من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟0%

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟ مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

ISBN: 978-964-2501-97-7
الصفحات: 482
المشاهدات: 32703
تحميل: 1760

توضيحات:

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 482 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32703 / تحميل: 1760
الحجم الحجم الحجم
من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

من هم قتلة الحسين شيعة الكوفة ؟

مؤلف:
ISBN: 978-964-2501-97-7
العربية

شاهد ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أرسله بالحقّ وائتمنه على الوحي ،صلى‌الله‌عليه‌وآله .

أمّا بعد ، فوالله إنّي لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّته وأنا أنصح خلقه لخلقه ، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ، ولا مريداً له بسوء ولا غائلة.

ألا وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبّون في الفرقة ، ألا وإنّي ناظرٌ لكم خيراً من نظركم لأنفسكم ، فلا تخالفوا أمري ، ولا تردّوا علَيَّ رأيي ، غفر الله لي ولكم ، وأرشدني وإيّاكم لِما فيه محبّته ورضاه ، إن شاء الله! ثمّ نزل.

قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا : نظنّه يريد أن يصالح معاوية ويكل الأمر إليه ، كفر والله الرجل!

ثمّ شدّوا على فسطاطه فانتهبوه ، حتّى أخذوا مصلّاه من تحته ، ثمّ شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي ، فنزع مطرفه عن عاتقه ، فبقي جالساً متقلّداً سيفاً بغير رداء!

فدعا بفرسه فركبه ، وأحدق به طوائف من خاصّته وشيعته ، ومنعوا منه من أراده ، ولاموه وضعَّفوه لِما تكلّم به ، فقال : ادعوا إليَّ ربيعة وهمدان! فدُعوا له ، فأطافوا به ، ودفعوا الناس عنه ، ومعهم شوْبٌ من غيرهم.

فلمّا مرّ في مظلم ساباط قام إليه رجل من بني أسد ، ثمّ من بني نصر ابن قعين ، يقال له : جراح بن سنان ، وبيده مِغْوَل ، فأخذ بلجام فرسه وقال : الله أكبر يا حسن! أشرك أبوك ثمّ أشركت أنت! وطعنه بالمِغْول

٢١

فوقعت في فخذه فشقّته حتّى بلغت أُربيّته! وسقط الحسنعليه‌السلام إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده ، واعتنقه فخرَّا جميعاً إلى الأرض ، فوثب عبد الله بن الأخطل الطائي ونزع المغول من يد جراح بن سنان فخضخضه به ، وأكبّ ظبيان بن عمارة عليه فقطع أنفه ، ثمّ أخذا له الآجُرَّ فشدخا رأسه ووجهه حتّى قتلوه.

وحُمل الحسنعليه‌السلام على سرير إلى المدائن وبها سعيد بن مسعود الثقفي والياً عليها من قبله ، وقد كان عليٌّعليه‌السلام ولّاه المدائن فأقرّه الحسنعليه‌السلام عليها ، فأقام عنده يعالج نفسه»(١) .

قال الشيخ المفيد : «فلمّا أصبحعليه‌السلام أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له ؛ ليتميّز بذلك أولياؤه من أعدائه ، ويكون على بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام ، فأمر أن ينادى في الناس بالصلاة جامعة ، فاجتمعوا ، فصعد المنبر فخطبهم ، فقال

وحُمل الحسنعليه‌السلام على سرير إلى المدائن ، فأُنزل به على سعد بن مسعود الثقفي ، وكان عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام بها فأقرّه الحسنعليه‌السلام على ذلك ، واشتغل بنفسه يعالج جرحه»(٢) .

وروى الشيخ الصدوق ، أنّ معاوية دسَّ إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجر بن حجر وشبث بن ربعي ، دسيساً أفرد كلّ واحدٍ منهم بعين من عيونه ، أنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مئتا ألف

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ٧١ ـ ٧٢ ، ونحوه في مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٧ ـ ٣٨ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٤٢

(٢) الإرشاد ٢ / ١١ ـ ١٢

٢٢

درهم ، وجند من أجناد الشام ، وبنت من بناتي(١) .

أمّا عبيد الله بن العبّاس ، فقد فرّ إلى معاوية ، وتفرّق الجيش ولم يبق مع قيس بن سعد إلّاأربعة آلاف ، فخطبهم وثبّتهم ، فكايده معاوية بشتّى الوسائل ، حتّى إنّه زوّر عليه رسالةً زعم أنّه أرسلها إليه ، وفيها قبول الصلح والبيعة ، فلم يؤثّر في قيس شيء من ذلك.

فكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنّيه.

فكتب إليه قيس : لا والله لا تلقاني أبداً إلّابيني وبينك الرمح.

فكتب إليه معاوية حينئذ لمّا يئس منه : أمّا بعد ، فإنّك يهودي ابن يهودي ، تشقي نفسك وتقتلها في ما ليس لك ، فإن ظهر أحبّ الفريقين إليك نبذك وغدرك ، وإن ظهر أبغضهم إليك نكَّل بك وقتلك ، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه ، ورمى غير غرضه ، فأكثرَ الحزَّ ، وأخطأ المفصل ، فخذله قومه ، وأدركه يومه ، فمات بحوران طريداً غريباً ؛ والسلام.

فكتب إليه قيس بن سعد : أمّا بعد ، فإنّما أنت وثن ابن وثن ، دخلت في الإسلام كرهاً ، وأقمت فيه فَرَقاً ، وخرجت منه طوعاً ، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً ، لم يَقْدُمْ إسلامك ، ولم يحدث نفاقك ، ولم تزل حرباً لله ولرسوله وحزباً من أحزاب المشركين ، وعدوّاً لله ولنبيّه وللمؤمنين من عباده.

وذكرتَ أبي ، فلعمري ما أوتر إلّاقوسه ، ولا رمى إلّاغرضه ، فشغب عليه مَن لا يشقّ غباره ولا يبلغ كعبه!

وزعمتَ أنّي يهودي ابن يهودي ، وقد علمت وعلم الناس أنّي وأبي

__________________

(١) علل الشرائع ١ / ٢٥٩ ب ١٦٠

٢٣

أعداء الدين الذي خرجت منه ، وأنصار الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه ؛ والسلام(١) .

إلى أن وقع الصلح بين الإمام ومعاوية ، فجاء قيس وقال : إنّي قد حلفت أن لا ألقى معاوية إلّاوبيني وبينه الرمح أو السيف ، فأمر معاوية برمحٍ أو سيف ، فوضع بينهما ليبرّ يمينه(٢) .

هذا ، وقد ذكر المؤرّخون خيانة غير واحدٍ من رؤساء القبائل أيضاً ، فقد روى البلاذري : «وجعل وجوه أهل العراق يأتون معاوية فيبايعونه ، فكان أوّل من أتاه خالد بن معمر فقال : أُبايعك عن ربيعة كلّها. ففعل. وبايعه عفاق بن شرحبيل بن رهم التيمي»(٣) .

لكنْ لا يبعد أن يكون الرجلان قد بايعا معاوية قبل ذلك بكثير ، أي من زمن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

أمّا خالد بن معمر ، الذي بايع معاوية ، فقد روى ابن عساكر أنّه ممّن سعى على الإمام الحسينعليه‌السلام (٤) .

كما ذُكر في بعض المصادر أنّه قد التحق بمعاوية في قبيلته لأمرٍ نقمه على أمير المؤمنينعليه‌السلام (٥) .

وأمّا عفاق بن شرحبيل ، فقد ذكروا أنّه كان من قبيلة يزيد بن حُجَيّة عامل أمير المؤمنينعليه‌السلام على الريّ ، فلمّا عاقبعليه‌السلام يزيد

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ٧٤ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٤٣

(٢) مقاتل الطالبيّين : ٧٩ ، شرح نهج البلاغة ١٦ / ٤٨

(٣) أنساب الأشراف ٣ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥

(٤) تاريخ دمشق ١٠ / ٣١١ رقم ٩٢٣

(٥) شرح الأخبار ـ للمغربي ـ ٢ / ٩٦

٢٤

في قضيةٍ ماليّةٍ ، التحق بمعاوية ، وذهب إليه بأموال المسلمين ، وقال أمير المؤمنين : «اللهمّ إنّ ابن حُجَيّة هرب بمال المسلمين ، وناصبنا مع القوم الظالمين ، اللهمّ اكفنا كيده ، واجزه جزاء الغادرين ؛ فأمّن الناس. قال عفاق : ويلكم تؤمّنون على ابن حُجَيّة! شلّت أيديكم! فوثب عليه عنق من الناس فضربوه ، فاستنقذه زياد بن خصفة التيمي ـ وكان من شيعة الإمام ـ قائلاً : دعوا لي ابن عمّي! فقال عليٌّعليه‌السلام : دعوا الرجل لابن عمّه ؛ فتركه الناس ، فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد»(١) .

فيظهر أنّ هؤلاء لم يكونوا شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وإنّما كان كثير منهم من الخوارج

ويشهد بذلك ما جاء في كتاب قيس بن سعد إلى الإمامعليه‌السلام ـ في ما رواه الشيخ المفيد ـ ، قال :

«وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه فازدادت بصيرة الحسنعليه‌السلام بخذلان القوم له ، وفساد نيّات المُحَكِّمَة فيه بما أظهروه له من السبّ والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ، ولم يبق معه من يأمن غوائله إلّاخاصّةٌ من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام ، فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح ، وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه! واشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطاً كثيرة ، وعقد له عقوداً كان في الوفاء بها مصالح شاملة ، فلم يثق به الحسنعليه‌السلام ، وعلم احتياله بذلك واغتياله.

__________________

(١) تاريخ دمشق ٦٥ / ١٤٧ رقم ٨٢٥٥ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٨٣ ـ ٨٥

٢٥

غير إنّه لم يجد بُدّاً من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة ، لِما كان عليه أصحابه ممّا وصفناه ، من ضعف البصائر في حقّه ، والفساد عليه ، والخُلف منهم له ، وما انطوى كثير منهم عليه في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه ، وما كان في خذلان ابن عمّه له ومصيره إلى عدوّه ، وميل الجمهور إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة»(١) .

وعلى أيّ حالٍ ، فقد قرّر الإمامعليه‌السلام أن يصالح معاوية بشروطٍ ، فبعث إليه معاوية برقٍّ أبيض مختوم بخاتمه في أسفله ، وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه(٢) .

قال الطبري : إنّ معاوية أرسل عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما المدائن وأعطيا الحسن ما أراد(٣) .

أمّا الإمامعليه‌السلام ، فقد أرسل أربعةً من أصحابه ، وهم : عبد الله ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب ، وعمر بن أبي سلمة ـ وهو ابن أُم سلمة أُمّ المؤمنين ـ ، وعمرو بن سلمة الهمداني ، ومحمّد بن الأشعث بن قيس.

ووقع الصلح في جمادى الأُولى سنة ٤١(٤) .

وكانت حكومة الإمام الحسنعليه‌السلام سبعة أشهر وأحد عشر يوماً(٥) .

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ١٢ ـ ١٤

(٢) انظر : الاستيعاب ١ / ٣٨٥

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ١٦٥ حوادث سنة ٤٠ ه

(٤) أُسد العابة ١ / ٤٩١ ـ ٤٩٢

(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩١ ذ ح ٤٨٠٨

٢٦

ثمّ إنّ الإمامعليه‌السلام عاد إلى الكوفة ، قالوا : فخطب الناس قبل دخول معاوية ، فقال : «أيّها الناس! إنّما نحن أُمراؤكم وضيفانكم ، ونحن أهل بيت نبيّكم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّركم تطهيراً» قالوا : فما زال يتكلّم حتّى ما ترى في المسجد إلّاباكياً(١) .

ثمّ وصل معاوية إلى الكوفة ومعه قصّاص أهل الشام وقرّاؤهم ، واجتمع به الإمامعليه‌السلام في الكوفة(٢) .

وقد خطب معاوية أهل الكوفة ، وأعلن فيها عن رفضه لمعاهدة الصلح ، وأنّه ما حارب إلّاللتأمّر والتسلّط على رقاب المسلمين ، كما سيأتي في المقدّمة الرابعة.

وخطب الإمامعليه‌السلام ، فكان ممّا قال : «لو ابتغيتم بين جابلق وجابرس رجلاً جدّه نبيٌّ غيري وغير أخي لم تجدوه ، وإنّا قد أعطينا معاوية بيعتنا ، ورأَينا أنّ حقن الدماء خير ، «وإنْ أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين» وأشار بيده إلى معاوية»(٣) .

هذا ، وقد كان على مقدّمة معاوية ـ في دخوله الكوفة ـ خالد بن عرفطة ، ويحمل رايته حبيب بن جماز

روى الشريف الرضيرحمه‌الله : «عن أُمّ حكيم بنت عمرو ، قالت : خرجت وأنا أشتهي أن أسمع كلام عليّ بن أبي طالب ، فدنوت منه وفي الناس دقّة وهو يخطب على المنبر ، حتّى سمعت كلامه ، فقال له رجل :

__________________

(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٩ ، أُسد الغابة ١ / ٤٩٢ ، تاريخ الطبري ٣ / ١٦٩ حوادث سنة ٤١ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٦٨

(٢) أنساب الأشراف ٣ / ٢٨٧

(٣) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٧٦ ، أُسد الغابة ١ / ٤٩٢

٢٧

يا أمير المؤمنين! استغفر لخالد بن عرفطة ، فإنّه قد مات بأرض تيماء ؛ فلم يردّ عليه ، قال الثانية ، فلم يردّ عليه ، ثمّ قال الثالثة ، فالتفت إليه فقال : أيّها الناعي خالد بن عرفطة! كذبت ، والله ما مات ولا يموت حتّى يدخل من هذا الباب يحمل راية ضلالة!

قالت : فرأيت خالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حين نزله النخيلة ، وأدخلها من باب الفيل»(١) !!

وفي مقاتل الطالبيّين : «ودخل معاوية الكوفة بعد فراغه من خطبته بالنخيلة ، وبين يديه خالد بن عرفطة ، ومعه رجل يقال له : حبيب بن جماز يحمل رايته ، حتّى دخل الكوفة ، فصار إلى المسجد ، فدخل من باب الفيل ، فاجتمع الناس إليه. فحدّثني أبو عبيد الصيرفي عن عطاء ابن السائب ، عن أبيه ، قال : بينما عليٌّعليه‌السلام على المنبر إذ دخل رجل فقال : يا أمير المؤمنين! مات خالد بن عرفطة!

فقال : لا والله ما مات.

إذ دخل رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين! مات خالد بن عرفطة!

فقال : لا والله ما مات ، ولا يموت حتّى يدخل من باب هذا المسجد ـ يعني باب الفيل ـ براية ضلالة ، يحملها له حبيب بن جماز!

قال : فوثب رجل فقال : يا أمير المؤمنين! أنا حبيب بن جماز ، وأنا لك شيعة!

قال : فإنّه كما أقول!

فقدم خالد بن عرفطة على مقدّمة معاوية ، يحمل رايته حبيب بن

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام : ٢٠ ـ ٢١

٢٨

جماز!

قال مالك : حدّثنا الأعمش بهذا الحديث ، فقال : حدّثني صاحب هذا الدار ـ وأشار بيده إلى دار السائب أبي عطاء ـ أنّه سمع عليّاًعليه‌السلام يقول هذه المقالة»(١) !

ورواه الخطيب البغدادي مبتوراً : «عن أُمّ حكيم بنت عمرو الجدلية ، قالت : لمّا قدم معاوية ـ يعني الكوفة ـ فنزل النخيلة ، دخل من باب الفيل ، وخالد بن عرفطة يحمل راية معاوية حتّى ركزها في المسجد»(٢) .

وقال المفيد : «وهذا أيضاً خبر مستفيض لا يتناكره أهل العلم الرواة للآثار ، وهو منتشر في أهل الكوفة ، ظاهر في جماعتهم ، لا يتناكره منهم اثنان ، وهو من المعجز الذي بيّنّاه»(٣) .

وروى هذا الحديث الصفّار بنحو آخر ، عن أبي حمزة ، عن سويد ابن غفلة ، وفيه : «فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان الله! أُخبرك أنّه مات وتقول : لم يمت!

فقال له عليٌّعليه‌السلام : لم يمت ، والذي نفسي بيده لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة ، يحمل رايته حبيب بن جماز!

قال : فسمع بذلك حبيب فأتى أمير المؤمنين ، فقال : أُناشدك فيَّ وأنا لك شيعة! وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي!

فقال له عليٌّعليه‌السلام : إن كنت حبيب بن جماز فَلَتَحْمِلَنَّها!

__________________

(١) مقاتل الطالبيّين : ٧٨ ـ ٧٩ ، وانظر : مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧

(٢) تاريخ بغداد ١ / ٢٠٠ رقم ٣٩

(٣) الإرشاد ١ / ٣٣٠

٢٩

فولّى حبيب بن جماز وقال : إن كنت حبيب بن جماز لتحملنّها!

قال أبو حمزة : فوالله ما مات حتّى بعث عمر بن سعد إلى الحسين ابن عليّعليه‌السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب صاحب رايته!»(١) .

أقول :

لا تنافي بين الروايتين ؛ لأنّ ابن عرفطة من قادة جيش معاوية(٢) ، وهو حليف بني زهرة(٣) ، وروي أنّه ابن أُخت سعد بن أبي وقّاص : «بعث سعد إلى الناس خالد بن عرفطة ، وهو ابن أُخته»(٤) ، وروي أنّه حليف بني أُميّة(٥) ، وقد أقطعه عثمان أرضاً في العراق عند حمّام أعين(٦) ، وكذلك أقطعه سعد بن أبي وقّاص(٧) ، وبنى داراً كبيرة في الكوفة(٨) ، وله فيها بقية وعقب(٩) ، وكان من رؤساء الأرباع في الكوفة(١٠) ، وقد شارك في قتل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقتله المختار سنة ٦٤ ، غلاه في الزيت!

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣١٨ ح ١١

(٢) الإصابة ٢ / ٢٤٤ رقم ٢١٨٤

(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ٢٦٤ ، الإصابة ٢ / ٢٤٤ رقم ٢١٨٤

(٤) غريب الحديث ـ للحربي ـ ٣ / ٩٢٩ ، النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ / ٣٤٢ مادّة «معض» ، لسان العرب ١٣ / ١٤٣ مادّة «معض»

(٥) تاريخ الطبري ٢ / ٤٣٠ و ٤٣١ حوادث سنة ١٤

(٦) فتوح البلدان : ٢٧٣ يوم جلولاء الوقيعة

(٧) تاريخ الكوفة : ١٦٠

(٨) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ٢٦٤ ذيل رقم ٥٥٢ ، تاريخ الكوفة : ٤٣٣

(٩) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ٢٦٤ ذيل رقم ٥٥٢

(١٠) أعيان الشيعة ٤ / ٥٧٨

٣٠

قال في إمتاع الأسماع : «وأخذ خالد بن عرفطة مصاحف ابن مسعود ، فأغلى الزيت وطرحها فيه وقاتل مع معاوية ، فلمّا كانت أيّام المختار بن أبي عبيد ، أخذه فأغلى له زيتاً وطرحه فيه»(١) ، ومات سنة ٦٤.

والحجّة تامّة على ابن عرفطة في معاداته لعليٍّعليه‌السلام وقتله الحسينعليه‌السلام ، لأنّه اعترف بأنّه سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحذّرهم : «إنّكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي»(٢) ، كما اعترف ابن عرفطة بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذّره شخصياً من الفتنة وقتل أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! قال : «قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا خالد! إنّها ستكون بعدي أحداث وفتن واختلاف ، فإن استطعت أن تكون عبدَ الله المقتول لا القاتل فافعل»(٣) .

__________________

(١) إمتاع الأسماع ٤ / ٢٤٧

(٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير ٤ / ١٩٢ ح ٤١١١ ، قال في مجمع الزوائد ٩ / ١٩٤ : «رواه الطبراني والبزّار ، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير عمارة ، وعمارة وثّقه ابن حبّان»

(٣) مسند أحمد ٥ / ٢٩٢

٣١
٣٢

المقدّمة الثالثة :

في أهمّ بنود الصلح

بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية

لقد كان من أهمّ بنود المعاهدة بين الإمام الحسنعليه‌السلام ومعاوية : أنْ لا يغتال الحسن والحسين ، وأنْ يترك سبّ أمير المؤمنين ، وأنْ لا يعهد بالأمر لأحدٍ من بعده ، بل يرجع الأمر إلى الإمام الحسنعليه‌السلام

قال ابن حجر : «وذكر محمّد بن قدامة في كتاب الخوارج بسند قوي إلى أبي بصرة ، أنّه سمع الحسن بن عليّ يقول في خطبته عند معاوية : إنّي اشترطت على معاوية لنفسي الخلافة بعده.

وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح إلى الزهري ، قال : كاتبَ الحسن بن عليّ معاوية واشترط لنفسه ، فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل إلى الحسن يسأله الصلح ، ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها ، وكتب إليه : أن اشترط ما شئت فهو لك ؛ فاشترط الحسن أضعاف ما كان سأل أوّلاً ، فلمّا التقيا وبايعه الحسن سأله أن يعطيه ما اشترط في

٣٣

السجلّ الذي ختم معاوية في أسفله ، فتمسّك معاوية إلّاما كان الحسن سأله أوّلاً ، واحتجّ بأنّه أجاب سؤاله أوّل ما وقف عليه ، فاختلفا في ذلك ، فلم ينفذ للحسن من الشرطين شيء!

وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله بن شوذب ، قال : لمّا قُتل عليٌّ سار الحسن بن عليّ في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا ، فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده»(١) .

ونقل ابن عبد البرّ إجماع العلماء على أنّ الصلح كان على شرط ولاية العهد للإمام الحسنعليه‌السلام ، حيث قال : «هذا أصحّ ما قيل في تاريخ عام الجماعة ، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة ، من أهل السير والعلم بالخبر ، وكلّ من قال : إنّ الجماعة كانت سنة أربعين ، فقد وهم ، ولم يقل بعلم ، والله أعلم.

ولم يختلفوا أنّ المُغِيْرَة حجَّ عام أربعين على ما ذكر أبو معشر ، ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك ، لم يكن كذلك ، والله أعلم.

ولا خلاف بين العلماء أنّ الحسن إنّما سلّم الخلافة لمعاوية حياته لا غير ، ثمّ تكون له من بعده ، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك ، ورأى الحسن ذلك خيراً من إراقة الدماء في طلبها ، وإنْ كان عند نفسه

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ / ٨١ ب ٢٠ ح ٧١٠٩.

وانظر : سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٦٤ ، وتاريخ دمشق ١٣ / ٢٦١ ، والاستيعاب ١ / ٣٨٦ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٧٦ ، والبداية والنهاية ٨ / ١٣ ، والإصابة ٢ / ٧٢ ، وتاريخ الخلفاء : ٢٢٧ ، وغيرها

٣٤

أحقَّ بها»(١) .

وفي «ذخائر العقبى» : «فأجابه معاوية ، إلّاأنّه قال : أمّا عشرة أنفس فلا أُؤمّنُهم! فراجعه الحسن فيهم ، فكتب إليه يقول : إنّي قد آليت أنّني متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده ؛ فراجعه الحسن : إنّي لا أُبايعك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة ، قلَّتْ أو كثرت ؛ فبعث إليه معاوية حينئذ برقٍّ أبيض وقال : اكتب ما شئت فيه ، فأنا ألتزمه! فاصطلحا على ذلك.

واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كلّه معاوية ، واصطلحا على ذلك»(٢) .

أمّا ابن عنبة في «عمدة الطالب» ، فقال : «وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلّم إليه الأمر ، منها : أنّ له ولاية الأمر بعده ، فإن حدث به حدث فللحسين»(٣) .

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٨٧

(٢) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ٢٤٠

(٣) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ٦٧

٣٥
٣٦

المقدّمة الرابعة :

في أنّ معاوية نقض العهد وقاتل من أجل الدنيا

لكنّ معاوية نقض العهد ، ورفض الالتزام بما كتب ووقّع عليه ، حتّى إنّه خاطب أهل الكوفة معترفاً بذلك حين قال :

«يا أهل الكوفة! أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ ، وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون؟! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم ، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون.

ألا إنّ كلّ مال أو دمٍ أُصِيب في هذه الفتنة فمطلول ، وكلّ شرطٍ شرطته فتحت قدميّ هاتين».

وهذا من الأخبار الثابتة المروية في المصادر المعتبرة كافّة(١) .

ومن هنا وغيره يظهر أنّه إنّما خرج على أمير المؤمنينعليه‌السلام من أجل الرئاسة ، وأنّ الطلب بدم عثمان وغير ذلك كذب واضح.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٤ ـ ١٥ ، وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٢٥١ ح ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٤٦ ، تاريخ دمشق ٥٩ / ١٥٠ ، الإرشاد ٢ / ١٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٠٥ حوادث سنة ٦٠ ، مقاتل الطالبيّين : ٧٧

٣٧

وممّا يشهد بذلك أيضاً كلامه مع ابنة عثمان :

قالوا : «فتوجّه إلى دار عثمان بن عفّان ، فلمّا دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها ، فقال معاوية لمن معه : انصرفوا إلى منازلكم فإنّ لي حاجة في هذه الدار ؛ فانصرفوا ودخل ، فسكَّن عائشة ابنة عثمان وأمرها بالكفّ وقال لها : يا بنت أخي ، إنّ الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب ، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، فبعناهم هذا بهذا وباعونا هذا بهذا ، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منّا شحّوا علينا بحقّنا وغمطناهم بحقّهم ، ومع كلّ إنسان منهم شيعته وهو يرى مكان شيعته ، فإن نكثناهم نكثوا بنا ، ثمّ لا ندري أتكون لنا الدائرة أم علينا؟ ولأن تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين أحبّ إليّ أن تكوني أمَة من إماء المسلمين ، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك(١) .

__________________

(١) تاريخ دمشق ٥٩ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، العقد الفريد ٣ / ٣٥٤ ، البداية والنهاية ٨ / ١٠٦ ـ ١٠٧ حوادث سنة ٦٠

٣٨

المقدّمة الخامسة :

في الإعلان عن العهد ليزيد

لقد كان معاوية يفكّر في الولاية ليزيد من بعده منذ حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ، وقد نصّ على ذلك كبار العلماء ، نكتفي بكلام الحافظ ابن عبد البرّ القرطبي إذ قال : «وكان معاوية قد أشار بالبيعة إلى يزيد في حياة الحسن ، وعرّض بها ، ولكنّه لم يكشفها ، ولا عزم عليها إلّا بعد موت الحسن»(١) .

والشواهد على ذلك كثيرة ، ونكتفي كذلك بذكر واحدٍ منها ، وهو خبر دخول الأخوين الأنصاريّين «عمارة بن عمرو» و «محمّد بن عمرو» عليه ، وكلامهما معه عن الخليفة من بعده ، وقد روى ابن عساكر هذا الخبر بترجمة كلا الرجلين من (تاريخه) ، وهذا نصّ الخبر بترجمة «عمارة» ، قال :

«دخل على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين! قد كبرت سنّك ودقّ

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٩١

٣٩

عظمك واقترب أجلك ، فأحببت أن أسألك عن رجال قومك وعن الخليفة من بعدك.

وكان معاوية يشتدّ عليه أنْ يقال : كبرت سنّك ، أو يشكُّ في الخليفة أنّه يزيد.

فقال معاوية : نعيت لأمير المؤمنين نفسه ، وسألته عن خبيّ سرّه ، وشككت في الخليفة بعده؟!

أخرجوه ...».

ثمّ قال : «أدخلوه! فدخل ، فقال : سألتني عن رجال قومي ، فأعظمهم حلماً الحسن بن عليّ ، وفتاهم عبد الله بن عامر ، وأشدّهم خبّاً هذا الضبّ ـ يعني ابن الزبير ـ ، والخليفة بعدي يزيد.

قال له أبو أيّوب الأنصاري : اتّق الله ولا تستخلف يزيد.

قال : امرؤ ناصح ، وإنّما أشرت برأيك ؛ وإنّما هم أبناؤهم ، فابني أحبُّ إليَّ من أبنائهم»(١) .

وقد كثّف جهوده بعد استشهاد الإمامعليه‌السلام ، بشتّى الأساليب ، فقد روى في «العقد الفريد» عن أبي الحسن المدائني ، أنّ في سنة ٥٣ قرأ معاوية على الناس عهداً مفتعلاً فيه عقد الولاية ليزيد بعده ، قال : «وإنّما أراد أنْ يسهّل بذلك بيعة يزيد!

فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين ، ويشاور ، ويعطي الأقارب

__________________

(١) تاريخ دمشق ٤٣ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٩٨ رقم ١٤٢ ، وانظر : تاريخ دمشق ٥٥ / ٥ ـ ٦ ، مختصر تاريخ دمشق ٢٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ رقم ١٦٨

٤٠