ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٤٧٠ ، نظم درّر السّمطين : ٤٢ ، كنز العمّال : ١١ / ٤٢٠ ح ٣١٩٦٩ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٢٠٩ ، كشف الخفاء : ١ / ٢١١ ح ٦٣٨ ، مكارم الأخلاق للطّبرسي : ٨ ، مكارم الأخلاق لابن أبي الدّنيا : ٦ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٩٢ ح ١١٦٤ ، تكملة حاشية ردّ المحتار : ١ / ٢٣٤.

(٢) القلم : ٤.

(٣) انظر ، تأريخ مختصر دمشق : ١٧ / ٢٤٠ و ٢٣٥ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٥٧ و ١٦٢ ، سير ـ

٨٤

وكان هشام بن إسماعيل(١) واليا على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان ، وكان أيّام ولايته يتعمّد الإساءة إلى الإمام زين العابدينعليه‌السلام ، ولمّا حكم الوليد بعد والده عبد الملك عزل هشاما ، وأمر أن يوقف في طريق عام ، ويعرض للنّاس ، كي يقتص منه كلّ من أساء إليه أيّام ولايته ، فكان الّذين يمرون به من الّذين ظلمهم ، وأساء إليهم يشتمونه ، ويضربونه ، ويطالبونه بردّ ظلامتهم ، وكان أخوف ما يخاف من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لكثرة ما أساء إليه.

ولكنّ الإمامعليه‌السلام جمع أهله وخاصّته ، وأوصاهم أن لا يتعرض له أحد منهم بما يكره ، وكان يمر به فيسلم عليه ، ويلطف به ، ويقول له : انظر ، إلى ما أعجزك من مال تطالب به ، فعندنا ما يسعدك فطب نفسا منّا ومن كلّ من يطيعنا(٢) . فقال هشام :( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) (٣) .

وبعد مذبحة كربلاء ثار أهل المدينة على الأمويّين وطردهم منها ، وأراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله وأولاده ، ويأمن عليهم عند من يحميهم من القتل ، والتّشريد ، فلم يقبلهم أحد ، فضمّهم الإمام زين العابدين إلى عياله ، وحماهم بكنفه ، وأحسن إليهم ، ودافع عنهم ، ولم يدع أحدا يصل إليهم بسوء(٤) .

__________________

ـ أعلام النّبلاء : ٤ / ٣٩٧ ، الطّبقات الكبرى : ٢١٤ ، كشف الغمّة : ٢ / ٧٥.

(١) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٧ / ٣٠٦ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ٧١ ، شذرات الذّهب : ١ / ١٠٤.

(٢) انظر ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٦٠ ، تذكرة الخواصّ : ٣٢٨ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣١٧ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٥٢٦ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٣٣ ، الطّبقات الكبرى : ٥ / ٢٢٠.

(٣) الأنعام : ١٢٤.

(٤) انظر ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٥٤ ، تهذيب الكمال : ٣ / ٤٥٤ ، كانت وقعة الحرّة سنة (٦٣ ه‍).

٨٥

والحكم والد مروان كان يؤذي الرّسول في مكّة ، ويستهزيء به ، ويخبر عنه المشركين ، وقد عفا النّبيّ عنه فيمن عفا من الأمويّين يوم الفتح(١) . وابنه مروان قاد الجيوش يوم الجمل(٢) مع عائشة ، وطلحة ، والزّبير لحرب أمير المؤمنين عليّ ، وعفا عنه بعد أن وقع أسيرا في قبضته ، فتركه لينضم إلى معاوية يحارب

__________________

(١) انظر ، النّزاع والتّخاصم فيما بين بني أميّة وبني هاشم : ٢٣ ، السّيرة النّبويّة : ٢ / ٨٢ ، طبعة ٢ مصر ، شرح النّهج : ١ / ٦٦ و ٢٣٣ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٣٧ و : ٣٤٥ ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ٦٥ و ٧٣ ، الطّبريّ : ٥ / ٨٠ و ٩٤ ، مسند أحمد : ٥ / ١٥٥ و ١٦٦ ، و : ٦ / ٤٥٧ ، كنز العمّال : ٦ / ١٧٠ ، العقد الفريد : ٣ / ٩١ ، المعارف لابن قتيبة : ٨٤ ، تأريخ أبي الفداء : ١ / ١٦٨ ، الإصابة : ٣ / ٦١٩ ، سنن البيهقيّ : ٨ / ٦١ ، الطّبقات لابن سعد : ٥ / ٨ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٢٨ ، كنز العمّال : ١١ / ٦٨٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٢١٤ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٣٤ ـ ٣٨.

(٢) ذكر قصّة الجمل ، وكلاب الحوأب ، الطّبري في تأريخه : ٣ / ٤٧٥ ، واسم جمل أمّ المؤمنين يسمّى «عسكرا» وكان عظيم الخلق شديدا ، فلمّا رأته أعجبها ، وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته ، وشدّته ، ويقول في أثناء كلامه «عسكر» فلمّا سمعت هذه اللّفظة استرجعت ، وقالت : ردّوه لا حاجة لي فيه ، وذكرت حين سئلت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر لها هذا الاسم ، ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره ، فلم يوجد لها ما يشبهه فغيّر لها بجلال غير جلاله ، وقيل لها : قد أصبنا لك أعظم منه خلقا ، وأشدّ منه قوّة ، واتيت به فرضيت!

انظر ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٦ / ٢٢٤ ، وفي : ٦ / ٢٢٧ (أنّ عائشة ركبت يوم الحرب الجمل المسمّى عسكرا في هودج قد البس الرّفوف ، ثمّ البس جلود النّمر ، ثمّ البس فوق ذلك دروع الحديد) ، في تأريخ ابن أعثم : ١٧٦ مثله ، وزاد الطّبريّ في تأريخه : ٥ / ٢١٢ ، وابن الأثير : ٣ / ٩٧ أنّ ضبّة ، والأزد أطافت بعائشة يوم الجمل. وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل يفتّونه ـ يكسرونه بأصابعهم ـ ويشمّونه ويقولون : بعر جمل امّنا ريحه ريح المسك

مروج الذّهب : ٢ / ٣٦٦ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٧٨ ، وطبعة اوروبا : ١ / ٣١٢٧ ، ابن كثير في تأريخه : ٦ / ٢١٢ ، السّيوطي في خصائصه : ٢ / ١٣٧ ، والبيهقيّ ، والمستدرك : ٣ / ١١٩ ، والإصابة : ٦٢ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، مسند أحمد : ٦ / ٩٧ ، السّمعاني في ترجمة الحوأب في الأنساب ، والسّيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٠ ، ومنتخب الكنز : ٥ / ٤٤٤.

٨٦

عليّا في صفّين(١) ، وبعد أن استتب الأمر لمعاوية ، ونصّب مروان واليا على المدينة جعل مروان يؤذي الإمام الحسن ، ويجرّعه الغيظ(٢) ، ثمّ كانت مجزرة الطّفّ ، وظهرت مخازي الأمويّين في أبشع صورها.

وبعد هذا كلّه لا يصفح الإمام زين العابدين عن أسواء اميّة ، ويتجاهلها فحسب ، بل أحسن إليهم ، وحمى لهم العيال والأطفال ، وضمّهم إلى أهله وأولاده ، ودفع عنهم السّوء والأذي ، هذا بعد أن ذبح الأمويون أخاه الرّضيع(٣) ، وأوطأوا الخيل صدر أبيه وظهره(٤) ، وأسروا الإمام زين العابدين مع عمّاته مكبّلا بالحديد ، وهو لما به من الأسقام والآلآم(٥) .

ويعجب كلّ من عرف هذه الحقيقة ، ويتساءل في حيرة وذهول : كيف فعل الإمام زين العابدين هذا الفعل مع من وقف ذاك الموقف معه ، ومع جدّه ، وأبيه ، وعمّه ، واخوته ، ونسائه؟! وهل هذا حلم وعقل ، أو إنسانيّة ورحمة؟!.

__________________

(١) انظر ، الاسيعاب : ٦٤ ـ ٦٧ ، وقعة صفّين : ٤٦٢ طبعة ٢ سنة ١٣٨٢ ه‍ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦١ و : ٢ / ٣٠١ ، تهذيب ابن عساكر : ٣ / ٢٢٠ ، تأريخ الطّبريّ : ٦ / ٨٠ ، و : ٤ / ٢٠ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٤١ ، تأريخ دمشق : ٣ / ٢٢٢ ، نهاية الأرب للقلقشندي : ٣٧١ ، مروج الذّهب بهامش ابن الأثير : ٦ / ٩٣ ، الجمهرة : ٢٢٨ و ٣٩١ ، اسد الغابة : ٣ / ٣٤٠ ، و : ١ / ١٨٠ ، ابن الأثير : ٣ / ١٥٣.

(٢) انظر ، المقاتل : ٤٣ ، أنساب الأشراف : ١ / ٤٠٤ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٤ / ١١ و ١٧ : تأريخ الخلفاء : ١٣٨ ، الإصابة الصّواعق المحرقة : ٨١ ، مروج الذّهب بهامش الكامل : ٢ / ٣٥٣ ، ٦ / ٥٥ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٢٦ ، وأسماء المغتالين من الأشراف : ٤٤ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٥ ، ابن شحنة بهامش ابن الأثير : ١١ / ١٣٢.

(٣) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤٢ ، المعارف : ٢١٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٣٦٢ ، مقاتل الطّالبيين : ٩٤ ، الأغاني : ١٤ / ١٦٣ ، المسعودي في ينابيعه : ٣ / ٧٧ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٣٢.

(٤) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣١٤ ، والكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٨٤.

(٥) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، مقتل الخوارزمي : ٢ / ٦١.

٨٧

والجواب : أنّ هذا سمو وترفع عن كلّ ما في هذه الحياة. سمو عن طبائع البشر ، وانفعالات النّاس. وعمّا يشترك فيه أنا ، وأنت ، وغيرنا. أنّ هذا من صنع الإمامة ، والعصمة لا من صنعي وصنعك ، ولا من صنع الّذين يخطبون ويعظون.

لقد عفا محمّد عن أبي سفيان ، وزوّجته هند ، وعن وحشي وغيرهم ، عفا عنهم ، لأنّه مختار من الله لا من النّاس ، وعفا عليّ عن مروان وابن العاصّ ، لأنّه إمام بإرادة السّماء لا بإنتخاب أهل الأرض ، وفعل زين العابدين ما فعل ، لأنّه الإمام ابن الإمام أبي الأئمّة الأطهار القائمين بحجّة الله على جميع خلقه.

فلا بدع إذن أن يحسن الإمام زين العابدين لمن أساء إليه ، ولا عجب أن يفعل الأمويون ما فعلوا ، وإنّما العجب أن لا يحسن الإمام لمن أساء إليه ، وأن لا يسيء الأمويون إلى من أحسن إليهم ، وإلى النّاس أجمعين(١) ، وهذا هو جواب الشّاعر الّذي قال(٢) :

وعليك خزي يا اميّة دائم

يبقى كما في النّار دام بقاك

فلقد حملت من الآثام جهالة

ما عنه ضاق لمن وعاك وعاك

__________________

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢. فهذا أبو سفيان أشدّ عداوة لرّسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في محاربته ، وغزواته تشهد بذلك ، وإنّما أسلم على يد العبّاس الّذي منع النّاس من قتله ، وجاء به رديفا ، شرّفه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكرّمه فكان جزاء ذلك من بنيه أن حاربوا عليّاعليه‌السلام ، وسمّوا الحسنعليه‌السلام ، وقتلوا الحسينعليه‌السلام ، وحملوا النّساء على الأقتاب حواسرا ، وقيّدوا بالحديد زين العابدينعليه‌السلام الّذي لمّا أوقفوه على مدرج جامع دمشق في محلّ عرض السّبايا.

(٢) انظر ، الدّر النّضيد : ٢٤٠ ، الغدير : ٦ / ٥٨١ ، القصيدة للشّيخ عليّ الشّفهيني الحلّي.

٨٨

هلّا صفحت عن الحسين ورهطه

صفح الوصي أبيه عن آباك؟

وعففّت يوم الطّفّ عفّة جدّه ال

مبعوث يوم الفتح عن طلقاك؟

أفهل يد سلبت إماءك مثلما

سلبت كريمات الحسين يداك؟

أم هل برزن بفتح مكّة حسّرا

كنسائه يوم الطّفوف نساك؟

٨٩
٩٠

حبّ الله والرّسول

( قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) (١)

أنّ هذه الآية الكريمة نصّ صريح في صفات عمر بن سعد ، حتّى كأنّها نزلت فيه بالذّات. فلقد دعاه الحسين إلى أن يكون معه ، ويدع ابن زياد ، فقال ابن سعد : أخاف أن تهدم داري. وهذا مصداق قوله تعالى :( وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها ) : قال الحسين : أنا أبنيها لك.

قال ابن سعد : أخاف أن تؤخذ ضيعتي. وهذا ما دلّ عليه قوله سبحانه :( وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها ) .

قال الحسين : أنا أخلف عليك خيرا منها.

قال ابن سعد : أنّ لي بالكوفة عيالا أخاف عليهم ابن زياد. وهذا ما أشار إليه قولهعزوجل :( وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ) (٢) .

__________________

(١) التّوبة : ٢٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣١٢ و : ٤ / ٣٤١ ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٣ / ٢٨٣ و : ٤ / ٥٥٤ ، ـ

٩١

هذا هو مبدأ ابن سعد الّذي عليه يموت ويحيا : ضيعته ، وداره ، وأهله ، وعشيرته ، أمّا الدّين والضّمير ، أمّا الله ورسوله فألفاظ يجترها ما دامت تحفظ له الضّيعة والدّار ، والأبناء والأقارب. حارب ابن سعد حسينا بدافع المنفعة الشّخصيّة ، وحبّ الدّنيا ، وكلّ من آثر المال والأهل على طاعة الله ، والرّسول فإنّه على مبدأ ابن سعد ودينه ، وإن بكى على الحسين حتّى ابيّضت عيناه ، ولعن ابن سعد في اليوم ألف مرّة ، ما دام لا يفعل إلّا بنفس الباعث الّذي بعث ابن سعد على قتل الحسين.

قال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «والّذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وأبويه ، وأهله وولده ، والنّاس أجمعين»(١) .

وإذا عطفنا هذا الحديث الشّريف على الحديث الّذي رواه السّنّة والشّيعة :

__________________

ـ الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٤ / ٥٥٤ ، الفتوح لابن أعثم : ٥ / ١٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ٢٤٥ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٨٩.

(١) انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ٩ ، مسند أحمد : ٣ / ٢٠٧ و ٢٧٥ و ٢٧٨ ، مغني المحتاج لمحمّد بن الشّربيني : ٤ / ٢٢٢ ، صحيح مسلم : ١ / ٤٩ ، شرح صحيح مسلم : ٢ / ١٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٢٦ ، كشف القناع للبهوتي : ٥ / ٣٠ : الدّيباج على مسلم : ١ / ٦٠ ، منتخب مسند عبد بن حميد : ٣٥٥ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٥٣٤ و : ٧ / ٤٨١ ح ١١٧٤٤ و ١١٧٤٦ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ و : ٦ / ٢٣ ، صحيح ابن حبّان : ١ / ٤٠٦ ، المعجم الأوسط : ٨ / ٣٥٥ ، مسند الشّاميّين : ٤ / ١٤ ح ٢٥٩٣ وص : ٩٢ ح ٣٣٣٨ ، كتاب الأربعون الصّغرى للبيهقي : ٨٥ ، كنز العمّال : ١ / ٣٧ ح ٧٠ و ٧١ وص : ٤١ ح ٩١ ، و : ١٢ / ١٨٣ ح ٣٤٥٨١ و ٣٤٥٨٤ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٦ / ٥٧١ ، الشّفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عيّاض : ١٨ ، سبل الهدى والرّشاد : ١٠ / ٤٧٦ و : ١١ / ٤٣٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٠٧ ، الإيمان لابن مندة : ١ / ٤٣٥ ، شعب الإيمان : ٢ / ١٣٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٥ / ١٥٣ ، مسند أبي يعلى : ٥ / ٣٧٨ ، السّنن الكبرى : ٧ / ٤٨١ و : ١٠ / ٣١٩ ، مسند أبي عوانة : ١ / ٣٣.

٩٢

«حسين منّي ، وأنا من حسين»(١) ، تكون النّتيجة الطّبيعيّة أنّ العبد لا يؤمن حتّى يكون الحسين أحبّ إليه من نفسه ر ، وأبويه وأهله ، وولده ، والنّاس أجمعين.

وقد وجد بين المسلمين من الرّجال ، والنّساء من أحبّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحبّ ، وفدوه بالأرواح ، والأولاد ، فلقد فرّ النّاس عنه يوم أحد ، وثبت معه الإمام عليّعليه‌السلام وأبو دجانة(٢) ، وسهل بن حنيف ، وعاصم بن ثابت ، ونسيبة بنت كعب المازنيّة ، وكانوا يتلقون الضّرب ، والطّعن عن الرّسول(٣) . وكانت نسيبة تخرج معه في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها مع من كان في أحد فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فقالت له : يا بني أين تفرّ عن الله ، والرّسول؟! فردّته وحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيفه ، وقتلت به قاتله ، فقال لها النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بارك الله فيك يا نسيبة» ، وكانت تقي الرّسول بصدرها ، وثدييها حتّى أصابتها جراحات كثيرة(٤) .

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، الكافي : ٨ / ٣١٩ ح ٥٠٢ ، تحف العقول : ٣٤٥ ، شرح الأخبار : ٢ / ٤٧٣. وانظر ، ترجمته في سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢٤٣ رقم «٣٩» ، اسد الغابة : ٢ / ٣٥٢.

(٣) انظر ، الكامل في التّأريخ لابن الأثير : ٢ / ١٠٨ و ١٤٨ ، السّيرة الحلبية : ٢ / ٢٢٧ ، تأريخ الطّبريّ :٢ / ٢٠٣ ، الدّر المنثور : ٢ / ٨٠ و ٨٨ و ٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٠ و ٢٢ و ٢٤ و ٢٥ ، و : ١٣ / ٢٩٣ ، و : ١٤ / ٢٧٦ ، البداية والنّهاية لابن كثير : ٤ / ٢٨ و ٢٩ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٣ / ٥٥ و ٥٨ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٤ / ٨٥ ، لباب الآداب : ١٧٩ ، تفسير الرّازي : ٩ / ٥٠ و ٦٧ ، كنز العمّال : ٢ / ٢٤٢ ، و : ١٠ / ٢٦٨ و ٢٦٩ ، حياة الصّحابة : ١ / ٢٧٢ ، و : ٣ / ٤٩٧ ، المغازي للواقدي : ٢ / ٦٠٩ و ٩٩٠ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٥٥ ، و : ٢ / ٤٦ و ٤٧ الطّبعة الأولى ، تأريخ الخميس : ١ / ٤١٣ و ٤٣١ طبعة آخر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٧ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١١٢.

(٤) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٤١٢ ، اسد الغابة : ١ / ٣٧٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٣١٨ ، تهذيب التّهذيب : ١٢ / ٤٢٢ ، الإصابة : ٨ / ٤٤١ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٦٥.

٩٣

وتجمّع النّاس مع الحسين ، وهو سائر في طريقه إلى العراق ، ولمّا جدّ الجدّ تفرقوا عنه ، كما تفرقوا عن جدّه من قبل ، ولم يبق معه إلّا صفوة الصّفوة من الّذين أحبّوا الله ، والرّسول وآله ، وآثروا الموت من أجلهم على الأهل والمال ، قال عابس بن أبي شبيب :

(«يا أبا عبد الله ، أما والله أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ، ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضّيم ، والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي لفعلت(١) . السّلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد أنّي على هديك ، وهدي أبيك ، ثمّ مشى بالسّيف إلى المعركة».

فرآه رجل من جيش ابن سعد ، وكان قد شاهده في المغازي ، والحروب ، فنادى بأصحابه : «أيّها النّاس هذا أسد الأسود ، هذا ابن شبيب فلا يبرز إليه أحد» ، فأخذ شبيب ينادي : ألا رجل ألا رجل ، فتحاماه العسكر ، فنادى ابن سعد : ارضخوه بالحجارة ، فرموه بها من كلّ جانب ، فالقى درعه ومغفره ، وشدّ عليهم ، فكان يطرد أمامه أكثر من مئتين»)(٢) .

وما أشبه موقف أمّ وهب في كربلاء بموقف نسيبة في أحد ، قالت لابنها

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.

٩٤

وهب : «قم يا بني! وانصر ابن بنت رسول الله. قال : أفعل يا أمّاه ، ولا أقصّر»(١) . وحمل على جيش الأعداء ، حتّى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمّه وامرأته ، وقال : يا أمّاه أرضيت؟

فقالت : كلّا ، إلّا أن تقتل بين يدي الحسين.

فقالت له امرأته : بالله عليك لا تفجعني في نفسك.

فقالت أمّه : لا تقبل منها ، ارجع وقاتل ، فيكون رسول الله شفيعا لك يوم القيامة(٢) ، فرجع ، وهو يقول :

إنّي زعيم لك أم وهب

بالطّعن فيهم تارة والضّرب

إنّي امرء ذو مرّة وعصب

ولست بالخوار عند النّكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

ولم يزل حتّى قتل تسعة عشر فارسا ، وإثني عشر راجلا ، ثمّ قطعت يداه ، فأخذت أمّه عمودا ، وأقبلت نحوه ، وهي تقول : «فداك أبي وأمّي قاتل دون الطّيبين حرم الرّسول» ، وأراد أن يردّها إلى النّساء ، فأخذت بجانب ثوبه ، وقالت : لن أعود أموت معك. فقال لها الحسين :

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ و ٤٣٦ و ٤٣٨ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، أعيان الشّيعة : ١ / ٦٠٢ ، مثير الأحزان : ٤٦ ، بحار الأنوار : ٤٥ / ١٧ ، العوالم : ٢٦٠ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٦٣ و ١٣٠ ، أمالي الشّيخ الصّدوق : ٣٢٥ ، روضة الواعظين : ١٨٧ ، لواعج الأشجان : ١٤٤.

(٢) انظر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ١٢ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣١ ، العوالم : ٣٣٨ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٢٤ ، لواعج الأشجان : ١٣٨.

٩٥

ارجعي ، جزيتم من أهل بيت خيرا». فرجعت.

وقاتل وهزب حتّى قتل ، فذهبت امرأته تمسح الدّم عن وجهه ، فبصر بها شمر ، فأمر غلاما له ، فضربها بعمود كان معه على رأسها ، فشجّها وقتلها ، وهي أوّل امرأة قتلت في عسكر الحسينعليه‌السلام (١) .

وكان غلام مع أمّه في كربلاء قتل أبوه في المعركة ، فقالت له أمّه : اخرج يا بني ، وقاتل بين يدي الحسين ، فخرج ، ولمّا رآه الحسين ، قال : هذا شاب قتل أبوه ، ولعلّ أمّه تكره خروجه. فقال الغلام : أمّي أمرتني بذلك؟ فبرز وهو يقول :

أميري حسين ونعم الأمير

سرور البشير النّذير

عليّ ، وفاطمة والداه

فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضّحى

له غرّة مثل بدر منير

وقاتل حتّى قتل. فأخذت أمّه رأسه ، وقالت : أحسنت يا بني ، يا سرور قزلبي ، ويا قرّة عيني ، ثمّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته ، وحملت عليهم وهي تقول :

أنا عجوز سيّدي ضعيفة

خاويّة بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشّريفة

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسينعليه‌السلام بصرفها ، ودعا لها(٢) .

أرأيت إلى هذه! أمّ لا ترضى عن ولدها ، وأعزّ من كبدها إلّا أن تراه مضرجا

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٢٧ ، وقعة الطّفّ : ٢١٧ ، البداية والنّهاية : ٨ / ١٩٧ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٠ ، مثير الأحزان : ٤٢ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٥٦٤.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢١ و ٢٢.

٩٦

بدمائه جثّة بلا رأس! ولا عجب أنّه حبّ الله ورسوله وعترته ، وليس كمثل الله ورسوله وعترته شيء ، فكذلك حبّهم عند المؤمنين حقّا لا يعادله شيء ، حتّى الأرواح والأبناء.

بهذا الحبّ ، بهذا الإخلاص لأهل البيت ، بهذه التّضحية ، بهذه الرّوح وحدها يستعد المؤمنون الخلّص لما بعد الموت ، بهذا الزّهد في العاجل يقفون غدا مرفوعي الرّؤوس أمام جبّار السّموات والأرض.

لقد ترك أصحاب الحسين الدّنيا وما فيها لله وفي الله ، وضحوا بالأرواح ، والأزواج ، والأبناء ، والأموال في حبّ الحسين ، ومودّة القربى ، وإعلاء كلمة الحقّ ، فكانوا مع الحسين وجدّه في الآخرة ، كما كانوا معه في الدّنيا ، وحسن أولئك رفيقا.

قال الإمام الباقرعليه‌السلام : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللهعزوجل ، ويبغض أهل معصيته فإنّ فيك خيرا ، وإن كان يحبّ أهل معصية الله ، ويبغض أهل طاعته فليس فيك خير ، والله يبغضك والمرء مع من أحب»(١) .

عجبا لقلبي وهو يألف حبّكم

لم لا يذوب بحرقة الأرزاء

وعجبت من عيني وقد نظرت إلى

ماء الفرات فلم تسل في الماء

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٧ / ١١٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٤٣ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٣٢١ ، المحاسن : ١ / ٢٦٣ ح ٣٣١ ، علل الشّرائع : ١ / ١١٧ ح ١٦ ، مصادقة الإخوان : ٥٠ ح ٣ ، بحار الكافي : ٢ / ١٢٦ ح ١١ ، بحار الأنوار : ٦٦ / ٢٤٧ ، ينابيع المودّة : ١٨٨ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم الحسنيّ ، الشّافعيّ ، السّمهوديّ ، المدنيّ : ٢٦٧ بتحقّيقنا.

٩٧
٩٨

عداء في الله

وما كلّ جدّ في الرّجال محمّد

ولا كلّ أمّ في النّساء بتول(١)

أجل ، ولا كلّ أب كعليّ ، ولا كلّ آخ كالحسن ، ولا كلّ أخت كزينب ، ولا كل ابن كزين العابدين ، ولا كلّ أصحاب كحبيب ، وزهير ، وبرير ، ولا كلّ شهيد كالحسين ، ويقف يزيد في الموقف المعاكس المناقض في نسبه وأخلاقه وأصحابه ، فلا سكّير وشرّير كيزيد ، ولا أحد أخبث من أبيه معاوية ، ولا عدوّ لله ورسوله أعدى من جدّه أبي سفيان ، ولا آكلة لأكباد الشّهداء ، كجدّته هند ، ولا أصحاب أكثر لؤما وجرما من ابن زياد ، وشمر ، وابن سعد.

قال الإمام الصّادق بقوله : «نحن وآل أبي سفيان تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله. وقالوا كذب الله»(٢) . فالعداء ، إذن ، بين الصّدق والكذب ، وبين الكفر الّذي يتمثّل بالأمويّين ، وبين الإيمان الّذي يتجسّم بأهل البيت ، وقد حاول معاوية أن يجمع الحقّ والباطل ، ويجري المصالحة بين الرّحمن والشّيطان ، فكتب إلى

__________________

(١) من قصيدة الشّيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي من شعراء الشّيعة في القرن الثّامن كما جاء في الغدير : ٦ / ٣٩٨ و : ١١ / ٢١٠.

(٢) انظر ، مجمع الزّوائد : ٧ / ٢٣٩ ، مسند البزّار : ٢ / ١٩١ ح ٥٧١ ، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم : ٣١٨ ، معاني الأخبار : ٢٤٦ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٤٦ ، المعيار والموازنة : ١٤٥.

٩٩

مروان بن الحكم ، وكان على المدينة ، أن يخطب بنت زينب بنت أمير المؤمنين ، وأبوها عبد الله بن جعفر ، أن يخطبها لابنه يزيد ، فكلّم مروان أباها عبد الله ، فقال له : أنّ أمرها إلى سيّدنا الحسين خالها ، فذهب مروان إلى الحسين ، وقال له : أنّ معاوية أمرني أن أجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، مع قضاء دينه ، وصلح ما بين هذين الحيّين ، وأن من يغبطكم بيزيد أكثر من يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد ، وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقى الغمام!

فقال الحسين : الحمد لله الّذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ، أمّا قولك يا مروان مهرها حكم أبيها ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسول الله في بناته ونسائه ، وهو أربعمئة وثمانون درهما ، وأمّا قولك عن قضاء دين أبيها فمتى كان نساؤنا يقضينّ عنّا الدّيون؟! وأمّا صلح ما بين الحيّين فنحن عاديناكم في الله ، فلا نصالحكم للدّنيا ، وأمّا قولك كيف يستمهر يزيد فقد استمهر(١) النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا قولك يزيد كفؤ من لا كفؤ له فمن كان كفؤه قبل اليوم فهو كفؤه اليوم ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا ، أمّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فإنّما ذاك وجه رسول الله ، وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبطه بنا ، فإنّما يغبطنا به أهل الجهل ، ويغبطه بنا أهل العقل ، ثمّ أشهد الحسين من حضر على أنّه زوّج ابنة شقيقته ، وكانت تدعى أمّ كلثوم ، من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب.

أراد يزيد ابن آكلة الأكباد الزّواج من بنت العقيلة زينب بنت عليّ وفاطمة ،

__________________

(١) استمهر ، أي دفع المهر.

وجعل المهر أربعمئة وثمانين درهما ، ونحلها ضيعة له ، وكانت غلتها ثمانية آلآف دينار.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وإن كانوا أهل بيت الرّسول ، بل ولو ضحّوا في سبيل الإسلام بالأرواح ، والعيال ، والأطفال! لقد أنكر بعض الكتّاب على الشّيعة قولهم بعصمة من زكّاهم القرآن ، وطهّرهم من الرّجس ، ولم ينكر على بعض السّنّة القول بعدالة الصّحابة الّذين هم على شاكلة معاوية وسمرة!

معاوية عادل ، لأنّه بذل الأموال ، والمناصب لوضع الأحاديث في القدح بأخي الرّسول في الدّنيا والآخرة! ومعاوية مؤمن ، لأنّه شجّع الإفتراء على الله ، وأمر بوضع أحاديث في فضائله مثل «كتب معاوية آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبرائيل هديّة له من فوق العرش»(١) . وهذا الحديث المفترى هو المصدر الوحيد لكتابة معاوية للوحي(٢) .

سئل النّسائي وهو في دمشق عن فضائل معاوية. فقال : ألا يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضّل(٣) ؟!».

وإذا وجد في الصّحابة مثل سمرة بن جندب ، وأبي هريرة ، وابن العاصّ يقبضون ، ويكذبون فإنّ فيهم من يناصر الحقّ ، ولا تستهويه الأموال ، والمناصب فلقد وقف جماعة لمعاوية وجابهوه بالحقيقة ، وصارحوه بمثالبه ومروقه من

__________________

(١) انظر ، سير أعلام النّبلاء : ٣ / ١٢٩ ، شرح الأخبار : ٢ / ١١١ هامش رقم «٤».

(٢) انظر ، كتاب الأضواء على السّنّة المحمّديّة : ٨١١ ، والنّصائح الكافية لمن يتولّى معاوية : ١٧٢ طبعة (١٩٤٨ م). (منهقدس‌سره ). انظر ، تلخيص الحبير : ٤ / ١٨٨ ، الإكمال لابن ماكولا : ١ / ٥٢٦.

(٣) ذهب النّسائي إلى دمشق ، وهو أحد أصحاب الصّحاح السّتة عند السّنّة ، فقيل له : حدثنا عن فضائل معاوية ، فقال : أما يرضى معاوية رأسا برأس ، حتّى يفضل؟! وقال : لا أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع الله بطنه ، فداسوه بالأرجل ، ومات بسبب ذلك. انظر ، العبر : ٣ / ٢٨ ، البداية والنّهاية : ١١ / ٣١٧ ، وفيّات الأعيان : ١ / ٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ٥٣٢ ، صحيح مسلم : ٨ / ٢٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٣٦٥ ، مسند الطّيالسي : ح ٢٧٤٦ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٢٠٤.

٢٤١

الدّين ؛ وأقوالهم مثبتة في كتب السّير والتّأريخ ، لو جمعت لجاءت في مجلّد ضخم ، وإليك بعضها :

كتب معاوية إلى سعد بن وقّاص يستحثه على الطّلب بدم عثمان فردّ عليه سعد : «أنّ عليّا أحقّ بالخلافة من غيره ، لأنّه شارك غيره في محاسنه ، ولم يشاركه أحد في محاسنه»(١) . وكتب قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري إلى معاوية جوابا له عن كتابه : «أمّا بعد فأنت وثن ابن وثن دخلت في الإسلام كرها ، وخرجت منه طوعا»(٢) .

وقالت له أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب : «لقد كفرت النّعمة ، وتسميّت بغير اسمك ، وأخذت غير حقّك بلا بلاء كان منك ولا من أبيك بعد أن كفرتم بما جاء به محمّد ، فأتعس الله منكم الجدود ، وأضرع منكم الخدود حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبيّنا هو المنصور على كلّ من ناواه ، ولو كره المشركون ، فكنّا أهل البيت أعظم النّاس في هذا الدّين بلاء ، وعن أهله غناء وقدرا حتّى قبض الله نبيّه مغفورا ذنبه مرفوعة منزلته ، شريفا عند الله مرضيّا ، فوثب علينا بعده تيم وعدي ، وبنو اميّة ، فأنت منهم تهدي بهداهم ، وتقصد بقصدهم ، فصرنا فيكم بحمد الله أهل البيت بمنزلة قوم موسى وآل فرعون يذبّحون أبنآءهم ويستحيون نسآءهم ، وصار سيّدنا فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هرون

__________________

(١) انظر ، الإمامة والسّياسة : ١ / ١٤٤ ، فتح الباري : ١٣ / ٥٧ ، قريب منه.

(٢) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ٤٣ ، الكامل للمبرد : ١ / ٣٠٩ ، البيان والتّبيّين : ٢ / ٦٨ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٣ ، عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ٢١٣ ، مروج الذّهب : ٢ / ٦٢ ، شيخ المضيرة أبو هريرة لمحمود أبو ريّة : ٩٤ ، مقتل الخوارزمي : ٢٥٨ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٣٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ٤٣.

٢٤٢

من موسى ، حيث يقول :( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، فلم يجتمع بعد رسول الله شمل ، ولم يسهل وعث ، وغايتنا الجنّة ، وغايتكم النّار»(٢) .

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠.

(٢) انظر ، العقد الفريد : ١ / ٤٥٧ ، بلاغات النّساء : ٢٧ ، محادثات النّساء : ٨٣ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٤٩ ، النّصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥٠.

٢٤٣
٢٤٤

عقيل ومعاوية

كان لأبي طالب ـ واسمه عبد مناف(١) ـ ستة أولاد : أربعة ذكور وابنتان ، طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وعليّ ، وأمّ هاني ، وجمانة وأمّهم جميعا فاطمة بنت أسد ، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ، وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين ، وجعفر أسنّ من عليّ بعشر سنين(٢) .

وليس فيما لدي من المصادر ذكر لجمانة سوى أنّها أختّ الإمام عليّ ، وأمّا أمّ هاني ، واسمها فاخته فقد أسلمت ، وتزوّجها هبيرة بن أبي لهب بن عمرو ،

__________________

(١) ويلقّب بأبي البطحاء لأنّهم استقوا به سقيا فكنّوه بذلك ، وهو شيبة بن هاشم ، وهو عمرو بن عبد مناف. انظر ، ذخائر العقبى ، الطّبري : ١٧١ ، المعارف لابن قتيبة تحقّيق ثروة عكاشة : ١ / ١١٧ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٥٥ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٩٨ ، اسد الغابة : ١ / ٢٨٦ ، الإصابة : ١ / ٢٤٨ ، طبقات ابن سعد: ٤ / ٢٨ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٣ / ٤٠٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٢٠٨ ، الإستيعاب : ١ / ٨١ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٤ ، معجم ما استعجم للبكري : ١ / ٧٧ ، صبح الأعشى للقلقشندي : ١ / ٣٥٥.

(٢) انظر ، سيرة النّبيّ لابن هشام : ٤ / ١٠٧٦ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٢١ ، عون المعبود : ٦ / ٢٢ ، مسند ابن راهويه : ٣ / ٧٣٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٣ / ٣٩ ، الجامع الصّغير : ٢ / ٥٠٥ ح ٧٩٧٧ ، كنز العمّال : ٧ / ٢٢٩ ح ١٨٧٤٥ ، فيض القدير شرح الجامع الصّغير : ٥ / ٥٩٣ ، المعارف : ٢٠٣ ، ينابيع المودّة : ١ / ٤٦٧ هامش ٨ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة لابن الصّباغ المالكي : ١ / ١٧٣ ، بتحقّيقنا ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٤.

٢٤٥

وولدت له أولادا(١) ، ومات وهو مشرك ، وعن ابن عبّاس أنّ النّبيّ دخل يوم الفتح على أمّ هاني ، وكان جائعا ، فقالت : يا رسول الله أنّ أصهارا لي قد لجؤا إليّ ، وأنّ أخي عليّا لا تأخذه في الله لومة لائم ، وأخاف أن يعلم بهم ، فيقتلهم ، فجعل من دخل دار أمّ هاني آمنا.

فقال رسول الله : «أجرنا من أجارت أمّ هاني»(٢) .

ثمّ قال لها : هل عندك من شيء نأكله؟.

فقالت : ليس عندي إلّا كسر يابسة ، واستحي أقدّمها لك.

قال : هلمي بهنّ ؛ ولمّا أتته بكسر الخبز ، وضعهنّ بالماء والملح

وقال لها : هل من إدام؟

قالت : ما عندي إلّا شيء من خلّ ، فصبّه النّبيّ على طعامه. وأكل منه ، ثمّ حمد الله ، وقال : نعم الإدام الخلّ ، يا أمّ هاني ، لا يفتقر بيت فيه خلّ(٣) .

واسلم جعفر قبل هجرة الرّسول إلى المدينة ، وهاجر مع جماعة من المسلمين إلى الحبشة ، وكان النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الحبّ له ، فقد قال له يوما :

__________________

(١) انظر ، كتاب العقد الفريد : ٥ / ٣١٣ طبعة ١٩٥٣ م ، و : ٥ / ٨٧.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٥٩ ح ٦٨٧٥ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٧٦ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٠٢ ح ٣٣١٨ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٨٧ ح ٦٩٣٤ ، المعجم الكبير : ٢٤ / ٤١٨ ح ١٠١٨ و ١٠٥٥ ، شعب الإيمان : ٥ / ١٠١ ح ٥٩٤٤ ، فيض القدير : ٥ / ٤٢٤ ، حلية الألياء لأبي نعيم : ٨ / ٣١٣ ، نصب الرّاية : ٤ / ٣١ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد : ٨ / ٣٣.

(٣) أراد النّبيّ أن يهوّن على ابنة عمّه ، كي لا يدخل في روعها أنّها قصّرت بحقّه ، وأن يعطي درسا عامّا لجميع النّاس بأنّ كلّ ما تيسّر من الطّعام فهو خير خلّا كان أو غيره ، وإنّما ذكر الخلّ بالخصوص ؛ لأنّه الميسور في ساعته تلك ، وغير بعيد أنّه لو لم يوجد عند أمّ هاني إلّا الملح لقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «نعم الأدام الملح». (منه قدس‌سره). انظر ، المصادر السّابقة.

٢٤٦

«أشبهت خلقي وخلقي»(١) ، وصادف قدوم جعفر من الحبشة يوم فزتح خيبر ، فتلقاه النّبيّ ، وقبّله بين عينيه ، وقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»(٢) . وقال له : حدّثني ببعض عجائب الحبشة.

فقال : نعم ، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، بينا أنا سائر في بعض طرقات الحبشة إذا بعجوز على رأسها مكتل ، فأقبل شاب يركض على فرس له ، فألقاه على وجهها ، وألقى المكتل على رأسها ، فاسترجعت قائمة ، واتبعته النّظر ، وهي تقول : الويل لك غدا إذا جلس الملك على كرسيه ، فاقتص للمظلوم من الظّالم. ، فجرت دموع رسول الله على لحيته مثل الجمان ، ثمّ قال : لا قدّس الله أمّة لا تأخذ للمظلوم حقّه من الظّالم(٣) .

وكان جعفر خير النّاس للمساكين ، يطعمهم ويكسوهم ، ويجلس إليهم يحدّثهم ويحدثونه ، حتّى كنّاه رسول الله أبا المساكين ، وكان النّاس يعرفونه

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٩٦٠ ح ٢٥٥٢ و : ٣ / ١٣٥٩ ح ٣٥٠٤ و : ٤ / ١٥٥١ ح ٤٠٠٥ ، صحيح ابن حبّان : ١١ / ٢٢٩ ح ٤٨٧٣ و : ١٥ / ٥٢٠ ح ٧٠٤٦ ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٤ ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٤ ح ٣٧٦٥ ، مجمع الزّوائد : ٤ / ٣٢٤ و : ٩ / ٢٧٢ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ٥ ح ١٥٥٤٦ ، مسند أحمد : ١ / ٩٨ ح ٧٧٠.

(٢) انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٢٨١ ح ٣٢٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٦ ح ٣٦٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٨ ح ١٤٦٩ ، شعب الإيمان : ٦ / ٤٧٧ ح ٦٩٦٨ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٢١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٣٣٥ ح ٦٠٠٩ و : ٥ / ٢٥٣ ح ٥٢٣٤ ، معجم الشّيوخ : ١ / ١٧١ و : ٦ / ٨١ ح ٧٥٤٩ ، السّنّة لابن عاصم : ١ / ٢٥٧ ح ٥٨٢ ، البيان والتّعريف : ٢ / ١٥٠ ، فيض القدير : ٥ / ٥٩.

٢٤٧

وينادونه بهذره الكنية(١) ، وقتل جعفر في غزاة مؤتة بالبلقاء سنة ثمان من الهجرة ، وثبت عن النّبيّ بطريق السّنّة والشّيعة أنّه قال : «رأيت جعفرا يطير بجناحين في الجنّة مع الملائكة»(٢) .

وتزوّج جعفر أسماء بنت عميس ، وكانت معه في الحبشة ، وولدت له هناك

__________________

(١) انظر ، سنن التّرمذي : ٥ / ٦٥٥ ح ٣٧٦٧ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٣٨١ ح ٤١٢٥ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٧ ح ٣٦٥ ، شعب الإيمان : ٧ / ٤٣٧ ح ١٠٨٨٢ ، فتح الباري : ٩ / ٥٥٨ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٧ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٧ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٧ ، صفوة الصّفوة : ١ / ٥١٨ ، الإصابة: ١ / ٤٨٦.

(٢) جعفر بن أبي طالب (عبد مناف) بن عبد المطّلب بن هاشم (ت ٨ ه‍) صحابي هاشمي من شجعانهم ، يقال له جعفر الطّيّار ، وهو أخو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وكان أسنّ من الإمام عليّعليه‌السلام بعشر سنين ، وهو من السّابقين إلى الإسلام. هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثّانية ، فلم يزل هناك إلى أن هاجر النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة. فقدم عليه جعفر وهو بخيبر سنة (٧ ه‍).

انظر ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الاستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، تلخيص الحبير : ٣ / ٢١٤ ح ١٦٠٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠.

وفي صحيح البخاريّ : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ ، أنّ ابن عمر كان إذا سلّم على ابن جعفر قال : السّلام عليك يا ابن ذي الجناحين) ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٤٤ ح ٤٣٥٢ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٧ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٩ ح ١٤٧٤ و : ١٢ / ٢٦٣ ح ١٣٠٥٥ ، فتح الباري : ٧ / ٧٦ ح ٣٥٠٦ و : ١٠ / ١٨٣ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٥ ، تهذيب الكمال : ٢ / ٨٣ ح ١٤٦ و : ٥ / ٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، خلاصة البدر المنير : ٢ / ٢٢٣ ح ٢٠٦٩ ، فضائل الصّحابة لأحمد بن حنبل : ٢ / ٨٨٨ ح ١٦٨٤ ، فضائل الصّحابة للنّسائي : ١ / ١٨ ح ٥٥.

وفي الحديث المرفوع أنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بكى لمّا قتل جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في مؤته ، قال : «المرء كثير بأخيه». انظر ، مسند الشّهاب : ١ / ١٤١ ح ١٨٦ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٤ / ٢٠٥ ح ٦٦٢٥ ، فيض القدير : ٢ / ٣٩٩ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٦٤ ح ٢٢٨٢ و ٢٧٩١.

٢٤٨

عبد الله ، ومحمّدا ، وعونا(١) ، ولمّا قتل عنها تزوّجها أبو بكر ، فولدت له محمّدا(٢) ، ولمّا توفّي أبو بكر تزوّجها أمير المؤمنين عليّ ، فولدت له يحيى ، وتوفّي في حياة أبيه ، ولا عقب له(٣) .

وأمّ أسماء بنت عميس هي هند بنت عوف بن الحارث الجرشي من جرش اليمن ، وكان لهند هذه أربع بنات :

١ ـ أسماء تزوّجها جعفر ، وأبو بكر ، وعليّ.

٢ ـ ميمونة تزوّجها رسول الله ، وهي آخر امرأة تزوّجها.

٣ ـ أمّ الفضل لبانة تزوّجها العبّاس بن عبد المطّلب ، وهي أمّ ولده عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل ، ومعبد ، وقثم.

٤ ـ سلمى تزوّجها الحمزة بن عبد المطّلب(٤) .

__________________

(١) انظر ، ترجمة هؤلاء في جوامع السّيرة : ٢٨٢ ، والمعارف : ٢٠٥ ، اسد الغابة لابن الأثير : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاريّ : ٥ / ٢٤.

(٢) انظر ، تذكرة خواصّ الأمّة : ١١٤ طبعة النّجف ، التّمهيد والبيان : ٢٠٩ ، الأغاني : ٢١ / ٩ ، الإشتقاق :٣٧١ ، الطّبريّ ، وابن الأثير ، وابن كثير في ذكر حوادث سنة (٣٦ ه‍) ، الإصابة حرف الميم : ٣ ق ٢ / ٤٥١ ، الاستيعاب : ٣ / ٣٢٨ ، الفتوح لابن أعثم : ١ / ٤٧٢ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٥٥ وما بعدها ، تهذيب الكمال : ٢٤ / ٥٤١ رقم ٥٠٩٧ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٦٤ و : ٣ / ١٩٠ ، شرح النّهج لمحمّد عبده : ١ / ١١٧.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٦ / ١٤٢ ، مقاتل الطّالبيين : ١١ ، شرح معاني الآثار : ١ / ٤٨ ، لسان الميزان : ٧ / ٥٢٢ ، تقريب التّهذيب : ٢ / ٦٢٩ ، أنساب الأشراف : ٣٩٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ٢ / ٥٢ ، تحفة الأحوذي : ٧ / ١٢٠ و : ٨ / ٥٢.

(٤) انظر ، اسد الغابة : ٧ / ١٥٧ و ٢٠٢ ، المعارف : ١٢٣ و ١٣٧ ، السّيرة لابن هشام : ٤ / ٢٨٣ ، الإصابة : ٧ / ٢٠٩ و : ٨ / ١٥٧ ، الإستيعاب : ٤ / ١٨١٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٨٣ و ١١٢ و ٢٣٣ ، صحيح ـ

٢٤٩

فأحماء هذه الجرشية رسول الله ، وأمير المؤمنين ، والحمزة ، وجعفر ، والعبّاس ، وأبو بكر ، وقيل : من أحمائها الوليد بن المغيرة ، وأنّ أمّ خالد بن الوليد ابنة هذه الجرشية ، ولذا اشتهر أنّ الجرشية أكرم النّاس أحماء(١) .

أمّا عقيل ، ويكنى أبا يزيد فقد أخرجه المشركون يوم بدر لحرب الرّسول مكرها ، فأسره مع عمّه العبّاس رجل من الأنصار يدعى أبا بشر(٢) ، ورآه أخوه

__________________

ـ مسلم : كتاب الرّضاع : ١٠٦٥ ح ٤٩ ، صحيح البخاري : تفسير سورة الأحزاب : ٣ / ١١٨ وكتاب النّكاح : ٣ / ١٦٤ و ١٦٥ ، البداية والنّهاية : ٦ / ٣٩٠ ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ : ٢ / ١٢٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢١ ، نسب قريش : ٤٠ ، جمهرة أنساب العرب : ٣٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٠ ، كنز العمّال : ٧ / ١٠٥ ، ميزان الإعتدال : ١ / ٩٧ ، سنن ابن ماجه : ٢٨٩ ، مستدرك الصّحيحين : ٣ / ١٧٦.

(١) انظر ، مقاتل الطّالبيّين : ١١ ، تهذيب الكمال : ٣٥ / ١٢٧.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٠٨ ح ٨٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ١٦٣ ح ٣٠١٢.

أمّا تشكيك الطّبري في : ٤ / ٢٢٦ من حضور العبّاس غزوة بدر فهو تشكيك في غير محله ولسنا بصدد مناقشة الطّبري وأمثاله حتّى أنّ ابن قتيبة في معارفه : ١٥٤ أوّل ما ذكر العبّاس بن عبد المطّلب ، وكذلك في سيرة ابن هشام : ٢٢ / ٣٢١ بل نورد الأحاديث الّتي وردت من قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّهي عن قتل العبّاس خاصّة ، وقتل بني هاشم عامّة. وكذلك نهى عن قتل أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد ، مع ملاحظة أنّ نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قتل بني هاشم عامّة ونهيه عن قتل عمّه خاصّة تأكيد وتشديد ومبالغة لما عنده من العلم بأنّهم اخرجوا كرها ولم يؤذوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يأمل توفيقهم وهدايتهم إلى الله تعالى ورسوله ومع ذلك فقد أبى ابن البختري عندما قال له المجذر بن زياد البلوي حليف الأنصار أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهانا عن قتلك ، فقال ابن البختري : أنا وصاحبي ـ جنادة بن مليحة من بني ليث؟ قال له : لا والله ما نحن بتاركي صاحبك وما أمرنا رسول الله إلّا بك وحدك فاختار القتال وقتله المجذر.

ومن أراد الإطّلاع على ذلك فليراجع المصادر مثل الكامل في التّأريخ : ٢ / ٨٩ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ٢٨٢ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ١٧٢ ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ـ

٢٥٠

__________________

ـ ٢ / ٢٨١ ، والسّيرة الحلبية : ٢ / ١٦٨ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٣٣ و ١٨٣ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٤ ، ومجمع البيان : ٤ / ٥٥٩ ، وغيرها.

أمّا أنّ العبّاس قد اسر فلا شكّ ولا ريب في ذلك ، وقد نصّ عليه كلّ من أرّخ وقعة بدر من أهل السّير والأخبار ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله الّذي قال : سمعت تضوّر عمّي العبّاس في وثاقه فمنعني النّوم ، فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

انظر ، ابن الأثير في الكامل : ٢ / ٨٩ ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ١٨٢ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٢ ح ٥٣٩١ ، والصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم : ٣ / ٥٢٠ ، والبداية والنّهاية : ٣ / ٢٨٥ ، وصحيح مسلم : ٦ / ١٥٧ ، شواهد التّنزيل : ١ / ٥١١ ح ٥٤١ ، الماوردي : ٢ / ٤٦.

وذكره أيضا ابن قتيبة في المعارف : ١٥٥ ، قال العبّاس : يا رسول الله إنّ هذا والله أسرني بعد ما أسرني رجل أجلح من أحسن النّاس وجها ، على فرس أبلق ما أراه فى القوم ، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول الله ، فقال : أسكت لقد أيّدك الله عزوجل بملك كريم ، فقال النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أسرت العبّاس يا أبا اليسر ، قال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قطّ هيئته كذا وكذا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد أعانك عليه ملك كريم. وقال للعبّاس : افد نفسك ، وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن عمر ، فقال : يا رسول الله إنّي كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلم باسلامك. فإن كان ما قلت فإنّ الله يجزيك.

ولذا نجد مفتي الشّافعيّة أحمد دحلان صاحب السّيرة النّبويّة : ١ / ٥٠٤ من هامش السّيرة الحلبية يدافع عن العبّاس ويقول : كان العبّاس يكتم إسلامه وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله يطلعه على أسراره حين كان بمكّة ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمره بالمكوث في مكّة ليكتب له أسرار قريش.

انظر ، صحيح البخاريّ : ٥ / ١٤٢ طبعة دار الفكر ، و : ٦ / ١٢٤ طبعة مطابع دار الشّعب ، و : ٣ / ١١٦ طبعة الخيرية بمصر ، و : ٥ / ٧٩ طبعة بمبي ، أسباب النّزول للسّيوطي بهامش تفسير الجلالين : ٤٤٢ طبعة بيروت ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٢٥ ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٢١٢.

أمّا العاص بن سعيد بن العاص بن أميّة ، وعامر بن عبد الله ، ونوفل بن خويلد بن أسد ، ومسعود بن أميّة بن المغيرة ، وقيس بن الفاكه ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ، والعاص بن منبه بن الحجّاج ، وحاجب بن السّائب ذكرهم الواقدي في المغازي : ١ / ٤٨ طبعة اكسفورد ، والبخاريّ في صحيحه : ٦ / ٩٨ ، وصحيح مسلم : ٨ / ٢٤٥ ، والطّبري في تأريخه : ٢ / ١٩٧ و ٢٦٩ ، وكنز العمّال : ٥ / ٢٧٣ ، ـ

٢٥١

عليّ مع الأسرى فتجاهله وحاد عنه ، فقال له عقيل : يا ابن أمّ والله لقد رأيت مكاني ، فتركه ولم يلتفت إليه ، وهو أخوه لأمّه وأبيه»(١) . وكان عقيل حاضر الذّهن سريع الجواب ، رآه النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع الأسرى يوم بدر ، فقال له : يا أبا يزيد قتل أبو جهل. فقال له عقيل : إذن لا تنازعوني في تهامة(٢) . وأمر النّبيّ عمّه العبّاس أن يفدي نفسه ، وابن أخيه عقيلا ، فقال العبّاس : لا مال عندي. قال له النّبيّ : لقد تركت مالا عند أمّ الفضل ، وأوصيتها به. فقال : من أخبرك بهذا؟ قال جبرائيل عن الله. فقال العبّاس : ما علم بهذا أحد ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله(٣) . فرجع الأسرى ، كلّهم مشركون إلّا العبّاس ، وعقيل ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب.

وكان النّبيّ يحبّ عقيلا. وقد صارحه بهذا الحبّ ، إذا قال له يوما ، «يا أبا يزيد إنّي أحبّك حبّين : حبّا لقرابتك منّي ، وحبّا لحبّ عمّي إيّاك»(٤) ، وكان عقيل فقيرا كثير العيال والأطفال لا يجد ما يسدّ حاجتهم الضّروريّة من المأكل والملبس ،

__________________

ـ والفلكي في الإبانة ، وشرح النّهج لابن أبي الحديد : ١٤ / ٢٠٨ ، والمغازي للواقدي : ١٤٣ ـ ١٥٣ طبعة آخر ، والسّيرة النّبويّة لابن هشام : ٢ / ٤٣٦ ، المعارف لابن قتيبة : ١٥٦.

(١) انظر ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٢٤٦ ، السّنن الكبرى : ٦ / ٣٢٢ ، فتح الباري : ٦ / ١١٦.

(٢) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، المنتخب من ذيل المذيل للطّبري : ٣٠.

(٣) انظر ، مسند أحمد : ١ / ٣٥٣ ح ٣٣١٠ ، معتصر المختصر : ١ / ٣٤٣ ، دلائل النّبوّة للإصبهاني : ١ / ١٣٧ ح ١٥٠ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ١٤ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ٨٢. وفدى العبّاس نفسه بمئة اوقية ، وفدى كلّ واحد من بني أخيه وحليفه بأربعين اوقية. انظر ، الأحكام السّلطانية للماوردي : ٤٦.

(٤) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٣ / ٦٦٧ ح ٦٤٦٤ ، الإستيعاب : ٣ / ١٠٧٨ ح ١٨٣٤ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٤٣ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ١٧ / ١٩١ ح ٥١٠ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٩ ، الذّرّيّة الطّاهرة : ١ / ٢٧ ، فضائل الصّحابة لأحمد : ٢ / ٦٦٣ ح ١١٣١.

٢٥٢

ولمّا تولّى الإمام الخلافة قدم عليه يسترفده ، فعرض عليه الإمام عطاءه ، فقال : «إنّما أريد من بيت المال. فقال له الإمام : تقيم إلى يوم الجمعة ، فلمّا صلّى الجمعة قال له : ما تقول بمن خان هؤلاء؟ قال : بئس الرّجل. قال : إنّك امرتني أن أخونهم واعطيك»(١) . فخرج من عنده إلى الشّام(٢) .

ورحّب به معاوية ، وأعطاه مئة ألف درهم من مال المسلمين ، وقال للنّاس وعقيل حاضر : هذا أبو يزيد لو لا علمه بأنّي خير من أخيه ما تركه ، وأقام عندنا ، فقال عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنظر لنفسه منك ، وأنت خير لي في دنياي ، وأنظر لي من نفسك ، وقد آثرت دنياي ، وأسأل الله العفو»(٣) .

وقال له يوما : «غلبك أخوك على الثّروة.

قال : نعم ، وسبقني وإيّاك إلى الجنّة»(٤) .

وقال له : «أنّ فيكم للينا يا بني هاشم!

قال : أجل ، فينا لينا من غير ضعف ، وعزّا من غير عنف ، وأنّ لينكم يا معاوية غدر ، وسلمكم كفر.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٢ ، الإمامة والسّيّاسة لابن قتيبة : ١ / ١٠١ ، نظرات في الكتب الخالدة للدّكتور حامد حنفي : ١٤٧ ، مجلّة رسالة الإسلام العدد (١٤) تنظيم الصّدقة في الإسلام لحامد حنفي داود.

(٢) لم يحقق في سند هذا القول ، وإلّا من خلال التّتبّع التّأريخي ، لم نعثر على نصّ يؤكّد ذهاب عقيل إلى معاوية قبل استشهاد الإمام عليّعليه‌السلام . انظر ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، جواهر المطاب في مناقب الإمام عليّ لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٢٩ ، العقد الفريد : ٤ / ٩٠ طبعة بيروت.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ١ / ٥٥٢ ، سبل الهدى والرّشاد : ١١ / ١١٥.

(٤) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٢.

٢٥٣

فقال معاوية : ولا كلّ هذا يا أبا يزيد!»(١) .

وفي ذات يوم أقبل عقيل على معاوية ، وعنده عمرو ابن العاص فالتفت معاوية إلى ابن العاص ، وقال له : لأضحكنّك من عقيل ؛ ولمّا سلّم ، قال له معاوية : مرحبا بمن عمّه أبو لهب ـ مع العلم بأنّ أبا لهب عمّ النّبيّ كما هو عمّ عقيل وعليّ ـ فقال عقيل : وأهلا بمن عمّته حمّالة الحطب في جيدها حبل مّن مّسد ـ يشير إلى أمّ جميل العوراء زوّجة أبي لهب(٢) ، وهي أخت أبي سفيان وعمّة معاوية ـ فقال معاوية ما ظنّك بعمّك أبي لهب. فقال : إذا دخلت النّار ، فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب»(٣) .

وغدا يوما على معاوية ، وجلساؤه حوله ، فقال له معاوية : «يا أبا يزيد خبّرني عن عسكري وعسكر أخيك ، فقد وردت عليهما.

فقال عقيل : مررت بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ، ونهار كنهاره ، ليس في القوم إلّا مصلّي لله أو قاريء للقرآن ، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين الّذين نفروا برسول الله ليلة العقبة.

ثمّ قال : من هذا عن يمينك يا معاوية؟.

قال : هذا عمرو ابن العاص.

قال : هذا الّذي اختصم فيه ستة نفر ، فغلب عليه جزّار ، فمن الآخر؟

قال : الضّحاك بن قيس.

__________________

(١) انظر ، المصادر السّابقة.

(٢) انظر ، ترجمتها في غوامض الأسماء المبهمة : ١ / ١٩٠ ، فتح الباري : ٣ / ٩.

(٣) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٤ / ٩٣ ، الغارات : ٢ / ٥٥٣ ، أمالي السّيّد المرتضى : ٢٠٠.

٢٥٤

فقال : والله لقد كان أبوه يجيد خصي التّيوس ، فمن الآخر؟

قال : أبو موسى الأشعري.

قال : هذا ابن السّراقة.

فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جلساءه سأله معاوية عن نزفسه ليقول فيه ما قال فيهم ، ويخفف عنهم ، فقال له : ما تقول فيّ؟

قال : دعني منك.

قال : لتقولنّ.

قال : أتعرف حمامة؟.

قال : ومن حمامة؟.

قال : سلّ عنها؟.

فسأل عنها معاوية ، فقيل له : هي جدّته أمّ أبي سفيان كانت بغيّا في الجاهليّة ، وصاحبة راية تدل على مهنتها ، فقال معاوية لجلسائه قد ساويتكم وزدت ، فلا تغضبوا»(١) .

لقد اضطر عقيل للشّخوص إلى معاوية ، وأعطاه هذا كلّ ما يريد وفوق ما يريد ، وحاول بجميع خدعه وحيله أن يجد لنفسه مدخلا في قلب عقيل ، أو ينتزع منه كلمة باطل ترضيه وتغضب الله فلم يفلح ، بل على العكس ، فكان كلّما أراد شيئا من هذا أجابه عقيل بما يفضحه ويخزيه ، كما رأينا.

ولمّا بلغ عقيلا خذلان أهل الكوفة لأخيه كتب إليه يعرض نفسه وأولاده عليه ، وقال له فيما قال : «والله لا أحبّ أن أبقى في الدّنيا بعدك ، إنّ عيشا نعيشه

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١٢٥ ، الغارات : ١ / ٦٥.

٢٥٥

بعدك لغير هنيء ولا مريء ولا نجيع»(١) . فأعفاه الإمام ، ولم يكلفه وأولاده حضور الحرب ، وكأنّ الإمامعليه‌السلام نظر بعين الغيب ، فادّخر أولاد أخيه إلى يوم ولده الحسين ، فقد قتل من ولد عقيل مع الحسين (١٣) شهيدا (٨) من أولاده و (٥) من أحفاده(٢) . توفّي عقيل سنة (٥٠) من الهجرة عن ست وتسعين سنة(٣) .

وصلّى الله على محمّد وآله ، وعلى عقيل وأولاده وأحفاده.

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٢ / ١١٩ ، الغارات : ٢ / ٤٣٠ ، المعيار والموازنة : ١٧٩ ، الإمامة والسّياسة : ١ / ٧٤.

(٢) تقدّمت تخريجاته. انظر ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٢٨ ، الإصابة لابن حجر تحت الرّقم «٢٥٦٣٠» ، البيان والتّبيّين : ١ / ١٧٤ ، اسد الغابة : ٢ / ٥٦٠ تحت الرّقم «٣٧٢٦». وقيل : توفّي سنة «٦٠ ه‍».

٢٥٦

مع بطلة كربلاء

٢٥٧
٢٥٨

المقدّمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.

وبعد :

فقد رغبت إليّ إحدى دور النّشر والتّوزيع أن أضع لها كتابا في «السّيّدة زينب بنت أمير المؤمنين» عليها وعلى آبائها أفضل الصّلاة والسّلام.

فقلت لصاحب الدّار : إنّ الّذين ألّفوا في هذا الموضوع لم يقصّروا ، ولم يتجافوا عن الغاية المنشودة من التّأليف بل بعض هؤلاء قد اجتذب إليه القرّاء ، واستقبلوا كتابه أحسن إستقبال.

فقال : أنّك كتبت في فضائل أبيها أمير المؤمنين ، مع أنّ غيرك كتب ، واجتذب إليه القرّاء.

فتوكلت على الله عزوجل ، وكتبت هذه الصّفحات ، وحاولت ما استطيع أن اضيف إلى ما كتبوا أشياء ، لها أهميتها ، على أن لا اضايق القاريء بذكر مطولات منقولة من هنا وهناك وإذا كتب البعض تملقا للجمهور ، أو رغبة في شيء يطلبه ، فإنّ هدفي الأوّل والأخير أن أوحي إلى القاريء الشّعور بعظمة السّيّدة ، وآل بيت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢٥٩

ومعلوم أنّ دور النّشر لا تستجيب لشيء إلّا للجمهور القاريء لذا تملكتني الغبطة بهذا الطّلب ، وقلت في نفسي : لم يبق أي مجال للسّكوت ما دام الطّلب قائما ، وحمدت الله سبحانه على أن يكون هذا الموضوع ، وما إليه مرغوبا ومفضلا عند القرّاء ، مع أنّ هذا اللّون من الكتب لا يعتمد على وسائل التّشويق والإغراء ، كما هي الحال في كتب الجنس والخلاعة ، والغرام والإجرام ـ إذن ـ فالدّافع الوحيد لإقبال القرّاء أنّ في أهل البيت سرّا ينبض بالحياة ويفيض بالخيرات ، وقوّة ذاتية تجذب إليها كلّ إنسان ، من حيث لا يدري.

هذا ، مع العلم بأنّ كلّ من كتب في فضائل أهل البيت ومناقبهم ، منذ البداية حتّى اليوم لم يتجاوز المرحلة الأولى ، ولن يتجاوزها ، مهما أطنب وأطال ولا أعرف أحدا عرض هذا الموضوع عرضا وافيا ، حتّى العلّامة المجلسي في بحاره وأنواره والسّر هو طبيعة الموضوع ، فإنّه أسمى وأعظم من أن تصل العقول إلى كنهه وحقيقته.

وقد سبق أن كتب خمسة كتب في أهل البيت وفضائلهم ـ ما عدا هذا الكتاب(١) وهي في مجموعها تعبّر عن عظمتهم تعبيرا جزئيّا ، أو قل : أنّها ليست تصويرا لتلك العظمة ، وإنّما هي مجرد إقرار واعتراف بمنزلتهم ومكانتهم وكذلك هذه الصّفحات إن هي إلّا إقرار واعتراف بعظمة بنت الوحي والنّبوّة.

والله سبحانه المسئول أن يجعل الوقت الّذي أمضيته في كتابتها أفضل أوقاتي كلّها ، أنّه خير مسئول ، وصلّى الله على محمّد وآله الطّيبين.

__________________

(١) هذا الكتاب هو الواحد بعد العشرين ، والسادس في الفضائل ، الخمسة تلك هي : «أهل البيت» ، «عليّعليه‌السلام والقرآن» ، «الشّيعة والحاكمون» ، «المجالس الحسينيّة» ، «فضائل الإمام عليّعليه‌السلام » ؛ (منهقدس‌سره ).

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528