الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174552
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174552 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أو لأبعثن رجلاً منّي - أو قال مثل نفسي - فليضربن أعناقكم، وليسببن ذراريكم، وليأخذن أموالكم، قال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. قال فالتفت إلى علي (رض) فأخذ بيده ثم قال: هو هذا.(١)

المستدرك: عن عبد الرحمن بن عوف قال: افتتح رسول الله (ص) مكّة ثمّ انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ثم قال: أيّها الناس إنّي لكم فرط وإنّي أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتون الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً منّي - أو كنفسي - فليضربنّ أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم. قال فرأى الناس إنه يعني أبا بكر وعمر، فأخذ بيد علي فقال: هذا.(٢)

أقول: يستفاد من هذه الروايات الشريفة أمور:

١ - ليبعثن الله من يضرب رقابكم بالسيف على الدين: تدلّ على كمال مجاهدته، وأنّها على الدين الخالص، وقد بعث من الله تعالى.

٢ - قد امتحن الله قلبه على الإيمان: تدلّ على استقرار إيمانه وثبوته ورسوخه في الله ومن الله، بحيث لا يقبل التزلزل.

٣ - قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا. تدلّ على استشراف أبي بكر وعمر لهذه المنزلة، وقال: هو خاصف النعل.

٤ - يقاتل الناس على تأويل القرآن: تدل على إمامته وخلافته بعد رسول الله (ص) فإنّ هذه من وظائف الإمام، وهو موظف على أن يجاهد حتى يتبيّن للناس ما اختلفوا فيه، ويتّضح التأويل وترتفع الشكوك. وأمّا النبي (ص): فهو يجاهد على تنزيل القرآن واصله.

٥ - رجلا منّي أو كنفسي: وهذا دليل آخر على علوّ مرتبته وسموّ مقامه.

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١١٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ١٢٠.

١٠١

٦ - فليضربن أعناق مقاتليهم: تدلّ على كمال شجاعته ونهاية مجاهدته، ونروي روايات مخصوصة بهذا الموضوع.

( شجاعته (ع) )

السيرة النبوية: نادى مناد يوم أحد: لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي.(١)

الطبقات: قال محمد بن عمر كان علي ممّن ثبت مع رسول الله (ص) على سريّة إلى بني سعد بفدك في مئة رجل، وكان معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة، وبعثه على سريّة إلى الفَلس إلى طيّ، وبعثه إلى اليمن، ولم يتخلّف عن رسول الله (ص) في غزوة غزاها إلاّ غزوة تبوك خلّفه في أهله.(٢)

المحاسن والأضداد: في كلام لعائمة بن عاثم في جواب ثلب معاوية لبني هاشم: ومنّا أبو الحسن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أفرس بني هاشم وأكرم من احتبى وانتعل، وفيه يقول الشاعر

علي ألّف الفرقان صحفا

ووالى المصطفى طفلاً صبياً(٣)

وفي محاسن البيهقي: يروي قريبا منه، وفيها: أكرم من احتفى وتنعّل بعد رسول الله (ص)، ومن فضائله ما قصر عنكم أنباؤها، وفيه يقول الشاعر:

وهذا عليّ سيد الناس فاتقوا

علياً بإسلام تقدّم من قبل(٤)

ويروي في الطبقات أيضاً: عن قتادة: أنّ عليّ بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول الله (ص) يوم بدر وفي كلّ مشهد.(٥)

إمتاع الأسماع: التفت العبّاس يوم حنين وقد أقشع الناس عن بكرة أبيهم،

____________________

١ - السيرة النبوية، ج ٣، ص ١٠٦.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٢٣.

٣ - المحاسن والأضداد، ص ١٠٣.

٤ - المحاسن للبيهقي، ص ٩٢.

٥ - الطبقات، ج ٣، ص ٢٣.

١٠٢

فلم يرَ علياً فيمن ثبت، فقال: شوهة وبوهة، أَوَفِي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه من رسول الله (ص) وهو صاحبه فيما هو صاحبه ( يعني المواطن المشهورة له ) فقلت - أي: الفضل بن العبّاس -: بعض قولك لابن أخيك: أما تراه في الرهج؟ قال: أشعره لي يا بنيّ؟ قلت: هو ذو كذا، ذو كذا، ذو البُردة. قال: فما تلك البرقة؟ قلت: سيفه يرفُل به بين الأقران. فقال: برٌ ابن برٍ فداه عمّ وخال. قال: فضرب عليّ يومئذ أربعين مبارزاً كلّهم يقدّه حتى يفدّ أنفه وذكره.(١)

مستدرك الحاكم: قال رسول الله (ص): لَمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبدُ ودٍ يوم الخندق ؛ أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة.(٢)

ويروي: عن أحمد بن عبد الجبّار، قال: سمعت يحيى بن آدم، يقول: ما شبهت قتل عليّ عَمَراً إلاّ بقول الله - عزّ وجلّ -:( فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ ) . (٣)

أقول: رويت عن أم سلمة أنّها قالت: شهدت معه مشاهد فيها قتال وخوف ولم يكن من ذلك أتعب لرسول الله (ص) ولا أخوف عندنا من الخندق، وذلك أنّ المسلمين كانوا في مثل الحرجة وأنّ قريظة لا نأمنها على الذراري، فالمدينة تُحرس حتى الصباح نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفاً.(٤)

ثمّ إنّ عمرو بن عبد ودّ كان أشجع قريش وفي مقدّمتهم، وعبّر من مكان ضيّق من الخندق ومعه جماعة، قد أغفلوا المسلمين، فدعا عمرو إلى البِراز، فخرج عليّ راجلاً وعمرو فارساً، وقال رسول الله (ص): اللّهمّ أعنه عليه. فلم يكن بأسرع من أن قتله عليّ، فولّى أصحابه إدباراً.

فرفع بهذه الضربة أعظم خطر كان يهدد الإسلام والمسلمين، ولولا هذا الدفاع لكاد إنّ يسقط لواء المسلمين، فيصحّ أن يقال: أنّ هذه المبارزة كانت

____________________

١ - إمتاع الأسماع، ج ١، ص ٤٠٨.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٣٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٤.

٤ - إمتاع الأسماع، ص ٢٣١.

١٠٣

مبارزة إسلام وكفر، وبهذه الغلبة قد استقرّ الإسلام وثبت.

( حديث البراءة )

تاريخ الطبري: عن السُدي لمّا نزلت هذه الآيات إلى رأس الأربعين يعني من سورة براءة، فبعث بهن رسول الله (ص) مع أبي بكر وأمّره على الحجّ، فلمّا سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة، اتبعه بعليّ فأخذها منه، فرجع أبو بكر إلى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمّي أنَزَل في شأني شيء؟ قال: لا، ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل منّي فسار أبو بكر على الحاجّ وسار علي يؤذن ببراءة، فقام يوم الأضحى فأذّن فقال: لا يقربنَّ المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عُريان، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فله عهده إلى مدّته.(١)

تفسير الكشّاف: كان نزولها سنة تسع من الهجرة، وفتح مكّة سنة ثمان، وكان الأمير فيها عتّاب بن أسيد، فأمر رسول الله (ص) أبا بكر على موسم سنة تسع، ثمّ أتبعه علياً راكباً العضباء ليقرأها على أهل الموسم، فقيل له لو بعثت بها إلى أبي بكر، فقال: لا يؤدّي عنّي إلاّ رجلٌّ منّي إلخ.(٢)

أقول: حديث البراءة يدلّ على كمال اختصاصه بالنبيّ (ص)، بحيث قد خلّفه في أهمّ الموضوعات، وقال لا يُبلغ عنّي غيري أو رجل منّي، ويظهر منه أيضاً اعتماده الكامل واطمئنانه التام عليه وعلى رسالته.

مسند أحمد: عن عليّ (ع) قال: لما نزلت عشر آيات من براءة على النبيّ (ص) دعا أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكّة ثمّ دعاني النبيّ (ص) فقال لي: أدرك أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكّة ثمّ دعاني النبيّ (ص) فقال لي: أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فأذهب به إلى أهل مكّة فاقرأه عليهم، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله! نزل فيّ شيء؟ قال: لا ولكنّ جبرئيل جاءني

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٣، ص ١٥٤.

٢ - تفسير الكشاف، ج ١، ص ٥٤٣.

١٠٤

فقال لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك.(١)

السيرة النبوية: لمّا نزلت براءة على رسول الله (ص) وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحجّ، قيل له يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبو بكر، فقال: لا يؤدّي عني إلاّ رجلٌّ مِن أهل بيتي، ثمّ دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال له: اخرج بهذه القصّة من صدر برائة وأذّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى، أنّه لا يدخل الجنّة كافر ولا يحجّ بعد العام مشرك الرواية.(٢)

سنن الدارمي: فلمّا استوى ليكبّر سمع الرغوة خلف ظهره فوقَف عن التكبير، فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله (ص) الجدعاء، لقد بدا لرسول الله (ص) في الحجّ، فلعلّه أن يكون رسول الله (ص) فنصلّي معه، فإذا عليّ عليها، فقال أبو بكر: أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول أرسلني رسول الله (ص) ببرائة أقرؤها على الناس في مواقف الحجّ(٣)

ويروي أيضاً: سألنا عليّاً بأيّ شيء بُعثت؟ قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عُريان، ولا يجتمع مسلمٌ وكافر في الحجّ بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد فعهده إلى مدّته ومن لم يكن له عهد فهي في أربعة أشهر.(٤)

سنن الترمذي: عن أنس قال: بعث النبيّ (ص) ببراءة مع أبي بكر ثمّ دعاه فقال: لا ينبغي لأحدٍ أن يبلّغ هذا إلاّ رجل من أهل، فدعا عليا فأعطاه إياه.(٥)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس بعث النبيّ (ص) أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثمّ اتبعه عليّاً، فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (ص) القصواء، فخرج أبو بكر فَزِعا فظنّ أنّه رسول الله (ص) فإذا

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٥١.

٢ - السيرة النبوية، ج ٤، ص ١٩٠.

٣ - سنن الدارمي، ج ٢، ص ٦٦. وسنن النسائي، ج ٥، ص ١٩٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٦٨.

٥ - سنن الترمذي، ص ٤٤٠.

١٠٥

عليّ! فدفع إليه كتاب رسول الله (ص) وأمر عليّاً أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجّا، فقام علي أيام التشريق فنادى: ذمّة الله ورسوله بريئة الرواية.

خصائص النسائي: أنّ رسول الله (ص) بعث ببراءة إلى أهل مكّة مع أبي بكر، ثمّ أتبعه بعلي، فقال له: خذ الكتاب فامض به إلى أهل مكّة، قال: فلحقه فأخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب، فقال لرسول الله (ص): أَنَزل فيّ شيءٌ؟ قال: لا، إنّي أُمرت أن ابلّغه أنا أو رجلٌ من أهل بيتي.(١)

ويروي أيضاً: عن سعد، قال بعث رسول الله (ص) أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليّاً رضي الله عنه فأخذها منه ثمّ سار بها فَوَجَدَ أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله (ص): لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو رجلٌ منّي.(٢)

ويروي أيضاً: قريباً ممّا في سنن الدارمي (ج ٢، ص ٦٦)

الطبقات: استعمل رسول الله (ص) أبا بكرٍ الصدّيق على الحجّ.. فلمّا كان بالعرض لحقه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على ناقة رسول الله (ص) القصواء، فقال له أبو بكر: استعملك رسول الله على الحجّ؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على النّاس، وأنبذ إلى كلّ ذي عهد عهده. فمضى أبو بكر فحجّ بالناس وقرأ عليّ بن أبي طالب براءة على الناس إلخ.(٣)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

الأوّل: أنّه من أهل البيت (ص) دون أبي بكر، فلا يشتمل عنوان أهل النبيّ على أبي بكر.

الثاني: أنّه من خواص أهله بحيث أقامه رسول الله (ص) مقام نفسه وبعثه على ناقته، وما جعل لأبي بكر هذه المنزلة.

الثالث: قد خصّه من بين أصحابه بالتأدية عنه وتبليغ الحكم من جانبه،

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ١٤.

٢ - نفس المصدر، ص ١٥.

٣ - الطبقات، ج ٢، ص ١٦٨.

١٠٦

فيدلّ هذا مضافاً إلى اختصاصه بالنبيّ (ص) على علوّ مقامه الروحاني واستحقاقه النيابة والخلافة منه.

أنساب الأشراف: عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ (ص) بعث بسورة براءة مع أبي بكر، ثمّ بعث علياً فأخذها من أبي بكر، فجاء أبو بكر فقال: يا رسول الله (ص) هل نزل فيَّ شيء؟ قال: لا، ولكنّه لا يؤدّي عنّي غيري أو رجلٌ من أهل بيتي. فكان أبو بكر على الموسم، وكان عليّ ينادي بهؤلاء الكلمات إلخ.(١)

مستدرك الحاكم: عن جميع، قال: أتيت عبد الله بن عمر فسألته عن عليّ (رض) فانتهرني، ثمّ قال: ألا أحدثك عن عليّ، هذا بيت رسول الله (ص) في المسجد وهذا بيت عليّ (رض)، إنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر وعمر ببراءة إلى أهل مكّة فانطلقا فإذا هما براكب، فقالا: من هذا؟ قال: أنا عليّ يا أبا بكر، هات الكتاب الذي معك! قال: وما لي؟ قال: والله ما علمت إلاّ خيراً، فأخذ عليّ الكتاب فذهب به، ورجع أبو بكر وعمر إلى المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟ قال: ما لكما إلاّ خير، قيل لي: إنّه لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك.(٢)

( أعلم الأمّة )

الاستيعاب: عن ضرار: يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه.(٣)

البخاري: بإسناده قال عمر (رض): أقرؤُنا أُبيّ، وأقضانا عليّ.(٤)

خصائص النسائي: قال عليّ: بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن وأنا شابٌ حديث السنّ، قال فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث وأنا شابّ حديث السنّ، قال: إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك، قال: فما شككت في

____________________

١ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ٣٨٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٥١.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٠٧.

٤ - البخاري، ج ٣، ص ٦٣.

١٠٧

حديث أقضي بين اثنين.(١)

كذا في مسند أحمد.(٢)

ويروي الخصائص: بإسناد آخر، وكذا في المستدرك.(٣)

والطبقات: روايات قريبة ممّا في الخصائص.(٤)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس قال: إذا حدّثنا ثقةٌ عن عليّ بفتيا لا نعدوها.(٥)

ويروي أيضاً: عن أبي هريرة، قال عمر بن الخطاب علي أقضانا.(٦)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس قال: خطبنا عمر فقال: عليّ أقضانا وأُبي أقرؤنا.

مسند أحمد يروي روايات قريبة منه.(٧)

الاستيعاب: قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد (ص) أحدٌ أعلم من عليّ؟ قال: لا والله ما أعلمه.(٨)

مسند أحمد: عن عليّ (رض) قال: بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسنّ منّى وأنا حديث لا أبصر القضاء، قال فوضع يده على صدري وقال: اللّهمّ ثبّت لسانه واهدِ قلبه، يا عليّ إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضِ بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّلقال: فما اختلفت عليّ قضاء بعدُ أو ما أشكل.(٩)

الطبقات: قال عليّ: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وعلى مَن

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٨.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ٨٣.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٣٥.

٤ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٣٧.

٥ - نفس المصدر، ص ٣٣٨.

٦ - نفس المصدر، ص ٣٣٩.

٧ - مسند أحمد، ج ٥، ص ١١٣.

٨ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٠٤.

٩ - مسند أحمد، ج ١، ص ١١١.

١٠٨

نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولسانا طلقاً.(١)

ويروي أيضاً: عن أبي الطفيل قال عليّ: سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلاّ وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهلٍ أم في جبلٍ.

ويروي أيضاً: عن سعيد بن المسيّب، قال: كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس فيها أبو حسن.(٢)

الكُنى للدولابي: عن داود بن المسيّب، قال: ما كان أحدٌ بعد رسول الله (ص) أعلم مِن عليّ بن أبي طالب.(٣)

أقول: رجوع الجاهل في المسائل المهمة إلى العالم بل الأعلم أمر عقلي وجدانيّ، وإذا تميّز الأعلم وتشخّص فللأمّة أن ترجع إليه وتستفيد منه وتتعلّم وظائفها وتكاليفها الدينية، ولذا ترى عمر يتعوّذ من معضلة ليس فيها أبو حسن.

الاستيعاب: وقال في المجنونة التي أمر برجمها وفي التي وضعت لستة أشهر، فأراد عمر رجمها - فقال عليّ: إنّ الله تعالى يقول:( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) ، وقال له: إنّ الله رفع القلم عن المجنون - فكان عمر يقول: لولا عليّ لهلك عمر.

وعن أُذينة قال أتيت عمر بن الخطاب فسألته من أين أعتمِر؟ فقال: إيت علياً فسله، فذكر الحديث.

وسأل شريح بن هاني عايشة أم المؤمنين عن المسح على الخفين، فقال: إيت علياً فسله، فذكر الحديث.

وسأل شريح بن هاني عايشة أمّ المؤمنين عن المسح على الخفّين، فقال: إيت علياً فسله.(٤)

سنن الترمذي: قال رسول الله (ص) أنا دار الحكمة وعليّ بابها.(٥)

مستدرك الحاكم: عن ابن عبّاس قال، قال رسول الله (ص): أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب.(٦)

____________________

١ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٣٨.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٣٩.

٣ - الكُنى للدولابي، ج ١، ص ١٩٧.

٤ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٠٣.

٥ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٦ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٦.

١٠٩

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ثمّ يروي هذه الرواية بإسناد آخر.

الفائق: عليّ رضي الله عنه قال: إنّ ها هنا - وأومى بيده إلى صدره - علماً لو أصبت له حملة، بلى أُصيب لَقِناً غير مأمون.(١)

* * *

أقول: يظهر من هذه الروايات الشريفة، أنّ عليّ بن أبي طالب واسطة الفيوضات النبوية، ووسيلة للوصول إلى المعارف الحقّة، وباب للورود إلى شريعة الحقائق الإلهية، وطريق مخصوص يهتدى به إلى مدينة العلم والحكمة وهذا من الأدلّة القاطعة على لزوم المراجعة والتوجه إليه.

الاستيعاب: عن عبد الله بن عبّاس، قال: والله لقد أعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وايم الله لقد شارككم في العُشر العاشر.(٢)

ويروي: عن عايشة أنّها قالت: عليّ لأعلم الناس بالسنّة.

ويروي: عن ابن عبّاس قال: إذا أتانا الثبت عن عليّ لم نعدل به.

مستدرك الحاكم: عن أبي الطفيل قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) قال على المنبر، فقال: سلوني قبل أن تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي، قال: فقام ابن الكواء، فقال: يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا الرواية.(٣)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - انه أقضى الأمّة.

٢ - قول رسول الله (ص) إنّ الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك: يكشف عن هداية الله قلبه بأيّ وسيلة كانت.

٣ -قوله: ما شككت في حديث أقضي بين الاثنين.

٤ - أنّه عالم بجميع موارد نزول الآيات وخصوصياتها.

____________________

١ - الفائق، ج ٣، ص ١٨٨.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٠٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٤٦٦.

١١٠

٥ - قال: إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً طلقا.

٦ - كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس فيها أبو حسن.

٧ - ما كان أحد من الأمّة أعلم منه.

٨ - هو باب الحكمة.

٩ - هو باب العلم.

١٠ - لا يوجد مثله حتى يُسأل عنه.

١١ - في صدره علوم لا يجد لها حَمَلة.

( إرجاع الأمر إلى عليّ (ع) )

كان رسول الله (ص) يُعرّف ابن عمّه علياً (ع)، ويُرجع الناس إليه، ويظهر لهم مقامه، ويعلن لهم قربه منه ومن الله عزّ وجلّ، ويشير إلى إمامته بكنايات وإشارات، وقد يصرّح بها بلطائف البيانات.

مستدرك الحاكم: عن أنس، قال النبيّ (ص) لعليّ: أنت تبين في أمّتي ما اختلفوا بعدي.(١)

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ويروي أيضاً: عن عليّ (ع) في قوله تعالى -( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال عليّ (ع): رسول الله (ص) المنذر، وأنا الهادي.(٢)

المحاسن للبيهقي: عن جابر قال رسول الله (ص): لعلي هذا وليّكم بعدي إذا كانت فتنة.(٣)

خصائص النسائي: قال النبيّ (ص): أما أنتَ يا علي أنت صفيّي وأميني.(٤)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٢.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٣٠.

٣ - المحاسن للبيهقي، ص ٤١.

٤ - خصائص النسائي، ص ١٤.

١١١

أقول: هذه بيانات لطيفة وكنايات ظريفة عن إمامته وخلافته، فإنّ الإبانة للأمّة بما اختلفوا فيه، وكونه هادياً، وولايته بعد رسول الله (ص)، وكونه صفيّا وأميناً تكشف عن مقام خلافته ومرجعيته الكبرى، حتى يُبين للأمّة ما اختلفوا فيه وأن يهديهم إلى الحقّ وحتى يتولّى أمر الأمّة في موارد الفتن، ومعلوم أنّ إبانة الحقّ وهداية الخلق والمرجعية الحقيقية لا تتحقّق إلاّ بتحقق شرائط الإمامة الإلهية.

الاستيعاب: عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله (ص) قال لعليّ بن أبي طالب: أنت ولي كلّ مؤمن بعدي.(١)

ويروي عن حذيفة: قال رسول الله (ص) إنْ ولُّوا علياً، فهادياً مهدياً.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.(٣)

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

ويروي أيضاً: عن عليّ (ع) قال رسول الله (ص): رحم الله علياً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيثُ دار.

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

أقول: ملازمة الحقّ والقرآن علياً، تكشف عن رفيع مقامه الإلهي وسَني شأنه الروحاني، حتى يصل إلى حدٍّ يقول فيه النبيّ (ص): أنّه مع القرآن والقرآن معه، اللّهم أدر الحقّ معه حديث دار.

وإذا عرّفه رسول الله (ص) بهذه الصفة، وحصل لنا العلم والاطمئنان بأنّه مع القرآن ومع الحقّ ولا يمكن التفرّق والاختلاف لنا العلم والاطمئنان بأنّه مع القرآن ومع الحقّ لا يمكن التفرّق والاختلاف بينهما، فكيف يجوز لنا خلافه وكيف يعقل الانحراف عنه.

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩١.

٢ - نفس المصدر، ص ١١١٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٤.

١١٢

( باب عليّ (ع) )

مسند أحمد: قال سعد بن مالك: أمر رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب عليّ (رض).(١)

رجال أصبهان: عن ابن عمر قال: لقد أعطي عليّ ثلاثاً لأن أكون أعطيتهنّ أحبّ إليّ من حُمر النعم: زوجّه رسول الله (ص) فاطمة فولدت له، وأعطي الراية يوم خيبر، وسدّت أبواب المسجد إلاّ بابه.(٢)

خصائص النسائي: عن زيد بن أرقم قال: كان لنفرٍ من أصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة في المسجد، فقال رسول الله (ص): سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ.(٣) فتكلّم بذلك الناس، فقام رسول الله (ص) فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي أُمرت بسدّ هذه الأبواب غير بابِ عليّ، وقال فيه قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته ولكنّي أُمرت فاتّبعته.(٤) كذا في مسند أحمد.(٥)

ويروي في المستدرك: نظيره، ثمّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(٦)

ويروي الخصائص أيضاً: عن سعد: قال كنّا مع رسول الله (ص) في المسجد، فنودي فينا لسدّه ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول الله (ص) وآل عليّ، قال: فخرجنا، فلمّا أصبح أتاه عمّه فقال: يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام، فقال رسول الله (ص): ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٧٥.

٢ - رجال أصبهان، ج ١، ص ٢٧٦.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٣٥.

٤ - خصائص النسائي، ص ٩.

٥ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٦٩.

٦ - المستدرك، ج ٣، ص ١٢٥.

١١٣

هذا الغلام، إنّ الله هو أمر به.(١)

ويروي: بإسناد آخر: أنّ العبّاس أتى النبيّ (ص) فقال: سددت أبوابنا إلاّ باب عليّ فقال: ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها.

أقول: يظهر من هذه الروايات أنّ الأبواب كلّها قد سدّت إلاّ باب عليّ، وعلى هذا قال العبّاس: أخرجتَ أصحابك وأعمامك وسددت أبوابنا إلاّ باب عليّ، وقال رسول الله (ص): فإنّي أُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب علي.

مستدرك الحاكم: عن خيثمة، قال رجل لسعد بن مالك: إنّ علياً يقع فيك أنّك تخلّفت عنه! فقال سعد: والله إنّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي، إنّ عليّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً لأن أكون أعطيت إحداهن أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، لقد قال له رسول الله (ص) يوم غدير خُمّ بعد حمد الله والثناء عليه وأخرج رسول الله (ص) عمّه العبّاس وغيره من المسجد فقال له العبّاس تُخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن علياً! فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته! ولكنّ الله أخرجكم وأسكنه.(٢)

ويروي أيضاً: عن عمر بن الخطاب قال: لقد أُعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال: لأن تكون لي خصلة منها أحبّ إليّ مِن أن أعطى حُمر النعم، قيل وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال تزوّجه فاطمة بنت رسول الله (ص)، وسكناه المسجد مع رسول الله (ص) يحلّ له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.(٣)

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

الفائق: سعد قال: لما نودي ليخرج مَن في المسجد إلاّ آل رسول الله وآل عليّ، فخرجنا نجُرّ قلاعنا.(٤)

قال الزمخشري: القلاع جمع قلع وهو الكنف يكون فيه الزاد.

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ١٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١٦.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٥.

٤ - الفائق، ج ٢، ص ٣٧٢.

١١٤

أقول: هذه الأحاديث تدلّ على نهاية اختصاص عليّ (ع) وكمال اتصاله برسول الله (ص)، بحيث يحلّ لرسول الله (ص) ويقول (ص) في سكناه المسجد:إن الله هو أمر به.

سنن الترمذي: عن أبي سعيد عن رسول الله (ص) قال لعليّ: يا عليّ لا يحلّ لأحدٍ أن يجنب في المسجد غيري وغيرك.(١)

رجال أصبهان: عن أمّ سلمة قالت: خرج النبيّ (ص) إلى صرحة هذا المسجد فقال: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب ولا لحائض إلا لرسول الله (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، ألا قد بيّنت لكم الأسماء أن تضلّوا.(٢)

سنن البيهقي: يروي الروايتين.(٣)

ويروي أيضاً: عن أمّ سلمة قالت: قال رسول الله (ص): ألا إنّ مسجدي حرام على كلّ حائض من النساء وكلّ جنب من الرجال إلاّ على محمّد وأهل بيته، عليّ وفاطمة والحسن والحسين (رض).

أقول: هذه الروايات تدلّ على أنّ باب عليّ إلى المسجد لم تسد.

يقول في الدرة الثمينة في تاريخ المدينة ملحقاً إلى شفاء الغرام: ذكر بيت فاطمة بنت رسول الله (ص)، كان خلف بيت النبيّ (ص) عن يسار المصلّى إلى الكعبة، وكان فيه خوخة إلى بيت النبي (ص) كان رسول الله (ص) إذا قام من الليل إلى المخرج اطلع منها يعلم خبرهم، وكان يأتي بابها كلّ صباح فيأخذ بعضادتيه ويقول: الصلاة الصلاة( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .(٤)

____________________

١ - سنن الترمذي، ص ٥٣٥.

٢ - رجال أصبهان، ج ١، ص ٢٩١.

٣ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٦٥.

٤ - شفاء الغرام، ج ٢، ص ٣٥٩.

١١٥

( بعض فضائله )

يقول ابن المُعتز ابن المتوكّل العباسي في ديوانه (ط بيروت، ص ١٢٩) في جواب من طعن في عليّ بن أبي طالب (ع):

عَليٌّ يَظِنّونَ بي بُغضَهُ

فَهَلاّ سِوى الكُفرِ ظَنّوهُ بي

إِذاً لا سَقَتني غَداً كَفُّهُ

مِنَ الحَوضِ وَالمَشرَبِ الأَعذَبِ

مُجَلّي الكُروبِ وَلَيثُ الحُرو

بِ في الرَهَجِ الساطِعِ الأَهيَبِ

وَبَحرُ العُلومِ وَغَيظُ الخُصو

مِ مَتى يَصطَرِع وَهُمُ يَغلِبِ

يُقَلِّبُ في فَمِهِ مِقوَلاً

كَشِقشِقَةِ الجَمَلِ المُصعَبِ

وَأَوَّلُ مَن ظَلَّ في مَوقِفٍ

يُصَلّي مَعَ الطاهِرِ الطَيِّبِ

وَكانَ أَخاً لِنَبِيِّ الهُدى

وَخُصَّ بِذاكَ فَلا تَكذِبِ

وَكُفؤاً لِخَيرِ نِساءِ العِبا

دِ ما بَينَ شَرقٍ إِلى مَغرِبِ

وَأَقضى القُضاةِ لِفَصلِ الخِطا

بِ وَالمَنطِقِ الأَعدَلِ الأَصوَبِ

وَفي لَيلَةِ الغارِ وَقّى النَبِيَّ

عِشاءً إِلى الفَلَقِ الأَشهَبِ

وَباتَ ضَجيعاً بِهِ في الفِرا

شِ مَوطِنَ نَفسٍ عَلى الأَصعَبِ

وَعَمروُ بنُ عَبدٍ وَأَحزابُهُ

سَقاهُم حَسا المَوتِ في يَثرِبِ

وَسَل عَنهُ خَيبَرَ ذاتَ الحُصو

نِ تُخَبِّركَ عَنهُ وَعَن مَرحَبِ

وَسِبطاهُ جَدُّهُما أَحمَدٌ

فَبَخَّ لِجَدِّهِما وَالأَبِ

مستدرك الحاكم: عن محمد بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب (رض).(١)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٠٧.

١١٦

تاريخ الطبري: ثمّ أن قيس بن سعد قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمّد (ص) وقال: الحمد لله الذي جاء بالحقّ، وأمات الباطل، وكبّت الظالمين، أيّها الناس إنّا قد بايعنا خيرَ مَن نَعلم بعد محمّد نبيّنا (ص) فقوموا أيّها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنّة رسوله (ص) ؛ فإن نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم. فقام الناس فبايعوا، واستقامت له مصر.(١)

أقول: مرّ في الأحاديث السابقة كونه أقضى وأعلم الأمّة، وأنّه لا يزال مع الحقّ والحقّ يدور معه، وأنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، وإنّه أحبّ الناس إلى رسول الله (ص)، وإنّه كنفس رسول الله.

الاستيعاب: وسئل الحسن البصري عن عليّ بن أبي طالب (رض) فقال: كان عليّ والله سهماً صائباً من مرامي الله على عدوه، وربَّانيّ هذه الأمّة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها مِن رسول الله (ص)، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطى القرآن عزائمه ففاز منه برياض مونقة، ذلك عليّ بن أبي طالب، يالكع.(٢)

العقد الفريد: دخل رجلٌ على الحسن البصري، فقال: يا أبا سعيد إنّهم يزعمون أنّك تبغض علياً، قال: فبكى الحسن حتى اخضلّت لحيته، ثمّ قال: كان عليّ والله الرواية.(٣)

المحاسن للبيهقي: قام رجل في مجلس محمّد بن عائشة بالبصرة من وسط الحلقة، فقال: يا أبا عبد الرحمن مَن أفضل أصحاب رسول الله (ص)؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح.

فقال له: فأين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؟

قال: يا هذا تستفتي عن أصحابه أم عن نفسه؟

قال: بل عن أصحابه.

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٢٢٧.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١١٠.

٣ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٣١٣.

١١٧

قال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول:( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) . فكيف يكون أصحابه مثل نفسه.(١) .

مستدرك الحاكم: عن أبي هريرة قال: قالت فاطمة (رض): يا رسول الله زوّجتني من عليّ بن أبي طالب وهو فقير لا مال له! فقال: يا فاطمة أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ إطّلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين أحدهما أبوك والآخر بعلك.(٢)

الاستيعاب: قال سعيد بن عمرو بن العاص: قلت لعبد الله بن عيّاش يا عمّ، لو كان صغو الناس الى علي! فقال: يا ابن أخي إنّ علياً عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له البسطة في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله (ص)، والفقه في المسألة، والنجدة في الحرب، والجُود في الماعون.(٣)

البيان والتعريف: روى الطبراني والبزّار عن أبي ذر وسلمان، أخذ رسول الله (ص) بيد عليّ فقال: هذا أوّل من آمن بي وأوّل من يصافحني يوم القيامة وهذا الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمّة وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.(٤)

أقول: يظهر من هذه الرواية أنّ رسول الله (ص) لقّب علياً بالصديق والفاروق، فهو الفارق بين الأمّة، فمن تبعه وأطاعه فهو على هدى من ربّه، ومن خالفه وانحرف عنه فهو على ضلال.

مستدرك الحاكم: عن عمران قال: قال رسول الله (ص): النظر إلى علي عبادة.(٥)

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٤٢.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٩.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٠٧.

٤ - البيان والتعريف، ج ٢، ص ١١٠.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤١.

١١٨

ثمّ يروي: بإسناد أخر عنه (ص): النظر إلى وجه علي عبادة.

الفائق: النظر إلى وجه عليّ عبادة.(١)

قال ابن الأعرابي: إنّ تأويله أنّ علياً كان إذا برز قال الناس: لا إله إلاّ الله ما أشرف هذا الفتى، لا إله إلاّ الله ما أشجع هذا الفتى، لا إله إلاّ الله ما أعلم هذا الفتى، لا إله إلاّ الله ما أكرم هذا الفتى، لا إله إلاّ الله.

مستدرك الحاكم: عن جابر، قال: سمعت رسول الله (ص) وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب (رض) وهو يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، ومخذول من خذله، ثمّ مدّ بها صوته.(٢) ، [ والضبع: العضد ].

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

المحاسن للبيهقي: عن أبي مالك: أنّ النبيّ (ص) قال: هبط عليّ جبريل عليه السلام يوم حنين، فقال: يا محمّد إنّ ربّك تبارك وتعالى يقرئك السلام، وقال ادفع هذه الأُتُرجّة إلى ابن عمّك ووصيّك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فدفعتها إليه فوضعتها في كفّه، فانفلقت بنصفين، فخرج منها رقّ أبيض مكتوب فيه بالنور: من الطالب الغالب إلى عليّ بن أبي طالب.(٣)

ويروي أيضاً: عن سعيد بن جبير: كان عبد الله بن عبّاس بمكّة يحدّث على شفير زمزم ونحن عنده، فلما قضى حديثه قام إليه رجل فقال: يا ابن عبّاس إنّي امرؤ من أهل الشام من أهل حِمص، إنّهم يتبرَّؤون من عليّ بن أبي طالب (رضوان الله عليه) ويلعنونه! فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعدّ لهم عذاباً مهيناً، أَلبُعد قرابته من رسول الله (ص)؟! وأنّه لم يكن أوّل ذُكران العالمين إيماناً بالله ورسوله، وأوّل من صلّى وركع وعمل بأعمال البِّر؟!

قال الشامي: إنّهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته غير أنّهم يزعمون أنّه قتل الناس.

____________________

١ - الفائق، ج ٣، ص ١٠٧.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٩.

٣ - المحاسن للبيهقي، ص ٤٢.

١١٩

فقال ابن عبّاس: ثكلتهم أمهاتهم، إنّ علياً اعرف بالله عزّ وجلّ وبرسوله وبحكمهما منهم، فلم يقتل إلا من استحق القتل.

قال: يا ابن عبّاس إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي، فإنّ القوم هالكون في أمره ففرّج عنهم فرّج الله عنك.

فقال ابن عباس: يا أخا أهل الشام إنّما مثل عليٍّ في هذه الأمّة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى (ع) لما انتهى إلى ساحل البحر فقال له: هل اتّبعك على أن تُعلّمني ممّا علّمت رُشداً؟ قال العالم إنّك لن تستطيع صبراً فَكَبُر على موسى الحقّ وعظم، إذ لم يكن يعرفه هذا، وهو نبيّ مرسل من أُولي العزم، ممّن قد أخذ الله جلّ وعزّ ميثاقه على النبوّة، فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك؟! إنّ علياً رضي الله عنه لم يقتل إلاّ من كان يستحلّ قتله.

وإنّي أخبرك أنّ رسول الله (ص) كان عند أمّ سلمة بنت أبي أميمة إذ أقبل عليّ (ع) يريد الدخول على النبيّ (ص)، فنقر نقراً خفيفاً، فعرف رسول الله (ص) نقره، فقال: يا أمّ سلمة قومي فافتحي الباب، فقالت: يا رسول الله مَن هذا الذي يبلغ خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي؟! (النقر: الدق)

فقال: يا أمّ سلمة إنّ طاعتي طاعة الله جلّ وعزّ، قال: ومَن يُطع الرسول فقد أطاع الله، قومي يا أم سلمة فإنّ بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا النزِق ولا بالعجل في أمره، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، يا أمّ سلمة، إنّه إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتى يخفى عليه الوطء. فلم يدخل حتى غابت عنه وخفي عليه الوطء. فلمّا لم يحسّ لها حركةً دفع الباب ودخل، فسلّم على النبيّ (ص) فردّ عليه السلام، وقال: يا أمّ سلمة هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا عليّ بن أبي طالب.

فقال رسول الله (ص): نعم هذا عليّ سيط لحمه بلحمي ودمه بدمي وهو

١٢٠