مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام11%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50180 / تحميل: 4070
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

ولا يكون الاشتغال به من الاول إلا مقيدا بعدم عروضه فلا يقين باشتغال الذمة بالتكليف به إلا إلى هذا الحد فلا يجب رعايته فيما بعده ولا يكون إلا من باب

______________________________

من جهة قصور المكلف لا المكلف به كما في الاول، وشرطية وجود الموضوع راجعة إلى شرطية عدم المانع من اشتغال ذمة المكلف فان الاناء المفقود مما لا قصور في مفسدته ولا في تعلق الكراهة بشربه إلا ان العلم بكراهته لا يصلح ان يكون موجبا لاشتغال الذمة به فيمتنع ان يكون وجوده شرطا للتكليف الذي هو في الحقيقة شرط نفس الارادة والكراهة ذاتا كما في القدرة أو عرضا كما في عدم الاضطرار، فوجود الموضوع والابتلاء به نظير وجود الحجة على التكليف ليس شرطا للتكليف وان كان شرطا للاشتغال في نظر العقل، وهذا واضح لدى التأمل، إنما الاشكال فيما ذكره من كون تنجز الباقي بعد الفقد بقاعدة الاشتغال إذا من المعلوم ان القاعدة المذكورة إنما تجري في كل ما يحتمل انه المنجز والباقي بعد الفقدان مما لا يحتمل فيه ذلك إذ المنجز إن كان هو العلم حال الفقدان فبطلانه ظاهر لعدم صلاحيته لذلك من جهة الفقدان، وان كان هو العلم قبل الفقدان فذلك العلم طرفاه المفقود والباقي معا قبل زمان الفقدان لا مطلقا فليس الوجه في تنجز الباقي إلا انه طرف لعلم اجمالي قائم بين التدريجيين وهما المفقود قبل فقده والباقي بعد الفقدان كما اشار إليه في الحاشية، وحينئذ فلا فرق بين الاضطرار والفقدان من هذه الجهة فبالنظر إلى العلم الاجمالي بين الدفعيين لا تنجز للباقي في المقامين، والى العلم الاجمالي بين التدرجيين يتنجز الباقي في المقامين، وصحة التقييد في الاضطرار وعدمها في الفقدان إنما يوجبان الفرق في حصول العلم الاجمالي بالتكليف بعد الفقدان وحصوله بعد الاضطرار، وذلك لا يوجب فرقا في منجزية الباقي بعد الفقدان لأن العلم الحاصل حين الفقدان لا أثر له في المنجزية بعد خروج بعض اطرافه عن محل الابتلاء. وعليك بالتأمل وهو سبحانه المستعان (قوله: ولا يكون الاشتغال به) هذا الأثر مشترك بين الاضطرار والفقدان لما عرفت ان

٣٠١

* الاحتياط في الشبهة البدوية فافهم وتأمل فانه دقيق جدا (الثاني) انه لما كان (١) النهي عن الشئ إنما هو لأجل أن يصير داعيا للمكلف نحو تركه لو لم يكن له داع آخر ولا يكاد يكون ذلك إلا فيما يمكن عادة ابتلاؤه به وأما ما لا ابتلاء به بحسبها فليس للنهي عنه موقع أصلا ضرورة أنه بلا فائدة ولا طائل بل يكون من قبيل طلب الحاصل كان الابتلاء بجميع الأطراف مما لابد منه في تأثير العلم فانه بدونه لا علم بتكليف فعلي لاحتمال تعلق الخطاب بما لا ابتلاء ومنه قد انقدح

______________________________

الفقدان من موانع الاشتغال فلا يكون الاشتغال الا قبله فهو من حدود الاشتغال وان لم يكن من حدود نفس التكليف كالاضطرار (قوله: داعيا للمكلف) يعني داعيا عقليا بحيث يكون عدمه ارجح من وجوده في نظره لما يترتب على الوجود من استحقاق العقاب (قوله: يكون ذلك) يعني صيرورته داعيا (قوله: بحسبها) اي بحسب العادة (قوله: طلب الحاصل) لحصول الغرض وهو عدم المفسدة (قوله: كان الابتلاء بجميع الأطراف) هذا جواب (لما) في قوله: لما كان النهي. وحاصل المراد: انه يعتبر في صحة النهي عن شئ كونه في معرض ابتلاء المكلف إذ لو لم يكن كذلك كان تركه مستندا إلى عدم حصول الداعي إلى فعله فلا مجال للنهي عنه لأنه من قبيل تحصيل الحاصل، وحينئذ إذا كان بعض اطراف المعلوم بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء لا يكون ذلك العلم الاجمالي منجزا وموجبا للاحتياط فيما هو محل الابتلاء من الأطراف لاحتمال كون المعلوم منطبقا على ما هو خارج عن محل الابتلاء فلا يكون التكليف به فعليا. وتوضيح الحال: ان موضوع التكليف (تارة) يكون في معرض الابتلاء للمكلف فيحسن ان يخاطب بالاجتناب عنه مطلقا كما في بعض اواني المكلف التي

______________

(١) كما انه إذا كان فعل الشئ الذي كان متعلقا لغرض المولى مما لا يكاد عادة ان يتركه العبد وان لا يكون له داع إليه لم يكن الامر به والبعث إليه موقع اصلا كما لا يخفى. منه قدس سره

٣٠٢

تكون تحت يده (واخرى) لا يكون كذلك فلا يحسن الخطاب به الا مشروطا بالابتلاء كما في الاواني التى قد تقتضي العادة نادرا ابتلاءه بها كأواني الملك بالنسبة إلى سواد الرعية فانه لا يصح ان تقول له: اجتنب عن اناء الملك مطلقا، وان صح ان تقول له: إن دخلت بيت الملك فاجتنب الاناء الفلاني (وثالثة) لا يصح الخطاب به لا مطلقا ولا مشروطا كالثوب يلبسه انسان معين من سواد الرعية وسكان البراري والقفار بالنسبة إلى الملك فلا يحسن خطاب الملك بالاجتناب عنه مطلقا لا مطلقا ولا مشروطا، وقد عرفت في الحاشية السابقة انه لا قصور في مفسدة الموضوع المذكور من حيث اقتضائها الكراهة حيث انها مفسدة بلا مزاحم ولا في تحقق الكراهة لقدرة المكلف على الارتكاب والاجتناب غاية الأمر أنه لا يحسن الخطاب به لحصول الصوارف العادية عنه بحيث يعد النهي عنه من قبيل تحصيل الحاصل لغوا ومن هنا وقع الاشكال في اعتبار هذا الشرط في منجزية العلم الاجمالي، فمنعه بعض زعما منه أن امتناع الخطاب لا يقدح في منجزية العلم بعد تعلقه بالارادة الكامنة في نفس المولى إذ الخطاب لا موضوعية له في المنجزية به هو ملحوظ طريقا إلى تلك الارادة وحاكيا عنها، ولذا لو علمت الارادة المذكورة مع العلم بعدم الخطاب لمانع وجب موافقتها، كما أنه لو علم بالخطاب وعلم بعدم الارادة لم تجب الموافقة في نظر العقل فإذا كان المنجز هو العلم بالارادة فهو حاصل، ولو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء ويترتب حينئذ وجوب الاحتياط فيما هو محل الابتلاء (والجواب): أن المانع من الخطاب في المقام ليس الا كونه بحيث لا يوجب تحميلا على المكلف والقاء له في كلفة التكليف، وهذا مما لا يمنع أن يكون العلم مما يترتب عليه الأثر أعني المنجزية واشتغال الذمة إذ لو ترتب عليه ذلك كان مترتبا بعينه على الخطاب ويكون به حسنا والمفروض خلافه. وبالجملة: العلم من قبيل الخطاب فالالتزام بقبح الخطاب ولغويته وعدم ترتب اثر عليه ملازم لالتزام ذلك في العلم بعينه وهو ينافي كونه منجزا وموجبا لاشتغال ذمة العبد كما هو

٣٠٣

* أن الملاك في الابتلاء المصحح لفعلية الزجر وانقداح طلب تركه في نفس المولى فعلا هو ما إذا صح انقداح الداعي إلى فعله في نفس العبد مع اطلاعه على ما هو عليه من الحال ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشئ بعد الفراغ عن صحة الاطلاق بدونه

______________________________

ظاهر بادنى تأمل (قوله: ان الملاك في الابتلاء المصحح) يعني أن الميزان الذي يعرف به كون الموضوع مبتلي به وغير مبتلى به هو كون العلم به موجبا لحدوث الداعي في نفس العبد إلى الترك أو غير موجب لذلك فان كان موجبا له فالموضوع مبتلي به إذ لا معنى لتحميل العبد وايقاعه في الكلفة الا التسبب إلى ايجاد ذلك الداعي العقلي إلى الفعل أو الترك فلو لم يكن موجبا لذلك الداعي فالموضوع غير مبتلي به (قوله: ولو شك في ذلك كان المرجع) يعني لو شك في الابتلاء للشك في صحة انقداح الداعي إلى ترك المعلوم بالاجمال فالمرجع فيما هو محل الابتلاء من الاطراف اصل البراءة لعدم القطع باشتغال الذمة بالمعلوم بالاجمال ليجب فيه الاحتياط من جهة الشك في الشرط، لكن لا يخفى أن الابتلاء ليس شرطا للاشتغال والتنجز العقلي بوجوده الواقعي حتى يكون الشك فيه شكا فيه بل هو شرط بوجوده العلمي فما لم يعلم الابتلاء يعلم بعدم حكم العقل بالاشتغال، فلا يخلو التعبير من مسامحة (قوله: لا اطلاق الخطاب) يعني ليس المرجع اطلاق الخطاب كما قد يظهر من كلام شيخنا الاعظم (ره) في رسائله لأن الاطلاق إنما يكون مرجعا فيما إذا احرزت صحته وشك في مطابقته للواقع وعدمها من جهة الشك في التقييد وعدمه لا ما إذا علم بمطابقته للواقع وشك في صحته وعدمها، والمقام من الثاني لما عرفت أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء لا قصور في ثبوت التكليف به لثبوت مقتضيه وعدم المزاحم له غاية الامر انه لا يحسن الخطاب به للغويته وعدم ترتب فائدة عليه وذلك إنما يوجب عدم صحته لانه في ظرف ثبوته لا يكون

٣٠٤

* لا فيما شك في اعتباره في حصته (١) تأمل لعلك تعرف انشاء الله تعالى (الثالث) انه قد عرفت أنه مع فعلية التكليف المعلوم لا تفاوت بين أن يكون أطرافه محصورة وأن يكون غير محصورة (نعم) ربما يكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر موافقته القطعية باجتناب كلها أو ارتكابه أو ضرر فيها أو غيرهما مما لا يكون معه التكليف فعليا بعثا أو زجرا فعلا وليس بموجبة لذلك في غيره كما أن نفسها ربما يكون موجبة لذلك ولو كانت قليلة في مورد آخر فلابد من ملاحظة ذاك الموجب لرفع فعلية التكليف المعلوم بالاجمال أنه يكون اولا يكون في هذا المورد أو يكون مع كثرة أطرافه وملاحظة أنه مع آية مرتبة من كثرتها كما لا يخفى ولو شك في عروض الموجب فالمتبع هو إطلاق دليل التكليف لو كان وإلا فالبراءة لأجل الشك في

______________________________

مطابقا للواقع بخلاف سائر المطلقات مثل اكرم العالم إذا شك في تقييده بالعدالة فان الشك في التقييد المذكور إنما يوجب الشك في مطابقة اطلاق العالم الشامل للفاسق والعادل للواقع مع القطع بصحته، ولو كان غير مطابق للواقع فضمير (به) راجع إلى الاطلاق و (بشئ) متعلق بالتقييد، و (بعد) ظرف لشك، وضمير (بدونه) راجع إلى التقييد (قوله: لا فيما شك) يعني لا يتشبث بالاطلاق إذا شك في وجود ما يعتبر في صحته كالابتلاء الذي هو شرط صحة اطلاق الخطاب (قوله: أو ضرر فيها) أي في الموافقة القطعية (قوله: أو غيرهما) أي غير العسر والضرر مثل خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء (قوله: وليس بموجبة) معطوف على موجبة (قوله: ان نفسها) اي الموافقة القطعية (قوله: ولو كانت) يعني الاطراف (قوله: مع أية مرتبة) إذ قد تكون بعض مراتب الكثرة موجبة وبعض مراتبها غير موجبة (قوله: فالمتبع هو اطلاق دليل) من الواضح أن ادلة العسر والحرج والضرر مقيدة لأدلة

______________

(١) نعم لو كان الاطلاق في مقام يقتضي بيان التقييد بالابتلاء لو لم يكن هناك ابتلاء مصحح للتكليف كان الاطلاق وعدم بيان التقييد دالا على فعليته ووجود الابتلاء المصحح لها كما لا يخفى فافهم. منه قدس سره

٣٠٥

* التكليف الفعلي. هذا هو حق القول في المقام وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو من الجزاف (الرابع) أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الاطراف مما يتوقف على اجتنابه أو ارتكابه حصول العلم باتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في البين دون غيرها وان كان حاله حال بعضها في كونه محكوما بحكم واقعا. ومنه ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شئ مع أحد أطراف النجس المعلوم بالاجمال وانه (تارة) يجب الاجتناب عن الملاقي دون ملاقيه فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها فانه إذا اجتنب عنه وطرفه اجتنب عن النجس في البين قطعا ولو لم يجتنب عما يلاقيه فانه على تقدير نجاسته لنجاسته كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشئ آخر شك في نجاسته بسب آخر.

______________________________

الاحكام الأولية وان كانت بلسان الحاكم فهي رافعة لنفس التكليف في ظرف ثبوته واقعا فمع الشك فيها يكون الشك في مطابقة الاطلاق للواقع فاصالة الاطلاق فيه حجة لولا أن الشبهة مصداقية، فالتمسك بها يتوقف على حجية اصالة العموم والاطلاق في الشبهات المصداقية. نعم تختص الشبهة في المقام بكون الأصل العقلائي فيها هو الاحتياط نظير الشك في القدرة لكون الشك في المزاحم مع احراز مقتضي التكليف وفي مثله يبني على عدم المزاحم، ومنه يظهر أنه لا يتضح الوجه في حكمه بالرجوع إلى اصالة الاطلاق ومع عدمه فالرجوع إلى البراءة إذ المرجع اصالة عدم المزاحم سواء كان هناك اطلاق أم لم يكن، وان هذا هو حق القول في المقام. فلاحظ (قوله: دون غيرها) إذ هو بعد ما لم يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه لا مقتضي للاحتياط فيه (قوله: فيما كانت الملاقاة بعد العلم) اعلم انه إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين مثلا ثم علم بملاقاة اناء ثالث لأحدهما فلا ريب في انه بعد العلم بالملاقاة يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو صاحب الملاقى - بالفتح - فيكون حينئذ علمان يشتركان في طرف واحد وهو صاحب الملاقى - بالفتح - ويختلفان بالمتلاقيين، ومقتضى حجية العلم الاجمالي وجوب الاحتياط في

٣٠٦

الملاقي - بالكسر - كما يجب في الملاقى - بالفتح - وصاحبه (وقد) يدفع وجوب الاحتياط فيه بان التكليف بالاجتناب عنه تكليف زائد على التكليف المعلوم بالاجمال والأصل فيه البراءة (وفيه) أنه يمكن دعوى ذلك بالنسبة إلى الملاقى - بالفتح - فانه يعلم اجمالا بوجوب الاجتناب إما عن الملاقي - بالكسر - أو عن صاحب الملاقى - بالفتح - والتكليف بالملاقى تكليف زائد يرجع فيه إلى أصل البراءة، ولا مرجح لملاحظة العلم بين الاصليين على ملاحظة هذا العلم الحادث بل التحقيق انه هنا علم واحد قائم بين المتلاقيين والطرف الآخر كما لو علم اجمالا اما بوجوب اكرام زيد وعمرو وإما بوجوب اكرام خالد الذي لا اشكال في وجوب الاحتياط التام فيه باكرام الجميع (وقد يدفع) كما قد يظهر من شيخنا الاعظم قدس سره في رسائله بان طهارة الملاقي - بالكسر - ونجاسته لما كانت من آثار طهارة الملاقى - بالفتح - ونجاسته، وكان ذلك موجبا لامتناع جريان الاصل في الأول في عرض جريانه في الثاني للسببية والمسببية الموجبة للترتب بينهما كما سيأتي انشاء الله بيانه في محله، كانت المعارضة بين اصالتي الطهارة أو استصحابهما في الاصليين لا غير، وبعد تساقطهما يرجع إلى اصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - بلا معارض (وفيه) أنه مبني على القول بأن المانع من جريان الأصل في طرف العلم الاجمالي هو المعارضة دون العلم الاجمالي المبتني على كون العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية الحاصلة من جريان الأصل في تمام الأطراف دون وجوب الموافقة القطعية، وقد عرفت ان التحقيق هو الثاني وحينئذ لا مجال لجريان الأصل في بعض الاطراف وان لم يكن له معارض لأن اجراءه مخالفة احتمالية مضافا إلى أن أصالة الطهارة في الملاقي - بالكسر - معارضة باصالة الحل في الاصليين لانها فيهما اصل مسببي يرجع إليها بعد تعارض اصالة الطهارة فيهما وبعد التعارض يرجع إلى اصالة الحل في الملاقي - بالكسر - ولازم ذلك جواز شربه وعدم ترتيب آثار الطهارة عليه. نعم لو كان مسبوقا بالطهارة أمكن في بعض الصور معارضة أصالة الحل فيهما باستصحاب الطهارة فيه وبعد التعارض يرجع إلى اصل الطهارة فيه. لكن قد يكون الأصليان مسبوقين بالحل فيتعارض استصحاب الحل فيهما باستصحاب

٣٠٧

الطهارة فيه ثم يتعارض اصل الحل فيهما بقاعدة الطهارة فيه ويرجع فيه إلى اصل الحل لا غير. فتأمل جيدا (وقد يدفع) بما يظهر من المصنف (ره) من أن العلم القائم بين الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى لما كان حادثا بعد العلم الاول لم يكن منجزا لأن احد طرفيه منجز بالعلم الأول وقد عرفت أنه إذا كان لبعض الأطراف منجز تعييني امتنع تنجيز العلم الاجمالي لمتعلقه ومن هنا لو انعكس الفرض بان تأخر العلم الاجمالي القائم بين الاصليين وجب الاحتياط في الملاقي - بالكسر - وصاحب الملاقى - بالفتح - ولم يجب الاحتياط فيه كما بينه في الصورة الثانية، ولو اقترن العلمان زمانا وجب الاحتياط في الجميع لحدوث العلمين في اطراف غير منجزة (وفيه) انك قد عرفت الاشارة سابقا إلى أن وجوب الاجتناب عن النجس إذا تعلق به العلم في زمان وبقي ممتدا بامتداد الزمان فتنجزه في كل آن يستند إلى العلم في ذلك الآن لا إلى العلم فيما قبله وحينئذ فوجوب الاجتناب عن أحد الأصليين في حال حدوث العلم الثاني يكون تنجزه مقارنا لتنجز وجوب الاجتناب إما عن الملاقي بالكسر أو عن الطرف الثالث ويكون الحال كما لو علم دفعة اما بنجاسة المتلاقيين أو بنجاسة الطرف الثالث في وجوب الاحتياط في الجميع (فان قلت): ما ذكرت من اناطة التنجز بالعلم حدوثا وبقاء هل يختص بالتكليف الممتد المنحل إلى تكاليف متعددة بتعدد الزمان كوجوب الاجتناب عن النجس أو يعم ما لم يكن كذلك كوجوب صوم أول يوم من الشهر ؟ وما الموجب لهذه الدعوى ؟ (قلت): لا فرق بين القسمين فإذا علم المكلف قبل الهلال بايام أنه يجب عليه صوم أول الشهر فمجرد حدوث العلم موجب لتنجز وجوب الصوم فإذا بقي العلم بقي التنجز. إذا انتفى العلم لحدوث شك سار ارتفع التنجز، والموجب لدعوى ذلك: أنه لو كان مجرد حدوث العلم موجبا لحدوث التنجز وبقائه كان اللازم حكم العقل بوجوب الامتثال ولو بعد ارتفاع العلم بوجوب الصوم وهو ظاهر البطلان (فان قلت): كيف يكون ظاهر البطلان مع انه لو تردد اليوم الواجب الصوم بين يومين وصام أحدهما فانه يرتفع العلم وجوب الصوم مع بقاء تنجز وجوب صوم اليوم المردد، ولذا نقول بوجوب صوم اليوم الثاني (قلت):

٣٠٨

لا نسلم أنه بعد صوم اليوم الاول من اليومين يرتفع العلم بوجوب صوم اليوم المردد بل هو بعد باق حتى لو صام الثاني منهما ايضا، غاية الامر يعلم بسقوط الوجوب للعلم بالامتثال وهو لا ينافى العلم بالثبوت فبعد صوم اليوم الاول يستند تنجز صوم اليوم المردد حينئذ إلى العلم في ذلك الزمان (فان قلت): كيف يكون العلم بوجوب صوم اليوم المردد منجزا بعد صوم أحدهما أو افطاره مع أن بعض أطرافه خارج عن محل الابتلاء فوجوب صوم اليوم الثاني إنما يكون لقاعدة الاشتغال التي هي عين وجوب دفع الضرر المحتمل لا لأجل العلم (قلت): لا يعتبر في بقاء التنجز لبقاء العلم بقاء تمام الأطراف تحت الابتلاء وانما يعتبر ذلك في حدوث التنجز وأما وجوب صوم اليوم الثاني لقاعدة الاشتغال فهو فرع منجزية العلم في تلك الحال واشغاله لذمة المكلف ولولاه لا معنى لقاعدة الاشتغال، فوجوب الاحتياط عقلا في كل واحد من الأطراف في كل آن لأجل احتمال كون الطرف هو الواجب المنجز في ذلك الآن وهو فرع تنجز المعلوم الاجمالي بالعلم في ذلك الآن، ولا فرق في ذلك بين ما قبل الشروع في واحد من الأطراف وما بعده وان حصل احتمال الموافقة في الثاني فقاعدة الاشتغال بما هي هي ليست منجزة بل هي فرع وجود منجز وشاغل لذمة المكلف يحتمل انطباقه على مجراها، فلابد من وجود ذلك المنجز وهو العلم وإن كان بعض أطرافه خارجا عن محل الابتلاء إذ لا يقدح ذلك عقلا إلا في حدوث التنجز. فتأمل (وقد يدفع) ايضا بان العلم بنجاسة الملاقي - بالكسر - أو طرف الملاقى ناشئ من العلم الاجمالي بنجاسة أحد الأصليين فيكون متأخرا عنه رتبة، وحينئذ فلا يصلح لأن ينجز متعلقه لأن أحد طرفيه متنجز بالعلم السابق رتبة، ولأجل ذلك تختلف الصور في وجوب الاجتناب عن الملاقي - بالكسر - دون الملاقى - بالفتح - أو العكس أو وجوب الاجتناب عنهما باختلاف كون العلم الذي أحد طرفيه الملاقي - بالكسر - ناشئا مما كان أحد طرفيه الملاقى (بالفتح) أو العكس أو كونهما ناشئين عن سبب ثالث (وفيه) أن العلم المذكور وإن كان ناشئا عن العلم بنجاسة أحد الأصليين إلا أن العلم بالنجاسة ليس منجزا حتى يمنع تنجيزه لطرفيه من تنجيز العلم

٣٠٩

ومنه ظهر أنه لا مجال لتوهم ان قضية تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه ايضا، ضرورة ان العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه لا تنجز الاجتناب عن فرد آخر لم يعلم حدوثه وإن احتمل

______________________________

الثاني لأنه علم بالموضوع وهو لا يصلح للمنجزية بل المنجز هو العلم بوجوب الاجتناب عن أحدهما الناشئ من العلم بالنجاسة وهو مما لا يكون علة للعلم بوجوب الاجتناب الذى طرفه الملاقي (بالكسر) أصلا بل هما معلولان لعلة واحدة فلا يصلح أن يكون احدهما مانعا عن منجزية الآخر، وعلى هذا فلم يتضح الوجه فيما هو المشهور من طهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، وان كان هو الذي يقتضيه المذاق الفقهي. وكأن الوجه فيه: أن السبق الزماني لأحد العلمين موجب لاستناد التنجز إليه دون اللاحق وإن قلنا بأن التنجز يستند إلى العلم حدوثا وبقاء - كما ذكرناه آنفا - إذ غاية ما يقتضي اقتران العلمين حدوث احدهما مع بقاء الآخر، لكن ذلك لا ينافي استناد التنجز عند العقلاء إلى السابق، فان الانحلال الموجب لسقوط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا - كما عرفت - ولا عقليا ايضا - كما يقتضيه النظر الدقيق - بل هو عقلائي، والعقلاء مع اختلاف العلمين بالسبق واللحوق لا يرون للاحق أثرا في المنجزية، لا بنحو الاستقلال ولا بنحو الانضمام، وحينئذ يتعين التفصيل بين الصور - كما ذكره المصنف (ره) - ثم انه لا مجئ لشبهة معارضة أصل الطهارة في الملاقي (بالكسر) لاصل الحل في الاصليين على مسلك المصنف - رحمه الله - وما بعده لأن العلم الاجمالي بين الاصليين لما كان منجزا استند سقوط الاصول إليه فلا يرجع إلى الاصل في الملاقي بالكسر الا بعد تنجيز العلم القائم بين الاصليين المانع من جريان الاصول فيهما ففي رتبة جريان الاصل في الملاقي (بالكسر) لا مجال لجريان الاصول في الاصليين حتى تتوهم المعارضة بينهما بل تختص المعارضة على مسلك الشيخ - رحمه الله - لا غير كما ذكرنا (قوله: ومنه ظهر انه لا مجال لتوهم) يعني ما ذكره من قوله:

٣١٠

(واخرى) يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم اجمالا نجاسته أو نجاسة شئ آخر ثم حدث العلم بالملاقات والعلم بنجاسة الملاقى أو ذاك الشئ ايضا فان حال (١) الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفا للعلم الاجمالي وانه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة اصلا لا اجمالا ولا تفصيلا

______________________________

كان فردا آخر. وغرضه بهذا الكلام الاشارة إلى ما عن ظاهر ابن زهرة من أن المتنجس من شؤون نفس النجس فوجوب الاجتناب عن النجس يقتضي الاجتناب عنه وعما لاقاه نظير وجوب اكرام زيد المقتضي لاكرامه واكرام ولده وخادمه وسائر توابعه، فالخروج عن عهدة وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالاجمال يتوقف على الاجتناب عن الملاقي لاحتمال انطباقه على الملاقى (بالفتح) المقتضي وجوب اجتنابه حينئذ لاجتناب ملاقية حينئذ، ويكون الحال كما لو قسم أحد الاناءين قسمين فانه يجب الاحتياط فيهما ولا يرجع في أحدهما إلى أصل الطهارة أو غيره من الاصول النافية. وحاصل دفع المصنف - رحمه الله - له: المنع عن ذلك وان الملاقاة للنجس تقتضي تنجس الملاقي له فيحدث فرد آخر للنجس يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن الملاقى غاية الأمر ان للنجس فردين ذاتيا وعرضيا، ولذلك لا تجري أحكام النجس على المتنجس به فان نجاسة البول تذهب بالغسل مرتين وليس كذلك المتنجس به بل إما أن تذهب بالغسل مرة لو كان اطلاق أو يحتاج إلى الغسل ثلاثا لو لم يكن اطلاق. فتأمل (قوله: واخرى يجب الاجتناب) معطوف على قوله: تارة يجب الاجتناب... الخ (قوله: عما لاقاه دونه) يعني عن الملاقى (بالكسر) دون الملاقى (بالفتح) (قوله: فان حال الملاقي) يعني الملاقى (بالفتح) ووجه كون حاله في هذه الصورة حال الملاقى (بالكسر) في الصورة السابقة أنه طرف لعلم اجمالي قائم بينه وبين شئ قد تنجز بعلم سابق على هذا العلم قائم به والملاقي بالكسر فصار كأنه مشكوك بدوا لانحلال العلم الذي هو طرفه بتنجز أحد طرفيه بالعلم السابق، وحيث أن المصنف - رحمه الله - يدعى الانحلال الحقيقي

______________

(١) وان لم يكن احتمال نجاسة ما لاقاه الا من قبل ملاقاته. منه قدس سره

٣١١

(وكذا) لو علم بالملاقات ثم حدث العلم الاجمالي ولكن كان الملاقي خارجا عن محل الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلي به بعده (وثالثة) يجب الاجتناب عنهما فيما لو حصل العلم الاجمالي بعد العلم بالملاقاة ضرورة انه حينئذ يعلم اجمالا اما بنجاسة الملاقي والملاقى أو بنجاسة الآخر كما لا يخفى فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهو الواحد أو الاثنان (المقام الثاني): في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين

______________________________

بتنجز أحد أطراف العلم قال غير معلوم النجاسة... الخ، ولو كان يرى الانحلال الحكمي لقال: ليس طرفا لعلم اجمالي منجز (قوله: وكذا لو علم) يعني يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر ايضا دون الملاقى لو علم بملاقاة اناء مثلا لآخر ثم خرج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء ثم علم اجمالا بنجاسته قبل الملاقاة أو اناء ثالث فانه حينئذ يحدث علم اجمالي بنجاسة الملاقي بالكسر أو صاحب الملاقى بالفتح فيحدث بسببه علم بوجوب الاجتناب عن أحدهما فيجب الاحتياط فيهما والعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى بالفتح أو صاحبه لا أثر له لخروجه عن محل الابتلاء فإذا اتفق ان صار في محل الابتلاء لا يجب الاجتناب عنه لما تقدم في الملاقي بالكسر في الصورة السابقة من أنه فرد آخر مشكوك بدوا وليس طرفا لعلم اجمالي منجز. هذا وقد عرفت في الصورة السابقة الاشكال الجاري في هذين الفرضين بعينه الموجب للاحتياط فلاحظ (قوله: عنهما) يعني المتلاقيين.

الأقل والأكثر الارتباطيان

(قوله: الارتباطيين) المراد من الأكثر الارتباطي هو المركب من أمرين أو أمور يترتب عليها غرض واحد أو أغراض متعددة متلازمة في مقام الثبوت والسقوط بحيث لا يترتب الأثر المقصود على بعضها الا في ظرف وجود الباقي ومن هنا لا يسقط الأمر ببعضها الا في ظرف سقوط الأمر بالباقي ويقابله الأكثر

٣١٢

(والحق) أن العلم الاجمالي بثبوت التكليف بينهما ايضا يوجب الاحتياط عقلا باتيان الأكثر لتنجزه به حيث تعلق بثبوته فعلا (وتوهم) انحلاله إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الاكثر بدوا ضرورة لزوم الاتيان بالاقل لنفسه شرعا

______________________________

الاستقلالي فان كل واحد من أجزائه يترتب عليه الغرض مطلقا ولو في ظرف عدم الباقي كصوم شهر رمضان فان صوم كل يوم يترتب عليه الغرض ولو مع عدم صوم بقية أيامه، وعلى هذا فلا يعتبر في محلا الكلام أن يكون الأقل ارتباطيا بل لو كان الأقل بسيطا والأكثر المركب من ذلك الأقل وغيره ارتباطيا كان محلا للكلام من حيث البراءة والاشتغال (قوله: والحق أن العلم الاجمالي بثبوت) من الواضح أن الأقل لما كان داخلا في الاكثر وبعضا منه كان الوجوب النفسي على تقدير ثبوته للأكثر ثابتا للأقل أيضا غايته أنه لم يثبت له وحده بل ثبت له مع غيره، وحينئذ فلا اجمال في المعلوم حتى يسري الاجمال إلى العلم ويحكم بأن التكليف الثابت للأقل أو الأكثر معلوم بالاجمال، بل التكليف للأقل معلوم تفصيلا وللزائد على الأقل مشكوك بدوا، وحينئذ كان اللازم على المصنف - رحمه الله - التصدي لوجه منجزية العلم بالتكليف على النحو المذكور لوجوب الأكثر، مع أن الزائد على الأقل مما لم يعلم لا تفصيلا ولا إجمالا فهو لا معلوم ولا مما يحتمل انطباق المعلوم عليه، ولا يحسن قياس العلم المذكور بالعلم الاجمالي المردد بين المتباينين لوضوح الفرق بينهما فان المعلوم بالاجمال هناك محتمل الانطباق على كل واحد من الاطراف، والمعلوم هنا معلوم الانطباق على الاقل تفصيلا وعدم الانطباق على الاكثر كذلك، ولذا لا ريب في حصول مثل هذا العلم في الاقل والاكثر الاستقلالي، مع أنه لا مجال لتوهم وجوب الاحتياط فيه باتيان الأكثر وحيثية الارتباط والاستقلال لا دخل لها في وجود العلم الاجمالي وعدمه كما هو ظاهر بأدنى تأمل. نعم لو كان بناؤه على امكان ثبوت الوجوب الغيري للأجزاء المبتني على أخذ الحدود

٣١٣

أو لغيره كذلك أو عقلا ومعه لا يوجب تنجزه لو كان متعلقا بالاكثر (فاسد) قطعا لاستلزام الانحلال المحال بداهة توقف لزوم الاقل فعلا إما لنفسه أو لغيره على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر فلو كان لزومه كذلك مستلزما لعدم تنجزه

______________________________

الذهنية في موضوع الوجوب الغيري كان اجمال المعلوم وتردده بين الاقل بشرط لا والاكثر محققا، إلا أن الذي صرح به في مقدمة الواجب خلافه وان كان قد يظهر منه هنا ارتضاؤه، كما سيأتي الاشارة إليه في وجه الانحلال. هذا ومما يمكن أن يوجه به اجمال العلم بنحو يقتضي الاحتياط أن الاقل وان كان معلوما وجوبه إلا أنه لا اطلاق له من حيث انفراده عن الزائد واجتماعه معه، بل هو مهمل من حيث الحالين، والاجمال الاحوالي كالاجمال الافرادي يقتضي عدم جواز الاقتصار على الاقل في حال الانفراد للشك في وجوبه في تلك الحال، وكأن المصنف - رحمه الله - اكتفى في وجه منجزية الاكثر بما سيأتي في نقض دعوى الانحلال. فتأمل وانتظر (قوله: أو لغيره كذلك) يعني شرعا بناء على وجوب المقدمة شرعا أو عقلا بناء على وجوبها عقلا لا غير، وهذا مبني على أخذ الحدود الذهنية في موضوع التكليف الغيري كما أشرنا إليه (قوله: فاسد قطعا) لان العلم تفصيلا بالوجوب المردد بنى النفسي والغيري للأقل ناشئ من العلم اجمالي بالوجوب النفسي اجمالا، وقد تقدم في مبحث الانحلال أن مثله لا يوجب الانحلال فراجع. نعم لو قرر الانحلال بالعلم التفصيلي بالوجوب النفسي للأقل بناء على ثبوت الوجوب النفسي للأجزاء - كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة - لم يكن مجال لهذا الاشكال إذ ليس لنا الا علم واحد وهو هذا العلم كما عرفت لا علمان ينشأ أحدهما من الآخر (قوله: لاستلزام الانحلال المحال) يعني الخلف (قوله: لزوم الاقل فعلا) يعني تنجز الاقل والا فلزومه واقعا لا يتوقف على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر بل يكفي فيه ثبوت التكليف واقعا إما للاقل أو للاكثر وهو معلوم فيكون لزوم الاقل إما لنفسه أو لغيره معلوما. نعم

٣١٤

الا إذا كان متعلقا بالاقل كان خلفا، مع انه يلزم من وجوده عدمه لاستلزامه عدم تنجز التكليف على كل حال المستلزم لعدم لزوم الاقل مطلقا المستلزم لعدم الانحلال وما يلزم من وجوده عدمه محال (نعم) انما ينحل إذا كان الاقل ذا مصلحة ملزمة فان وجوبه حينئذ يكون معلوما له وإنما كان الترديد لاحتمال ان يكون الاكثر

______________________________

تنجز التكليف بالأقل المردد بين النفسي والغيري يتوقف على تنجز التكليف النفسي مطلقا ولو كان قائما بالأكثر إذ لو لم يكن منجزا على تقدير قيامه بالاكثر امتنع تنجز التكليف بالاقل لو كان غيريا، لأن تنجز التكليف الغيري للأقل تابع لتنجز التكليف النفسي للاكثر، فلا يمكن الحكم بتنجز الاول على تقدير ثبوته إلا في فرض تنجز الثاني فلو كان تنجز الاول يستنتج منه عدم تنجز الثاني كان خلفا للفرض (قوله: مع انه يلزم من وجوده عدمه) الضمائر البارزة راجعة إلى الانحلال (قوله: لاستلزامه عدم) يعني ان الانحلال يقتضي عدم تنجز التكليف النفسي على تقدير كونه متعلقا بالاكثر، وهو يقتضي عدم تنجز الاقل مطلقا ولو كان واجبا غيريا لما عرفت من تبعية تنجز الوجوب الغيري لتنجز الوجوب النفسي، وإذا لم يتنجز وجوب الاقل لو كان غيريا امتنع الانحلال لانه يتوقف على تنجز وجوب الأقل مطلقا. فتأمل. ثم إنك عرفت الاشارة في تقرير الاشكالين إلى أنهما يتوقفان على التلازم بين الوجوب النفسي والغيري في مرتبة التنجز كما هما متلازمان في جميع مراتب الحكم السابقة على هذه المرتبة، ولو منع ذلك لم يتم كل من الاشكالين (أما) الاول فلمنع ما ذكر في تقريره من توقف لزوم الأقل مطلقا على تنجز التكليف مطلقا ولو كان متعلقا بالاكثر إذ لا موجب لهذا التوقف الا التلازم المذكور، فلو منع منع التوقف المذكور وجاز الالتزام بتنجيز الأقل مطلقا وعدم تنجز التكليف النفسي لو كان متعلقا بالأكثر (وأما) الثاني فلمنع قوله: المستلزم - يعني عدم تنجز التكليف على كل حال - لعدم لزوم الاقل، إذ لا موجب ايضا لهذا الاستلزام إلا ما ذكرنا من التلازم فلو منع منع الاستلزام. ثم ان نظير هذين الاشكالين يجري

٣١٥

على الانحلال الحقيقي بالعلم بالوجوب النفسي للأقل كما عرفت بيانه في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ، فيقال: يتوقف تنجز وجوب الأقل لنفسه على تنجز الاكثر لو كان هو الواجب فلا يمكن ان يترتب عدم الثاني على نفس الاول لأنه خلف كما يقال: الانحلال بالعلم التفصيلي يستلزم عدم تنجز الاكثر وهو يستلزم عدم تنجز الاقل مطلقا وهو يستلزم عدم الانحلال، وسند توقف في الاول والاستلزام في الثاني هو التلازم بين الوجوبات النفسية الضمنية في مرتبة التنجز بمعني أنه لو ثبت وجوب واحد لجملة اشياء بنحو الارتباط بينها فانه وان انحل إلى وجوبات ضمنية متعددة بتعدد تلك الاشياء إلا أنها لما كانت متلازمة في مقام الأثر والثبوت والسقوط امتنع التفكيك بينها في التنجز بحيث يتنجز بعضها ولا يتنجز البعض الآخر، فلو بني على جواز التكفيك بينها فيه جاز منع التوقف والاستلزام كما تقدم حرفا فحرفا فلاحظ. وحيث عرفت أن التحقيق والمختار للمصنف (ره) أن الأجزاء واجبة بالوجوب النفسي، فدعوى الانحلال ينبغي ان تكون بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه، وحينئذ يتوقف منع الانحلال على اثبات التلازم بين الوجوبات الضمنية النفسية. فنقول: لا تلازم بين تلازمها في مقام الثبوت والسقوط وتلازمها في مقام التنجز لاختلاف المناط في المقامين، فان المناط في تلازمها في مقام الثبوت والسقوط تلازمها في الغرض والمصلحة وجودا وعدما الذي هو الوجه في الثبوت والسقوط، والمناط في مقام التنجز هو البيان وهي غير متلازمة فيه فان العلم التفصيلي بوجوب الاقل لنفسه إنما يصلح بيانا على وجوب الأقل لنفسه ولا يصلح بيانا على وجوب الزائد، وكيف وقد عرفت انه مشكوك محضا بحيث لا يحتمل انطباق المعلوم عليه اصلا فكيف يمكن أن يتنجز ؟ وهل يمكن دعوى كون التنجز بلا بيان ؟ وبالجملة: لابد في المقام من الالتزام باحد امور: (الاول) تنجز وجوب الزائد على الاقل بمجرد العلم بوجوب الاقل (الثاني) عدم تنجز الاقل وعدم تنجز الزائد (الثالث) التفكيك بين الاقل والزائد في التنجز، وحيث أن الاول غير ممكن لانه تنجيز بلا بيان، وكذا

٣١٦

* الثاني للعلم بجوب الاقل الصالح لمنجزيته، فيتعين الثالث، والرجوع إلى طريقة العقلاء في الاحتجاج والاعتذار يلحق ما ذكرنا بالبديهيات إذ لا ريب في صحة الاحتجاج عند ترك الاقل بالعلم بوجوبه، وفى صحة الاعتذار عند ترك الجزء المشكوك بالجهل بوجوبه. فلاحظ، ولو، بنى على كون الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري فان بنينا على أن العلم التفصيلي القائم على ثبوت التكليف في بعض الاطراف يقتضي انحلاله حقيقة كما هو ظاهر المصنف (ره) في مبحث الانحلال فالعلم الاجمالي بالوجوب النفسي لابد من انحلاله حقيقة حينئذ بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لنفسه أو لغيره وبعد انحلاله حقيقة لا منجز لوجوب الزائد على الاقل فيدور الأمر حينئذ بين الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، ولابد من تعين الثالث منها لعين الوجه المتقدم، وان بنينا على انحلاله حكما فلابد من الالتزام به هنا لعين الوجه السابق في مبحث الانحلال وليس معنى انحلاله حكما الا عدم صلاحيته لمنجزية المعلوم بالاجمال الصالح للانطباق على الأكثر، وحينئذ فلا منجز لوجوب الاكثر اجمالا ولا تفصيلا فتنتهي النوبة أيضا إلى التردد بين المحتملات الثلاثة ويتعين الاخير منها، وبذلك يتضح لك عدم تمامية نقض الانحلال بالنحو الذي ذكره المصنف (ره) على جميع المباني (نعم هنا) شبهة اخرى تقتضي الاحتياط وهي أن العلم التفصيلي بوجوب الاقل إذا نجزه واشتغلت به ذمة المكلف لابد من الاحتياط بالاكثر لان الاقتصار على اتيان الأقل بوجوب الشك في سقوط وجوب الأقل، ومن الواضح أن الشك في السقوط مجرى لقاعدة الاشتغال فما لم يأت بالاكثر يشك في سقوط وجوب الاقل، ولابد له من إحراز سقوطه (ويمكن) الجواب عنها بأن الشك في السقوط إنما يرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو كان منشؤه الشك في اتيان المكلف به وليس في المقام كذلك للعلم باتيان الاقل وانما منشؤه الشك في كون وجوبه استقلاليا أو في ضمن الاكثر إذ على تقدير كونه ضمنيا لا يسقط الا في ظرف سقوط وجوب الزائد المتوقف على اتيانه لتلازم الوجوبات الضمنية في الثبوت والسقوط، وعلى تقدير كونه استقلاليا يسقط بمجرد إتيان الاقل، وحيث كان منشأ الشك في سقوط وجوب الاقل ذلك لا الشك في اتيان الاقل فالمرجح فيه

٣١٧

ذا مصلحتين

______________________________

اصل البراءة (ومن) هذا يظهر لك الجواب عن الشبهة التي ذكرناها في الحاشية على قوله: والحق ان العلم الاجمالي... الخ الراجعة إلى اجمال الاقل المعلوم من حيث الاحوال، وحاصل الجواب: ان الانفراد مما يعلم بعدم اخذه قيدا في الاقل والا فهو خارج حينئذ عما نحن فيه ويكون الواجب حينئذ مرددا بين اخذه بشرط لا واخذه بشرط شئ بل الشك إنما هو في أخذ الاقل موضوعا للوجوب لا بشرط واخذه بشرط شئ والاتيان به وحده وإن كان يوجب الشك في وجوبه في هذا الحال فيشك في سقوط وجوبه، إلا أن منشأ الشك في سقوطه الشك في ثبوت الوجوب الملازم له لغيره وفى مثله يرجع إلى البراءة (فان قلت): هذا بعينه جاء في التردد بين وجوبه بشرط لا ووجوبه بشرط شئ لو اقتصر على الاتيان به وحده إذ الشك في السقوط ناشئ من الشك في وجوب غيره معه فليرجع فيه إلى البراءة، مع أنه لا ريب في الرجوع إلى قاعدة الاشتغال (قلت) الرجوع إلى قاعدة الاشتغال ليس للشك في سقوط التكليف بذات الاقل بل للشك في سقوط التكليف بالامر المردد بين شرط لا وشرط شئ فانه يعلم اجمالا بوجوب احد الأمرين من شرط لا وشرط شئ فيتنجز المعلوم بالاجمال، فالاقتصار على ذات الاقل يوجب الشك في سقوط التكليف بذلك الأمر المردد في حصوله خارجا، فالشك في السقوط للشك في اتيان الموضوع الواجب لا لشئ آخر. فلاحظ (ثم إنه) يمكن أن يقرب الانحلال بالعلم التفصيلي بحرمة ترك الأقل بنحو لا يوقف على امكان التفكيك بين الوجوبات النفسية الضمنية أو بين الوجوب الغيري والنفسي كما كان يتوقف عليه انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الاقل تركنا ذكره خوف الاطالة واعتمادا على ذكرنا له في الحاشية القديمة على الكتاب فليراجع وليتأمل فان المقام به حقيق واليه سبحانه نبتهل في فيض العناية والتوفيق (قوله: ذا مصلحتين) يعني غير متلازمتين بحيث يمكن انفكاك احدهما عن الاخرى فتترتب احداهما على الأقل لو اقتصر عليه وتترتبان معا على الاكثر، وهذا هو المسمى بالاكثر الاستقلالي، ولهذا كان خارجا عن محل الكلام في المقام إذ

٣١٨

أو مصلحة أقوي من مصلحة الأقل فالعقل في مثله وان استقل بالبراءة بلا كلام الا انه خارج عما هو محل النقض والابرام في المقام. هذا مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز الا بالأكثر بناء على ما ذهب إليه المشهور من العدلية من تبعيه الأوامر والنواهي للمصالح والمفساد في المأمور بها المنهي عنها وكون الواجبات الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية وقد مر اعتبار موافقة الغرض وحصوله عقلا في إطاعة الأمر وسقوطه فلابد من إحرازه في إحرازها كما لا يخفى

______________________________

هو في الارتباطي (قوله: أو مصلحة أقوى) يعني غير متلازمة المراتب كما تقدم.

شبهة الغرض

(قوله: هذا مع أن الغرض الداعي) هذا وجه آخر لوجوب الاحتياط (وتوضيحه): أن المشهور بين العدلية أن الأمر بالشئ ناشئ عن غرض للآمر في ذلك الشئ فيكون الامر دائما معلو لذلك الغرض، فالعلم بالأمر يستلزم العلم بالغرض لأن العلم بالمعلول يستلزم العلم بالعلة، وحينئذ فيجب بحكم العقل العلم بحصول ذلك الغرض ومع الاقتصار على فعل الاقل يشك في حصوله فلابد من الاحتياط ليحصل العلم بحصوله، فالشك في المقام راجع إلى الشك في محصل الغرض بعد الجزم بثوبته لا في أصل ثبوته مع العلم بمحصله على تقدير ثبوته كما في الشبهة البدوية والشك في المحصل موضوع لقاعدة الاشتغال لا لاصالة البراءة (قوله: بناء على ما ذهب) أما بناء على ما ذهب إليه جماعة من كون الغرض يحصل بنفس الامر لا بفعل المأمور به فلا موجب للاحتياط حينئذ للعلم بحصول الغرض بمجرد الأمر (قوله: وكون الواجبات) الظاهر أن المراد أن الواجبات الشرعية مقربات للواجبات العقلية كما يشهد به قوله تعالى: (إن الصلاة

٣١٩

* ولا وجه للتفصي عنه (تارة) بعدم ابتناء مسألة البراءة والاحتياط على ما ذهب إليه مشهور العدلية وجريانها على ما ذهب إليه الأشاعرة المنكرين لذلك أو بعض العدلية المكتفين بكون المصلحة في نفس الامر دون المأمور به (وأخرى) بان حصول المصلحة واللطف في العبادات لا يكاد يكون الا باتيانها على وجه الامتثال وحينئذ كان لاحتمال اعتبار معرفة اجزائها تفصيلا ليؤتى بها مع قصد الوجه مجال ومعه لا يكاد يقطع بحصول اللطف والمصلحة الداعية إلى الامر فلم يبق الا التخلص عن تبعة مخالفته

______________________________

تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... الآية) لا أن الواجبات الشرعية واجبات عقلية لو اطلع العقل على جهاتها، والامر سهل (قوله: ولا وجه للتفصي عنه تارة) المتفصي بذلك شيخنا المرتضى (قده) في رسائله، وحاصل ما ذكره أولا: ان النزاع في البراءة والاشتغال في هذه المسألة من حيث التردد في الوجوب بين الاقل والاكثر مع التغافل عن حيثية الشك في الغرض ومقتضاها، بشهادة أن النزاع في هذه المسالة لا يختص بمذهب دون غيره بل تجري على جميع المذاهب، (قوله: وأخرى بأن حصول) هذا هو الوجه الثاني، وحاصله: ان الشك في محصل الغرض وان كان موضوعا لقاعدة الاشتغال إلا أنه حيث يمكن القطع بحصوله وهو متعذر في العبادات لاحتمال توقف حصول الغرض فيها على الجزم بالنية وهو ممتنع مع الشك والتردد في الواجب بين الاقل والاكثر فيسقط حكم العقل بوجوب الجزم بحصول الغرض ويبقى حكمه من حيث تردد الوجوب بين الاقل والاكثر الذي هو وجوب فعل الاقل للعلم بوجوبه وجواز ترك الاكثر للجهل بوجوبه (قوله: على وجه الامتثال) يعني على وجه الاطاعة (قوله: كان لاحتمال) (كان) تامة فاعلها قوله: (مجال) و (لاحتمال) متعلق بها، (قوله: اعتبار معرفة) يعني اعتبار المعرفة في تحقق الامتثال المعتبر في صحة العبادة وحصول الغرض منها (قوله: ومعه) الضمير راجع إلى احتمال الاعتبار

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

٥٤ ـ قال الشيخ المفيد : ثمّ أمر بالرحيل فارتحل ، من قصر بنى مقاتل ، فقال عقبة بن سليمان : فسرنا معه ساعة فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلثا فاقبل ابنه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال : ممّ حمدت واسترجعت ، فقال يا بنىّ إنّى خفقت خفقة فعنّ لى فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم.

فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحقّ قال بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : فانّنا اذا لا نبالى ، أن نموت ، محقّين ، فقال له الحسينعليه‌السلام جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده(١) .

٥٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة ابن سمعان ، قال : لما كان فى آخر اللّيل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ، ففعلنا ، قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بنى مقاتل ، وسرنا ساعة ، خفق الحسين برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، قال : ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا.

قال : فأقبل إليه ابنه علىّ بن الحسين على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبت ، جعلت فداك! ممّ حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنىّ ، إنّى خفقت برأسى خفقة فعنّ لى فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا.

قال له : يا أبت ، لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحقّ! قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : يا أبت ، إذا لا نبالى ، نموت محقّين : فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده(٢)

__________________

(١) الارشاد : ٢٠٩.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٧.

٤٦١

١٥ ـ الحسينعليه‌السلام وأبو هرة الازدى

٥٦ ـ قال ابن طاوس : ثمّ باتعليه‌السلام فى الثعلبيّة فلمّا أصبح اذا برجل من الكوفة يكنى ، أبا هرة الأزدى ، قد أتاه فسلّم عليه ، ثمّ قال يا ابن رسول الله ما الّذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الحسينعليه‌السلام ويحك يا أبا هرّة إنّ بنى أميّة أخذوا مالى ، فصبرت وشتموا عرضى ، فصبرت ، وطلبوا دمى ، فهربت وأيم الله لتقتلنى الفئة الباغية وليلبسنّهم الله ذلّا شاملا وسيفا قاطعا ، وليسلّطنّ الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ من قوم سبأ ، إذ ملكتهم امرأة فحكمت فى أموالهم ودمائهم(١) .

١٦ ـ الحسينعليه‌السلام وبشر بن غالب

٥٧ ـ قال الصدوق : فلمّا نزلوا ثعلبية ، ورد عليه رجل يقال له بشر بن غالب ، فقال يا ابن رسول الله أخبرنى عن قول اللهعزوجل :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) قال إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها ، هؤلاء فى الجنّة وهؤلاء فى النار ، وهو قولهعزوجل ( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) (٢)

__________________

(١) اللهوف : ٣٠.

(٢) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٢

١٧ ـ الحسينعليه‌السلام وأبو هرم

٥٨ ـ قال الصدوق : ثمّ سار حتّى نزل الرميمة فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم فقال يا ابن النبيّ ما الذي أخرجك من المدينة فقال ويحك يا ابا هرم شتموا عرضى فصبرت وطلبوا دمى فهربت ، وأيم الله ليقتلنّني ثمّ ليلبسنّهم الله ذلّا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطنّ عليهم من يذلّهم(١) .

١٨ ـ الحسينعليه‌السلام وعبيد الله بن حر الجعفى

٥٩ ـ قال الصدوق : ثمّ سار الحسينعليه‌السلام حتّى نزل القطقطانية فنظر الى فسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا الفسطاط؟ فقيل لعبيد الله بن الحرّ الجعفى فأرسل إليه الحسينعليه‌السلام فقال أيّها الرجل إنّك مذنب خاطىء إنّ اللهعزوجل أخذك بما أنت صانع ان لم تتب الى الله تبارك وتعالى فى ساعتك هذه فتنصرنى ويكون جدّى شفيعك بين يدى الله تبارك وتعالى :

فقال : يا ابن رسول الله والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسى خذه إليك فو الله ما ركبته قطّ وأنا أروم شيئا الّا بلغته ، ولا أرادنى أحد الّا نجوت عليه ، فدونك فخذه فاعرض عنه الحسينعليه‌السلام بوجهه ثمّ قال : لا حاجة

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٣

لنا فيك ولا فى فرسك ، وما كنت متخذ المضلّين عضدا ، ولكن فرّ فلا لنا ولا علينا ، فانّه من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه الله. على وجهه فى نار جهنّم(١) .

٦٠ ـ قال المفيد : ثمّ مضى الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى الى قصر بنى مقاتل ، فنزل به فاذا هو بفسطاط مضروب ، فقال : لمن هذا فقيل لعبيد الله بن الحرّ الجعفى ، قال ادعوه الىّ فلمّا أتاه الرسول قال له هذا الحسين بن علىعليهما‌السلام ، يدعوك فقال عبيد الله إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهية أن يدخلها الحسينعليه‌السلام وأنا بها ، والله ما أريد أن أراه ولا يرانى فأتاه الرّسول فأخبره.

فقام إليه الحسينعليه‌السلام فجاء حتّى دخل عليه وسلّم ، وجلس ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فادعا عليه عبيد الله بن الحرّ ، تلك المقالة واستقاله ممّا دعاه إليه ، فقال له الحسينعليه‌السلام : فان لم تكن تنصرنا فاتّق أن تكونا ممّن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا الّا هلك فقال أمّا هذا فلا يكون أبدا ان شاء الله تعالى(٢) .

٦١ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى المجالد بن سعيد ، عن عامر الشعبى أنّ الحسين بن علىعليهما‌السلام قال : لمن هذا الفسطاط فقيل : لعبيد الله ابن الحرّ الجعفى ، قال : ادعوه لى ، وبعث إليه ، فلمّا أتاه الرسول ، قال : هذا الحسين بن على يدعوك ، فقال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون! والله ما خرجت من الكوفة الّا كراهة أن يدخلها الحسين وأنابها ، والله ما اريد أن أراه ولا يرانى ، فأتاه الرسول فأخبره.

فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثمّ قام فجاءه حتّى دخل عليه ، فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه الى الخروج معه ، فأعاد إليه ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال : فإلا تنصرنا فاتّق

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٤.

(٢) الارشاد : ٢٠٨.

٤٦٤

الله أن تكون ممّن يقاتلنا ، فو الله لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا الّا هلك ، قال : أمّا هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله ، ثمّ قام الحسينعليه‌السلام من عنده حتّى دخل رحله(١) .

٦٢ ـ قال الدينورى : ثمّ ارتحل الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفة حتّى انتهى إلى قصر بنى مقاتل ، فنزلوا جميعا هناك؟ فنظر الحسين إلى فسطاط مضروب ، فسأل عنه ، فأخبر أنّه لعبيد الله بن الحرّ الجعفى ، وكان من أشراف أهل الكوفة ، وفرسانهم ، فأرسل الحسين إليه بعض مواليه يأمره بالمصير إليه ، فأتاه الرسول ، فقال : هذا الحسين بن على يسألك أن تصير إليه ، فقال عبيد الله : والله ما خرجت من الكوفة إلا لكثرة من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته ، فعلمت أنّه مقتول ولا أقدر على نصره ، فلست أحب أن يرانى ولا أراه.

فانتعل الحسين ، حتّى مشى ، ودخل عليه قبّته ، ودعاه إلى نصرته ، فقال عبيد الله : والله إنّى لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد فى الآخرة ، ولكن ما عسى أن أغنى عنك ، ولم أخلّف لك بالكوفة ناصرا ، فأنشدك الله أن تحملنى على هذه الخطّة ، فانّ نفسى لم تسمح بعد بالموت ، ولكن فرسى هذه الملحقة ، والله ما طلبت عليها شيئا قطّ الا لحقته ، ولا طلبنى وأنا عليها أحد قطّ الّا سبقته ، فخذها ، فهى لك قال الحسين : أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا إلى فرسك(٢)

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٧.

(٢) الاخبار الطوال : ٢٥٠.

٤٦٥

١٩ ـ الحسينعليه‌السلام والطرماح

٦٣ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : حدّثنى جميل بن مرثد ، من بنى معن ، عن الطرماح ابن عدىّ ، أنّه دنا من الحسين فقال له : والله انّى لا نظر فما أرى معك أحدا ، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجى من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناى فى صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقيل : اجتمعوا ليعرضوا ، ثمّ يسرّحون إلى الحسين.

فأنشدك الله إن قدرت على ألّا تقدّم عليهم شبرا إلّا فعلت! فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك ، ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتّى أنزلت مناع جبلنا الّذي يدعى أجأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر ، والله إن دخل علينا ذلّ قطّ ، فأسير معك حتّى أنزلك القرية.

ثمّ نبعث إلى الرجال ممّن بأجأ وسلمى من طيّئ ، فو الله لا يأتى عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّئ رجالا وركبانا ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك فان هاجك هيج فانا زعيم لك بعشرين ألف طائى يضربون بين يديك بأسيافهم ، والله لا يوصل إليك ومنهم عين تطرف ، فقال له : جزاك الله وقومك خيرا! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندرى علام تنصرف بنا وبهم ،

٤٦٦

الامور فى عاقبه!(١) .

٦٤ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى جميل بن مرثد ، قال : حدّثنى الطرماح ابن عدىّ ، قال : فودّعته وقلت له : دفع الله عنك شرّ الجنّ والانس ، انّى قد امترت لأهلى من الكوفة ميرة ، ومعى نفقة لهم ، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثمّ أقبل إليك إن شاء الله فإن ألحقك فو الله لأكوننّ من أنصارك ، قال : فان كنت فاعلا فعجّل رحمك الله.

قال : فعلمت أنّه مستوحش الى الرجال حتّى يسألنى التعجيل ، قال : فلمّا بلغت أهلى وضعت عندهم ما يصلحهم ، وأوصيت ، فأخذ أهلى يقولون : إنّك لتصنع مرّتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم ، فأخبرتهم بما أريد ، وأقبلت فى طريق بنى ثعل حتّى إذا دنوت من عذيب الهجانات ، استقبلنى سماعة بن بدر ، فنعاه إلىّ فرجعت(٢) .

٢٠ ـ الحسينعليه‌السلام وعمرو المشرقى

٦٥ ـ الصدوق : حدّثنى الحسين بن أحمد قال : حدّثنى أبى ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن علىّ بن الحكم ، عن أبيه ، عن أبى الجارود ، عن عمرو بن قيس المشرقى قال : دخلت على الحسينعليه‌السلام أنا وابن عمّ لى وهو فى قصر بنى مقاتل ، فسلّمنا عليه فقال له ابن عمّى : يا أبا عبد الله هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟ فقال: خضاب والشيب إلينا بنى هاشم يعجّل.

ثمّ أقبل علينا فقال : جئتما لنصرتى؟ فقلت : إنّى رجل كبير السنّ كثير الدين ،

__________________

(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٦.

(٢) تاريخ الطبرى : ٥ / ٤٠٦.

٤٦٧

كثير العيال ، وفى يدى بضائع للناس ، ولا أرى ما يكون وأكره أن أضيّع أمانتى ، وقال له ابن عمّى مثل ذلك قال لنا : فانطلقا فلا تسمعا لى واعية ولا تريا لى سوادا ، فانّه من سمع واعيتنا أو أرى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا كان حقا على اللهعزوجل أن يكبّه على منخريه فى النار(١) .

٣٧ ـ باب ما جرى لهعليه‌السلام مع الحر بن يزيد

١ ـ قال الصدوق : بلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وأنّ الحسينعليه‌السلام قد نزل الرهيمية فاسرى إليه الحرّ بن يزيد فى ألف فارس ، قال الحرّ فلمّا خرجت من منزلى متوجّها نحو الحسينعليه‌السلام نوديت ثلاثا : يا حرّ ابشر بالجنّة ، فالتفت فلم أر أحدا فقلت : ثكلت الحر أمّه يخرج إلى قتال ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويبشر بالجنّة فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسينعليه‌السلام ابنه فأذّن وأقام وقام الحسينعليه‌السلام فصلّى بالفريقين جميعا.

فلمّا سلم وثب الحرّ بن يزيد ، فقال السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال الحسينعليه‌السلام : وعليك السلام ، من أنت يا عبد الله ، فقال أنا الحرّ ابن يزيد فقال يا حر أعلينا أم لنا ، فقال الحرّ والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن أحشر من قبرى وناصيتى مشدودة إلى رجلى ويدى مغلولة إلى عنقى ، وأكب على وجهى فى النار.

يا ابن رسول الله أين تذهب ارجع إلى حرم جدّك ، فانّك مقتول ، فقال الحسينعليه‌السلام :

__________________

(١) عقاب الاعمال : ٣٠٨.

٤٦٨

سأمضى فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فان مت لم أندم وإن عشت لم ألم

كفى بك ذلا أن تموت وترغما(١)

٢ ـ قال المفيد : ثمّ سارعليه‌السلام من بطن العقبة حتّى نزل شراف ، فلمّا كان فى السّحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ، ثمّ سار منها حتّى انتصف النّهار ، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال له الحسينعليه‌السلام : الله أكبر لم كبّرت ، قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه : والله ان هذا لمكان ما رأينا به نخلة قطّ فقال له الحسينعليه‌السلام فما ترونه قالوا نراه والله آذان الخيل ، قال : والله أرى ذلك.

ثمّ قالعليه‌السلام ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله فى ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد ، فقلنا له بلى ذو حسم الى جنبك تميل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما تريد ، فاخذ إليه ذات اليسار وصلنا معه فما كان بأسرع من ان طلعت علينا هوادى الخيل فتبيّناها وعدلنا ، فلمّا رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كان أسنّتهم اليعاسيب وكأنّ راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذى حسم فسبقناهم إليه.

أمر الحسينعليه‌السلام بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء الف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمى حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام فى حرّ الظهيرة ، والحسينعليه‌السلام وأصحابه معتمون متقلّدون أسيافهم ، فقال الحسينعليه‌السلام لفتيانهم اسقوا القوم ، وارو وهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس فإذا عبّ فيها ثلثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتّى سقوها كلّها.

__________________

(١) أمالى الصدوق : ٩٣.

٤٦٩

فقال علىّ بن الطعان المحاربى : كنت مع الحرّ يومئذ فجئت فى آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسينعليه‌السلام ما بي وفرسى من العطش ، قال : أنخ الراوية والراوية عندى السقاء ، ثمّ قال يا ابن الأخ انخ الجمل فأنخته فقال : اشرب ، فجعلت كلّما شربت ، سال الماء من السقاء ، فقال الحسينعليه‌السلام أخنث السقاء فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسى وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية.

كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره ان ينزل القادسية وتقدّم الحرّ بين يديه فى ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل الحرّ موافقا للحسينعليه‌السلام حتّى حضرت صلاة الظهر وأمر الحسينعليه‌السلام الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ، فلمّا حضرت الاقامة خرج الحسينعليه‌السلام فى إزار ورداء ، ونعلين فحمد الله وأثنى عليه.

ثمّ قال : أيّها الناس : إنّى لم آتكم حتّى اتتنى كتبكم وقدمت علىّ رسلكم أن أقدم علينا فانّه ليس لنا امام لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى ، والحقّ ، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطونى ما اطمئنّ إليه من عهودكم ، ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومى كارهين ، انصرفت عنكم الى المكان الّذي جئت منه إليكم ، فسكتوا عنه ، ولم يتكلّم أحد منهم بكلمة ، فقال للمؤذن أقم وأقام الصلاة.

فقال للحرّ أتريد أن تصلّى بأصحابك ، قال لا بل تصلّى أنت ونصلّى بصلاتك فصلّى بهم الحسينعليه‌السلام ، ثمّ دخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من أصحابه ، ودعا الباقون الى صفهم الّذي كانوا فيه فأعادوه ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس فى ظلّها ، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسينعليه‌السلام أن يتهيّئوا للرحيل ، ففعلوا ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسينعليه‌السلام وقام فصلّى ، ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال.

أمّا بعد أيّها الناس فانّكم إن تتّقوا الله ، وتعرفوا الحق لأهله ، تكن أرضى لله

٤٧٠

عنكم ونحن أهل بيت محمّد وأولى بولاية هذا الامر عليكم من هذه المدّعين ، ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم الّا كراهية لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتنى به كتبكم وقدمت به علىّ رسلكم ، انصرفت عنكم ، فقال له الحرّ : أنا والله ما أدرى ما هذه الكتب والرسل الّتي تذكر.

فقال الحسينعليه‌السلام لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين الّذين فيهما كتبهم ، إلىّ فاخرج خرجين مملوّين صحفا فنشرت بين يديه ، فقال له الحرّ انّا لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا اذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسينعليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتّى ركب نسائهم.

فقال لأصحابه انصرفوا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ ثكلتك امّك ما تريد؟ قال له الحرّ أما لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر امّه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله ما لي الى ذكر امّك من سبيل الّا بأحسن ما نقدر عليه فقال له الحسينعليه‌السلام فما تريد قال : أريد أن انطلق بك الى الامير عبيد الله.

قال اذا والله لا أتّبعك قال إذا والله لا أدعك فترادّا القول ثلث مرّات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحرّ إنّى لم أومر بقتالك إنّما أمرت الّا افارقك حتّى اقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا تردّك الى المدينة ، تكون بينى وبينك نصفا حتّى اكتب الى الامير عبيد الله فلعلّ الله أن يأتى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية.

فسار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره وهو يقول له يا حسين انّى اذكرك الله فى نفسك ، فإنّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الحسينعليه‌السلام أفبالموت تخوّفنى وهل يعدو بكم الخطب ، أن تقتلوننى وسأقول كما قال أخو الأوس لابن

٤٧١

عمّه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوّفه ابن عمّه وقال اين تذهب فانّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصّالحين بنفسه

وفارق مثبورا وخالف مجرما

فان عشت لم اندم وإن مت لم ألم

كفى بك ذلّا أن تعيش وترغما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسينعليه‌السلام فى ناحية أخرى حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات(١) .

٣ ـ قال الطبرسى : ثمّ سار حتّى انتصف النهار فبينا هو يسير كبّر رجل من أصحابهعليه‌السلام ، فقال : لم كبّرت فقال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من أصحابه : والله انّ هذا المكان ما رأينا به نخل ، قطّ قال : فما ترونه؟ قالوا : نراه والله آذان الخيل ، قال : أنا والله أرى ذلك ، فما كان بأسرع حتّى طلعت هوادى الخيل ، مع الحرّ بن يزيد التميمى ، فجاء حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسينعليه‌السلام فى حرّ الظهيرة وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية.

فقدم الحصين بن نمير فى ألف فارس ، فحضرت صلاة الظهر فصلّى الحسينعليه‌السلام وصلّى الحرّ خلفه ، فلمّا سلّم انصرف الى القوم وحمد الله وأثنى عليه وقال : أيّها الناس إنّكم ان تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين بكم بالجور والعدوان ، فان أبيتم الّا الكرامة لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم غير ما أتتنى به كتبكم ، وقدمت علىّ به رسلكم ، أنصرف عنكم.

قالوا انّا والله لا ندرى ما هذه الكتب الّتي تذكر ، فقال الحسينعليه‌السلام : لبعض

__________________

(١) الارشاد : ٢٠٦.

٤٧٢

أصحابه يا عقبة بن سمعان اخرج الخرجين اللّذين فيهما كتبهم الىّ ، فاخرج خرجين مملوّين ، كتبا فنشرت بين يديه فقال له الحرّ : لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك وقد أمرنا اذا لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدم بك الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقال له الحسينعليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لأصحابه قوموا فاركبوا ، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم ، وبين الانصراف فقال الحسينعليه‌السلام للحرّ : ثكلتك امّك يا ابن يزيد ، قال الحرّ : أمّا لو غيرك من العرب يقولها لى وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ما تركت ذكر امّه بالثكل ولكن والله ما لي الى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه.

فقال الحسينعليه‌السلام : فما تريد؟ قال : أريد أن أنطلق بك الى الأمير عبيد الله ، قال : إذا والله ما اتّبعك قال : إذا والله لا أدعك وترادّا القول ، فلمّا كثر الكلام بينهما قال الحرّ : إنّى لم أومر بقتالك ، إنّما امرت أن لا افارقك حتّى أقدم بك الكوفة فتياسر هاهنا عن طريق العذيب والقادسيّة حتّى أكتب الى الامير ويكتب إلىّ الامير لعلّ الله أن يأتينى بأمر يرزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك.

فسار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره ، وهو يقول له : إنّى اذكرك فى نفسك فانّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فقال الحسينعليه‌السلام : أفبالموت تخوّفنى؟ وسأقول ما قال أخو الاوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخوّفه ابن عمّه فقال : إنّك مقتول فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودّع مجرما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه ، قال عقبة بن سمعان ، فسرنا معه ساعة فخفقعليه‌السلام هو على ظهر فرسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربّ العالمين ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثا فأقبل إليه علىّ بن الحسينعليهما‌السلام

٤٧٣

على فرس فقال يا أبه فيم حمدت الله واسترجعت؟ فقال : يا بنىّ انّى خفقت خفقة فعنّ لى فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون والمنايا تسرى إليهم ، فعملت أنّها أنفسنا نعيت إلينا.

فقال له : يا أبه لا أراك الله سوءا ألسنا على الحقّ؟ قال : بلى والّذي إليه مرجع العباد ، قال : فانّنا إذن لا نبالى أن نموت محقّين ، فقال له الحسينعليه‌السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم ، فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه فجعل اذا ردّهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتّى انتهوا الى نينوى بالمكان الّذي نزل به الحسين.

فاذا راكب على نجيب له فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه ودفع الى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فاذا فيه : أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ، ولا تنزله الّا بالعراء فى غير خضر ولا ماء وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بانفاذك أمرى والسلام فأخذهم الحرّ بالنزول فى ذلك المكان على غير ماء ولا قرية.

فقال له الحسين : دعنا ويحك أنزل فى هذه القرية ، يعنى نينوى ، أو هذه ، يعنى الغاضرية ـ قال : لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علىّ فقال زهير ابن القين : إنّى والله ما أراه يكون بعد هذا الّذي ترون الّا أشدّ ما ترون يا ابن رسول الله انّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمرى ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لابدأهم بالقتال.(١)

٤ ـ قال الفتال : بعث ابن زياد الحرّ بن يزيد فى ألف فارس الى الحسين عليه

__________________

(١) اعلام الورى : ٢٢٩.

٤٧٤

السلام ، فجاء حتّى وقفوا مقابل الحسينعليه‌السلام فى جوّ الظهيرة ، فقال : اسقوهم وآووهم ، وصلّى بهم الحسين الظهر والعصر ، ثمّ توجّه إليهم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واخبرهم بمقالة الكوفيّين ورسالاتهم ، وقال : أنا أولى بهذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، فقال الحرّ لسنا من هؤلاء الّذين كتبوا إليك وأمرنا إذا لقينا أن لا نفارقك ، حتّى نقدّمك الكوفة.

فقال له الحسينعليه‌السلام : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثمّ قال لاصحابه : قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم ، فقال لأصحابه : انصرفوا فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسينعليه‌السلام فما تريد؟ قال أريد أن أنطلق الى الامير عبيد الله بن زياد ، قال اذا والله لا نتبعك فترادّا القول ثلث مرّات فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّانى لم أومر بقتالك إنّما أمرت أن لا أفارقك حتّى أقدمك الكوفة فاذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردّك الى المدينة ، يكون بينى وبينك نصفا حتّى اكتب الى الامير.

فلعلّ الله أن يأتينى بأمر رزقنى فيه العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ فى أصحابه يسايره ويقول يا حسين أنى أذكرك الله فى نفسك ، فانّى أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ فقال له الحسينعليه‌السلام أفبالموت تخوّفنى وهل يعدوا بكم الخطب أن يقتلونى وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخوفه ابن عمّه ، وقال اين تذهب فانّك مقتول ، فقال :

سأمضى وما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وودّع مجرما

فان مت لم أندم وإن عشت لم الم

كفى بك ذلّا ان تعيش وترغما

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه ، فكان يسير بأصحابه ناحية والحسينعليه‌السلام فى

٤٧٥

ناحية أخرى حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات.

فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ثمّ عجّل الركوب ، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد ، فيردّه وأصحابه ، فجعل اذا ردّهم نحو الكوفة امتنعوا عليه فلم يزالوا يسايرون كذلك حتّى انتهوا الى نينوى بالمكان الّذي نزل به الحسين ، فاذا راكب على نجيب له ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسينعليه‌السلام ، وأصحابه ، ودفع الى الحرّ كتابا من عبيد الله بن زياد ، فاذا فيه :

أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ولا تنزله الّا بالعراء فى غير خضر ولا ماء وقد أمرت رسولى أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتينى بإنفاذك أمرى والسلام ، فأخذهم الحرّ بالنزول فى ذلك المكان على غير ماء ولا قرية ، فقال له الحسين ، دعنا ويحك أنزل فى هذه القرية ـ يعنى نينوى أو هذه ـ يعنى الغاضرية ـ

قال : لا والله لا أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث عينا علىّ فقال زهير بن القين : انّى والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون الّا أشدّ ما ترون يا ابن رسول الله انّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمرى ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به ، فقال الحسينعليه‌السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال(١) .

٥ ـ قال ابن شهرآشوب : فلمّا نزل على شراف قال ، رأيت النخيل ، فقال رجلان أسديان كانا معه هذا مكان ما رأينا نخلا قطّ ، قال الحسين فما تريانه ، فقالا لا نراه والله الا هوادى الخيل ، فقال أنا والله أرى ذلك وأمر أصحابه أن يستبقوا اذاهم بالحرّ الرياحى ، فى ألف رجل ، فقام الحسين وصلّى بأصحابه وصلّى الحرّ معه فلمّا سلّم قال أيّها الناس معذرة الى الله وإليكم إنّى لم آتكم حتّى اتتنى كتبكم ، وقدمت علىّ رسلكم فى كلام له حتّى قال فان تعطونى ما اطمانّ عليه من عهودكم

__________________

(١) روضة الواعظين : ١٥٣.

٤٧٦

أقدم مصركم ، وان كنتم لمقدمى كارهين انصرفت عنكم.

فقال الحرّانا والله ما ندرى ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فدعا الحسينعليه‌السلام بخرجين مملوين كتبا فنثرها ، فقال الحرّ لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك إنمّا أمرنا اذا لقيناك لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة ، على عبيد الله بن زياد ، فقال الحسين الموت أدنى إليك من ذلك فلمّا انتهى الى نينوى كتب ابن زياد الى الحرّ أمّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابى ، ولا تنزله الّا بالعراء غير حصن على غير ماء وقد أمرت رسولى أن لا يفارقك حتّى يأتينى بانفاذك أمرى.

فأمر الحسينعليه‌السلام أن يشدّوا الرحال فجعلوا يلازمونه فطال بينهما المقال ، فقال الحرّ خذ على غير الطريق ، فو الله لئن قاتلت لتقتلنّ ، فقال الحسين بالموت تخوّفنى وتمثل بقول أخى أوس : سأمضى وما بالموت عار على الفتى الابيات» فاستدلّ على غير الجادّة فقال الطرماح بن عدى الطائى أنا المدل وجعل يرتجز :

يا ناقتى لا تجزعى من زجرى

وامض بنا قبل طلوع الفجر

بخير فتيان وخير سفر

آل رسول الله أهل الخير

السادة البيض الوجوه الزهر

الطاعنين بالرماح السمر

الضاربين بالسيوف البتر

فلمّا أصبح بعذيب الحجانات رأى الحرّ فى عسكره يتّبعه ، فسأله عن الحالة فقال هدّدنى الأمير فى شأنك ، فقال دعنا فى نينوى والغاضرية ، فقال لا والله وعلى عينه ، فقال زهير بن القين البجلى ائذن لنا بقتالهم ، فقال هؤلاء اليوم أسهل من قتال من يجيء بعدهم ، فقال لا أبتدئ فساقوا الى قرية «عقر» فسأل عنها فقال هى العقر فقال : إنّى أعوذ بك من العقر(١)

__________________

(١) المناقب : ٢ / ٢١٣.

٤٧٧

٦ ـ قال ابن طاوس : قال الراوى وسار الحسينعليه‌السلام حتّى صاره مرحلتين من الكوفة فاذا بالحرّ بن يزيد فى ألف فارس فقال له الحسينعليه‌السلام ألنا أم علينا فقال : بل عليك يا أبا عبد الله ، فقال لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم ، ثمّ تردّد الكلام بينهما حتّى قال الحسينعليه‌السلام فاذا كنتم على خلاف ما اتتنى به كتبكم ، وقدمت به علىّ رسلكم فانّنى أرجع الى الموضع الذي أتيت منه فمنعه الحرّ وأصحابه من ذلك.

قال بل خذ يا ابن رسول الله طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك الى المدينة لاعتذر انا الى ابن زياد ، بانك خالفتنى فى الطريق ، فتياسر الحسينعليه‌السلام حتّى وصل الى عذيب الهجانات ، قال فورد كتاب عبيد الله بن زياد لعنه الله الى الحرّ يلومه فى أمر الحسينعليه‌السلام ويأمره بالتضييق عليه ، فعرض له الحرّ وأصحابه ومنعوه من السير ، فقال له الحسين ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق فقال له الحرّ بلى ولكن كتاب الامير عبيد الله قد وصل يأمرنى فيه بالتضييق وقد جعل علىّ عينا يطالبنى بذلك ، قال الراوى ، فقام الحسينعليه‌السلام خطيبا فى أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وذكر جدّه فصلّى عليه ، ثمّ قال : انه قد نزل بنا من الامر ما قد ترون ، وانّ الدنيا قد تغيّرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء ، ولم تبق منها إلّا صبابة كصبابة الاناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل.

ألا ترون الى الحقّ لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن فى لقاء ربّه ، محقّا ، فانّى لا أرى الموت الّا سعادة ، والحياة مع الظالمين الّا برما.

فقام زهير بن القين ، وقال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله ، مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلّدين لأثرنا النهوض معك على الاقامة.

قال الراوى وقام هلال بن نافع البجلى ، فقال والله ما كرهنا لقاء ربّنا وإنّا على نياتنا ، وبصائرنا نوالى من والاك ونعادى من عاداك ، قال وقام برير بن

٤٧٨

خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضائنا ، ثمّ يكون جدك شفيعنا يوم القيامة(١) .

٧ ـ قال أبو الفرج : ومضى حتّى دنا من الحرّ بن يزيد ، فلمّا عاين أصحابه العسكر من بعيد ، كبروا ، فقال لهم الحسين : ما هذا التكبير قالوا : رأينا النخل ، فقال بعض أصحابه : ما بهذا الموضع والله نخل ولا أحسبكم ترون الّا هوادى الخيل وأطراف الرماح ، فقال الحسين وأنا والله أرى ذلك ، فمضوا لوجوههم ولحقهم الحرّ ابن يزيد فى أصحابه ، فقال للحسين : إنّى أمرت ان انزلك فى أى موضع لقيتك واجعجع بك ولا اتركك أن تزول من مكانك.

قال : اذا اقاتلك فاحذر أن تشقى بقتلى ثكلتك امك ، فقال : أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال الّتي أنت عليها ، ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله ، كائنا من كان ولكن والله ما لي الى ذكر امّك من سبيل الّا بأحسن ما يقدر عليه ، وأقبل يسير والحرّ سايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء ، ويمنع الحسين من دخول الكوفة حتّى نزل بأقساس مالك وكتب الحرّ إلى عبيد الله يعلمه ذلك(٢) .

٨ ـ قال الدينورى : وأقبلت الخيل ، وكانوا ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمى ، ثمّ اليربوعى ، حتّى اذا دنوا ، أمر الحسينعليه‌السلام فتيانه أن يستقبلوهم بالماء فشربوا وتغمّرت خيلهم ، ثمّ جلسوا جميعا فى ظلّ خيولهم وأعنتها فى أيديهم حتّى اذا حضرت الظهر قال الحسينعليه‌السلام للحرّ : أتصلّي معنا أم تصلّى بأصحابك وأصلّي بأصحابى؟ قال الحرّ : بل نصلّى جميعا بصلاتك ، فتقدّم الحسينعليه‌السلام فصلّى بهم جميعا فلمّا انفعل من صلاته حوّل وجهه إلى القوم ثمّ قال :

أيّها الناس معذرة الى الله ، ثمّ إليكم إنّى لم آتكم حتّى أتتنى كتبكم ، وقدمت

__________________

(١) اللهوف : ٣٣.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٧٣.

٤٧٩

علىّ رسلكم ، فان أعطيتمونى ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم ، دخلنا معكم مصركم ، وإن تكن الاخرى انصرفت من حيث جئت ، فأسكت القوم فلم يردّوا عليه ، حتّى اذا جاء وقت العصر نادى مؤذّن الحسين ثمّ أقام وتقدّم الحسينعليه‌السلام فصلّى بالفريقين ، ثمّ انفتل إليهم فأعاد مثل القول الاوّل فقال الحرّ بن يزيد : والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر.

فقال الحسينعليه‌السلام : ائتنى بالخرجين اللّذين فيها كتبهم فأتى بخرجين مملؤين كتبا فنثرت بين يدى الحرّ وأصحابه ، فقال له الحرّ يا هذا لسنا ممّن كتب إليك شيئا من هذه الكتب ، وقد أمرنا ألّا نفارقك إذا لقيناك أو تقدم بالكوفة ، على الأمير عبيد الله بن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : الموت دون ذلك ثمّ أمر بأثقاله فحملت ، وأمر أصحابه ، فركبوا ، ثمّ ولّى وجهه منصرفا نحو الحجاز فحال القوم بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحرّ : ما الّذي تريد؟ قال أريد والله أن انطلق بك الى الامير عبيد الله بن زياد ، قال الحسين : اذن والله أنابذك الحرب ، فلمّا كثر الجدال بينهما قال الحرّ : انّى لم أومر بقتالك.

وإنمّا امرت ألّا افارقك وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك وهو أن تجعل بينى وبينك طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردّك الى الحجاز ، تكون نصفا بينى وبينك حتّى يأتينا رأى الامير ، قال الحسين : فخذها هنا فاخذ متياسرا من طريق العذيب ومن ذلك المكان الى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. فسارا جميعا حتّى انتهوا الى عذيب الهجانات فنزلوا جميعا وكل فريق منهما على غلوة من الآخر(١) .

٩ ـ قال المسعودى : فلمّا بلغ الحسين القادسية لقيه الحرّ بن يزيد التميمى ، فقال

__________________

(١) الاخبار الطوال : ٢٤٩.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531