لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام20%

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 198

  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17986 / تحميل: 4342
الحجم الحجم الحجم
لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المقصد الأول

في الأمور المتقدمة على القتال

لما مات معاوية(١) وذلك في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد ، كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان واليا على المدينة مع مولى لمعاوية يقال له ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها(٢) وخاصة على الحسينعليه‌السلام ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ، ويقول : ان أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه ، فأحضر

__________________

(١) كان الوالي في ذلك الوقت على المدينة الوليد بن عتبة بن ابي سفيان ، وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق وهو من بني أمية ، وعلى الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري ، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد (منه).

(٢) كان معاوية حذر يزيد من أربعة الحسين بن عليعليه‌السلام وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن ابي بكر ولا سيما من الحسينعليه‌السلام وابن الزبير ، اما ابن الزبير فهرب الى مكة على طريق الفرع هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث ، وأرسل الوليد خلفه أحد وثمانين راكبا فلم يدركوه ، وخرج بعده الحسينعليه‌السلام وكان عبد الله بن عمر بمكة ، ولما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان (منه).

٢١

الوليد : مروان بن الحكم واستشاره في أمر الحسينعليه‌السلام فقال انه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتني لم أك شيئا مذكورا ، ثم بعث إلى الحسينعليه‌السلام في الليل فاستدعاه فعرف الحسينعليه‌السلام الذي أراد ، فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلا وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم : ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني ، فصار الحسينعليه‌السلام إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسينعليه‌السلام ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد ، فقال الحسينعليه‌السلام : اني أراك لا تقنع بيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس ، فقال له الوليد : أجل ، فقال الحسينعليه‌السلام : تصبح وترى رأيك في ذلك ، فقال له الوليد : انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس ، فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسينعليه‌السلام عند ذلك وقال : ويلي عليك يا ابن الرزقاء(١) أنت تأمر بضرب عنقي ، وفي رواية أنت تقتلني أم هو كذبت والله ولؤمت ، ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير انا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ، ثم خرج يتهادى بين مواليه وهو يتمثل بقول يزيد بن المفرغ.

__________________

(١) هي جدة مروان وكانت مشهورة بالفجور (منه).

٢٢

لا ذعرت السوام في غسق(١) الص

بح مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم اعطي مخافة الموت(٢) ضيما

والمنايا يرصدنني أن أحيدا

حتى أتى منزله ، وقيل أنه أنشدهما لما خرج من المسجد الحرام متوجها إلى العراق ، وقيل غير ذلك ، فقال مروان للوليد : عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ، فقال له الوليد : ويحك انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا لما أن قال لا أبايع ، والله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم ، فقال مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت. يقول هذا وهو غير حامد له على رأيه ، فأقام الحسينعليه‌السلام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين ، فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار ، فلقيه مروان فقال له : يا أبا عبد الله اني لك ناصح فاطعني ترشد ، فقال الحسينعليه‌السلام وما ذاك قل حتى أسمع ، فقال مروان : اني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ، ودنياك فقال الحسينعليه‌السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان فلما كان آخر نهار السبت بعث الوليد الرجال إلى الحسينعليه‌السلام ليحضر فيبايع ، فقال لهم الحسينعليه‌السلام : أصبحوا ثم ترون ونرى فكفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه ، فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة(٣) .

__________________

(١) شفق خ ل ، فلق خ ل.

(٢) من المهانة خ ل.

(٣) قال ابن نما : ان توجهه الى مكة كان لثلاث مضين من شعبان ، وستعرف ان وصولهعليه‌السلام الى مكة كان بذلك التاريخ ، ولعله وقع اشتباه بينهما كما ان ابن نما ـ

٢٣

وقال محمد بن أبي طالب خرج الحسينعليه‌السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلقتني في أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواي إليك حتى القاك ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا وساجدا ، فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت ، اللهم اني أحب المعروف وانكر المنكر وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا.

ولما عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودّعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسنعليه‌السلام ففعل كذلك وخرج معه بنو أخيه وأخوته وجل أهل بيته إلّا محمد بن الحنفية فانه لما علم عزمه على الخروج من المدينة لم يدر أين يتوجّه فقال له يا أخي أنت أحب الناس إليّ وأعزهم عليّ ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد أحق بها منك لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنة تنحّ ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك اني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون

__________________

ـ قال : ان وصول كتاب يزيد الى الوليد كان في أول شعبان ، ومقتضى ما تقدم ان يكون وصوله في أواخر رجب لثلاث أو أربع بقين منه (منه).

٢٤

فتكون لأول الأسنة غرضا ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا فقال له الحسينعليه‌السلام فأين أذهب يا أخي؟ قال : تخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك وان تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فأنهم أنصار جدك وأبيك وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا فأن اطمأنت بك الدار والا لحقت بالرمال وشعف(١) الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فانك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا فقال الحسينعليه‌السلام : يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجا ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسينعليه‌السلام معه ساعة ثم قال : يا أخي جزاك الله خيرا فقد نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، تهيأت لذلك أنا وأخوتي وبنو أخي وشيعتي أمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم ، ثم دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ، أن الحسينعليه‌السلام يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي عليّ بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله

__________________

(١) الشعف كغرف والشعاف جمع شعفة كغرفة رأس الجبل (منه).

٢٥

أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمه ثم دفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه وخرج من المدينة ، وأقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، قالت له نساء بني عبد المطّلب ، فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم ، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.

وخرجعليه‌السلام من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١) ، ولزم الطريق الأعظم ، فقال له أهل بيته : لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض ، فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له : جعلت فداك اين تريد؟ قال : أما الآن فمكة وأما بعد فاني استخير الله ، قال : خار الله لك وجعلنا فداك فاذا اتيت مكة فاياك ان تقرب الكوفة فانها بلدة مشؤومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، الزم الحرم فانت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب ، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي ، فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك. وكان دخولهعليه‌السلام الى مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب كما مر ، ودخلها وهو يقرأ :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٢)

__________________

(١) سورة القصص ، الآية : ٢١.

(٢) سورة القصص ، الآية : ٢٢.

٢٦

فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثماني ليال من ذي الحجة ، وأقبل اهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون اليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحسينعليه‌السلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد علم ان أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسينعليه‌السلام باقيا في البلد ، وان الحسينعليه‌السلام أطوع في الناس منه وأجل. ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسينعليه‌السلام من البيعة أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته : يا معشر الشيعة انكم قد علمتم بأن معاوية هلك وصار الى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن عليعليهما‌السلام قد خالفه وصار الى مكة هاربا من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج الى نصرتكم اليوم ، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا اليه ، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه ، قالوا : بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، فارسلوا وفدا من قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا اليه معهم :

بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن عليعليهما‌السلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة(١) ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك ، اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم ، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتآمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا

__________________

(١) بالنون والجيم والباء الموحدة المفتوحات (كامل ابن الأثير).

٢٧

له كما بعدت ثمود ، وانه ليس علينا امام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان بن بشير في قصر الأمارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الى عيد ، ولو قد بلغنا انك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام ، ان شاء الله تعالى ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يا ابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وقيل انهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال وأمروهما بالنجاء ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ، ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس بن مسهر الصيداوي(١) وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الأرحبي وعمارة بن عبد الله السلولي الى الحسينعليه‌السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة ، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب ، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا اليه هاني بن هاني السبيعي(٢) وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا اليه :

بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن عليعليهما‌السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فحيهلا(٣) فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام.

ثم كتب معهما أيضا شبث(٤) بن ربعي وحجاز بن

__________________

(١) احد بني الصيداء قبيلة من بني اسد واياهم عنى الشاعر بقوله :

يا بني الصيداء ردوا فرسي

انما يفعل هذا بالذليل

(منه).

(٢) نسبة الى السبيع بوزن أمير ابو بطن من همدان (منه).

(٣) بمعنى أسرع (منه).

(٤) بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وآخره ثاء مثلثة (منه).

٢٨

ابجر(١) ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي :

أما بعد ، فقد اخضر الجناب وايعنت الثمار فاذا شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.

وفي رواية أن أهل الكوفة كتبوا اليه أن لك هنا مائة ألف سيف فلا تتأخر.

وتلاقت الرسل كلها عنده فقال الحسينعليه‌السلام لهاني وسعيد : خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي سير إليّ معكما؟ فقالا : يا ابن رسول الله شبث بن ربعي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج(٢) ومحمد بن عمير بن عطارد ، فعندها قام الحسينعليه‌السلام فصلّى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ، ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله :

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق والهدى ، وأنا باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلما بن عقيل ، فان كتب الي انه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فاني أقدم اليكم وشيكا(٣) ان شاء الله تعالى ،

__________________

(١) حجار بوزن كتان وابجر بوزن أحمر (منه).

(٢) كل هؤلاء خرج لقتال الحسينعليه‌السلام وهم من أعيان أهل الكوفة ووجوهها (منه).

(٣) أي قريبا (منه).

٢٩

فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله والسلام.

ودعا الحسينعليه‌السلام مسلما بن عقيل وقيل انه كتب معه جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل اليه بذلك ، فأقبل مسلم رحمة الله حتى أتى الى المدينة فصلى في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وودع من أحب من أهله ، واستأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير ، فأومآ له الى سنن الطريق بعد ان لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم الى الحسينعليه‌السلام من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر :

أما بعد فاني أقبلت من المدينة مع دليلين فحادا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا الى الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا ، فان رأيت اعفيتني منه وبعثت غيري والسلام.فكتب اليه الحسينعليه‌السلام :

أما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له الا الجبن ، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام.

فلما قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فاقبل حتى مر بماء لطيء فنزل ثم ارتحل عنه فاذا برجل يرمي الصيد فنظر اليه وقد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم : نقتل عدونا ان شاء الله ، ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن ابي عبيدة الثقفي وقيل في

٣٠

غيرها ، وأقبلت الشيعة تختلف اليه فكلما اجتمع اليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام وهم يبكون ، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا وفي رواية اثنا عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسينعليه‌السلام كتابا يقول فيه :

أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وان جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا وفي رواية اثنا عشر الفا فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ، وأرسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي. وعن الشعبي انه بايع الحسينعليه‌السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم ، وجعلت الشيعة تختلف الى مسلم حتى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها وكان من الصحابة من الأنصار وحضر مع معاوية حرب صفين وكان من أتباعه(١) ، فصعد المنبر وخطب الناس وحذرهم الفتنة ، فقام اليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال له : انه لا يصلح ما ترى الا الغشم ان هذا الذي أنت عليه رأي المستضعفين ، فقال له النعمان:ان أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون من الأعزين في معصية الله ، ثم نزل فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة ومبايعة الناس له ويقول : ان كان لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف. وكتب اليه عمارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد بنحو ذلك فدعا يزيد سرحون مولى معاوية واستشاره فيمن يولي على الكوفة ، وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد وهو يومئذ وال على

__________________

(١) وقتله أهل حمص في فتنة ابن الزبير وكان واليا عليها (منه).

٣١

البصرة ، وكان معاوية قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة ومات قبل انفاذه ، فقال سرحون ليزيد : لو نشر لك معاوية ما كنت آخذا برأيه؟ قال :بلى ، قال : هذا عهده لعبيد الله على الكوفة ، فضم يزيد البصرة والكوفة الى عبيد الله وكتب اليه بعهده وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلي ، وكتب الى عبيد الله معه :

أما بعد فانه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والتهيؤ والمسير الى الكوفة من الغد.

وكان الحسينعليه‌السلام قد كتب الى جماعة من اشراف البصرة كتابا مع ذراع السدوسي وقيل مع مولى للحسينعليه‌السلام اسمه سليمان ويكنى أبا رزين منهم. الأحنف بن قيس ، ويزيد بن مسعود النهشلي ، والمنذر بن الجارود العبدي يقول فيه : اني ادعوكم الى الله والى نبيه فان السنة قد اميتت وان البدعة قد أحييت ، فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ، فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم؟ فقالوا : بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا ، قال :فاني قد جمعتكم لأمر أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه ، فقالوا : انا الله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي فقل حتى نسمع ، فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، الا وأنه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن ان قد أحكمه وهيهات الذي أراد ، اجتهد والله ففشل وشاور فخذل ، وقد قام ابنه

٣٢

يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتآمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطىء قدميه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت الموعظة ، فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا(١) في وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم الى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصرته ، والله لا يقصر أحد عن نصرته الا أورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته ، وها انا ذا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب.

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت وان غزون بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة الا خضناها ولا تلقى والله شدة الا لقيناها ، ننصرح بأسيافنا ونقيك بأبداننا ، اذا شئت فقم.

وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا : يا أبا خالد ان أبغض الأشياء الينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا (رأيه خ ل) وبقي عزنا فينا ، فامهلنا نراجع الرأي ونحسن المشورة ونأتيك برأينا.

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت والأمر اليك ، فادعنا نجبك ومرنا

__________________

(١) التسكع : التمادي في الباطل (منه).

٣٣

نطعك والأمر لك اذا شئت ، فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا زال سيفكم فيكم.

ثم كتب الى الحسينعليه‌السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل اليّ كتابك وفهمت ما ندبتني اليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وان الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الابل الظمآء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.

فلما قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر ، فلما تجهز المشار اليه للخروج الى الحسينعليه‌السلام بلغة قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه. وكتب اليه الأحنف : أما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.

واما المنذر بن الجارود فانه جاء بالكتاب والرسول الى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التي يريد ابن زياد ان يذهب في صبيحتها الى الكوفة لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ، ثم انه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف ، وخرج من البصرة واستخلف عليها أخاه عثمان ، وأقبل الى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي رسول يزيد وشريك(١) ابن الأعور

__________________

(١) قال ابن الأثير : كان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الأمراء ، وكان شديد التشيع قد شهد صفين ، ا ه. وله حكاية مع معاوية مشهورة حين قال له : أنت شريك وليس لله ـ

٣٤

الحارثي ، وقيل كان معه خمسمائة فتأخروا عنه رجاء. ان يقف عليهم ويسبقه الحسينعليه‌السلام الى الكوفة فلم يقف على أحد منهم ، وسار فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ودخلها ليلا مما يلي النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، قال بعضهم انه دخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز ليوهم الناس انه الحسينعليه‌السلام والناس قد بلغهم اقبال الحسينعليه‌السلام فهم ينتظرونه ، فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسينعليه‌السلام ، فقالت امرأة : الله أكبر ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتصايح الناس وقالوا : أنا معك أكثر من أربعين ألفا ، وأخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا : مرحبا بك بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه ، وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابته ، فحسر اللثام وقال : انا عبيد الله فتساقط القوم ووطأ بعضهم بعضا ، وفي رواية ان عبد الله بن مسلم قال لهم لما كثروا : تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد.

وسار حتى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون انه الحسينعليه‌السلام فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته ، فناداه بعض من كان مع ابن زياد ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسينعليه‌السلام فقال : أنشدك الله الا تنحيت والله ما أنا بمسلم اليك أمانتي ومالي في قتالك من ارب ، فجعل لا يكلمه ، ثم انه دنى فتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه ، فقال ابن زياد : افتح لا فتحت فقد طال ليلك ، وسمعها انسان من خلفه فنكص الى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على انه الحسين ، فقال : يا قوم ابن مرجانه والذي لا إله غيره ، ففتح له النعمان فدخل ، وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا.

__________________

شريك ، وأبوه الحارث الأعور الهمداني من خواص أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهو الذي يقول له :

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن او منافق قبلا(منه)

٣٥

وأصبح ابن زياد فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس ، فخرج اليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فان أمير المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم والاحسان الى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالولد البر ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليتق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل ، وفي رواية انه قال : فأبلغوا هذا الرجل الهاشمي (يعني مسلما بن عقيل) ليتقي غضبي ، وأخذ العرفاء(١) والناس أخذا شديدا فقال : اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين(٢) ومن فيكم من الحرورية(٣) وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ثم يجاء بهم لنرى رأينا ، فمن يجيء لنا بهم فبريء ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته ان لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله ، وايما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين احد لم يرفعه الينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء.

ولما سمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله الى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار الى دار هاني بن عروة في جوف الليل ودخل في أمانه ، فأخذت الشيعة تختلف اليه في دار هاني على

__________________

(١) جمع عريف كأمير وهو الرئيس ، والظاهر انه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب بأمورهم يسمى العريف كما هو متعارف الى اليوم ، وكان يجعل للعرفاء رؤساء يقال لهم المناكب (منه).

(٢) أي الشيعة الذين بايعوا مسلما للحسينعليه‌السلام (منه).

(٣) قوم من الخوارج كانوا في أول امرهم اجتمعوا بموضع يقال له حروراء فنسبوا اليه.

(منه).

٣٦

تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان ، وألحّ عبيد الله في طلب مسلم ولا يعلم اين هو ، وكان شريك بن الأعور الهمداني لما جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد نزل دار هاني فمرض ، وكان شريك من محبي أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته عظيم المنزلة جليل القدر ، فأرسل اليه ابن زياد انه يريد ان يعوده ، فقال شريك لمسلم : ان هذا الفاجر عائدي فادخل بعض الخزائن فاذا جلس أخرج اليه فاقتله ، ثم أقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فان برئت سرت الى البصرة حتى اكفيك أمرها وعلامتك ان أقول اسقوني ماء ونهاه هاني عن ذلك. وكان مسلم شجاعا مقداما جسورا ، فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله جعل يقول اسقوني ماء ، فلما رأى ان أحدا لا يخرج خشي ان يفوته فأخذ يقول :

ما الانتظار بسلمى ان تحييها

كأس المنية بالتعجيل اسقوها

فتوهم ابن زياد وخرج ، فلما خرج دخل مسلم والسيف في كفه فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ قال هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة وقالت لي نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهي فرميت السيف وجلست ، فقال هاني : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه. وفي رواية انه قال : منعني من قتله خصلتان؟ كراهية هاني ان يقتل في داره ، وحديث ان الايمان قيد الفتك ، فقال له هاني : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا.

ولما خفي على ابن زياد حديث مسلم دعى مولى له يقال له معقل فأعطاه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف درهم وأمره بحسن التوصل الى أصحاب مسلم ، وان يدفع اليهم المال ويقول لهم استعينوا به على حرب عدوكم ويعلمهم انه من أهل حمص ويظهر لهم انه منهم ، وقال له : انك لو قد أعطيتهم المال اطمأنوا اليك ووثقوا بك ، فتردد اليهم حتى تعرف مقر مسلم

٣٧

وتدخل عليه ، فجاء معقل حتى جلس الى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي ، فسمع قوما يقولون : هذا يبايع للحسينعليه‌السلام ، فقال له معقل : اني امرء من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت ومن أحبهم ، وتباكى له وقال : معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاغتر ابن بنت عوسجة بذلك ، فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن وليكتمن ، ثم أدخله على مسلم فأخذ بيعته وأمر أبا تمامة الصائدي بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، وأقبل معقل يختلف اليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج اليه ابن زياد فكان يخبره وقتا وقتا ، وبلغ الذين بايعوا مسلما خمسة وعشرين ألف رجل فعزم على الخروج ، فقال هاني : لا تعجل ، وخاف هاني عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فسأل عنه ابن زياد فقيل هو مريض ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني فقال لهم : ما يمنع هاني من اتياننا؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل انه مريض ، قال : قد بلغني ذلك وبلغني انه بريء وانه يجلس على باب داره فألقوه ومروه ان لا يدع ما عليه من حقنا فاني لا أحب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب ، فأتوه ووقفوا عشية على بابه فقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير فانه قد ذكرك وقال لو أعلم انه مريض لعدته ، فقال لهم : المرض يمنعني ، فقالوا : انه قد بلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك لأنك سيد في قومك ونحن نقسم عليك الا ركبت معنا ، فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى اذا دنى من القصر كأن نفسه أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن

٣٨

أسماء بن خارجة : يا ابن الأخ اني والله لهذا الرجل لخائف فما ترى؟ قال : يا عم والله ما أتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم مما كان شيئا وكان محمد بن الأشعث عالما به ، فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا على عبيد الله ، فلما طلع قال عبيد الله لشريح القاضي وكان جالسا عنده :

أنتك بخائن رجلاه تسعى

يقود النفس منها للهوان

فلما دنى من ابن زياد التفت الى شريح وأشار الى هاني وأنشد بيت عمرو بن معد يكرب الزبيدي :

أريد حياته (حباءه خ ل) ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

وكان أول ما قدم مكرما له ملطفا به ، فقال له هاني : وما ذاك أيها الأمير؟ قال : ايه يا هاني ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين جنت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفى علي ، قال : ما فعلت ذلك وما مسلم عندي ، قال : بلى قد فعلت ، فلما كثر ذلك بينهما وأبى هاني الا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال : أتعرف هذا؟ قال :نعم ، وعلم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم وانه قد أتاه بأخبارهم فسقط في يده(١) ساعة ثم راجعته نفسه فقال : اسمع مني وصدق مقالتي فو الله ما كذبت والله ما دعوته الى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من أمره ما قد بلغك ، فان شئت اعطيتك الآن موثقا تطمئن به ورهينة تكون في يدك حتى انطلق وأخرجه من داري فاخرج من ذمامه وجواره ، فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به ، قال : لا والله لا أجيئك به أبدا

__________________

(١) أي بهت وتحير ولا يكون الا مبنيا للمفعول (منه).

٣٩

أجيبك بضيفي تقتله. قال والله لتأتيني به ، قال : والله لا آتيك به.

فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال : اصلح الله الأمير خلني واياه حتى أكمله ، فقام فخلى به ناحية فقال له : يا هاني أنشدك الله ان تقتل نفسك وان تدخل البلاء في عشيرتك فو الله اني لأنفس بك عن القتل ، ان هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه اليهم فانه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة انما تدفعه الى السلطان ، فقال هاني : والله ان علي في ذلك الخزي والعار ان أدفع جاري وضيفي وأنا صحيح اسمع وأرى شديد الساعدين كثير الأعوان ، والله لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه ، فأخذ يناشده وهو يقول : والله لا أدفعه أبدا ، فسمع ابن زياد ذلك فقال : أدنوه مني فأدنوه منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك ، فقال هاني : اذا والله لتكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد : وا لهفاه عليك ابالبارقة تخوفني وهاني يظن ان عشيرته سيمنعونه ، ثم قال أدنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي ومنعه ، فقال عبيد الله الحروري(١) سائر اليوم قد حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه ، فقال : اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به ، فقام اليه أسماء بن خارجة وقيل حسان بن اسماء فقال :ارسل غدر سائر اليوم أمرتنا ان نجيئك بالرجل حتى اذا جئناك به هشمت انفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت انك تقتله ، فقال له عبيد الله : وانك لههنا فأمر به فضرب وأجلس ناحية ، فقال : انا لله وانا اليه راجعون الى نفسي

__________________

(١) الحروري الخارجي نسبة الى الحرورية وتقدم تفسيرهم (منه).

٤٠

انعاك يا هاني ، فقال محمد بن الأشعث : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا انما الأمير مؤدب.

وفي رواية ان ابن زياد قال لهاني لما دخل عليه : يا هاني اما تعلم ان أبي قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة الا قتله غير أبيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ، ثم لم يزل يحسن صحبتك ، ثم كتب الى أمير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني ، قال : نعم ، قال : فكان جزائي ان خبأت في بيتك رجلا يقتلني ، قال : ما فعلت فعند ذلك أخرج الذي كان عينا عليهم.

وبلغ عمرو بن الحجاج ان هانيا قد قتل ، فاقبل في مذحج حتى احاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم نادى وقال : انا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعة وقد بلغهم ان صاحبهم قد قتل فاعظموا ذلك ، فقيل لابن زياد : هذه فرسان مذحج بالباب ، فقال لشريح القاضي : أدخل على صاحبهم فانظر اليه ثم أخرج وأعلمهم انه حي لم يقتل ، فدخل شريح فنظر اليه فقال هاني لما رأى شريحا : يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل المصر والدماء تسيل على لحيته اذ سمع الصيحة على باب القصر فقال : اني لأظنها اصوات مذحج وشيعتي من المسلمين انه ان دخل علي عشرة نفر انقذوني ، فلما سمع كلامه شريح خرج اليهم فقال لهم : ان الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول اليه فأتيته فنظرت اليه فأمرني ان القاكم وأعرفكم انه حي وان الذي بلغكم من قتله باطل ، فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه : اما اذا لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا.

ولما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه خاف ان يثب به الناس ، فخرج فصعد المنبر ومعه اشراف الناس وشرطه وحشمه ، فخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم ، فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين

٤١

يشتدون ويقولون : قد جاء ابن عقيل ، فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق ابوابه. قال عبد الله بن حازم : انا والله رسول ابن عقيل الى القصر لأنظر ما فعل هاني ، فلما ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر ، فاذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه ، فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرني ان أنادي في أصحابه وقد ملأ بهم الدور حوله وكانوا فيها أربعة آلاف رجل ، فقال لمناديه : ناد يا منصور أمت وكان ذلك شعارهم فنادى ، فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه فاجتمع اليه أربعة آلاف ، فعقد لعبد الله بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة وقال : سر أمامي في الخيل ، وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد وقال : انزل في الرجال ، وعقد لأبي تمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ، وعبأ ميمنته وميسرته ووقف هو في القلب وأقبل نحو القصر ، وتداعى الناس واجتمعوا فما لبثنا الا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى المساء ، وبعث عبيد الله الى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده في القصر ، وأحاط مسلم بالقصر فضاق بعبيد الله أمره ، وكان أكثر عمله ان يمسك باب القصر وليس معه ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من اشراف الناس وأهل بيته وخاصته ، وأقبل من نأى عنه من اشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون على أصحاب مسلم فينظرون اليهم وأصحاب مسلم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وعلى أمه وأبيه ، فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وامره ان يخرج فيمن اطاعه من مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان ، وأمر محمد بن الأشعث ان يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضر موت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس ، وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي

٤٢

وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن ابجر السلمي (العجلي خ ل) وشمر بن ذي الجوشن العامري (الضبابي خ ل) وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا اليهم لقلة عدد من معه من الناس ، فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم ، وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة ، فبعث ابن عقيل الى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني ، فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه ، وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان ، حتى اجتمع اليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم ، فصاروا الى ابن زياد من قبل دار الروميين ، فقال له كثير : أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير فاخرج بنا اليهم فأبى عبيد الله ، وعقد شبث بن ربعي لواء فأخرجه ، وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد ، فأمر عبيد الله من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة ويخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة ويعلموهم وصول الجند من الشام اليهم. وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس ان تغرب فقال : أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أقمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم ان يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام ، وان يأخذ البريء منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية الا اذاقها وبال ما جنت أيديها. وتكلم الاشراف بنحو من ذلك ، فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل الى ابنه وأخيه ويقول : غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل في خمسمائة ، فلما اختلط الظلام جعلوا يتفرقون ،

٤٣

فصلى المغرب وما معه الا ثلاثون نفسا في المسجد ، فلما رأى انه قد أمسى وليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها الى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب الا ومعه عشرة ، ثم خرج من الباب فاذا ليس معه انسان ، فالتفت فاذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو ، فمضى على وجهه متحيرا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، حتى خرج الى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى اتى الى باب امرأة يقال لها طوعة ام ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها وتزوجها السيد الحضرمي فولدت له بلالا ، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره ، فسلم عليها ابن عقيل فردتعليه‌السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ، ودخلت ثم خرجت فقالت : يا عبد الله ألم تشرب؟ قال : بلى ، قالت : فاذهب الى أهلك فسكت ، ثم أعادت مثل ذلك فسكت ، ثم قالت في الثالثة : سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فانه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك ، فقام وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك في أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم ، قالت : يا عبد الله وما ذاك؟قال : انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني ، قالت :أنت مسلم؟ قال : نعم ، قالت : أدخل فدخل الى بيت في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ ، ولم يكن بأسرع من ان جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال لها : والله انه ليريبني كثرة دخولك الى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا ، قالت له : يا بني اله عن هذا ، قال : والله لتخبريني ، قالت له ، اقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء ، فألحّ عليها فقالت ، يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به ، قال : نعم فأخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت.

٤٤

ولما تفرق الناس عن مسلم طال الأمر على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع اولا ، فقال لأصحابه : اشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يجدوا أحدا ، قال : فانظروهم لعلهم تحت الظلال(١) قد كمنوا لكم ، فنزعوا الأخشاب من سقف المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في ايديهم وينظرون وكانت أحيانا تضيء لهم وتارة لا تضيء كما يريدون ، فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي الى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها فلا يرون أحدا حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر ، فلما لم يروا شيئا اعلموا ابن زياد بتفرق القوم ، ففتح باب السدة(٢) التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج اصحابه معه وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة(٣) ، وأمر عمر بن نافع فنادى الا برئت الذمة من رجل من الشرط(٤) أو العرفاء(٥) والمناكب(٦) أو المقاتلة صلّى العتمة الا في المسجد ، فلم يكن الا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه ، وأمرهم بحراسته من أن يدخل اليه من يغتاله وصلى بالناس ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

__________________

(١) الظلال بالكسر جمع ظلة والظلة بالضم كهيئة الصفة ، والصفة بناء في الدار معروف (منه).

(٢) السدة بالضم سقيفة أمام باب الدار وما يبقى من الطاق المسدود ، وسدة المسجد الأعظم ما حوله من الرواق. قالوا : والسدة باب الدار والبيت ، يقال رأيته قاعدا بسدة بابه وبسدة داره مع ان قولهم سدة بابه يدل على أن السدة غير الباب (منه).

(٣) العتمة وقت صلاة العشاء الآخرة (منه).

(٤) الشرط كصرد طائفة من أعوان الولاة معروفة ، واحده شرطة بالضم فالسكون وهو شرطي كتركي وشرطي كجهني ، سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (منه).

(٥) جمع عريف كامرء وأمير وهو الرئيس كما تقدم (منه).

(٦) المناكب رؤوس العرفاء كما مر (منه).

٤٥

أما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا ، يا حصين بن نمير ، وهو صاحب شرطته ، ثكلتك أمك ان ضاع باب من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غدا واستبرأ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، ثم دخل القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس ، فلما أصبح جلس مجلسه واذن للناس فدخلوا عليه ، وأقبل محمد بن الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ، ثم أقعده الى جنبه.

وأصبح ابن تلك العجوز فغدا الى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل من أمه ، فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد في جنبه بالقضيب : قم فاتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه علم ان كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم ، فبعث معه عبيد الله(١) بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم انه قد اتي فخرج اليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فأخرجهم مرارا وقتل منهم جماعة ، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت لها ثنيتاه ، وضربه مسلم في رأسه

__________________

(١) في جميع المواضع التي ذكر فيها في هذا المقام عبيد الله بن العباس السلمي ، ذكر بدله في كامل ابن الأثير عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي (منه).

٤٦

ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع الى جوفه ، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت ، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا سيفه في السكة ، فقال محمد بن الأشعث ، لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن :

أقسمت لا أقتل الا حرا

وأن رأيت الموت شيئا نكرا

أخاف أن أكذب أو اغرا

أو أخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا

كل امرىء يوما ملاق شرا

أضربكم ولا أخاف ضرا

فقال له محمد بن الأشعث : انك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع ان القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك ، وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال فأسند ظهره الى جنب تلك الدار ، فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان ، فقال آمن أنا؟ قال : نعم ، فقال للقوم الذين معه : الي الأمان؟ قال القوم له : نعم الا عبيد الله بن العباس السلمي فانه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحى ، فقال مسلم : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم.

وفي رواية انه لما سمع وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحاربهم حتى قتل منهم جماعة ، وفي رواية أحد وأربعين رجلا ، فنادى اليه ابن الأشعث لك الأمان ، فقال : وأي أمان للغدرة الفجرة ، وأقبل يقاتلهم ويرتجز بالأبيات المتقدمة ، فنادوا اليه انك لا تكذب ولا تغر فلم يلتفت الى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد ان أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه الى الأرض فأخذ أسيرا.

قال الراوي فأتي ببغلة فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه ، فدمعت عيناه ثم قال : هذا أول الغدر ، فقال

٤٧

له محمد بن الأشعث : أرجو أن لا يكون عليك بأس ، قال : وما هو الا الرجاء أين أمانكم انّا لله وإنّا إليه راجعون وبكى ، فقال له عبيد الله بن العباس : ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك ، فقال : والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل ارثي وان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ، ولكني ابكي لأهلي المقبلين الي ، ابكي لحسين وآل حسين.ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبد الله اني أراك والله ستعجز عن أماني ، فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسينا فاني لا أراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا وأهل بيته ، ويقول له ان ابن عقيل بعثني اليك وهو أسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل ، وهو يقول لك ارجع فداك ابي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل ، ان أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي ، فقال ابن الأشعث : والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد اني قد أمنتك.

وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل الى باب القصر واستأذن ودخل على ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه ، فقال له عبيد الله : وما أنت والأمان كأنا أرسلناك لتؤمنه ، انما أرسلناك لتأتينا به فسكت.

وانتهي بابن عقيل الى باب القصر وقد اشتد به العطش ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو الباهلي(١) وكثير بن شهاب ، واذا قلة(٢) فيها ماء بارد موضوعة على الباب ، فقال مسلم : اسقوني من هذا الماء ، فقال

__________________

(١) هو والد قتيبة بن مسلم أمير خراسان المشهور (منه).

(٢) اي جرة (منه).

٤٨

له مسلم بن عمرو : أتراها ما ابردها لا والله لا تذوق منها قطرة ابدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له مسلم : ويلك من أنت؟ فقال : انا الذي عرف الحق اذ أنكرته ونصح لامامه اذ غششته واطاعه اذ خالفته ، انا مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك انت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني ، ثم جلس فتساند الى الحائط وبعث عمرو بن حريث وقيل عمارة بن عقبة غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له : اشرب ، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه فلا يقدر ان يشرب ففعل ذلك مرة أو مرتين ، فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته ، وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة يرثي بها مسلما رضي الله عنه :

يا مسلم بن عقيل لا أغب ثرى

ضريحك المزن هطالا وهتانا

بذلت نفسك في مرضاة خالقها

حتى قضيت بسيف البغي ظمآنا

كأنما نفسك اختارت لها عطشا

لما درت ان سيقضي السبط عطشانا

فلم تطق ان تسيغ الماء عن ظمأ

من ضربة ساقها بكر بن حمرانا

وخرج رسول ابن زياد فأمر بادخاله اليه ، فلما دخل مسلم لم يسلم عليه بالأمرة ، فقال له الحرسي : الا تسلم على الأمير فقال : ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه وان كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه ، فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلن ، قال : فدعني أوصي الى بعض قومي ، قال : افعل ، فنظر مسلم الى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد فقال : يا عمران بيني وبينك قرابة ولي اليك حاجة وهي سر ، فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له ابن زياد : ولم تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك ، فقام معه فجلس بحيث ينظر اليهما ابن زياد ، فقال له : ان علي بالكوفة دينا سبعمائة درهم فبع سيفي

٤٩

ودرعي فاقضها عني ، واذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها ، وابعث الى الحسينعليه‌السلام من يرده فاني قد كتبت اليه أعلمه ان الناس معه ولا أراه الا مقبلا ، فقال عمر لابن زياد : اتدري أيها الأمير ما قال لي انه ذكر كذا وكذا ، فقال ابن زياد : لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ، اما ماله فهو له ولسنا نمنعك ان تصنع به ما أحب ، واما جثته فانا لن نشفعك فيها ، وفي رواية فانا لا نبالي اذا قتلناه ما صنع بها ، واما حسين فانه ان لم يردنا لم نرده.

وفي رواية انه حين دخل قال له الحرسي : سلم على الأمير فقال :اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير ، فقال ابن زياد : لا عليك سلمت ام لم تسلم فانك مقتول ، فقال له مسلم : ان قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني ، فقال له ابن زياد : قتلني الله ان لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الاسلام ، فقال له مسلم : اما انك احق من احدث في الاسلام ما لم يكن ، وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك ، فقال ابن زياد : يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصا المسلمين وألحقت الفتنة ، فقال مسلم : كذب انما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، واما الفتنة فانما الحقتها انت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف ، وانا أرجو ان يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته ، فقال له ابن زياد : منتك نفسك امرا حال الله دونه وجعله لأهله ، فقال له مسلم :ومن أهله يا ابن مرجانة اذا لم نكن نحن أهله ، فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد ، فقال مسلم : الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم ، فقال له ابن زياد : أتظن ان لك في الأمر شيئا؟ فقال له مسلم : والله ما هو الظن ولكنه اليقين. وقال له ابن زياد : ايه ابن عقيل أتيت الناس وهم جميع وأمرهم ملتئم فشتتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم

٥٠

على بعض ، قال : كلا لست لذلك أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضى منهم ، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة ، وكنا أهل ذلك ، فقال له ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ، لم لم تعمل بذلك اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ، قال مسلم : انا أشرب الخمر ، اما والله ان الله ليعلم انك تعلم انك غير صادق ، وان أحق بشرب الخمر مني وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا ، فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليا والحسن والحسين وعقيلا ، وأخذ مسلم لا يكلمه. وفي رواية انه قال له : أنت وأبوك أحق بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدو الله.

ثم قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ، فقال مسلم: والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني(١) ، فقال ابن زياد : اين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، فدعي بكر بن حمران ، فقال له : اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه ، فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا ، فضرب عنقه واتبع رأسه جثته ، ونزل بكر الذي قتله مذعورا ، فقال له ابن زياد : ما شأنك؟ فقال: أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلا أسود شنيء الوجه حذائي عاضا على اصبعه أو قال على شفته ، ففزعت منه فزعا لم أفزعه قط ، فقال ابن زياد : لعلك دهشت. فقام محمد بن الأشعث الى عبيد الله ابن زياد فكلمه في هاني بن عروة فقال : انك قد عرفت

__________________

(١) قيل انه يشير الى انه كأبيه دعيان وليسا من قريش.

٥١

منزلة هاني في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه اني وصاحبي سقناه اليك وأنشدك الله لما وهبته لي فاني أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده ان يفعل ، ثم بدا له وأمر بهاني في الحال وقال : أخرجوه الى السوق فاضربوا عنقه ، فاخرج هاني حتى اتي بها الى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ، يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج ، فلما رأى ان أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال : اما من عصا أو سكين او حجارة او عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ، ووثبوا اليه فشدوه وثاقا ، ثم قيل له : أمدد عنقك ، فقال : ما انا بها سخي وما انا بمعينكم على نفسي ، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا ، فقال له هاني : الى الله المعاد اللهم الى رحمتك ورضوانك ، ثم ضربه أخرى فقتله. وبصر عبد الرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بقاتل هاني فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله وأخذ بثأر هاني.

وفي مسلم وهانيرحمهما‌الله تعالى يقول عبد الله بن الزبير(١) الأسدي ، ويقال انها للفرزدق.

وقيل انها لسليمان الحنفي :

فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الى هاني في السوق وابن عقيل

الى بطل قد هشم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار(٢) قتيل

اصابهما فرخ البغي(٣) فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

تري جسدا قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كل مسيل

__________________

(١) بفتح الزاي وليس للعرب زبير بفتح الزاي غيره (منه).

(٢) الطمار بفتح الطاء وكسرها : المكان المرتفع. (منه).

(٣) هو ابن زياد لأن امه مرجانة وجدته سمية كانتا كذلك ، وفي نسخة امر اللعين (منه).

٥٢

فتى كان أحيى من فتاة حيية

واقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب اسماء(١) الهماليج(٢) آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول

تطوف(٣) حواليه(٤) مراد وكلهم

على رقبة(٥) من سائل ومسول

فان انتم لم تثأروا(٦) بأخيكم

فكونوا بغايا(٧) أرضيت بقليل

__________________

(١) هو اسماء بن خارجة احد الثلاثة الذين ذهبوا بهاني الى ابن زياد (منه).

(٢) جمع هملاج وهو نوع من البراذين (منه).

(٣) مضارع طاف وفي نسخة تطيف مضارع أطافه (منه).

(٤) اي حوالي هاني وهو اشارة الى اجتماعهم حول القصر لتخليص هاني ، وفي نسخة حفافيه جمع حفاف وهو الجانب (منه).

(٥) الرقبة بالفتح الارتقاب والانتظار وبالكسر التحفظ ، اي كلهم مرتقب منتظر لتخليصه او متحفظ مستعد للقتال وبعضهم يسأل بعضا عن حاله وشأنه (منه).

(٦) اي تطلبوا بثأره والخطاب لمذحج (منه).

(٧) اي زواني وفي نسخة ايامى (منه).

٥٣
٥٤

مقتل مسلم وهاني

وقال آخر يخاطب محمد بن الأشعث :

وتركت عمك لم تقاتل دونه

فشلا ولو لا أنت كان منيعا

وقتلت وافد حزب آل محمد

وسلبت أسيافا له ودروعا

وكان ابن زياد لما حوصر في القصر اتي برجل يسمى عبد الأعلى الكلبي كان قد خرج لنصرة مسلم بن عقيل ، فأخذه كثير بن شهاب وبعث به الى ابن زياد ، فقال لابن زياد : انما اردتك فأمر به فحبس ، وأتي برجل آخر يقال له عمارة الأزدي كان خرج أيضا لنصرة مسلم بن عقيل فحبسه ابن زياد أيضا ، فلما قتل مسلم وهاني. دعا ابن زياد بعبد الأعلى فقال له : خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب ، فطلب منه ابن زياد ان يحلف على ذلك بالايمان المغلظة فلم يحلف ، فأمر ابن زياد ان يذهبوا به الى جبانة السبيع ويضربوا عنقه ، فانطلقوا به اليها وقتلوه وأمر بعمارة الأزدي ان يذهبوا به الى قومه فضربت عنقه فيهم.

وكان خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة

٥٥

يوم الترويه ، وقتله يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه على رواية المفيد.وفي رواية ان قتله كان يوم التروية.

وأمر ابن زياد بجثة مسلم وهاني فصلبتا بالكناسة ، وبعث برأسيهما الى يزيد بن معاوية مع الزبير بن الأروح التميمي وهاني بن ابي حية الوداعي وأخبره بأمرهما. وكان رأس مسلم أول رأس حمل من رؤوس بني هاشم وجثته أول جثة صلبت ، فأعاد يزيد الجواب اليه يشكره على فعله وسطوته ويقول له : قد بلغني ان حسينا قد سار الى الكوفة وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلدان وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبدا ، فظع المناظر والمسالح واحبس على الظنة وخذ على التهمة واكتب اليّ في كل ما يحدث.

وكان يزيد بن معاوية قد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة الى مكة في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم فحج بالناس ، وأوصاه بقبض الحسينعليه‌السلام سرا وان لم يتمكن منه يقتله غيلة ، وأمره ان يناجز الحسينعليه‌السلام القتال ان هو ناجزه ، فلما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد الى مكة في جند كثيف. ثم ان يزيد دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق(١) ، فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك عزم على التوجه الى العراق ، وكان قد احرم بالحج وقد وصله قبل ذلك كتاب مسلم بن عقيل ببيعة أهل الكوفة له ، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وقصر من شعره وأحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان

__________________

(١) نقل انفاذ عمرو بن سعيد ودس الثلاثين رجلا صاحب البحار ، وقال انه رآه في بعض الكتب المعتبرة ، ونقل انفاذ عمرو ووصوله يوم التروية ابن طاوس في اللهوف عن معمر بن المثنى في مقتل الحسينعليه‌السلام ، وعمرو هذا كان أمير على مكة ثم ولاه يزيد المدينة كما مر ، ثم انفذه من المدينة الى مكة وأمره على الحاج (منه).

٥٦

يقبض عليه ، فخرج من مكة يوم الثلاثاء وقيل يوم الأربعاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة ، فكان الناس يخرجون الى منى والحسينعليه‌السلام خارج الى العراق ، وقيل خرجعليه‌السلام يوم الثلاثاء لثلاث مضين من ذي الحجة ، ولم يكن علم بقتل مسلم بن عقيل لأن مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسينعليه‌السلام الى العراق او بعده بيوم أو بخمسة أيام أو ستة ولما عزم الحسينعليه‌السلام على الخروج الى العراق جاءه أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي فنهاه عن الخروج الى العراق ، فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله خيرا يا ابن عم قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله يكن ، وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه عن الخروج أيضا فقال :أستخير الله وأنظر ما يكون ، ثم أتاه مرة ثانية فأعاد عليه النهي وقال : ان أبيت الا الخروج فاخرج الى اليمن ، فقال الحسينعليه‌السلام : يا ابن عم اني والله لأعلم انك ناصح مشفق وقد أزمعت وأجمعت المسير ، ثم خرج ابن عباس فمر بابن الزبير وأنشد :

يا لك من قبرة بمعمر

خلالك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئت ان تنقري

هذا حسين خارج فأبشري

وجاءه عبد الله بن الزبير فأشار عليه بالعراق ثم خشي ان يتهمه فقال :لو أقمت لما خالفنا عليك ، فلما خرج ابن الزبير قال الحسينعليه‌السلام : ان هذا ليس شيء أحب اليه من ان أخرج من الحجاز.

وجاءه عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك عن المسير الى الكوفة ، فقال لهما : ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرني بأمر وأنا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول وا حسيناه.

ثم جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال ، فقال له : يا أبا عبد الرحمن أما علمت ان من هوان الدنيا على

٥٧

الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، أما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام ، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي ، وكان الحسينعليه‌السلام يقول : وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني ، والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت ، والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فاذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام(١) المرأة.

وجاءه محمد بن الحنفية في الليلة التي أراد الحسينعليه‌السلام الخروج في صبيحتها عن مكة ، فقال له : يا أخي ان أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى ، فان رأيت ان تقيم فانك أعز من بالحرم وأمنعه ، فقال : يا أخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ، فقال له ابن الحنيفة :فان خفت ذلك فصر الى اليمن او بعض نواحي البر فانك امنع الناس به ولا يقدر عليك أحد ، فقال : أنظر فيما قلت ، فلما كان السحر ارتحل الحسينعليه‌السلام فبلغ ذلك ابن الحنيفة ، فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال : يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ، قال : بلى ، قال : فما حداك على الخروج عاجلا ، قال : أتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا ، فقال محمد بن الحنفية : انا لله وانا اليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ، فقال : ان الله قد شاء ان يراهن سبايا ، فسلم عليه ومضى.

__________________

(١) الفرام ، خرقة الحيض (منه).

٥٨

وسمع عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل ، فقال : اين تريد يا ابن رسول الله؟ قال : العراق ، قال : مهلا ارجع الى حرم جدك ، فأبى الحسينعليه‌السلام ، فلما رأى ابن عمر اباءه قال : يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبله منك ، فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال : استودعك الله يا أبا عبد الله فانك مقتول في وجهك هذا. وفي رواية انه قبل ما بين عينيه وبكى وقال : استودعك الله من قتيل.

ولما خرج الحسينعليه‌السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص أمير الحجاز من قبل يزيد(١) عليهم أخوه يحيى بن سعيد ليردوه فأبى عليهم ، وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسينعليه‌السلام وأصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسينعليه‌السلام على وجهه فبادروا وقالوا : يا حسين الا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ، فقال : لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وانا بريء مما تعملون.

وعن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : خرجنا مع الحسينعليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقتله ، وقال يوما ، ومن هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل.

وكتب عمرو بن سعيد وهو والي المدينة بأمر الحسينعليه‌السلام الى يزيد ، فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت :

فان لا تزر أرض العدو وتأته

يزرك عدو او يلومنك كاشح

ثم سارعليه‌السلام حتى مر بالتنعيم ، فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث

__________________

(١) وذلك لأنه كان بمكة عند سفر الحسينعليه‌السلام الى العراق كما مر في الحواشي السابقة (منه).

٥٩

بها بحير(١) بن ريسان الحميري عامل اليمن الى يزيد بن معاوية وعليها الورس والحلل ، فأخذ الهدية وقال لأصحاب الجمال : من أحب ان ينطلق معنا الى العراق وفيناه كراه واحسنا معه صحبته ومن أحب ان يفارقنا أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون فمن فارق أعطاه حقه ومن سار معه أعطاه كراه وكساه ثم سارعليه‌السلام حتى أتى الصفاح(٢) فلقيه الفرزدق الشاعر.

قال الفرزدق : حججت بأمي سنة ستين ، فبينما انا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم اذ لقيت الحسينعليه‌السلام خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه ، فقلت : لمن هذا القنطار فقيل للحسين بن عليعليهما‌السلام ، فأتيته وسلمت عليه وقلت له : اعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي انت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج ، فقال : لو لم أعجل لأخذت ، ثم قال لي : من أنت؟ قلت : رجل من العرب فلا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك ، ثم قال لي : اخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبير سألت قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء. والله يفعل ما يشاء ، فقال :صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هو في شأن ، ان نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على اداء الشكر ، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته ، فقلت له :أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرك راحلته وقال : السلام عليك.

__________________

(١) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة (منه).

(٢) الصفاح بوزن كتاب قال ياقوت في معجم البلدان انه موضع بين حنين وانصاب الحرم على يسرة الداخل الى مكة من مشاش وهناك لقي الفرزدق الحسين بن عليعليهما‌السلام ا ه. وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص انه لقيه ببستان بني عامر (منه).

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198