الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء11%

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-465-169-3
الصفحات: 528

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء
  • البداية
  • السابق
  • 528 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68970 / تحميل: 4505
الحجم الحجم الحجم
الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

الحسين عليه السلام وبطلة كربلاء

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
ISBN: ٩٦٤-٤٦٥-١٦٩-٣
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وصدق الكاتب «أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة» ولكن من أي نوع هذا الشّيء العميق؟ وهل كشف عنه الباحثون والمؤرّخون؟

لقد تكلّم العلماء والأدباء قديما وحديثا حول شخصية السّيّدة ، واتّفقوا على بسالتها وعلمها وقوّة صبرها وإيمانها وعقلها ، وعلى عظمة الدّور الّذي قامت به في كربلاء وحاول كثيرون أن يشرحوا هذا الدّور ، ويفسّروا لنا وللأجيال السّر الكامن في ذهابها مع أخيها إلى كربلاء ورأى بعضهم أنّ الغاية من وجودها مع أخيها أن تبث دعوة الحقّ ، وتعلن سرّ نهضة الحسين ، وتبلّغ حجّته للملأ ، وتبين مساويء الأمويّين ، وتؤلّب النّاس على الطّغاة البغاة بالمواعظ والخطب ، كما فعلت في الكوفة والشّام ، وفي الطّريق إليهما منتهزة الفرص ، لإنجاز مهمّة أخيها سيّد الشّهداء.

وليس من شك أنّها أدّت هذه المهمّة على أكمل وجه بخاصّة في مجلس يزيد وابن مرجانة ، فلقد عرفت كلّا منهما بمكانة من الخزي والعار ، وفضحتهما لدى الأشهاد ، ولعنتهما كما لعنت كلّ الّذين يغدرون ويفجرون ؛ وقد ذكرنا ذلك في غير مكان من هذا الكتاب بعنوان : «خروج الحسين بأهله إلى كربلاء» ولكن هل هذا وحده هو الشّيء العميق الّذي ترمز إليه السّيّدة زينب؟ كلّا ، فأنّ معه شيئا آخر أعمق وأبعد من هذا بكثير ، أنّه الإحتفاظ بالدّين ، والإبقاء على شريعة سيّد المرسلين ، أنّ هذا الشّيء العميق يعود إلى أبيها أمير المؤمنين ، وعلومه الّتي تلقّاها عن أخيه وابن عمّه خاتم الرّسل وجدّ السّيّدة زينب ، وإليك القصّة من أوّلها :

قال الشّيخ محمود أبو ريّة خريج الأزهر في كتاب «أضواء على السّنّة

١٨١

المحمّديّة» :

«ولد عليّ قبل البعثة بنحو عشر سنين ، وتربى في حجر النبيّ ، وعاش تحت كنفه قبل البعثة ، وظلّ معه إلى أن انتقل إلى الرّفيق الأعلى ، ولم يفارقه أبدا لا في سفر ولا في حضر ـ وهو ابن عمّه ، وزوّج ابنته فاطمة الزّهراء ـ وشهد المشاهد كلّها سوى تبوك ، فقد استخلفه النّبيّ فيها على المدينة ، فقال : يا رسول الله! أتخلفني في الصّبيان ، والنّساء؟

فقال الرّسول : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبّي بعدي»(١) .

ولمّا قال معاوية لسعد بن أبي وقّاص ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟

قال له : أما ما ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ تكون واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم ، فلن أسبّه(٢) ، ثمّ ذكر له هذه الثّلاث ، وهي حديث : «أنت منّي

__________________

(١) انظر ، الصّواعق المحرقة لابن حجر : ٢٩ ، صحيح البخاريّ : ٢ / ٢٠٠ و ٣٢٤ ، و : ٤ / ٢٠٨ ، و : ١٤ / ٢٤٥ / ٣٤٧٠ ، و : ١٦ / ٢١٧ / ٤١١٥ بشرح الكرماني. صحيح مسلم في فضائل عليّ : ٣٢٤ ، المستدرك للحاكم النّيسابوري : ٣ / ١٠٩ ، مسند ابن ماجه : ١ / ٢٨ ، مسند الإمام أحمد : ١ / ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ٣٣١ و ٣٦٩ ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٢ ح ٢٥٠٤ ، الإصابة لابن حجر : ٤ / ٥٦٨ ، وينابيع المودّة للقندوزي : ٢ / ٥٨.

(٢) انظر ، مستدرك الصّحيحين : ١ / ١٢١ ، طبعة حيدر آباد سنة ١٣٢٤ ه‍ ، كفاية الطّالب : ٨٢ و ٨٣ ، فرائد السّمطين : ١ / ٣٠٢ و ٣٠٣ ح ٢٤١ ، مروج الذّهب : ٢ / ٤٣٥ ، الصّواعق المحرقة : ٧٤ طبعة الميمنية و : ١٢١ المحمّدية بتفاوت ، ذخائر العقبى : ٦٦ ، المناقب للخوارزمي : ١٣٧ ح ١٥٤ ، خصائص النّسائي : ٢٤ ، كنز العمّال : ٦ / ٤٠١ ، ومشكاة المصابيح : ٥٦٥ و ٣ / ١٧٢٢ ح ٦٠٩٢ طبعة أخرى ، وتأريخ الخلفاء : ٦٧ ، والرّياض النّضرة : ٢ / ١٦٦ بألفاظ متقاربة ، فضائل الخمسة من الصّحاح السّتة : ٢ / ٢٢٣ ، الفضائل لأحمد : ٢ / ٥٩٤ ح ١٠١١ ، جمع الزّوائد : ٩ / ١٣٠ ، منتخب كنز ـ

١٨٢

بمنزلة هرون من موسى»(١) ، وحديث : «لأعطين الرّاية إلى رجل يحبّه الله ورسوله»(٢) ، وحديث المباهلة. وقال له النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاة»(٣) . وهو حديث متواتر مشهور.

وقال ابن تيميّة : عليّ أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ثبت عن النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أدار كساه على عليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وقال : «أللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا»(٤) .

ومغازيه الّتي شهدها مع رسول الله ، وقاتل فيها كانت تسعة : «بدر ، وأحد ، والخندق ، وخيبر ، وفتح مكّة ، ويوم حنين ، وغيرها»(٥) ، وثبت في الصّحيح أنّ النّبيّ قال: «لأعطينّ هذه الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ،

__________________

ـ العمّال بهامش مسند أحمد : ٥ / ٣٠ ، ينابيع المودّة : ١ / ١٥٢ ، و : ٢ / ١٠٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ طبعة اسوة ، الجامع الصّغير : ٢ / ٦٠٨ ح ٨٧٣٦ ، مودّة القربى : ١٥.

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، صحيح البخاريّ بشرح الكرماني : ١٦ / ٩٨ / ٣٩٣٥ ، و : ٥ / ٢٢ و ٢٣ ، عمدة القاري في شرح صحيح البخاريّ للعيني : ٤ / ٧٣ و ٢٠٨ و : ١٢ / ١٩٠ ح ٢٧٤٤ ، و ٢٠٧ ح ٢٧٧١ ، و : ١٦ / ٢١٦ ، الصّواعق المحرقة : ٨٧ ، والسّيوطي في تأريخه : ٦٦ ، ومنتخب كنز العمّال هامش مسند أحمد : ٥ / ٣٩. صحيح مسلم : ٢ / ٤٤٨ / ٢٤٠٤ و ٤٤٩ / ٢٤٠٥ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ٢١٦.

(٣) تقدّمت تخريجاته.

(٤) انظر ، فتاوى ابن تيميّة : ١ / ٢٥٠. (منهقدس‌سره ).

(٥) انظر ، السّيرة النّبويّة لابن هشام : ٥ / ٧٨ ، فتح الباري : ٧ / ٢٨٠ ، تحفة الأحوذي : ٥ / ٢٦٣ ، شرح الزّرقاني : ٢ / ٥٣٢ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٩١ و ٢١٤ ، مسند أبي عوانة : ٤ / ٣٦٥ ، الكامل لابن الأثير : ٢ / ١١٦ ، السّيرة الحلبية بهامش السّيرة النّبويّة : ٢ / ١٤٣ ، تأريخ دمشق : ١ / ١٤٣ / ٣٠٢ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٣٧٠ ، صحيح البخاري : ٤ / ١٥١٦ ح ٣٩٠٦ ، المستدرك على الصّحيحين :

٣ / ٥٩٤ ح ٦٢٠٣ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٤٢.

١٨٣

يفتح الله على يديه». فأعطاها عليّا(١) .

هذا هو عليّ رضى الله عنه الّذي لو كان قد حفظ كلّ يوم عن النّبيّ ، وهو الفطن اللّبيب الذّكي ربيب النّبي حديثا واحدا ، وقد قضى معه رشيدا أكثر من ثلث قرن ، لبلغ ما كان يجب أن يرويه حوالي (١٢) ألف حديث على الأقل ، هذا إذا روى حديثا واحدا في كلّ يوم ، فما بالك لو كان قد روى كلّ ما سمعه(٢) ، ولقد كان له حقّ في روايتها ولا يستطيع أحد أن يماري فيها ، ولكن لم يصح عنه كما جاء بكتاب الفصل إلّا نحو خمسين حديثا لم يحمل البخاري ، ومسلم إلّا نحو عشرين حديثا ، هذا كلام أبي ريّة في كتابه «أضواء على السّنّة المحمّديّة»(٣) .

وقال الشّيخ محمّد أبو زهرة وهو من كبّار شيوخ الأزهر ، والمؤلّفين المعروفين ، قال في كتاب «الإمام الصّادق» :(٤)

«يجب علينا أن نقرّر هنا أنّ فقه عليّ وفتاوية وأقضيته لم ترو في كتب السّنّة وكان أكثر الصّحابة اتّصالا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد رافق الرّسول ، وهو صبي قبل أن يبعث ، واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه ، ولذا كان يجب أن يذكر له في كتب السّنّة أضعاف ما هو مذكور فيها.

وإذا كان لنا أن نتعرف السّبب الّذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين

__________________

(١) انظر ، فتاوى ابن تيميّة : ١ / ٣١٠. (منهقدس‌سره ).

(٢) نعم ، لقد روى كلّ ما سمعه من النّبيّ ، ولكن لأولاده وذرّيّته ورواه ذرّيّته للنّاس على لسان محمّد الباقر ، وجعفر الصّادق ، كما سيتّضح ذلك فتابع القراءة لتتأكد من هذه الحقيقة.

(٣) انظر ، أضواء على السّنّة المحمّديّة» : ٢٠٤ طبعة (١٩٥٨ م). (منهقدس‌سره ).

(٤) هذا الكتاب أكبر موسوعة علميّة عن الإمام الصّادق ، وبيان عظمته عند الله سبحانه ، وسموه في أخلاقه ، وخير مصدر للعلماء ، ومرشد لمن يجهل مقام الصّادق خاصّة وأهل البيت عامّة. (منهقدس‌سره ).

١٨٤

بعض مرويات عليّ وفقهه ، فإنّا نقول : أنّه لا بدّ أن يكون الحكم الأموي أثّر في إختفاء كثير من آثار عليّ في القضاء والإفتاء ، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنون عليّا فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدّثون بعلمه ، وينقلون فتاويه وأقواله للنّاس وخصوصّا ما كان يتّصل منها بأساس الحكم الإسلامي.

ولكن هل كان إختفاء أكثر آثار عليّ رضى الله عنه ، وعدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلا لإندثارها وذهابها في لجّة التّأريخ إلى حيث لا يعلم بها أحد ...!! أنّ عليّا رضي الله عنه قد استشهد ، وقد ترك وراءه من ذرّيّته أبرارا أطهارا كانوا أئمّة في علم الإسلام ، وكانوا ممّن يقتدى بهم ، ترك ولديه في فاطمة الحسن ، والحسين ، وترك روّاد الفكر محمّد ابن الحنفيّة ، فأودعهم عنه ذلك العلم ، وقد قال ابن عبّاس : «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانتفاعي بكتاب كتبه إليّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه(١) . وقام أولئك الأبناء بالمحافظة على تراث أبيهم الفكري ، وهو إمام الهدى ، فحفظوه من الضّياع ، وقد انتقل معهم إلى المدينة لمّا انتقلوا إليها بعد استشهاده رضي الله عنه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبذلك تنتهي إلى أنّ البيت العلوي فيه علم الرّواية كاملة عن عليّ رضى الله عنه ، رووا عنه ما رواه عن الرّسول كاملا ، أو قريبا من الكمال ، واستكنوا بهذا العلم المشرق في ركن من البيت الكريم»(٢) .

وإذا عطفت هذا القول للشّيخ أبي زهرة على قول الشّيخ أبي ريّة السّابق ، فإنّك واصل حتما إلى اليقين بأنّ علم محمّد عند عليّ ، وعلم عليّ عند أبنائه ،

__________________

(١) انظر ، شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده : ٣ / ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ١٤٠.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق : ١٦٢ مطبعة أحمد عليّ مخيبر. (منهقدس‌سره ).

١٨٥

وهم الّذين نشروه وأذاعوه على النّاس.

نقلنا أقوال هذين الشّيخين الجليلين من شيوخ الأزهر باللّفظ لا بالمعنى ، نقلناهما بالحرف الواحد مع أرقام الصّفحات وهي تقدّم الأدلّة على حقيقة لا ترد ولا تقبل التّشكيك.

عليّ بن أبي طالب الّذي لازم النّبيّ منذ طفولته(١) إلى آخر يوم من أيّام الرّسول لا يروى عنه إلّا خمسون حديثا!! عليّ الّذي تربى في حجر الرّسول ، وكان منه بالمنزلة الخصّيصة ، كما قال الإمام يصف نفسه : «وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ليله ، ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالإقتداء به»(٢) . لا يروي عن النّبيّ إلّا خمسين حديثا ، وأبو هريرة الّذي لم يصحب النّبيّ إلّا نحو ثلاث سنوات ، لا يراه فيها إلّا قليلا ، والحين بعد الحين ، يروي عنه (٥٣٧٤) حديثا(٣) ! ولو أخذنا بهذا القياس لوجب أن

__________________

(١) قال أمير المؤمنين في خطبته المعروفة بالقاصعة : «وقد علمتم موضعي من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه. وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل». انظر ، نهج البلاغة : الخطبة (١٩٢» ، الكامل في التأريخ : ٢ / ٥٨ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٥٧ ، الإصابة : ٢ / ٥٠١.

(٢) انظر ، نهج البلاغة : الخطبة (١٩٢).

(٣) انظر ، هدي السّاري : ٤٧٧ ، قال : وله في البخاري «٤٤٦» حديثا ، جوامع السّيرة : ٢٧٦ ، مسند الإمام أحمد ، بتحقّيق أحمد محمّد شاكر : ١٢ / ٨٢ ، مسند ابن راهويه : ١ / ٨ ، أضواء على السّنّة المحمّديّة : ٢٢٤.

١٨٦

يروي الإمام (١٨٢١٦) حديثا ، لأنّه لازم النّبيّ رشيدا أكثر من ثلث قرن.

ومن هنا تعلم أنّ السّر الوحيد لقلّة الرّواية عن الإمام عليّ هو ما أشار إليه الشّيخ أبو زهرة ، هو عداء الأمويّين وموقفهم من الإمام ، وممّن يذكره بخير ، فقد عاقبوا من يروي منقبة من مناقبه ، أو ينقل حديثا عنه ، وتتبعوا تلاميذه وخاصّته في كلّ مكان ، كميثم التّمار ، وعمر بن الحمق ، ورشيد الهجري ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد وغيرهم وغيرهم ، وقتلوهم الواحد بعد الآخر ، ونكلّوا بهم شرّ تنكيل ، كي لا يتسرب عن طريقهم أثر من آثار عليّ.

أجل ، لقد بذل الأمويون أقصى الجهود ، واستعملوا التّقتيل والتّنكيل ، وسلكوا جميع السّبل ، ليقضوا القضاء الأخير على كلّ أثر يتّصل بعليّ من قريب أو بعيد إلّا السّب واللّعن ، أنّ الأمويّين يعلمون حقّ العلم أنّ عليّا أخو رسول الله ووصيه ، ووارث علمه ، وأمينه على شرعه حجّته البالغة على النّاس أجمعين ، ويعلم الأمويون أيضا أنّهم ملعونون في كتاب الله ، وعلى لسان نبيّه ، فالإمساك عن عليّ وآثاره معناه القضاء على حكمهم ، لأنّ آثار عليّ هي آثار محمّد الّذي نصّ على أنّ الخلافة محرّمة على الأمويّين ، لذا لعنوا الإمام على المنابر ، وقتلوا خاصّته ، كي لا يروا شيئا عنه ، ولكن :( يَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (١) ؛ فلقد أودع الإمام علوم الرّسول ذرّيّته وأولاده ، كما قال الشّيخ أبو زهرة ، ووصلت إلينا عن طريق آله وذرّيّته.

ولم تخف هذه الحقيقة على الأمويّين ، فحاولوا القضاء على ذرّيّة عليّ ، وأن لا يبقوا من نسله حيّا ، ليمحوا كل أثر من الوجود ، وأصدق شاهد على ذلك قول

__________________

(١) التّوبة : ٣٢.

١٨٧

شمر بن ذي الجوشن : «قد صدر أمر الأمير عبيد الله أن أقتل جميع أولاد الحسين». قال هذا حين شهر سيفه ليقتل الإمام زين العابدين ، وقد دفعه عنه حميد بن مسلم وعمر بن سعد ، وقالت عمّته الحوراء لمّا همّ بقتله : والله لا يقتل حتّى أقتل»(١) . وفي هذا نجد التّفسير الصّحيح لقتل الطّفل الرّضيع وغيره من أولاد أهل البيتعليهم‌السلام .

قتل الأمويون سيّدي شباب أهل الجنّة الحسن ، والحسين ، وقتلوا أبناء الحسين ، ولم ينج منهم إلّا الإمام زين العابدين ، والفضل الأوّل في نجاته من القتل للسّيّدة زينب ، دفعت عنه شمرا في كربلاء ، وابن زياد في الكوفة ، حيث أمر بقتله ، فتعلقت به السّيّدة ، واعتنقته قائلة : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه ، فنظر ابن مرجانه إليهما ساعة ، ثمّ قال : «عجبا للرّحم! والله إنّي لأظنّها ودّت أنّي قتلتها معه ، دعوه ، فأنّي أراه لما به»(٢) . أي يراه مريضا.

كلّا ، ليست المسألة مسألة رحم ، وكفى ، ولا مسألة حبّ وعطف فقط ، أنّها أعمق وأبعد من ذلك التّفكير ، أنّها الخوف على دين الله وعلوم رسول الله من الضّياع ، لقد استماتت السّيّدة دون الإمام زين العابدين ، لأنّه حلقة الإتّصال بين الحسين وبين الإمامين الباقر والصّادق اللّذين أشاعا وأذاعا علوم محمّد وعليّ.

كان علم الرّسول عند عليّ ، وعلم عليّ عند ولديه الحسن والحسين ، وعلم الحسين عند زين العابدين ، ومنه إلى ولده الباقر وحفيده الصّادق ظ ، وهكذا انتقلت علوم الرّسول من إمام إلى إمام حتّى ذهب الأمويون ، وزال حكمهم ، ولم

__________________

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٥٠ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢١١ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٠٦.

(٢) انظر ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٧ ، الإرشاد : ٢ / ١١٧ ، مثير الأحزان : ٧٢ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢١١.

١٨٨

يبق له عين ولا أثر في عهد الصّادقين حيث انتشرت علومهما في كلّ مكان ، ولم يكن من سبيل إلى بثّ هذه العلوم في عهد الأمويّين ، ويؤكّد هذه الحقيقة أنّ الحسين لمّا توجه إلى العراق دفع إلى أمّ سلمة الوصيّة والكتب ، وقال لها : إذا أتاك أكبر ولدي ، فادفعيها إليه ، وبعد أن قتل الحسين أتى زين العابدين إلى أمّ سلمة ، فدفعت إليه كلّ شيء أعطاها الحسين(١) .

فالإمام زين العابدين هو حلقة الإتّصال بين أبيه وجدّه وبين ولديه الصّادقين ، ولو فقدت هذه الحلقة لم يكن لعلوم عليّ خبر ولا أثر ، ولخسر الدّين والإسلام أعظم ثماره وأثمن كنوزه ، ولهذا وقفت السّيّدة موقفها مع الّذين حاولوا قتل الإمام زين العابدين ، وكان لها أكرم يد وأفضلها رمزا لشيء عميق الدّلالة» كما قال محرّر مجلّة «الغد» ولكنّه لم يدرك نوع هذا السّر على حقيقته ، وكفاه معرفة أن يدرك ، ولو على سبيل الإجمال ، أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة.

وقد يتساءل : إذا كانت الغاية الأولى والأخيرة هي المحافظة على الإمام زين

__________________

(١) انظر ، إثبات الوصيّة للمسعودي : ١٤٣ و ٢٢٧ و ٢٣٠ ، الكافي : ١ / ٤٤٢ / ٣ ، الإختصاص للشّيخ المفيد : ٢١٠ ، إكمال الدّين : ٣١١ / ١ ، و : ١ / ٢٣٦ ح ٥٣ طبعة آخر ، فرائد السّمطين للجويني : ٢ / ١٣٦ ح ٤٣٢ ـ ٤٣٥ و ٣١٩ ح ٥٧١ و ١٣٢ ح ٤٣١ ، ألقاب الرّسول وعترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ١٧٠ ، أمالي الشّيخ الطّوسي : ١ / ١٧ ، عيون أخبار الرّضا : ١ / ٤٠ ح ١ ، و : ٢ / ٢٣٧ ح ٢٢ ، كتاب الغيبة للنّعماني : ٦٢ و ٦٦ ، كتاب الغيبة للطة وسي : ١٤٣ ح ١٠٨ و ١٩٥ ح ١٥٩ ، الإرشاد : ٢ / ١٣٨ ، غاية المرام : ٧٤٣ ح ٥٧ ، العمدة لابن البطريق : ٤١٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ٣٠٩ ح ٤٢٧٩ ، صحيح البخاري : ٨ / ١٠٤ ، و : ٩ / ٨١ ، صحيح مسلم : ٦ / ٤ ، و : ٢ / ١٨٣ و ١٨٤ / ١٨٢٢ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٣٤٠ باب ٤٠ / ٢٣٢٣ ، مودّة القربى : ٢٩ ، كتاب سليم بن قيس : ٢٣ ح ٧ ، كفاية الأثر : ١٩ ، مسند أحمد : ١ / ٣٩٨ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٧٢ ، مختصر البصائر : ٣٩ ، معاني الأخبار : ٣٥ ، أمالي الصّدوق : ١٢٤ ح ١٣.

١٨٩

العابدين فلماذا صحبه الحسين معه إلى كربلاء؟ ولماذا لم يبقه في حرم جدّه الرّسول؟

والجواب : أنّ المدينة كانت تحت سيطرة الأمويّين ، وكان فيها مروان ابن الحكم الّذي أشار على الوليد بقتل الحسين ، فكيف يأمن الحسين على أهله ، وهم بين أيدي الطّغاة ، وفي حكم أشدّ النّاس لؤما وعداءا للحسين ولكلّ من يمتّ إليه بسبب أو نسب.

وقد اسلفنا أنّ الأمويّين أصدروا أمرهم بقتل أولاد الحسين حتّى الطّفل الرّضيع ، فهل يعفون ويصفحون عن خليفته وأكبر أولاده ووارث علمه؟! وهل للأمويّين هدف من قتل الحسين وأولاده وأصحاب أبيه وأصحابه إلّا القضاء على كلّ أثر لأبي الحسين وجدّ الحسين؟!.

ومرّة ثانية نقول مع محرّر المجلّة : «أنّ السّيّدة زينب رمز لشيء عميق الدّلالة». أنّها لكلمة بالغة ، ما أنطق بها الكاتب إلّا الحقّ ، وإلّا عظمة السّيّدة ، أنّها لكلمة تحمل من المعاني ما تضيق عنها المجلّدات ؛ وكلّ مآثر أهل البيت الطّاهر لا تتّسع لها الكتب والأسفار.

١٩٠

الإمام الصّادقعليه‌السلام

في هذه السّنّة (١٣٨٠ ه‍) ظهر في الرّياض عاصمة المملكة السّعوديّة مجلّة تحمل اسم «راية الإسلام» ، وصاحب الإمتياز اسمه الشّيخ عبد اللّطيف بن إبراهيم آل الشّيخ. ورئيس التّحرير الشّيخ صالح بن محمّد بن لحيدان ، والمدير الشّيخ عليّ بن حمد الصّالحي(١) . «ثلاثة ليس ليس لهم شبيه» باعوا أنفسهم للشّيطان ، وقبضوا الثّمن كاملا ، فجرى منهم مجرى الدّم في العروق ، وما خالفوا له قولا ، ولا عصوا له أمرا حتّى أصاب منهم كل ما يبتغي ، وحتّى أصبحوا له نصيبا مفروضا ، وأطوع له من بنانه ، يديره كيف شاء ، ومتى أراد ، فإذا تكلموا فبلسانه ، وإذا كتبوا فبقلمه ، وإذا فكّروا فبوحي منه يفكرون ، وإذا فعلوا فبأمره يعملون.

وفي ربيع الآخر سنة (١٣٨٠ ه‍) صدرت الأوامر لهؤلاء «الثّلاثة» من سيّدهم «أبي مرّة» أن يكتبوا في مجلّته «راية الشّيطان» مقالا وضع لهم تصاميمه ، ورسم معالمه ، ثمّ أوحى إليهم أن يقيموا عليها أركانه وبنيانه ، فنشروا مقالا في العدد الخامس بعنوان «خطاب موجّه لشيخ الجامع الأزهر» ، وقّعوه

__________________

(١) كان من نتيجة الرّدود والإحتجاجات الّتي قام بها علماء جبل عامل ، وأهل القطيف ، والبحرين أن طرد المسؤولون في السّعوديّة الشّيخ الصّالحي من إدارة المجلّة. (منهقدس‌سره ).

١٩١

باسم «إبراهيم الجبهان». وهذي هي الأسّس الّتي أوحى بها إبليس إلى شيوخه ، واحتواها مقال آله ورجاله.

١ ـ التّهجم على شيخ الأزهر بألفاظ السّفاهة والجهالة ؛ لأنّه ناصر دعوة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة ، وهذه الدّعوة ترضي الله الّذي قال :( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا ) (١) ، وتغضب سيّدهم إبليس الّذي يفرّق بين المرء وزوّجه ، ويبث التّعصب ، والشّقاق بين العباد.

٢ ـ نعت الإمام الصّادقعليه‌السلام بما يهتزّ له العرش ، ويقوم له الكون بما فيه ، افتروا على عظمته لا لشيء إلّا لأنّه إمام العلم والدّين ، وقائد الخير والحقّ ، وحرب على الشّرك والمشركين ، وعزّ للإسلام والمسلمين ، وإلّا ، لأنّه مهجة الرّسول النّاطق بلسانه ، والحافظ لشريعته وتعاليمه.

٣ ـ تكفير الشّيعة بعامّة ، والإماميّة منهم بخاصّة ، والتّحريض على قتلهم وإبادتهم ، لأنّهم يعبدون الله مخلصين له الدّين ، لا يوالون فاجرا ، ولا يهادنون جائرا ، ولا يساومون مستعمرا.

هذي هي الأسّس الّتي رسمها الشّيطان لشيوخه ، وبنوا عليها بنيانه في مجلّته ، فتصدى لهم علماء جبل عامل في لبنان الّذين كانوا وما زالوا الرّكن الرّكين للإسلام ، والحصن للتّشيّع ومباديء أهل البيت الكرام ، فاحتجوا لدى المسؤلين في السّعوديّة ، وفي سفارتها ببيروت ، ونشروا الرّدود في المجلّات والجرائد ، كما قام أهل القطيف ، والبحرين بواجبهم في هذه السّبيل ، وهدموا ما بناه شيوخ مجلّة الشّيطان ونقضوا ما دبروا ، وعليه تآمروا ، حتّى اضطروهم

__________________

(١) الأنفال : ٤٦.

١٩٢

مرغمين إلى أن يكتبوا في العدد السّابع من هذه المجلّة مقالا ضافيا عن الإمام الصّادق وعظمته عند الله والنّاس ، فاقرّوا بالحقّ بعد أن جحدوا ، وأكذبوا أنفسهم بأنفسهم. وممّا جاء في المقال المذكور :

«نحن الآن بصدد علم من أعلام الإسلام ، وسيّد من سادات المسلمين ، لم يكن أميرا ولا ملكا ، ولم يكن قائدا ولا خليفة ، ولكنّه أسمى من ذلك وأجل ، أنّه عالم من خيار علماء المسلمين ، وخيرة بني هاشم ، أنّه من سلالة آل بيت الرّسول الّذي نكن لهم كلّ حبّ واحترام ، والّذين لا يحصل إيمان أحد إلّا وقلبه عامر بحبّ رسول الله وآله ، فآل البيت عند أهل السّنّة مكرمون محترمون معترف لهم فضلهم وقربهم من الرّسول ، وحبّهم دين وصلاح ، والتّرضي عنهم مبدأ يسير المسلمون عليه ، وصاحبنا من أفضل أهل البيت ، ولم يأت بعده أفضل ولا أتقى منه ، فهو الإمام الّذي اتّفق المسلمون على اختلاف طوائفهم وتعدد مذاهبهم على إمامته وورعه وتقواه ، وأثنوا عليه ومدحوه ، لفضله وزهده ، وعلمه ، وقرابته من رسول الله ونشر العلم ، وأخذ عنه خلق كثير ، وروى عنه سادة الأمّة وخيارها أمثال سفيان الثّوري ، وابن عيّنية ، وسلمان بن بلال ، والدّراوردي ، وابن حازم ، وأبو حنيفة ، ومالك وقال أبو حاتم : «لا يسأل عن مثله»(١) . وقال عمر بن المقداد : «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النّبيّين»(٢) ،

__________________

(١) انظر ، الجرح والتّعديل : ٢ / ٤٨٧ رقم «١٩٨٧» ، ميزان الإعتدال في نقد الرّجال : ٢ / ١٤٤ رقم «١٥٢١» ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٨٨ رقم «١٥٦» ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٨.

(٢) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ١٠٤ ، حلية الأولياء : ٣ / ١٩٣ ، تذكرة الخواصّ : ٣٤٢ ، ينابيع المودّة : ٣ / ١٦٠ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٣.

١٩٣

وأثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيميّة(١) في منهاج السّنّة ، وقال عنه : «أنّه من خيار أهل الفضل والدّين»(٢) ، وأشاد بفضله. وقال السّخاوي : «كان من سادات أهل البيت فقها ، وعلما ، وفضلا ، وجودا ، يصلح للخلافة بسؤدده ، وفضله ، وعلمه ، وشرفه ..»(٣) .

وقال عنه أبو حنيفة : «ما رأيت أفقه منه»(٤) .

وقال عنه مالك : «اختلفت إليه زمانا ، فما كنت أراه إلّا مصلّيا أو صائما ، وما رأيته يحدّث إلّا على طهارة»(٥) .

هذا ما قالته المجلّة في عددها السّابع بعد أن نشرت ما نشرته في العدد الخامس ، وهكذا أنكر أبو سفيان نبوّة محمّد ، وقاد الجيوش لحربه في بدر ، واحد ، والخندق ، ثمّ آمن به حين جاء نصر الله والفتح!

كتبت ردّا على مجلّة الشّيوخ الثّلاثة نشرته العرفان في عدد تشرين الثّاني سنة (١٩٦٠ م) ، ثمّ نشر في كراسة مستقلة.

ورغب إليّ بعض الإخوان الأفاضل أن أكتب كلمة حول كتاب جديد ، اسمه

__________________

(١) ابن تيميّة الحجّة الكبرى والقدوة العظمى عند الوهابيّين. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، منهاج السّنّة : ٤ / ٢٠٩.

(٣) انظر ، القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشّفيع ، للحافظ السّخاوي : ١١٣ ، رجال مسلم : ١ / ١٢٠ رقم «٢٢١» ، سير أعلام النّبلاء : ١٣ / ١٢٠ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٩١ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٢.

(٤) انظر ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٩ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١٣٢ ، جامع مسانيد أبي حنيفة : ١ / ٢٢٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧٨ ، سير أعلام النّبلاء : ٦ / ٢٥٧.

(٥) انظر ، تهذيب الكمال : ٥ / ٧٨ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ١٦٦ ، سير أعلام النّبلاء : ٦ / ٢٥٧ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ١٣٣.

١٩٤

«الإمام الصّادق» لفضيلة الأستاذ العالم الشّيخ محمّد «أبو زهرة» ، وفي نفس الوقت طلب منّي الأستاذ نزار أن أكتب للعرفان مقالا مستقلا عن الإمام الصّادقعليه‌السلام ، لا أتعرض فيه لكتاب أبي زهرة ، لا تأيّيدا ولا تفنيدا ، وحجّته في تبرير هذا الشّرط أن يعرف أصحاب مجلّة الشّيطان على آيّة عظمة تجرأوا ، ومن أيّة قداسة نالوا ، فيأتي المقال ردّا ضمنيّا بعد الرّد الصّريح.

وما دامت هذي هي الغاية الأولى والأخيرة من هذا المقال(١) ، فإنّي أنقل للقرّاء ما ذكره الشّيخ أبو زهرة من النّعوت والأوصاف الّتي وصف بها الإمام الصّادق في كتابه المذكور ، هذا مع العلم بأنّ صاحب الكتاب أزهري ، بل من شيوخ الأزهر الكبّار ، والمؤلّفين المكثرين ، والباحثين المعروفين ، وقد بلغت صفحات الكتاب (٥٦٨) بالقطع الكبير ، وكلّها أو جلّها أرقام وشواهد على إمامة الصّادق في الدّين والعلوم ، وعلو منزلته في الفضائل ومكارم الأخلاق كاملة دون استثناء.

وقد اقتبست من مجموع صفحات الكتاب وسطوره كلمتي التالية مشيرا في آخرها إلى بعض الملاحظات. وسلفا أقول : أنّها لم تف بالغاية من عظمة الإمام الصّادق الّتي صورها الشّيخ في كتابه ، فلقد أبرز من شخصيّة الإمام ما لا يفي به إلّا كتاب ضخم في حجم كتابه الحافل ، وليس من شكّ أنّ إيمانه بقوى شخصيّة

__________________

(١) لم يكن من قصدي إدراج هذا المقال هنا ، بل كان العزم على نشره في العرفان ، وكفى ، ولكن رغب إليّ أكثر من واحد أن أنشره في كراسة على حدة ، وجاءتني رسائل بذلك من بعش الإخوان في البحرين بعد أن علموا به ، فرأيت أن أنشره هنا وفي العرفان ، لأنّ رسالتي أن تعم مناقب الآل الكرام كلّ مكان وزمان ، وأن تتردّد على كلّ لسان ، وفي كلّ صحيفة وكتاب ، هذا بالإضافة إلى أنّي عرّفت كتابي هذا في المقدّمة «بأنّ فيه ذكرا لآل الرّسول ، ولا شيء أكثر من ذلك». (منهقدس‌سره ).

١٩٥

الإمام وغزارتها قد اسعفاه وأمدّاه بتلك الصّحفات الطّوال ، وعكسا في نفسه وعقله سطورها وكلماتها.

استمع إلى المؤلّف ، وهو يقول في أوّل صفحة من مقدّمة الكتاب : كتبنا عن سبعة من الأئمّة الكرام ، وتأخرنا في الكتابة عن الإمام الصّادق تهيّبا لمقامه.

ثمّ أنّ الشّيخ الفاضل يوافق الإماميّة الإثني عشريّة عن علم وإيمان بكلّ ما يعتقدونه بالإمام الصّادق ، ولا يخالفهم إلّا في أمرين : الأوّل في وجوب العصمة له ، والثّاني في أنّه إمام سياسي ، كما أنّه إمام ديني بالنّص من إمام عن إمام إلى أن ينتهي النّص إلى الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله . أنّ الشّيخ أبا زهرة يعتقد بإمامة الصّادق في الدّين والعلوم ، وأنّه الفصل والفارق بين الحقّ والباطل ، كما جاء في : ١٨٤ ، ولكنّه يختلف عن الإماميّة بالإتّجاه ، وقد بين ذلك صراحة في : ٧٤ حيث قال ما نصّه بالحرف الواحد :

«ندرس الإمام الصّادق بنظرنا وتفكيرنا وباتّجاهنا ، ولسنا بصدد تقرير ما يراه الّذين حملوا اسم الجعفريّة فقط ، ولا ضير في أن يختلف نظرنا إلى الإمام عن نظرهم ما دامت النّتيجة هي بيان شأن الإمام ، وبيان علو قدره ، وقد اعلوه بنظرهم ، ونعليه بنظرنا ، والغاية واحدة ، وحسبه شرفا أنّه يصل إلى أعلى مراتب الرّفعة باتّجاهنا واتّجاههم ، ونظرنا ونظرهم».

والآن ، وبعد هذا التّمهيد تعالوا معي لنرى إلى هذه الشّرارة من القبس الّذي آتانا به فضيلة المؤلّف من نور الإمام الصّادق وهديه :

١٩٦

نسبه :

ينتهي نسبه إلى سيف الله المسلول ، وفارس الإسلام عليّ بن أبي طالب ، وقد نال فوق هذا كلّه أكبر شرف في الإسلام بعد العمل الصّالح ، وهو من عترة النّبيّ الطّاهرة(١) .

وصفه الجسمي :

كان ربعة ليس بالطّويل ولا بالقصير ، أبيض الوجه أزهر ، له لمعان كأنّه سراج ، أسود الشّعر أجعده ، أشم الأنف ، وقد انحسر الشّعر عن جبينه فبدا مزهرا ، على خدّه خال أسود ، ولمّا تقدّم في السّن زاده الشّيب بهاء ووقارا وجلالا وهيبة(٢) .

تسميّته بالصّادق :

قال ابن خلّكان في كتاب وفيّات الأعيان : «لقّب بالصّادق لصدق مقالته»(٣) . وقال أبو زهرة : «ومن يكون أصدق قولا ممّن لقّبه الخصوم

__________________

(١) انظر ، كشف الغمّة : ٢ / ١٥٥ و ١٦١ و ١٨٧ ، عمدة الطّالب : ١٩٥ ، مطالب السّؤول : ٨١ ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٩١ ، صفوة الصّفوة : ٢ / ٦١ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٣٠٤ ، و : ٢ / ١٧٩ طبعة آخر ، الكافي : ١ / ٤٧٢ ، البحار : ٤٧ / ١ ح ١ ، و ٤ ح ١٢ ، و ٦ ح ١٧ ، دلائل الإمامة : ١١١ ، تذكرة الحفّاظ : ١ / ١٦٦ ، كفاية الطّالب : ٤٥٥ ، الفصول المهمّة : ٢ / ٢٣٧ ، بتحقّيقنا.

(٢) انظر ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٢٣٨ ، بتحقيقنا) ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ٤٠٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٨٨ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الجامع الصّغير : ١ / ٢٣٨ ح ٣٩٨ ، التّمهيد لابن عبد البر : ٢ / ٦٦ ، تحفة الأحوذي : ١ / ١١٥ ، فيض القدير : ٣ / ٢٢٩ ، لسان الميزان : ٧ / ١٩٠ رقم «٢٥٢٦» ، تقريب التّهذيب : ١ / ١٤١ رقم «٩٥٠».

١٩٧

والأولياء ، والتأريخ كلّه بالصّادق ، وهو الإمام أبو عبد الله رضي الله عنه(١) وعن آبائه الأكرمين الأبرار الأطهار. ومن الأئمّة من اختلف فيه النّاس بين موال غالي في ولايته ، وخصم غالى في خصومته ، والإمام الصّادق أجمع العلماء على فضله ، وإذا غالى كثيرون في محبّته ، فإنّه لم يكن العكس بالنّسبة إلى الإمام الصّادق ، حيث لم يغال في عداوته أحد ، بل لم يعاده أحد(٢) .

صفاته النّفسيّة :

أمّا صفاته النّفسيّة والعقليّة فقد علا بها على أهل الأرض ، وأنّى لأهل الأرض أن يسامتوا أهل السّماء؟! سمو في الغاية ، تجرد في الحقّ ، ورياضة للنّفس ، وانصراف إلى العلم ، والعبادة ، وابتعاد عن الدّنيا ومآربها ، وبصيرة تبدّد الظّلمات ، وإخلاص لا يفوته إخلاص ، لأنّه من معدنه ، من شجرة النّبوّة ، وإذا لم يكن الإخلاص في عترة النّبيّ ، وأحفاد عليّ ففيمن يكون؟! فلقد توارث أحفاد عليّ الإخلاص خلفا عن سلف ، وفرعا من أصل ، فكانوا يحبّون لله ، ويبغضون لله ويعتبرون ذلك من أصول الإيمان وظواهر اليقين.

والصّادق مصداق لقوله تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) (٣) ، وهو من أولياء الله الّذين قال فيهم :( أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ

__________________

(١) انظر ، تأريخ الخشّاب : ١٨٨ ، مقصد الرّاغب : ١٥٦ ، تأريخ أهل البيتعليهم‌السلام : ١٣٨ ، الهداية الكبرى: ٢٤٧ ، دلائل الإمامة : ١١٢ ، المعارف : ٢١٥ ، كفاية الطّالب : ٤٥٥.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق ، أبو زهرة : ٣٦ ، الهداية الكبرى : ٢٤٧.

(٣) فاطر : ٣٢.

١٩٨

وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) ، وهو من الّذين عناهم جدّه الرّسول بقوله : «أنّ الله يحبّ ذا البصر النّافذ عند ورود الشّبهات ، ويحب ذا العقل الكامل عند حلول المشكلات»(٢) . ومن غير الصّادق يبدد الشّبهات بعقله النّير ، وبصيرته الهادية المرشدة؟!.

وكان عليّ بي أبي طالب من أسخى الصّحابة ، بل من أسخى العرب ، وقد كان أحفاده كذلك من بعده ، فزين العابدين كان يحمل الطّعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلّا من بعده(٣) ، فلم يكن غريبا أن يكون الإمام الصّادق النّابت في ذلك البيت الكريم سخيّا جوادا ، فقد يعطي حتّى لا يبقي لعياله شيئا.

وكان حليما لا يقابل الإساءة بمثلها ، بل يقابلها بالّتي هي أحسن عملا بقوله تعالى :( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٤) .

أمّا الشّجاعة فقد كانت ملازمة لذرّيّة عليّ ، وهي فيهم كالجبلّة ، لا يهابون الموت ، وبخاصّة من يكونون في مثل حال أبي عبد الله الصّادق الّذي عمر الإيمان قلبه ، وانصرف عن الأهواء والشّهوات ، واستولى عليه خوف الله تعالى وحده ، ومن عمر قلبه بالإيمان لا يخاف أحدا إلّا الله.

وكان ذا فراسة قوّية جعلته ذا إحساس قوي يدرك به مغبة الأمور ، والفراسة من أخلاق المؤمنين ، كما أنّ الله سبحانه قد أضفى عليه جلالا ونورا من نوره ،

__________________

(١) يونس : ٦٢.

(٢) انظر ، البداية والنّهاية : ١ / ٣٦٢ ، مسند الشّهاب : ٢ / ١٥٢ ح ١٠٨٠.

(٣) انظر ، تأريخ دمشق : ٣٦ / ١٥١ ، تأريخ اليعقوبي : ٣ / ٤٥ ، البداية والنّهاية : ٩ / ١٠٥ ، مختصر تأريخ دمشق : ١٧ / ٢٣٨ ، حلية الأولياء : ٣ / ١٣٦.

(٤) المؤمنون : ٩٦.

١٩٩

وذلك لكثرة عبادته وصمته عن اللّغو ، وقد راع أبا حنيفة منظر الإمام الصّادق ، واعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الطّول والحول والقوّة ، والتقى به ابن أبي العوجاء ، وهو من دعاة الزّنادقة فارتاع ، ولم يحر جوابا ، فتعجب الصّادق من أمره ، وقال له : مالك؟! فقال : ما ينطق لساني بين يديك ، فإنّي شاهدت العلماء ، وناظرت المتكلمين ، فما داخلني قطّ مثل ما داخلني من هيبتك(١) !

هذه بعض صفاته النّفسيّة ، وببعضها يعلو على الرّجال ، ويرتفع إلى أعلى المراتب ، فكيف وقد تحلّى بهذه الصّفات وغيرها(٢) ؟!

علومه :

انصرف الإمام الصّادق بكلّه إلى العلم ، فلم يشغل نفسه بشيء سواه ، وكان مخلصا لله في إحياء العلم ونشره ، يرشد الضّال ، ويهدي إلى الحقّ ، ويردّ الشّبهات ، ويدفع الزّيغ ، ويعمل على تنقية عقائد المسلمين ممّا اعترى بعضها من الإنحراف ، ويبث روح التّسامح ، ويمنع الطّائفيّة ، فكان بذلك الإمام الصّادق حقّا ، وحفيد الإمام عليّ ، وسيّد العترة الطّاهرة.

وكان يدرس علم الكون ، وما اشتمل عليه ، ومن تلاميذه الكيمائي الشّهير جابر بن حيّان(٣) ، تلقى عنده علم الكيمياء ، ووضع فيه رسائل ، طبع منها

__________________

(١) انظر ، بحار الأنوار : ٣ / ٤٦.

(٢) انظر ، الإمام الصّادق ، الشّيخ أبو زهرة : ٣٦.

(٣) جابر بن حيّان بن عبد الله الكوفي ، أبو موسى : فيلسوف كيميائي ، كان يعرف بالصّوفي. من أهل ـ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الحسين ومعنى الإستشهاد

بقلم كمال النّجمي

في طباعة كويتيّة أنيقة ، صدرت هذه المسرحيّة الشّعريّة ذات الفصول الخمسة والمناظر العشرين

طباعتها كويتيّة لأنّ مؤلّفها الشّاعر المصري الشّاب محمّد العفيفي مقيم في الكويت الآن ، يعمل مدرسا أو موظفا بعد أن عمل في الصّحافة المصريّة بضع سنوات.

وقد رحلت معه إلى الكويت شاعريته ، وسوف تعود معه حين يعود ، لأنّها شاعريّة حقّيقيّة أشبه بشاعرية أعرابي قديم مطبوع على قول الشّعر حيثما كان!

والعفيفي يكاد يكون غريبا بين شعراء زماننا ، فإنّ فصاحة بيانه تلحقه بالأقدمين ، ولكن تطور فنّه الشّعري يلحقه بالأحدثين. وقد نجا من عجمة الشّعارير الشّبان أدعياء التّجديد ، ومن جمود الشّعراء الكهول النّائمين على التّراث ، ولكن العوائق في طريقه لم تتح له حتّى الآن بلوغ المرام!

ومسرحيّة الشّعرية الجديدة الّتي طارت إلينا من الكويت ، هي ثالث مسرحياته الشّعرية ، وله أيضا ديوانان من الشّعر الغنائي

عنوان المسرحيّة الجديدة : «هكذا تكلّم الحسين» فهل تقوم هذه

٤٠١

المسرحيّة على كلام الحسين؟! وكيف يمكن أن تقوم مسرحيّة على الكلام لا على الفعل وقد قرّر سادتنا نقاد الدّراما في صحائفهم المهيبة أنّ المسرح فعل لا كلام؟!.

الحقيقة أنّ العفيفي كان يسعه أن يسمي مسرحيته : «هكذا فعل الحسين» لو لا أنّ الحسين حين قال فعل ، فكلامه كان دعوة إلى عمل ، وبداية عمل ، ودفاعا عن عمل وفي النّهاية مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا!

أراد الشّاعر أن يبين بالفعل أو بالدّراما أنّ الكلمة حين تنبعث مخلصة صادقة ، لا تنطفيء في العواصف بل تتضوأ عملا ونجاحا ، أو تشتعل مقاومة واستشهادا. وإذا فاتها الصّدق والإخلاص ، فما أفدح الكارثة وما أرخص الكلام!

مع ذلك ، فعنوان المسرحيّة ليس كبير الأهميّة ، بل ليس مهما على الإطلاق المهم حقّا هو المسرحيّة ذاتها بفنّها ، وفكرها ، وشعرها ، وصراعها وما تضيفه إلى المسرح الشّعري العربي الّذي ما زال منذ بدأه شوقي قبل أربعين عامّا يخطو بعناء كأنّه يخطو على الأشواك!.

والإمام الحسين بن عليّ ـ بطل المسرحيّة ـ شخصيّة تأريخيّة لا يجهلها أحد. وما زال التّأريخ مهجرا خصبا للشّعر المسرحي في العالم كلّه قديما وحديثا ، لأنّ الشّخصيات التّأريخيّة بطبيعة الحال هالات خاصّة ترفعها فوق الواقع المعاشر ، فإذا نطقت شعرا لم يستشعر جمهور المسرح تكلفا فيما يسمع من هذا الشّعر ولو كان فخما جزلا ، موزونا مقفى

إلّا أنّ التّأريخ وإن كان مهجرا للشّعر المسرحي فإنّه ليس حيلة يهرب بها من

٤٠٢

الحياة المعاصرة. وإذا فرغت المسرحيّة الشّعريّة من مضمون قادر على مخاطبة العصر فرغت من الحياة.

ومسرحيّة «هكذا تكلّم الحسين» تعود بنا سياسيّا وفكريّا إلى القرن الأوّل الهجري ، ولكنّها تقف على خشبة عصرنا بمضمون لم يستنفد أغراضه ، فضلا عن أنّها بغير هذا المضمون الإنساني الشّامل قادرة على مخاطبة جمهور ديني خاصّ ، هو جمهور الشّيعة ، ومأساة الحسين جرح في قلب هذا الجمهور لا يندمل!

تدور المسرحيّة حول الصّراع بين الإمام الحسين بن عليّ وبين الخليفة يزيد ابن معاوية الّذي طلب البيعة في بداية خلافته من الحسين وأنصاره في مدينة الرّسول ، فغادرها الحسين متوجّها إلى الكوفة في العراق استجابة لدعوة أهلها ، ولكن جند يزيد حالوا بين الحسين وبين الكوفة ، وحاصروه في كربلاء ومنعوا عنه الماء ، وكان جند يزيد بضعة آلآف ، ولم يكن يصحب الحسين إلّا بضع عشرات من أنصاره وبعض الأطفال ، والنّساء من آل بيته

وقال جند يزيد للحسين : بايع ليزيد ، نرفع عنك الحصار ولا ينلك منّا أذى وتذهب حيث أردت! فلم يبايع ، وصمّم على معارضة يزيد ، لأنّه تولّى الخلافة عنوة وأحالها إلى فراش غرام ومجلس شراب ، وانتهك حدود الدّين ، وظلم العباد ، وأفسد في البلاد

وجادل الحسين قادة جند يزيد مجادلة بليغة طويلة حتّى أوشك بعض الجند أن ينضمّوا إليه مقتنعين بوجهة نظره ، ولكنّ السّيف تكلّم في آخر الأمر ، وعصفت السّهام والنّبال ، فاستشهد الحسين ورجاله القلائل الشّجعان في حرب غير متكافئة كان الرّجل منهم يقاتل فيها مئة أو أكثر من جند الخليفة المغتصب

٤٠٣

للخلافة انهزمت كلمات الحسين وانتصرت أسلحة يزيد.

كان الحسين مناضلا بالقول والعمل ، على طريقة المسلمين الأوّلين ، وشتّان بينها وبين طريقة أهل الطّريق والصّوفيّين. ولو كان الحسين متصوفا لقبع في دار أو لجأ إلى «الخانقاه» يتعبد ويأكل من مال السّلطان.

ولكنّ الحسين خرج يتكلّم ويرشد النّاس ويزع المفسدين ويجادلهم. ثمّ مشى إلى الحرب ليصبح كلامه حياة وموتا مقاومة واستشهادا.

٤٠٤

السّيّدة زينب(١)

قال عليه الصلاة والسّلام ، «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرّم لذرّيتي ، والقاضي حوائجهم ، والسّاعي لهم في امورهم عندما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه»(٢) .

والسّيّدة زينب رضي الله عنها من هذه الذرّيّة الطّاهرة الصّالحة المؤمنة ، أمّها فاطمة الزّهراء بنت الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، وأبوها عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

ولدت في شعبان من السّنّة الخامسة للهجرة ، فحملتها أمّها وجاءت بها إلى أبيها ، وقالت :

ـ سمّ هذه المولودة.

فقال لها رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، جريدة الجمهورية المصرية (٣١ / ١٠ / ١٩٧٢ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٢٤ الطّبعة الأولى ، مودّة القربى : ١٣ ، كنز العمّال : ١٢ / ١٠٠ ح ٣٤١٨٠ ، و : ٨ / ١٥١ ، و : ٦ / ٢١٧ ، جواهر العقدين : ٢ / ٢٧٤ ، الصّواعق المحرقة : ١٧٥ و ١٧٦ ، الفصول المهمّة في أحوال الأئمّة : ١ / ١٧٦ ، بتحقّيقنا ، ذخائر العقبى : ١٨ ، ينابيع المودّة لذوي القربى : ٢ / ١١٥ ح ٣٢٥ و ٣٨٠ و ٤٦٤ ح ٢٩٧ ، الإشراف على فضل الأشراف لإبراهيم السّمهوديّ : ٢٤٢ بتحقّيقنا ، تسديد القوس في ترتيب مسند الفردوس ، مخطوط ورقة (٣٥) ، مسند زيد بن عليّ : ٤٦٣.

٤٠٥

ما كنت لأسبق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في سفر له.

ولمّا جاء النّبيّ وسأله عن اسمها قال :

ما كنت لأسبق ربّي.

فهبط جبريل يقرأ على النّبيّ السّلام من الله الجليل وقال له :

اسم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم(١) .

ولقيت زينب من جدّها الأعظم كلّ عطف ومحبّة وحنان وأسبغ الله عليها نور النّبوّة والحكمة ، ودرجت تلك الدّرّة في بيت الرّسالة ، ورضعت لبان الوحي من لدى الزّهراء البتول.

وللسّيّدة زينب في طفولتها مواقف تريح النّفس ، وتطمئن الحسّ ، وتبشر بمستقبل لها عظيم ، فقد حدث إن كانت جالسة في حجر أبيها يلاطفها قائلا :

(قولي : واحد.

فقالت : واحد.

قولي : اثنين فسكتت ، فقال عليّ بن أبي طالب :

ـ تكلّمي يا قرّة عيني.

فقالت الطّاهرة :

يا أبتاه ما اطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.

وسألت أباها ذات يوم :

أتحبّنا يا أبتاه؟.

فأجاب رضى الله عنه :

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١. (منهقدس‌سره ).

٤٠٦

وكيف لا احبّكم وأنتم ثمرة فؤادي.

فقالت :

يا أبتاه أنّ الحبّ لله تعالى والشّفقة لنا)(١) .

وقدّر للسّيّدة زينب أن تفقد جدّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي في الخامسة من العمر ، وفقدت أمّها الزّهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت وهي الصّبيّة الصّغيرة عليهما حزنا شديدا ، وواجهت حياة البيت ورعته ، وأدارت شئونه بعقليّة رتيبة واعية وحسّ صادق ، وقلب مؤمن

وعند ما بلغت سنّ الزّواج طلبها شباب هاشم وقريش ، واختار لها والدها عبد الله بن جعفر.

وكتب على السّيّدة زينب الجهاد مع الحسين رضى الله عنه وتتابعت قتلى بني هاشم ، فسقط عبد الله بن عقيل ، وعون بن عبد الله بن جعفر ، ومحمّد ابن عبد الله بن جعفر ، وعبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وجعفر بن عقيل وغيرهم.

ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة غير الرّمية.

وتحرك موكب الأسرى والسّبايا من آل البيت النّبوّي الشّريف ، وما كاد الرّكب يمرّ على ساحة المعركة حتّى صاح النّساء وصاحت زينب :

«يا محمّداه! هذا حسين بالعراء مرمل بالدّماء مقطع الأعضاء؟ يا محمّد بناتك سبايا ، وذّريتك مقتلة فأبكت كلّ عدوّ وصديق(٢) .

__________________

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٤. (منهقدس‌سره ).

(٢) انظر ، خطط المقريزي : ٢ / ٢٨٩ ، ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر : ٣٣٦ ، تذكرة الخواصّ : ١٥٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٧٦ الكامل لابن الأثير : ٤ / ٣٦ ، الآثار الباقية للبيروني : ٣٢٩ ، ـ

٤٠٧

ودخل الموكب الحزين الكوفة وتجمع أهلها يبكون فقالت لهم زينب :

«أمّا بعد يا أهل الكوفة

أتبكون؟ فلا سكنت العبرة ، ولاهدأت الرّنّة

إنّما مثلكم مثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة انكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا ساء ما تزرون.

أي والله ، فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل أبدا

وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النّبوّة ، ومعدن الرّسالة ومدار حجتكم ، ومنار محجتكم ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ....؟.

لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء.

أتعجبون لو أمطرت دما.؟.

ألا ساء ما سوّلت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون.

أتدرون أي كبد فريتم؟ وأي دم سفكتم؟ وأي كريمة أبرزتم؟ لقد جئتم شيئا إدّا ، تكاد السّموات يتفطرن منه وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدّا».

قال من سمعها :

«فلم أر والله خفرة أنطق منها ، كأنّما تنزع عن لسان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فلا والله ما اتّمت حديثها حتّى ضجّ النّاس بالبكاء ، وذهلوا ، وسقط ما في ايديهم من هول تلك المحنة الدّهماء».

__________________

ـ البداية والنّهاية : ٨ / ٢١٠ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٣٦ و : ٦ / ٢٦٨ ، ذخائر العقبى : ١٥٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي : ٢ / ٢٤٥ ، بتحقّيقنا.

٤٠٨

وتكلمت فاطمة بنت الحسين فقالت في كلام لها :

«أمّا بعد ، يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر ، والغدر ، والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا فكذبتمونا وكفّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهبا.

ويّلكم ، أتدرون أي يد طاعنتنا منكم ، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ، أم بأيّة رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم ، وختم على سمعكم وبصركم وسوّل لكم الشّيطان وأملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.

«تبّا لكم يا أهل الكوفة ، أي ترات لرسول الله قبلكم؟ وذحول له لديكم؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب ، وعترته الطّيبين الأخيار»(١) .

ومرّت الأيّام ، ثمّ أمر يزيد النّعمان بن بشير أن يجهزها ومن معها بما يصلحهم في رحلتهم إلى المدينة المنورة.

وذهبت السّيّدة زينب إلى المدينة ، وكان وجودها فيها كافيا لأنّ تلهب المشاعر ، وتؤلّب النّاس على الطغاة ، فأخرجت من المدينة بعد أن اختارت مصر دارا لإقامتها.

وقد شرّفت مصر بقدومها رضي الله عنها عند بزوغ هلال شعبان سنة إحدى وستين هجريّة.

وتقدّم لها مسلمة بن مخلّد الأنصاري وإلي مصر ، وعزّاها في خشوع وخضوع ، وبكى فبكت ، وبكى الحاضرون.

محمود يوسف

__________________

(١) انظر ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٦١ ، بلاغات النّساء : ٤ ، اللهوف في قتلى الطّفوف : ٨٧.

٤٠٩
٤١٠

ثأر الله

بقلم : أمير اسكندر

منذ ثلاثة عشر قرنا ، خرج الحسين من أرض الحجاز متوجّها صوب العراق ، ملبيّا نداء أهلها ، كي يعلي كلمة الله الحقيقية ، كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة. وكان خروجه حينذاك ، نذيرا بالنّهاية لكلّ قوى الشّر ، والبغي ، والظّلمة ، فتربصت به ، وتحفّزت له كي تخنق شعاع الضّوء الوليد ، وتحاصر كلمة الحقّ في الصّحراء تموت من الظّمأ قبل أن تبلغ أهلها

رحلة عذاب طويلة ومجيدة ، ما كان يقوى عليها سوى أصحاب الرّسالات وحدهم ناضل فيها الحسين بالكلمة والسّيف معا ، رفض السّلام الخانع وارتفع فوق السّلامة الشّخصيّة الذّليلة ، وظل حتّى آخر نبضة في جسده قوي الرّوح ، صامد الإرادة ، مرفوع الرّأس دائما ، حتّى تمكّنت منه قوى الظّلام والطّغيان فقتلته وفصلت رأسه عن جسده ، وحسبت أنّها بجريمتها قد اطمأنّت ، وأنّ الأرض من تحت أقدامها قد استقرّت. ولكنّها أدركت بعد فوات الأوان أنّها لم تستطع أن تبلغ من أمرها شيئا ، فلا السّلطان دام ولا دعوة الحقّ زالت. قتل الحسين ، ولكن كلمته غدت رسالة. قطع رأسه ولكنّه بات رمزا للشّهادة. تضرّج دمه ولكنّه أمسى في عصره ، وفي كلّ العصور ، نداء يصرخ في المؤمنين

٤١١

والمناضلين من البسطاء والفقراء أن افتحوا دائما عيونكم ، وحدّقوا في كلّ قوى الشّر الّتي تحيطكم ، واقمعوا كلّ عوامل الضّعف والتّردد والخنوع في أعماقكم واثأروا لكلمة الله الحقيقة كلمة الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة.

أيمكن أن نعثر في تراثنا على قصّة أروع من قصّة خروج الحسين واستشهاده لنستلهم منها العبرة ، والمثل ، والقدرة على الفداء؟ هل يمكن للفنّان الّذي يعيش بفكره ووجدانه هذه القصّة أن يقاوم في نفسه الرّغبة العميقة والمخلصة في تجسيد أحداثها بوسيلته الخاصّة أيّا كانت شعرا أو لونا أو نغما أو حركة ، أو هذه كلّها معا؟ وكيف يمكننا أن نظل ليل نهار نتحدّث عن التّراث العريق الّذي نملكه ، دون أن تتقدّم خطوة نحو بعث هذا التّراث ، واستخلاص أغلى ما فيه ، وأعزّ ما فيه وأبقى ما فيه ، ونشره وإشاعته بكلّ الوسائل بين النّاس

هكذا صنع شاعر كبير هو عبد الرّحمن الشّرقاوي. وهكذا صنع مخرج مسرحي كبير هو كرم مطاوع ؛ لقد كتب الشّر قاوي مأساة الحسين أو ملحمته ، في مسرحيّة شعريّة هي بالتّأكيد آخر نقطة بلغها في رحلته الفكريّة والفنيّة ، وهي أيضا آخر نقطة بلغها تطور المسرح الشّعري في بلادنا حتّى الآن. وتناولها كرم مطاوع من بعده ، فركّز فصولها ، وكثّف مشاهدها حتّى يمكّنه تجسيدها على خشبة المسرح ، لأنّها في أصلها تزيد عن أربعمئة صفحة واستغرق الإعداد والإخراج شهورا عدّة. كانت الأنباء تنشر في الصّحف خلالها ، عن قرب تقدّيمها للجمهور ، على خشبة المسرح القومي.

وأنا لا أكتب في هذا السّطور نقدا للنّص المسرحي المنشور في كتاب أو للعرض المسرحي الّذي أتيح لي أن أشهد «بروفته» النّهائية ولكنّني ـ للأسف ـ

٤١٢

أريد أن أشير إلى رحلة هذه المسرحيّة الطّويلة خلف كواليس المسرح ، وهي رحلة حافلة بأشد ألوان العذاب للفكر والضّمير ، حتّى يتاح لها أن تخرج للنّاس. ويبدو أنّ مأساة الحسين الّتي وقعت في العراق منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا(١) تتكرّر هنا مرّة أخرى رغم اختلاف الظّروف وبعد القرون. فمسرحيّة الحسين تتعرّض الآن مثلما تعرّض الحسين نفسه في الماضي للتّنكر والإنكار! وهي توشك أن تلقى مصيره الدّامي ، مختنقة وسط حصاد قوى غريبة تسلك سلوكا غير مبرّر وغير مفهوم

* * *

وحتّى يكون القاريء على بينة من القصّة كلّها ، أضع أمامه هذه الوقائع الّتي ترسم صورة تسجيليّة لكلّ ما حدث حتّى الآن

في (٨ يوليو عام ١٩٧٠ م) طلب مؤلّف المسرحيّة عبد الرّحمن الشّرقاوي من الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف فحص المسرحيّة وإبداء الرّأي فيها ، حتّى يتسنى البدء في إخراجها للمسرح القومي

رأى الأزهر تقليد متّبع في الأعمال الّتي تتناول موضوعات أو شخصيّات لها مسحة دينيّة.

في (٤ أغسطس عام ١٩٧٠ م) جاءت موافقة الأزهر الشّريف على نصّ المسرحيّة مع بعض التّحفظات الّتي تتحدد في أن يؤدي الممثّل الّذي يقوم بدور الحسين دوره متّخذا شخصيّة الرّاوية عن الحسين لا شخصية الحسين نفسه ، أي أن يبدأ كلماته قائلا «قال الحسين ...» وأن تؤدي الممثّلة الّتي تقوم بدور

__________________

(١) نحن الآن في القرن الرّابع عشر الهجري. المحقق.

٤١٣

السّيّدة زينب دورها متّخذة هي أيضا شخصية الرّاوية عن السّيّدة زينب ، لا شخصية السّيّدة زينب نفسها ، أي أن تبدأ كلماتها قائلة «قالت زينب ...» وهكذا على طول الرّواية ، وذلك كلّه حتّى يمكن تخطي عقبة التّقليد السّائر بعدم ظهور الشّخصيّات الدّينيّة على المسرح أو على شاشة السّينما والتّليفزيون. وبالفعل وافق المؤلّف والمخرج على هذه التّحفظات واقتضى ذلك خروج «عبد الله غيث وأمينة رزق» في بداية العرض إلى مقدّمة الخشبة ليقولا لجمهور المشاهدين أنّهما لا «يمثلان» الشّخصيتين الكريمتين : الحسين والسّيّدة زينب وإنّما يرويان عنهما فقط.

في (١٢ نوفمبر عام ١٩٧١ م) وافقت الرّقابة على المصنّفات الفنّية. على النّص المسرحي المقدم لها بناء على موافقة الجهات المعنيّة في الأزهر الشّريف على عرض المسرحيّة في أغسطس عام (١٩٧٠ م) ، وأصبح الأمر واضحا بعد هذا كلّه ؛ أنّ الضّوء الأخضر مفتوح إمام عرض المسرحيّة من كلّ الجهات الّتي يعنيها الأمر ، وخاصّة جهات الأزهر ، بل أنّ الدّكتور أحمد إبراهيم مهنا مدير إدارة البحوث والنّشر بمجمع البحوث الإسلاميّة أرسل إلى المؤلّف خطابا في (٢١ أكتوبر عام ١٩٧١ م) يقول له فيه : «أرجو أن تلتزموا بما اتّفق عليه بشأن مسرحيّتكم ـ يقصد عدم ظهور الحسين وزينب إلّا كراويتين ـ وفقكم الله».

بعد ذلك ، عقد إجتماع ضمّ ثمانية أشخاص هم : الدّكتور مهنا ، والشّيخ عبد المهيمن ، والأستاذ عبد الحميد جودّة السّحار رئيس هيئة المسرح والسّينما ، وسيّد بدير مدير عام الهيئة ، وحمدي غيث مستشار قطّاع المسرح ، وكرم مطاوع مخرج المسرحيّة ، وعبد الرّحمن الشّرقاوي مؤلّفها ، وسعد أردش الّذي كان

٤١٤

يشرف وقتها على المسرح القومي. واتّفق في هذا الإجتماع على الإلتزام بالتّحفظات الّتي أبداها الأزهر ؛ كما اتّفق على ضم جزئي المسرحيّة «الحسين تائرا والحسين شهيدا» وتقديمهما معا بعد التّركيز والتّكثيف في عرض واحد.

وبدأت بعدها بروفات المسرحيّة وأخذت الصّحف تنشر أنباء تتابع العمل في نموه واكتماله. ثمّ ظهرت في الصّحف والمجلّات ، وعلى جوانب الطّرقات ، الإعلانات الّتي تقول أنّ «ثأر الله» سوف تعرض على خشبة المسرح القومي هذا الأسبوع.

ولكن كانت هناك مفاجأة تنتظر الجميع. قيل : نحن لم نبد رأيا بعد في المسرحيّة! أيّة مسرحيّة؟ قيل أنّ ضم جزئي المسرحيّة وتركيزها في عرض واحد يحتاج إلى إعادة نظر ؛ ما الّذي يمكن أن يتغيّر في المسرحيّة لو عرضت في ساعة أو في سبع ساعات من وجهة نظر بعض الجهات في الأزهر الشّريف ...؟ أنّ تحفظاتها ملتزم بها سواء استغرق العرض ساعة أو عشر ساعات. أنّ مسألة الإقتصاد في الوقت والتّركيز في الفصول والتّكيّيف في المشاهد ، لأنّهم ـ بعد ذلك ـ سوى العاملين في المسرحيّة وجمهورها ونقّادها. أليس كذلك أيمكن أن تكون هذه قضية خلافية بحقّ؟ ومع ذلك فلقد أرسل لهم النّص المعد للعرض في (٩ ديسمبر عام ١٩٧١ م) أي منذ أكثر من شهرين ، وحتّى الآن لم يأت الرّد! رغم أنّ النّص الأصلي للمسرحيّة الّذي أرسل في عام (١٩٧١ م) لم تستغرق إلّا أقل من شهر واحد!.

ما ذا حدث إذن؟ ما ذا يجري خلف الكواليس؟ وأي جديد طرأ اليوم حتّى يحتاج الأمر لإعادة نظر ، وإعادة تقييم ، ومراجعة للموافقات السّابقة؟ وما الموقف الآن ، بعد أن ظهرت الإعلانات في الصّحف والمجلّات والطّرقات ،

٤١٥

واكتمل جهد فكري وفنّي كبير ، وانفق مال حلال من خزينة الدّولة.

لست أريد اليوم أن أتساءل عن الأساس الّذي يستند إليه أولئك الّذين يطالبون اليوم بإعادة النّظر ، أريد أن أسأل فحسب عن معنى الحرمان من عمل كبير هو بالتأكيد من أفضل الأعمال الّتي اتيح لمسرحنا أن يقدّمها ، ومن أكثره قيمة ، ومن أشدّها إستجابة للضّرورات الفكريّة ، والوطنيّة ، والرّوحيّة الّتي نواجهها الآن ؛ من الّذي يكسب من هذا الحرمان بحقّ؟ ومن الّذي يخسر في النّهاية؟ وباسم أيّة قيمة فكريّة ، أو دينيّة تحول جهة ما بين الجمهور وبين هذا العمل الّذي قال عنه بعض رجال الأزهر الشّريف أنفسهم مثل الأستاذ عبد الكريم الخطيب ، والشّيخ عبد الرّحيم فودة : أنّه خدمة كبيرة للقيم الإسلاميّة ، ويجب أن يعرض؟.

* * *

أنّ حرّيّة الفكر الّتي نصّ عليها الدّستور ، ليست مجرد عبارة مجردة ، ولكنّها ينبغي أن تكون فعلا وممارسة. وعلينا جميعا أن نحرص عليها ، وأن نناضل من أجلها ، فهي في النّهاية حجر الزّاوية في أي بناء إجتماعي ، وسياسي ، وثقافي متحضّر.

ونحن نناشدكم أيّها السّادة أن ترفعوا أيديكم عن هذا العمل الّذي يدافع عن أغلى وأعز ، وأبقى ما في تراثنا الماضي ، وحياتنا الرّاهنة أنّ الحسين العظيم لم يكن مجرّد شخصيّة دينيّة فقط ؛ ولكنّه كان أيضا رمزا إنسانيا نبيلا ينحني له المسلمون وغير المسلمين ، ويجسّد لهم كلّ معاني التّضحية الشّريفه في سبيل أسمى ما يدافع عنه الإنسان من قيم.

وهل هناك أسمى من قيم الحقّ ، والعدل ، والحرّيّة؟.

أليست هذه بحقّ ، كلمة الله الحقيقيّة؟

٤١٦

يسأل ابنته في العيد

من أين لك هذا؟(١)

تحدّث التّأريخ عن بطولات عليّ بن أبي طالب ، وشجاعته ، وفدائيته ، وتضحياته ، كما تحدّث عن زهده ، وعلمه ، وبلاغته ، وتلك صفحة مشرقة من حياته يرويها التّأريخ عنه ، ونستشف منها عدله ، ويقظته ، وشدّته في الحفاظ على أموال الدّولة ، وتطبيق قانون «من أين لك هذا»؟.

فقد حدّث عليّ بن أبي رافع قائلا(٢) : كنت على بيت المال أيّام ولاية عليّ بن

__________________

(١) انظر ، جريدة الأخبار المصريّة : (٢ / ١ / ١٩٦٨ م). (منهقدس‌سره ).

(٢) أبو رافع : هو مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز ، وصالح.

يعدّ في الطّبقة الأولى من الشّيعة ، كان قبطيّا عند العبّاس بن عبد المطّلب ، فوهبه لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا بشّرصلى‌الله‌عليه‌وآله بإسلام العبّاس أعتقه.

هاجر من مكّة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

لزم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الإمام عليه‌السلام رجع إلى المدينة مع الإمام الحسن عليه‌السلام ، حيث أعطاه قسما من بيت عليّ عليه‌السلام ، لأنّه باع داره عند خروجه مع الإمام عليّ عليه‌السلام إلى الكوفة.

انظر ، ترجمته في : طبقات ابن سعد : ٤ / ٧٣ ق ٤ ، اسد الغابة : ١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٤ / ٢١٢ ح ٢ ، و : ١٢ / ١٠٠ ، الإصابة : ١١ / ١٢٨ ، رجال النّجاشي : ٤ / ١ ، الكنى والألقاب : ١ / ١٧٤ ، تنقيح المقال : ٣ / ١٦ (باب الكنى) ، وتأسيس الشّيعة : ٣١٩ و ٣٤١ ، أعيان الشّيعة :

٤١٧

أبي طالب رضى الله عنه ، وكان في بيت المال عقد ، فأرسلت إليّ بنت عليّ بن أبي طالب تقول : بلغني أنّ في بيت المال عقد لؤلؤ ، واحبّ أن أستعيره لأتجمّل به في يوم عيد الأضحى ، فأرسلت إليها قائلا : العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ، فقبلت ، وردّت تقول : نعم ، العقد عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيّام ؛ فدفعتها إليها.

فلمّا رآه أمير المؤمنين في جيدها قال لها : من أين جاء إليك هذا العقد؟.

فقالت : استعرته من ابن أبي رافع لأتزيّن به يوم العيد ثمّ أردّه.

فبعث أمير المؤمنين إلى ابن أبي رافع وابتدره بقوله : يا ابن أبي رافع ، أتخون المسلمين؟.

قال : معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أخون المسلمين.

فقال : قد أعرت العقد الّذي في بيت المال بغير إذني ورضاي.

قال : يا أمير المؤمنين أنّها ابنتك.

فقال عليّ رضى الله عنه : ردّه من يومك ، وإيّاك أن تعود إلى مثل هذا ، فتلك عقوبتي ، وويل لابنتي(١) .

عليّ عمران

__________________

ـ ٢ / ٣٥٠ ، سير أعلام النّبلاء : ٢ / ١٦ / ٣ ، الجرح والتّعديل : ٢ / ١٤٩ ، تأريخ ابن معين : ٧٠٤.

والرّاوي لهذه القصّة هو عليّ بن أبي رافع ، والّذي عدّه الشّيخ من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان كاتبا له ، ومن خواصّ أصحابه ، وله كتاب في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكتاب في من شهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الجمل ، وصفّين ، والنّهروان من الصّحابة.

انظر ، رجال النّجاشي : ٣ ، رجال البرقي : ٤ ، رجال الطّوسي : ٤٧ ، اسد الغابة : ٢ / ١٥٥ ، الإصابة : ١ / ٤٨٥.

(١) انظر ، تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٥١ ، وسائل الشّيعة : ٢٨ / ٢٩٢ ح ١ ، مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٧٥ ، حلية الأبرار : ٢ / ٢٨٦ ، بحار الأنوار : ٤٠ / ٣٣٨ ح ٢٢.

٤١٨

أهل البيت

بقلم : محسن محمّد

تلاشى الزّمن اختفت القرون الّتي تفصل بيني وبينهم وأحسست كأنّي أقف أمامهم في بيت النّبوّة.

هؤلاء هم «أهل البيت» فاطمة الزّهراء ـ ابنة النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوّجها عليّ ـ ابن عمّ الرّسول ـ وأولادهما الحسن والحسين وأحفادهما(١) .

ولقد زرت مكّة والمدينة ، ووقفت بكربلاء وعبرت الطّريق إلى النّجف والكوفة وتمثّلت لي في كلّ لحظة مواقفهم بطولاتهم استشهادهم.

ولقد سرح بي الفكر فيما رأيت من بقايا آثارهم وأنا أقرأ آخر وأحدث ما كتب عنهم قد جمعهم المؤلّف في كتاب واحد وروى قصصّ حياتهم وآراءهم وحكاياتهم ومواقفهما البطوليّة والإنسانيّة معا ووصاياهم لأهلهم وللنّاس ، ولا يوجد سطر في هذا الكتاب الجديد ـ أكثر من (٦٠٠) صحفة ، إلّا وقد عزّزه الكاتب الباحث المحقّق بدليل تأريخي يؤيد وجهة نظره وبمرجع عربي أو أجنبي وبوقائع ثابتة ومحدّدة وينتهي الكاتب إلى

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

٤١٩

النّتيجة الّتي ينتهي إليها وتحس في نهاية المطاف بأنّه لا توجد نهاية أخرى أو نتيجة أخرى غير تلك الّتي وصل إليها الكاتب توفيق أبو علم وكيل وزارة العدل ورئيس مجلس إدارة مسجد السّيّدة نفسية وهي واحدة من أهل البيت.

فالكتاب خلاصة حبّ طويل وشفافيّة استغرقت العمر كلّه وكلّ صفحة من الكتاب تجعلك تشعر بأنّ الكاتب يريد أن ينقل إليك الحبّ الكبير الّذي عاشه ، ووهبه لأهل البيت.

أصغر البنات

هذه هي السّيّدة فاطمة الزّهراء أصغر بنات الرّسول وأحبّهنّ إليه.

أمّها السّيّدة خديجة الّتي جاءها النّبيّ من غار حرّاء بعد نزول الوحي خائفا متردّدا غريب النّظرات فإذا بها تردّ إليه السّكينة ، والأمن ، وتسبغ عليه ودّ الحبيبة ، وإخلاص الزّوجة ، وحنان الأمّهات.

تعلّمت من أمّها أعظم الدّروس فكانت ـ فاطمة ـ تضمّد جراح أبيها ـ النّبيّ ـ في غزوة احد وتقوم وحدها بعمل البيت لا يعينها أحد ، عاشت على الكفاف لا تكذب ولا تشكو ، وكانت تردّد دائما قول أبيها : «طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا قنع به»(١) . تركت الإعتراض والسّخط. وأعرضت عن طيبات الدّنيا ، واستوى عندها الفقر ، والغنى ، والرّاحة ، والعناء ، والصّحة ، والمرض ،

__________________

(١) انظر ، تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨٦ و : ٤ / ٥٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٩٠ ح ٩٨ و : ٤ / ١٣٦ ح ٧١٤٤ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٥٧٦ ح ٢٣٤٩ ، مسند أحمد : ٦ / ١٩ ح ٢٣٩٨٩ ، المعجم الكبير : ١٨ / ٣٠٥ ح ٧٨٦ و ٧٨٧ ، كشف الخفاء : ١ / ١٧٨ ح ٤٧٣ و : ٢ / ٦٢ ح ١٦٨١.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528