مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام0%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مؤلف: الشيخ عزيز الله العطاردي
تصنيف:

الصفحات: 531
المشاهدات: 40927
تحميل: 1896


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40927 / تحميل: 1896
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء 1

مؤلف:
العربية

سنة ستّين ، وكان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه : انّى قد كفيتك الحلّ والترحال ، ووطأت لك البلاد ، والرجال وأخضعت لك أعناق العرب ، وانّى لا تخوّف عليك أن ينازعك هذا الامر الّذي أسّست لك الّا أربعة نفر من قريش ، الحسين بن على ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبى بكر.

فأمّا ابن عمر فرجل قد وقذته العبادة واذا لم يبق أحد غيره بايعك ، وأمّا الحسين فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه ، فان خرج عليك ، فظفرت به فاصفح عنه فانّ له رحما ماسة ، وحقّا عظيما ، وأمّا ابن أبى بكر فانّه ليست له همة إلّا فى النّساء واللهو فاذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله ، وأمّا الّذي يجثم لك جثوم الاسد ويطرق اطراق الافعوان ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فان وثب عليك وامكنتك الفرصة منه فقطعه اربا اربا.

فلمّا مات معاوية ، كان على المدينة الوليد بن عتبة ابن أبى سفيان ؛ وعلى مكّة عمرو بن سعيد بن العاص ، وعلى الكوفة النعمان بن بشير ، وعلى البصرة عبيد الله ابن زياد ، فلم يكن ليزيد همّ بعد موت أبيه إلّا بيعة النفر الذين سمّاهم أبوه ، فكتب الى الوليد بن عتبة فأمره بأخذ البيعة عليهم ، أخذا شديدا ليس فيه رخصة فلمّا وقف على الكتاب ، بعث الى مروان بن الحكم ، فأحضره وأوقفه على كتاب يزيد ، واستشاره.

قال كيف ترى أن أصنع بهؤلاء؟ قال : أرى أن تبعث إليهم الساعة فتدعوهم الى البيعة والدخول فى الطاعة ، فان لم يفعلوا والّا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، لأنّهم ان علموا وثب كلّ واحد منهم فى جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا الى نفسه الا ابن عمر فانّه لا يرى الولاية والقتال الّا أن يدفع عن نفسه أو يدفع إليه هذا الامر عنوا ، فارسل الوليد عمرو بن عثمان الى الحسين والى عبد الله بن الزبير ، فوجدهما فى المسجد فقال أجيبا الامير فقالا انصرف فالآن

٢٦١

نأتيه.

ثمّ قال ابن الزبير للحسين : ظنّ فيما تراه بعث إلينا فى هذه الساعة الّتي ليس له عادة بالجلوس فيها الّا لامر ، فقال الحسين أظنّ طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذ البيعة علينا ليزيد ، قبل أن يفشو فى الناس الخبر ، قال ابن الزبير هو ذاك ، فما تريد أن تصنع قال : أجمع فتيانى وأذهب إليه فجمع أهله وفتيانه ثمّ قال اذا دعوتكم فاقتحموا ، ثمّ دخل على الوليد ومروان عنده ، فاقرأه كتاب يزيد ودعاه الى البيعة.

فقال مثلى لا يبايع سرّا بل على رءوس الناس وهو أحبّ إليكم ، وكان الوليد يحبّ العافية فقال انصرف فى دعة الله ، حتّى تأتينا مع الناس ، فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت عليه أبدا ، حتّى تكثر القتلى بينكما احبس الرجل عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه ، فوثب الحسين قائما وقال يا ابن الزرقاء هو يقتلنى أو أنت كذبت وأثمت ، ثمّ خرج فقال الوليد يا مروان والله ما أحبّ أنّ لى ما طلعت عليه الشمس وانّى قتلت حسينا(١) .

١٤ ـ قال الحافظ ابن عساكر : قالوا : لمّا حضر معاوية الهلاك دعا يزيد بن معاوية ، فأوصاه بما أوصاه به ، وقال له : انظر حسين بن على وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّه أحبّ الناس الى الناس ، فصل رحمه وارفق به يصلح لك أمره ، فان يك منه شيء فانّى أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه ، وخذل أخاه ، وتوفى معاوية ليلة النصف من رجب سنة ستّين وبايع الناس ليزيد.

فكتب يزيد مع عبد الله بن عمرو بن أويس العامرى من بنى عامر ابن لؤيّ الى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وهو على المدينة : أن ادع الناس فبايعهم وابدأ يوجوه قريش ، وليكن أوّل من تبدأ به الحسين بن علىّ بن أبى طالب ، فانّ أمير

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٣٥.

٢٦٢

المؤمنينرحمه‌الله عهد الىّ فى أمره الرفق به واستصلاحه ، فبعث الوليد بن عتبة من ساعته نصف اللّيل الى الحسين بن على ، وعبد الله بن الزبير ، فأخبرهما بوفاة معاوية ودعاهما الى البيعة ليزيد.

فقالا : نصبح فننظر ما يصنع الناس ، ووثب الحسين فخرج وخرج معه ابن الزبير وهو يقول : هو يزيد الذي تعرف والله ما حدّث له حزم ولا مروءة ، وقد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه ، فقال الوليد : ان هجنا بأبى عبد الله الّا أسدا ، فقال له مروان أو بعض جلسائه : اقتله.

قال الوليد : انّ ذلك لدم مضنون فى بنى عبد مناف! فلمّا صار الوليد الى منزله قالت له امرأته أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا؟ قال : هو بدأ فسبّنى ، قالت : وإن سبّك حسين تسبّه؟ وإن سبّ أباك تسبّ اباه؟ قال : لا(١) .

١٥ ـ قال اليعقوبى : ملك يزيد بن معاوية ، وأمه ميسون بنت بجدل الكلبى. فى مستهلّ رجب سنة ستّين ، وكانت الشمس يومئذ فى الثور درجة وعشرين دقيقة ، والقمر فى العقرب درجات وثلاثين دقيقة وزحل فى السرطان احدى عشرة درجة ، والمشترى فى الجدى تسع عشرة درجة ، والمريخ فى الجوزاء اثنتين وعشرين درجة وثلاثين دقيقة ، والزهرة فى الجوزاء ثمانى درجات وخمسين دقيقة ؛ وعطارد فى الثور عشرين درجة وثلاثين دقيقة.

فلمّا قدم دمشق كتب الى الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وهو عامل المدينة : اذا أتاك كتابى هذا فأحضر الحسين بن على وعبد الله بن الزبير فخذهما بالبيعة فان امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث الىّ برءوسهما ، وخذ الناس بالبيعة فمن امتنع فانفذ

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٩.

٢٦٣

فيه الحكم ، وفى الحسين بن على وعبد الله بن الزبير والسلام.

فورد الكتاب على الوليد ليلا فوجّه الى الحسينعليه‌السلام ، والى عبد الله بن الزبير ، فأخبرهما الخبر ، فقالا نصبح ونأتيك مع الناس ، فقال له مروان انّهما والله ان خرجا لم ترهما فخذهما بأن يبايعا والّا فاضرب أعناقهما ، فقال والله ما كنت لأقطع أرحامهما ، فخرجا من عنده وتنحيا من تحت ليلتهما(١) .

١٦ ـ قال ابن أبى الحديد : روى الزبير بن بكّار ، قال : كان سبب تعوّذ ابن الزبير بالكعبة أنّه كان يمشى بعد عتمة فى بعض شوارع المدينة ، اذ لقى عبد الله بن سعد بن أبى سرح متلثّما لا يبدو منه الّا عيناه ، قال : فأخذت بيده وقلت : ابن أبى سرح! كيف كنت بعدى؟ وكيف تركت أمير المؤمنين؟ يعنى معاوية وقد كان ابن أبى سرح عنده بالشام فلم يكلّمنى ، فقلت : مالك؟ أمات أمير المؤمنين؟ فلم يكلّمنى ، فتركته وقد أثبت معرفته.

ثمّ خرجت حتّى لقيت الحسين بن علىعليهما‌السلام ، فأخبرته خبره ، وقلت : ستأتيك رسل الوليد ، وكان الامير على المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان ، فانظر ما أنت صانع! واعلم أن رواحلى فى الدار معدّة والموعد بينى وبينك أن تغفل عنّا عيونهم ثمّ فارقته فلم ألبث أن أتانى رسول الوليد فجئته فوجدت الحسين عنده ووجدت مروان بن الحكم فنعى الىّ معاوية فاسترجعت فأقبل علىّ وقال : هلمّ الى بيعة يزيد فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها عليك.

فقلت : انّى قد علمت أن فى نفسه علىّ شيئا لتركى بيعته فى حياة أبيه ، وان بايعت له على هذه الحال توهّم أنّى مكره على البيعة فلم يقع منه ذلك بحيث أريد ، ولكن أصبح ويجتمع الناس ، ويكون ذلك علانية إن شاء الله ، فنظر الوليد الى

__________________

(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٢٨.

٢٦٤

مروان ، فقال مروان : هو الذي قلت لك ان يخرج لم تره فأحببت أن ألقى بينى وبين مروان شرّا نتشاغل به ، فقلت له : وما أنت وذاك يا ابن الزرقاء.

فقال لى وقلت له حتّى تواثبنا فتناضيت أنا وهو وقام الوليد فحضر بيننا فقال مروان : أتحجز بيننا بنفسك وتدع أن تأمر أعوانك فقال : قد أرى ما تريد ولكن لا أتولّى ذلك منه والله أبدا اذهب يا ابن الزبير حيث شئت ، قال : فأخذت بيد الحسين وخرجنا من الباب حتّى صرنا الى المسجد وأنا أقول :

ولا تحسبنّى يا مسافر شحمة

تعجلها من جانب القدر جائع

فلمّا دخل المسجد افترق هو والحسين ، وعمد كلّ واحد منهما الى مصلّاه يصلّى فيه وجعلت الرسل تختلف إليهما يسمع وقع أقدامهم فى الحصباء حتّى هدأ عنهما الحسّ ثمّ انصرفا الى منازلهما(١)

١٧ ـ عنه قال : أوصى معاوية يزيد ابنه ، لمّا عقد له الخلافة بعده ، فقال : انّى لا أخاف عليك الّا ممّن أوصيك بحفظ قرابته ورعاية حقّ رحمه من القلوب إليه مائلة ، والاهواء نحوه جانحة ، الأعين إليه طامحة ، وهو الحسين بن على فاقسم له نصيبا من حلمك ، وأخصصه بقسط وافر من مالك ، ومتّعه بروح الحياة وأبلغ له كلّ ما أحبّ فى أيّامك ، فأمّا من عداه فثلاثة ، وهم عبد الله بن عمر رجل قد وقذته العبادة فليس يريد الدنيا الّا أن تجيئه طائعة لا تراق فيها محجة دم ، وعبد الرحمن بن أبى بكر رجل هقل لا يحمل ثقلا ولا يستطيع نهوضا : وليس بذى همّة ولا شرف ولا أعوان.

عبد الله ابن الزبير وهو الذئب الماكر والثعلب الخاتر فوجّه إليه جدّك وعزمك ونكيرك ومكرك واصرف إليه سطوتك ولا تثق إليه فى حال ، فانّه

__________________

(١) شرح النهج : ٢٠ / ١١٥.

٢٦٥

كالثعلب راغ بالختل عند الارهاق والليث صال بالجرأة عند الاطلاق وأما ما بعد هؤلاء فانّى قد وطأت لك الامم وذللت لك أعناق المنابر ، وكفيتك من قرب منك ومن بعد عنك ، فكن للناس كما كان أبوك لهم يكونوا لك كما كانوا لأبيك(١)

١٨ ـ قال ابن عبد ربه : قال الهيثم بن عدى : لما حضرت معاوية الوفاة ويزيد غائب دعا بمسلم بن عقبة المرّى والضحّاك بن قيس الفهرى ، وقال لهما : أبلغا عنّى يزيد وقولا له : أنظر أهل الحجاز فهم عصابتك وعترتك فمن أتاك منهم فأكرمه ومن قعد عنك فتعاهده ، وانظر أهل العراق فان سألوك عزل عامل فى كلّ يوم فاعزله عنهم فان عزل عامل واحد أهون عليك من سلّ مائة ألف سيف ثمّ لا تدرى علام أنت عليه منهم.

انظر أهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار فان رابك من عدو ريب فارمهم به.

فان أظفرك الله فاردد أهل الشام الى بلادهم لا يقيموا فى غير بلادهم فيتأدّبوا بغير آدابهم لست أخاف عليك غير عبد الله بن الزبير والحسين بن على فأما عبد الله بن عمر ، فرجل قد وقذه الورع وأما الحسين فأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه(٢)

١٩ ـ عنه عن علىّ بن عبد العزيز قال : قرأ علىّ أبو عبيد القاسم بن سلام ، وأنا أسمع ، فسألته : نروى عنك كما قرى عليك قال : نعم. قال أبو عبيد : لما مات معاوية بن أبى سفيان وجاءت وفاته الى المدينة وعليها يومئذ الوليد بن عتبة ، فأرسل الى الحسين بن على ، وعبد الله بن الزبير فدعاهما الى البيعة ليزيد ، فقالا :

__________________

(١) شرح النهج : ٢٠ / ١٣٣.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٨٧.

٢٦٦

بالغد ان شاء الله على رءوس الناس ، وخرجا من عنده فدعا الحسين برواحله فركبها وتوجّه نحو مكّة على المنهج الاكبر(١)

٣١ ـ باب خروجهعليه‌السلام من المدينة

١ ـ روى الصدوق فى حديث طويل : دعا عتبة الكاتب وكتب بسم الله الرحمن الرحيم الى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبى سفيان ، أمّا بعد فان الحسين بن علىّ ، ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك فى أمره والسلام ، فلمّا ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب الى عتبة ، أمّا بعد ، فاذا أتاك كتابى هذا ، فعجل علىّ بجوابه ، وبيّن لى فى كتابك كلّ من فى طاعتى ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن على ،عليهما‌السلام .

فبلغ ذلك الحسين فهمّ بالخروج من أرض الحجاز الى أرض العراق ، فلمّا أقبل اللّيل راح الى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليودّع القبر ، فلمّا وصل الى القبر ، سطع له نور من القبر ، فعاد الى موضعه ، فلمّا كانت اللّيلة الثانية ، راح ليودّع القبر ، فقام يصلّى ، فأطال فنعس ، وهو ساجد ، فجاءه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو فى منامه فأخذ الحسينعليه‌السلام ، وضمّه الى صدره وجعل يقبل عينيه ويقول :

بأبى أنت كأنّى أراك مرمّلا بدمك ، بين عصابة من هذه الامة ، يرجون شفاعتى ما لهم عند الله من خلاق ، يا بنىّ إنّك قادم على أبيك وأمّك وأخيك ، وهم مشتاقون إليك ، وانّ لك فى الجنّة درجات لا تنالها إلّا بالشهادة ، فانتبه

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ٣٧٦.

٢٦٧

الحسينعليه‌السلام من نومه باكيا ، فأتى أهل بيته ، فأخبرهم بالرؤيا وودّعهم ، وحمل أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علىعليهما‌السلام .

ثمّ سار فى أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته ، منهم أبو بكر بن على ، ومحمّد بن على ، وعثمان بن على ، والعبّاس بن على ، وعبد الله بن مسلم بن عقيل ، وعلىّ بن الحسين الأكبر ، وعلىّ بن الحسين الأصغرعليه‌السلام وسمع عبد الله بن عمر بخروجه ، فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه فى بعض المنازل فقال : أين تريد يا ابن رسول الله.

قال : العراق قال : مهلا ارجع الى حرم جدّك ، فأبى الحسينعليه‌السلام عليه ، فلمّا رأى ابن عمر اباءه قال يا أبا عبد الله اكشف لى عن الموضع الذي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبله منك ، فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرّته ، فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال : استودعك الله يا أبا عبد الله ، فانّك مقتول فى وجهك هذا(١)

٢ ـ قال المفيد : فخرجعليه‌السلام من تحت ليلته وهى ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّها نحو مكّة ومعه بنوه ، وبنوا أخيه واخوته وجلّ أهل بيته ، الّا محمّد ابن الحنفية رحمة الله عليه ، فانّه لمّا علم عزمه على الخروج ، عن المدينة لم يدر أين يتوجّه ، فقال له يا أخى أنت أحبّ النّاس الىّ واعزّهم علىّ ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، الّا لك وأنت أحقّ بها تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت.

ثمّ ابعث رسلك الى الناس فادعهم الى نفسك ، فان بايعك الناس وبايعوا لك ، حمدت الله على ذلك ، وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروّتك ولا فضلك ، انّى أخاف عليك أن

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٩٢.

٢٦٨

تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك ، وأخرى عليك ، فيقتتلون ، فتكون لأوّل الأسنّة غرضا فاذا خير هذه الامة كلّها نفسا وأبا وأمّا أضيعها دما وأذلها أهلا.

فقال له الحسينعليه‌السلام : فأين اذهب يا أخى ، قال : انزل مكّة ، فان اطمانّت بك الدار بها ، فسبيل ذلك وان بنت بك لحقت بالرمال ، وشعف الجبال ، وخرجت من بلد الى بلد حتّى تنظر الى ما يصير أمرا الناس إليه ، فانّك أصوب ما تكون رايّا ، حين تستقبل الأمر استقبالا.

فقال يا أخى ، قد نصحت واشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا ، فسار الحسينعليه‌السلام الى مكّة وهو يقرأ( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) ولزم الطريق الاعظم ، فقال له أهل بيته لو تنكّبت الطريق الاعظم ، كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال : لا والله لا أفارقه حتّى يقضى الله ما هو قاض(١)

٣ ـ قال الطبرسى : فخرجعليه‌السلام ليله الاحد لليلتين بقيتا من رجب ، متوجّها نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن واخوته وجلّ أهل بيته الّا محمّد بن الحنفية ، فانّه لم يدر أين يتوجّه وشيعه وودّعه ، وخرج الحسينعليه‌السلام وهو يقول «فخرج منها خائفا يترقّب قال ربّ نجّنى من القوم الظالمين»(٢)

٤ ـ قال الفتال : فخرجعليه‌السلام من تحت ليلته ، وهى ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب ، متوجّهين نحو مكّة ، ومضى بنوه واخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته الّا محمّد ابن الحنفية ، وخرج الحسين وهو يقول( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي

__________________

(١) الارشاد : ١٨٣.

(٢) اعلام الورى : ٢٢١.

٢٦٩

مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (١)

٥ ـ قال ابن طاوس قال رواة حديث الحسينعليه‌السلام مع الوليد بن عتبة ومروان: فلمّا كان الغداة توجّه الحسينعليه‌السلام الى مكّة لثلاث مضين من شعبان سنة ستّين ، فأقام بها باقى شعبان وشهر رمضان ، وشوّال وذى القعدة قال : وجاء عبد الله بن عبّاس رضوان الله عليه وعبد الله بن الزبير ، فاشارا إليه بالامساك فقال لهما : انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أمرنى وأنا ماض فيه قال فخرج ابن عبّاس وهو يقول وا حسيناه.

ثمّ جاء عبد الله بن عمر ، فاشار إليه بصلح أهل الضلال وحذّره من القتل والقتال فقال له : يا أبا عبد الرحمن أما علمت أنّ من هو ان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريّا أهدى الى بغى من بغايا بنى اسرائيل ، أما تعلم أنّ بنى إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيّا ، ثمّ يجلسون فى أسواقهم يبيعون ويشترون ، كان لم يصنعوا شيئا ، فلم يعجل الله عليهم بل أمهلهم وأخذهم بعد ذلك ، أخذ عزيز ذى انتقام ، اتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتى(٢)

٦ ـ قال المجلسى : قال السيّد : فلمّا أصبح الحسينعليه‌السلام ، خرج من منزله يستمع الاخبار ، فلقيه مروان بن الحكم ، فقال له : يا أبا عبد الله إنّى لك ناصح ، فأطعنى ترشد ، فقال الحسينعليه‌السلام : وما ذاك؟ قل حتّى أسمع ، فقال مروان : انّى آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فانّه خير لك فى دينك ودنياك.

فقال الحسينعليه‌السلام : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وعلى الاسلام السلام ، إذ قد بليت الامّة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : الخلافة محرّمة على آل أبى سفيان ، وطال الحديث بينه وبين مروان حتّى انصرف مروان ، وهو

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٤٧.

(٢) اللهوف : ١١٣

٢٧٠

غضبان ، فلمّا كان الغداة توجّه الحسينعليه‌السلام الى مكّة لثلاث مضين من شعبان سنة ستّين ، فأقام بها باقى شعبان وشهر رمضان وشوّال وذا القعدة(١)

٧ ـ عنه قال المفيدرحمه‌الله : فقام الحسين فى منزله تلك اللّيلة وهى ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستّين من الهجرة ، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير فى البيعة ليزيد ، وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّها الى مكّة ، فلمّا أصبح الوليد سرّح فى أثره الرجال فبعث راكبا من موالى بنى اميّة فى ثمانين راكبا ، فطلبوه فلم يدركوه ، فرجعوا.

فلمّا كان آخر نهار السبت ، بعث الرجال الى الحسينعليه‌السلام ، ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية ، فقال لهم الحسين : اصبحوا ثمّ ترون ونرى! فكفّوا تلك اللّيلة عنه ، ولم يلحّوا عليه ، فخرجعليه‌السلام من تحت ليلته وهى ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجّها نحو مكّة ، ومعه بنوه وبنو اخيه واخوته ، وجلّ أهل بيته الّا محمّد ابن الحنفيةرحمه‌الله فانّه لمّا علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجّه.

فقال له : يا أخى أنت أحبّ الناس الىّ وأعزّهم علىّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق الّا لك ، وأنت أحقّ بها تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية ، وعن الأمصار ، ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك الى الناس ثمّ ادعهم إلى نفسك ، فان بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إنّى أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم.

فمنهم طائفة معك واخرى عليك ، فيقتلون فتكون اذا لأوّل الأسنّة غرضا ، فاذا خير هذه الامّة كلّها نفسا وأبّا وامّا أضيعها دما وأذلّها أهلا ، فقال له الحسين

__________________

(١) البحار : ٤٤ / ٣١٦.

٢٧١

عليه‌السلام : فأين أنزل يا أخى؟ قال : انزل مكّة ، فان اطمأنّت بك الدار بها فستنل ذلك ، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال ، وخرجت من بلد الى بلد حتّى تنظر الى ما يصير أمر الناس ، فانّك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا ، فقالعليه‌السلام : يا أخى قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا(١)

٨ ـ عنه قال محمّد بن أبى طالب الموسوىّ : لمّا ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسينعليه‌السلام ، عظم ذلك عليه ثمّ قال : والله لا يرانى الله أقتل ابن نبيّه ولو جعل يزيد لى الدنيا بما فيها ، قال : وخرج الحسينعليه‌السلام من منزله ذات ليلة وأقبل الى قبر جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك ، وسبطك الّذي خلّفتنى فى أمّتك.

فاشهد عليهم يا نبىّ الله أنّهم قد خذلونى ، وضيّعونى ، ولم يحفظونى ، وهذه شكواى إليك حتّى ألقاك ، قال : ثمّ قام فصفّ قدميه فلم يزل راكعا ساجدا. قال : وأرسل الوليد الى منزل الحسينعليه‌السلام ، لينظر أخرج من المدينة أم لا؟ فلم يصبه فى منزله ، فقال : الحمد لله الذي خرج! ولم يبتلنى بدمه ، قال : ورجع الحسين الى منزله عند الصبح ، فلمّا كانت اللّيلة الثانية ، خرج الى القبر أيضا وصلّى ركعات ، فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول :

اللهمّ هذا قبر نبيّك محمّد ، وأنا ابن بنت نبيّك ، وقد حضرنى ، من الامر ما قد علمت ، اللهمّ إنّى أحبّ المعروف ، وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحقّ القبر ، ومن فيه الّا اخترت لى ما هو لك رضى ، ولرسولك رضى ، قال : ثمّ جعل يبكى عند القبر حتّى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فاغفى ، فاذا هو برسول الله قد أقبل فى كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتّى ضمّ

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٢٦.

٢٧٢

الحسين الى صدره وقبّل بين عينيه وقال :

حبيبى يا حسين كأنّى أراك ، عن قريب مرمّلا بدمائك ، مذبوحا بأرض كرب وبلاء ، من عصابة من امّتى ، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتى ، لا أنالهم الله شفاعتى يوم القيامة ، حبيبى يا حسين إنّ أباك وامّك وأخاك قدموا علىّ وهم مشتاقون إليك ، إنّ لك فى الجنان لدرجات لن تنالها الّا بالشهادة. قال : فجعل الحسينعليه‌السلام فى منامه ينظر إلى جدّه ويقول : يا جدّاه لا حاجة لى فى الرجوع الى الدنيا فخذنى إليك وأدخلنى معك فى قبرك.

فقال له رسول الله : لا بدّ لك من الرجوع إلى الدّنيا حتّى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فانّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تحشرون يوم القيامة فى زمرة واحدة ، حتّى تدخلوا الجنّة. قال : فانتبه الحسينعليه‌السلام من نومه فزعا مرعوبا فقصّ رؤياه على أهل بيته وبنى عبد المطّلب ، فلم يكن فى ذلك اليوم فى مشرق ولا مغرب قوم أشدّ غمّا من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.

قال : وتهيّأ الحسينعليه‌السلام للخروج من المدينة ، ومضى فى جوف اللّيل الى قبر امّه فودّعها ، ثمّ مضى الى قبر أخيه الحسن ، ففعل كذلك ، ثمّ رجع الى منزله وقت الصبح ، فأقبل إليه أخوه محمّد بن الحنفية وقال : يا أخى أنت أحبّ الخلق الىّ ، وأعزّهم علىّ ، ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحقّ بها منك لأنّك مزاج مائى ونفسى وروحى وبصرى وكبير أهل بيتى ، ومن وجب طاعته فى عنقى ، لأنّ الله قد شرّفك علىّ ، وجعلك من سادات أهل الجنّة.

تخرج الى مكّة فان اطمأنّت بك الدار بها فذاك وإن تكن الاخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فانّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوبا ، وأوسع الناس بلادا ، فان اطمأنّت بك الدار ، والّا لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، و

٢٧٣

جزت من بلد إلى بلد ، حتّى تنظر ما يئول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين ، قال : فقال الحسينعليه‌السلام : يا أخى والله لو لم يكن ملجأ ، ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية.

فقطع محمّد ابن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسينعليه‌السلام معه ساعة ثمّ قال : يا أخى جزاك الله خيرا ، فقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة ، وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتى وبنو أخى وشيعتى ، وأمرهم أمرى ورأيهم رأيى ، وأمّا أنت يا أخى فلا عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لى عينا لا تخفى عنّى شيئا من امورهم. ثمّ دعا الحسينعليه‌السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد :

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علىّ بن أبى طالب الى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله الّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من فى القبور ، وأنّى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنمّا خرجت لطلب الاصلاح فى أمّة جدّىصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّى وأبى علىّ بن أبى طالبعليهما‌السلام فمن قبلنى بقبول الحقّ ، فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ علىّ هذا أصبر حتّى يقضى الله بينى وبين القوم بالحقّ ، وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيّتى يا أخى إليك وما توفيقى الّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب ، قال : ثمّ طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه الى أخيه محمّد ثمّ ودّعه وخرج فى جوف اللّيل(١) .

٩ ـ عنه قال محمّد بن أبى طالب : روى محمّد بن يعقوب الكلينى فى كتاب

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٢٧.

٢٧٤

الرسائل عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : ذكرنا خروج الحسينعليه‌السلام وتخلّف ابن الحنفيّة ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا حمزة انّى سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا ، إنّ الحسين لمّا فصل متوجّها ، دعا بقرطاس وكتب فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علىّ بن أبى طالب الى بنى هاشم. أمّا بعد فانّه من لحق بى منكم استشهد ، ومن تخلّف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام(١) .

١٠ ـ عنه قال : قال شيخنا المفيد باسناده إلى أبى عبد اللهعليه‌السلام ، قال : لمّا سار أبو عبد الله من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسوّمة فى أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنّة ، فسلّموا عليه ، وقالوا : يا حجّة الله على خلقه بعد جدّه وأبيه وأخيه ، إنّ الله سبحانه أمدّ جدّك بنا فى مواطن كثيرة ، وإنّ الله أمدّك بنا ، فقال لهم : الموعد حفرتى وبقعتى الّتي أستشهد فيها وهى كربلا ، فاذا وردتها فأتونى ، فقالوا يا حجّة الله مرنا نسمع ونطيع ، فهل تخشى من عدوّ يلقاك فنكون معك؟

فقال : لا سبيل لهم علىّ ولا يلقونى بكريهة أو أصل الى بقعتى ، وأتته أفواج مسلمى الجنّ فقالوا : يا سيّدنا ، نحن شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك وما تشاء فلو أمرتنا بقتل كلّ عدوّ لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك ، فجزاهم الحسين خيرا وقال لهم : أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدّى رسول الله( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) .

وقال سبحانه :( لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ) وإذا أقمت بمكانى فيما ذا يبتلى هذا الخلق المنكوس؟ وبما ذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٣٠.

٢٧٥

حفرتى بكربلاء؟ وقد اختارها الله يوم دحا الارض ، وجعلها معقلا لشيعتنا ، ويكون لهم أمانا فى الدنيا والآخرة ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشورا الّذي فى آخره اقتل ، ولا يبقى بعدى مطلوب من أهلى ونسبى واخوتى وأهل بيتى ، ويسار برأسى الى يزيد لعنه الله.

فقالت الجنّ نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أنّ أمرك طاعة وأنّه لا يجوز لنا مخالفتك ، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك ، فقال صلوات الله عليه لهم : نحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من جيّ عن بيّنة ، انتهى ما نقلناه من كتاب محمّد بن أبى طالب(١) .

١١ ـ عنه وجدت فى بعض الكتب أنّهعليه‌السلام لمّا عزم على الخروج من المدينة أتته أمّ سلمة رضى الله عنها ، فقالت : يا بنىّ لا تحزنّى بخروجك الى العراق ، فانّى سمعت جدّك يقول : يقتل ولدى الحسين بأرض العراق فى أرض يقال لها كربلا ، فقال لها : يا امّاه وأنا والله أعلم ذلك ، وانّى مقتول لا محالة ، وليس لى من هذا بدّ وانّى والله لأعرف اليوم الذي اقتل فيه ، وأعرف من يقتلنى ، وأعرف البقعة الّتي ادفن فيها وانّى أعرف من يقتل من أهل بيتى وقرابتى وشيعتى ، وإن أردت يا امّاه اريك حفرتى ومضجعى.

ثمّ أشارعليه‌السلام الى جهة كربلا فانخفضت الارض حتّى أراها مضجعه ومدفنه ، وموضع عسكره ، وموقفه ومشهده ، فعند ذلك بكت أمّ سلمة بكاء شديدا ، وسلّمت أمره الى الله ، فقال لها : يا أمّاه قد شاء اللهعزوجل أن يرانى مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا ، وقد شاء أن يرى حرمى ورهطى ونسائى مشرّدين ، وأطفالى مذبوحين ، مظلومين ، مأسورين مقيّدين ، وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٣٠.

٢٧٦

معينا(١) .

١٢ ـ عنه فى رواية اخرى : قالت أمّ سلمة : وعندى تربة دفعها الىّ جدّك فى قارورة ، فقال : والله انّى مقتول كذلك وإن لم أخرج الى العراق يقتلونى أيضا ، ثمّ أخذ تربة فجعلها فى قارورة ، واعطاها إيّاها ، وقال : اجعلها مع قارورة جدّى فاذا فاضتا دما فاعلمى أنّى قد قتلت(٢) .

١٣ ـ قال الطبرى : فلمّا سار الحسين نحو مكّة ، قال :( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فلمّا دخل مكّة قال :( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) (٣)

. ١٤ ـ عنه عن الواقدى أن ابن عمر ، لم يكن بالمدينة حين ورد نعى معاوية وبيعة يزيد على الوليد ، وأنّ ابن الزبير والحسين لما دعيا الى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما الى مكّة ، فلقيهما ابن عبّاس وابن عمر جائيين من مكّة ، فسألاهما ، ما وراء كما؟ قالا : موت معاوية والبيعة ليزيد ، فقال لهما ابن عمر : اتقيا الله ولا تفرّقا جماعة المسلمين ، وأمّا ابن عمر فقدم فأقام أيّاما ، فانتظر حتّى جاءت البيعة من البلدان ، فتقدّم الى الوليد بن عتبة فبايعه ، وبايعه ابن عبّاس(٤) .

١٥ ـ قال الدينورى : فلمّا أمسوا ، وأظلم الليل مضى الحسينعليه‌السلام أيضا نحو مكّة ، ومعه اختاه : أمّ كلثوم ، وزينب وولد أخيه ، واخوته أبو بكر ، وجعفر ، والعبّاس ، وعامّة من كان بالمدينة من أهل بيته الا أخاه محمّد بن الحنفية ، فانّه أقام ، وأمّا عبد الله بن عبّاس فقد كان خرج قبل ذلك بأيّام الى مكّة ، وجعل الحسينعليه‌السلام يطوى المنازل ، فاستقبله عبد الله بن مطيع ، وهو منصرف من

__________________

(١) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٣١.

(٢) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٣٢.

(٣) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٤٣.

(٤) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٤٣.

٢٧٧

مكّة يريد المدينة.

فقال له : أين تريد؟ قال الحسين : أمّا الآن فمكّة قال : فخار الله لك ، غير انّى أحبّ أن أشير عليك برأى قال الحسين : وما هو؟ قال : إذا أتيت مكّة فأردت الخروج منها الى بلد من البلدان ، فايّاك والكوفة ، فإنّها بلدة مشئومة ، بها قتل أبوك ، وبها خذل أخوك ، واغتيل بطعنة(١) .

١٦ ـ الحافظ ابن عساكر : قال أحمد بن سليمان ، وأنبأنا الزبير ، حدّثنى محمّد ابن فضالة ، عن أبى مخنف قال : حدّثنى عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، عن أبى سعيد المقبرى قال : والله لرأيت الحسين وإنّه ليمشى بين رجلين يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة وعلى هذا أخرى ، حتّى دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول :

لا ذعرت السوام فى غبش الصبح

مغيرا ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى مخافة الموت ضيما

والمنايا ترصدننى أن أحيدا

قال : فعلمت عند ذلك أنّه لا يلبث الّا قليلا حتّى يخرج ، فلمّا لبث أن خرج حتّى لحق بمكّة(٢) .

٣٢ ـ باب ما جرى لهعليه‌السلام بمكّة المكرّمة

١ ـ قال الشيخ المفيد : لمّا دخل الحسينعليه‌السلام مكّة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ( وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ ) ثمّ نزلها ، فأقبل أهلها يختلفون إليه ، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة ، وهو قائم يصلّى

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٢٨.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٥.

٢٧٨

عندها ، ويطوف ويأتى الحسينعليه‌السلام فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير ، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ، ما دام الحسينعليه‌السلام فى البلد وانّ الحسينعليه‌السلام أطوع فى الناس منه وأجلّ.

بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية عليه الهاوية ، فأرجفوا بيزيد وعرفوا خبر الحسينعليه‌السلام ، وامتناعه من بيعته ، وما كان من أمر ابن الزبير فى ذلك وخروجهما الى مكّة ، فاجتمعت الشيعة بالكوفة فى منزل سليمان بن صراد الخزاعى فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه فقال سليمان بن صرد : ان معاوية قد هلك وأنّ حسينا قد تقبض على القوم ببيعته ، وقد خرج الى مكّة.

أنتم شيعته وشيعة أبيه فان كنتم تعلمون انّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه ، فاكتبوا إليه واعلموا وان خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل فى نفسه قالوا : لا بل نقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا دونه قال فاكتبوا إليه فكتبوا إليه.

بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علىعليهما‌السلام من سليمان بن صرد والمسيب ابن نجبة ، ورفاعة بن شداد وابن البجلى وحبيب بن مظاهر ، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك ، فانا نحمد إليك الله الّذي لا إله الّا هو.

أمّا بعد : فالحمد لله الّذي قصم عدوك الجبّار العنيد الّذي انتزى على هذا الامّة فابتزّها أمرها وغصبها فيها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها ، وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود انّه ليس علينا إمام فاقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والنعمان بن بشير فى قصر الامارة لسنا نجتمع معه فى جمعة ولا نخرج معه الى عيد لو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام ان شاء الله تعالى.

ثمّ سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمدانيّ وعبد الله بن وال

٢٧٩

وأمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتّى قدما على الحسينعليه‌السلام بمكّة لعشر مضين من شهر رمضان ، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وانفذ وقيس بن مسهر الصيداوى وعبد الله وعبد الرحمن بن شدّاد الأرحبى ، وعمارة بن عبد الله السلولى الى الحسينعليه‌السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة ، ثمّ لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هانى بن هانى السبيعى وسعيد بن عبد الله الحنفى وكتبوا إليه.

بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علىعليهما‌السلام وشيعته من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فحىّ هلا ، فانّ الناس ينتظرونك لا راى لهم غيرك فالعجل العجل ثمّ العجل العجل والسلام.

ثمّ كتب شبث بن ربعى وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحرث بن رويم ، وعروة بن قيس وعمرو بن الحجّاج الزبيدى ، ومحمّد بن عمرو التيمى ، أمّا بعد فقد اخضرّ الجنات واينعت الثمار ، فاذا شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتاب وسئل الرسل عن الناس ، ثمّ كتب مع هانى ابن هانى وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل.

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن على الى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فان هانيا وسعيدا قدما علىّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علىّ من رسلكم وقد فهمت كلّ الّذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم أنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله ان يجمعنا بك على الحقّ والهدى ، وانّى باعث إليكم أخى وابن عمّى وثقتى من أهل بيتى مسلم بن عقيل.

فان كتب إلىّ أنّه قد اجتمع رأى ملأكم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت رسلكم وقرأت فى كتبكم فانّى أقدم إليكم وشيكا ان شاء الله

٢٨٠