من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟0%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 33883
تحميل: 1949

توضيحات:

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33883 / تحميل: 1949
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: 978-964-2501-97-7
العربية

ودعا الحسين بن عليّعليهما‌السلام مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه ، فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداويّ وعمارة بن عبدٍ السلوليّ وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي ، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف ، فإنْ رأى الناسَ مجتمعين مستوسقين عجّلَ إليه بذلك.

فأقبل مسلم حتّى دخل الكوفة ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد.

وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعةٌ قرأ عليهم كتاب الحسين بن عليّعليهما‌السلام وهم يبكون.

وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، وقيل : بل بايعه أكثر من ثلاثين ألفاً.

فكتب مسلمرحمه‌الله إلى الحسينعليه‌السلام يُخبره ببيعة القوم ويأمره بالقدوم

قال المؤرّخون :

ولكنّ ابن زياد دهمهم ، فألقى القبض على الوجوه والرؤساء وزجَّهم في السجون ، من أمثال المختار وسليمان بن صرد الخزاعي ، وتفرّق العامّة ، وبقي مسلم وحيداً ، فلاذ بهاني بن عروة ، فرحّب به ، وجعل يتمارض مجاملةً مع ابن زياد في عدم إجابته لدعوته ، حتّى تمكّن منه بإحضاره إلى

٢٦١

قصر الإمارة ، فلمّا حضر لديه غدر به ابن زياد وأودعه السجن.

فأمسى مسلم حائراً بنفسه ، فصادف في طريقه امرأةً من كندة اسمها طوعة ، فاستسقاها ماءً ، فجاءت المرأة بالماء وشرب ثمّ وقف ، فعرفت المرأة فيه الغربة والوحشة ، فدعته إلى بيتها لتخفيه حتّى الصباح ، حتّى جاء ابنها ، فسألها عن السبب في كثرة دخولها البيت ، فأخبرته بأمر مسلم بعد أنْ أخذت منه العهود على أنْ لا يفشي هذا السرّ ، لكنّه غدا إلى ابن الأشعث وأخبره بذلك ، فأبلغ ابن زياد ، فأرسل الجند للقبض عليه.

وكان مسلم يتلو القرآن دبر صلاته ، إذ سمع وقع حوافر الخيل وهمهمة الفرسان ، فأوحت إليه نفسه بدنو الأجل ، فبرز ليث بني عقيل من عرينه مستقبلاً باب الدار والعسكر وعليهم محمّد بن الأشعث ، وانتهى أمر المتقابلين إلى النزال ، ومسلم راجل وهم فرسان ، لكنّ فحل بني عقيل شدّ عليهم شدّ الضرغام على الأنعام ، وهم يولّونه الأدبار ويستنجدون بالحاميات ، وقذاءة النار ترمى عليه من السطوح ، وهو لا يزال يضرب فيهم بسيفه ويقول في خلال ذلك متحمّساً :

أقسمتُ لا أُقتل إلّاحرّا

وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

ويجعل الباردَ سُخناً مُرّا

رُدَّ شُعاعُ الشمسِ فاستقرّا

كلُّ امرئٍ يوماً ملاق شرّا

أخافُ أن أُكذَبَ أو أُغَرّا

ثمّ اختلف هو وبكير بن حمران الأحمري بضربتين ، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى ونصلت لها ثنيّتان ، فضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه ، وثنّى بأُخرى على حبل عاتقه كادت تأتي على جوفه ، فاستنقذه أصحابه ، وعاد مسلم ينشد شعره.

٢٦٢

اضطُرّ ابنُ الأشعث إلى وعده مسلماً بالأمان إذا ألقى سلاحه ، فقال : لا أمان لكم.

وبعدما كرّروا عليه ، رأى التسليم فريضة ، محافظة للنفس وحقناً للدماء ، فسلّم إليه نفسه وسلاحه ، ثمّ استولوا عليه ، فعرف أنّه مخدوع ، فندم ولات حين مندم.

ثمّ أقبل محمّد بن الأشعث بمسلم إلى باب القصر ، فاستأذن فأُذن له ، فأخبر عبيد الله بخبر مسلم وضرب بكير إيّاه.

فقال : بعداً له.

فأخبره بأمانه ، فقال : ما أرسلناك لتؤمنه ، إنّما أرسلناك لتأتي به ؛ فسكت.

وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر أُناس ينتظرون الإذن ، منهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو الباهلي ، وكثير بن شهاب ، فاستسقى مسلم رضي الله عنه الماء وقد رأى قلّة موضوعة على الباب ، فقال مسلم الباهلي : أتراها ما أبردها ، لا والله لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم.

فقال له : ويحك من أنت؟!

قال : أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.

فقال : لأُمّك الثكل ، ما أجفاك وما أفظّك وأقسى قلبك وأغلظك! أنت يا بن باهلة أَوْلى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.

٢٦٣

ثمّ تساند وجلس إلى الحائط ، فبعث عمرو بن حريث مولاه سليمان فجاءه بقلّة ، وبعث عمارة غلامه قيساً فجاءه بقلّة عليها منديل ، فصبّ له ماءً بقدح ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً من فمه ، حتّى إذا كانت الثالثة سقطت ثنيّتاه في القدح فقال : الحمد لله ، لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته.

ولمّا أدخلوه على عبيد الله لم يسلّم عليه بالإمرة ، فقال له الحرسي : ألا تسلّم على الأمير؟!

فقال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟!

فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلنّ.

قال : فدعني أُوصي بعض قومي.

قال : افعل.

فنظر مسلم رضي الله عنه إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد ابن أبي وقّاص ، فقال : يا عمر! إنّ بيني وبينك قرابة ، ولي إليك حاجة ، وهي سرّ.

فامتنع عمر أن يسمع منه ، فقال له عبيد الله : لِم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك؟!

فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد ، فقال له : إنّ علَيَّ بالكوفة سبعمائة درهم ، فبع سيفي ودرعي فاقضها عنّي ، وإذا قتلت فاستوهب جثّتي من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى الحسينعليه‌السلام من يردّه ، فإنّي كتبت إليه وأعلمته أنّ الناس معه ، ولا أراه إلّامقبلاً ومعه

٢٦٤

تسعون إنساناً بين رجل وامرأة وطفل.

فقال عمر لابن زياد : أتدري أيّها الأمير ما قال لي؟!

فقال له ابن زياد ـ على ما رواه في «العقد الفريد»(١) ـ : اكتم على ابن عمّك!

قال : هو أعظم من ذلك ، إنّه ذكر كذا وكذا.

فقال له ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد ائتمن الخائن ؛ أمّا ماله فهو له ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت ، وأمّا جثّته فإنّا لا نبالي إذا قتلناه ما صُنع بها ، وأمّا حسين فإنْ هو لم يُرِدْنا لم نُرِدْه.

ثمّ قال لعمر بن سعد : أمَا والله إذ دللت عليه لا يقاتله أحد غيرك!

ثمّ أقبل ابن زياد على مسلم يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلاً ، ومسلم لا يكلّمه ، ثمّ قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر وادعوا بُكيرَ بن حمران الأحمري الذي ضربه مسلم.

فصعدوا به وهو يكبّر ويستغفر الله ويصلّي على رسوله ويقول : اللهمّ احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذَبونا وخذلونا.

فأُشرف به على موضع الحذّائين ، فضرب عنقه بكير بن حمران ، ثمّ أتبع رأسه جسده من أعلى القصر.

وكان مقتل مسلم رضي الله عنه يوم الأربعاء في اليوم الثامن من ذي الحجّة ـ يوم التروية ـ وهو اليوم الذي خرج فيه الحسينعليه‌السلام

__________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٣٦٥

٢٦٥

يقصد الكوفة ملبّياً دعوتها.

وجاء الحسينعليه‌السلام هذا النبأ المفجع وهو بزرود.

وأمّا هاني بن عروة ، فقد كان محبوساً عند ابن زياد ، فأُخرج من الحبس ـ بعد قتل مسلم ـ وجيء به إلى السوق الذي يباع فيه الغنم مكتوفاً ، فجعل ينادي : وا مذحجاه! ولا مذحج لي اليوم ، وا مذحجاه! وأين منّي مذحج؟!

فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره ، جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أمَا من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاهد به رجل عن نفسه؟!

فتواثبوا عليه وشدّوه وثاقاً ثمّ قيل له : أُمدد عنقك!

فقال : ما أنا بها سخيّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي.

فضربه مولىً لعبيد الله بن زياد تركيٌّ ـ يقال له : رشيد ـ بالسيف فلم يصنع سيفه شيئاً.

فقال هاني : إلى الله المعاد ، اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك.

ثمّ ضربه ضربة أُخرى فقتله ، وكان ذلك يوم التاسع من ذي الحجّة بعد قتل مسلم بيوم واحد ، وكان له من العمر سبع وتسعون سنة.

وأمر ابن زياد فسُحب جثتاهما من أرجلهما بالأسواق والناس ينظرون إليهما ، يا له منظراً فظيعاً وعبرة للمعتبر!

ثمّ إنّ ابن زياد بعث برأسَي مسلم وهاني إلى يزيد ، مع هاني بن أبي حيّة الوادعي والزبير بن الأروح التميمي ، واستوهب جثّتيهما ودفنوهما عند القصر حيث موضعهما اليوم ، وقبراهما كلّ على حدة.

قال عبد الله بن الزبير الأسدي يؤبّنهما من أبيات :

٢٦٦

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئٍ في السوق وابن عقيلِ

إلى بطلٍ قد هشّم السيفُ وجهَه

وآخرَ يهوي من طمارٍ قتيلِ(١)

__________________

(١) انظر : الإرشاد ٢ / ٣٩ ـ ٦٥ ، تاريخ الطبري : ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٩٣ ، الأخبار الطوال : ٢٣١ ـ ٢٤٢ ، الكامل في التاريخ : ٣ / ٣٨٦ ـ ٣٩٨ ، البداية والنهاية : ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٦ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٢٨٥ ـ ٣٠٨

٢٦٧
٢٦٨

الفصل الثالث :

الإعلان عن

العزم على الخروج من مكّة

٢٦٩
٢٧٠

وظلّ الإمامعليه‌السلام مدّة بقائه في مكّة يعلن عن عزمه على الخروج إلى العراق ، ويخبر بذلك أهل مكّة والقادمين إليها ، ويؤكّد أنّه إذا بقي بها قُتل واستحلّت بقتله :

«لأنْ أُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ من أن تستحلّ بي ـ يعني مكّة ـ»(١) .

«والله لأنْ أُقتل خارجاً منها بشبرٍ أحبّ إلي من أن أُقتل داخلاً منها بشبر ، وأيم الله لو كنتُ في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيَّ حاجتهم ، ووالله ليعتدنّ علَيَّ كما اعتدت اليهود في السبت»(٢) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام حوادث ٦١ : ١٠٦ ـ ترجمة الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ وقال محقّقه : «أخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح» ، المعجم الكبير ٣ / ١٢٠ ح ٢٨٥٩ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ، الفتوح ٥ / ٧٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٢ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩٢ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤٢ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣١٤ ، وغيرها

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٨ ، أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٥ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١١ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٠ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٣ و ٣٠٦ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ١٨٦

٢٧١

«والله لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي»(١) .

«إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله وأمرني بأمر أنا ماضٍ له ، ولست بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي»(٢) .

«لا بُدّ لي إذاً من مصرعي»(٣) .

«مهما يقضِ الله من أمرٍ يكن»(٤) .

ولمّا سئل عن سبب العجلة في الخروج من مكّة ، قال :

«لو لم أعجل لأُخِذت»(٥) .

«خفت أنّه يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت»(٦) .

ولمّا ذُكّر بما فعله أهل الكوفة بأبيه وأخيه ، قال :

«إنّه ليس يخفى علَيَّ ما قلتَ وما رأيت ، ولكنّ الله لا يُغلب على

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٥ ، تاريخ دمشق ١٤ / ٢١٦ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٣١ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٥ ـ ٢٦١٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١

(٢) تاريخ الإسلام ٢ / ٢٤٣ ، وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٦ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٢ ، أُسد الغابة ١ / ٤٩٨ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩١ ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤١ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣١ و ١٣٤

(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٧ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣١ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦٠٩

(٤) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٦ ، تهذيب الكمال ٤ / ٤٩٠ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٣٩٩ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ١٨٥

(٥) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٧ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٤ ، الإرشاد ٢ / ٦٧ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٥ ب ٣٧

(٦) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٢٨

٢٧٢

أمره»(١) .

«لأن أُقتل بيني وبين الحرم باع أحبّ إليَّ من أنْ أُقتل وبيني وبينه شبر ، ولئن أُقتل بالطفّ أحبّ إليَّ من أن أُقتل بالحرم»(٢) .

«لأن أُدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أنْ أُدفن بفناء الكعبة»(٣) .

وفي هذه الأثناء جاءته الرسل ، وكتاب سليمان بن صرد وجماعته ، وجاءه كتاب مسلم بن عقيل كما تقدّم.

وعبد الله بن الزبير يترصّد وينتظر خروجه وقد كان ينصح الإمام بذلك ، وقال له : «أمَا إنّه لو كان لي بها شيعة مثل شيعتك ما عدلت عنهم»(٤) .

ولمّا ودّع عبد الله بن عبّاس الإمامعليه‌السلام قال له : «أقررتَ عين ابن الزبير».

ثمّ لمّا خرج ابن عبّاس ورأى ابن الزبير قال له : «يا ابن الزبير! قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد الله يخرج ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر

خَلا لَكِ الجوُّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري(٥)

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٧

(٢) كامل الزيارات : ٧٢ ب ٢٣ ح ٤

(٣) كامل الزيارات : ٧٣ ب ٢٣ ح ٦

(٤) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٤ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٥ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ١٨٦

(٥) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ٤٢٨ ، أنساب الأشراف ٣ / ٣٧٤ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٩٧ ، مختصر تاريخ دمشق ٧ / ١٤٢ ـ ١٤٣ ، البداية والنهاية ٨ / ١٣٢ ، بغية الطلب ٦ / ٢٦١١ ، الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ١٨٧

٢٧٣

كلمة حول ابن الزبير

وكم فرقٌ بين قضيّة الإمام الحسينعليه‌السلام وقضيّة عبد الله بن الزبير!!

فقد دلَّت الأحوال والأقوال من عبد الله بن الزبير أنّه كان طالباً للحكومة وبأيّ ثمنٍ ، حتّى لو تطلّب ذلك إراقة الدماء وهتك الحرمات قال ابن خلّكان :

«حكى سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبي ، قال : لقد رأيت عجباً! كنّا بفناء الكعبة ، أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان ، فقال القوم بعدما فرغوا من صلاتهم : ليقم رجل رجل منكم فليأخذ الركن اليماني وليسأل الله حاجته ، فإنّه يعطى من ساعته ، قم يا عبد الله بن الزبير ، فإنّك أوّل مولود وُلد في الهجرة.

فقام وأخذ بالركن اليماني ثمّ قال : اللهمّ إنّك عظيم تُرجى لكلّ عظيم ، أسألك بحرمة عرشك وحرمة وجهك وحرمة نبيّك عليه الصلاة والسلام أنْ لا تميتني حتّى تولّيني الحجاز ويُسلّم علَيَّ بالخلافة.

وجاء حتّى جلس فقال : قم يا مصعب ...»(١) .

وخرج الإمام من مكّة

وقال الإمامعليه‌السلام في الطريق لمن تكلّم معه ليمنعه من

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ٢٩ ـ ٣٠ رقم ٣٢١ ترجمة عبد الله بن عمر

٢٧٤

الذهاب : «لا يخفى علَيَّ شيء ممّا ذكرت ، ولكنّي صابر ومحتسب ، إلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولاً»(١) .

وما زالعليه‌السلام يؤكّد على أنْ الّذين كتبوا إليه هم الّذين سيقتلونه ، ومن ذلك قوله : «ما كانت كُتب مَن كَتب إليّ في ما أظنّ إلّا مكيدة لي وتقرّباً إلى ابن معاوية بي»(٢) .

وخرج الإمامعليه‌السلام بأهله وعياله ومن معه نحو العراق ، وقد قال لمن سأله أنْ لا يأخذ الأهل : «ما أرى إلّاالخروج بالأهل والولد»(٣) .

«أعلم يقيناً أنّ هناك مصرعي ومصارع أصحابي ، لا ينجو منهم إلّا ولدي عليّ»(٤) .

وعن حمله للنسوة قالعليه‌السلام :

«إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا»(٥) .

__________________

(١) الفصول المهمّة ـ لابن الصبّاغ المالكي ـ : ١٨٩

(٢) أنساب الأشراف ٣ / ٣٩٣

(٣) الأخبار الطوال : ٢٤٤ ، وانظر مؤدّاه في الصواعق المحرقة : ٢٩٨

(٤) دلائل الإمامة : ٧٤ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٤ ب ٣٧

(٥) إثبات الوصية : ١٦٦ ، الملهوف على قتلى الطفوف : ١٢٨ ، بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٤ ب ٣٧

٢٧٥
٢٧٦

الفصل الرابع :

في مجمل الوقائع في الطريق

٢٧٧
٢٧٨

ونتعرّض في ما يلي لأهمّ الوقائع التي مرّ بها الإمامعليه‌السلام في طريقه من مكّة إلى العراق ، كما ذكرها الرواة والمؤرّخون :

أخذه العِير في التنعيم

قالوا : خرج الإمامعليه‌السلام من مكّة يوم التروية ، وسار هو وأصحابه فمرّوا بالتنعيم ، فرأى بها عِيراً قد أقبلت من اليمن بعث بها بَحير ابن رَيْسان من اليمن إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن ، وعلى العِير الوَرْس والحُلل ، فأخذها الحسين وقال لأصحاب الإبل : مَنْ أحبّ منكم أن يمضي معنا إلى العراق أَوْفَينا كِراءه وأحسنّا صُحْبته ، ومَنْ أحبّ أن يفارقنا من مكاننا أعطيناه نصيبه من الكِراء ؛ فمَن فارق منهم أعطاه حقّه ، ومن سار معه أعطاه كراءه وكساه(١) .

الإمام والفرزدق في الصفاح

ثمّ سار ، فلمّا انتهى إلى الصفاح قال ابن الأثير : لقيه الفرزدق الشاعر فقال له : أعطاك اللهُ سُؤلك وأملك في ما تحبّ.

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٦ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١

٢٧٩

فقال له الحسين : بيّن لي خبر الناس خلفك.

قال : الخبيرَ سألتَ ، قلوبُ الناس معك ، وسيوفهم مع بني أُميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء.

فقال الحسين : صدقتَ ، لله الأمرُ ، يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربّنا في شأن ، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يعتدِ مَنْ كان الحقّ نيّته ، والتقوى سريرته(١) .

وصول كتاب عبد الله بن جعفر

وذكروا وصول كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمامعليه‌السلام ؛ فروى الطبري عن عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، قال :

لمّا خرجنا من مكّة ، كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمّد :

أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب ؛ والسلام.

قال : وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة ، وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠١ ـ ٤٠٢

٢٨٠