لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام0%

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام مؤلف:
المحقق: السيد حسن الأمين
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 198

  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13232 / تحميل: 1742
الحجم الحجم الحجم
لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

لواعج الأشجان في مقتل الحسين عليه السلام

مؤلف:
العربية

المقصد الثاني

في صفة القتال

فلما كان من الغد وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن سعد بن وقاص في أربعة آلاف ، وكان ابن زياد قد ولاه الرأي وأرسل معه أربعة آلاف لقتال الديلم ، فلما جاء الحسينعليه‌السلام قال له : سر اليه فاذا فرغت سرت الى عملك فاستعفاه ، فقال : نعم على ان ترد الينا عهدنا ، فاستمهله واستشار نصحاءه فنهوه عن ذلك ، فبات ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول :

دعاني عبيد الله من دون قومه

الى خطة فيها خرجت لحيني(١)

فو الله لا أدري واني لواقف

على خطر لا أرتضيه ومين(٢)

أأترك ملك الري والري رغبة

ام أرجع مذموما بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الري قرة عين

وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال له : أنشدك الله يا خال ان تسير الى الحسين فتأثم عند ربك وتقطع رحمك ، فو الله لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله

__________________

(١) الحين بالفتح : الهلاك (منه).

(٢) أفكر في أمري على خطرين خ ل.

٨١

بدم الحسين ، فقال له ابن سعد : فاني أفعل ان شاء الله. (وجاء) ابن سعد الى ابن زياد فقال : انك وليتني هذا العمل يعني الري وتسامع به الناس فان رأيت ان تنفذ لي ذلك وتبعث الى الحسين من اشراف الكوفة من لست خيرا منه وسمي له أناسا ، فقال له ابن زياد: لست استشيرك في من أبعث ان سرت بجندنا والا فابعث الينا بعهدنا ، قال : فاني سائر.

وقبل ان يحارب الحسينعليه‌السلام سار ابن سعد الى قتال الحسينعليه‌السلام بالأربعة آلاف التي كانت معه ، وانضم اليه الحر وأصحابه فصار في خمسة آلاف ، ثم جاءه شمر في أربعة آلاف ، ثم أتبعه ابن زياد بيزيد اين ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في الفين فذلك عشرون ألف فارس تكملت عنده الى ست ليال خلون من المحرم ، وبعث كعب بن طلحة في ثلاث آلاف وشبث بن ربعي الرياحي في ألف وحجار بن ابجر في ألف فذلك خمسة وعشرون ألفا ، وما زال يرسل اليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارس وراجل ، ثم كتب اليه اني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال فانظر لا أصبح ولا امسي الا وخبرك عندي غدوة وعشية وكان يستحثه لستة أيام مضين من المحرم. وقال حبيب بن مظاهر للحسينعليه‌السلام : يا ابن رسول الله ههنا حي من بني أسد بالقرب منا تأذن لي في المصير اليهم لأدعوهم الى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك فأذن له ، فخرج اليهم في جوف الليل وعرفهم بنفسه انه أسدي وقال : اني قد اتيتكم بخير ما أتى به وافد الى قوم ، أتيتكم أدعوكم الى نصر ابن بنت نبيكم فانه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل لن لن يخذلوه ولن يسلموه ابدا وهذا عمر بن سعد قد أحاط به ، وانتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه النصيحة فأطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والآخرة ، فاني

٨٢

أقسم بالله لا يقتل احد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليين ، فوثب اليه رجل منهم اسمه عبد الله بن بشر فقال : انا أول من يجيب الى هذه الدعوة ، ثم جعل يرتجز ويقول :

قد علم القوم اذا تواكلوا

واحجم الفرسان أو تثاقلوا

اني شجاع بطل مقاتل

كانني ليث عرين باسل

ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فأقبلوا يريدون الحسينعليه‌السلام ، وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي الى ابن سعد فأخبره بالحال ، فأرسل اليهم اربعمائة فارس مع الأزرق فالتقوا معهم قبل وصولهم الى الحسينعليه‌السلام بيسير فتناوشوا واقتتلوا ، فصاح حبيب بالأزرق ويلك مالك ومالنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك فأبى الأزرق ان يرجع ، وعلمت بنو أسد انه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين الى حيهم وارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد ان يبيتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر الى الحسينعليه‌السلام فأخبره فقال : لا حول ولا قوة الا بالله ، وأراد ابن سعد ان يبعث الى الحسينعليه‌السلام رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض ذلك على جماعة من الرؤساء فكلهم ابى استحياء من الحسينعليه‌السلام لأنهم كاتبوه ، فقام اليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء ، فقال : انا أذهب اليه والله لئن شئت لا فتكن به ، فقال عمر : ما أريد ان تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي جاء به فأقبل ، فلما رآه ابو تمامة الصائدي قال للحسينعليه‌السلام : أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض واجرأه على دم وافتكه ، وقام اليه فقال له : ضع سيفك ، قال : لا والله ولا كرامة انما انا رسول فان سمعتم مني والا انصرفت ، قال : فآخذ بقائم سيفك ثم تكلم ، قال : لا والله لا تمسه ، قال : اخبرني بما جئت به وانا ابلغه عنك ولا أدعك

٨٣

تدنو منه فانك فاجر فاستبا وانصرف الى عمر بن سعد فأخبره ، فأرسل قرة بن قيس الحنظلي ، فلما رآه الحسينعليه‌السلام مقبلا قال : أتعرفون هذا؟ قال حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن اختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، فجاء حتى سلم على الحسينعليه‌السلام وبلغه رسالة عمر بن سعد ، فقال له الحسينعليه‌السلام : كتب الي أهل مصركم هذا ان أقدم فأما اذا كرهتموني فاني انصرف عنكم ، فقال له حبيب بن مظاهر : ويحك يا قرة اين ترجع الى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك الله بالكرامة ، فقال له : ارجع الى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي ، فانصرف الى ابن سعد فأخبره فقال : أرجو ان يعافيني الله من أمره ، وكتب الى ابن زياد بذلك ، فلما قرأ الكتاب قال :

الآن اذ علقت مخالبنا به(١)

يرجو النجاة(٢) ولات حين مناص

ثم كتب الى ابن سعد ان أعرض على الحسين ان يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه فاذا هو فعل ذلك رأينا رأينا ، فقال ابن سعد : قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية.

وورد كتاب ابن زياد في الأثر الى ابن سعد ان حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء. فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان ، فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسينعليه‌السلام وأصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسينعليه‌السلام بثلاثة ايام. ونادى عبد الله بن حصين الأزدي بأعلى صوته يا حسين تنظرون الى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا ، فقال

__________________

(١) الآن حين تعلقته حبالنا خ ل.

(٢) الخلاص خ ل.

٨٤

الحسينعليه‌السلام : اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا. قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فو الله الذي لا اله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر(١) ثم يقيء ويصيح العطش العطش ، ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا ، فما زال ذلك دأبه حتى هلك.

فلما اشتد العطش على الحسينعليه‌السلام وأصحابه أمر أخاه العباس بن عليعليه‌السلام فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاؤوا حتى دنوا من الماء ليلا وأمامهم نافع بن هلال البجلي يحمل اللواء ، فقال عمرو بن الحجاج من الرجل؟ قال : نافع ، قال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئا ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان هو وأصحابه ، فقالوا : لا سبيل الى سقي هؤلاء انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ، فقال نافع لرجاله :املأوا قربكم فملأوها ، وسار اليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم وأقبلوا بالماء ، ثم عاد عمرو بن الحجاج وأصحابه وأرادوا ان يقطعوا عليهم الطريق ،فقاتلهم العباس وأصحابه حتى ردوهم وجاؤوا بالماء الى الحسينعليه‌السلام .

وضيق القوم على الحسينعليه‌السلام حتى نال منه العطش ومن أصحابه ، فقال له يزيد بن الحصين(٢) الهمداني : يا ابن رسول الله أتأذن لي ان أخرج الى القوم فاذن له فخرج اليهم ، فقال : يا معشر الناس ان اللهعزوجل بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا ، وهذا

__________________

(١) بغر البعير كفرح ومنع شرب ولم يرو فأخذه داء من الشرب ، والبغر بالتحريك كثرة شرب الماء او داء وعطش ، كذا في القاموس (منه).

(٢) كذا وجد ويحتمل ان يكون الصواب برير بن خضير وقد وقع في عدة مواضع برير بن خضير في بعض الكتب ويزيد بن حصين في بعض آخر ، فالظاهر انه صحف احدهما بالآخر والتعدد ممكن (منه).

٨٥

ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابنه ، فقالوا : يا يزيد قد أكثرت الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسينعليه‌السلام : أقعد يا يزيد ثم وثب الحسينعليه‌السلام متوكئا على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله هل تعرفونني؟ قالوا : نعم أنت ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبطه ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان أمي فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان ابي علي بن ابي طالبعليه‌السلام ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة اسلاما؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عم ابي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمي؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انا متقلده؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انا لابسها؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : أنشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان أول القوم اسلاما واعلمهم علما وأعظمهم حلما وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فبم تستحلون دمي وأبي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد ابي يوم القيامة؟ قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.

فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وارتفعت أصواتهن ، فوجه اليهن أخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما : سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن.

وأرسل الحسينعليه‌السلام الى عمر بن سعد مع عمرو بن قرطة الأنصاري

٨٦

اني أريد ان اكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك ، فخرج اليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسينعليه‌السلام في مثلها فأمر الحسينعليه‌السلام أصحابه فتنحوا وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر ، وأمر ابن سعد أصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه حفص وغلام له ، فقال له الحسينعليه‌السلام : ويلك يا ابن سعد اما تتقي الله الذي اليه معادك اتقاتلني وأنا ابن من علمت ، ذر هؤلاء القوم وكن معي فانه أقرب لك الى الله ، فقال ابن سعد : أخاف ان تهدم داري ، فقال الحسينعليه‌السلام : انا ابنيها لك ، فقال : أخاف ان تؤخذ ضيعتي ، فقال الحسينعليه‌السلام : أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز ، فقال :لي عيال وأخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه الى شيء ، فانصرف عنه الحسينعليه‌السلام وهو يقول : مالك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فو الله اني لأرجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا ، فقال : في الشعير كفاية عن البر مستهزءا بذلك القول.

وفي رواية انهعليه‌السلام لما رأى نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله انفذ الى عمر بن سعد أني أريد أن القاك ، فاجتمعا ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا ، ثم التقى الحسينعليه‌السلام وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو أربعا ، ثم كتب عمر الى ابن زياد :

اما بعد فان الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة ، هذا الحسين قد أعطاني ان يرجع الى المكان الذي منه اتى او ان يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، او ان يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح.

وعن عقبة بن سمعان انه قال : والله ما أعطاهم الحسينعليه‌السلام ان يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير الى ثغر من الثغور ، ولكنه قال : دعوني أرجع الى

٨٧

المكان الذي أقبلت منه او اذهب في هذه الأرض العريضة. يقول المؤلف :وهذا هو الذي يقوى في نفسي. قال : فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال : هذا كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه ، فقام اليه شمر بن ذي الجوشن وقال :أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك والى جنبك ، والله لأن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وان عفوت كان ذلك لك ، فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت الرأي رأيك ، أخرج بهذا الكتاب الى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فاذا فعلوا فليبعث بهم الي سلما وان أبوا فليقاتلهم ، فان فعل فاسمع له وأطع وان أبى فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث الي برأسه. وكتب الى ابن سعد اني لم أبعثك الى الحسينعليه‌السلام لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ، ولا لتكون له عندي شافعا ، انظر فان نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم اليّ سلما وان ابوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون ، فان قتلت الحسينعليه‌السلام فأوطىء الخيل صدره وظهره فأنه عاق شاق قاطع ظلوم ، ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به ، فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا والسلام. فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له : مالك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي ، والله اني لأظنك انت نهيته ان يقبل ما كتبت به اليه وأفسدت علينا أمرا كنا قد رجونا ان يصلح ، لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه ، فقال له شمر بن ذي الجوشن : أخبرني بما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند

٨٨

والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ولكن انا اتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة.

ونهض عمر بن سعد الى الحسينعليه‌السلام عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحرم ، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسينعليه‌السلام فقال : اين بنو أختنا يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان ابناء عليعليه‌السلام ، فقال الحسينعليه‌السلام : أجيبوه وان كان فاسقا فانه بعض اخوالكم(١) فقالوا له : ما تريد؟ فقال لهم : أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسينعليه‌السلام والزموا طاعة يزيد ، فقالوا له : لعنك الله ولعن أمانك اتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وفي رواية فناداه العباس ابن أمير المؤمنينعليهما‌السلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله ، أتأمرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين ابن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ، فرجع الشمر الى عسكره مغضبا. وكان ابن خالهم عبد الله بن أبي المحل بن حزام ، وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد أخذلهم أمانا من ابن زياد وأرسله اليهم مع مولى له ، وذلك ان أمهم ام البنين بنت حزام زوجة عليعليه‌السلام هي عمة عبد الله هذا ، فلما رأوا الكتاب قالوا : لا حاجة لنا في أمانكم امان الله خير من أمان ابن سمية.

ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب الناس ، ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسينعليه‌السلام جالس امام بيته محتب بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه ، فسمعت أخته زينب الضجة فدنت من أخيها فقالت يا أخي اما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ، فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه فقال : اني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الساعة في المنام فقال : انك تروح الينا ، فلطمت اخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها الحسينعليه‌السلام : ليس لك

__________________

(١) وذلك ان أمهم ام البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب (منه).

٨٩

الويل يا أخيه اسكتي رحمك الله. وفي رواية انهعليه‌السلام جلس فرقد ، ثم استيقظ وقال : يا أختاه رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون : يا حسين انك رائح الينا عن قريب. وقال له العباس : يا أخي أتاك القوم ، فنهض ثم قال : يا عباس اركب انت حتى تلقاهم وتقول لهم : ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم ، فأتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا : قد جاء أمر الأمير ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع الى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ، ورجع العباس اليه بالخبر ، ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسينعليه‌السلام ، فلما أخبره العباس بقولهم قال له : ارجع اليهم فان استطعت ان تؤخرهم الى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار وأراد الحسينعليه‌السلام أيضا أن يوصي أهله ، فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد ، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان الله والله لو أنهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد ، وقال له ، قيس بن الأشعث بن قيس : اجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال فأجابوهم الى ذلك.

فجمع الحسينعليه‌السلام أصحابه عند قرب المساء ، قال علي بن الحسينعليهما‌السلام فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وانا اذ ذاك مريض ، فسمعت ابي يقول لأصحابه : اثني على الله احسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم اني أحمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين.

اما بعد فاني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت

٩٠

ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ، الا واني لأظن يوما لنا من هؤلاء الا واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فانهم لا يريدون غيري ، فقال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا ارانا الله ذلك ابدا ، بدأهم بهذا القول العباس ابن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ، ثم نظر الى بني عقيل فقال : حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد أذنت لكم ، قالوا :سبحان الله فما يقول الناس لنا وماذا نقول لهم ، انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا ، لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى ترد موردك فقبح الله العيش بعدك وقام اليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : انحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبما نعتذر الى الله في اداء حقك ، لا والله لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك او أموت معك. وقام سعيد بن عبد الله الحنفي فقال : لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لو علمت اني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا ثم اذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا وقام زهير بن القين وقال : والله يا ابن رسول الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من اخوانك وولدك وأهل بيتك. وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا :

٩١

أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فاذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.

ووصل الخبر الى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد اسر بثغر الري ، فقال : عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وأبقى بعده ، فسمع الحسينعليه‌السلام قوله فقال : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ، فقال : اكلتني السباع حيا ان فارقتك ، قال : فاعط ابنك هذا هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها الف دينار فحملها مع ولده.

وأمر الحسينعليه‌السلام أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم وقام الحسينعليه‌السلام وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد.

سمة العبيد من الخشوع عليهم

لله أن ضمتهم الأسحار

فاذا ترجلت الضحى شهدت لهم

بيض القواضب انهم أحرار

فعبر اليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا ، قال بعض أصحاب الحسينعليه‌السلام : مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا ، وكان الحسينعليه‌السلام يقرأ :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ* ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (١) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال : نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم ، فقال

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان (١٧٨ ـ ١٧٩).

٩٢

له برير بن خضير : يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين ، فقال له : من أنت ويلك؟ قال : انا برير بن خضير فتسابا.

وأصبح الحسينعليه‌السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمان وأربعون راجلا وفي رواية ثمانون راجلا وعن الباقرعليه‌السلام انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل وقيل كانوا سبعين فارسا ومائة راجل ، فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، واعطى رايته العباس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم ، فنفعهم ذلك.

وأصبح ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة او يوم السبت ، فعبا أصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة (عزرة خ ل) بن قيس ، وعلى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه ، وجعل على ربع أهل المدينة عبد الله الأزدي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث ، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن الجعفي ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي.

وأمر الحسينعليه‌السلام بفسطاط فضرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن : يا برير ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وانما أفعل ذلك استبشارا بما نصير اليه ، فو الله ما هو الا ان نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين ثم ركب الحسينعليه‌السلام دابته ودعا

٩٣

بمصحف فوضعه أمامه ، فروي عن علي بن الحسينعليهما‌السلام انه قال : لما صبحت الخيل الحسينعليه‌السلام رفع يديه وقال : اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وانت رجائي في كل شدة ، وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته ، فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة.

وركب أصحاب عمر بن سعد وأقبلوا يجولون حول بيوت الحسينعليه‌السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه ، فنادى شمر بأعلى صوته يا حسين اتعجلت النار قبل يوم القيامة ، فقال الحسينعليه‌السلام : من هذا كأنه شمر؟ فقالوا :

نعم ، قال : يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا ، ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه الحسينعليه‌السلام من ذلك ، فقال له : دعني حتى أرميه فانه الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : لا ترمه فاني اكره ابدأهم بقتال واقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن ابي جويريه المزني ، فلما رأى النار تتقد نادى يا حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا ، فقال الحسينعليه‌السلام : اللهم اذقه عذاب النار في الدنيا ، فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق ثم برز تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات ، والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعا.

ولما ركب أصحاب ابن سعد قرب الى الحسينعليه‌السلام فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير ، فقال له

٩٤

الحسينعليه‌السلام : كلم القوم ، فتقدم برير فقال : يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم ، فقالوا : نريد ان نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم ، فقال لهم برير : أفلا تقبلون منهم ان يرجعوا الى المكان الذي جاؤوا منه ، ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها ، يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى اذا أتوكم أسلمتموهم وحلئتموهم(١) عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم ، فقال له نفر منهم : يا هذا ما ندري ، ما تقول ، فقال برير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة ، اللهم اني أبرأ اليك من فعال هؤلاء القوم اللهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان ، فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع الى ورائه.

وتقدم الحسينعليه‌السلام حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر الى صفوفهم كأنهم السيل ، ونظر الى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته ، فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها ، واراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم ، اقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم انكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم ، فتبا لكم ولما تريدون انا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين ، فقال

__________________

(١) طردتموهم ومنعتموهم (منه).

٩٥

ابن سعد : ويلكم كلموه فانه ابن أبيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر فتقدم شمر فقال : يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم ، فقال : أقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ، ولعله قد بلغكم قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة(١) وفي رواية انه دعا الحسين براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته يا أهل العراق وكلهم (وجلهم خ ل) يسمعون ، فقال : أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى اعذر اليكم ، فان اعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وان لم تعطوني النصف عن أنفسكم فاجمعوا رأيكم ، ثم لا يكون امركم عليكم غمة ، ثم أقضوا الي ولا تنظرون ، ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، فلما سمع اخواته وبناته كلامه هذا صحن وبكين وارتفعت أصواتهن ، فأرسل اليهن أخاه العباس وابنه عليا وقال :اسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ، ثم انهعليه‌السلام حمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو اهله ، وصلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى ملائكته وانبيائه وقال ما لا يحصى كثرة ، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه.

له من علي في الحروب شجاعة

ومن أحمد عند الخطابة قيل

ثم قال : اما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا الى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ، ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبما جاء به من عند ربه ، أو ليس حمزة سيد الشهداء عمي ، أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي ، أولم يبلغكم ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة ، فان صدقتموني بما أقول

__________________

(١) وسيأتي تمام كلامهعليه‌السلام في الرواية الآتية بعد هذا (منه عفى عنه).

٩٦

وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه أهله ، وان كذبتموني فان فيكم من ان سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب(١) وزيدا بن أرقم وأنس بن مالك ، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لي ولأخي ، اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ، فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر : والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا (سبعين الف حرف خ ل) وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك ثم قال لهم الحسينعليه‌السلام : فان كنتم في شك من هذا أفتشكون في اني ابن بنت نبيكم ، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته او مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة ، فأخذوا لا يكلمونه ، فنادى يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا اليّ ان قد أينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جند لك مجندة ، فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك فانهم لن يروك الا ما تحب ، فقال له الحسينعليه‌السلام : لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا افر فرار (اقر اقرار خ ل) العبيد ، ثم نادى يا عباد الله( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ) (٢) أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب. ثم انه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ثم ركب فرسه وتهيأ للقتال وفي رواية انهعليه‌السلام ركب ناقته وقيل فرسه وخرج الى الناس ، فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا(٣) حتى قال لهم : ويلكم ما عليكم ان تنصتوا لي

__________________

(١) البراء موجود في مقتل ابن نما خاصة (منه).

(٢) سورة الدخان ، الآية (٢٠).

(٣) رواية ابن طاوس في اللهوف فاستنصتهم فانصتوا ، ويمكن حملها على انهم انصتواـ

٩٧

فتسمعوا قولي وانما ادعوكم الى سبيل الرشاد ، فمن أطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين ، وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي ، فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ، ويلكم الا تنصتون الا تسمعون ، فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا : انصتوا له ، فحمد الله وأنثى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ في المقال ، ثم قال : تبا(١) لكم ايتها الجماعة وترحا(٢) أحين استصرختمونا والهين(٣) (ولهين متحيرين خ ل) فأصرخناكم موجفين(٤) (مؤدين(٥) مستعدين خ ل) سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم(٦) علينا نارا قد حناها (اججناها خ ل) على عدوكم وعدونا فأصبحتم البا(٧) على أوليائكم ويدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا انالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه ، من غير حدث كان منا ولا رأي تفيل(٨) لنا ، فهلا لكم الويلات اذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها(٩) والسيف

__________________

ـ بعد ان قال لهم ما ذكر ، ويؤيده ان ابن طاوس رحمة الله كثير الاختصار (منه).

(١) التب : الهلاك (منه).

(٢) الترح محركة : الهم (منه).

(٣) الوله بالتحريك : الحزن (منه).

(٤) وجيف الفرس والبعير : عدوه ، واوجفته : اعديته (منه).

(٥) يقال آدى للسفر بالمد اي تهيأ فهو مؤد وآداه على كذا اعانه ، وفلان مؤد أي شاك في السلاح (منه).

(٦) أوقدتم (منه).

(٧) مجتمعين (منه).

(٨) أي ضعف وأخطأ (منه).

(٩) الضمير للحرب او الفتنة ، والتجهز التهيؤ اي هلا أظهرتم إرادة الحرب من أول الأمر حيث كانت الحال قابلة للتدارك ، وكان القياس تجهزتم لها لأن تجهز لا يتعدى بنفسه ، ولو صحت روايتها عنهعليه‌السلام لكفى بها شاهدا على الجواز ، لكن احتمال الخطأ من النساخ موجود (منه).

٩٨

مشيم(١) (لم يشهر خ ل) والجاش(٢) طامن(٣) والرأي لما يستحصف(٤) ولكن اسرعتم اليها كطيرة الدبا(٥) وتداعيتم اليها كتداعي (كتهافت خ ل) الفراش ، فسحقا (فقبحا خ ل) لكم يا عبيد الأمة (فانما أنتم من طواغيت الأمة خ ل) وشذاذ(٦) الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب (الكلم خ ل) ومطفئي السنن وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار(٧) بالنسب ومؤذي المؤمنين وصرّاخ أئمة المستهزئين( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) ،( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ) ( وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ ) (٨) وأنتم ابن حرب واشياعه تعضدون وعنا تخاذلون ، أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه اصولكم وتأزرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث ثمر (شيء خ ل) شجا للناظر وأكلة للغاصب ، الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، فأنتم والله هم الا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة(٩) والذلة وهيهات منا الذلة (وهيهات ما آخذ الدنية خ ل) يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود (وحجور خ ل) طابت وحجور (وحجر خ ل) طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر (من ان تؤثر خ ل) طاعة اللئام على مصارع الكرام ، الا قد

__________________

(١) مغمد (منه).

(٢) الجأش بالهمز والجاش بدونه رواغ القلب اذا اضطرب عند الفزع. ونفس الانسان (منه).

(٣) مطمئن (منه).

(٤) استحصف الرأي : استحكم (منه).

(٥) الدبا بالفتح : الجراد قبل ان يطير (منه).

(٦) شذاذ الناس الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم (منه).

(٧) عاهرها عهارا أتاها للفجور (منه).

(٨) سورة المائدة ، الآية (٨٠).

(٩) السلة بالفتح والكسر : استلال السيوف (منه).

٩٩

اعذرت وانذرت ، الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد (العتاد خ ل) وكثرة العدو وخذلان الناصر (وخذلة الأصحاب)(الناصر خ ل) ، ثم وصلعليه‌السلام كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي فقال :

فان نهزم فهزامون قدما

وان نغلب فغير مغلبينا(١)

وما ان طبنا(٢) جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا

اذا ما الموت رفع عن أناس

كلاكله(٣) اناخ بآخرينا

فافنى ذلكم سروات قومي

كما أفنى القرون الأولينا

فلو خلد الملوك اذن خلدنا

ولو بقي الكرام اذن بقينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم قال : اما والله لا تلبثون بعدها الاكريث(٤) ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور(٥) ، عهد عهده الي ابي عن جدي فاجمعوا امركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون (ثم كيدوني جميعا فلا تنظرون خ ل) اني توكلت على الله ربي وربكم ، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ، اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنين كسني يوسف وسلط عليهم غلام ثقيف(٦) يسقيهم كاسا مصبرة ولا يدع فيهم احدا الا قتلة بقتلة وضربة بضربة ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ، فانهم غرونا وكذبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير.

__________________

(١) وان نهزم فغير مهزمينا خ ل.

(٢) بالكسر : عادتنا (منه).

(٣) جمع كلكل وهو الصدر (منه).

(٤) كمقدار (منه).

(٥) المحور كمنبر : العود الذي تدور عليه البكرة وربما كان من حديد (منه).

(٦) هو المختار بن ابي عبيدة الثقفي (منه).

١٠٠