مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام14%

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 531

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50162 / تحميل: 4070
الحجم الحجم الحجم
مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام

مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين بن علي عليهما السلام الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

١٥ ـ عنه باسناده قال عبد الله بن الحسين انّ الامامة فى ولد الحسن والحسين لأنهما سيّدا شباب أهل الجنّة وهما فى الفضل سواء الا أن للحسن فضلا بالكبر والتقدّم فكان الواجب أن يكون الامامة اذا فى ولد الافضل ، فقال الربيع بن عبد الله انّ موسى وهارون كانا نبيّين مرسلين وكان موسى اكبر من هارون وافضل فجعل الله النبوّة فى ولد هارون دون ولد موسى.

كذلك جعل اللهعزوجل الامامة فى ولد الحسين لتجرى فى هذه سنن من قبلها من الامم حذو النعل بالنعل فبلغ ذلك الصادقعليه‌السلام ، فقال أحسنت يا ربيع ومن ذلك حديث الرضاعليه‌السلام ويستدلّ من الحساب على انّ الامامة فى أولاد الحسينعليه‌السلام انّ لفظة الحسين مائة وثمانية وعشرين زيادة بعشرة ، والحسين واولاده عشرة(١)

٥ ـ باب علمه وفصاحتهعليه‌السلام

١ ـ الصدوق فى رواية طويلة قال أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسين : يا بنىّ قم فاصعد فتكلّم بكلام لا يجهلك قريش من بعدى فيقولون إنّ الحسين بن على لا يبصر شيئا وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك فصعد الحسينعليه‌السلام فحمد الله واثنى عليه ، وصلّى على نبيّه وآله صلاة موجزة ، ثمّ قال معاشر الناس سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول انّ عليّا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك ، فوثب إليه علىّعليه‌السلام فضمّه الى صدره وقبله ثمّ قال : يا معاشر الناس اشهدوا أنّهما فرخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووديعته التي استودعنيها وأنا استودعكموها معاشر الناس و

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٧٧.

٦١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سائلكم عنها(١) .

٢ ـ قال ابن شهرآشوب : ومن فصاحته وعلمهعليه‌السلام ما رواه موسى بن عقبة أنّه امر معاوية الحسين أن يخطب ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع رجل يقول من هذا الذي يخطب فقالعليه‌السلام نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون ، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانى كتاب الله تعالى ، فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعوّل علينا فى تفسيره لا يبطينا تأويله بل نتّبع حقائقه.

فاطيعونا فان طاعتنا مفروضة اذا كانت بطاعة الله مقرونة قال الله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وقال :( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ) واحذّركم الاصغاء الى هتوف الشيطان فانّه لكم عدوّ مبين ، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم( لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ) فتقولون للسيوف ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسّهام غرضا لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل قال معاوية حسبك يا أبا عبد الله فقدا بلغت(٢)

٣ ـ عنه باسناده عن محاسن البرقي قال عمرو بن العاص للحسينعليه‌السلام يا ابن علىّ ما بال أولادنا أكثر من أولادكم فقالعليه‌السلام :

بغاث الطير أكثرها فراخا

وأمّ الصقر مقلاة نذور

فقال ما بال الشّيب إلى شواربنا أسرع منه الى شواربكم فقالعليه‌السلام : ان نساءكم نساء بخرة فاذا دنا أحدكم من امرأته نكهت فى وجهه فشاب منه شاربه ، فقال ما بال لحاؤكم أوفر من لحائنا فقالعليه‌السلام :( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ) فقال معاوية بحقّى عليك إلا سكت فانّه ابن علىّ بن

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٢٠٧.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٢.

٦٢

أبى طالب فقالعليه‌السلام :

إن عادت العقرب عدنا لها

وكانت النّعل لها حافرة

قد علم العقرب واستيقنت

أن لا له دنيا ولا آخرة(١)

٤ ـ عنه عن تفسير الثعلبى ، قال الصادقعليه‌السلام : قال الحسين بن علىّ صلوات الله عليهم إذا صاح النّسر قال : يا ابن آدم عش ما شئت آخره الموت واذا صاح الغراب قال انّ البعد من النّاس انس ، واذا صاح القبر قال اللهمّ العن مبغضى آل محمّد وإذا صاح الخطّاف قرأ الحمد لله ربّ العالمين ويمدّ الضّالين كما يمدّها القارى(٢) .

٥ ـ قال الاربلى : انهمعليهم‌السلام رجال الفصاحة وفرسانها ، وحماة البلاغة وشجعانها ، عليهم تهدّلت أغصانها ، ومنهم تشعبت أفنانها ، ولهم انقادت معانيها وهم معانها ؛ ولرياضتهم أطاع عاصيها وأصحب جرانها ، اذا قالوا بذّوا الفصحاء وإذا ارتجلوا سبقوا البلغاء ، وإذا نطقوا أذعن كلّ قائل وأقرّ لهم كلّ حاف وناعل تركت والحسن تأخذه تنتقى منه وتنتحب.

فاصطفت منه محاسنه ، واستزادت فضل ما تهب بألفاظ تجارى الهواء رقة ، والصخر متانة ، وحلم يوازى السماء ارتفاعا والجبال رزانة ، أذعنت لهم الحكم ، وأجابت ندائهم الكلم وأطاعهم السيف والقلم ، وصابوا وأصابوا فما صوب إليهم ورثوا البيان كابرا عن كابر ، وتسنّموا قلل الفضائل ، تسمّنهم متون المغاير ، وتساووا فى مضمار المعارف فالآخر يأخذ عن الأوّل والأوّل يملى على الآخر :

شرف تتابع كابرا عن كابر

كالرمح أنبوبا على أنبوب

يفوح أرج النبوّة من كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظمهم ، وتعجز الأوايل والاواخر عن مقالهم ، فى كلّ موطن ومقامهم ، فهم سادات الناس وقادتهم

__________________

(١) المناقب : ٢ / ١٩٣.

(٢) المناقب : ٢ / ١٩٣.

٦٣

فى جاهليّتهم وإسلامهم ، فما ساجلهم فى منقبة إلّا غلب وما شابهم ماجد إلّا قيل أطمع من أشعب شنشنة معروفة فى السلف والخلف ، وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف.

ومن كلامهعليه‌السلام لمّا عزم على الخروج الى العراق قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله وصلّى الله على رسوله وسلّم خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهنى إلى أسلافى اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخيّر لى مصرع أنا لاقيه ، كأنّى بأوصال يتقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيمتلآن منّى أكراشا جوفا واجربة سغبا.

لا محيص من يوم خطّ بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ، لن يشذّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لحمته وهى مجموعة له فى حظيرة القدس تقرّبهم عينه ، ويتنجّز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقائنا نفسه فليرحل فانّى راحل مصبحا إن شاء الله.

خطبعليه‌السلام فقال : يا أيّها الناس نافسوا فى المكارم ، وسارعوا فى المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا ، وكسبوا الحمد بالنجع ، ولا تكتسبوا بالمطل ذمّا فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له رأى أنّه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته ، فانّه أجزل عطاء وأعظم أجرا ، واعلموا انّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتحور نقما ،

واعلموا انّ المعروف مكسب حمدا ، ومعقب أجرا. فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا ، يسرّ الناظرين ، ولو رأيتم اللّوم رأيتموه سمجا مشوّها تنفّر منه القلوب ، وتغضّ دونه الابصار.

أيها الناس من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو وان أعفى الناس من عفى عن قدرة وانّ أوصل الناس من وصل من قطعه

٦٤

والاصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة الى أخيه كافاه بها فى وقت حاجته ، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكبر منه ، ومن نفّس كربة مؤمن فرّج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحبّ المحسنين(١) .

٦ ـ باب دلائله خوارق عاداتهعليه‌السلام

١ ـ محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الوشّاء ، والحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبى خديجة ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : لمّا حملت فاطمهعليها‌السلام بالحسين جاء جبرئيل الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إنّ فاطمةعليها‌السلام ستلد غلاما تقتله أمّتك من بعدك ، فلمّا حملت فاطمة بالحسينعليه‌السلام كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لم تر فى الدّنيا أمّ تلد غلاما تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت أنّه سيقتل قال : وفيه نزلت هذه الآية( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٢) .

٢ ـ عنه عن محمّد بن يحيى ، عن علىّ بن اسماعيل ، عن محمّد بن عمر الزيّات ، عن رجل من أصحابنا عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال : إنّ جبرئيلعليه‌السلام نزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : يا محمّد إنّ الله يبشّرك بمولود يولد من فاطمة ، تقتله أمّتك من بعدك فقال يا جبرئيل وعلى ربّى السّلام لا حاجة لى فى مولود يولد من فاطمة ، تقتله أمّتى من بعدى ، فعرج ثمّ حبطعليه‌السلام فقال له مثل ذلك فقال : يا جبرئيل وعلى ربّى السلام لا حاجة لى فى مولود تقتله امّتى من بعدى.

__________________

(١) كشف الغمة : ٢ / ٢٨ ـ ٣٠.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٤.

٦٥

فعرج جبرئيلعليه‌السلام الى السماء ثمّ هبط فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويبشّرك بأنّه جاعل فى ذرّيته الامامة والولاية والوصيّة ، فقال : قد رضيت ثمّ أرسل إلى فاطمة إنّ الله يبشّرنى بمولود يولد لك ، تقتله امّتى من بعدى فأرسلت إليه لا حاجة لى فى مولود منى تقتله أمّتك من بعدك فأرسل إليها أنّ الله قد جعل فى ذرّيته الامامة والولاية والوصيّة.

فأرسلت إليه انّى قد رضيت ، «فحملته( كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) فلولا أنّه قال : أصلح لى فى ذرّيتى لكانت ذريّته كلّهم أئمّة.

فلم يرضع الحسين من فاطمةعليها‌السلام ولا من انثى ، كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه فى فيه فيمصّ منها ما يكفيها اليومين والثلاث ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول الله ودمه ولم يولد لستّة أشهر إلّا عيسى بن مريمعليه‌السلام والحسين بن علىعليهما‌السلام . وفى رواية أخرى ، عن أبى الحسن الرضاعليه‌السلام أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصّه فيتجزى به ولن يرتضع من أنثى(١) .

٣ ـ عنه عن علىّ بن محمّد رفعه ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام فى قول اللهعزوجل :( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) قال : حسب فرأى ما يحلّ بالحسينعليه‌السلام ، فقال : انّى سقيم لما يحلّ بالحسينعليه‌السلام (٢) .

٤ ـ عنه عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن علىّ بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن محمّد بن حمران قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لمّا كان من أمر الحسينعليهما‌السلام ما كان ضجّت الملائكة إلى الله بالبكاء ، و

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٤.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٥.

٦٦

قالت : يفعل هنا بالحسين صفيك وابن نبيّك؟ قال : فأقام الله لهم ظلّ القائمعليه‌السلام وقال : بهذا انتقم لهذا(١) .

٥ ـ عنه عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علىّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبى جعفرعليه‌السلام قال : لمّا نزل النصر على الحسين بن علىّ حتّى كان بين السّماء والارض ثمّ خيّر : النصر أو لقاء الله ، فاختار لقاء الله(٢) .

٦ ـ عنه عن الحسين بن محمّد قال : حدّثنى أبو كريب وأبو سعيد الاشج قال : حدّثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه إدريس بن عبد الله الأودى ، قال : لمّا قتل الحسينعليه‌السلام أراد القوم أن يوطّئوه الخيل ، فقالت فضّة لزينب : يا سيّدتى إنّ سفينة كسر به فى البحر فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد ، فقال : يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطريق والأسد رابض فى ناحية.

فدعينى أمضى إليه وأعلمه ما هم صانعون غدا ، قال : فمضت إليه فقالت : يا أبا الحارث فرفع رأسه ثمّ قالت : أتدري ما يريدون أن يعملوا غدا بأبى عبد اللهعليه‌السلام ؟

يريدون أن يوطّئوا الخيل ظهره ، قال : فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسينعليه‌السلام فاقبلت الخيل فلمّا نظر وإليه قال لهم عمر بن سعد ـ لعنه الله : فتنة لا تثيروها انصرفوا ، فانصرفوا(٣) .

٧ ـ عنه عن علىّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أحمد ، عن الحسن ابن علىّ ، عن يونس ، عن مصقلة الطحّان قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : لمّا قتل الحسينعليه‌السلام أقامت امرأته الكلبيّة عليه ماتما وبكت وبكين النساء والخدم حتّى

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٥.

(٢) الكافى : ١ / ٤٦٥.

(٣) الكافى : ١ / ٤٦٥.

٦٧

جفّت دموعهنّ وذهبت فبينا هى كذلك إذا رأت جارية من جواريها تبكى ودموعها تسيل فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعك؟

قالت : انّى لمّا أصابنى الجهد شربت شربة سويق قال : فأمرت بالطعام والاسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت وقالت : إنّما نريد بذلك أن نقوى على البكاء على الحسينعليه‌السلام . قال : وأهدى الى الكلبية جؤنا لتستعين بها على ماتم الحسينعليه‌السلام .

فلمّا رأت الجؤن قالت ما هذه؟ قالوا : هديّة أهداها فلان لتستعينى على ماتم الحسين فقالت : لسنا فى عروس ، فما نصنع بها؟ ثمّ أمرت بهنّ فأخرجن من الدار فلمّا أخرجن من الدار لم يحسّ لها حسّ كأنّما طرن بين السّماء والارض ولم ير لهنّ بها بعد خروجهنّ من الدار أثر(١) .

٨ ـ قال أبو جعفر الطبرى الامامى : حدّثنا محروز بن منصور ، عن أبى مخنف لوط بن يحيى ، قال : حدّثنا عبّاس بن عبد الله ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال أتيت الحسين وهو يخرج الى العراق فقلت له يا ابن رسول الله : لا تخرج ، فقال : يا ابن عبّاس أما علمت إن منعتنى من هناك كان مصارع أصحابى هناك قلت له : فانّى لك ذلك ، قال بسرّ سرّه لى وعلم أعطيته(٢) .

٩ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد البلوى ، قال : حدّثنا عمارة بن زيدة قال : حدّثنا إبراهيم بن سعيد وكان مع زهير بن القين حين صحب الحسين كما أخبر قال قال الحسين له : يا زهير اعلم أنّ هاهنا مشهدى ويحمل هذا (وأشار الى رأسه) من جسدى زحر بن قيس فيدخل به على يزيد يرجو نواله فلا يعطيه

__________________

(١) الكافى : ١ / ٤٦٠.

(٢) دلائل الامامة : ٧٤.

٦٨

شيئا(١)

١٠ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد سفيان ، عن وكيع ، عن الأعمش ، قال : قال لى أبو محمّد الواقدى وزرارة بن حلح ، لقينا الحسين قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث ليال فأخبرناه بضعف الناس فى الكوفة وإن قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأوما بيده نحو السماء ففتحت أبواب السماء ونزل من الملائكة عددا لا يحصيهم إلّا الله وقال : لو لا تقارب الأشياء وهبوط الاجر لقاتلتهم بهؤلاء ولكن أعلم علما أنّ هناك مصرعى ومصارع أصحابى لا ينجو منهم إلّا ولدى علىّ(٢)

١١ ـ عنه حدّثنا محمّد بن جيد ، عن أبيه جيد بن سالم بن جيد ، عن راشد بن مزبدة قال شهدت الحسين بن على وصحبته من مكّة حتّى أتينا القطقطانة ثمّ استأذنته فى الرجوع فأذن فرأيته وقد استقبلته سبع فكلمه فوقف له قال ما حال الناس بالكوفة قال قلوبهم معك وسيوفهم عليك ، قال ومن خلفت بها؟ قال ابن زياد وقد قتل مسلم بن عقيل ، قال واين تريد؟ قال عدن ، قال : ايّها السبع هل عرفت ماه الكوفة؟ قال ما علمنا من علمك إلّا ما زودتنا ، ثمّ انصرف وهو يقول :( وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (٣) .

١٢ ـ عنه حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن محمّد ، قال حدّثنا سعيد ابن شرفى بن القطامى ، عن زفر بن يحيى ، عن كثير بن شاذان قال : شهدت الحسين بن على وقد اشتهى عليه ابنه على الأكبر عنبا فى غير أوانه فضرب بيده الى سارية المسجد فأخرج له عنبا وموزا فاطعمه وقال : ما عند الله لأوليائه أكثر(٤) .

١٣ ـ عنه حدثنا سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن الأعمش ، قال : سمعت أبا

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٤.

(٢) دلائل الامامة : ٧٤.

(٣) دلائل الامامة : ٧٤.

(٤) دلائل الامامة : ٧٥.

٦٩

صالح التّمار يقول : سمعت حذيفة يقول : سمعت الحسين بن على يقول : والله ليجتمعنّ على قتلى طغاة بنى أميّة ويقدمهم عمر بن سعد ، وذلك فى حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت له أنبأك بهذا رسول الله قال لا ، فأتيت النبيّ فأخبرته ، فقال علمى علمه وعلمه علمى وأنا لنعلم بالكائن قبل كينونته(١)

١٤ ـ عنه حدّثنا يزيد بن مسروق ، قال حدّثنى عبد الله بن مكحول ، عن الأوزاعى قال بلغنى خروج الحسين الى العراق فقصدت مكّة فصادفته بها ، فلمّا رآنى رحّب بى وقال : مرحبا بك يا اوزاعى جئت تنهانى عن المسير ويأبى الله إلّا ذلك إن من هاهنا إلى يوم الاثنين منيتى فجهدت فى عدد الأيّام فكان كما قال(٢) .

١٥ ـ عنه حدّثنا عيسى بن معاذ بن ماهان بن معدان قال حدّثنا أبو جابر كيسان بن جرير ، عن أبى النباخ محمّد بن يعلى ، قال لقيت الحسين على ظهر لكوفة وهو راحل مع الحسن يريد معاوية ، فقلت أرضيت يا أبا عبد الله؟ فقال شقشقة هدرت وفورة أنارت وشجا عرى وسم زعاق وقيعان بالكوفة وكربلا انّى والله لصاحبها وصاحب ضحيتها والعصفور فى سنابلها إذا تواضع نواحى الجبل وهجهج كوفان الوهل ، ومنع البرجانبه وعطل بيت الله الحرام ، وأرجف الوقيد وقدح الهبيد.

فيا لها من زمر أنا صاحبها ايه إيه أنّى وكيف ولو شئت لقلت أين أنزل وأين أقيم فقلت يا ابن رسول الله ما تقول؟ قال مقامى بين أرض وسماء ونزولى حيث حلّت الشيعة الأهلاب والأكباد الصلاب لا يتضعضعن للضيم ولا يأنفون تجرّ مفاصلهم ليحيى بهم أهل ميراث على ورثة بيته(٣)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٥.

(٢) دلائل الامامة : ٧٥.

(٣) دلائل الامامة : ٧٥.

٧٠

١٦ ـ عنه روى هارون بن خارجة ، عن أبى عبد الله ، قال قال الحسين بن علىّ لغلمانه لا تخرجوا يوم كذا وكذا اليوم سمّاه وأخرجوا يوم الخميس فانكم ان خالفتمونى قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم وكان قد أرسلهم الى ضيعة فخالفوه وأخذوا طريق الحرة ، فاستقبلهم لصوص فقتلوهم كلّهم ، فدخل على الحسين والى المدينة من ساعته ، فقال : بلغنى قتل غلمانك ومواليك فآجرك الله فيهم قال أما أنّى أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك عليهم.

قال أو تعرفهم؟ قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم لرجل جاء معه فقال الرجل يا ابن رسول الله كيف عرفتنى وما كنت فيهم ، قال : إن صدقتك أتصدق؟ قال : نعم والله لأصدقنّ ، قال خرجت ومعك فلان وفلان سماهم كلّهم بأسمائهم وفيه أربعة من موالى الأسود ، والبقية من سائر أهل المدينة ، فقال الوالى لتصدقنّ أو لانثرنّ لحمك وربّ القبر والمنبر بالسياط ، فقال والله ما كذب الحسين فكأنّه كان معنا ، فجمعهم الوالى فأقرّوا جميعا فأمر بهم فضربت أعناقهم(١) .

١٧ ـ عنه وروى الهيثم النهدى عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد الكنانى ، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال خرج الحسين بن علىعليهما‌السلام فى بعض أسفاره ، ومعه رجل من ولد الزبير بن العوام ، يقول بامامته فنزلوا طريقهم بمنزل تحت نخل يابس من العطش ففرش للحسين تحتها وبازائه نخل ليس عليها رطب.

قال فرفع يده ودعا بكلام لم أفهمه فاخضرت النخلة وعادت الى حالها ، حملت رطبا ، فقال الجمال الذي اكترى منه : هذا سحر والله ، فقال الحسين ويلك إنّه ليس بسحر ولكنّها دعوة ابن نبىّ مستجابة ، ثمّ صعدوا النخلة فجنوا منها ما كفاهم جميعا(٢)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٦.

(٢) دلائل الامامة : ٧٦.

٧١

١٨ ـ عنه روى محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سمعان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن صباح المزنى ، عن صالح بن ميثم الاسدى ، قال دخلت أنا وعباية بن الربعى على امرأة من بنى والبة قد احترق وجهها من السجود ، فقال لها عباية يا حبابة هذا ابن أخيك ، قالت وأيهم؟ قال صالح بن ميثم فقالت ابن أخى والله حقا يا ابن أخى ألا أحدّثك بحديث سمعته من الحسين بن على؟ قلت بلى يا عمّة.

قالت كنت زوارة للحسين فحدث بين عينى وضح فشق ذلك علىّ واحتبست عنه أيّاما فسأل عنّى ما فعلت حبابة الوالبية قالوا حدت ما بين عينيها حدث منعها ، فقال لأصحابه قوموا بنا إليها فدخل علىّ فى مسجدى هذا وقال يا حبابة ما أبطأ بك علىّ؟ قلت يا بن رسول الله ما منعنى إلّا ما اضطررت به الى التخلف وهو هذا الذي حدث بى وكشفت القناع فنظره ونفث عليه.

قال يا حبابة احمدى لله شكرا فانّ الله قد اذهبه عنك فخررت ساجدة لله شكرا فقال يا حبابة ارفعى رأسك فانظرى فى مرآتك فرفعت رأسى ونظرت فى المرآة ، فلم أجد منه أثرا فقال يا حبابة نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء(١) .

١٩ ـ عنه روى أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبى إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبى جعفرعليه‌السلام ، قال ذكرت خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه فقال يا أبا حمزة انّى سأحدثك بما لا تشك فيه بعد مجلسنا هذا ، انّ الحسين لما فصل متوجها الى العراق دعا بقرطاس وكتب فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن على إلى بنى هاشم : أمّا بعد فانّه من لحق بى استشهد ومن تخلّف عنّى فانّه لم يبلغ الفتح(٢)

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٧.

(٢) دلائل الامامة : ٧٧.

٧٢

٢٠ ـ عنه ، أخبرنى ابو الحسين محمّد بن هارون عن أبيه ، عن أبى على ، محمّد ابن همام ، قال : أخبرنا جعفر بن محمّد بن مالك ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسين الهاشمى ، قدم إلينا من مصر ، قال : حدّثنى القاسم بن منصور الهمدانيّ بدمشق ، عن عبد الله بن محمّد التميمى ، عن سعد بن أبى خيران ، عن الحرث بن وكيدة ، قال : كنت فيمن حمل رأس الحسين فسمعته يقرأ سورة الكهف.

فجعلت أشكّ فى نفسى وأنا اسمع نغمة أبى عبد الله ، فقال لى يا ابن وكيدة أما علمت أنا معشر الائمّة أحياء عند ربّنا نرزق ، فقلت فى نفسى استرق رأسه ، فقال يا ابن وكيدة ليس لك الى ذاك سبيل إن سفكهم دمى أعظم عند الله من تسييرهم رأسى ، فذرهم فسوف يعلمون( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ) (١)

٢١ ـ عنه أخبرنى أبو الحسين محمّد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبى على محمّد ابن همام ، عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبى القاسم ، عن أبيه ، عن الحسن بن على ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله لما منع الحسين وأصحابه من الماء نادى فيهم من كان ظمآن فليجئ.

فأتاه أصحابه رجلا رجلا فجعل ابهامه فى فم واحد فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل حتى ارتووا كلّهم ، فقال بعضهم والله لقد شربنا شرابا ما شربه أحد من العالمين فى دار الدنيا ، ولما عزموا على القتال فى الغد أقعدهم الحسين عند المغرب رجلا رجلا يسمّيهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، ودعا بمائدة فأطعمهم وأكل معهم وتلك من طعام الجنّة وسقاهم من شرابها.

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ولقد والله رآهم عدّة من الكوفيّين لو عقلوا ، قال : ثمّ أرسلهم فعاد كلّ واحد الى بلاده ثمّ أتى جبل رضوى فلا يبقى أحد من المؤمنين إلّا

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٨.

٧٣

أتاه وسيقيم هنا لك على سرير من نور قد حف به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء ومن ورائهم المؤمنون ينظرون ما يقول الحسين فهم بهذا الحال حتّى يقوم المهدى ، فاذا قام أتوا كربلا ووافوا الحسين فلا يبقى سماوىّ ولا أرضيّ الا حفّ به يزوره ويصافحه ويقعد معه على السرير ، يا مفضل هذه والله لرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء ولا وراءها لطالب مطلب(١) .

٢٢ ـ حدثني أبو الفضل محمّد بن عبد الله ، قال : حدّثنى أبو النجم بدر بن الطبرستانى ، قال : حدّثنى أبو جعفر محمّد بن على الشلمغانى ، عمّن حدّثه عن أبى جعفر قال لما ولد الحسين هبط جبرئيل فى الف ملك يهنّون النبيّ بولادته وكان ملك يقال له فطرس فى جزيرة من جزائر البحر بعثه الله فى أمر فابطأ فكسر جناحه وأزاله عن مقامه وأهبطه الى تلك الجزيرة ، فمكث فيها خمسمائة عام ، وكان صديقا لجبرئيل.

فلمّا رآهم قال لجبرئيل الى أين قال : نهنئ النبيّ محمّدا بمولود ولد له فى هذه الليلة فقال احملنى إليه لعلّه يدعو لي ، فحمله ولما أدّى جبرئيل التهنئة نظر النبيّ الى فطرس ، فسأله جبرئيل عنه فأخبره بشأنه فالتفت إليه رسول الله ، وقال له امسح جناحك على هذا المولود يعنى الحسين فمسح جناحه فعاد الى حالته ورضى الله عنه ويسمّى عتيق الحسين ، وأمر أن يلزم أرض كربلا فيخبر بكلّ مؤمن زاره الى يوم القيمة(٢) .

٢٣ ـ أبو جعفر المشهدى باسناده ، عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه ، قال : لمّا عزم الحسين بن علىعليهما‌السلام ، على الخروج الى العراق أتيته فقلت له : أنت ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحد سبطيه ، أرى الى أنّك تصالح كما صالح أخوك الحسن ، فانّه

__________________

(١) دلائل الامامة : ٧٨.

(٢) دلائل الامامة : ٧٩.

٧٤

كان موفقا راشدا.

فقال لى : «يا جابر ، قد فعل أخى ذلك بأمر الله وأمر رسوله ، وإنّى أيضا أفعل بأمر الله وأمر رسوله ، أتريد أن أستشهد لك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّا وأخى الحسن بذلك الآن؟

ثمّ نظرت فاذا السّماء قد انفتح بابها ، وإذا رسول الله وعلىّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر وزيد نازلين عنها حتّى استقرّوا على الارض ، فوثبت فزعا مذعورا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جابر ألم أقل لك فى أمر الحسن قبل الحسين لا تكون مؤمنا حتّى تكون لأئمّتك مسلّما ، ولا تكن معترضا؟ أتريد أن ترى مقعد معاوية ومقعد الحسين ابنى ومقعد يزيد قاتله لعنه الله. قلت : بلى يا رسول الله. فضرب برجله الأرض فانشقّت فظهر بحر ، فانفلق ، ثمّ ضرب فانشقّت هكذا حتّى انشقّت سبع أرضين وانفلقت سبعة أبحر فرأيت من تحت ذلك كلّه النار ، فيها سلسلة قرن فيها الوليد بن مغيرة وأبو جهل ومعاوية الطاغية ويزيد ، وقرن بهم مردة الشياطين فهم أشدّ أهل النار عذابا.

ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ارفع رأسك فرفعت ، فاذا أبواب السماء متفتحه ، واذا الجنّة أعلاها ، ثمّ صعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن معه الى السّماء ، فلمّا صار فى الهواء صاح بالحسين يا بنىّ الحقنى فلحقه الحسينعليه‌السلام ، وصعدوا حتّى رأيتم دخلوا الجنّة من أعلاها ، ثمّ نظر الىّ من هناك رسول الله ، وقبض على يد الحسين ، وقال يا جابر ، هذا ولدى معى هاهنا ، فسلّم له أمره ، ولا تشك لتكون مؤمنا.

قال جابر : فعميت عيناى ان لم أكن رأيت ما قلت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

٢٤ ـ عنه عن صالح بن ميثم ، قال : دخلت أنا وعباية بن ربعى وامرأة من بنى

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٢.

٧٥

والبة يقال لها : حبابة الوالبية قد احتزّ وجهها من السّجود ، فقال عباية : يا حبابة ، هذا ابن أخيك قالتعليه‌السلام اىّ أخ؟ قال : صالح بن ميثم.

قالت : ابن أخى والله حقّا ، يا ابن اخى ، ألا أحدثك حديثا سمعته من الحسين ابن علىعليهما‌السلام ؟ قلت : بلى يا عمّة قالت : كنت زوّارة للحسينعليه‌السلام ، فحدث بين عينى وضح ، فشق ذلك علىّ ، واحتبست عنه أيّاما ، فسأل عنّى : ما فعلت حبابة الوالبية ، فقالوا : إنّها حدث بها وضح بين عينيها ، فقال لأصحابه : قوموا بنا فقام حتّى دخل علىّ وأنا فى مسجدى هذا.

فقال : يا حبابة ، ما الذي أبطأ بك علىّ؟ فقلت : يا ابن رسول الله ، ما ذاك الذي منعنى إلّا وضح حدث بين عينى ، فكرهت اتيانك فنظر الىّ فكشفت القناع ، وتفل عليه ، فقال : يا حبابة ، احدثى لله شكرا ، فانّ الله قدد رأه عنك ، قالت : فخررت ساجدة لله تعالى ، وقال : يا حبابة ، ارفعى رأسك وانظرى فى مرآتك قالت فرفعت رأسى ونظرت فى المرآة ، فلم أحسّ منه شيئا ، فحمدت الله تعالى ، فنظر الىّ وقال : يا حبابة ، نحن وشيعتنا على الفطرة ، وسائر الناس منه براء(١) .

٢٥ ـ عنه باسناده عن محمّد بن سنان ، قال : سئل علىّ بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن الحسين بن علىعليهما‌السلام ، وأنّه قتل عطشانا ، قال : من أين ذلك؟! وقد بعث الله تعالى إليه أربعة أملاك من عظماء الملائكة ، هبطوا إليه وقالوا له : الله ورسوله يقرءان عليك السلام ، ويقولان اختر إن شئت إمّا تختار الدنيا بأسرها وما فيها ونمكنك من كلّ عدوّ لك ، أو الرفع إلينا.

فقال الحسينعليه‌السلام : على الله وعلى رسول الله السلام؟ بل الرفع إليه. ودفعوا إليه شربة من الماء فشربها ، فقالوا له : أما إنّك لا تظمأ بعدها أبدا(٢)

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٤

(٢) الثاقب فى المناقب : ٣٢٧.

٧٦

٢٦ ـ عنه ، عن الرضاعليه‌السلام ، قال : هبط على الحسينعليه‌السلام ملك وقد شكا إليه أصحاب العطش ، فقال : إنّ الله تعالى يقرئك السلام ويقول : هل لك من حاجة؟ فقال الحسينعليه‌السلام : هو السلام ومن ربّى السلام ، وقال : قد شكا الىّ أصحابى ـ ما هو أعلم به منّى ـ من العطش. فأوحى الله تعالى الى الملك : قل للحسين : خطّ لهم بإصبعك خلف ظهرك يرووا ، فخطّ الحسين بإصبعه السبابة فجرى نهرا أبيض من اللّبن وأحلى من العسل.

فشرب منه هو وأصحابه ، فقال الملك : يا ابن رسول الله ، تأذن لى أن أشرب منه ، فانّه لكم خاصة وهو الرحيق المختوم الذي( خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ ) . فقال الحسينعليه‌السلام : إن كنت تحبّ أن تشرب منه فدونك وقد كتبت الحديثين من الجزء السادس والثمانين من كتاب (البستان) من تصنيف محمّد بن أحمد ابن على بن الحسين بن شاذان(١) .

ثمّ قال الحسنعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام : أتدري ما مثلنا الليلة؟ انّى سمعت رسول الله وهو يقول : انّ مثلكما مثل يونس بن متى إذ أخرجه الله من بطن الحوت فألقاه الله على جنب البحر ، وأنبت عليه شجرة من يقطين ، وأخرج له عينا من تحتها ، فكان يأكل من اليقطين ، ويشرب من ماء العين.

فاخرج الله تعالى لنا الليلة عينا من ماء ؛ وسمعت جدّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : أمّا العين فهى لكم ، وأمّا اليقطين فأنتم عنه أغنياء ، وقال الله تعالى فى يونس( وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ) . وأمّا نحن فسيحتج الله بنا على أكثر من ذلك ، يمتّعون الى حين(٢) .

٢٧ ـ الراوندى باسناده ، عن أبى خالد الكابلى ، عن يحيى ابن أمّ الطويل قال :

__________________

(١) الثاقب فى المناقب : ٣٢٧.

(٢) الثاقب فى المناقب : ٣٢٨.

٧٧

كنّا عند الحسينعليه‌السلام إذ دخل إليه شابّ يبكى ، قال له الحسينعليه‌السلام ما يبكيك؟ قال : إنّ والدتى توفّيت فى هذه السّاعة ولم توص ولها مال كانت قد أخبرتنى أنى لا احدّث فى أمرها حتّى أعلمك خبرها فقال الحسينعليه‌السلام قوموا حتّى نصير الى هذه الحرّة ، فقمنا معه حتّى انتهينا الى باب البيت الّذي توفيت فيه المرأة ، وهى مسجاة.

فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتّى توصى بما تحبّ من وصيها فأحياها فاذا المرأة قد جلست وهى تشهد فنظرت إلى الحسينعليه‌السلام فقال ادخل البيت يا مولاى ومرنى بأمرك فدخل وجلس على مخدّة ، ثمّ قال : أوصى رحمك الله وقالت يا ابن رسول الله إنّ لى من المال كذا وكذا فى مكان كذا وكذا.

وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك والثلثان لا بنى هذا ان علمت انّه من مواليك ، وأوليائك ، وإن كان مخالفا فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين فى أموال المؤمنين ثمّ سألته أن يصلّى عليها وأن يتولّى أمرها ، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت(١) .

٢٨ ـ عنه باسناده ، عن جابر الجعفى عن زين العابدينعليه‌السلام ، قال أقبل أعرابىّ إلى المدينة ليختبر الحسينعليه‌السلام لما ذكر له من دلائله فلمّا صار بقرب المدينة خضخض ودخل المدينة فدخل على الحسينعليه‌السلام وهو جنب ، فقال له أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام أمّا تستحيى يا أعرابى أن تدخل على إمامك وأنت جنب وقال : أنتم معاشر العرب اذا دخلتم خضخضتم فقال الاعرابى قد بلغت حاجتى فيما جئت فيه فخرج من عنده واغتسل ورجع إليه فسأله عمّا كان فى قلبه(٢) .

٢٩ ـ عنه باسناده عن مندل بن هارون بن صدقة عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام أنّه قال إنّ الحسينعليه‌السلام كان اذا أراد ان ينفذ غلمانه فى بعض أموره قال لهم لا

__________________

(١) الخرائج : ٢٢٥.

(٢) الخرائج : ٢٢٦.

٧٨

تخرجوا يوم كذا وأخرجوا يوم كذا فانّكم ان خالفتمونى قطع عليكم فخالفوه مرّة فخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم فاتّصل الخبر الى الحسينعليه‌السلام ، فقال لقد حذرتهم فلم يقبلوا منّى.

ثمّ قام من ساعته ودخل على الوالى فقال الوالى يا أبا عبد الله بلغنى قتل غلمانك فآجرك الله فيهم ، فقال الحسينعليه‌السلام فانى أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم ، فقال أتعرفهم يا ابن رسول الله قال : نعم كما أعرفك وهذا منهم واشار بيده إلى رجل واقف بين يدى الوالى.

فقال الرجل ومن أين قصدتنى بهذا ومن أين تعرف أنى منهم ، قال له الحسينعليه‌السلام ان أنا صدقتك فاصدقنى؟ فقال الرجل نعم ، والله لأصدقنّك ، فقال خرجت ومعك فلان وفلان ، وذكرهم كلّهم فمنهم أربعة من موالى المدينة والباقون من حبشان المدينة فقال الوالى للرجل والله ما كذب الحسينعليه‌السلام ولقد صدق وكأنّه كان معنا فأقرّوا جميعا فضرب أعناقهم(١) .

٣٠ ـ عنه قال : إنّ رجلا صار إلى الحسينعليه‌السلام فقال جئتك استشيرك فى تزويجى فلانة ، قال : لا احبّ لك ذلك ، وكانت كثيرة المال وكان الرجل أيضا مكثرا فخالف الحسينعليه‌السلام ، فتزوّج بها فلم يلبث الرجل حتّى افتقر فقال له الحسينعليه‌السلام : قد اشرت عليك فخلّ سبيلها ، فانّ الله يعوضك عنها خيرا منها ، ثمّ قال : فعليك بفلانة فتزوّجها فما مضى له سنة حتّى كثر ماله وولدت له ولدا ذكرا ورأى منها ما أحبّ(٢) .

٣١ ـ عنه قال : إنّهعليه‌السلام سئل فى حال صغره عن أصوات الحيوان ، لأنّ من شرط الامام أن يكون عالما بجميع اللّغات حتى أصوات الحيوانات فقال على ما

__________________

(١) الخرائج : ٢٢٦.

(٢) الخرائج : ٢٢٦.

٧٩

روى محمّد بن إبراهيم بن الحارث التميمى عن الحسينعليه‌السلام انّه قال : اذا صاح النسر فانّه يقول يا ابن آدم عش ما شئت فآخره الموت ، وإذا صاح البازى يقول يا عالم الخفيّات يا كاشف البليّات ، واذا صاح الطاوس يقول مولاى ظلمت نفسى واغتررت بزينتى فاغفر لي.

اذا صاح الدرّاج يقول : الرحمن على العرش استوى ، واذا صاح الدّيك يقول من عرف الله لم ينس ذكره واذا قرقرت الدجاجة يقول يا إله الحقّ أنت الحقّ وقولك بالله يا حقّ ، واذا صاح الباشق يقول : آمنت بالله وباليوم الآخر ، واذا صاح الحداة يقول توكّل على الله ترزق ، واذا صاح العقاب يقول من أطاع الله لم يشقّ ، واذا صاح الشاهين يقول سبحان الله حقّا حقّا.

اذا صاحت البومة يقول البعد من الناس أنس ، واذا صاح الغراب يقول : يا رازق ابعث بالرّزق الحلال ، واذا صاح الكركى يقول : اللهمّ احفظنى من عدوّى ، واذا صاح اللّقلق يقول من تخلّى من الناس نجّى من أذاهم ، واذا صاحت البطّة يقول غفرانك يا الله ، واذا صاح القمرى يقول بالله غفرانك ، واذا صاح الهدهد يقول ما أشقى من عصى الله.

اذا صاح القمرى يقول يا عالم السرّ والنجوى يا الله ، وإذا صاح الدلبى يقول : أنت الله لا إله سواك يا الله ، واذا صاح العقعق يقول سبحان من لا يخفى عليه خافية ، واذا صاح الببّغاء يقول من ذكر ربّه غفر ذنبه ، واذا صاح البلبل يقول : لا إله إلّا الله حقّا حقّا ، واذا صاحت القبجة يقول يا ابن آدم ما اغفلك من الموت ، واذا صاحت السودانيق يقول لا إله إلّا الله محمّد وآله خيرة الله.

اذا صاحت الفاختة يقول يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد ، واذا صاح الشقراق يقول : مولاى اعتقنى من النار ، واذا صاحت القبرة يقول : مولاى تب على كلّ مذنب من المؤمنين ، واذا صاح الورشان يقول ان لم تغفر ذنبى شقيت ، واذا

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة.

وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم عليعليه‌السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة. وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة. وحَكَم عمر فيه ببقرة. وحَكَم عليعليه‌السلام في الضبع بشاة(١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شي‌ء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة(٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة.

وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو من أحد الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يجب استئناف الحكم - وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد(٣) - لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً.

وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالى :( يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .

والجواب : التقدير ثبوت الحكم.

مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور - وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ

____________________

= ٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦.

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٥٤٥ - ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ - ٢٩٢.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، =

٤٠١

النَّعَمِ ) (١) .

وروى العامّة : أنّ علياعليه‌السلام حكم فيها ببدنة(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي النعامة جزور »(٣) .

وفي حديث آخر : « بدنة »(٤) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد تقدّم(٥) .

ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها على البرّ ، وأطعم ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض(٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النّعم ، لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٩) .

وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ، لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإتلاف‌

____________________

= فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨.

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

(٥) تقدّم في المسألة السابقة.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨.

(٧) المائدة : ٩٥.

(٨) أي : بالإِضافة.

(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤٠٢

قوّم المتلف كالذي لا مثل له(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً(٢) .

ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً - وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر(٣) - لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٤) .

وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً - وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان - لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا(٥) .

ويبطل بتقديم النصّ على القياس.

مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٩ - ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨.

٤٠٣

فقال بعضهم : إنّها على الترتيب(١) - وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على ذلك - يعني الذبح - قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً»(٣) وهو يدلّ على الترتيب.

ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ، لأنّه فعل محظور.

وقال بعضهم : إنّها على التخيير(٤) - وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان(٥) - وهو المعتمد ، لقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً ) (٦) و « أو » للتخيير.

قال ابن عباس : كلّ شي‌ء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ. رواه العامّة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شي‌ء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار »(٨) .

ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذى.

____________________

(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ - ٢٨٥.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢.

(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨‌.

(٦) المائدة : ٩٥.

(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦.

٤٠٤

وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد(١) أيضاً.

وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم.

ولأنّه عطف الطعام على الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدى الخصال لم يجز ذلك فيه.

ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قدر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما.

مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكينا لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً.

وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوما لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم.

والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات.

وقول الصادقعليه‌السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة »(٢) .

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ /٧ ١١٨٥.

٤٠٥

إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم.

مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام »(٢) .

مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :

أحدهما : من صغار الإِبل(٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٤) .

والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء(٥) ، وبه قال مالك(٦) .

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير.

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٥٩ - ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢.

(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤.

(٧) المائدة : ٩٥.

٤٠٦

ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة.

واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى :( هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال »(٢) .

الثاني : كفّارة قتل حمار الوحش وبقرته.

مسألة ٣٢٢ : لو قتل الـمُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا - وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٣) - للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية.

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقعليه‌السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « عليه بقرة »(٤) .

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة. وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي(٥) .

وقال أبو حنيفة : تجب القيمة. وقد سلف(٦) .

إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي‌

____________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٦) سلف في صفحة ٣٩٩.

٤٠٧

عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي(١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة(٢) ؛ لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك(٣) . وللمشابهة في الصورة. ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت(٤) .

مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا.

وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد. وقد سلف(٥) البحث معه.

وقد روى أبو عبيدة عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النّعم دراهم ثم قوّمت الدراهم طعاما لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوما »(٦) .

وعن أبي بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً »(٧) .

مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوما كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٣.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧)

(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢.

(٤) سلفت في صدر المسألة.

(٥) سلف في المسألة ٣١٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

٤٠٨

لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم(١) في النعامة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً »(٢) .

والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم(٣) .

ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يجد(٤) فليطعم ثلاثين مسكينا ، فإن لم يجد(٥) فليصم تسعة أيّام »(٦) .

الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب.

مسألة ٣٢٥ : لو قتل الـمُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال عليعليه‌السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر(٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً.

وما رواه العامّة عن جابر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة )(٨) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « وفي الظبي شاة »(٩) .

____________________

(١) تقدم في المسألة ٣١٩.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤.

(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٤و٥) في المصدر : فإن لم يقدر.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٨٢.

(٨) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١.

٤٠٩

وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة. وقد تقدّم(١) البحث معه.

مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أصاب الـمُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ](٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٣) .

وسأل أبو بصير الصادقَعليه‌السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين »(٤) .

مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً »(٥) .

____________________

(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ - ٣٤٢ / ١١٨٣.

٤١٠

واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم(١) .

ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ(٢) »(٣) .

مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً؟ قال : « مثل ما في الثعلب »(٤) .

قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي(٥) . ولم يثبت.

ويمكن الاحتجاج بقول الصادقعليه‌السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ »(٦) .

إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال عطاء(٧) - لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « في الأرنب شاة »(٨) .

____________________

(١) تقدّم في المسألة ٣١٨.

(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨.

(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧.

(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩.

٤١١

وقال ابن عباس : فيه حمل(١) .

وقال الشافعي : فيه عناق(٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي.

إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي(٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب.

الرابع : كسر بيض النعام.

مسألة ٣٢٩ : إذا كسر الـمُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا.

لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه(٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة.

ولما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر»(٥) .

وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنينعليه‌السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ - ١٣١.

(٤) في « ن » : فيه.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨.

٤١٢

ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة؟ فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فاسأل ابني الحسن -عليه‌السلام - عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق(١) » فتبسّم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا( ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .

وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض - وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة.

ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه الـمُحْرم : ثمنه )(٤) (٥) .

ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي.

والحديث مرسل لا اعتداد به.

وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد(٦) .

____________________

(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً. لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق ».

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١.

٤١٣

وقال داود وأهل الظاهر : لا شي‌ء في البيض(١) .

مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه»(٢) .

والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة »(٣) .

مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا.

ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن‌

____________________

(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

٤١٤

عليه شي‌ء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام.

ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء. وللشافعي قولان(١) .

ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكذا لو كان البيض فاسداً.

وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً(٢) .

وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولقول الكاظمعليه‌السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شي‌ء »(٣) .

الخامس : كسر بيض القطا والقبج.

مسألة ٣٣٢ : لو كسر الـمُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى.

وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة(٤) . وقد تقدّم(٥) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ - ٤٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ - ٢٠٢ / ٦٨٤.

(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ - ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢.

(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩.

٤١٥

عدد البيض من الإِبل »(١) .

وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه الـمُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل »(٢) .

مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخرحمه‌الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء(٣) .

و نَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام(٤) .

والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه!؟

تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الإستبصار ٢ : ٠٣ / ٦٨٩‌

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ - ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧.

(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٤٥.

(٤) السرائر : ١٣٢ - ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨.

٤١٦

به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً.

وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها.

ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض.

البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص‌(١)

مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور.

وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق(٢) فالحجل حمام ، لأنّه مطوَّق.

ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع - وبه قال عليعليه‌السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق(٣) - لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام‌

____________________

(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص.

(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥.

٤١٧

بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة »(٢) .

ولأنّها حمامة [ مضمونة ](٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم.

ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة - إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام - لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة.

ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل(٥) .

وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى :( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما. وهو الجواب عن الثاني.

مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل الـمُحْرم للحمامة ، أمّا الـمُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ، لقول الصادق‌

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨.

(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير.

(٤) المائدة : ٩٥.

(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧.

(٦) المائدة : ٩٥.

٤١٨

عليه‌السلام : « في الحمامة درهم »(١) .

وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَعليه‌السلام : عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما »(٣) .

ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة.

مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما.

ولأنّ الشاة تجب على الـمُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على الـمُحِلّ في الحرم ، فالـمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :

ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن(٤) قتلها في جوف الحرم؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن(٥) قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره »(٦) .

مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٢) أي : في رجليهما ريش. مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١.

(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه. وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣.

٤١٩

الصغير صغير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن »(١) .

ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم »(٢) .

مسألة ٣٣٨ : لو كسر الـمُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحلّ ، لقول الصادقعليه‌السلام : « وإن وطأ الـمُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى :( تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ ) (٣) »(٤) .

ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقولهعليه‌السلام : « وفي البيض رُبْع درهم »(٥) .

ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ.

مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم(٦) ؛ لأصالة البراءة.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧.

(٣) المائدة : ٩٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣.

(٥) المصادر في الهامش (٢)

(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531