مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام11%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50168 / تحميل: 4070
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

إبراهيم الجندى ، أنبأنا ابن أبى عمر سعيد بن عبد الرحمن ، وصامت بن معاذ ، قالوا : أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة : عن طاوس ، عن ابن عبّاس.

قال : استشارنى الحسين بن على فى الخروج؟ فقلت : لو لا أن يزرى بى وبك لنشبت يدى فى رأسك ، فكان الذي ردّ علىّ أن قال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن استحلّ حرمتها ـ يعنى الحرم! قال ابن عبّاس : وكان قوله هذا هو الذي سلا بنفسى عنه. قال ابن ميسرة : ثمّ كان يقول طاوس : ما رأيت أحدا أشدّ تعظيما للحرم من ابن عبّاس ، ولو أشاء أن أبكى لبكيت(١)

٢٣ ـ أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد بن عبد الله ، أنبأنا أبو الغنائم بن أبى عثمان ، أنبأنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى ، أنبأنا أبو عبد الله المحاملى ، أنبأنا محمّد بن عمرو بن أبى مذعور ، أنبأنا سفيان بن عيينة : عن إبراهيم بن ميسرة انّه سمع طاوسا يقول : قال ابن عبّاس استشارنى الحسين بن علىّ فى الخروج.

فقلت لو لا أن يزرى ذلك بى أو بك لنشبت يدى فى رأسك! قال : فكان الذي ردّا الحسين علىّ أن قال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ من أن يستحلّ بى ذلك يعنى احترام الحرم فقال ابن عبّاس : فكان هذا هو الذي سلا بنفسى عنه ، ثمّ قال إبراهيم : ثمّ كان يحلف طاوس أنّه لم ير رجلا أشدّ تعظيما للمحارم من ابن عبّاس ولو أشاء أن أبكى لبكيت(٢)

٢٤ ـ عنه أخبرنا أبو الحسن على بن مسلم الفقيه ، أنبأنا أبو نصر بن طلاب ، أنبأنا أبو بكر ابن أبى الحديد ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن بشير الزبيرى ، أنبأنا محمّد بن بحر ابن مطر ، أنبأنا الحسن بن قتيبة ، أنبأنا يحيى بن إسماعيل البجلى ، عن الشعبى قال :

لمّا توجّه الحسين بن على الى العراق قيل لابن عمر : إنّ أخاك الحسين قد

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٠.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٠.

٣٠١

توجّه إلى العراق ، فأتاه فنا شده الله فقال : إن أهل العراق قوم مناكير ، وقد قتلوا أباك وضربوا أخاك وفعلوا وفعلوا ، فلمّا آيس منه عانقه وقبّل بين عينيه وقال استودعك الله من قتيل! سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ اللهعزوجل أبى لكم الدنيا(١)

٢٥ ـ عنه أخبرنا أبو عبد الله الفراوى ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو الحسن علىّ بن محمّد بن على المقرى ، أنبأنا الحسن بن محمّد بن إسحاق الاسفراينى ، أنبأنا يوسف ابن يعقوب القاضى ، أنبأنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه ، أنبأنا شبابة بن سوار ، أنبأنا يحيى بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبى يقول : كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أنّ الحسين بن على قد توجّه الى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين ـ أو ثلاث ـ من المدينة.

فقال أين تريد؟ قال : العراق ، وكان معه طوامير وكتب ، فقال له : لا تأتهم. فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : إنّ اللهعزوجل خيّر نبيّه بين الدنيا والآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنّكم بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها اللهعزوجل عنكم إلا للذى هو خير لكم ، فارجعوا ، فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم. قال : فاعتنقه ابن عمرو قال : استودعك الله من قتيل(٢)

٢٦ ـ عنه أخبرنا أبو طالب علىّ بن عبد الرحمن بن أبى عقيل ، أنبأنا على بن الحسن بن الحسين ، أنبأنا أبو محمّد ابن النحاس ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن زياد ، أنبأنا أبو بكر يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان ، أنبأنا شبّابة بن سوار ، أنبأنا يحيى بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال : سمعت الشعبى يحدّث ، عن ابن عمر انّه كان بماء له فبلغه أنّ الحسين بن على قد توجّه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٢.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٢.

٣٠٢

له : أين تريد؟ فقال : العراق. وإذا معه طوامير كتب.

فقال : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال : لا تأتهم. فأبى قال : إنى محدّثك حديثا : إنّ جبرئيل أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، ولم يرد الدنيا ، وإنّكم بضعة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله لا يليها أحد منكم أبدا! وما صرفها الله عنكم الّا للّذى هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، قال : فأعتنقه ابن عمر وبكى وقال : استودعك الله من قتيل(٢) .

٢٧ ـ عنه أخبرنا أبو محمّد ابن طاوس ، أنبأنا أبو القاسم بن أبى العلاء ، أنبأنا أبو الحسن محمّد بن عوف بن أحمد المزنى ، أنبأنا أبو القاسم الحسن بن على ، قال : وأنبأنا ابن أبى العلاء أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن حمزة بن محمّد بن حمزة الحرانى قال : قرىء على أبى القاسم الحسن بن على البجلى ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علىّ بن سعيد ، أنبأنا يحيى بن معين.

أنبأنا أبو عبيدة ، أنبأنا سليم بن حيان. وقال الحرانىّ : سليمان بن سعيد بن ميناء قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول : عجّل حسين قدره عجّل حسين قدره ، والله لو أدركته ما كان ليخرج إلّا أن يغلبنى ، ببنى هاشم فتح ، وببنى هاشم ختم ، فاذا رأيت الهاشمى قد ملك فقد ذهب الزمان(١)

٢٨ ـ عنه أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندى ، أنبأنا أبو بكر ابن الطبرى ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل وأنبأنا عبد الله بن جعفر ، أنبأنا يعقوب ، أنبأنا أبو بكر الحميرى ، أنبأنا سفيان ، أنبأنا عبد الله بن شريك ، عن بشر بن غالب أنّه سمعه يقول : قال عبد الله بن الزبير ـ لحسين بن علىّ ـ أين تذهب؟ أتذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ فقال له حسين لإن أقتل بمكان كذا كذا أحبّ إلىّ من أن تستحلّ بى

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٣.

٣٠٣

يعنى مكّة(١)

٢٩ ـ عنه أخبرنا أبو الحسين محمّد بن محمّد بن الفراء وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن ، قالوا : أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنبأنا محمّد بن عبد الرحمن بن العبّاس ، أنبأنا أحمد بن سليمان ، أنبأنا الزبير بن بكّار ، حدّثنى عمّى مصعب بن عبد الله ، أخبرنى من سمع هشام بن يوسف الصنعانى ، يقول عن معمر ، قال : سمعت رجلا يحدّث عن الحسين بن على.

قال : سمعته يقول لعبد الله بن الزبير : أتتنى بيعة أربعين ألفا يحلفون لى بالطلاق والعتاق من أهل الكوفة أو قال : من أهل العراق ، فقال له عبد الله بن الزبير : أتخرج إلى قوم قتلوا أباك وأخرجوا أخاك؟ قال هشام بن يوسف : فسألت معمرا عن الرجل فقال : هو ثقة ، قال الزبير : قال عمّى : وزعم بعض الناس أن عبد الله بن عبّاس هو الّذي قال هذا(٢)

٣٠ ـ قال أبو عبد الله محمّد بن سعد بن منيع البصرى فى مقتل الحسينعليه‌السلام : أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : حدّثنا ابن أبى ذئب ، قال حدّثنا عبد الله بن عمير مولى أمّ الفضل ، وأخبرنا عبد الله بن محمّد بن عمر بن على ، وعن أبيه ، وأخبرنا يحيى بن سعيد بن دينار السعدى ، عن أبيه ، وحدثني عبد الرحمن بن أبى الزناد ، عن أبى وجرة السعدى ، عن علىّ بن حسين وغير هؤلاء.

قال محمّد بن سعد وأخبرنا علىّ بن محمّد ، عن يحيى بن اسماعيل بن أبى المهاجر ، عن أبيه ، وعن لوط بن يحيى الغامدى ، عن محمّد بن بشير الهمدانيّ ، وغيره ، وعن محمّد بن الحجاج ، عن عبد الملك بن عمير ، وعن هارون بن عيسى ، عن يونس بن أبى اسحاق ، عن أبيه وعن يحيى بن زكريّا بن أبى زائدة ، عن مجالد ،

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ١٩٤.

(٢) ترجمة الامام الحسين : ١٩٤.

٣٠٤

عن الشعبى.

قال ابن سعد : وغير هؤلاء أيضا قد حدّثنى فى هذا الحديث بطائفة فكتبت جوامع حديثهم فى مقتل الحسين رحمة الله عليه ورضوانه وصلاته وبركاته : قالوا : لمّا بايع معاوية بن أبى سفيان الناس ليزيد بن معاوية ؛ كان حسين بن علىّ بن أبى طالب ممّن لم يبايع له ، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى حسين بن علىّ يدعونه الى الخروج إليهم فى خلافة معاوية كلّ ذلك يأبى.

فقدم منهم قوم إلى محمّد بن الحنفية فطلبوا إليه أن يخرج معهم فأبى وجاء الى الحسين فأخبره بما عرضوا عليه ، وقال : إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا بنا ويشيطوا دماءنا ، فأقام حسين ، على ما هو عليه من الهموم ، مرّة يريد أن يسير إليهم ومرّة يجمع الإقامة.

فجاءه أبو سعيد الخدرى فقال : يا أبا عبد الله إنّى لكم ناصح وإنّى عليكم مشفق ، وقد بلغنى أنّه كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم ، فلا تخرج ، فانّى سمعت أباك يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملونى وأبغضونى وما بلوت منهم وفاء ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب ، والله ما لهم ثبات ولا عزم أمر ، ولا صبر على السيف.

قال وقدم المسيّب بن نجبة الفزارى وعدّة معه إلى الحسين بعد وفاة الحسن فدعوه الى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأى أخيك ، فقال : إنّى أرجو أن يعطى الله أخى على نيّته فى حبّه الكفّ ، وأن يعطينى على نيّتى فى حبّى جهاد الظالمين(١)

٣١ ـ قال الحافظ ابن عساكر : نزل الحسين دار العباس بن عبد المطلب ، ولزم

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين من طبقات ابن سعد : ٥٣.

٣٠٥

ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافرى وجعل يحرّض الناس على بنى أميّة ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له : هم شيعتك وشيعة أبيك ، وكان عبد الله بن عباس ينهاه عن ذلك ويقول : لا تفعل ، وقال له عبد الله ابن مطيع : أى فداك أبى وأمّى متّعنا بنفسك ولا تسر الى العراق ، فو الله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذونا خولا وعبيدا.

لقيهما عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن بن عياش بن ربيعة بالأبواء منصرفين من العمرة فقال لهما ابن عمر : أذكر كما الله إلّا رجعتما ، فدخلتما فى صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظرا فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا عنهم وإن افترق الناس عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر لحسين : لا تخرج ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيّره الله بين الدّنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنّك بضعة منه ولا تعاطها ـ يعنى الدنيا ـ فاعتنقه وبكى وودّعه.

فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بن على بالخروج ، ، ولعمرى لقد رأى فى أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغى له أن لا يتحرّك ما عاش ، وأن يدخل فى صالح ما دخل فيه الناس فانّ الجماعة خير.

قال له ابن عياش : أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال : العراق وشيعتى. فقال : إنّى لكاره لوجهك هذا تخرج إلى قوم قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك؟ حتّى تركهم سخطة وملّة لهم! أذكرك الله أن تغرر بنفسك.

قال أبو واقد الليثى : بلغنى خروج حسين فأدركته بملل فنا شدته الله أن لا يخرج فإنّه يخرج فى غير وجه خروج وإنّما يقتل نفسه. فقال : لا أرجع.

قال سعيد بن المسيّب : لو أنّ حسينا لم يخرج لكان خيرا له.

قال أبو سلمة عبد الرحمن : قد كان ينبغى لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير.

٣٠٦

كتب إليه المسور بن مخرمه : إيّاك أن تغتّر بكتب أهل العراق ، ويقول لك ابن الزبير: الحق بهم فإنّهم ناصروك ، إيّاك أن تبرح الحرم فانّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون إليك آباط الإبل حتّى يوافوك ، فتخرج فى قوه وعدّة. فجزاه الحسين خيرا وقال : استخير الله فى ذلك.

كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع من إجابة أهل الكوفة وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة ، وتخبره أنّه إنّما يساق إلى مصرعه ، وتقول : أشهد لقد حدّثتنى عائشة أنّها سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يقتل حسين بأرض بابل ، فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام كتابها قال : فلا بدّ لى إذا من مصرعى ومضى.

فأتاه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال : يا ابن عمّ إن الترحم نظارتى عليك وما أدرى كيف أنا عندك فى النصيحة لك ، قال : يا أبا بكر ما أنت ممّن يستغشّ ولا يتّهم؟ فقل ، قال قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك ، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممّن ينصره فأذكّرك الله نفسك.!

فقال له الحسين : جزاك الله يا ابن عمّ خيرا فقد اجتهدت رأيك ، ومهما يقضى الله من أمر يكن ، فقال أبو بكر : إنّا لله ، عند الله نحتسب أبا عبد الله!

كتب عبد الله بن جعفر بن أبى طالب إليه كتابا يحذره من أهل الكوفة ، ويناشده الله أن يشخص إليهم ، فكتب إليه الحسينعليه‌السلام : إنّى رأيت رؤيا ورأيت فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرنى بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحدا حتّى الاقى عملى.

كتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص : إنّى أسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك! بلغنى أنّك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق ، فانّى أعيذك بالله من الشقاق فان كنت خائفا فأقبل الىّ فلك عندى الأمان والبرّ و

٣٠٧

الصلة.

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام : إن كنت أردت بكتابك الىّ برّى وصلتي فجزيت خيرا فى الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق الله من دعا الى الله وعمل صالحا وقال : إنّنى من المسلمين ، وخير الأمان أمان الله ، ولم يؤمن بالله من لم يخفه فى الدنيا! فنسأل الله مخافة فى الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده.

كتب يزيد بن معاوية إلى عبد الله بن عباس يخبره بخروج الحسين إلى مكّة ، ونحسبه أنّه جاءه رجال من أهل هذا المشرق فمنّوه الخلافة ، وعندك منهم خبرة وتجربة ، فان كان فعل فقد قطع واشجع القرابة! وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعى فى الفرقة.

قال : فكتب إليه عبد الله بن عباس : إنّى لارجو أن لا يكون خروج الحسين لأمر تكرهه ، ولست أدع النصيحة له فى كلّ ما يجمع الله به الألفة وتطفى به النائرة ، ودخل عبد الله بن العباس الحسين ، فكلّمه ليلا طويلا وقال : أنشدك الله أن تهلك غدا بحال مضيعة لا تأتى العراق ، وإن كنت لا بدّ فاعلا فأقم حتّى ينقضى الموسم وتلقى الناس ، وتعلم على ما يصدرون ثمّ ترى رأيك ـ وذلك فى عشر ذى الحجّة سنة ستّين.

فأبى الحسين إلّا أن يمضى إلى العراق ، فقال له ابن عبّاس : والله انّى لأظنّك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان بين نسائه وبناته ، والله إنّى لأخاف أن تكون الذي يفاد به عثمان! فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال له الحسينعليه‌السلام : يا أبا العبّاس إنّك شيخ قد كبرت. فقال ابن عبّاس : لو لا أن يزرى ذلك بى أو بك لنشبت يدى فى رأسك ، ولو أعلم أنا إذا تناصبنا أقمت لفعلت ولكن لا أخال ذلك نافعى!

فقال له الحسين : لإن أقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إلىّ أن تستحلّ بى ـ يعنى مكّة ـ قال : فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير؟! وكان ابن عبّاس

٣٠٨

يقول بعد ذلك : فذاك الّذي سلى بنفسى عنه. ثمّ خرج عبد الله بن عباس من عنده وهو مغضب وابن الزبير على الباب ، فلمّا رآه قال : يا ابن الزبير قد أتى ما أحببت قرّت عينك هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز ثمّ قال :

يا لك من قبرة بمعمر

خلالك الجوّ فبيضى واصفرى

ونقرّى ما شئت أن تنقرى

بعث الحسين الى المدينة ، فقدم عليه من خفّ معه من بنى عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم ، وتبعهم محمّد ابن الحنيفة ، فأدرك حسينا بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأى يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل رأيه فحبس محمّد بن على ولده عنه فلم يبعث معه أحدا منهم حتى وجد الحسين فى نفسه على محمّد وقال له أترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟ فقال محمّد : وما حاجتى أن تصاب ويصابون معك ، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.

بعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم فخرج متوجّها إلى العراق فى أهل بيته وستّين شيخا من أهل الكوفة ، وذلك فى يوم الاثنين فى عشر ذى الحجّة سنة ستّين.

فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد : أمّا بعد فإن الحسين بن على قد توجّه إليك ، وهو الحسين بن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالله ما أحد يسلمه الله أحبّ إلينا من الحسين ، فايّاك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيء ولا تنساه العامّة ولا تدع ذكره والسلام(١) .

٣٢ ـ قال ابن طاوس : وكان الحسينعليه‌السلام قد كتب الى جماعة من أشراف

__________________

(١) ترجمة الامام الحسين : ٢٠٠ ـ ٢٠٥.

٣٠٩

البصرة ، كتابا مع مولى له اسمه سليمان ، ويكنى أبا رزين يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلى والمنذر بن الجارود العبدى ، فجمع يزيد بن مسعود بنى تميم وبنى حنظلة وبنى سعد ، فلمّا حضروا قال يا بنى تميم كيف ترون موضعى فيكم وحسبى منكم ، فقالوا بخّ بخّ أنت والله فقرة الطهر ورأس الفخر حللت فى الشرف وسطا : وتقدمت فيه فرطا.

قال : فإنّى قد جمعتكم لأمر أريد أن اشاوركم فيه ، واستعين بكم عليه ، فقالوا : إنّا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأى ، فقل حتّى نسمع ، فقال : انّ معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وانّه قد انكسر باب الجور والاثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعة عقد بها امرا ظن أنّه قد أحكمه وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل.

وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدّعى الخلافة على المسلمين ويتأمّر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلّة علم ، لا يعرف من الحقّ موطئ قدميه ، فأقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن على ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذو الشرف الاصيل والرأى الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته.

يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فاكرم به راعى رعية وإمام قوم وحببت لله به الحجّة ، وبلغت به الموعظة فلا تغشوا عن نور الحق ، ولا تسعكوا فى وهد الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكما إلى ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونصرته والله لا يقصر أحد عن نصرته إلّا أورثه الله الذل فى ولده والقلّة فى عشيرته وما انا ذا قد لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله ردّ الجواب.

٣١٠

فتكلّمت بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك إن رميت بنا اصبت ، وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلّا خضناها ، ولا تلقى والله شدّة إلّا لقيناها ، ننصرك والله بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فافعل وتكلّمت بنو سعد بن يزيد ، فقالوا يا أبا خالد إنّ أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال ، فحمدنا أمرنا وبقى عزنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة وناتيك برأينا وتكلّمت بنو عامر بن تميم فقالوا.

يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفائك لا نرضى إن غضبت ، ولا نوطن أن ظعنت والامر إليك فادعنا نجبك وأمرنا نطعك والامر لك اذا شئت فقال والله يا بنى سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم أبدا ولا زال سيفكم فيكم ثمّ كتب إلى الحسينعليه‌السلام .

بسم الله الرحمن الرحيم : أمّا بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ، ودعوتنى له من الأخذ بحظّى من طاعتك والفوز بنصيبى من نصرتك وأنّ الله لا يخل الأرض قطّ من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجّة الله على خلقه ووديعته فى أرضه تفرعتم من زيتونة أحمديّة هو أصلها وأنتم فرعها ، فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بنى تميم وتركتهم أشد تتابعا فى طاعتك ، من الابل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها ، وقد ذللت لك بنى سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع.

فلمّا قرأ الحسينعليه‌السلام الكتاب قال مالك أمنك الله يوم الخوف ، وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر فلمّا تجهز المشار إليه للخروج الى الحسينعليه‌السلام بلغه قتله قبل أن يسير فخرج من انقطاعه عنه ، وأمّا المنذر بن الجارود فانه جاء بالكتاب والرسول الى عبيد الله ابن زياد ، كان المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله بن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر زوجة لعبيد الله بن زياد ، فاخذ عبيد الله بن

٣١١

زياد الرسول فصلبه ، ثمّ صعد المنبر فخطب وتوعّد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الارجاف(١) .

٣٣ ـ باب ارساله مسلم ابن عقيل الى الكوفة

١ ـ قال الشيخ المفيد : كتبعليه‌السلام مع هانى بن هانى ، وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرّسل.

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علىّ الى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد فانّ هانيا وسعيدا قدما علىّ بكتبكم وكانا آخر من قدم علىّ من رسلكم وقد فهمت كلّ الّذي اقتصصتم ، وذكرتم ومقالة جلّكم انه ليس علينا امام ، فاقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ ، والهدى ، وإنّى باعث إليكم أخى وابن عمّى وثقتى من أهل بيتى ، مسلم بن عقيل.

فان كتب إلىّ أنّه قد اجتمع رأى ملاءكم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت فى كتبكم فانّى أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله فلعمرى ، ما الامام إلّا الحاكم بالكتاب ، القائم بالقسط ، الداين بدين الحقّ الحابس نفسه على ذات الله والسلام.

ودعى الحسينعليه‌السلام مسلم بن عقيل ، فسرّحه مع قيس بن مسهّر الصيداوى وعمارة بن عبد الله السّلولى ، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا شدّاد الأرحبى وأمره بالتقوى وكتمان امره واللّطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك.

__________________

(١) اللهوف : ١٦ ـ ١٩

٣١٢

فأقبل مسلمرحمه‌الله حتّى أتى المدينة ، فصلّى فى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وودّع من أحبّ أهله واستأجر دليلين من قيس ، فاقبلا به يتنكّبان الطرق ، فضلّا وأصابهما عطش شديد ، فعجزا عن السير ، فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنين ومات الدليلان عطشا ، فكتب مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما ، من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهّر.

أمّا بعد فانّى أقبلت من المدينة مع دليلين فجازا عن الطريق فضلّا واشتدّ عليهما العطش ، فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتّى انتهينا الى الماء ، فلم ننج الّا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيّرت من توجّهى هذا ، فان رأيت أعفيتنى منه وبعث غيرى والسلام.

فكتب إليه الحسينعليه‌السلام ، أمّا بعد : فقد خشيت ان لا يكون حملك على الكتاب الىّ فى الاستعفاء من الوجه الّذي وجّهتك له إلّا الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك فيه ، والسلام.

فلمّا قرأ مسلم الكتاب قال أمّا هذا فلست أتخوّفه على نفسى ، فأقبل حتّى مرّ بماء لطىّ ، فنزل ثمّ ارتحل عنه ، فاذا رجل يرمى الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له ، فصرعه فقال مسلم بن عقيل نقتل عدوّنا إن شاء الله تعالى ثمّ أقبل حتّى دخل الكوفة فنزل فى دار المختار بن أبى عبيدة ، وهى الّتي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه.

فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرء عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام وهم يبكون ، وبايعه النّاس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسينعليه‌السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا ، ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة تختلف الى مسلم بن عقيلرحمه‌الله حتّى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن بشير ذلك ، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقرّه يزيد عليها فصعد المنبر فحمد إله واثنى عليه ثمّ قال.

٣١٣

أمّا بعد فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فانّ فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء ، وتغصب الأموال ، إنّى لا أقاتل من لا يقاتلنى ولا أتى على من لم يأت علىّ ، ولا أنبّه نائمكم ولا اتحرش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التّهمه ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لى ونكثتم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفى ما ثبت قائمه فى يدى ، ولو لم يكن لى منكم ناصر ، أما انّى أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمى حليف بنى أميّة فقال له : إنّه لا يصلح ما ترى أيّها الامير ، إلّا الغشم وانّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأى المستضعفين ، فقال له النّعمان : لأن أكون من المستضعفين فى طاعة الله أحبّ إلىّ من أن أكون من الاعزّين فى معصية الله ، ثمّ نزل ، وخرج عبد الله بن مسلم ، وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا.

أمّا بعد فانّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعته الشيعة للحسين بن علىّ ابن أبى طالبعليهما‌السلام ، فان يكن لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك فى عدوّك ، فانّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضيّف ، ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه(١) .

٢ ـ قال الطبرسى : فدعا بمسلم ابن عقيل ، فسرّحه مع قيس بن مسهّر الصيداوى ، وعمارة بن عبد الله السلولى وعبد الرحمن بن عبد الله الازدى ، فأقبل مسلم حتّى دخل الكوفة ، فنزل دار المختار بن أبى عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ، فكتب مسلم الى الحسين بن علىّ يخبره بذلك ، ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل

__________________

(١) الارشاد : ١٨٥.

٣١٤

يزيد ، وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمى ، الى يزيد بن معاوية أنّ مسلم بن عقيل قدم الى الكوفة ، فبايعته الشيعة للحسين بن على ، فان كان لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ، فانّ النعمان بن بشير رجل ضعيف(١) .

٣ ـ قال الفتال : دعا الحسين مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهّر الصيداوى ، وعمارة بن عبد الله السّلولى ، وعبد الرحمن بن عبد الله الارحبى وأمره بتقوى الله وكتمان أمره ، واللّطف ، فان رأى الناس مجمعين مستوثقين عجّل إلىّ بذلك ، فاقبل مسلم حتّى أتى الكوفة فنزل دار المختار بن أبى عبيدة ، وهى تدعى دار سلام بن المسيّب ، فاقبلت الشيعة يختلف إليه فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسينعليه‌السلام ، وهم يبكون وبايعه النّاس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر الفا.

فكتب مسلم الى الحسين بن علىعليهما‌السلام ، يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا ويأمره بالقدوم ، وجعلت الشيعة يختلف الى مسلم بن عقيل رضى الله عنه ، حتّى علم بمكانه ، فبلغ النعمان بن بشير وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها ، وكتب عبد الله بن مسلم وعمارة بن عقبة وعمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية أمّا بعد فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، فبايعه شيعة الحسين بن علىعليهما‌السلام ، فان يكن لك فى الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويّا ، ينفذ امرك ويعمل مثل عملك فى عدوّك ، فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف(٢) .

٤ ـ قال ابن شهرآشوب : كتب مع مسلم بن عقيل بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علىّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين ، أمّا بعد فانّ هانيا وسعيدا قدما علىّ بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علىّ من رسلكم ، وقد فهمت كلّ الّذي اقتصصتم ، وذكرتم ، ومقالة جلّكم أنّه ليس لنا إمام ، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى ،

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٣١.

(٢) روضة الواعظين : ١٤٨.

٣١٥

وأنا باعث إليكم أخى وابن عمّى ، وثقتى من أهل بيتى ، فان كتب الىّ أنّه قد أجمع راى أحداثكم وذوى الفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وتواترت به كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله ولعمرى ، ما الامام إلّا الحاكم القائم بالقسط ، الداين بدين الله ، الحابس نفسه على ذات الله.

فقصد مسلم على غير الطريق وكان رائده رجلان من قيس عيلان ، فأضلّا الطريق وماتا من العطش ، وادرك مسلم ماء فتطيّر مسلم من ذلك وكتب الى الحسينعليه‌السلام يستعفيه من ذلك فأجابه أما بعد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلىّ والاستعفاء من وجهك هذا الذي أنت فيه الّا الجبن والفشل فامض لما أمرت به.

فدخل مسلم الكوفة فسكن فى دار سالم ابن المسيّب ، فاختلف إليه الشيعة ، فقرأ عليهم كتابه فبايعه اثنا عشر ألف رجل ، فرفع ذلك الى النعمان بن بشير وهو والى الكوفة فجمع الناس فخطب فيهم ونصحهم ، وكتب عبد الله بن مسلم الحضرمى ، وعمارة بن عقبة بن الوليد وعمر بن سعد بن أبى وقّاص الى يزيد ، إن كان لك حاجة فى الكوفة ، فابعث رجلا قويّا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك ، فانّ النعمان بن بشير إمّا ضعيف أو متضعّف(١) .

٥ ـ قال ابن طاوس : ثمّ طلب مسلم بن عقيل ، وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم ، يعدهم بالقبول ، ويقول ما معناه قد نفذت إليكم ابن عمّى مسلم ابن عقيل ، ليعرفنى ما أنتم عليه ، من رأى جميل فسار مسلم بالكتاب حتّى وصل بالكوفة ، فلمّا وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بايابه ، ثمّ أنزلوه فى دار المختار بن أبى عبيدة الثقفى ، وصارت الشيعة تختلف إليه ، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢٠٩.

٣١٦

كتاب الحسينعليه‌السلام ، وهم يبكون ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر الفا ، وكتب عبد الله ابن مسلم الباهلى وعمارة بن عقبة بن وليد ، وعمر بن سعد ، الى يزيد يخبرونه بأمر مسلم ويشيرون عليه بصرف النعمان بن بشير وولاية نميرة(١) .

٣٤ ـ باب شهادة مسلم بن عقيل

١ ـ قال المفيد : فلمّا وصلت الكتب الى يزيد دعى سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك إنّ حسينا قد نفذ الى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له ، وقد بلغنى عن النعمان ضعف وقول شيء ، فمن ترى أن استعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد ، فقال له سرجون أرأيت لو يشير لك معاوية حيّا ما كنت آخذا برأيه ، قال : بلى قال فاخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال : هذا رأى معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين الى عبيد الله.

فقال له يزيد أفعل ابعث بعهد عبيد الله بن زياد إليه ثمّ دعى مسلم بن عمرو الباهلى ، وكتب الى عبيد الله معه امّا بعد فانّه كتب الىّ شيعتى من أهل الكوفة يخبروننى أنّ ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشقّ عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابى هذا حتّى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخزرة حتّى تثفقه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام وسلّم إليه عهده على الكوفة.

فخرج مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، وأوصل إليه العهد ، والكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيّؤ الى الكوفة من الغد ، ثمّ

__________________

(١) اللهوف : ١٦.

٣١٧

خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان وأقبل الى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلى ، وشريك بن الأعور الحارثى ، وحشمه وأهل بيته حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم والناس قد بلغهم اقبال الحسينعليه‌السلام .

فاخذ لا يمرّ على جماعة من الناس الّا سلّموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فراى من تباشرهم بالحسينعليه‌السلام ما ساءه فقال مسلم بن عمرو ، لمّا اكثروا تأخّروا هذا الامير عبيد الله بن زياد وسار حتّى وافى القصر ، باللّيل ومعه جماعة قد التفّوا به لا يشكّون أنّه الحسينعليه‌السلام ، فاغلق النّعمان بن بشير عليه وعلى خاصّته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب ، فاطلع عليه النّعمان وهو يظنّه الحسينعليه‌السلام .

فقال انشدك الله الّا تنحيت ، والله ما انا بمسلّم إليك أمانتى ومالى فى قتالك من ارب ، فجعل لا يكلّمه ثمّ انّه دنى ، وتدلّى النعمان من شرف القصر ، فجعل يكلّمه ، افتح لا فتحت ، فقد طال ليلك ، وسمعها إنسان خلقه فنكص إلى قوم الذين اتّبعوه ، من أهل الكوفة على انّه الحسينعليه‌السلام فقال يا قوم ابن مرجانة والذي لا إله. غيره ، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب فى وجوه النّاس وانفضّوا.

فأصبح فنادى فى الناس الصّلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال امّا بعد ، فانّ أمير المؤمنين يزيد ولّانى مصركم ، وثغركم وفيئكم وأمرنى بانصاف مظلومكم ، واعطاء محرومكم ، والاحسان إلى سامعكم ، ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسوطى ، وسيفى على من ترك أمرى ، وخالف عهدى فليتّق امرؤ على نفسه الصدق ينبىء عنك لا الوعيد ثمّ نزل وأخذ العرفاء والنّاس أخذا شديدا.

فقال اكتبوا الى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من أهل الحروريّة وأهل الرّيب الّذين شأنهم الخلاف والنّفاق ، والشقاق فمن يجىء لنا بهم

٣١٨

فبرئ ، ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من فى عرافته أن لا يخالفنا منهم ، مخالف ولا يبغى علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمّة ، وحلال لنا دمه وماله وايّما عريف وجد فى عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطاء.

لمّا سمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله الى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار حتى انتهى الى دار هانى بن عروة ، فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه فى دار هانى على تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان فدعى ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له خذ : ثلاثة آلاف درهم ، واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فاذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم ، وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم.

فإنّك لو قد أعطيتهم ايّاها لقد اطمأنّوا إليك ووثقوا ، ولم يكتموك شيئا من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورح حتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل ، وتدخل عليه ، ففعل ذلك وجاء حتّى جلس الى مسلم بن عوسجة الاسدى فى المسجد الأعظم ، وهو يصلّى ، فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسينعليه‌السلام ، فجاء وجلس إلى جنبه ، حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال يا عبد الله إنّى امرؤ من أهل الشّام أنعم الله علىّ بحبّ أهل البيت وحبّ من أحبّهم وتباكا له.

قال معى ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغنى أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكنت أريد لقائه فلم أجد أحدا يدلّنى عليه ولا أعرف مكانه فانّى لجالس فى المسجد الآن اذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وانّى أتيتك لتقبض منّى هذا المال وتدخلنى على صاحبك ، فانّى أخ من اخوانك وثقة عليك ، وان شئت أخذت بيعتى له قبل لقائه.

٣١٩

فقال له ابن عوسجة : احمد الله على لقائك إيّاى فقد سرّنى ذلك لتنال الّذي تحبّ ، ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه عليه وعليهم‌السلام ، ولقد ساءنى معرفة الناس إيّاى بهذا الامر ، قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، قال له معقل لا يكون الّا خيرا خذ البيعة علىّ فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضى به ثمّ قال اختلف إلىّ ايّاما فى منزلى ، فانّى طالب لك الإذن على صاحبك واخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن.

فاذن له فاخذ مسلم بن عقيل بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدى بقبض المال منه ، وهو الذي كان يقبض أموالهم ، وما يعين به بعضهم بعضا ، ويشترى لهم السّلاح وكان بصيرا وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة ، واقبل ذلك الرجل يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد ، من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا ، وخاف هانى بن عروة عبيد الله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد لجلسائه ما لي لا أرى هانيا فقالوا هو شاك.

فقال لو علمت بمرضه لعدّته ودعى محمّد بن الاشعث واسماء بن خارجة وعمرو بن الحجّاج الزبيدى ، وكانت دويحة بنت عمرو تحت هانى بن عروة ، وهى أمّ يحيى بن هانى ، فقال لهم ما يمنع هانى بن عروة من إتياننا ، فقالوا ما ندرى وقد قيل انّه يشتكى ، قال قد بلغنى أنّه قد برىء وهو يجلس على باب داره ، فالقوه ومروه ألّا يدع ما عليه من حقّنا فانّى لا أحبّ أن يفسد عندى مثله من أشراف العرب ، فاتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة وهو جالس على بابه ، وقالوا له ما يمنعك من لقاء الامير فانّه قد ذكرك وقال لو اعلم انّه شاك لعدّته.

فقال لهم الشكوى تمنعنى ، فقالوا له قد بلغه أنك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك ، وقد استبطاك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان ، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا فدعى بثيابه ، فلبسها ثمّ دعى ببغلة فركبها ، حتّى اذا دنى من القصر ، كانّ نفسه

٣٢٠

للثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن(١) .

وكذا لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمشق وهو المصبوغ بالمغرة ؛ لأنّه مصبوغ بطين لا بطيب ، وكذا المصبوغ بسائر الأصباغ سوى ما ذكرنا وإن كان السواد مكروهاً ؛ لأصالة الإِباحة إلّا ما ورد الشرع بتحريمه ، أو كان في معناه.

وأمّا المصبوغ بالرياحين فهو مبني على الرياحين في نفسها ، فما مُنع المـُحْرم من استعماله مُنع من المصبوغ به إذا ظهرت رائحته ، وإلّا فلا.

مسألة ٢٤١ : لو مات المـُحْرم ، لم يجز تغسيله بالكافور‌ - وهو إجماع - للأحاديث الدالّة عليه من طُرق العامّة(٢) والخاصّة :

روى محمّد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام : عن المـُحْرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : « يغطّى وجهه ، ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنّه لا يقربه طيباً »(٣) .

البحث الرابع : الادّهان‌

مسألة ٢٤٢ : الدهن ضربان : طيب وغير طيب.

فالطيب : البنفسج والورد والنيلوفر والبان(٤) وما في معناه ، ولا خلاف أنّ فيه الفدية على أيّ وجه استعمله.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥.

(٢) راجع : صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٥٣ و ٧٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٣٠ / ٩٦٥ عن الإِمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام ، وفيه : « لا يقرب طيباً ».

(٤) البان : ضرب من الشجر ، طيّب الزَّهْر ، واحدتها : بأنه ، ومنه دهن البان. لسان العرب ١٣ : ٦١ ، الصحاح ٥ : ٢٠٨١ « بون ».

٣٢١

وأمّا غير الطيب مثل الشيرج والزبد والسمن فيجوز أكله إجماعاً.

قال الشيخرحمه‌الله : ولا يجوز الادّهان به على وجه ، وأمّا وجوب الكفّارة بالادّهان فلَسْتُ أعرف به نصّاً ، والأصل براءة الذمّة.

ثم قال : وقد اختلف الناس على أربعة مذاهب :

فقال أبو حنيفة : فيه الفدية على كلّ حال إلّا أن يداوي به جرحه أو شقوق رجليه.

وقال الحسن بن صالح بن حي : لا فدية فيه بحال.

وقال الشافعي : فيه الفدية في الرأس واللحية ، ولا فدية فيما عداهما ؛ ( لما فيه من ترجيل الشعر وتزيينه ، والمـُحْرم منعوت بالشّعث المعتاد له.

ولو كان أقرع أو أصلع فدهن رأسه ، أو أمرد فدهن ذقنه ، فلا فدية عليه عنده ؛ إذ ليس فيه تزيين شعر.

ولو كان محلوق الرأس ، فوجهان.

ولو كان في رأسه شجّه فجعل الدهن في داخلها ، فلا شي‌ء عليه )(١) .

وقال مالك : إن دهن به ظاهر بدنه ، ففيه الفدية ، وإن كان في بواطن بدنه ، فلا فدية.

واستدلّ -رحمه‌الله - على مذهبه : بأصالة براءة الذمّة.

وبما رواه العامّة عن ابن عمر : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ادّهن - وهو مُحْرم - بزيت(٢) (٣) .

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في الخلاف.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩٤ / ٩٦٢ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، المسألة ٩٠ ، وراجع : بدائع الصنائع ٢ : ١٩٠ ، والمبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، والهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠ ، والوجيز ١ : ١٢٥ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١٠٩ و ١١٠.

٣٢٢

إذا عرفت هذا ، فنقول : الدهن الطيب كدهن الورد والبنفسج والنيلوفر يحرم الادّهان به ، وبه قال الأوزاعي وأحمد(١) .

وكره مالك وأبو ثور وأصحاب الرأي الادّهان بدهن البنفسج(٢) .

وقال الشافعي : ليس بطيب(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه يتّخذ للطيب ، وتُقصد رائحته ، فكان طيباً ، كماء الورد.

وأمّا ما لا طيب فيه كالزيت والشيرج والسمن والشحم ودهن البان الساذج : فالمشهور عند علمائنا تحريم الادّهان به بعد الإِحرام اختياراً ، وذهب العامّة إلى جوازه.

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ للمُحْرم أن يدّهن بدنه بالشحم والزيت والسمن(٤) .

ونقل بعض العامّة جواز ذلك عن ابن عباس وأبي ذر والأسود بن يزيد وعطاء والضحّاك وغيرهم(٥) .

وقال عطاء ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد في رواية ، وأصحاب الرأي : لا يدّهن المـُحْرم رأسه بالزيت الذي يؤكل ؛ لأنّه يُزيل الشَّعَث ويُرجّل الشعر ويُحسّنه(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٢) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٦ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٥٨ ، المغني ٣ : ٣٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المجموع ٧ : ٢٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٢ ، المجموع ٧ : ٢٧٩ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٠.

٣٢٣

وأجمعوا على إباحة استعماله في اليدين ، وإنّما الكراهة عندهم في الرأس خاصّة ؛ لأنّه محلّ الشعر(١) .

لنا : ما رواه العامّة عن ابن عمر أنّه صدع وهو مُحْرم ، فقالوا : ألا ندّهنك بالسمن؟ فقال : لا، قالوا : أليس تأكله؟ قال : ليس أكله كالادّهان به(٢) .

وعن مجاهد : إن تداوى به ، فعليه الكفّارة(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ولا تمسّ شيئاً من الطيب ولا من الدهن في إحرامك »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « وادّهن بما شئت من الدهن حيت تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن »(٥) .

ولو ادّهن بالدهن الطيب قبل الإِحرام ، فإن كانت رائحته تبقى إلى بعد الإِحرام ، فَعَل حراماً ، ولو ذهبت رائحته بعد الإِحرام أو ادّهن قبله بما ليس بطيب ، فإنّه جائز إجماعاً.

مسألة ٢٤٣ : لو اضطرّ إلى استعمال الأدهان الطيّبة حالة الإِحرام ، جاز له استعماله ، وتجب الفدية ؛ لما رواه الشيخ - في الصحيح - عن معاوية ابن عمّار : في مُحْرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه »(٦) .

ويجوز استعمال ما ليس بطيب بعد الإِحرام اضطراراً إجماعاً ، ولا فدية ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٣٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٩٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ / ٥٩٠.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٩ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٣ / ١٠٣٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ - ١٨٢ / ٦٠٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

٣٢٤

ولما رواه هشام بن سالم - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا خرج بالمـُحْرم الخراج(١) أو الدمل فليُبطّه(٢) وليداوه بسمن أو زيت »(٣) .

البحث الخامس : الاكتحال بما فيه طيب‌

مسألة ٢٤٤ : أجمع علماؤنا على أنّه لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بكحل فيه طيب ، سواء كان رجلاً أو امرأة ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حرّم استعمال الطيب(٤) ، وهو قول كلّ من حرّم استعمال الطيب ، وتجب به الفدية كما قلنا في الطيب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يكحل المـُحْرم عينيه بكُحْل فيه زعفران ، وليكحلها بكُحْل فارسي »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فلا يجوز أن يكتحل للزينة ؛ لما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا للزينة فلا »(٦) .

مسألة ٢٤٥ : لا يجوز للمُحْرم أن يكتحل بالسواد ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، إلّا عند الضرورة ، ويجوز لهما أن يكتحلا بما عداه من الأكحال إلّا إذا‌

____________________

(١) الخراج : القروح. القاموس المحيط ١ : ١٨٥ « خرج ».

(٢) بطّ الجرح : شقّه. القاموس المحيط ٢ : ٣٥١ « بطّ ».

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٢ / ١٠٤٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦.

(٤) انظر : صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٥ ، وفيها تصريح بتحريم الطيب للميّت المـُحْرم. فللمُحْرم الحيّ أولى كما ذكره ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٨٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٧ ذيل الحديث ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٨.

٣٢٥

كان فيه طيب ، فإنّه لا يجوز على حال ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : يجوز الاكتحال بما فيه طيب(٢) .

وكره عطاء والحسن البصري ومجاهد الاكتحال بالإِثْمد(٣) .

وروي عن ابن عمر أنّه قال : يكتحل المـُحْرم بكلّ كُحْل ليس فيه طيب(٤) .

قال مالك : لا بأس أن يكتحل المـُحْرم من حَرٍّ يجده في عينيه بالإِثمد وغيره(٥) .

وعن أحمد أنّه قال : يكتحل المـُحْرم ما لم يُرْد به الزينة ، قيل له : الرجال والنساء ، قال : نعم(٦) .

لنا على المنع من الأسود كالإِثْمد وشبهه : ما رواه العامّة : أنّ عليّاًعليه‌السلام قدم من اليمن فوجد فاطمةعليها‌السلام ممّن حلّ ، فلبست ثياباً صبيغاً واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : ( أبي أمرني بهذا ) فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صَدَقَتْ صَدَقَتْ )(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا يكتحل الرجل والمرأة المـُحْرمان بالكُحْل الأسود إلّا من علّة »(٨) .

____________________

(١) مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢ ، المجموع ٧ : ٣٥٤.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٧ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٦) المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٤٤ ، المغني ٣ : ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٣.

٣٢٦

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الحاج أشعث أغبر )(١) وهو ينافي الاكتحال.

مسألة ٢٤٦ : لو اكتحل الرجل والمرأة بالإِثْمد أو الأسود ، فَعَلا محرّماً عند أكثر علمائنا(٢) ، ولا تجب به الفدية ، عملاً بأصالة البراءة السالم عن معارضٍ من نصٍّ أو غيره.

قال الشافعي : إن فَعَلا ، فلا أعلم عليهما فيه فدية بشي‌ء(٣) .

ولا خلاف في زوال التحريم مع الضرورة.

ولا يجوز الاكتحال بما فيه زينة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « تكتحل المرأة [ المـُحرمة ](٤) بالكُحْل كلّه إلّا كحلاً أسود للزينة »(٥) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا تكتحل المرأة المـُحْرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة »(٦) . وهو يدلّ على التعليل ، فيطّرد الحكم باطّرادها.

وقال الشافعي : يحرم الاكتحال بما فيه طيب - خلافاً لأبي حنيفة(٧) - وما لا طيب فيه يجوز الاكتحال به. نَقَله المزني(٨) .

وله قول آخر : إنّه يكره(٩) .

____________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٣ ذيل المسألة ١٠٦.

(٢) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٠ ، والمبسوط ١ : ٣٢١ ، وسلّار في المراسم : ١٠٦ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) الْأُمّ ٢ : ١٥٠ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ - ٣٥٤ ، المغني ٣ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠١ / ١٠٢٥.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣.

(٨) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، مختصر المزني : ٦٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

(٩) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣.

٣٢٧

وتوسّط آخرون من أصحابه : إن لم يكن فيه زينة كالتوتيا الأبيض ، لم يكره ، وإن كان فيه زينة كالإِثْمد ، كره ، إلّا لحاجة الرَّمَد(١) .

البحث السادس : النظر في المرآة‌

مسألة ٢٤٧ : اختلف علماؤنا في تحريم النظر في المرآة على المـُحرم ، فقال بعضهم بالتحريم(٢) ، وبعضهم بالكراهة(٣) .

واحتجّ الأوّل : بما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( المـُحْرم الأشعث الأغبر )(٤) .

وفي آخر : ( إنّ الله يباهي بأهل عرفة ملائكته فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبادي قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين )(٥) (٦) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حمّاد - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا تنظر في المرآة للزينة »(٧) .

واحتجّ الآخرون : بأصالة الإِباحة.

وقال أحمد : لا ينظر في المرآة لإِزالة شعث أو تسوية شعر أو شي‌ء من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٢١.

(٢) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢١ ، والنهاية : ٢٢٠ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨.

(٣) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٨٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٣٤.

(٥) أي : بارزين ، من قولك : ضحيت للشمس : إذا برزت لها. الصحاح ٦ : ٢٤٠٧ « ضحا ».

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٠٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٥٨ نحوه.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٠٢ / ١٠٢٩ ، وفيه : « لا تنظر في المرآة وأنت مُحْرم فإنّها من الزينة ».

٣٢٨

الزينة ، فإن نظر لحاجة كمداواة جرح أو إزالة شعر ينبت في عينيه وغير ذلك ممّا أباح الشرع له فِعْلَه ، فلا بأس ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه(١) .

البحث السابع : لُبْس الحُليّ للزينة‌

مسألة ٢٤٨ : لا يجوز للمرأة في حال الإِحرام لُبْس الحُليّ للزينة‌ وما لم تعتد لُبْسه في حال الإِحرام ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في المـُحْرمة : « إنّها تلبس الحُليّ كلّه إلّا حُليّاً مشهوراً للزينة »(٢) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب الصادقَعليه‌السلام عن المرأة تلبس الحُليّ ، قال : « تلبس المـَسَك والخلخالين »(٣) .

ومنع أحمد بن حنبل من الخلخال وما أشبهه من الحُليّ ، مثل : السوار والدُّمْلج(٤) .

وروي عن عطاء أنّه كان يكره للمُحْرمة الحرير والحُليّ(٥) .

وكرهه الثوري وأبو ثور(٦) .

وعن قتادة أنّه كان لا يرى بأساً أن تلبس المرأة الخاتم والقرط(٧) وهي محرمة ، وكره السوارين والدُّمْلجين والخلخالين(٨) .

وظاهر مذهب أحمد : الجواز ، وهو قول ابن عمر وعائشة وأصحاب الرأي ، لأنّ عائشة قالت : تلبس المـُحْرمة ما تلبس وهي حلال من خزّها وقزّها وحُليّها ، وعلى كلّ حال لا فدية فيه عند أحمد(٩) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٣ - ٣٠٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ - ٧٦ / ٢٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٩.

(٤ - ٦ ) المغني ٣ : ٣١٥ - ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣١ - ٣٣٢.

(٧) القرط : نوع من حُليّ الاُذن. لسان العرب ٧ : ٣٧٤ « قرط ».

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

٣٢٩

وأمّا لُبْس القُفّازين ففيه الفدية عنده(١) ، وكذا عندنا ؛ لأنّها لبست ما نُهيت عن لُبْسه في الإِحرام ، فلزمتها الفدية ، كالنقاب ، وقد قال الصادقعليه‌السلام : « تلبس المرأة المـُحْرمة الحُليّ كلّه إلّا القُرْط المشهور والقلادة المشهورة »(٢) .

مسألة ٢٤٩ : الحُليّ الذي تعتاد المرأة لُبْسه في الإِحلال يجوز لها لُبْسه في الإِحرام إذا لم تُظهره للزوج ؛ لما فيه من جذب الشهوة إلى إيقاع المنهيّ عنه.

ولما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج - في الصحيح - أنّه سأل أبا الحسنعليه‌السلام : عن المرأة يكون عليها الحُليّ والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : « تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها »(٣) .

مسألة ٢٥٠ : لا يجوز للمُحْرم أن يلبس الخاتم للزينة ، ويستحب للسنّة ؛ لأنّ الروايات الدالّة على تحريم لُبْس الحُليّ للزينة والاكتحال بالسواد للزينة والنظر في المرآة للزينة دلّت بمفهومها على تعليل الحرمة بالزينة ، فتثبت في لُبْس الخاتم ؛ لوجود العلّة.

ولأنّ مسمعاً سأل الصادقعليه‌السلام : أيلبس المـُحْرم الخاتم؟ قال : « لا يلبسه للزينة »(٤) .

وأمّا استحبابه للسنّة : فلأنّ محمد بن إسماعيل قال : رأيت العبد‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ / ١١٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٥٤٤.

٣٣٠

الصالحعليه‌السلام وهو مُحْرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز للمرأة لُبْس الخاتم من الذهب ؛ للأصل.

ولأنّه يجوز لها لُبْسه حالة الإِحلال ، فيستصحب الحكم ما لم تقصد به الزينة.

ولما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « تلبس المـُحْرمة الخاتم من الذهب »(٢) .

إذا عرفت هذا ، فيجوز أن تلبس المرأة الحرير حالة الإِحرام على كراهية ، ولا يكره الذهب والخزّ ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن تُحْرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض »(٣) .

البحث الثامن : تغطية الرأس‌

مسألة ٢٥١ : يحرم على الرجل حالة الإِحرام تغطية رأسه اختيارا‌ً بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن العمائم والبرانس(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٣ / ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ / ٥٤٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥٠.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٠ / ١٠٢٠.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٢٥ / ٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٧ / ٢٩٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

٣٣١

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق بين أن يستر رأسه بمخيط ، كالقلنسوة ، أو بغير مخيط ، كالعمامة والإِزار والخرقة وكلّ ما يعدّ ساتراً ، وإذا ستر ، لزمه الفداء ؛ لأنّه باشر محظوراً ، كما لو حلق ، وإذا غطّى رأسه ، ألقى الغطاء واجباً ، وجدّد التلبية مستحبّاً.

ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وكذا لو توسّد بعمامة مكورة(١) ؛ لأنّ المتوسّد يطلق عليه عرفاً أنّه مكشوف الرأس.

ولا فرق في التحريم بين تغطية الرأس بالمعتاد ، كالعمامة والقلنسوة ، أو بغيره ، كالزنبيل والقرطاس ، أو خضب رأسه بحنّاء ، أو طيّنه بطين ، أو حمل على رأسه متاعاً أو مكتلاً أو طبقاً ونحوه عند علمائنا.

وذكر الشافعي عن عطاء أنّه لا بأس به ، ولم يعترض عليه(٢) .

وهو يُشعر بموافقته ؛ إذ من عادته الردّ على المذهب الذي لا يرتضيه.

وقال ابن المنذر وجماعة من الشافعية : إنّه نصّ في بعض كتبه على وجوب الفدية(٣) ، فبعض الشافعية قطع بالأول ولم يُثبت الثاني(٤) ، وبعضهم قال : إنّ في المسألة قولين(٥) .

ووافقنا أبو حنيفة(٦) على التحريم ووجوب الفدية ؛ لأنّه غطّى رأسه بما يستره ، فوجبت الفدية ، كغيره.

احتجّ الآخرون : بأنّه قصد نقل المتاع لا تغطية الرأس.

ولو ستر رأسه بيديه ، فلا شي‌ء عليه ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر. وكذا لو وضع يديه على فرجه ، لم يجزئه في الستر.

____________________

(١) كَوْر العمامة : إدارتها على الرأس. لسان العرب ٥ : ١٥٥ « كور ».

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤ و ٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٥ ، المجموع ٧ : ٢٥٢ - ٢٥٣.

(٦) انظر : فتح العزيز ٧ : ٤٣٥.

٣٣٢

ولأنّ المـُحْرم مأمور بمسح رأسه ، وذلك يكون بوضع يده عليه.

وجوّز الحنابلة للمُحْرم أن يطلي رأسه بالعسل أو الصمغ ؛ ليجتمع الشعر ويتلبّد ، فلا يتخلّله الغبار ، ولا يصيبه الشَّعَث ، ولا يقع فيه الدبيب ؛ لما رواه ابن عمر ، قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يُهلّ ملبّداً(١) (٢) .

مسألة ٢٥٢ : يحرم عليه أن يرتمس في الماء بحيث يعلو الماء على رأسه‌ - وبه قال مالك(٣) - لأنّه مشتمل على تغطية الرأس.

ولما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « ولا ترتمس في ماء يدخل فيه رأسك »(٤) .

وفي الصحيح عن حريز عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا يرتمس المـُحرم في الماء »(٥) .

ويجوز أن يغسل رأسه ويفيض عليه الماء إجماعاً ؛ لأنّه لا يطلق عليه اسم التغطية ، وليس هو في معناها ، كالارتماس.

ولما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اغتسل المـُحْرم من الجنابة صبّ على رأسه الماء يميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض »(٦) .

وكذا يجوز للمُحْرم أن يدلك رأسه ويحكّه بيده ؛ لأنّ زرارة سأله عن المـُحْرم هل يحكّ رأسه أو يغسله بالماء؟ فقال : « يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة »(٧) .

____________________

(١) سنن النسائي ٥ : ١٣٦.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٨.

(٣) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ / ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٤٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ١٠٨٠.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٢.

٣٣٣

ولا يحلّ للمُحْرم أن يضع الطيب في رأسه بحيث يبقى إلى بعد الإِحرام ؛ لما تقدّم من تحريم استعمال الطيب.

وخالف فيه الجمهور(١) .

ولو خضب رأسه ، وجبت الفدية ، سواء كان الخضاب ثخيناً أو رقيقاً ؛ لأنّه ساتر ، وبه قال الشافعي(٢) .

وفصّل أصحابه بين الثخين والرقيق ، فأوجبوا الفدية في الأول دون الثاني(٣) .

وليس بمعتمد.

وكذا لو وضع عليه مرهماً له جرم يستر رأسه.

ولو طلى رأسه بعسل أو لبن ثخين فكذلك ، خلافاً للشافعي(٤) .

ولو طيّن رأسه ، وجبت الفدية عندنا.

وللشافعية وجهان كالوجهين فيما إذا طلى بالطين عورته وصلّى هل تجزئه؟(٥) .

مسألة ٢٥٣ : لا يشترط في وجوب الفدية استيعاب الرأس بالستر ، بل تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه ، لأنّ المنع من تغطية الجميع يقتضي المنع من تغطية بعضه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تخمّروا رأسه )(٦) والنهي عنه يُحرّم فِعْلَ بعضه.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩.

(٢) المغني ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ - ٤٣٧ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١١٠.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٣٦ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٨٥ - ٦٨٦ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٨ و ٩٩ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ و ١٩٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥.

٣٣٤

وكذلك لمـّا قال تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ ) (١) حرم حلق بعضه.

ولا فرق بين أن يكون ذلك لعذر أو لغير عذر ، فإنّ العذر لا يُسقط الفدية ، كما قال تعالى :( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ ) (٢) .

ولو افتقر إلى تعصيب الرأس بعصابة ، جاز عند الحاجة - وبه قال عطاء(٣) - لأنّه في محلّ الحاجة والضرورة ، وقد قال تعالى :( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يعصب المـُحْرم رأسه من الصداع »(٥) .

وسأل محمّدُ بن مسلم الصادقعليه‌السلام : عن المحرم يضع عصام(٦) القربة على رأسه إذا استقى ، فقال : « نعم »(٧) .

واختلفت العامّة في الاُذنين هل يحرم سترهما؟ فنصّ الشافعي على تسويغه(٨) .

ومنع أحمد منه(٩) ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( الاُذنان من الرأس )(١٠) .

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ - ٣٠٩ / ١٠٥٦.

(٦) العصام : رباط القِرْبة وسيرها الذي تُحمل به. الصحاح ٥ : ١٩٨٧ « عصم ».

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤.

(٨ و ٩ ) المغني ٣ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(١٠) سنن أبي داود ١ : ٣٣ / ١٣٤ ، سنن الترمذي ١ : ٥٣ / ٣٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٢ / ٤٤٣ - ٤٤٥ ، سنن البيهقي ١ : ٦٦ و ٦٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٩٧ / ١ - ٣ ، مسند أحمد ٥ : ٢٦٤ و ٢٦٨.

٣٣٥

ولو ستر بعض رأسه بيده ففي التحريم إشكال.

وجوّزه العامّة ؛ لأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر(١) .

وسأل سعيدُ الأعرج الصادقَعليه‌السلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده ، فقال : « لا ، إلّا من علّة »(٢) .

مسألة ٢٥٤ : لو غطّى رأسه ناسياً ، ألقى الغطاء وجوباً ، وجدّد التلبية استحباباً ، ولا شي‌ء عليه.

أمّا وجوب الإِلقاء : فلأنّ استدامة التغطية مع الذكر كابتدائها ؛ لما فيه من الترفّه ، بل هو في الاستدامة أقوى منه في الابتداء ، فإيجاب الفدية فيه أولى.

وأمّا استحباب التلبية : فلأنّ حريز بن عبد الله سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن محرم غطّى رأسه ناسياً ، قال : « يُلقي القناع عن رأسه ، ويلبّي ، ولا شي‌ء عليه »(٣) .

وكذا لو غطّاه حال نومه ؛ لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنّه سأل الصادقعليه‌السلام : عن المـُحْرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً ، قال : « يلبّي إذا ذكر(٤) »(٥) .

ولأنّ التغطية تنافي الإِحرام ، لأنّها مُحرَّمة فيه ، فاستحبّ تجديد ما ينعقد به ، وهو التلبية.

مسألة ٢٥٥ : يجوز للمُحْرم تغطية وجهه‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام ، وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٦٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٣.

(٤) في النسخ الخطية والحجرية : « ركب » وما أثبتناه من المصدر.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٠.

٣٣٦

وابن عباس وابن الزبير وزيد بن ثابت وجابر ومروان بن الحكم والقاسم وطاوس والثوري والشافعي وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها )(٢) والتفصيل قاطع للشركة.

وعن ابن عباس : أنّ مُحْرماً وقصت به ناقته غداة عرفات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يحشر يوم القيامة ملبّياً )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة - في الصحيح - قال : قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : الرجل المـُحْرم يريد أن ينام يغطّي وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا يخمّر رأسه »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرمة لا تتنقّب ، لأنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه »(٥) .

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى : يحرم عليه تغطية وجهه ، كالمرأة ، لتساويهما في تحريم الطيب ، فكذا التغطية.

ولأنّه قد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في المـُحْرم الذي وقصت به‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، الْأُم ٧ : ٢٤١ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، وليس في المصادر : عليعليه‌السلام .

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٧ / ١٠٥١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ ، وفيهما : عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام .

٣٣٧

ناقته : ( ولا تخمّروا وجهه ولا رأسه )(١) (٢) .

ويبطل القياس بلبْس القُفّازين ، والحديث ممنوع ، فإنّ المشهور فيه : ( ولا تخمّروا رأسه )(٣) .

مسألة ٢٥٦ : وإحرام المرأة في وجهها ، فيحرم عليها تغطية وجهها حال إحرامها ، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه ، ولا نعلم فيه خلافاً - إلّا ما روي عن أسماء أنّها كانت تغطّي وجهها وهي مُحْرمة(٤) ، ويحتمل أنّها كانت تُغطّيه بالسدل عند الحاجة ، فلا يكون اختلافاً - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها»(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد اجتمع في حقّ المـُحْرمة فعلان لا يمكن فعل أحدهما إلاّ بفعل ما ينافي الآخر : ستر الرأس وكشف الوجه ، فالقدر اليسير من الوجه الذي يلي الرأس يجوز لها ستره ، إذ لا يمكن استيعاب الرأس بالستر إلّا بستر ذلك الجزء ، وهذا أولى من تسويغ كشف جزء من الرأس تبعا لكشف‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٦٦ / ٩٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦.

(٢) المغني ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٦ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٨ ، المجموع ٧ : ٢٦٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٥ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٩.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ - ٨٦٧ / ٩٣ و ٩٤ و ٩٦ و ٩٩ و ١٠٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٩٣ و ٥ : ٧٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٥ - ١٩٧ ، المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٥) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

٣٣٨

جميع الوجه ، لأنّ الستر أحوط من الكشف.

ولأنّ المقصود إظهار شعار الإِحرام بالاحتراز عن التنقّب ، وستر الجزء المذكور لا يقدح فيه ، والرأس عورة كلّه ، فيُستر.

إذا ثبت هذا ، فإنّه يجوز لها أن تسدل ثوباً على وجهها فوق رأسها إلى طرف أنفها متجافياً عنه بخشبة وشبهها ، كما يجوز للرجل الاستظلال نازلاً ، عند علمائنا أجمع - وهو قول عامّة أهل العلم(١) - لما رواه العامّة عن عائشة ، قالت : كان الرُكْبان يمرّون بنا ونحن مُحْرمات مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جِلْبابها من رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه(٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه حريز - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « المـُحْرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن »(٣) .

ولأنّ بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها ، فلا يحرم عليها على الإِطلاق ، كالعورة.

ولا فرق بين أن تفعل ذلك لحاجة من دفع حَرٍّ أو بَرْدٍ أو فتنةٍ أو لغير حاجة.

قال الشيخرحمه‌الله : ينبغي أن يكون الثوب متجافياً عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة ، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة ، فلا شي‌ء عليها ، وإلّا وجب الدم(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٣١١ - ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٤٤٩ ، المجموع ٧ : ٢٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٦ ، بداية المجتهد ١ :٣٢٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٣ ، المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٧.

(٤) انظر : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٠.

٣٣٩

ويشكل بأنّ السدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة ، ولو كان شرطاً ، لبيّن ؛ لأنّه موضع الحاجة.

مسألة ٢٥٧ : يحرم على المرأة النقاب حالة الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ولا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين )(١) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إحرام المرأة في وجهها »(٢) .

ورواه العامّة أيضاً عن النبيعليه‌السلام (٣) .

وكذا يحرم عليها لُبْس البُرْقع ؛ لاشتماله على ستر الوجه.

ويجوز لها بعد الإِحلال أن تطوف متنقّبةً من غير كراهة له ؛ فإنّ المقتضي للمنع هو الإِحرام.

وكرهه عطاء ثم رجع عنه(٤) . وطافت عائشة متنقّبة(٥) .

مسألة ٢٥٨ : قد بيّنّا أنّه تجب الفدية بستر بعض الرأس كما تجب بستر جميعه.

وضبطه الشافعي بأن يكون المستور قدراً يقصد ستره لغرض من الأغراض ، كشدّ عصابة وإلصاق لصوقٍ لشجّةٍ ونحوها.

ثم قال : لو شدّ خيطاً على رأسه ، لم يضرّ ، ولا تجب الفدية ؛ لأنّ ذلك لا يمنع من تسميته حاسر الرأس(٦) .

وهو ينقض الضابط المذكور ؛ فإنّ شدّ المقدار الذي يحويه شدّ الخيط‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ٢٩٤ / ٢٦٠ ، المغني ٣ : ٣١٠ - ٣١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٠.

(٤) المغني ٣ : ٣١٢ - ٣١٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٥) المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٣٧ - ٤٣٨ ، المجموع ٧ : ٢٥٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531