الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174661
تحميل: 5520

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174661 / تحميل: 5520
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يصالحونه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف أو بعد ما قدم المدينة، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله (ص) خالصة ؛ لأنّه لم يوجّف عليها بخيل ولا ركاب.(١)

أنساب الأشراف: كان لرسول الله (ص) ثلاث صفايا: مال بني النضير، وخيبر، وفدك. فأمّا أموال بني النضير فكانت حبساً لنوائبه، وأمّا فدك فكانت لأبناء السبيل، وجزّأ خيبر ثلاثة أجزاء فقسّم جزأين منها بين المسلمين وحبس جزءا لنفسه ونفقة أهله.(٢)

أقول: الصفية من الغنيمة، والجمع صفايا: ما اختاره الرئيس لنفسه. فيكون مرادفا للفيء أو أخص منه، كما أنّ الأنفال أعمّ من الفيء حيث أنّه يشمل الأراضي الموات ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام أيضاً. فالغنيمة شاملة للأنفال وغيرها، والأنفال شاملة للفيء وغيره. والفيء شامل للصفية وغيرها. فالصفية من الفيء: ما اختاره رسول الله (ص) لنفسه وجعله من ماله وملكه. قال ابن الأثير في النهاية: الصفي ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، ويقال له الصفية والجمع الصفايا، ومنه حديث عائشة: كانت صفية من الصفي، يعني صفية بنت حُيّ كانت ممّا اصطفاها النبي (ص) من غنيمة خيبر.

البخاري: بإسناده: أنّ فاطمة ابنة رسول الله (ص) سألت أبا بكر الصدّيق بعد وفاة رسول الله (ص) أن يقسّم لها ميراثها ما ترك رسول الله (ص) ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبا بكر: إنّ رسول الله (ص) قال: لا نورَث، ما تركنا صدقة. فغضبت فاطمة بنت رسول الله (ص) فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى تُوفيت، وعاشت بعد رسول الله (ص) ستة أشهر.(٣)

كذلك في مسند أحمد.(٤)

____________________

١ - السيرة النبوية، ج٣، ص ٣٦٨.

٢ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٥١٩.

٣ - البخاري، ج٢، ص ١١٥.

٤ - مسند أحمد، ج١، ص ٦.

١٨١

ويروي بإسناده: أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ (ص) فيما أفاء الله على رسوله (ص) تطلب صدقة النبيّ (ص) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر! فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (ص) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر! فقال أبو بكر:إنّ رسول الله (ص) قال: لا نورّث ما تركنا فهو صدقة. إنّما يأكل آل محمد من هذا المال، يعني مال الله، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، وإنّي والله لا أغيّر شيئا من صدقات النبيّ (ص) التي كانت عليها في عهد النبيّ (ص) ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله (ص)، فتشهّد عليّ ثمّ قال: إنّا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك، وذكر قرابتهم من رسول الله (ص) وحقّهم، فتكلّم أبو بكر فقال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله (ص) أحبّ إلي أن أصل من قرابتي.(١) وفي مسند أحمد: ما يقرب منها.(٢)

ويروي: قريباً من هذه الرواية، وفيها: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى تُوفيّت، وعاشت بعد النبيّ (ص) ستة أشهر، فلما توفّيت دفنها زوجها ليلاً ولم يُؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما تُوفيت استنكر على وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحدٌ معك ؛ كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ والله لآتينهم! فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد عليّ فقال:إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ولكنّك استبددت علينا بالأمر، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله (ص) نصيباً. حتى فاضت عينا أبي بكر، فلمّا تكلّم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله (ص) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأمّا الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال: فلم آل فيها عن الخير ولم أترك أمرا رأيت رسول الله (ص) يصنعه فيها إلاّ صنعته.

____________________

١ - البخاري، ج٢، ص ١٨٥.

٢ - مسند أحمد، ج١، ص ٩.

١٨٢

فقال عليّ لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلمّا صلّى أبو بكر الظهر رقى المنبر فتشهّد وذكر شأن عليّ وتخلّفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ثمّ استغفر وتشهّد عليّ فعئم حق أبي بكر وحدّث أنّه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكار للذي فضّله الله به، ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبدّ علينا فوَجَدْنا في أنفسنا. فسرّ بذلك المسلمون قالوا: أصبت.(١)

أقول: يستفاد من هذا الكلام المنقول من الصحيح أمور:

الأوّل: أنّ فاطمة (ع) على قولهم: ما كانت عالمة بحقيقة الفيء والخمس والصدقة والميراث المذكورة في هذه الروايات، مع كونها من أهل بيت الوحي والنبوّة، ومع كونها متصرّفة فيها حياة النبيّ (ص).

الثاني: أنّ فاطمة ما صدّقت قول أبي بكر والحديث الذي رواه، أو ما توجّهت إلى معناه، حتى غضبت وهاجرت ولم تكلّمه.

الثالث: أنّ فاطمة غضبت أشدّ الغضب بحيث هجرته حتى تُوفيت، وقد قال النبيّ (ص): فمن أغضبها فقد أغضبني.

الرابع: أنّ فاطمة وعلياً (ع) قد غضبا وأوذيا بحيث لم يرضيا أن يحضر أبو بكر في تشييع بنت النبيّ وصلاتها ودفنها حتى دفنها عليّ (ع) ليلاً ولم يُخبر أحداً منهم بتجهيزها ودفنها.

الخامس: أنّ مصالحة عليّ (ع) ومبايعته كان بعد وفاة فاطمة (ع).

وفي البخاري: بإسناده: أنّ فاطمة والعبّاس عليهما السلام أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثها من رسول الله (ص) وهما حينئذٍ يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر سمعت رسول الله (ص) يقول فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت.(٢)

ثمّ يروي أيضاً: أتى حاجب عمر وقال: هل لك في عليّ وعبّاس؟ قال: نعم، قال عبّاس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا قال عمر: فإنّي أحدثكم

____________________

١ - البخاري، ج٣، ص ٣٥.

٢ - البخاري، ج٤، ص ١٠١.

١٨٣

عن هذا الأمر: إنّ الله قد كان خصّ رسوله (ص) في هذا الفيء بشيء لم يُعطه أحداً غيره، فقال عزّ وجلّ:( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ) إلى قوله ( قَدِيرٌ ) ، فكانت خالصة لرسول الله (ص) والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموه وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان النبيّ (ص) يُنفق على أهله من هذا المال نفقة سَنَتِه، ثمّ يأخذ ما بقي فيجعله مَجعل مال الله ثمّ جئتماني وكلمتُكما واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من أبن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما بذلك، فتلتمسان منّي قضاءً غير ذلك، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاءً غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها.

أقول: فيدل هذا الحديث على أنّ عبّاساً وعلياً أيضاً يلتمسان على عقيدتهم أمراً خلاف الحقّ والشريعة، مع أنّ علياً أقضى الأمّة وأنّ الحقّ مع عليّ.

ثمّ العجب من عمر حيث اعترف بأنّ الله خصّ رسوله (ص) في هذا الفيء بشيءٍ لم يعطه أحداً غيره، ثمّ إنّه دفعها إليهما بعد سنتين من خلافته، مع أنّ أبا بكر لم يدفعها إلى فاطمة.

والأعجب أنّ البخاري يروي في أوّل صفحة ١٠٢ حديث( لا نورث ما تركنا صدقة ) ثمّ يروي في آخر الصفحة عن النبيّ (ص): أنّك إن تركت ولدك أغنياء خيرٌ من أن تركتهم عالة يتكفّفون الناس.

مع أنّ هذا الحكم يوجب الظلم على ورثة الأنبياء ومحروميّتهم من حقّهم، والنبيّ إذا مات ليس له حقّ في ماله، والمال للورثة، وهل يجوز لنبيٍّ أن يحكم في أموال الورثة بما شاء ويجعلهم عالة يتكفّفون الناس.

ويقول عمر بن الخطاب حسبنا كتاب الله: مع أنّ الكتاب يقول:( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) .

ويروي أيضاً: قريباً من الحديث، وفيها: إن شئتما دفعتها إليكم، على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل به رسول الله (ص) وبما عمل فيها أبو بكر

١٨٤

وبما عملت فيها منذ وليّتها، وإلاّ فلا تكلّماني فيها، فقلتما ادفعها إلينا بذلك.. الحديث.(١)

أقول: ردّ هذه الأموال إلى أهل بيت النبيّ (ص) صحيح وواقع في محلّه، وأمّا الشرط الذي اشترطه فباطل ؛ فإنّ عمر بن الخطاب ليس له مقام ولاية دينية حتى يتوقّف التصرّف في بيت المال على إجازته، وقد أثبتنا في بابه أنّ عمر منصوب من جانب أبي بكر كما أنّ أبا بكر أيضاً قد نُصّب من جانب عمر وبتعيينه، ولا تثبت بهذا ولاية حقيقية دينية لهما على عموم المسلمين، حتى على أهل بيت (ص) وعليّ بن أبي طالب (ع).

ويروي مسلم نظير تلك الرواية، وفيها: فقلت إن شئتم دفعتها إليكم، على أنّ عليما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله (ص) فأخذتماها بذلك.(٢)

ويروي أيضاً: نظير رواية البخاري، وفيها: ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها عليّ.(٣)

ويروي: عن عائشة: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله (ص) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله (ص) يعمل به إلاّ عملت به، إنّي أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعبّاس، فغلبه عليها عليّ، وأمّا خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله (ص) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولّى الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم.(٤)

مسند أحمد: يروي في رواية نظيرها.(٥)

____________________

١ - البخاري، ج٤، ص ١٦١.

٢ - مسلم، ج٥، ص ١٥٢.

٣ - نفس المصدر، ص ١٥٣.

٤ - نفس المصدر، ص ١٥٥.

٥ - مسند أحمد، ج١، ص ٦.

١٨٥

سنن النسائي: عن عمر قال: كانت أموال بني النضير ممّا أفاء الله على رسوله ممّا لو يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عُدة في سبيل الله.(١)

ويروي: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب. قال الزهري: هذه لرسول الله (ص) خاصة قرى عربية فدك كذا وكذا.(٢)

سنن أبي داود: نظير ما في مسلم (ص ١٥٥).(٣)

ويروي أيضاً: عن الزهري، قال: صالح النبي (ص) أهل فدك وقرى ( قد سمّاها لا أحفظها )، وهو محاصر قوماً آخرين، فأرسلوا إليه بالصلح، قال فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب، يقول بغير قتال. قال الزهري: وكانت بنو النضير للنبيّ خالصاً لم يفتحوها عنوة افتتحوها على صلح قسّمها النبيّ (ص) بين المهاجرين لم يعط الأنصار منها شيئاً إلاّ رجلين كانت بهما حاجة.

ويروي أيضاً: جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف، فقال إنّ رسول الله (ص) كانت له فدك فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوّج منها أيّهم، وأنّ فاطمة سألته أن يجعلها لها، فأبى. فكانت كذلك في حياة رسول الله (ص) حتى مضى لسبيله، فلمّا أن ولى أبو بكر عمل فيها بما عمل النبيّ (ص) حتى مضى لسبيله، فلمّا أن ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله، ثمّ أقطعها مروان ثمّ صارت لعمر بن عبد العزيز، قال عمر يعني ابن عبد العزيز: فرأيت أمراً منعه النبيّ (ص) فاطمة ليس لي بحقّ، وإنّي اُشهدكم أنّي قد رددتها على ما كانت، يعني على عهد رسول الله (ص)

وفي حاشية الكتاب (ص ٥٥) أقطعها مروان أي زمن عثمان، والمعنى جعلها قطعة لنفسه وتوابعه.

____________________

١ - سنن النسائي، ج٧، ص ١٣٢.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣٧.

٣ - سنن أبي داود، ج٢، ص ٥٨.

١٨٦

أقول: يظهر من هذا الكلام أنّ مروان بن الحكم كان أولى وأحقّ من فاطمة بنت رسول الله (ص)، حيث أنّ أبا بكر وعمر قد منعا فاطمة منها ثمّ أنّ عثمان أقطعها لمروان وتوابعه. ويظهر أيضاً أنّ عثمان كان قد عمل في هذا الموضوع خلاف أبي بكر وعمر.

سنن الترمذي: عن أبي هريرة: جاءت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي، قالت: فما لي لا أرث أبي؟ فقال أبو بكر: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا نورَث، لكن أعول من كان رسول الله (ص) يعوله وأنفق على من كان رسول الله (ص) يُنفق عليه.(١) كذلك في مسند أحمد.(٢)

ويروي أيضاً نظير النسائي : (ج ٧، ص ١٣٢) وفيها: ولا ركاب، فكانت لرسول الله (ص) خالصاً وكان رسول الله (ص) يعزل نفقة أهله سنة ثمّ يجعل ما بقي.(٣)

الطبقات: عن أم هاني: أنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مُتّ؟ قال: ولدي وأهلي: قالت: فما لك ورثت النبيّ دوننا؟ فقال: يا بنت رسول الله (ص) إنّي والله ما ورثت أباك أرضاً ولا ذهباً ولا فضةً ولا غلاماً ولا مالاً. قالت: فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك؟ فقال: إنّي سمعت رسول الله (ص) يقول هي طعمة أطعمنيها الله فإذا مُتّ كان بين المسلمين.(٤)

ويروي أيضاً: جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، وجاء العبّاس بن عبد المطلب يطلب ميراثه، وجاء معهما عليّ، فقال أبو بكر: قال رسول الله (ص) لا نورث ما تركنا صدقة، وما كان النبيّ (ص) يعول فعَلَيَّ، فقال عليّ: ورث سليمان داود، وقال زكريا: يرثني ويرث من آل يعقوب! قال أبو بكر: هو هكذا

____________________

١ - سنن الترمذي، ص ٢٥٠.

٢ - مسند أحمد، ج١، ص ١٠.

٣ - سنن الترمذي، ص ٢٦٣.

٤ - الطبقات، ج٢، ص ٣١٤.

١٨٧

وأنت والله تعلم مثل ما أعلم، فقال عليّ: هذا كتاب الله ينطق، فسكتوا وانصرفوا.(١)

ويروي أيضاً: عن أسلم، قال: سمعت عمر يقول: لما كان اليوم الذي تُوفي فيه رسول الله (ص) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم، فلمّا كان من الغد جاءت فاطمة إلى أبي بكر معها عليّ، فقالت: ميراثي مِن رسول الله (ص) أبي؟! فقال: أبو بكر أمن الرِّثة أو من العُقد؟ قالت: فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة، أرثها كما ترثك بناتك إذا مِتَ. فقال أبو بكر: أبوك والله خير منّي وأنت والله خيرٌ من بناتي، وقد قال رسول الله (ص): لا نَورت ما تركنا صدقة، يعني هذه الأموال القائمة، فتعلمين: أنّ أباك أعطاكها! فوالله لئن قلت نعم، لأقبلنّ قولك ولأصدّقنّك! قالت: جاءتني أم أيمن فأخبرتني أنّه أعطاني فدك، قال: فسمعته يقول: هي لك؟ فإذا قلت: قد سمعته، فهي لك ؛ فأنا أصدّقك وأقبل قولك، قال: قد أخبرتك ما عندي.

ويروي أيضاً: حدّث جعفر الأنصاري: كانت فدك صفيا لرسول الله (ص) فكانت لابن السبيل، وسألته ابنته فدك أن يهبها لها فأبى رسول الله (ص) ذلك عليها فلم يطمع فيها طامع، ثمّ توفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك فلمّا كانت الجماعة على معاوية سنة أربعين ولّي مروان بن الحكم المدينة، فكتب إلى معاوية يطلب إليه فدك، فأعطاه إياها، فكانت بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كلّ سنة ثمّ أعطى مروان عبد الملك نصفها وعبد العزيز بن مروان نصفها، فوهب عبد العزيز نصفها الذي كان بيده لعمر بن العبد العزيز.(٢)

ويروي أيضاً: فكتب عمر بن العزيز إلى أبي بكر بن محمّد كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى أبي بكر بن محمّد. سلام عليك فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو. أمّا بعد: فإنّي نظرت في أمر فدك وفحصت عنه، فإذا هو لا يصلح لي، ورأيت إن أردّها على ما كانت عليه في

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣١٥.

٢ - نفس المصدر، ج٥، ص ٣٨٨.

١٨٨

عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان، وأترك ما حدث بعدهم، فإذا جاءك كتابي هذا فاقبضها وولّها رجلاً يقوم فيها بالحقّ.(١)

فتوح البلدان: قالوا: بعث رسول الله (ص) إلى أهل فدك منصرّفه من خيبر، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الإسلام، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي، فصالحوا رسول الله (ص) على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله (ص) ؛ لأنّه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.(٢)

ويروي أيضاً: عن عمر قال: كانت لرسول الله (ص) ثلاث صفايا، فكانت أرض بني النضير تحبساً وكانت لنوائبه، وجزأ خيبر على ثلاثة أجزاء، وكانت فدك لأبناء السبيل.(٣)

ويروي أيضاً: عن جعونة: قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إنّ رسول الله (ص) جعل لي فدك فأعطني إياها، وشهد لها علي بن أبي طالب، فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أمّ أيمن، فقال: قد علمت يا بنت رسول الله أنّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، فانصرفت.(٤)

أقول: الحاجة إلى البينة إذا فقد العلم واليقين، وكيف لا يحصل اليقين لمسلم عند دعوى فاطمة بنت رسول الله وهي سيدة نساء العالمين، والبضعة من رسول الله (ص)، وأحبّ الخلق إليه، أو كيف لا يحصل إذا شهد لأمرٍ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وهو أخو رسول الله (ص) وولّيه وصفيّه وحبيبه وحبيب الله، بل وأحب الخلق إلى الله وإلى رسوله، وقد قال رسول الله (ص): من أغضب وآذى فاطمة فقد آذاني وأغضبني، وقال: ومن آذى علياً فقد آذاني، وقال أيضاً: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، وقال: عليّ منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص٣٨٩.

٢ - فتوح البلدان، ص٤٢.

٣ - نفس المصدر، ص٤٣.

٤ - نفس المصدر، ص٤٤.

١٨٩

بعدي، فهل يحتمل مسلم أن تدّعي فاطمة وأن يشهد عليّ باطلاً؟! وأمّا أمّ أيمن فهي حاضنة رسول الله (ص)، وقال في حقّها:أنّها من أهل الجنّة.

يناسب هذا المقال ما كتب المأمون إلى عامله بالمدينة، كما فيفتوح البلدان:

أمّا بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانة من دين الله وخلافة رسوله (ص) والقرابة به، أولى مَن استنّ سنّته ونفذ أمره وسلّم لمن منحه منحة وتصدّق عليه بصدقة منحتَه وصدقتَه، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته، وقد كان رسول الله (ص) أعطى فاطمة بنت رسول الله (ص) فدكاً وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل الرسول (ص)، ولم تزل تدّعي منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله، وإلى رسول الله (ص) بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتّاب به إلى عمّاله، فلئن كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض الله نبيه (ص) أن يذكر كلّ مَن كانت له صدقة أو هبة أو عدّة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدّته، إنّ فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل رسول الله (ص) لها.

وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري، مولى أمير المؤمنين، يأمره بردّ فدكٍ على ورثة فاطمة بنت رسول الله (ص) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك، وتسليمها إلى محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علىّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب، ومحمّد بن عبد الله بن الحسن بن علىّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب، لتولية أمير المؤمنين إيّاهما القيام بها لأهلها. فأعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين إلخ.(١)

العقد الفريد: وفي كتاب إبراهيم بن جعفر في فدكٍ حين أمره بردّها: قد أرضيت خليفة اللهُ فدك كما أرضى الله رسوله فيها.(٢)

فتحصّل من هذه الروايات أمور:

١ - أنّا نقطع بأنّ فاطمة (ع) طالبت فدكاً من أبي بكر، ومن المسلّمات

____________________

١ - فتوح البلدان، ص٤٦.

٢ - العقد الفريد، ج٤، ص٢١٦.

١٩٠

اليقينية. أنّ فاطمة لا تطالب إلاّ عن حقّ ولا تدّعي شيئا إلاّ إذا أيقنت به، ولا تتكلّم إلاّ عن صدقٍ، ولا يمكن في حقّها الانحراف والتعدّي والتمايل الباطل، فإنّها من الذين أذهب الله الرجس عنهم وطهّرهم، وهي سيدة نساء العالمين.

٢ - ونقطع بأنّ علياً (ع) أيّدها ونصرها في هذه الدعوى، بل وشهد لها. ونعلم علماً قطعيّاً بأنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه، ومع القرآن، وهو أعلم الأمّة وأتقاها، ويُحبّه الله ورسوله، ولا يمكن في حقّه خلاف الحقّ والصدق.

٣ - ونقطع أيضاً بأنّ أهل البيت قد تأذّوا وغضبوا وتألّموا تألّماً شديداً، وقد وردت روايات صحيحة بأنّ من آذاهم فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله (ص) فقد آذى الله.

٤ - ونقطع بأنّ الروايات الواردة في هذا الباب مختلة جداً ومغشوشة ؛ لاختلافها، ومخالفة بعض مضامينها بالأحاديث المقطوعة.

٥ - أنّ حديث:( نحن الأنبياء لا نورث )، إن أريد منه أنّهم لا يورّثون في الجهة المعنوية الإلهية من النبوة والفيوضات الغيبية التي ليسب بمكتسَبة فيصح مضمونها، فإنها لا تقبل التوارث والانتقال، بل وأنّها بيد الله يعطي من يشاء ويمنع. وإن أريد منه - الجهة المادّية الظاهرية من المال والملك، فيكون الحديث ضعيفاً وغير صحيح، فإنّ انتقال المال من الميت إلى ورثته ليس في اختيار الميت وجوداً ولا عدماً، بل وإنّه لا يقدر أن يمنع من الانتقال والإرث، والمال بعد الموت للورثة سواء وافق الميّت أو خالف، فلا يعدّ هذا من محاسن الميّت ولا من مساويه، بل الظاهر أنّ منع الورثة من الإرث يخالف العدل والإنصاف، ويساوق الجور والعدوان ؛ فإنّه يوجب محرومية الورثة من حقّهم الذي جعله الله لهم. فلا يكون هذا الحديث مدحاً للأنبياء بل قدحاً وذمّاً لهم.

٦ - هذا الحديث مردود عند أهل البيت عليهم السلام، كما شاهدت من الروايات، وهم أدرى بما في البيت.

٧ - إنّ الحقّ الصريح الذي لا ريب فيه أنّ رسول الله (ص) قد أعطى فدكاً لفاطمة (ع) في حال حياته، وكانت في تصرفها، ثمّ لمّا توفّي رسول الله (ص)

١٩١

أخذها أبو بكر وأخرج منها عاملها، في تلو السياسة التي اتّخذت، ونقطع بأنّ هذا العمل مرتبط بالفتن الحادثة التي أسلفناها.

وهذه فتنة منعت أهل البيت عن بسط أيديهم وتوسعة معاشهم، وصرفت وجوه الناس عنهم، وجعلتهم في مضيق من العيش والحياة، وصار أعداؤهم فرحين مستبشرين.

١٩٢

( نتيجة الفتن الخمسة )

ظهرت هذه الفتن الخمسة، وحدثت الأحداث التي أسلفناها، فجعلت مجرى الإسلام منحرفاً، وغيّرت ما أقامه رسول الله (ص)، فصار المسلمون مختلفين، وارتدّوا عن الصراط المستقيم، وأعرضوا عمّا أوصاهم به رسول الله (ص).

فهذه الأحداث قد جعلت جامعة المسلمين منحرفة عن أهل البيت، وموافقة لخلافة أبي بكر وعمر، ومستعدّة لقبول كلمات المخالفين.

ثمّ أنهم قد أحدثوا أحاديث جديدة، وشاعت روايات حديثة ليست لها سابقة في زمان رسول الله (ص) ولا في الأيام الأوّل بعد الإسلام ولا في السقيفة ولا في محاورات أخرى. فغيّروا كلمات رسول الله (ص) عن مواضعها وحرّفوها وبدّلوها، فبئس ما صنعوا، ضلُّوا وأضلّوا، وبئس ما ظلموا، وما ظلموا إلاّ أنفسهم.

* * *

١٩٣

( روايات في فضل أبي بكر )

البخاري: قال رسول الله (ص): أنّ من أمّن عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متّخذاً خليلاً غير ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكن إخوة الإسلام ومودّته، لا يبقينَّ في المسجد باب إلاّ باب أبي بكر.(١)

ويروي: مثلها، وفيها: إلاّ خلّة الإسلام، لا يبقينَّ في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.(٢)

ويروي مسلم: مثلها، وفيها: ولكن أخوة الإسلام لا تُبقينّ في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.(٣)

وفي زاد المسلم شرح المسلم: يشير به إلى قطع المنازعة مع أبي بكر في أمر الخلافة على الاستعارة التصريحية، بأنّ شبّه طريق النزاع فيه الأبواب ولم يكن بيت أبي بكر متّصلا به ولا ينافيه قوله في حقّ عليّ كرّم الله وجهه سُدّوا أبواب المسجد كلّها إلاّ بابَ عليّ، لأنّه محمول على حقيقته، لأنّ بيت عليّ ثبت أنّه كان في جنب المسجد النبوي، فلم يقصد به الإشارة إلى خلافته.(٤)

ابن ماجة: عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله (ص) وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي الرواية.(٥)

أقول: فيها تصريح بأنّ بيت أبي بكر كانت بالعوالي. وأمّا إخوة الإسلام:

____________________

١ - البخاري، ج٢، ص ١٧٧.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٠٣.

٣ - مسلم، ج٧، ص ١٠٨

٤ - زاد المسلم ج١، ص ٨٦.

٥ - ابن ماجة، ج١، ص ٤٩٨.

١٩٤

فهي عامة بالنسبة إلى جميع المسلمين، كما قال تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) فلا دلالة فيها على امتياز مخصوص لأبي بكر، مع أنّ رسول الله (ص) قد آخى بينه وبين عليّ بن أبي طالب (ع)، كما في ابن ماجة قال عليّ: أنا عبد الله واخو رسوله وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب.(١)

وفي السيرة النبويّة: فقال (ص): تآخوا في الله أخوين، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب، فقال: هذا أخي.(٢)

أقول: قد سبق فصل مخصوص بهذا الموضوع، فراجعه.

ومن راجع الروايات المنقولة في خصوص بعض الأصحاب المخالفين، ونظر فيها نظر دقّة وتحقيق وجدها مقتبسة ومأخوذة من الأحاديث الواردة في عليّ بن أبي طالب (ع) ومجعولة على مضامين قريبة منها، كالأحاديث المجعولة في محاسن الشام وفضائل أهلها، في مقابل الرايات الواردة في المدينة، وكالتي جعلت في فضائل بني أمية وسلاطينها في قِبال ما وردت في بني هاشم وأهل البيت، ونظائرها.

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي: أنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ (ع) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا يرغب في مثله.(٣)

وفي الموضوعات الكبير للقاري: ومنهم زنادقة وضعوه قصداً إلى إفساد الشريعة وإيقاع الشكّ والتلاعب بالدين، وقد كان بعض الزنادقة يضع الحديث لنصرة مذهبه، ومنهم من يضع حسبة ترغيباً وترهيباً، ومنهم من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن، ومنهم من قصد التقريب إلى السلطان ومنهم القُصّاص.(٤)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ج١، ص ٥٧.

٢ - السيرة النبوية، ج٢، ص ١٥٠.

٣ - شرح النهج لابن أبي الحديد، ج١، ص ٣٥٨.

٤ - الموضوعات الكبير للقاري، ص ١٥٠.

١٩٥

مستدرك الحاكم: قال رسول الله (ص): أن تُولوا أبا بكر تجدوه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وان تُولوا عمرَ تجدوه قوياً أمينا لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم، وان تُولوا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق.(١)

أقول: المطلوب اللازم في الخليفة كونه مهدياً وهادياً يهدي الأمّة إلى صراطاً مستقيم، وأمّا الزهد والأمانة فمن صفات المؤمنين ولازم لكلّ فردٍ من المسلمين أنّ يتّصف به.

ويروي: ما يقرب منها، وفيه: راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف فهادٍ مهتدٍ يقيمكم على صراط مستقيم.(٢)

أقول: توصيف أبي بكر بقوله:( وفي جسمه ضعف ) ، يدل على ضعفه عن مقام الخلافة وبأنّه غير مستعدٍ له.

ثمّ أنّ نظائر هذا الروايات لم تثبت عند أهل البيت، ولم تضبط في كتب الإمامية، وعلى تقدير ورودها وصحّتها لا تدلّ على مطلوبهم، ولا سيّما مع وجود أحاديث صحيحة واردة في كتب الفريقين لعليّ (ع)، وقد أدرجنا أنموذجا منها في الكتاب.

أنساب الأشراف: لما ثقل رسول الله (ص) دعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ائتني بكتفٍ حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يُختلف عليه معه، فذهب عبد الرحمن ليقوم، فقال: اجلس أبى الله والمؤمنون أن يُختلف على أبي بكر.(٣)

ويروي: عن رسول الله (ص) قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.(٤)

المعارف: عن أبي نضرة، قال أبو بكر في الخلافة: ومن أحقّ بها منّي أو لست أوّل من أسلم؟!(٥)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ٧٠.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٤٢.

٣ - أنساب الأشراف، ج١، ص ٥٤١.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٤٠.

٥ - المعارف، ص ١٦٩.

١٩٦

الاستيعاب: عن عمرو بن العاص، قلت يا رسول الله من أحبّ الناس إليك؟ قال عائشة، قلت: من الرجال؟ قال أبوها.(١)

أقول: قلنا إنّ المخالفين لأهل البيت قد وضعوا أحاديث في مقابل ما وردت في أهل البيت وعليّ (ع).

فالرواية الأولى: موضوعة في مقابل أحاديث الوصية وطلبه كتاباً، وقول عمر: إنّ الرجلَ ليهجر!! فراجعها.

والرواية الثانية: موضوعة في مقابل ما وردت: إن تولّوا علياً تجدوه هادياً، وما يقرب منها.

والرواية الثالثة: موضوعة في مقابل ما وردت من الأحاديث المتواترة المسلّمة: إنّ أوّل من أسلم وصلّى عليّ.

والرواية الرابعة: موضوعة في مقابل ما وردت: إنّ أحبّ الناس إلى رسول الله فاطمة وعليّ. فراجعها.

مع ضعف هذه الروايات دلالة وسنداً، لا يخفى على المحقّق الخبير، ونحن نشير إلى بعض موارد الضعف فيها.

١ - أن يُختلف على أبي بكر ولعلّ رسول الله (ص) لم يتوجّه إلى الاختلاف الواقع بعد رحلته ولا سيّما خلاف أهل بيته الأطهار.

٢ - ائتني بكتفٍ: ولا أدري كيف لم يتوجّه الرجل الذي صرّح بقوله: إنّ الرجل ليهجر وقد غلبه الوجع، حتى يمنع عن هذه الوصية أيضاً.

٣ - اقتدوا باللذَين: ولعلّ رسول الله (ص) قد نسي ما قال في عليّ (ع) ولم يتوجّه إلى خلافهما علماً وعملاً.

٤ - أَوَلستُ أوّل من أسلم: هذه الرواية مجعولة، والصحيح ما خطب به أبو بكر في السقيفة، كما في العقد الفريد ثمّ قال: أيّها الناس نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأكثر الناس

____________________

١ - الاستيعاب، ج٣، ص ٩٦٧.

١٩٧

ولادة في العرب، وأمسّهم رحماً برسول الله (ص)، أسلمنا قبلكم إلخ.(١)

وقال عليّ (ع) في خطب النهج: احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.

٥ - أحبّ الناس إليك: وقد روينا روايات متواترة في أنّ:أحبّ الناس من الرجال عليّ ومن النساء فاطمة ، وقد روي بعض هذه الروايات عن عائشة فراجعه.

الاستيعاب: عن عبد الله بن زمعة، قال: كنت عند رسول الله (ص) وهو عليل، فدعاه بلال إلى الصلاة، فقال لنا:مُروا من يصلّي بالناس. قال: فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائباً، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالناس، فقام عمر فلمّا كبّر سمع رسول الله (ص) صوته وكان مُجهراً، فقال رسول الله (ص):فأين أبو بكر؟ يأبّى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاءه بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلّى بالناس طول علّته حتى قبض (ص).(٢)

وفي مسند أحمد: عن ابن عبّاس قال: لمّا مرض رسول الله (ص) مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: ادعوا لي علياً! قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر، قال: ادعوه، قالت حفصة: يا رسول الله ندعو لك عمر، قال ادعوه. قالت أمّ الفضل: يا رسول الله ندعو لك العبّاس، قال: ادعوه. فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم يرَ علياً فسكت. فقال عمر: قوموا عن رسول الله (ص)! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر يصلّي بالناس إلخ.(٣)

أقول: يفهم من الروايتين أن كلّ واحدة من الأزواج تحبّ تقديم أبيها في مقابل عليّ (ع)، وأمّا جملة ( يأبى الله ذلك والمسلمون): يخالف ما ورد من تقديم عليّ (ع) كما في أكل الطير والتزويج والبراءة وغيرها، مع أنّ أبا بكر وعمر كانا من جيش أسامة فكيف يمكن لهما الصلاة مع تأكيد رسول الله (ص) بقوله جهّزوا جيش أسامة، ولعنِه على من تخلّف.

____________________

١ - العقد الفريد، ج٤، ص ٥٨.

٢ - الاستيعاب، ج٣، ص ٩٦٩.

٣ - مسند أحمد، ج١، ص ٣٥٦.

١٩٨

( في الصحابة )

الطبقات: أتينا علياً قلنا أخبرنا عن سلمان؟ قال: أدرك العلم الأوّل والعلم الآخر، بحر لا ينزح قعره، منّا أهل البيت. ويروي أيضاً عن أبي صالح. عن النبيّ (ص)، قال: ثكلت سلمان أمّه ؛ لقد أشبع من العلم.(١)

ويروي أيضاً: سئل عليّ عن سلمان الفارسي، فقال: ذاك امرؤ منّا وإلينا أهل البيت، مَن لكم بمثل لقمان الحكيم؟! عَلَم العلم الأوّل والعلم الآخِر، وقرأ الكتاب الأوّل وقرأ الكتاب الآخر، وكان بحراً لا يُنزف.(٢)

البيان والتعريف: سلمان منّا أهل البيت. أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن عوف. سببه: كما في المستدرك: أنّ رسول الله (ص) خطّ الخندق عام الأحزاب حتى بلغ المذاحج فقطع لكلّ عشرة أربعين ذراعاً، فقالت المهاجرون: سلمان منّا، وقالت الأنصار: سلمان منّا. فقال (ص): سلمان منّا أهل البيت.(٣)

سير الأعلام: عن زيد بن أبي أوفى: ثمّ دعا أبا الدرداء وسلمان، فقال: يا سلمان أنت منا أهل البيت، وقد آتاك الله العلم الأوّل والعلم الآخر.(٤)

أخبار أصبهان: يقول أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمئة وخمسين سنة فأمّا مائتين وخمسين فلا يشكّون فيه، وكان من المعمّرين، قيل أنّه أدرك وصيّ عيسى بن مريم (ع) وأعطي العلم الأوّل والآخر، وقرأ الكتابين، كان أحد

____________________

١ - الطبقات، ج٢، ص ٣٤٦.

٢ - نفس المصدر، ج٤، ص ٨٦.

٣ - البيان والتعريف، ج٢، ص ٧٠.

٤ - سير الأعلام، ج١، ص ٩٧.

١٩٩

النجباء.(١)

مسند أحمد: عن بريدة، قال رسول (ص): إن الله يحبّ من أصحابي أربعة، أخبرني إنّه يحبّهم وأمرني أن أحبّهم. قالوا من هم يا رسول الله؟ قال: إنّ علياً منهم، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي.(٢)

مسند أحمد: عن أنس، أنّ رسول الله (ص) شاور الناس يوم بدر، فتكلّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمّ تكلّم عمر فأعرض عنه، فقالت الأنصار: يا رسول الله إيانا تريد؟ فقال المقداد ابن الأسود: يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نُخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغِماد فعلنا، فشأنك يا رسول الله.(٣)

( الإخاضة: الإيراد. وبرك الغِماد: موضعٌ باليمن )

ويروي أيضاً: عن الخدري، أنّ النبي (ص) قال: فأقول أصحابي أصحابي. فقيل: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، قال: فأقول بُعداً بعداً، سحقاً سحقاً، لمن بدّل بعدي.(٤)

ويروي: عن أبي قتادة يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول على المنبر للأنصار: ألا إنّ الناس دثاري والأنصار شعاري، لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لاتبعت شعبة الأنصار، ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار، فمن ولي من الأنصار فليُحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين. وأشار إلى نفسه (ص).(٥)

ويروي: عن عمّار، لكن حذيفة أخبرني عن النبيّ (ص) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط.(٦)

____________________

١ - أخبار أصبهان، ج١، ص ٤٨.

٢ - مسند أحمد، ج٥، ص ٣٥١.

٣ - نفس المصدر، ج٣، ص ٢١٩.

٤ - نفس المصدر، ص ٢٨.

٥ - نفس المصدر، ج٥، ص ٣٠٧.

٦ - نفس المصدر، ص ٣٩٠.

٢٠٠