مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام14%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50149 / تحميل: 4070
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرَني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمدٍ العلويّ، عن جدِّه، عن محمّدِ بنِ ميمون البزّاز قال: حدّثَنا سفيان بنُ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ شهاب الزُّهْريِّ قالَ: حدّثَناعليٌ بن الحسينِعليهما‌السلام - وكانَ أفضلَ هاشميًّ أدركْناه - قالَ: «أحِبُّونا حُبَّ الاسلامِ، فما زالَ حبُكم لنا حتّى صارَ شَيْناً علينا»(١) .

وروى أَبومعمّرٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ أَبي حازمِ قالَ: سمعتُ أَبي يقولُ: ما رأَيتُ هاشميّاً أفضلَ من علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام (٢) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني أَبو محمّد الأنصاريُّ قالَ: حدّثَني ُمحمد بنُ ميمون البزّاز قالَ: حدّثَنا الحسينُ بن عَلْوانَ، عن أَبي عليٍّ زيادِ بنِ رُسْتَمَ، عن سعيدِ ابنِ كُلثوم قالَ: كنتُ عندَ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فذُكِرَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام فأَطراه ومدحَه بما هو أَهلُهُ، ثمّ قالَ: «واللّهِ ما أكلَ عليّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام منَ الدًّنيا حراماً قطُّ حتّى مضى لسبيلهِ، وما عُرِضَ له أَمرانِ قطُّ هما للهِّ رضى الله أَخذَ بأَشدِّهما عليه في دينهِ، وما نزلتْ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله نازلةٌ إِلاٌ دعاه فقدّمَه ثقةً به، وما أَطاقَ عملَ رسولِ اللهِّ من

__________________

(١) رواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات ٥: ٢١٤، وابو نعيم في الحلية ٣: ١٣٦، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٢، ونقله المجلسي في البحار ٤٦: ٥٨ / ٧٣.

وفي هامش «ش»: اهذا نهي لهم عن الغلوّ، يقول:أحبونا الحب الذي يقتضيه الاسلام ولا تتجاوزوا الحدّ فيكون غلوّاً.

(٢) علل الشرائع: ٢٣٢، حلية الاولياء ٣: ١٤١، وعن الحلية وتاريخ النسائي رواه ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٩، تذكرة الخواص: ٢٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٦٠.

١٤١

هذهِ الامّةِ غيرُه، وإنْ كانَ لَيَعْمل عملَ رجلٍ كأَنَّ وجهَه بينَ الجنّةِ والنّارِ، يَرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقابَ هذه، ولقد أَعتقَ من مالِه أَلفَ مملوك في طلب وجهِ اللّهِ والنّجاةِ منَ النّارِ ممّا كدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه، وأن كان ليقوتُ اهلَه بالزّيتِ والخلِّ والعجوةِ، وما كانَ لباسُه إلّا الكرابيسَ، إِذا فضلَ شيءٌ عن يدِه من كمِّه دعا بالجَلَمِ(١) فقصه، وما أَشبهه من ولدِه ولا أَهلِ بيتِه أَحدٌ أَقرب شبهاً به في لباسِه وفقهه من عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام .

ولقد دخلَ أَبو جعفر - ابنه -عليهما‌السلام عليه فإذا هو قد بلغَ منَ العبادةِ ما لم يبلُغْه أَحدٌ، فرآه قدِ اصفرّ لونُه منَ السّهرِ، ورمَصَتْ عيناه منَ البكاءِ، ودَبِرَتْ جبهته وانخرمَ أَنفُه منَ السُجودِ، ووَرِمَتْ ساقاه وقدماه منَ القيامِ في الصّلاةِ، فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «فلم أَملكْ حينَ رأَيتُه بتلكَ الحالِ البكاءَ، فبكيتُ رحمةً له(٢) ، وإذا هو يُفكِّر، فالتفتَ إِليّ بعدَ هُنيهةٍ من دخولي فقالَ: يابُنَيٌ، أَعطِني بعضَ تلكَ الصحفِ التّي فيها عبادةُ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام ، فأَعطيتُهُ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ تركَها من يدِه تضجُّراً وقالَ: مَنْ يَقوى على عبادةِ عليّعليه‌السلام ؟! »(٣) .

وروى محمّدُ بن الحسينِ قالَ: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن محمّدٍ القُرشيّ قالَ: كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام إِذا توضّأ اصفَرَّ لونُه، فيقولُ له

__________________

(١) الجَلَم: الذي يجزّ به الشعر والصوف، كالمقص «مجمع البحرين - جلم - ٦: ٣٠».

(٢) فى هامش «ش» و «م»: عليه.

(٣) ذكر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٤٩، وأورده الطبرسي في اعلام الورى: ٢٥٤ مختصراُ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٥.

١٤٢

أَهلُه: ما هذا الّذي يَغشاكَ؟! فيقول: «أَتدرونَ لمن أَتاهَّبُ للقيام بينَ يديه »(١) .

وروى عمرُو بنُ شمرٍ، عن جابرٍ الجعفيّ، عن أَبي جعفرعليه‌السلام قالَ: «كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام يُصلِّي في اليوم والليلةِ أَلفَ ركعةٍ، وكانتِ الرِّيحُ تمَيِّله بمنزلةِ السُّنبلةِ»(٢) .

وروى سفيانُ الثوريُّ، عن عبيدِاللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ مَوْهَبٍ قالَ: ذكِرَ لعليِّ بنِ الحسينِ فضلُه فقالَ: «حَسْبُنا أَن نكونَ من صالحي قومِنا»(٣) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدّه، عن سلمة بن شَبيب، عن عُبيدِاللّهِ بنِ محمّد التّيميِّ قالَ: سمعتُ شيخاً من عبدِ القيس يقولُ: قالَ طاوُوس: دخلتُ الحِجْرَ في الليل، فإِذا عليّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام قد دخلَ فقامَ يُصلِّي، فصلّىَ ما شاءَ الله ثمّ سجدَ، قالَ: فقلتُ: رجلٌ صالحٌ من أَهلِ بيتِ الخيرِ، لأستمعَنَّ إِلى دعائه، فسمعتهُ يقولُ في سجودِه: «عَبيدُكَ بفِنائكَ، مِسكينُكَ بفِنائكَ، فقيرُكَ بفِنائكَ، سائلُكَ بفِنائكَ ». قالَ طاووس: فما

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٦، وذكر ما يشابهه ابن سعد في طبقاته ٥: ٢١٦، وابو نعيم في حليته ٣: ١٣٣، والذهبي في سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ١٦.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٠، اعلام الورى:٢٥٥، وانظر الخصال: ٥١٧ / ٤ صدر الحديث، وكذا سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٢.

(٣) طبقات ابن سعد٥: ٢١٤، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٢، اعلام الورى: ٢٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٣.

١٤٣

دعوتُ بهنَّ في كَرْبٍ لأفُرِّجَ عنِّي(١) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمد، عن جدِّه، عن أحمد بن محمّدٍ الرّافعيّ، عن إِبراهيم بن عليٍّ، عن أَبيه قالَ: حججتُ معَ عليٍّ بنِ الحسينِعليه‌السلام فالْتَاثَتْ(٢) عليه النّاقةُ في سيرِها، فاَشارَ إِليها بالقضيبِ ثمّ قالَ: «آه! لولا القِصاص» وردَّ يدَه عنها(٣) .

وبهذا الاسنادِ قالَ: حج عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام ماشياً، فسارَ عشرينَ يوماً منَ المدينةِ إِلى مكّةَ(٤) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا عمّارُ بنُ أَبان َقال: حدّثَنا عبدُاللهِّ بن بُكَيْرٍ، عن زُرارة بن أَعيَنَ قالَ:سمعَ سائلٌ في جوفِ الليلِ وهويقولُ: أَينَ الزّاهدونَ في الدّنيا، الرّاغبونَ في الآخرةِ؟ فهتفَ به هاتفٌ من ناحيةِ البقيعِ يُسمَعُ صوتُه ولا يُرى شخصُه: ذاكَ علي بن الحسينِعليه‌السلام (٥) .

وروى عبدُ الرزّاقِ، عن مَعْمرٍ، عنِ الزّهريّ قالَ: لم أُدركْ أَحداً من أَهلِ هذا البيتِ - يعني بيتَ النّبيِّعليه‌السلام - أفضلَ من عليِّ

__________________

(١) سير أعلام انبلاء ٤: ٣٩٣، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٠ آ، ب، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، وفي كفاية الطالب: ٤٥١، وتذكرة الخواص: ٢٩٧، والفصول المهمة: ٢٠٢، باختلاف يسير، وثقله العلامة إلمجلسي في البحار ٤٦: ٧٥ / ٦٦.

(٢) التاثت الناقة: اي ابطأت في سيرها. «مجمع البحرين - لوث - ٢: ٢٦٢ ».

(٣) مناقب إبن شهرآشوب ٤: ١٥٥، اعلام الورى:٢٥٥، الفصول المهمة: ٢٠٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٩.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٤:١٥٥، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٠.

(٥) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٧.

١٤٤

ابنِ الحسينِعليهما‌السلام (١) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قال: حدّثَنا أَبو يونسَ محمّدُ بنُ أحمدَ قالَ: حدّثَني أَبي وغيرُ واحدٍ من أصحابنا: أَنّ فتىً من قُرَيشٍ جلسَ إِلى سعيدِ بنِ المُسيَّب، فطلعَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فقالَ القُرَشيُّ لابنِ المُسيِّبَ: مَنْ هذا يا أَبا محمّدٍ؟ قالَ: هذا سيِّدُ العابدينَ علي بنُ الحسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبي طالبِعليهم‌السلام (٢) .

أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَتي جدِّي قالَ: حدّثَني محمّدُ بنُ جعفرٍ وغيرُه قالوا: وقفَ على عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام رجلٌ من أَهلِ بيتهِ فأَسمعَه وشتمه، فلم يكلِّمْه، فلمّا انصرفَ قالَ لجلسائه: «قد سمعتم ما قالَ هذا الرّجلُ، وأَنا أًحِبُّ أَن تَبلغوا معي إِليه حتّى تَسمعوا رَدِّي عليه » قالَ: فقالوا له: نفعلُ، ولقد كنّا نُحبُ أَن تَقولَ له ونَقولَ، قالَ: فأخذ نعليه ومشى وهو يقولُ:( وَالْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ وَالْعَافِيْنَ عَنِ الناس وَاللُّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) فعلمْنا أَنّه لا يقولُ له شيئاً، قالَ: فخرجَ حتَّى أَتى منزلَ الرّجلِ فصرخَ به فقالَ: «قولوا له: هذا علي بنُ الحسينِ » قالَ: فخرجَ إِلينا ًمتوثّباً للشّرِّ، وهو لا يشكُ أَنّه إِنّما جاءه مُكافِئاً له على بعضِ ما كانَ منه، فقالَ له علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « يا

__________________

(١) الجرح والتعديل ٦: ١٧٩، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧١.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٢.

(٣) آل عمران ٣:١٣٤.

١٤٥

أَخي إِنّكَ كنت قد وقفتَ عليّ آنِفاً فقلتَ وقلتَ، فإِن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأَستغفرُ اللهَ منه، وِان كنتَ قلتَ ما ليسَ فيَّ فغفرَ اللّه لكَ » قالَ: فقبّلَ الرّجلُ ما بينَ عينيه وقالَ: بل قلتُ فيكَ ما ليسَ فيكَ، وأَنا أحقُ به.

قالَ الرّاوي للحديثِ: والرّجلُ هو الحسنُ بنُ الحسنِ(١) .

أَخبرَني الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني شيخٌ من أَهلِ اليَمَنِ قد أَتتْ عليه بضعٌ وتسعونَ سنةً (بما أَخبرَني به رجلٌ )(٢) يقالُ له عبداللهُ بن محمّدٍ قالَ: سمعتُ عبدَ الرّزّاقِ يقولُ: جعلتْ جاريةٌ لعليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام تَسكبُ عليه الماءَ ليتهيّأَ للصّلاةِ، فنعستْ فسقطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ فشجَّه، فرفعَ رأسَه إليها فقالتْ له الجاريةُ: إِنّ اللهَّ يقولُ:( وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ ) (٣) قالَ: « قد

__________________

(١) ذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٧، والذهبي في سير اعلام انبلاء ٤: ٣٩٧، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٤ آ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، ونقله ألعلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٤ / ١.

(٢) كذا في «ش» و «م» و «ح »، وفي هامش «ش»، قال أخبرني رجل، وفوقه علامة النسخة، وفي هامش «م» كلمة قال وكأن المراد منه هو نفس ما في هامش «ش»، ونسخة البحار موافقة لهذه النسخة. وقد ورد الخبر في امالي الصدوق بنفس السند حيث قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال: حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبداللهّ ابن محمد قال: سمعت عبد الرزاق، كذا في النسخ المعتبرة من الأمالي، وفي النسخة المطبوعة من الأمالي:الحسين بن محمد بن يحيى، وهوتصحيف، وشيخه هو جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر وما في نسخ الأمالي المخطوطة تصحيف.

(٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

١٤٦

كظمتُ غيظي(١) » قالت:( وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ ) (٢) قالَ لها: «عفا اللّهُ عنكِ » قالتْ:( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) قالَ: «اذهَبي فأَنتِ حُرةٌ»(٤) .

وروى الواقديُّ قالَ: حدّثَني عبدُاللّهِ بن محمّدِ بنِ عُمَر بن عليٍّ قالَ: كانَ هشامُ بنُ إِسماعيلَ يُسيءُ جوارَنا، ولقيَ منه عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام أَذىً شديداً، فلمّا عزِلَ أَمرَ به الوليد أَن يُوقَفَ للنّاسِ ؛ قالَ: فمرَّ به عليُّ بنُ الحسينِ وقد وُقِفَ عندَ دارِ مروانَ، قالَ: فسلّمَ عليه، وكان عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام قد تقدّمَ إِلى حامّتِه ألّا يعرضَ له أَحدٌ(٥) .

ورُوِيَ:أَن عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام دعا مملوكَه مرّتينِ فلم يُجِبْه، ثمّ أَجابَه في الثّالثةِ، فقالَ له: «يا بنّي، أما سمعتَ صوتي؟» قالَ: بلى، قالَ: «فما بالُكَ(٦) لم تُجبْني؟» قالَ: أَمِنْتُكَ، قالَ: « الحمدُ للّهِ الّذي جعلَ مملوكي يأْمنِّي(٧) »(٨) .

__________________

(١) في «ش»: ألغيظ، وما في ألمتن من نسخة «م» و «ح » وهامش «ش» ونسخة البحار، وكذا بعض المصادر.

(٢) و (٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، وذكره الصدوق في أماليه: ١٦٨ / ١٢، وابن شهراشوب في مناقبه ٤: ١٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦:٦٨ / ٣٧.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٦: ٤٢٨، كامل ابن الأثير ٤: ٥٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٥ / ٥.

(٦) في «م» وهامش «ش»: فمالك.

(٧) في هامش «ش» يأْمنني.

(٨) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٧، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٦.

١٤٧

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدِ بن يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا يعقوبُ بنُ يزيدَ قالَ: حدّثَنا ابنُ أَبي عُمَيرٍ، عن عبدِاللّهِ بنِ المغيرةِ، عن أَبي جعفرٍ الأعشى، عن أَبي حمزةَ الثُّمالي، عن عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجتُ حتّى انتهيتُ إِلى هذا الحائطِ فاتكأت عليه، فإِذا رجلٌ عليه ثوبانِ أَبيضانِ يَنظُر في تجاهِ وجهي، ثمّ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، ما لي أَراكَ كئيباً(١) حزيناً، أَعَلى الدُنيا حُزنُكَ؟ فرِزْقُ اللهِّ حاضرٌ للبَرِّ والفاجرِ؛ قالَ: قلتُ: ما على هذا أحزنُ(٢) ، واِنّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: فعَلى الآخرةِ؟ فهو وعد صادقٌ يَحكمُ فيه مَلِكٌ قاهرٌ ؛ [قالَ: قلتُ: ولا على هذا أَحزن، وانّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: ](٣) فعلامَ حزنُكَ؟ قالَ: قلتُ: أتخوَّفُ من فتنةِ ابن الزبيرِ؛ قالَ: فضحكَ ثمّ قالَ: يا علي بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُ توكَّلَ على اللّهِ فلم يَكفِه؟ قلت: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُّ خافَ اللّهَ فلم ينْجِه؟ قلتُ: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أَحداً قط قد سأَلَ اللهَ فلم يُعْطِه؟ قلتُ: لا ؛ ثمّ نظرتُ فإِذا ليسَ قُدَّامي احد(٤) »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش«ش»:مكتئباً.

(٢) في هامش «ش»: حزني.

(٣) ما بين المعقوفين اثبتناه من المطبوع وبعض المصادر الاخرى كأمالي المصنف والكافي ومختصر تاريخ دمشق.

(٤) في مختصرتاريخ دمشق هنا زيادة: » يا علي هذا الخضرعليه‌السلام ناجاك».

(٥) التوحيد للصدوق:١٧ / ٣٧٣، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، الكافي ٢: ٥٢ / ٢ بطريق آخر، والمصنف في اماليه:٣٤ / ٢٠٤، واخرج نحوه ابو نعيم في حليته ٣: ١٣٤، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٠، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٠٣، والمناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٣٧، والخرائج والجرائح للراوندي ١: ٢٦٩ / ١٣،

١٤٨

أخبرني أبو محمدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدي قال: حدّثَنا أبو نصرٍ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالحٍ قالَ: حدّثَنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عنِ (ابنِ إِسحاق )(١) قالَ: كانَ بالمدينةِ كذا وكذا أَهل بيتٍ يأْتيهم رِزقُهم وما يحتاجونَ إِليه، لا يدرونَ مِن أَينَ يأْتيهم، فلمّا ماتَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فَقَدُوا ذلكَ(٢) .

أخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبونصرٍ قالَ: حدّثَنا محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِاللّهِ قالَ: حدّثَني أَبي قالَ: حدّثَنا عبدُاللّه بن هارونَ قالَ: حدّثَني عمرُو بنُ دينارٍ قالَ: حضرتْ زيدَ بنَ أُسامة بن زيدٍ الوفاةُ فجعلَ يبكي، فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «ما يُبكيكَ؟» قالَ: يُبكيني أَنّ عليَّ خمسةَ عشرَأَلفَ دينارٍ ولم أَتركْ لها وفاءً؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام : «لا تَبكِ، فهي عَلَيَّ، وأَنتَ منها بريء » فقضاها عنه(٣) .

وروى هارونُ بنُ موسى(٤) قالَ: حدّثَنا عبدُ الملك بن عبدِ العزيزِ

__________________

ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٧ / ٣٣.

(١) كذا في «م» والبحار، وفي «ح »: أبي اسحاق، كما في «ش»: علي بن اسحاق.

ويونس بن بكيرالشيباني يروي عن محمد بن اسحاق كما في تهذيب التهذيب١١:٤٣٥، ونقل ابن منظور في مختصرتاريخ دمشق عين الحديث عن محمد بن اسحاق. وهو الأنسب.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، وذكره ابو نعيم في حلية الاولياء ٣: ١٣٦، باختلاف يسير، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٢٧٠ و ١١: ٣٨٢، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٥٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٦ه / ٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٩، وانظر حلية الاولياء ٣: ١٤١، وتذكرة الخواص: ٢٩٨، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٨.

(٤) هارون بن موسى هذا من مشايخ يحيى بن الحسن العبيدلي، انظر غاية الاختصار: ٢٢، ٢٤، ٣٢، وقد روى عن عبد الله بن نافع الزبيري في ص ٣٢ من غاية الاختصار، وهو

١٤٩

قالَ: لمّا وليَ عبدُ الملك بن مروانَ الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحسينِ صلواتُ اللّهِ عليهما صدقاتِ رسولِ اللّهِ وعليٌِ بنِ أَبي طالبِ صلواتُ الله عليهما، وكانتا مضمومتينِ، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إِلى عبدِ الملكِ يتظلّمُ إِليه من نفسه ؛(١) فقال له عبد الملك: أقولُ كما قال ابن أَبي الحقيق:

إِنَّا إِذَاَ مَالَتْ دَوَاعِي الْهَوَى

وَأنصَتَ السَّامِعُ لَلْقَائِل

وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابهِمْ

نقضي بحُكْمٍ عَادِلٍ َفاصِلِ

لا نَجْعل الْباطِلَ حَقاً وَلاَ

نُلِظًّ(٢) دُوْنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ

نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحلامُنَا فنَخْمُلَ

الدَّهرَمعَ الْخَاملِ(٣)

أخبرَني أَبو محمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبوجعفرٍ محمّدُ بن إِسماعيلَ قالَ: حجَّ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فاستجهرَ(٤) الناس من جمالهِ، وتَشوّفوا إِليه وجعلوا يقولونَ: مَنْ هذا؟! مَن هذا؟! تعظيماً له وِاجلاللاً لمرتبتِه، وكانَ الفرزدقُ هناكَ

__________________

هارون بن موسى بن عبدالله المدني مولى آل عثمان الذي عنونه ابن حجر وذكر روايته عن عبدالله بن نافع الزبيري في وروايته عن عبد الملك ابن الماجشون، وعبد الملك بن الماجشون هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو مروان المدني المتوفى سنة ٢١٢ أو ٢١٤، ومن هذا كله يظهر أن الرواية مأخوذة من كتاب يحيى بن الحسن العبيدلي.

(١) في هامش «ش»: أي من اختلال احوال نفسه.

(٢) اُلظّ به: لازمه لا يفارقه. «الصحاح - لظظ - ٣: ١١٧٨ ».

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١١.

(٤) لم نعثر على هذه الصيغة في بعض الموسوعات اللغوية المفصلة، وفي هامش النسختين «ش» و «م»: جهرت ألرجل وأجتهرته [أصح - كما في هامش «ش»] اذا استحسنته، وما أحسن جهره وجهرته.

١٥٠

فانشأ يقولُ:

هذَا الَّذِيْ تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وَطْاتَهُ

وَالبيْتُ يعْرفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحرَمُ

هذَا ابنُ خيْرِ عِبَادِ الله كلّهِمُ

هذَا التقيُّ النًّقِيُّ الطاهِرُ الْعَلَمُ

يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرْفان رَاحتِهِ

رُكنُ الحَطِيْمِ إِذَا ماجَاءَ يَسْتَلمُ

يُغْضيْ حياءً وَيغْضَى منْ مَهَابتِهِ

فمَا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ

أَيُّ الْخلائقِ لَيْسَتْ في رِقابهِمُ

لأوَّلِيّةِ هذَا أَولهُ نعَمُ

منْ يَعْرِفِ اللهَّ يَعْرِفْ أَوَّلِيّةََ ذَا

فَالدِّيْنُ مِنْ بَيْتِ هذَا نَالَهُ الأممُ

إِذَا رَأتهُ قرَيْشٌ قالَ قائلهَا

إِلى مَكَارِمِ هذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ(١)

 أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني داودُ ابن القاسمِ قالَ: حدّثَنا الحسينُ بنُ زيد، عن عمِّه عمر بن عليٍّ، عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَنّه كانَ يقولُ: «لم أَرَ مثلَ التّقدُّم في الدُّعاءِ، فإِنّ العبدَ ليسَ يَحضرُه الأجابةُ في كلِّ وقتٍ(٢) ».

وكانَ ممّا حُفِظَ عنه منَ الدُّعاءِ حينَ بلغَه تَوجُّهُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبةَ إِلى المدينةِ:

«ربِّ كم من نعمةٍ أَنعمتَ بها عليَّ قلَّ لكَ عندَها شكري، وكم

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢: ١٧٨، وانظرالاغاني ٢١: ٣٧٦، الاختصاص: ١٩١، حلية الاولياء ٣: ١٣٩، مرآة الجنان ١: ٢٣٩، حياة الحيوان مادة - أسد - ١: ٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٩، كفاية الطالب: ٤٥١، الفصول المهمة: ٢٠٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١٣، وثمة رواية أخرى للواقعة في المصادر آنفة الذكر.

(٢) جاء في هامش «ش» ما نصّه: هذا أمرمنه بالدعاء أيام الرخاء ليكون مفزعاً وعدّة أيام البلاء، فربما يوافق وقت الشدة الوقت الذي لا يستجاب الدعاء فيه.

١٥١

من بليّةٍ ابتليتَني بها قلَّ لكَ عندَها صبري، فيا مَنْ قل عند َنعمتِه شكري فلم يَحرِمْني، وقلَّ(١) عندَ بلائه صبري فلم يَخذًلني، يا ذا المعروف الذي ( لا ينقطع )(٢) أبداً، ويا ذا النّعماءِ الّتي لا تُحصى عدداً، صلِّ على محمّدٍ ( وآلِ محمّدٍ )(٣) وادفعْ عنِّي شرّه، فإِنِّي أَدرأُ بكَ في نحرِه، وأَستعيذُ بكَ من شرِّه » فقدمَ مسرفُ بنُ عُقْبةَ المدينةَ وكانَ يقال: لا يُريدُ غيرَعليِّ بنِ الحسينِ ؛ فسَلِمَ منه وأَكرمَه وحباه ووَصَلَه(٤) .

وجاءَ الحديثُ من غير وجهٍ: أنَّ مُسْرِفَ بنَ عُقْبةَ لمّا قدمَ المدينةَ أَرسلَ إِلى علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام فأتاه، فلمّا صارَ إِليه قرّبَه وأَكرمَه وقالَ له: وصّاني أَميرُ المؤمنينَ ببرِّكَ وتمييزِكَ من غيركَ ؛ فجزّاه خيراً ؛ ثمّ قالَ: أَسرِجوا له بغلتي، وقالَ له: انصرِفْ إِلى أَهلِكَ، فإِنِّي أَرى أَنْ قد أَفزعْناهم وأَتعبْناكَ بمشيِكَ إِلينا، ولو كانَ بأَيدينا ما نَقوى به على صِلَتِكَ بقدرِ حقِّكَ لَوَصلْناكَ ؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « ما أَعذرَني للأمير(٥) ! » وركبَ ؛ فقالَ لجلسائه: هذا الخيِّرُ لا شرّ َفيه، معَ موضعِه من رسولِ اللّهِ ومكانِه منه(٦) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ: أَنّ عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام كانَ في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ إِذ سمعَ قوماً يُشبِّهونَ اللهَّ

__________________

(١) في هامش «ش»: ويا من قل.

(٢) في هامش «ش» و «م»: لاينقضي ولا ينقطع.

(٣) في هامش «ش»: وآله.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢ / ١٤.

(٥) في هامش «ش»: أي أعذِر الأمير، كما يقول: ما أضربني لزيد.

(٦) انظر تاريخ الطبري ٥: ٤٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢.

١٥٢

تعالى بخلقِه، ففَزِعَ لذِلكَ وارتاعَ له، ونهضَ حتّى أَتى قبر َرسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفَ عندَه ورفعَ صوتَه يناجي ربَه، فقالَ في مُناجاتِه له:

«إِلهي بَدَتْ قدرتُكَ ولم تَبدُ هيئةٌ فجهلوكَ، (وقدّروكَ بالتّقديرِ على غيرِ ما به أَنتَ )(١) ، شبّهوكَ وأَنا بريءُ يا إِلهي منَ الّذينَ بالتّشبيهِ طلبوكَ، ليسَ كمثلِكَ(٢) شيءٌ إِلهي ولم يدركوكَ، وظاهرُ ما بهم من نعمةٍ دليلُهم عليكَ لو عرفوكَ، وفي خلقِكَ يا إِلهي مَندُوْحَةٌ أَن يناولوكَ(٣) ، بل سَوَّوْكَ بخلقِكَ فمِنْ ثَمَّ لم يَعرفوكَ، واتّخذوا بعضَ آياتِك ربّاً فبذلكَ وصفوكَ، فتعاليتَ يا إِلهي عمّا به المشَبِّهونَ نَعَتُوكَ »(٤) .

فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في فضائلِ زينِ العابدينَعليه‌السلام .
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه منَ المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو مشهورٌ بينَ العلماءِ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به الزّمانُ.

وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم

__________________

(١) العبارة في «ش» مضطربة ومكررة، وأثبتناها من «م».

(٢) في «م» وهامش «ش»: ليس مثلك.

(٣) في هامش «ش»: يعني في خلقك مستغنىً باعتبار الاستدلال عن تناول ذلك والكلام فيها نفسها، وحقيقة المناولة ان تتناول ذاته عزّت.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٣: ٢٩٣ / ١٥، وذكره الصدوق في الأمالي: ٤٨٧ عن الأمام الرضاعليه‌السلام وكذا في التوحيد: ١٢٤ / ٢، والعيون ا: ١١٦ / ٥.

١٥٣

يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.

* * *

١٥٤

باب ذكر أولادِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

وولد عليّ بن الحسينِعليهما‌السلام خمسةَ عشرَولداً:

محمّدٌ المُكنّى أَبا جعفرٍ الباقرعليه‌السلام ، أًمُه أُمّ عبدِاللهِ بنتُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبعليهم‌السلام .

وعبدُاللهِّ والحسنُ والحسينُ، أُمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وزيدٌ وعمرُ، لأم ولدٍ.

والحسين الأصغرُ وعبدُ الرّحمنِ وسُليمان، لأمّ ولدٍ.

وعلي - وكانَ أَصغرَ ولدِ عليِّ بنِ الحسينِ - وخديجةُ، أًمُّهما أُمُّ ولدٍ
ومحمّدٌ الأصغرُ، أُمُّه أمُّ ولدٍ.

وفاطمةُ وعليّةُ وأُمُّ كلثوم، أُمًّهنَّ أُمُّ ولدٍ.

* * *

١٥٥

١٥٦

باب ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ

وتاريخ مولدِه، ودلائلِ إِمامتِه، ومبلغ سنَّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

وكانَ الباقرُ أَبو جعفرٍ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام من بينِ إِخوته خليفةَ أَبيه علي بنِ الحسينِ ووصيه والقائمَ بالإمامةِ من بعدِه، وبرز على جماعتِهم بالفضلِ في العلمِ والزُهدِ والسؤْدَدِ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصّةِ وأَعظمَهم قدراً، ولم يَظهْر عن أَحدٍ من ولدِ الحسن والحسينِعليهما‌السلام من علم الدِّينِ والأثارِ والسُّنّةِ وعلمِ القرانِ والسيرِ وفنونِ الأداب ما ظهرَ عن أَبي جعفرٍعليه‌السلام ، وروى عنه معالمَ الدِّينِ بقايا اَلصّحابةِ ووجوهُ التّابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ، وصارَ بالفضلِ به عَلَماً لأهلِه تُضْرَبُ به الأمثالُ، وتَسيرُ بوصفِه الأثارُ والأشعارُ؛ وفيه يقول القُرظيُّ:

يَابَاقِرَ الْعِلْمِ لاهْلِ التُّقَى

وَخَيْرَمَنْ لبى على الأجبُلِ(١)

وقالَ مالكُ بنُ أَعيَنَ الجُهَنيّ فيه:

إذَا طَلَبَ النَاسُ عِلْمَ الْقُرَا

نِ كَانَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ عِيَالا

وَإنْ قِيْلَ: أيْنَ ابْنُ بِنْتِ الَّنب

يِ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوْعَاً طِوَالا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤: ٤٠٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨.

١٥٧

نُجُوْم تَهَلّلُ لِلْمُدْلِجين

جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْمَاً جِبالا(١)

ووُلِدَعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ منَ الهجرة، وقُبِضَ فيها سنةَ أَربعَ عشرةَ ومائة، وسنه يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنة، وهو هاشميّ من هاشِمِيَّيْنِ علوي من علوييْنِ، وقبرُه بالبقيعِ من مدينةِ الرّسولِ عليهِ واله السّلامُ.

روى ميمون القداحُ، عن جعفر بنِ محمّدٍ، عن أَبيه قالَ: «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي: مَنْ أَنتَ؟ - وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه - فقلتُ: محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ: يا بُني ادْنُ منِّي، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه، ثمّ قالَ لي: إِنّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقرئُكَ السّلامَ، فقلتُ: وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ: كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي: يا جابر، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ »(٢) .

وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَعليه‌السلام إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ

__________________

(١) معجم الشعراء للمرزباني: ٢٦٨، سير اعلام النبلاء ٤:٤٠٤.

(٢) انظر الكافي ١: ٣٩٠ / ٢، امالي الصدوق: ٢٨٩ / ٩، كمال الدين ١: ٢٥٤ / ٣، علل الشرائع: ١: ٢٣٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨، الفصول المهمة: ٢١١، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٩٦، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة.وقد روى هذا الخبر في غاية الاختصار: ١٠٤ باسناده الى محمد بن الحسن العبيدلي، قال: أخبرني ابن أبي بزة:أخبرنا عبداللهّ بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٧ / ٨.

١٥٨

عليٍّ والوَصاة به.

وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ(١) ، على ما رواه أصحابُ الأثارِ، وبما ِرويَ عن جابرِ بن عبدِاللهِ في حديثٍ مجرّدٍ أَنّه قالَ: قالَ لي رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يوشَكُ أَن تبقى حتى تلقى ولداً لي منَ الحسينِ يقالُ له: محمّدُ يَبقرُ علمَ الدينِ بقراً، فإذا لقيتَه فأقرِئْه منّي السلامَ »(٢) .

وروتِ الشّيعةُ في خبر اللوح الّذي هبطَ به جَبْرِئيْلُعليه‌السلام على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله منَ الجنةِ، فاَعطاه فاطمةَعليها‌السلام وفيه أَسماءُ الأئمّةِ من بعدِه، وكانَ فيه: «محمّدُ ابنُ عليٍّ الإمام بعدَ أَبيهِ »(٣) .

وروتْ أيضاً: أنّ اللّه تباركَ وتعالى أنزلَ إلى نبيِّه عليه وآله السّلامُ كتاباً مختوماً باثني عشرَ خاتماً، وأمَرَه أن يدفعَه إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وياْمرَه أن يَفُضَّ أولَ خاتمٍ فيه ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ وفاتِه إلى ابنهِ الحسنِعليه‌السلام وياْمره أَن يَفضُّ الخاتمَ الثانيَ ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ حضورِ وفاتِه إِلى أَخيهِ الحسينِ وياْمره أَن يفضَّ الخاتمَ الثالثَ ويعمل بما تحتَه، ثمّ يدفعه الحسينُ عندَ وفاتَه إلى ابنهِ عليّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ويدفعه عليُّ بنُ الحسين عندَ وفاتهِ إلى ابنهِ محمّدِ بنِ علي الأكبرِعليه‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ، ثمّ يدفعه محمّدُ بنَ عليٍّ إِلى

__________________

(١) في هامش «ش« و «م»: العلوم.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٢ / ٦.

(٣) انظر ص ١٣٨ من هذا الكتاب.

١٥٩

ولدِه حتّى ينتهي إِلى آخرِ الأئمّةِعليهم‌السلام أجمعين(١) .

ورَوَوْا أَيضاً نصوصاً كثيرةً عليه بالأمامةِ بعدَ أَبيه عنِ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أَمير المؤمنينَ وعنِ الحسينِ وعليّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

وقد رَوى النّاسُ من فضائلهِ ومناقبِه ما يكثر به الخطبُ إِن أَثبتْناه، وفيما نذكرُه منه كفايةٌ فيما نقصدُه في معناه إِنْ شاءَ اللّهُ.

أَخبرَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدَّثني جدَي قالَ: حدثَنا محمدُ بنُ القاسم الشيبانيّ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالح الأزديّ، عن أَبي مالكٍ الجَنْبيّ(٢) ، عن عبدِاللهِ بنِ عطاءٍ المكِّيِّ قالَ: ما رأَيت العلماءَ عندَ أحدٍ قطُ أَصغرَمنهم عند أَبي جعفرٍ محمّدِ بنِ عليِّ ابنِ الحسينِعليهم‌السلام ، ولقد رأَيتُ الحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ - معَ جلالتِه في القوم - بينَ يديه كأَنّه صبيّ بين يَدَيْ مُعَلِّمه(٣) .

وكانَ جابر بنُ يزيدَ الجعفيّ إِذا روى عن محمّدِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام شيئاً قالَ: حدّثَني وصيُّ الأوصياءِ ووارثُ علم الأنبياءِ محمّدُ ابنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

__________________

(١) انظر الكافي ١: ٢٢٠ / ١، ٢، أمالي الصدوق: ٣٢٨ / ٢، كمال الدين: ٢٣١ / ٣٥، غيبة النعماني: ٥٢ / ٣، ٤، أمالي الطوسي ٢: ٥٦.

(٢) كذا واضحاً في «ش» و «م» و «ح » وفي ذيل الكلمة في «ش»: «هكذا وكأنه اشارة الى أنّه هو الموجود في نسخة قرئت على المصنف، وقد تكررت الحكاية عن نسخة قرئت على الشيخ - يعني المصنف - كما مرّ. وفي هامش «ش»: «الجنبي لا غير، » وقد سقط (عن أبي مالك الجنبي ) من نسخة البحار، وفي المطبوع من الارشاد (الجهني ) وهو تصحيف من النسّاخ، وعلى هذه النسخة المصحفة بنى بعض المعاصرين الوهم الذي عقده في كتابه واعترض على المصنف وغيره.

(٣) مختصر تاريخ دمشق٢٣: ٧٩، حلية الاولياء ٣: ١٨٦، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٨٠ و ٢٠٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٦ / ٢.

١٦٠

فلم يزل به حتّى استخرج منه شيئا ، قال : ثمّ أرسل معاوية بعده الى ابن الزبير فخلا به فقال له : قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخى فما أربك الى الخلاف؟

قال : فأرسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا لم تكن عجلت علىّ بأمر قال : وتفعل؟ قال : نعم ، فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا ، قال : فأرسل بعده الى ابن عمر فأتاه فخلا به فكلمه بكلام هو ألين من صاحبيه ، وقال : انّى كرهت أن أدع أمّة محمّد بعدى كالضأن لا راعى لها وقد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر أنت تقودهم فما أربك الى الخلاف؟ قال ابن عمر : هل لك فى أمر تحقن به الدماء وتدرك به حاجتك؟

فقال معاوية : وددت ذلك فقال ابن عمر : تبرز سريرك ثمّ أجئ فأبايعك على أنى بعدك أدخل فيما اجتمعت عليه الامة فو الله لو أنّ الامّة اجتمعت بعدك على عبد حبشى لدخلت فيما تدخل فيه الامة ، قال : وتفعل؟ قال : نعم ، ثمّ خرج وأرسل الى عبد الرحمن ابن أبى بكر فخلا به قال : بأىّ يد أو رجل تقدم على معصيتى؟ فقال عبد الرحمن : أرجو أن يكون ذلك خيرا لى.

فقال معاوية : والله لقد هممت أن أقتلك فقال : لو فعلت لا تبعك الله فى الدنيا ولأدخلنّك به فى الآخرة النار ، قال : ثمّ خرج عبد الرحمن بن أبى بكر وبقى معاوية يومه ذلك يعطى الخواص ويعصى مذمة الناس. فلمّا كان صبيحة اليوم الثانى أمر بفراش فوضع له وسويت مقاعد الخاصة حوله وتلقاءه من أهله ثمّ خرج وعليه حلّة يمانية وعمامة وكساء وقد أسبل طرفها بين كتفيه وقد تغلّى وتعطر.

فقعد على سريره وأجلس كتابه منه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه أن لا يأذن لأحد من الناس وان قرب ، ثمّ أرسل الى الحسين بن على وعبد الله بن عبّاس فسبق ابن عباس فلمّا دخل وسلم أقعده فى الفراش عن يساره فحادثه مليا

١٦١

ثمّ قال يا ابن عباس لقد وفّر الله حظكم من مجاورة هذا القبر الشريف ودار الرسول عليه الصلاة والسلام.

فقال ابن عبّاس : نعم أصلح الله أمير المؤمنين وحظنا من القناعة بالبعض والتجافى عن الكلّ أوفر فجعل معاوية يحدثه ويحيد به ، عن الطريق المجاوبة ويعدل الى ذكر الاعمار على اختلاف الغرائز والطبائع حتى أقبل الحسين بن على ، فلمّا رآه معاوية جمع له وسادة كانت على يمينه فدخل الحسين وسلم فأشار إليه فأجلسه عن يمينه ، مكان الوسادة ، فسأله معاوية عن حال بنى أخيه الحسن وأسنانهم فأخبره ثمّ سكت قال : ثمّ ابتداء معاوية. فقال :

أمّا بعد فالحمد لله ولى النعم ومنزل النقم وأشهد أن لا إله الا الله المتعالى عما يقول الملحدون علوّا كبيرا وأنّ محمّدا عبده المختص المبعوث الى الجنّ والانس كافة لينذرهم بقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فأدّى عن الله وصدع بأمره وصبر على الاذى فى جنبه حتّى وضح دين الله وعزّ أولياؤه وقمع المشركون وظهر أمر الله وهم كارهون.

فمضى صلوات الله عليه وقد ترك من الدنيا ما بذل له واختار منها الترك لما سفر له زهادة واختيارا لله وأنفة واقتدارا على الصبر ، بغيا لما يدوم ويبقى ، فهذه صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ خلفه رجلان محفوظان وثالث مشكور وبين ذلك خوض طال ما عالجناه مشاهدة ومكافحة ومعاينة وسماعا وما أعلم منه فوق ما تعلمان وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه وقد علم الله ما أحاول به فى أمر الرعية من سدّ الخلل ولمّ الصدع بولاية يزيد بما أيقظ العين وأحمد الفعل.

هذا معناى فى يزيد ، وفيكما فضل القرابة وخطوة العلم وكمال المروءة وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعيانى مثله عند كما وعند غيركما مع علمه بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجع بالصمّ الصلاب ، وقد

١٦٢

علمنا أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة قدم على الصديق والفاروق ومن دونها من أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم ولم يعاندهم برتبة فى قرابة موصولة ، ولا سنة مذكورة.

فقادهم الرجل بأمره وجمع بهم صلاتهم وحفظ عليهم فيئهم وقال فلم يقل معه وفى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوة حسنة فمهلا بنى عبد المطلب فأنا وأنتم شعبا نفع وجد وما زلت أرجو الانصاف فى اجتماعكما فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما فردا على ذى رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة ، فى عتابكما وأستغفر الله لى ولكما.

قال : فتيسّر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة فأشار إليه الحسين وقال : على رسلك ، فأنا المراد ونصيبى فى التهمة أوفر فأمسك ابن عبّاس فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ثمّ قال : أما بعد يا معاويه فلن يؤدّى القائل واطنب فى صفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ النعت وهيهات هيهات يا معاوية.

فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتّى أفرطت واستأثرت حتى أجحفت ومنعت حتى محلت وجزت حتّى جاوزت ما بذلت لذى حق من اسم حقّه بنصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ونصيبه الأكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامّة محمّد تريد أن توهّم الناس فى يزيد كأنّك تصف محجوبا أو تنعت ، غائبا أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه.

فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ، والحمام السبق لأترابهنّ والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهى تجده باصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه فو الله ما برحت

١٦٣

تقدح باطلا فى جور وحنقا فى ظلم حتّى ملأت الأسقية وما بينك وبين الموت إلا غمضة فتقدّم على عمل محفوظ فى يوم مشهود ولات حين مناص.

رأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد ـ لعمر الله ورثنا الرسول عليه الصلاة والسلام ولادة وجئت لنا بها أما حججتم به القائم عند موت الرسول فأذعن للحجّة بذلك ورده الايمان الى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم الافاعيل وقلتم كان ويكون حتّى أتاك الأمر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اولى الأبصار ، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتأميره له.

قد كان ذلك ، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيله بصحبة الرسول ، وبيعة له ، وما صار لعمر الله يومئذ مبعثهم حتّى أنف القوم امرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا جرم معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيرى.

فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول ، فى أوكد الأحكام ، وأولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا ، وحولك من لا يؤمن فى صحبته ولا يعتمد فى دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعه بها الباقى فى دنياه ، وتشقى بها فى آخرتك. ان هذا لهو الخسران المبين. واستغفر الله لى ولكم(١) .

١٠ ـ قال اليعقوبى : قال معاوية للحسين بن علىعليه‌السلام يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم ، فقال الحسين حجتك وربّ الكعبة لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا حنّطناهم ولا صلينا

__________________

(١) الامامة والسياسة : ١ / ١٥٨ ـ ١٦١

١٦٤

عليهم ولا دفنّاهم(١) .

١١ ـ قال ابن أبى الحديد : قالوا : ومن هذا الباب ما روى أنّ الحسين بن علىعليهما‌السلام كلّم معاوية فى أمر ابنه يزيد ، ونهاه عن أن يعهد إليه ، فأبى عليه معاوية حتّى أغضب كلّ واحد منهما صاحبه ، فقال الحسينعليه‌السلام فى غضون كلامه أبى خير من أبيه ، وأمّى خير من أمّه ، فقال معاوية : يا ابن أخى : أمّا أمّك فخير من أمّه ، وكيف تقاس امرأة من كلب بابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ! وأمّا أبوه فحاكم أباك الى الله تعالى ، فحكم لابيه على أبيك(٢) .

١٢ ـ عنه قال : روى المدائنى ، قال : قال معاوية يوما لعقيل بن ابى طالب : هل من حاجة فأقضيها لك؟ قال : نعم جارية عرضت علىّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلّا بأربعين ألفا ، فأحبّ معاوية أن يمازحه فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى تجتزى بجارية قيمتها خمسون درهما! قال : أرجو أن أطأها فتلدنى غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف.

فضحك معاوية : وقال : مازحناك يا أبا يزيد! وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما ، فلمّا أتت على مسلم ثمانى عشرة سنة ـ وقد مات عقيل أبوه ـ قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّ لى أرضا بمكان كذا من المدينة ، وإنّى أعطيت بها مائة ألف ، وقد أحببت أن أبيعك إيّاها ، فادفع الى ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الارض ، ودفع الثمن إليه.

فبلغ ذلك الحسينعليه‌السلام ، فكتب إلى معاوية : أما بعد ، فانك غررت غلاما من بنى هاشم ، فابتعت منه أرضا لا يملكها ، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه ، واردد إلينا أرضنا. فبعث معاوية الى مسلم ، فأخبره ذلك ، وأقرأه كتاب الحسينعليه‌السلام ، قال :

__________________

(١) تاريخ اليعقوبى ٢ / ٢١٩.

(٢) شرح النهج : ٢ / ١٧١.

١٦٥

اردد علينا مالنا ، وخذ أرضك ، فانّك بعت ما لا تملك.

فقال مسلم : أمّا دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا ، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه ، فقال : يا بنىّ ، هذا والله كلام قاله لى أبوك حين ابتعت له امّك. ثمّ كتب الى الحسين : انّى قد رددت عليكم الارض ، وسوّغت مسلما ما أخذ. فقال الحسينعليه‌السلام أبيتم يا آل أبى سفيان إلّا كرما(١) .

١٣ ـ قال الزبير بن بكار : وقد كان للحسينعليه‌السلام مع معاوية قصّة ، كان بينهما كلام فى أرض للحسينعليه‌السلام ، فقال له الحسينعليه‌السلام : اختر منّى ثلاث خصال : إمّا أن تشترى منّى حقّى ، وإمّا أن ترده علىّ ، أو تجعل بينى وبينك ابن عمر أو ابن الزبير حكما ، وإلا فالرابعة ، وهى الصيلم.

قال معاوية : ما هى؟ قال : أهتف بحلف الفضول ، ثم قام فخرج وهو مغضب ، فمرّ بعبد الله بن الزبير فأخبره ، فقال : والله لئن هتف به وأنا مضطجع لاقعدنّ ، أو قاعد لأقومنّ أو قائم لا مشين ، أو ماش لأسعين ، ثم لتنفدنّ روحى مع روحك ، أو لينصفنك ، فبلغت معاوية ، فقال : لا حاجة لنا بالصيلم : ثم أرسل إليه ، أن ابعث فانتقد مالك : فقد ابتغاه منك.

قال الزبير : وحدثني بهذه القصة على بن صالح عن جدى عبد الله بن مصعب ، عن أبيه ، قال : خرج الحسينعليه‌السلام من عند معاوية وهو مغضب ، فلقى عبد الله بن الزبير ، فحدثه بما دار بينهما ، وقال : لأخيّرنه فى خصال ، فقال له ابن الزبير ما قال ، ثم ذهب الى معاوية ، فقال : لقد لقينى الحسين فخيرك فى ثلاث خصال ، والرابعة الصيلم.

قال : معاوية : فلا حاجة لنا بالصيلم ، أظنك لقيته مغضبا فهات الثلاث ، قال : أن تجعلنى أو ابن عمر بينك وبينه. قال : قد جعلتك بينى وبينه ، أو جعلت ابن عمر

__________________

(١) شرح النهج : ١١ / ٢٥١.

١٦٦

أو جعلتكما جميعا ، قال : أو تقر له بحقه ثم تسأله اياه. قال : قد أقررت له بحقه وأنا أسأله اياه قال : أو تشتريه منه ، قال : قد اشتريته منه فما الصيلم؟ قال : يهتف بحلف الفضول ، وأنا أوّل من يجيبه. قال : فلا حاجة لنا فى ذلك. وبلغ الكلام عبد الله بن أبى بكر والمسور بن مخرمة ، فقالا للحسين مثل ما قاله ابن الزبير(١) .

١٤ ـ عنه قال : قال أبو الفرج : وحدثني أبو عبيد محمد بن أحمد ، قال : حدثني الفضل بن الحسن البصرى ، قال : حدثني يحيى بن معين ، قال : حدثني أبو حفص اللبان ، عن عبد الرحمن ابن شريك ، عن اسماعيل بن أبى خالد ، عن حبيب بن أبى ثابت ، قال : خطب معاوية بالكوفة حين دخلها ، والحسن والحسينعليهما‌السلام جالسان تحت المنبر ، فذكر علياعليه‌السلام فنال منه ثم نال من الحسن.

فقام الحسينعليه‌السلام ليردّ عليه ، فأخذه الحسن بيده فأجلسه ، ثم قام فقال : أيها الذاكر عليا ، أنا الحسن ، وأبى على ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمى فاطمة وأمك هند ، وجدى رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة ، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، ألأمنا حسبا ، وشرّنا قديما وحديثا ، وأقدمنا كفرا ونفاقا فقال طوائف من أهل المسجد : آمين.

قال الفضل : قال يحيى بن معين : وأنا أقول : آمين. قال أبو الفرج : قال أبو عبيد : قال الفضل : وأنا أقول آمين ، ويقول على ابن الحسين الاصفهانى : آمين. ويقول عبد الحميد بن أبى الحديد مصنف هذا الكتاب : آمين قال العطاردى : وأنا أقول آمين(٢) .

١٥ ـ عنه قال : كان مال حمل من اليمن الى معاوية : فلما مرّ بالمدينة وثب عليه الحسين بن علىعليه‌السلام ، فأخذه وقسمه فى أهل بيته ومواليه ، وكتب الى معاوية : من

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٧.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ٤٦.

١٦٧

الحسين بن على الى معاوية ، بن أبى سفيان ، أما بعد فان عير امرت بنا من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إليك لتودعها خزائن دمشق ، وتعلّ بها بعد النهل بنى أبيك ، وانى احتجت إليها فأخذتها. والسلام.

فكتب إليه معاوية : من عبد الله معاوية أمير المؤمنين الى الحسين بن على سلام عليك ، أما بعد ، فان كتابك ورد على تذكران عير امرت بك من اليمن تحمل مالا وحللا وعنبرا وطيبا إلىّ لاودعها خزائن دمشق ، وأعلّ بهما بعد النهل بنى أبى ، وأنك احتجت إليها فأخذتها ولم تكن جديرا بأخذها اذ نسبتها الى ، لان الوالى أحق بالمال ، ثم عليه المخرج منه.

وايم الله لو تركت ذلك حتى صار الى لم أبخسك حظك منه ، ولكنى قد ظننت يا ابن أخى أن فى رأسك نزوة وبودّى أن يكون ذلك فى زمانى فأعرف لك قدرك ، وأتجاوز عن ذلک : ولکنی والله اتخوف أن تبتلى بمن لا ينظرك فواق ناقة ، وكتب في أسفل كتابة :

يا حسين بن على ليس ما

جئت بالسائغ يوما فى العلل

أخذك المال ولم تؤمر به

إنّ هذا من حسين لعجل

قد أجزناها ولم نغضب لها

واحتملنا من حسين ما فعل

يا حسين بن على ذا الأمل

لك بعدى وثبة لا تحتمل

ويؤدّى أننى شاهدها

فاليها منك بالخلق الاجل

اننى أذهب أن تصلى بمن

عنده قد سبق السيف العدل(١)

١٦ ـ روى ابن عبد ربه عن الشعبى قال : دخل الحسين بن على يوما على معاوية ومعه مولى له يقال له ذكوان ، وعند معاوية جماعة من قريش فيهم ابن

__________________

(١) شرح النهج : ١٨ / ٤٠٩.

١٦٨

الزبير ، فرحب معاوية بالحسين وأجلسه على سريره ، قال : ترى هذا القاعد ـ يعنى ابن الزبير ـ فانه ليدركه الحسد لبنى عبد مناف. فقال ابن الزبير لمعاوية : قد عرفنا فضل الحسين وقرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن ان شئت أن أعلمك فضل الزبير على أبيك أبى سفيان فعلت.

فتكلم ذكوان مولى الحسين ابن علىعليهما‌السلام ، فقال : يا ابن الزبير ، ان مولاى ما يمنعه من الكلام أن لا يكون طلق اللسان ، رابط الجنان ، فان نطق نطق بعلم ، وان صمت صمت بحلم ، غير أنه كف الكلام وسبق الى السنان ، فاقرت بفضله الكرام ، وأنا الذي أقول :

فيم الكلام لسابق فى غاية

والنّاس بين مقصّر ومجلّد

إنّ الذي يجرى ليدرك شأوه

ينمى بغير مسود ومسدد

بل كيف يدرك نور بدر ساطع

خير الانام وفرع آل محمّد

فقال معاوية : صدق قولك يا ذكوان ، أكثر الله فى موالى الكرام مثلك. فقال ابن الزبير : ان أبا عبد الله سكت ، وتكلم مولاه ، ولو تكلم لاجبناه ، أو لكفننا عن جوابه اجلالا له ، ولا جواب لهذا العبد ، قال ذكوان : هذا العبد خير منك ، قال رسول الله : «مولى القوم منهم» فانا مولى رسول الله وأنت ابن الزبير بن العوام بن خويلد ، فنحن أكرم ولاء وأحسن فعلا(١)

١٧ ـ عنه عن العتبى قال : دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له : أشر علىّ فى الحسين ، قال : تخرجه معك الى الشام فتقطعه عن أهل العراق وتقطعهم عنه ، قال : أردت والله أن تستريح منه وتبتلينى به فان صبرت عليه صبرت على ما أكره ، وان أسأت إليه كنت قد قطعت رحمه ، فأقامه ، وبعث الى سعيد ابن العاص ، فقال له : يا

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١٥.

١٦٩

أبا عثمان أشر علىّ فى الحسين.

قال : إنّك والله ما تخاف الحسين إلا على من بعدك ، وانّك لتخلّف له قرنا ان صارعه ليصرعنّه ، وإن سابقه ليسبقنّه فذر الحسين منبت النخلة ، يشرب من الماء ويقعد فى الهواء ، ولا يبلغ إلى السّماء قال : فما غيبك عنّى يوم صفّين؟ قال : تحملت الحرم ، وكفيت الحزم ، وكنت قريبا ، لو دعوتنا لاجبناك ، ولو أمرت لاطعناك ؛ قال معاوية : يا أهل الشام ، هؤلاء قومى وهذا كلامهم(١) .

١٨ ـ روى عن العتبى عن أبيه : ان عتبة بن أبى سفيان قال : كنت مع معاوية فى دار كندة ، إذا أقبل الحسن والحسين ومحمّد ، بنو علىّ بن أبى طالب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ لهؤلاء القوم أشعارا وأبشارا ، وليس مثلهم كذب ، وهم يزعمون أن أباهم كان يعلم ، فقال : إليك من صوتك ، فقد قرب القوم ، فاذا قاموا فذكرنى بالحديث ، فلمّا قاموا قلت يا أمير المؤمنين ، ما سألتك عنه من الحديث؟ قال : كلّ القوم كان يعلم وأبوهم من أعلمهم(٢) .

١٩ ـ عنه قال : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم ، عامله على المدينة : أن ادع أهل المدينة إلى بيعة يزيد ، فان أهل الشام والعراق قد بايعوا ، فخطبهم مروان فحضّهم على الطاعة وحذرهم الفتنة ودعاهم الى بيعة يزيد قال سنة أبى بكر الهادية المهدية ، فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر : كذبت! ان كان أبا بكر ترك الأهل والعشيرة ، وبايع لرجل من بنى عدى ، رضى دينه وأمانته ، واختاره لامّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال مروان : أيها الناس ، إن هذا المتكلّم هو الّذي أنزل الله فيه : «والذي قال لوالديه افّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى» فقال له عبد الرحمن : يا ابن الزرقاء ، أفينا تتأول القرآن! وتكلّم الحسين بن علىّ ، وعبد الله بن

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٢٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨٢

١٧٠

الزبير ، وعبد الله بن عمر وأنكروا بيعة يزيد ، وتفرّق الناس فكتب مروان إلى معاوية بذلك.

فخرج معاوية الى المدينة فى ألف فلمّا قرب منها تلقّاه الناس ، فلمّا نظر الى الحسين قال : مرحبا بسيّد شباب المسلمين ، قرّبوا دابّة لابي عبد الله ، وقال لعبد الرحمن بن أبى بكر: مرحبا بشيخ قريش وسيّدها وابن الصديق. وقال لابن عمر : مرحبا بصاحب رسول الله وابن الفاروق. وقال لابن الزبير : مرحبا بابن حوارىّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمته.

دعا لهم بدواب فحملهم عليها. وخرج حتّى أتى مكّة فقضى حجّه ، ولما أراد الشخوص أمر باثقاله فقدّمت ، وأمر بالمنبر فقرب من الكعبة ، وأرسل الى الحسين وعبد الرحمن بن أبى بكر وابن الزبير فاجتمعوا ، وقالوا لابن الزبير : اكفنا كلامه ، فقال : على أن لا تخالفونى. قالوا : لك ذلك.

ثمّ أتوا معاوية ، فرحّب بهم وقال لهم : قد علمتم نظرى لكم وتعطّفى عليكم ، وصلتي أرحامكم ، ويزيد أخوكم وابن عمّكم ، وإنّما أردت أن أقدّمه باسم الخلافة وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون ، فسكتوا ، وتكلّم ابن الزبير ، فقال : نخيّرك بين احدى ثلاث ، أيّها أخذت فهى لك رغبة وفيها خيار :

فان شئت فاصنع فينا ما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبضه الله ولم يستخلف ، فدع هذا الامر حتى يختار الناس لانفسهم ؛ وإن شئت فما صنع أبو بكر ، عهد الى رجل من قاصية قريش وترك من ولده ومن رهطه الادنين من كان لها أهلا ؛ وإن شئت فما صنع عمر ، صيّرها الى ستّة نفر من قريش يختارون رجلا منهم وترك ولده وأهل بيته وفيهم من لو وليها لكان لها أهلها.

قال : معاوية : هل غير هذا؟ قال : لا ثم قال الآخرين : ما عندكم؟ قالوا : نحن على ما قال ابن الزبير ، وقال معاوية : انّى أتقدّم إليكم ، وقد أعذر من أنذر ، إنّى

١٧١

قائل مقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ علىّ رجل منكم كلمة فى مقامى هذا لا ترجع إليه كلمة حتّى يضرب رأسه. فلا ينظر امرؤ منكم الا الى نفسه ، ولا يبقى الّا عليها.

وأمر أن يقوم على رأس كلّ رجل منهم رجلان بسيفيهما ، فان تكلّم بكلمة يردّ بها عليه قوله قتلاه. وخرج وأخرجهم معه حتّى رقى المنبر ، وحفّ به أهل الشام ، واجتمع الناس ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : انّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، قالوا : ان حسينا وابن أبى بكر وابن عمر وابن الزبير لم يبايعوا ليزيد ، وهؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا نبرم أمرا دونهم ، ولا نقضى أمرا الا عن مشورتهم ، وانّى دعوتهم فوجدتهم سامعين مطيعين ، فبايعوا وسلّموا وأطاعوا.

فقال أهل الشام : وما يعظم من أمر هؤلاء ، ائذن لنا فنضرب أعناقهم ، لا نرضى حتّى يبايعوا علانية! فقال معاوية : سبحان الله! ما أسرع الناس الى قريش بالشرّ وأحلى دماءهم عندهم أنصتوا ، فلا أسمع هذه المقالة من أحد. ودعا الناس الى البيعة فبايعوا. ثمّ قربت رواحله ، فركب ومضى. فقال الناس للحسين وأصحابه : قلتم : لا نبايع ، فلمّا دعيتم وأرضيتم بايعتم! قالوا لم نفعل. قالوا : بلى ، قد فعلتم وبايعتم ، أفلا أنكرتم! قالوا : خفنا القتل وكادكم بنا وكادنا بكم(١) .

٢٠ ـ قال أبو اسحاق القيروانى : كان لمعاوية بن أبى سفيان عين بالمدينة يكتب إليه بما يكون من امور الناس وقريش فكتب إليه : انّ الحسين بن على أعتق جارية له وتزوّجها ؛ فكتب معاوية الى الحسين : من أمير المؤمنين معاوية الى الحسين ابن علىّ. أمّا بعد فانّه بلغنى أنك تزوّجت جاريتك ، وتركت أكفاءك من قريش ، ممّن تستنجبه للولد ، وتمجد به فى الصهر ، فلا لنفسك نظرت ، ولا لولدك انتقيت.

فكتب إليه الحسين بن على : أمّا بعد فقد بلغنى كتابك ، وتعييرك إيّاى بأنّى

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٣٧١.

١٧٢

تزوّجت مولاتى ، وتركت أكفائى من قريش ، فليس فوق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منتهى فى شرف ، ولا غاية فى نسب ؛ وإنمّا كانت ملك يمينى ، خرجت عن يدى بأمر التمست فيه ثواب الله تعالى ؛ ثم ارتجعتها على سنّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ووضع عنّا به النقيصة : فلا لوم على امرئ مسلم الّا فى أمر مأثم ، وإنّما اللوم لوم الجاهليّة ، فلمّا قرأ معاوية كتابه نبذه الى يزيد فقرأه ، وقال : لشدّ ما فخر عليك الحسين! قال : لا ولكنّها ألسنة بنى هاشم الحداد التي تفلق الصخر ، وتغرف من البحر!(١) .

٢٨ ـ باب ما جرى بينهعليه‌السلام ومروان

١ ـ فرات قال حدّثنى علىّ بن حمدون معنعنا عن ابن الجارية واصبغ بن نباتة الحنظلى ، قال لما كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع فى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال فلمّا نزل من المنبر أتى الحسين بن علىعليه‌السلام فقيل له ان مروان قد وقع فى علىعليه‌السلام ، قال فما كان فى المسجد الحسنعليه‌السلام قالوا بلى ، قال فلم يقل له شيئا قالوا : لا فقام الحسينعليه‌السلام مغضبا حتى دخل على مروان.

فقال يا ابن الزرقاء ويا ابن آكلة القمل أنت الواقع فى علىعليه‌السلام ، قال له مروان أنت صبىّ لا عقل لك قال فقال له الحسينعليه‌السلام ألا أخبرك بما فيك وأصحابك وفى علىعليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى قال( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ) فذلك لعلى وشيعته( فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ) فبشر بذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلىّ بن أبى طالبعليه‌السلام (٢)

__________________

(١) زهر الآداب : ١ / ١٠١.

(٢) تفسير فرات : ٩٠.

١٧٣

٢ ـ روى ابن شهرآشوب ، عن عبد الملك بن عمير والحاكم والعبّاس قالوا : خطب الحسينعليه‌السلام عائشة بنت عثمان ، فقال مروان ازوّجها عبد الله بن الزبير ، ثمّ إنّ معاوية كتب الى مروان وهو عامله على الحجاز ، يأمره ان يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد ، فأبى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله : انّ أمرها ليس الىّ إنمّا هو الى سيّدنا الحسينعليه‌السلام وهو خالها.

فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى ، اللهمّ وفّق لهذه الجارية رضاك من آل محمّد ، فلمّا اجتمع الناس فى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل مروان حتّى جلس الى الحسينعليه‌السلام وعنده من الجلة.

وقال انّ أمير المؤمنين أمرنى بذلك وان اجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيّين مع قضاء ، دينه أعلم أنّ من يغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له وبوجهه يستسقى الغمام فردّ خيرا يا أبا عبد الله.

فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه الى آخر كلامهعليه‌السلام ، ثمّ قال يا مروان قد قلت فسمعنا اما قولك مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ ، فلعمرى لو أردنا ذلك ما عدونا سنّة رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فى بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أو يكون أربعمائة وثمانين درهما.

أمّا قولك مع قضاء دين أبيها فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ، وأمّا صلح ما بين هذين الحيين فأنا قوم عاديناكم فى الله ولم نكن نصالحكم للدنيا فلعمرى فلقد اعيى النسب فكيف السبب وأمّا قولك العجب ليزيدك كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جدّ يزيد.

١٧٤

فأمّا قولك انّ يزيد كفو من لا كفو له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته فى الكفاة شيئا ، وامّا قولك بوجهه يستسقى الغمام فانّما كان ذلك بوجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمّا قولك من يغبطنا به أكثر ممّن يغبط بنا ، فانّما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل.

ثمّ قال بعد كلام فاشهدوا جميعا انّى قد زوّجت أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، من ابن عمّها القسم بن محمّد بن جعفر ، على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتى بالمدينة أو قال أرضى بالعتيق وانّ عليها فى السنة ثمانية آلاف دينار ، ففيها لهما غنى إن شاء الله ، قال فتغير وجه مروان وقال : اغدوا يا بنى هاشم تأبون إلّا العداوة(١) .

٣ ـ قال ابن أبى الحديد : أمّا مروان فأخبث عقيدة ، وأعظم الحادا وكفرا ؛ وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسينعليه‌السلام إلى المدينة ؛ وهو يومئذ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال :

يا حبّذا بردك فى اليدين

وحمرة تجرى على الخدّين

كأنّما بتّ بمحشدين

ثمّ رمى بالرأس نحو قبر النبيّ ، قال : يا محمّد ، يوم بيوم بدر ، وهذا القول مشتق من الشعر الّذي تمثّل به يزيد بن معاوية وهو شعر ابن الزبعرى يوم وصل الرأس إليه(٢) .

٤ ـ عنه قال : روى المدائنى ، عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسنعليه‌السلام أخرجوا جنازته ، فحمل مروان بن الحكم سريره ، فقال له الحسينعليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرّعه الغيظ؟ قال : مروان : نعم ؛ كنت أفعل ذلك بمن

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧١.

(٢) شرح النهج : ٤ / ٧١.

١٧٥

يوازن حمله الجبال(١) .

٥ ـ عنه روى المدائنى عن يحيى بن زكريّا ، عن هشام بن عروة ، قال : قال الحسن ، عند وفاته : ادفنوني عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الّا أن تخافوا أن يكون فى ذلك شرّ ، فلمّا أرادوا دفنه ، قال مروان بن الحكم : يدفن عثمان فى حشّ كوكب ، ويدفن الحسن هاهنا ، فاجتمع بنو هاشم وبنو اميّة ، وأعان هؤلاء قوم وهؤلاء قوم وجاءوا بالسلاح.

فقال أبو هريرة لمروان : أتمنع الحسن أن يدفن فى هذا الموضع ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة قال مروان : دعنا منك ، لقد ضاع حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان لا يحفظه غيرك وغير أبى سعيد الخدرى وإنّما أسلمت أيّام خيبر.

قال أبو هريرة : صدقت ، أسلمت أيّام خيبر ، ولكنّنى لزمت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم أكن أفارقه وكنت أسأله ، وعنيت بذلك حتّى علمت من أحبّ ومن أبغض ، ومن قرّب ومن أقرّ ومن نفى ، ومن لعن ومن دعا له.

فلمّا رأت عائشة السلاح والرجال ، وخافت أن يعظم الشرّ بينهم ، وتسفك الدماء قالت : البيت بيتى ، ولا آذن لأحد أن يدفن فيه ، وأبى الحسينعليه‌السلام أن يدفنه الّا مع جدّه ، فقال له محمّد بن الحنفيّة : يا أخى ، إنّه لو أوصى أن يدفنه لدفنّاه أو نموت قبل ذلك ، ولكنّه قد استثنى ، قال : إلّا أن تخافوا الشرّ ، فأىّ شرّ يرى أشدّ ممّا نحن فيه فدفنوه فى البقيع(٢) .

٥ ـ عنه قال أبو الفرج : وقال جويرية بن أسماء : لما مات الحسن واخرجوا جنازته جاء مروان حتّى دخل تحته فحمل سريره ، فقال له الحسينعليه‌السلام : أتحمل

__________________

(١) شرح النهج : ٤ / ٧١.

(٢) شرح النهج : ١٦ / ١٣.

١٧٦

اليوم سريره وبالأمس كنت تجرّعه الغيظ! قال مروان : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(١) .

٦ ـ العياشى باسناده : عن داود بن فرقد عن أبى عبد اللهعليه‌السلام ، قال : دخل مروان بن الحكم المدينة قال : فاستلقى على السرير وثمّ مولى للحسين ؛ فقال :( رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ ) قال : فقال الحسين لمولاه : ما ذا قال هذا حين دخل؟ قال استلقى على السرير فقرأ( رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ) إلى قوله( الْحاسِبِينَ ) قال: فقال الحسينعليه‌السلام نعم والله رددت أنا وأصحابى إلى الجنّة ، وردّ هو وأصحابه الى النار(٢) .

٢١ ـ باب ما جرى بينهعليه‌السلام والوليد

١ ـ قال ابن أبى الحديد : قال الزبير : وحدّثنى محمّد بن حسن ، عن إبراهيم بن محمّد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادى الليثى ، أنّ محمّد بن الحارث أخبره ، قال : كان بين الحسين بن علىعليهما‌السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبى سفيان كلام فى مال كان بينهما بذى المروة والوليد يومئذ أمير المدينة فى أيّام معاوية.

فقال الحسينعليه‌السلام : أيستطيل الوليد علىّ بسلطانه! أقسم بالله لينصفنّى من حقّى أو لآخذنّ سيفى ، ثمّ أقوم فى مسجد الله فادعو بحلف الفضول! فبلغت كلمته عبد الله بن الزبير ، فقال أحلف بالله لئن دعا به لآخذنّ سيفى ، ثمّ لأقومنّ معه حتّى ينتصف أو نموت جميعا.

__________________

(١) شرح النهج ١٦ / ١٥.

(٢) تفسير العياشى : ١ / ٣٦٢.

١٧٧

فبلغ المسور بن مخرمة بن نوفل الزهرى ، فقال مثل ذلك ، فبلغ عبد الرحمن ابن عثمان بن عبيد الله التيمىّ ، فقال مثل ذلك ، فبلغ ذلك الوليد بن عتبة ، فأنصف الحسينعليه‌السلام من نفسه حتّى رضى(١)

٣٠ ـ باب الاخبار عن شهادتهعليه‌السلام

١ ـ الحميرى ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه قال مرّ علىّ بكربلاء فى اثنين بأصحابه ، قال فلمّا مرّ بها ، ترقرقت عيناه ، للبكاء ، ثمّ قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، هاهنا تهراق دمائهم ، طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الاحبّة(٢) .

٢ ـ الصفّار حدّثنا سلام ابن أبى عمرة الخراسانى ، عن أبان بن تغلب ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام عن أبيه انّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أراد أن يحيى حياتي ويموت مماتى ، ويدخل جنّة ربّى جنّة عدن غرسه ربّى ، فليتولّ علىّ بن أبى طالب.

وليعاد عدوّه ، وليأتمّ بالاوصياء من بعده ، فانّهم ائمّة الهدى ، من بعدى أعطاهم الله فهمى ، وعلمى ، وهم عترتى من لحمى ، ودمى ، الى الله اشكو من امّتى ، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم ، صلتى ، وأيم الله ليقتلنّ ابنى يعنى الحسين لا أنالهم الله شفاعتى(٣) .

٣ ـ عنه حدّثنا عبد الله بن محمّد بن الحسن بن محبوب ، عن أبى حمزة ، عن

__________________

(١) شرح النهج : ١٥ / ٢٢٦.

(٢) قرب الاسناد : ١٤.

(٣) بصائر الدرجات : ٥٢.

١٧٨

سويد بن غفلة قال : أنا عند أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، جئتك من وادى القرى وقد مات خالد بن عرفطة ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : انّه لم يمت فأعادها عليه ، فقال له علىعليه‌السلام لم يمت والذي نفسى بيده لا يموت فأعادها عليه الثالثة.

فقال سبحان الله : أخبرك انّه مات وتقول لم يمت ، فقال له علىّعليه‌السلام : لم يمت والّذي نفسى بيده لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة يحمل رأيته حبيب بن جمّاز قال فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين فقال : أناشدك فىّ وأنا لك شيعة وقد ذكرتنى بأمر والله ما أعرفه من نفسى.

فقال له علىّعليه‌السلام : ان كنت حبيب بن جمّاز فتحملها فولّى حبيب بن جمّاز وقال : ان كنت حبيب بن جمّاز لتحملنّها ، قال أبو حمزة فو الله ما مات حتّى بعث عمر بن سعد الى الحسين بن علىعليهما‌السلام وجعل خالد بن عرفه على مقدّمته وحبيب صاحب رايته(١) .

٤ ـ فرات قال : حدّثنى محمّد بن زيد الثقفى حدّثنا أبو يعرب بن أبى مسعود الاصفهانى ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد ، قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل ، عن علىّ بن محمّد الكوفى ، عن موسى بن عبد الله الموصلى ، عن أبى نزار عن حذيفة اليمان ، قال : دخلت عائشة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقبّل فاطمة فقالت يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتقبلها وهى ذات بعل.

فقال لها والله لو عرفت ودّى لها لازددت ودّا لها انّه لما عرج بى الى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل ، ثمّ قال لى أذن قلت أؤذن وأنت حاضر : فقال : نعم ، انّ الله تعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلت أنت خاصّة

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٢٩٨.

١٧٩

يا محمّد فدنوت ، فصلّيت بأهل السماء الرابعة.

فلمّا صرت الى السماء السادسة اذا أنا بملك من نور على سرير من نور ، وحوله صفّ من الملائكة فسلمت عليه فردّ علىّ السلام وهو متّكئ فأوحى الله إليه أيها الملك سلّم عليك حبيبى وخيرة خلقى ، فرددتعليه‌السلام وأنت متّكأ فو عزتى وجلالى لتقومنّ ولتسلمنّ عليه ولا تقعد الى يوم القيمة ، فقام الملك وعانقنى ثمّ قال ما أكرمك على ربّ العالمين.

فلما صرت الى الحجب نوديت آمن الرسول بما انزل إليه من ربّه ، فاجبت وقلت : والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ثمّ أخذ جبرئيل بيدى فأدخلنى الجنّة وأنا مسرور ، فاذا شجرة نور مكللة بالنور وفى أصلها ملكان يطويان الحلّي والحلل الى يوم القيمة ثمّ تقدّمت أمامى فاذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت على منها حوراء كأن أجنحتها مقاديم اجنحة النسور.

فقلت : لمن أنت فبكت وقالت لابن بنتك المقتول الحسين بن على بن أبى طالبعليه‌السلام ، ثمّ قدّمت أمامى فاذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل ، فاخذت رطبة وأكلتها وانا اشتهيها فتحولت الرطبة نطفة فى صلبى فلمّا هبطت الى الارض واقعت خديجة فحملت فاطمة الحوراء الانسيّة فاذا اشتقت الى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتى فاطمةعليها‌السلام (١) .

٥ ـ فرات ، قال : حدّثنى جعفر بن محمّد الفزارى ، معنعنا ، عن أبى عبد الله ، قال: كان الحسينعليه‌السلام مع أمه تحمله فاخذه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك وهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم الله بينى وبين من أعان عليك ،

__________________

(١) تفسير فرات : ١٠

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531