من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟0%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 33797
تحميل: 1943

توضيحات:

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33797 / تحميل: 1943
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: 978-964-2501-97-7
العربية

وقال السيّد ابن طاووس : «ووثب هلال بن نافع البجلي فقال : والله ما كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نُوالي من والاك ، ونعادي من عاداك.

قال : وقام برير بن خضير ، فقال : والله يا ابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطّع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة»(١) .

بين الإمام والطرمّاح وأصحابه في عذيب الهِجانات

فسار الإمامعليه‌السلام حتّى وصل عذيب الهجانات ، كان بها هجائن النعمان ترعى هناك فنسب إليها ، قال ابن الأثير :

فإذا هو بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له : الكامل ، ومعهم دليلهم الطِّرِمّاح بن عديّ ، فانتهوا إلى الحسين ، فأقبل إليهم الحُرّ وقال : إنّ هؤلاء النفر من أهل الكوفة وأنا حابسهم أو رادّهم.

فقال الحسين : لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري ، وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تمّمتَ على ما كان بيني وبينك ، وإلّا ناجزتُك.

فكفّ الحُرّ عنهم ، فقال لهم الحسين : أخبروني خبر الناس خلفكم؟

فقال له مجمّع بن عبيد الله العامريّ ـ وهو أحدهم ـ : أمّا أشراف

__________________

(١) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٨ ـ ١٣٩

٣٠١

الناس فقد أُعظِمت رشوتهم ، ومُلئت غرائرهم ، فهم أَلْبٌ واحدٌ عليك.

وأمّا سائر الناس بعدهم ، فإنّ قلوبهم تهوي إليك ، وسيوفهم غداً مشهورة عليك.

وسألهم عن رسوله قيس بن مُسْهِر ، فأخبروه بقتله وما كان منه ، فترقرقت عيناه بالدموع ولم يملك دمعته ، ثمّ قرأ :( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلاً ) (١) ؛ اللهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة ، واجمعْ بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، وغائب مذخور ثوابك.

وقال له الطرِمّاح بن عديّ : والله ما أرى معك كثيرَ أحدٍ ، ولو لم يقاتلك إلّاهؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، ولقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي جمعاً في صعيد واحد أكثر منه قطّ ليسيروا إليك ، فأنشدك الله إن قدرتَ على أن لا تقدم إليهم شبراً فافعلْ.

فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسِرْ حتّى أُنزلك جبلنا أجأ ، فهو والله جبل امتنعنا به من ملوك غسّان وحِمْير والنعمان بن المنذر ، ومن الأحمر والأبيض ، والله ما إن دخل علينا ذُلّ قطّ ، فأسيرُ معك حتّى أُنزلك [القُرَيَّة] ، ثمّ تبعث إلى الرجال ممّنْ بأجأ وسَلمى من طيّئ ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّئ رجالاً وركباناً ، ثمّ أقمْ فينا ما بدا لك ، فإن هاجك هَيْجٌ ، فأنا زعيمٌ لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم ، فوالله لا يُوصل إليك أبداً وفيهم عين تطرف.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٣

٣٠٢

فقال له : جزاك الله وقومك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندري علامَ تتصرّف بنا وبهم الأُمور.

فودّعه وسار إلى أهله ووعده أن يوصل الميرة إلى أهله ويعود إلى نصره ، ففعل ، ثمّ عاد إلى الحسين ، فلمّا بلغ عُذيب الهِجانات لقيه خبر قتله ، فرجع إلى أهله(١) .

وقال الطبري :

«حتّى انتهوا إلى عذيب الهِجانات وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له : الكامل ، ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ على فرسه ، وهو يقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري

وشمّري قبل طلوع الفجرِ

بخير رُكبان وخير سفرِ

حتّى تحلي بكريم النجرِ

الماجد الحرّ رحيب الصدرِ

أتى به اللهُ لخير أمرِ

ثمّت أبقاه بقاء الدهرِ

قال : فلمّا انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات ، فقال : أما والله إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا ، قُتلنا أم ظفرنا.

قال : وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال : ...»(٢) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤٠٩ ـ ٤١٠

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ، وانظر : مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ ١ / ٣٣٣

٣٠٣

بين الإمام ورجل من الكوفة في الرهيمة

قال الشيخ الصدوق :

«ثمّ سار حتّى نزل الرهيمة ، فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنّى أبا هرم ، فقال : يا ابن النبيّ! ما الذي أخرجك من المدينة؟!

فقال : ويحك يا أبا هرم! شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلنّي ، ثمّ ليلبسنّهم الله ذلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، وليسلّطنّ عليهم مَن يذلّهم»(١) .

بين الإمام وعبيد الله بن الحرّ في قصر بني مقاتل

وسار الإمام عليه الصلاة والسلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل ، فنزل به ، فرأى فسطاطاً مضروباً فقال : لمَنْ هذا؟

فقيل : لعبيد الله بن الحُرّ الجُعفيّ.

فقال : ادعوه لي.

فلمّا أتاه الرسول يدعوه قال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والله ما خرجتُ من الكوفة إلّاكراهية أن يدخلها الحسين وأنا بها ، والله ما أُريد أن أراه ولا يراني.

فعاد الرسولُ إلى الحسين فأخبره ، فلبس الحسين نعلَيْه ثمّ جاء فسلّم عليه ودعاه إلى نصره ، فأعاد عليه ابن الحُرّ تلك المقالة ، قال : فإلّا تنصرني فاتّقِ الله أن تكون ممّن يقاتلنا ، فوالله لا يسمع واعيتَنا أحدٌ ثمّ

__________________

(١) الأمالي : ٢١٨ المجلس ٣٠

٣٠٤

لا ينصرنا إلّاهلك.

فقال له : أمّا هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله تعالى.

ثمّ قام الحسين إلى رحله ، ثمّ سار ليلاً ساعةً فخفق برأسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين.

فأقبل إليه ابنُه عليّ بن الحسين ، فقال : يا أبتِ جُعلتُ فداك! مِمّ حمدتَ واسترجعتَ؟

قال : يا بنيّ إنّي خفقتُ [برأسي] خفقةً فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم ؛ فعلمتُ أنّ أنفسنا نُعيت إلينا.

فقال : يا أبتِ لا أراك اللهُ سُوءاً ، ألسنا على الحقّ؟!

قال : بلى والذي يرجع إليه العباد.

قال : إذاً لا نبالي أن نموت محقّين.

فقال له : جزاك الله من ولد خيراً ما جزى ولداً عن والده.

فلمّا أصبح نزل فصلّى ثمّ عجّل الركوبَ فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم ، فأتى الحُرّ فردّه وأصحابه ، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه وارتفعوا ، فلم يزالوا يتياسرون حتّى انتهوا إلى نِينَوى»(١) .

الإمام في نينوى وكتاب ابن زياد للحرّ

ووصل الإمامعليه‌السلام إلى نينوى ، فلمّا نزل بها «إذا براكبٍ مقبلٍ من الكوفة ، فوقفوا ينتظرونه ، فسلّم على الحُرّ ولم يسلّم على الحسين

__________________

(١) انظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٤١٠ ـ ٤١١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩

٣٠٥

وأصحابه ، ودفع إلى الحُرّ كتاباً من ابن زياد ، فإذا فيه :

أمّا بعد ، فجعجِعْ(١) بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلّابالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرتُ رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ؛ والسلام.

فلمّا قرأ الكتاب قال لهم الحُرّ : هذا كتاب الأمير يأمرني أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وقد أمر رسولَه أن لا يفارقني حتّى أُنفذ رأيه.

وأخذهم الحُرّ بالنزول على غير ماء ولا في قرية ، فقالوا : دَعْنا ننزل في نينوى أو الغاضريّة أو شُفَيّة.

فقال : لا أستطيع ، هذا الرجل قد بُعث عيناً علَيَّ.

فقال زُهير بن القَين للحسين : إنّه لا يكون والله بعد ما ترون إلّاما هو أشدّ منه يا ابن رسول الله ، وإنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَن يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينّا من بعدهم ما لا قِبل لنا به!

فقال الحسين : ما كنتُ لأبدأهم بالقتال.

فقال له زهير : سِرْ بنا إلى هذه القرية حتّى ننزلها فإنّها حصينة وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا مِن قتال مَن يجيء بعدهم.

فقال الحسين : ما هي؟

قال : العَقْر.

__________________

(١) الجَعْجَعُ : الموضع الضيّق الخشن ، وقوله : «جَعْجِع» أي : ضيّق عليه المكان ؛ انظر مادّة «جعع» في : لسان العرب ٢ / ٢٩٨ ، تاج العروس ١١ / ٦٧

٣٠٦

قال : اللهمّ إنّي أعوذ بك من العَقْر!

ثمّ نزل ، وذلك يوم الخميس الثاني من محرّم سنة إحدى وستّين.

فلمّا كان الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة آلاف ...»(١) .

وقال الخوارزمي :

«وقال للحسين رجل من شيعته ، يقال له : هلال بن نافع الجملي : يا ابن رسول الله! أنت تعلم أنّ جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقدر أن يُشرب الناس محبّته ، ولا أن يرجعوا إلى ما كان أحبّ ، فكان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ويخلفونه بأمرّ من الحنظل ، حتّى قبضه الله تبارك وتعالى إليه.

وإنّ أباك عليّاً صلوات الله عليه قد كان في مثل ذلك ، فقوم قد أجمعوا على نصرته وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقوم قعدوا عنه وخذلوه ، حتّى مضى إلى رحمة الله ورضوانه وروحه وريحانه.

وأنت اليوم يا ابن رسول الله على مثل تلك الحالة ، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضرّ إلّانفسه ، والله تبارك وتعالى مغنٍ عنه ، فسر بنا يا ابن رسول الله راشداً معافىً مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً ، فوالله الذي لا إله إلّا هو ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك.

قال : وقال للحسين آخر من أصحابه ، يقال له : برير بن خضير

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ / ٤١١ ـ ٤١٢ ، وانظر : الأخبار الطوال : ٢٥١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، المنتظم ٤ / ١٥٢

٣٠٧

الهمداني : يا ابن رسول الله! لقد منّ الله تعالى علينا بك أن نقاتل بين يديك وتقطّع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدّك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شفيعاً يوم القيامة لنا ، فلا أفلح قوم ضيّعوا ابن بنت نبيّهم ، أُفٍّ لهم غداً ما يلاقون ، سينادون بالويل والثبور في نار جهنّم وهم فيها مخلّدون.

فجزّاهم الحسين خيراً.

قال : وخرج وُلد الحسين وإخوته وأهل بيته حين سمعوا الكلام فنظر إليهم وجمعهم عنده وبكى ، ثمّ قال : اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد صلواتك عليه وآله ، قد أُخرجنا وأُزعجنا وطُردنا عن حرم جدّنا ، وتعدّت بنو أُميّة علينا ، اللهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين ؛ ثمّ نادى بأعلى صوته في أصحابه : الرحيل! ورحل من موضعه ذلك»(١) .

وروى السيّد ابن طاووس ، أنّ الإمامعليه‌السلام لمّا بلغ هذه الأرض ، وكان ذلك في اليوم الثاني من المحرّم ، قال : «ما اسم هذه الأرض؟

فقيل : كربلاء.

فقال : انزلوا! ها هنا محطّ ركابنا وسفك دمائنا ، ها هنا مخطّ قبورنا ، وها هنا والله سبي حريمنا ، بهذا حدّثني جدّي.

فنزلوا جميعاً ، ونزل الحرّ وأصحابه ناحية»(٢) .

وقال الشيخ المجلسي :

«فجمع الحسينعليه‌السلام وُلده وإخوته وأهل بيته ، ثمّ نظر إليهم ،

__________________

(١) مقتل الحسين ١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ف ١١

(٢) الملهوف على قتلى الطفوف : ١٣٩

٣٠٨

فبكى ساعةً ، ثمّ قال : اللهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد ، وقد أُخرجنا وطُردنا وأُزعجنا عن حرم جدّنا ، وتعدّت بنو أُميّة علينا ، اللهمّ فخذ لنا بحقّنا ، وانصرنا على القوم الظالمين.

قال : فرحل من موضعه حتّى نزل في يوم الأربعاء أو يوم الخميس بكربلاء ، وذلك في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.

ثمّ أقبل على أصحابه ، فقال : الناس عبيد الدنيا ، والدين لعقٌ على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الديّانون.

ثمّ قال : أهذه كربلاء؟

فقالوا : نعم يا ابن رسول الله.

فقال : هذا موضع كرب وبلاء ، ها هنا مناخ ركابنا ، ومحطّ رحالنا ، ومقتل رجالنا ، ومسفك دمائنا.

قال : فنزل القوم ، وأقبل الحرّ حتّى نزل حذاء الحسينعليه‌السلام في ألف فارس ، ثمّ كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء»(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٨٣

٣٠٩
٣١٠

الفصل الخامس :

طبيعة المجتمع الكوفي

في عصر عليّ والحسنينعليهم‌السلام

٣١١
٣١٢

الذي يظهر من كلمات المؤرّخين ، والنظر في أخبار الرواة ، والتأمّل في مجريات الأُمور والحوادث الواقعة : أنّ أهل الكوفة في زمن أمير المؤمنينعليه‌السلام والحسنينعليهما‌السلام لم يكونوا شيعةً لأهل البيت ، بل كان الطابع العامّ عليهم حبّ الشيخين واحترامهما والمتابعة لهما بل حتّى في القرن الثالث ، عصر مشايخ البخاري ومسلم ، من أهل الكوفة ، الموصوفين بالتشيّع ، فعندما نرجع إلى تراجمهم ونسبر أحوالهم وأخبارهم ، نراهم يحترمون الشيخين ، وإنّما كانوا يتكلّمون في عثمان ، وبعضهم أو كثير منهم يقدّم عليّاً على عثمان ويقولون بأفضليّته عليه وهذا لا ينافي وجود جمع من المحدّثين قيل بتراجمهم «يسبّ الشيخين» لكنّهم كانوا قليلين ويعيشون في تقيّة.

لكنّ الذي يعنينا الآن هو معرفة أحوال الكوفة في زمن الإمام عليّ والحسنينعليهم‌السلام فإنّا لا نشكّ في عدم كون أكثرهم شيعةً بالمعنى الصحيح

ومن الشواهد على ذلك : الخبر التالي ، عن سلمة بن كهيل ، قال :

«جالست المسيّب بن نجبة الفزاري في هذا المسجد عشرين سنة وناس من الشيعة كثير ، فما سمعت أحداً منهم يتكلّم في أحدٍ من أصحاب

٣١٣

رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إلّابخير ، وما كان الكلام إلّافي عليٍّ وعثمان»(١) .

فإنّ «المسيّب بن نجبة» أحد قادة التوّابين ، وعداده في الشيعة ، ولكنّ الشيعة الحقيقيّين كانوا أقليّة ، ولذا كانوا يعيشون في تقيّة.

بل إنّ أهل الكوفة لم يكونوا مطيعين للإمام أمير المؤمنين في زمانه كوليّ للأمر يجب إطاعته وامتثال أوامره كأيّ حاكمٍ آخر من حكّام المسلمين حتّى في حكمٍ جزئي

إنّ الّذين عملوا بحكم عمر بالنافلة في شهر رمضان ولم يسألوه عن وجه هذا الحكم الذي لم تنزل فيه آية في كتاب الله ولا فيه سُنّة من رسول الله لم يسلّموا للإمامعليه‌السلام لمّا نهاهم عن تلك الصلاة ، بل قاموا معترضين عليه ، معلنين مخالفته ينادون : «وا سُنّة عمراه» مع أنّ نفس الدليل القائم عندهم على وجوب متابعة عمر يدلّ على وجوب متابعة عليّ ، وإذا كان عمر من الخلفاء الراشدين ، فعليٌّ كذلك ، وإذا كانوا بايعوا عمر على السمع والطاعة ، فقد بايعوا عليّاً على ذلك أيضاً

وهذه واحدة من القضايا وهي قضية فرعيّة ...!!

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه : «قد عملتِ الولاةُ قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسولَ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسُنّته ، ولو حملتُ الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي وفرض

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ٢٣ / ٣١٥ رقم ٢٨٠

٣١٤

إمامتي من كتاب اللهعزوجل وسُنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذاً لتفرّقوا عنّي.

والله ، لقد أمرتُ الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّافي فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام! غُيّرت سُنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أنْ يثوروا في ناحية جانب عسكري.

ما لقيتُ من هذه الأُمّة من الفرقة وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار؟!»(١) .

ويلاحظ : أنّ الإمامعليه‌السلام يخشى من تفرّق جنده ـ والمفروض أن يكون الجند أطوع للإمام من غيرهم ـ فيما إذا أراد تحويل السنن المبتدعة إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله ، فكيف لو أراد أنْ يحملهم على مرّ الحقّ؟!

وصريح كلامهعليه‌السلام قلّة الشيعة الّذين عرفوا فضله وفرض إمامته

وإذا كان هذا حال القوم مع الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فما ظنّك بحالهم مع الإمام السبط الأكبر ولا سيّما مع دسائس معاوية فيهم

أضف إلى ذلك فرقة الخوارج التي حدثت في أُخريات أيّام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّ هذه الفرقة كانت في ذلك العهد تتحرّك في

__________________

(١) الكافي ٨ / ٥٩ و ٦٢ ـ ٦٣ ح ٢١

٣١٥

صالح بني أُميّة وتعمل في خدمتهم ، وعلى يدها استشهد الإمام الحسنعليه‌السلام .

وسيأتي الكلام على دورهم في استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام .

وعلى الجملة ، فإنّ المجتمع الكوفي في ذلك الوقت كان يتكوّن في الأعمّ الأغلب من الفئات التالية :

١ ـ الشيعة

فلا ريب في وجود جماعةٍ من شخصيات الشيعة الموالين لأهل البيتعليهم‌السلام في الكوفة من أمثال :

سليمان بن صرد ؛

المختار بن أبي عبيد ؛

حبيب بن مظاهر ؛

مسلم بن عوسجة ؛

هاني بن عروة ؛

والأصبغ بن نباتة

٢ ـ الحزب الأُموي

وهؤلاء أيضاً كانوا جماعةً من أشراف الكوفة ، كالّذين كتبوا إلى يزيد يشكونه في أمر «النعمان بن بشير» ، وقد عبَّر عنهم يزيد في كتابه إلى ابن زياد ب «شيعتي» ، وكالّذين تعاونوا مع ابن زياد في القضاء على مسلم بن

٣١٦

عقيل وأصحابه ؛ فمن رجال الحزب الأُموي في الكوفة :

حصين بن نمير ؛

محمّد بن الأشعث بن قيس ؛

عزرة بن قيس ؛

كثير بن شهاب ؛

القعقاع بن شور الذهلي ؛

خالد بن عرفة ؛

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ؛

عبيد الله بن عبّاس السلمي ؛

سمرة بن جندب ؛

يزيد بن الحارث ؛

أسماء بن خارجة ؛

حجّار بن أبجر ؛

شمر بن ذي الجوشن ؛

بكر بن حمران الأحمري.

لقد كان هؤلاء وغيرهم حول ابن زياد ، وهم الّذين جعلوا يخذّلون الناس عن مسلمٍعليه‌السلام ، وعلى أيديهم تمّ القضاء عليه وعلى أصحابه ، وكان لهم دور في حشد الناس لحرب الإمامعليه‌السلام ، ثمّ خرجوا يقودون الجيوش لحربه.

وقد كان جماعة من هؤلاء عيوناً ليزيد ؛ كمسلم بن سعيد الحضرمي ،

٣١٧

وعمارة بن عقبة(١) ، وعبيد الله الحضرمي(٢) ، ومسلم بن عمرو الباهلي.

وقد جاء أنّ الرجل الأخير ـ مسلم بن عمرو الباهلي ـ قد خاطب مسلم بن عقيل قائلاً له : «أنا من عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته»(٣) .

وفي «تاريخ دمشق» ومختصره : «كان عظيم القدر عند يزيد ...»(٤) .

٣ ـ الخوارج

وهؤلاء كانوا كثرةً أيضاً ، وفيهم جماعة من الأشراف ؛ ولذا لمّا خطب ابن زياد في أوّل خطبةٍ له في الكوفة ، أمر بأن تُكتب له أسماؤهم ، ولعلّ من أشهرهم : «الأشعث بن قيس» و «شبث بن ربعي» و «عمرو بن حريث».

ترجمة الأشعث بن قيس

وقد روي في أخبار كثيرة ، أنّ هذا الملعون بايع ضبّاً ـ مع جماعة منهم : عمرو بن حريث وشبث بن ربعي ـ خارج الكوفة ، وسمّوه أمير المؤمنين(٥) .

__________________

(١) انظر : الأخبار الطوال : ٢٣١

(٢) فهو أحد الّذين شهدوا زوراً على حُجر بن عديّ ؛ راجع الصفحة ٩٧

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ٢٩٠ ، البداية والنهاية ٨ / ١٢٧ ؛ وقد تقدّم في الصفحة ٢٦٣ ؛ فراجع!

(٤) تاريخ دمشق ٥٨ / ١١٤ رقم ٧٤٢٦ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٤ / ٢٩٥ رقم ٢٦٦

(٥) تنقيح المقال ١ / ١٤٩ ، وانظر : بصائر الدرجات : ٣٢٦ ح ١٥ ، الخصال : ٦٤٤ ح ٢٦ ، الخرائج والجرائح ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ح ٧٠

٣١٨

ترجمة شَبَث بن ربعي

بايع ـ مع جماعة ـ الضبَّ بدلاً عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وقالوا : إنّهما سواء(١) .

قال شبث : أنا أوّل مَن حرّر الحرورية(٢) .

ترجمة عمرو بن حريث

كان من الصحابة ، وهو أوّل قرشي اتّخذ الكوفة داراً ، وكان من أغنى أهل الكوفة ، وولي لبني أُميّة بالكوفة ، وكانوا يميلون إليه ويتقوّون به ، وكان هواه معهم ؛ فالرجل قرشي مخزومي.

كانت له يد في قتل ميثم التمّار(٣) .

__________________

(١) تنقيح المقال ٢ / ٨٠ ، وانظر : الإصابة ٣ / ٣٧٦ رقم ٣٩٥٩ ، معجم رجال الحديث ١٠ / ١٤ رقم ٥٦٨٧

(٢) التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٤ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ رقم ٢٧٥٥.

والحَرُوريّة : فرقة من الخوارج تُنسب إلى «حَرُوراء» وقيل : «حَرَوْراء» ، وهو قرية أو موضع بظاهر الكوفة ، على ميلين منها ، نزل به الخوارج ، وكان أوّل اجتماعهم بها.

انظر : معجم البلدان ٢ / ٢٨٣ رقم ٣٦٢٩ ، لسان العرب ٣ / ١٢٠ مادّة «حرر»

(٣) تنقيح المقال ٢ / ٣٢٧ ، وانظر : أُسد الغابة ٣ / ٧١٠ رقم ٣٨٩٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٢ رقم ١٩٠٦ ، الإصابة ٤ / ٦١٦ رقم ٥٨١٢ ، معجم رجال الحديث ١٤ / ٩٢ رقم ٨٨٩١ وج ٢٠ / ١٠٧ ـ ١٠٩

٣١٩
٣٢٠