الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174564
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174564 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، يا أمّ سلمة هذا علي سيد مبجّل مؤمّل المسلمين وأمير المؤمنين وموضع سرّي وعلمي وبابي الذي آوي إليه، وهو الوصي على أهل بيتي وعلى الأخيار من أمّتي، هو أخي في الدنيا والآخرة وهو معي في السناء الأعلى، اشهدي يا أمّ سلمة إنّ علياً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

قال ابن عباس: وقتلهم لله رضاً وللأمّة صلاحاً ولإهل الضلالة سخط.

قال الشامي: يا ابن عبّاس من الناكثون؟

قال: الذين بايعوا علياً بالمدينة ثمّ نكثوا فقاتلهم بالبصرة، أصحاب الجمل، والقاسطون معاوية وأصحابه، والمارقون أهل النهروان ومن معهم.

فقال الشامي: يا ابن عبّاس ملأت صدري نوراً وحكمة، وفرّجت عنّي فرّج الله عنك، أشهد أنّ عليا رضي الله عنه مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.(١)

ويروي أيضاً: قال ابن عبّاس: عقُم النساء أنّ يجئن بمثل عليّ، وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجا سليط، وهو يقف على شرذمة بعد شرذمة من الناس يعظهم ويحضّهم إلخ.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس أنه قال: لقد سبق لعليّ رضي الله عنه سوابق لو أنّ سابقة منها قسّمت على الناس لوسعتهم خيراً.

ويروي أيضاً: عنه قال: كان لعليّ رضي الله عنه خصال ضوارس قواطع سِطة في العشرة، وصهر للرسول، وعلم بالتنزيل، وفقه في التأويل، وصبر عند النزال ومقاومة الأبطال، وكان ألدّ إذا أعضل، ذا رأي إذا أشكل.

ويروي أيضاً: دخل ابن عبّاس على معاوية، فقال: يا ابن عبّاس صِف لي عليا، قال: كأنّك لم تَرَه؟

قال: بلى، ولكنّي أحبّ أن أسمع منك فيه مقالاً.

قال: كان أمير المؤمنين رضوان الله عليه غزير الدمعة طويل الفكرة، يعجبه

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٤٣.

١٢١

من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشُب، يُدنينا إذا أتيناه ويُجيبنا إذا دعوناه، وكان مع تقرّبه إيانا وقربه منّا لا نبدأه بالكلام حتى يتبسّم فإذا هو تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، أَمَا والله - يا معاوية - لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يبكي ويتململ السليم، وهو يقول: يا دنيا إيّاي تغرّين أمثلي تشوّقين؟ لا حان حينك، بل زال زوالك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك حقير وعمرك قصير وخطرك يسير، آه آه: من بعد السفر ووحشة الطريق وقلة الزاد.

قال: فأجهش معاوية ومن معه بالبكاء.(١)

أقول: جشب الطعام: غلظ. السليم: الجريح اللديغ. التململ: التقلّب على الفراش. أجهش: تهيّأ.

ويروي أيضاً: أنّ عدي بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سفيان، فقال: يا عدي أين الطرفات؟ يعني بنيه طريفا وطارفاً وطرفة. قال: قتلوا يوم صفين بين يدي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخر بنيه.

قال: بل ما أنصفت أنا علياً إذ قُتل وبقيت.

قال: صف لي علياً. فقال: إن رأيت أن تُعفيني.

قال: لا أُعفيك.

قال: كان والله بعيد المدى وشديد القوى، يقول عدلاً ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه والعلم من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، يستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفّيه على ما مضى، يعجبه من اللباس القصير ومن المعاش الخشن، وكان فينا كأحدنا، يُجيبنا إذا سألناه ويُدنينا إذا أتيناه الحديث باختلاف يسير.(٢)

____________________

١ - المحاسن للبيهقي، ص ٤٥.

٢ - نفس المصدر، ص ٤٦.

١٢٢

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي (ع).

٢ - أنّه خير من يُعلم بعد رسول الله (ص).

٣ - أنّه كنفس رسول الله (ص).

٤ - أنّه أوّل مَن آمن برسول الله (ص).

٥ - هو الصديق الأكبر والفاروق ويعسوب المؤمنين.

٦ - هو أمير البررة منصور من نصره.

٨ - أهدى الله إليه أُثُرُجة.

٩ - أنّه أوّل مَن آمن وصلّى وركع من الذكران.

١١ - أنّه من رسول الله بمنزلة هارون من موسى.

١٢ - أنّه سيّد مبجّل، أمير المؤمنين ومؤمّل المسلمين.

١٣ - موضع سرّ رسول الله (ص) وعلمه وبابه.

١٤ - هو الوصي على أهل البيت وعلى الأخيار.

١٥ - أخوه في الدنيا والآخرة وهو معه.

١٦ - أنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

١٧ - لو أنّ سابقة منها قسمت على الناس لوسعتهم.

١٨ - عالم بالتنزيل وفقيه بالتأويل.

١٩ - غزير الدمعة طويل الفكرة.

٢٠ - كان يبكي ويتململ تملمُل السليم.

٢١ - يستوحش من الدنيا ويستأنس بالليل.

٢٢ - كان في الناس كأحدهم يُجيب إذا سُئل.

١٢٣

( أنّه آخر الناس عهداً برسول الله (ص) )

كان أمير المؤمنين عليّ (ع) يصاحب رسول الله (ص) ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، إن كان يسأله وإلاّ يبتدئُه، يحبّ رسول الله (ص) ويطيعه ولم يزل كان معه، إلى أن ارتحل (ص) إلى دار الخلد.

الطبقات: عن جابر: أنّ كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ( ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين ): ما كان آخر ما تكلّمّ به رسول الله (ص)؟ قال عمر: سل عياً. قال: أين هو؟ قال: هو هنا، فسأله، فقال عليّ: أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي، فقال: الصلاة الصلاة! فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أُمروا وعليه يبعثون. قال: فمن غسّله يا أمير المؤمنين؟ قال: سلّ علياً، قال: فسأله؟ فقال: كنت أنا أغسّله وكان العبّاس جالساً وكان أسامة وشقران يختلفان إليّ بالماء.(١)

ويروي أيضاً: عن عليّ: قال رسول الله (ص) في مرضه: أدعوا إليّ أخي، قال: فدُعي له عليّ، فقال: ادنُ منّي، فدنوت منه فاستند إليّ فلم يزل مستندا إليّ وإنّه ليكلّمني، حتى أنّ بعض ريق النبيّ (ص) لَيصيبني.(٢)

ويروي أيضاً: عن علي بن الحسين: قبض رسول الله (ص) ورأسه في حجر عليّ.

ويروي أيضاً: عن الشعبي: قال: توفّي رسول الله (ص) ورأسه في حجر علي وغسّله علي، والفضل محتضنه، وأسامة يناول الفضل الماء.

ويروي أيضاً: عن أبي غطفان: قال: سألت ابن عبّاس أرأيت رسول الله (ص) توفّي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو مستند إلى صدر عليّ، قلت: فإنّ عروة حدثني عن عائشة أنّها قالت: توفّي رسول الله (ص) بين سحري ونحري. قال ابن عبّاس: أتعقل؟! والله لتوفى رسول الله (ص) وإنّه لمستند إلى صدر عليّ

____________________

١ - الطبقات، ج ٢، ص ٢٦٢.

٢ - الطبقات، ج ٢، ص ٢٦٣.

١٢٤

وهو الذي غسّله وأخي الفضل بن عبّاس.

أقول: يستنبط من هذه الروايات أمور:

الأوّل: أنّ علياً هو آخر من صحب رسول الله (ص).

الثاني: أنّه أحبُّ الناس وأقربهم من رسول الله (ص)، وموضع سرّه، والذي كان يحبّ رسول الله (ص) صُحبته في آخر ساعة من حياته.

الثالث: أنّ رسول الله (ص) قد حُضر ورأسه على صدره.

الرابع: هو الذي تصدّى لتغسيل رسول الله (ص) إذ كان الآخرون مشغولين بمقدّمات الخلافة والحكومة.

الخامس: يظهر من هذه الروايات أنّ الأحاديث الواردة الدالة على أنّ رسول الله (ص) قُبض ورأسه على صدر عائشة، مجعولة غير ثابتة.

الاستيعاب: وقال الفضل بن عباس بن عُتية:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرفٌ

عن هاشمٍ ثمّ منها عن أبي الحسنِ

أليس أوّل من صلّى بقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسننِ

وزاد أبو الفتح:

وآخر الناس عهداً بالنبيّ ومَن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا تمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن(١)

رجال أصبهان: عن حذيفة قال: دخلت على النبيّ (ص) في وجعه الذي توفّى فيه وعلي بن أبي طالب مسنده إلى صدره، فقلت لعليّ دعني فقد سهرت منذ الليلة، فقال النبيّ (ص): دعه فهو أحقّ به.(٢)

خصائص النسائي: عن أمّ سلمة: إنّ أقرب الناس عهداً برسول الله (ص) عليّ رضي الله عنه.

ويروي أيضاً عنها: قالت: لمّا كان غدوة قُبض رسول الله (ص)، فأرسل إلى عليّ رضي الله عنه، قالت: وأظنّه كان بعثه في حاجة، فجعل يقول: جاء عليّ،

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٣٣.

٢ - رجال أصبهان، ج ١، ص ١٣١.

١٢٥

ثلاث مرّات، فجاء قبل طلوع الشمس، فلمّا أن جاء عرفنا أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت وكنّا عند رسول الله (ص) يومئذٍ في بيت عائشة، وكنت في آخر مَن خَرج من البيت، ثمّ جلست من وراء الباب فكنت أدناهم إلى الباب، فأكبّ عليه عليّ رضي الله عنه فكان آخر الناس به عهداً فجعل يسارّه ويناجيه.(١)

رجال أصبهان ومستدرك الحاكم: عن أمّ سلمة قالت: والذي أحلف به أنّ كان عليّ لأقرب الناس عهداً لرسول الله (ص)، عدنا رسول الله (ص) غداة وهو يقول: جاء عليّ؟ جاء عليّ؟ مراراً، فقالت فاطمة رضي الله عنها: كأنّك بعثته في حاجة، قالت: فجاء بعد، قالت أم سلمة: فظننت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت مِن أدناهم إلى الباب، فاكبّ عليه رسول الله (ص) وجعل يسارّه ويناجيه، ثمّ قبض رسول الله (ص) من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس عهداً.(٢)

* * *

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢٨.

٢ - رجال أصبهان، ج ١، ص ٥٠ ومستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٣٨.

١٢٦

( ما تلخّص ممّا سبق )

وقد ذكرنا ما روى من الأحاديث التي وصلت إلينا من رسول الله (ص) في حقّ أمير المؤمنين علي (ع)، وقد صدرت هذه الأحاديث من لسان الوحي، في أحوال مختلفة وأزمنة متفاوتة، وبعبارات متغايرة، وفي موارد كثيرة، في طول حياة رسول الله (ص)

وقد أشرنا في الفصول السابقة إلى نتائج ما يستفاد من الأحاديث، ونشير هنا إجمالاً إلى الموارد التي استفيد منها مقام الإمامة والخلافة لعليّ (ع).

ولا نريد أن نجهد في إثبات هذا المدعى، وإنّما غرضنا إراءة ما وصل إلينا من الحقائق، وأنّها تذكرة للمتّقين( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) .

١ - إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي.

٢ - وأهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف.

٣ - مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح.

٤ - علي منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

٥ - فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة.

٦ - اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك.

٧ - من أطاع علياً فقد أطاعني.

٨ - يا علي من فارقك فقد فارقني.

٩ - أفلا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى.

١٠ - ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ....

١١ - يقاتل الناس على تأويل القرآن.

١٢ - أنا مدينة العلم وعليّ بابها.

١٢٧

١٣ - أنت تُبيّن لأمّتي ما اختلفوا فيه بعدي.

١٤ - عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يفترقا.

فهذه أربعة عشر عنوانا، كلّ واحد منها يكفي في الهداية إلى ما هو الحقّ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) .

وإذا كنت من هذه الأحاديث على خبرة، فنشير بعون الله تعالى وتأييده على أحداث حدثت، وعلى فتن ظهرت، من آخر عهد رسول الله (ص) بين الأمة الإسلامية، فانحرف أكثر القوم، وارتدّوا عن سبيل الهدى، وتركوا أهل بيت المصطفى، وأضلّهم الشيطان وضلّوا ضلالاً مُبيناً - عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم.

١٢٨

فتنة:

وصية رسول الله (ص)

الملل والنحل: فأوّل تنازع في مرضه عليه السلام، فيما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: لما اشتدّ بالنبيّ (ص) مرضه الذي مات فيه، قال: ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي، فقال عمر: قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله!! وكثر اللغط، فقال النبيّ (ص): قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع.

قال ابن عبّاس: الرزية كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله.(١)

أقول: قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ) .

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) .

وقال تعالى:( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) .

وقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) .

ولا يخفى أنّ رسول الله (ص) لما قال: أكتب كتاباً لا تضلوا بعدي، فهموا منه أنّ الوصية راجعة إلى أمرٍ مهمّ يوجب تركه الضلال والانحراف للأمّة، وليس هو إلاّ تعيين الخليفة وتأمير الأمير، وفهموا بالقرائن الماضية والموجودة أنّ وصيّته راجعة إلى أهل بيته الأطهار والى عليّ بن أبي طالب (ع)، وكان هذا خلاف نظرهم، فخالفوا أشدّ خلاف، وقالوا ما لا يناسب مقام الرسالة.

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٣.

١٢٩

مسند أحمد: عن جابر، أنّ النبيّ (ص) دعا عنه موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها.(١)

وفي إمتاع الأسماع: واشتدّ به (ص) وجعه يوم الخميس، فقال: إيتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً. فتنازعوا، فقال بعضهم: ما له، أهجر؟ استعيدوه! وقالت: زينب بنت جحش وصواحبُها: إيتوا رسول الله (ص) بحاجته! فقال عمر: قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، مَن لفلانة وفلانة - يعني مدائن الروم - إنّ النبيّ (ص) ليس بميّت حتى يفتحها، ولو مات لانتظرته كما انتظرت بنو إسرائيل موسى، فلما لغطوا عنده، قال: دعوني فما أنا فيه خير ممّا تسألوني.(٢)

أقول: إن كان اعتذار عمر وتعليله في المنع والخلاف، بقوله أنّ النبيّ (ص) ليس بميّت حتى يفتحها، لا عن غرض سياسي، فهو أقبح من الخلاف والعصيان.

وعلى أيّ حال، فالحقّ ما قال ابن عبّاس: الرزية كلّ الرزية للإسلام والمسلمين ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب وصيته لئلا يضلّوا بعده.

البخاري: بإسناده عن سعيد بن جبير سمع ابن عبّاس رضي الله عنهما يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثمّ بكى حتى بلَّ دمعه الحصى، قلت: يا ابن عبّاس ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله (ص) وجعه، فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع، فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه! فقال: ذروني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه.(٣)

وفي البخاري أيضاً: بإسناده مثلها، وفيها: استفهموه فذهبوا يردون عليه، فقال:

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٣، ص ١٤٦.

٢ - إمتاع الأسماع، ج ١، ص ٥٤٥.

٣ - البخاري، ج ٢، ص ١٢٦.

١٣٠

دعوني الرواية.(١)

ويروي أيضاً: لمّا حضر رسول الله (ص) وفي البيت رجال، فقال النبيّ (ص): هلمّوا أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده.

فقال بعضهم: إنّ رسول الله (ص) قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قرّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم مَن يقول غير ذلك، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله (ص): قوموا. قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: فكان يقول ابن عبّاس إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم.

وقريب منها في مسند أحمد: وفيه: فقال عمر: إنّ رسول الله (ص) قد غلب عليه الوجع وعندنا القرآن.(٢)

ويروي: مثلها، وفيها صرّح بأنّ القائل هو عمر بن الخطاب. فقال عمر: إنّ النبيّ (ص) قد غلب عليه الوجع الرواية.(٣)

ويروي أيضاً: وفيها: قال عمر أنّ النبيّ (ص) غلبه الوجع.(٤)

وفي مسلم: عن سعيد بن جبير.(٥) ، كما في البخاري، ج ٢، ص ١٢٦.

ويروي أيضاً: قريبا منها بسند آخر.(٦) وكذ في مسند أحمد.(٧)

ويروي بإسناده(٨) نظير ما في البخاري، ج ٤، ص ٥.

ويقول في زاد المسلم: وعبيد الله الناقل لقول ابن عبّاس هو عبيد الله بن

____________________

١ - البخاري، ج ٣، ص ٥٨.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ٣٦٦.

٣ - البخاري، ج ٤، ص ٥.

٤ - نفس المصدر، ص ١٦٧.

٥ - مسلم، ج ٥، ص ٥٧.

٦ - نفس المصدر، ص ٧٦.

٧ - مسند أحمد، ج ١، ص ٢٢٢.

٨ - مسلم، ج ٥، ص ٧٦.

١٣١

عبد الله بن عتبة بن مسعود، أحد فقهاء المدينة السبعة، فهو مذكور في إسناد هذا الحديث في الصحيحين.

واللَّغَط - بفتحتين - هو الصوت والجَلَبة وقوله في الحديث يَهجُر - بضم الجيم - أي: يخلط ويهذي، وهذا القول خطأ من قائله ؛ لأنّ وقوع ذلك من النبيّ (ص) مستحيل ؛ لأنّه معصوم في صحّته ومرضه، لقوله تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) ، ولقول رسول الله (ص): إنّي لا أقول في الرضا والغضب إلاّ حقا.(١)

ويقول: وأمّا قولهم في تفسير: حسبنا كتاب الله. أنّه قال تعالى:( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ، وقال تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، فكلّ منهما لا يفيد الأمن من الضلالة ودوام الهداية للناس حتى يتّجه ترك السعي في تلك الكتابة، كيف ولو كان كذلك لما وقع الضلال بعد، مع أنّ الضلال والتفرّق في الأمّة قد وقع.(٢)

الطبقات: يقول ابن عبّاس: يوم الخميس وما يوم الخميس؟! اشتدّ بالنبي (ص) وجعه، فقال: ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً، قال: فقال بعض من كان عنده أنّ نبي الله ليهجر! قال: فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: أَوَبعد ماذا؟! قال: فلم يدع به.(٣)

ويروي أيضاً: عن جابر: لما كان في مرض رسول الله (ص) الذي توفّي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمّته كتاباً لا يضلُّون ولا يُضلّون، قال فكان في البيت لغط وكلام وتكلّم عمر بن الخطاب، قال فرفضه النبيّ (ص).(٤)

ويروي أيضاً: عن عمر بن الخطاب كنّا عند النبيّ (ص) وبيننا وبين الناس حجاب، فقال رسول الله (ص): اغسلوني بسبع قِرب، وأئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فقال النسوة: ائتوا رسول الله (ص)

____________________

١ - زاد المسلم، ج ٤، ص ١٨.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٠.

٣ - الطبقات، ج ٢، ص ٢٤٢.

٤ - نفس المصدر، ج ٢، ص ٢٤٣.

١٣٢

بحاجته قال عمر: فقلت اسكتن فإنّكن صواحبه، إذا مرض عصرتنّ أعينكنَّ وإذا صحّ أخذتنَّ بعنقه، فقال رسول الله (ص): هنّ خيرٌ منكم.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس لما حضرت رسول الله (ص) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب - كما في البخاري، ج ٤، ص ٥.(١)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

الأوّل: أنّ رسول الله (ص) كان متوجّهاً إلى اختلاف الأمّة بعد رحلته وضلالتهم وانحرافهم عن الحقيقة.

الثاني: أنّهم اختلفوا في محضر رسول الله (ص) وخالفوا كلامه، وخالفوا أن يكتب لهم كتاباً فيه هديهم، مع أنّ الله سبحانه يقول: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، وما آتاكم الرسول فخذوه.

الثالث: إنّهم قالوا ما لا يقوله إلاّ عدوّ خصيم، ونسبوا إلى ساحة قدس رسول الله الأكرم ما لا ينسبه إلاّ جاهل أثيم، وقد قال سبحانه وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى.

الرابع: أنّ رسول الله (ص) قد انزجر وتألّم بحيث اظهر شدّة الانزجار وقال: ذروني، ودعوني، وقوموا عنّي.

الخامس - أنّ هذه المذاكرة قد وقعت يوم الخميس وقبل أربعة أيام من رحلته (ص)، وهو يومئذٍ في أوّل مرضه، وكان اشتداد مرضه يوم الأحد، وفي هذا اليوم عقد لأسامة لواءا بيده، ثمّ خرجوا ومنهم أبو بكر وعمر إلى معسكر أسامة بالجُرف، فكيف يجوز نسبة الهجر إليه في ذلك اليوم.

السادس - أنّ من المخالفين عمر بن الخطاب وقد صرّح باسمه، والظاهر - بل المصرَّح - أنّه هو القائل بكلمة ( ليهجر ).

السابع: أنّ عمر بن الخطاب هو القائل أيضاً بجملة ( كفانا كتاب الله ) مع أنّ رسول الله (ص) كان يقول كراراً: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ما إنْ

____________________

١ - الطبقات، ج ٢، ص ٢٤٤.

١٣٣

تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً.

الثامن: أنّ الله تعالى يقول:( وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) ،( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) ، ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) . وأنّهم خالفوا رسول الله ولم يطيعوه في أهمّ الأمور، ثمّ إنّ عمر بن الخطاب قد خالف كتاب الله في موارد كثيرة، منها في المتعتين، ومنها: في ميراث الأنبياء، وغيرهما.

التاسع: إنّ المقصد الأسنى والهدف الأعلى في حياة كل امرئ إنّما يتحقّق بتحقّق الوصية وحفظها والعمل بها بعده، وهذه مُنية كلّ من أسس أساساً ودوّن قانوناً وأوجد نظاماً وتشكيلاً، وإذا فقدت الوصية أو لم يعمل بها بعده فقد بطل جميع عمله وانمحى كلّ آثار وجوده وبقى خاسراً خائباً.

العاشر: يثبت من هذه الروايات أنّ رسول الله (ص) قد توفي وهو منزجر وساخط على عمر بن الخطاب، وقد صرّح به بقوله وعمله قوموا عنّي، إنّهن خير منكم، فرفضه النبيّ، أو بعد ماذا.

ونِعم ما يقول ابن عمر في موضوع الاستخلاف:

في الطبقات: أن ابن عمر قال لعمر بن الخطاب: لو استخلفت! قال: مَن؟ قال: تجتهد، فإنّك لست لهم بربّ تجتهد، أرأيت لو أنّك بعثت إلى قيّم أرضك ألم تكن تحبّ أن يستخلف مكانه حتى يرجع إلى الأرض؟ قال: بلى، قال: أرأيت لو بعثت إلى راعي غنمك ألم تكن تحبّ أن يستخلف رجلاً حتى يرجع.(١)

أقول: هذا الكلام يؤيّد ما ذكرناه آنفا في الأمر التاسع من أنّ الهدف الأعلى في حياة كل امرئ إنّما يتحقّق بالوصاية، وهذا أمر فطري ضروري لكلّ من كانت له جمعية أو رعيّة أو أسس أساساً اجتماعياً، ولا يختصّ هذا بمورد معيّن، بل يجري في جميع موارد الغَيبة والسفر والبعد عنهم، ولهذا ترى رسول الله (ص) يستخلف في مغازيه وفي كلّ موقع يخرج من المدينة ولو بأيام قلائل، فكيف يمكن أن لا يستخلف بعد حياته وفي غيبته الدائمة؟!

____________________

١ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٤٣.

١٣٤

وعلى أيّ حال فهذا الخلاف أوّل فتنة ظهرت في الإسلام، وأوّل تدبير من المخالفين على الوصية وعلى استخلاف أهل البيت، ومن هذا الخلاف بدأت الفتن، ومن هنا ظهر الانحراف، فللمسلم الحرّ أن يتوقّف في هذه المرحلة، يحقّق عن الحقّ وعمّا أراد الله عزّ وجلّ ورسوله، ويبحث عن الصراط الذي يعرّفه رسول الله (ص) في طول أيام حياته، ويراجع الأحاديث الواردة في الكتب المعتبرة من أهل السنة، وقد أدرجنا في هذا الكتاب ما فيه كفاية للمعتبر وأنّها لهدى للمتّقين.

* * *

١٣٥

فتنة:

( بَعْث جيش أُسامة )

الملل والنحل: الخلاف الثاني في مرضه، أنّه قال: جهّزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلّف عنها. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة، وقال قوم: قد اشتدّ مرض النبيّ عليه السلام فلا تسع قلوبنا لمفارقته والحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أيّ شيء يكون من أمره.(١)

أقول: قال الله تعالى:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) . وقال تعالى:( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ) . فمخالفته قولاً أو عملاً تكشف عن ضعف الإيمان، بل عن النفاق، ولا سيّما مع هذا التأكيد الأكيد واللعن الصريح على المخالفة. ولا يبعد أن يكون هذا التجهيز المأمور به من جانب الله تعالى في هذا الموقع المخصوص لأميرين أو لأمور مهمّة.

منها: أن يتوجّه المهاجرون والأنصار في آخر ساعة من حياة النبيّ (ص) إلاّ أنّ الخلافة والإمارة الإلهية لا ربط لها بالعناوين الظاهرية، من المال والمقام والكهولة، وقد أمّر أسامة بن زيد وهو ابن عشرين سنة على جميع المهاجرين والأنصار، ومنهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة.

ومنها: أن يخرج رؤوس المهاجرين والأنصار من المدينة حين وفاة النبيّ (ص)، حتى يمكن إجراء نظره وأعمال وصيّته في علي أمير المؤمنين، حبيب الله وحبيب رسوله، ولكن تدبير المخالفين في هذه المرتبة الثانية أيضاً قد

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٤.

١٣٦

منع عمّا يريده رسول الله (ص) من إجراء نيّته.

تهذيب ابن عساكر: فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدّهم في ذلك قولاً عيّاش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين، فكثرت القالة في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك القول فردّه على من تكلّم به، وجاء إلى رسول الله (ص) فأخبره بقول مَن قال، فغضب رسول الله (ص) غضباً شديداً فخرج وقد عصب رأسه بعصابة وعليه قطيفة، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد، أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، فوالله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليق وأنّ ابنه من بعده لخليق بالإمارة، وإن كان لأحبّ الناس إليّ، وإنّ هذا لمِن أحبّ الناس إليّ، وإنّهما لمُخيلان لكلّ خير، فاستوصوا به خيراً فإنّه من خياركم.

ثمّ نزل رسول الله (ص)، فدخل بيته وذلك يوم السبت وجاء المسلمون الذين سيخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله (ص) وفيهم عمر بن الخطاب، ورسول الله (ص) يقول: أنفذوا بعث أسامة.(١)

أقول: اللّهم العن من تخلّف عن جيش أسامة كما لعنهم رسول الله (ص)، اللّهم إنّا نتبرّأ ممّن اعترضوا على رسول الله (ص) وأغضبوه، وطعنوا في تأميره وخالفوا أمره، ولم يطيعوه ولم يسلموا إليه ولم يتجهّزوا ولم يسرعوا السير في حياته.

البخاري ومسلم: بإسناده عن ابن عمر: بعث رسول الله (ص) بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمرته فقام رسول الله (ص) فقال: إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمرة، وإن كان لمِن أحبّ الناس إليّ، وإنّ هذا لمِن أحبّ الناس إليّ بعده.(٢)

ويروي مسلم أيضاً: قريبا منها بسند آخر، وفيها: فأوصيكم به، فإنّه من صالحيكم.

____________________

١ - تهذيب ابن عساكر، ج١، ص ١٢٠.

٢ - البخاري، ج٢، ص ١٨٧ ومسلم، ج٧، ص ١٣١.

١٣٧

ويروي مسند أحمد: قريباً منها.(١)

الطبقات: فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده، ثمّ قال: اُغزُ بسم الله وفي سبيل الله فقاتِل من كَفَر بالله! فخرج بلوائه معقودا فدفعه الى بُريدة أبن الحُصيب الأسلمي وعسكر بالجُرف، فلم يبقَ أحدٌ من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلاّ انتُدِب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقّاص فتكلّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين، فغضب رسول الله (ص) غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر ثمّ نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأوّل، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله (ص) ويمضون إلى العسكر بالجُرف، وثقل رسول الله (ص) فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة.

فلمّا كان يوم الأحد اشتدّ برسول الله (ص) وجعه، فدخل أسامة من معسكره والنبيّ مغمور، وهو اليوم الذي لدّوه فيه، فطأطأ أسامة فقبّله ورسول الله (ص) لا يتكلّم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثمّ يضعهما على أسامة، قال: فعرفت أنّه يدعو لي، ورجع أسامة إلى معسكره، ثمّ دخل يوم الإثنين وأصبح رسول الله (ص) مفيقاً صلوات الله عليه وبركاته، فقال له: اغد على بركة الله فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل، فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمّه - أمّ أيمن - قد جاءه يقول: إنّ رسول الله (ص) يموت! فأقبل واقبل معه أبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله (ص) وهو يموت فتوفّى (ص) حين زاغت الشمس يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجُرف إلى المدينة إلخ.(٢)

ويروي أيضاً: أنّ النبيّ (ص) بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم

____________________

١ - مسند أحمد، ج٢، ص ١٠٦.

٢ - الطبقات، ج٢، ص ١٩٠.

١٣٨

أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره إلخ.(١)

ويروي أيضاً: ثمّ قال: أيّها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري إن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه مِن قبله، وإنّه لخليق للإمارة وان كان أبوه لخليقاً لها. قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجُرف وتتام الناس إليه، فخرجوا إلخ.(٢)

أقول: الجُرف - بالضم - على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. ولدَّ الدواءَ: صبّه في أحد شقّي الفم.

ويروي أيضاً: فخطب أبو بكر أناس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: والله لأن تخطّفني الطير أحبّ إليّ مِن أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله (ص)، قال: فبعثه أبو بكر إلى آبل واستأذن لعمر أن يتركه عنده، قال: فأذن أسامة لعمر إلخ.(٣)

أنساب الأشراف: وكان رسول الله (ص) قد رأى توجيه أسامة بن زيد في سرية إلى الذين حاربهم أبوه يوم مؤتة وأمره أن يوطئهم الخيل، وعقد له لواء وضم إليه أبا بكر وعمر فيمن ضم، فمرض (ص) قبل أن ينفذ الجيش، فأوصى بإنفاذه فقال: أنفذوا جيش أسامة. فلمّا استخلف أبو بكر أنفذه، وكلّمه في عمر لحاجته إليه.(٤)

أقول: إن كان مراده من قوله ( فأوصى بإنفاذه ) الوصية بالإنفاذ بعد رحلته وموته: فهذا خلاف ما ثبت ونقل في الكتب المعتبرة، بل وغير المعتبرة أيضاً، وقد مرّ في الطبقات قوله: وأصبح رسول الله (ص) مفيقاً فقال له: أُغدُ على بركة الله. فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل. وان كان مراده من الوصية: الأمر بالإنفاذ وحركة الجيش بالفور ومن غير تأخير، وهو الصريح من

____________________

١ - الطبقات، ج٢، ص ٢٤٩.

٢ - نفس المصدر، ج٤، ص ٦٨.

٣ - نفس المصدر، ج٤، ص ٦٧.

٤ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٣٨٤.

١٣٩

التاريخ والرواية: فكيف يجوز للجيش التهاون والتراخي والتسامح ومخالفة أمر الرسول، مع أنه لا ينطق عن الهوى ولا يجوز مخالفته وعصيانه.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس: خرج رسول الله (ص) عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر، وكان الناس قد تكلّموا في أمره حين أراد توجيههم إلى مُؤتة، فكان أشدّهم قولاً في ذلك عيّاش بن أبي ربيعة، فقال: أيّها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمرته لقد قلتم في إمرة أبيه من قبله ولقد كان أبوه للإمارة خليقا، وإنّه لخليق بها. وكان في جيش أسامة أبو بكرٍ وعمر ووجوه من المهاجرين والأنصار (رض)، وخرج فعسكر بالجُرف. فلمّا قبض رسول الله (ص) واستُخلِف أبو بكر، أتى أسامة فقال له: قد ترى موضعي من خلافة رسول الله (ص) وأنا إلى حضور عمر ورأيه محتاج، فأنا أسألك تخليفه! ففعل.(١)

تهذيب ابن عساكر: فشقّ ذلك على كبار المهاجرين الأوّلين ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد، فقالوا: يا خليفة رسول الله إنّ العرب قد انتقضت عليك من كلّ جانب وأنّك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، اجعلهم عدّة لأهل الردّة ترمي بهم في نحورهم، وأخرى لا تأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء، ولو تأخّرت لغزو الروم فقال: والذي نفسي بيده لو ظننت أنّ السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدّ أن يؤوب منه، كيف ورسول الله (ص) ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة. ولكن خصلة أكلّم بها أسامة، أكلمه في عمر يقيم عندنا ؛ فإنّه لا غنى بنا عنه، والله ما أدري يفعل أسامة أم لا.(٢)

أقول: والعجب من قول أبي بكر حيث يعترف بأنّ رسول الله (ص) ينزل عليه الوحي من السماء، ومع هذا تخلّف عن الجيش في زمان حياة رسول الله (ص) ثمّ يكلّم في عمر أيضاً حتى يقوم عنده ويتخلّف عن الجيش، وقال الله تعالى:( أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ) . ويقول:( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

____________________

١ - نفس السابق، ص ٤٧٤.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج١، ص ١٢٢.

١٤٠