الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174557
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174557 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( عمر وعلمه )

مستدرك الحاكم: عن علي بن رباح قال: إنّ عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: مَن أراد أن يسأل عن القرآن فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال، فليأتني فإنّ الله تعالى جعلني خازناً.(١)

أقول: يعترف بأنّه يمتاز بكونه خازناً، وأمّا العلم والمعرفة فيصرح بأنّ الأعلم والأفضل هو أُبي ومعاذ بن جبل.

ويروي أيضاً: عنه مثله، وفيه: ومَن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت.(٢)

ويروي: عن سعيد بن المسيب: أنّ عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) فأتى أُبيّ بن كعب فسأله: أيّنا لم يظلم؟ فقال له: يا أمير المؤمنين: إنّما ذاك الشرك، أما سمعت قول لقمان لابنه:( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .(٣)

أقول: فهو يراجع في أصل الآية وفي تفسيرها إلى أُبي بن كعب.

ويروي أيضاً: عن أبي سلمة: مرَّ عمر بن الخطاب برجل وهو يقول:( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) الآية. فوقف عليه عمر فقال: انصرف، فلمّا انصرف قال له عمر: من أقرأك هذه الآية؟ قال: أقرأنيها أُبيّ بن كعب، فقال: انطلقوا بنا إليه! فانطلقوا إليه فإذا هو متّكئ على وسادة يرجلُ رأسه، فسلّم عليه فردّ السلام، فقال: يا أبا المنذر! قال: لبيك، قال: أخبرني هذا أنّك أقرأته هذه الآية؟ قال: صدق، تلقّيتها من رسول الله (ص)، قال عمر: أنت تلقّيتها من رسول الله (ص)؟ ثلاث

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٢٧١.

٢ - نفس المصدر، ص ٢٧٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٥.

٢٢١

مرات، كل ذلك يقوله، وفي الثالثة وهو غضبان: نعم والله، لقد أنزلها الله على جبريل وأنزلها جبريل على محمّد، فلم يستأمر فيها الخطّاب ولا ابنه، فخرج عمر وهو رافع يديه وهو يقول الله أكبر الله أكبر.

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس، قال عمر: عليّ أقضانا، وأبيّ أقرأنا، وإنا لندع بعض ما يقول أُبي، وأُبي يقول: أخذت عن رسول الله (ص) ولا أدَعُه، وقد قال الله تبارك وتعالى: ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) .

أقول: يظهر من هذه الروايات أنّه كان آبيا عن قبول بعض الآيات الكريمة لقصور الوصول إلى حقيقتها، مستدلاً بقوله تعالى:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا ) ، مع أنّ هذا تمسك بالعام في مورد الشبهة المصداقية، وأنّ النسخ لا يوجب محو الآية من الكتاب الكريم.

الفائق: ومنه قول عمر بن الخطاب أعوذ بالله من كلّ مُعضلة ليس لها أبو حسن.(١)

أقول: تكشف هذه الروايات وأمثالها عن أنّ عمر لم يكن قادراً على حلّ معضلات المسائل، ولم يكن مسلّطا على الوصول إلى حقائق آيات القرآن الكريم، فكيف يرضى الله ورسوله أن يكون إماما يقتدي به المسلمون ويستفيد منه المتعلّمون.

مستدرك: عن أبي عبّاس: مُرّ على عليّ بمجنونة بني فلان قد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها، فردّها علي بن أبي طالب، وقال لعمر: يا أمير المؤمنين أمرت برجم هذه؟ قال: نعم. قال: أما تذكر أنّ رسول الله (ص) قال: رُفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم. قال: صدقت، فخلّى عنها.(٢)

أقول: من شرائط توجّه التكليف: العقل والبلوغ والاختيار، وإذا فقده

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٦٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٥٩.

٢٢٢

الإنسان لم يتوجّه التكليف إليه حتى يُعاقب أو يُثاب. ورفعُ القلم كناية عن رفع التكليف.

ومن العجيب ما ورد من أحاديثهم في علم عمر: قال في الاستيعاب قال حذيفة: كان علم الناس كلّهم قد درس في علم عمر. وقال ابن مسعود: لو وضع علم أحياء العرب في كفّة ميزان ووضع علم عمر في كفّة لرجح علم عمر. وقد كانوا يرون أنّه ذهب بتسعة أعشار العلم.(١)

( بعض آرائه وحالاته )

ليس غرضنا الطعن على رجل مضى قبل قرون، فضلا عن صحابيّ من أصحاب رسول الله (ص)، وإنّما نريد بيان حقائق تاريخية، حتى تنكشف متن الإسلام وما جاء به رسول الله (ص)، عن أحداث حادثة وعن فتن نازلة. وحتى تتبيّن حقيقة وصية رسول الله (ص) حيث قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا.

( عمر وأُسامة )

تاريخ الطبري: فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردّ قضاءً قضى به رسول الله (ص). قال: فإنّ الأنصار أمروني أن أُبلّغك وأنّهم يطلبون إليك أن تُولّي أمرهم رجلاً أقدم سنّا من أسامة! فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال ثكلتك أمّك وعدمتك يا ابن الخطّاب استعمله رسول الله (ص) وتأمرني أن أنزعه.(٢)

أقول: قد مرّ أنّ رسول الله (ص) قد أمّر أسامة على المهاجرين والأنصار ومنهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر، ولعن مَن تخلّف عنه، وكان يؤكّد تجهيزه، ولكنّ أكثر

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٤٩.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٣، ص ٢١٢.

٢٢٣

الناس قد طعنوا في إمارته وتخلّفوا عنه، ولم يبالوا بما قال رسول الله (ص).

وقد اعترف عمر بفضله وقربه من النبيّ (ص) وكونه أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، وأنّ أباه كان أحبّ إلى رسول الله من عمر، في جواب اعتراض ابنه، في الحديث الآتي:

الطبقات: قال عبد الله بن عمر: وكلّمتُه ( أي عمر ) فقلت: يا أمير المؤمنين فضّلت عليّ مَن ليس هو بأقدم منّي سنّاً ولا أفضل منّي هجرةً ولا شهد من المَشاهد ما لم أشهد! قال: ومَن هو؟ قلت: أسامة بن زيد، قال: صدقت لعمر الله فعلت ذلك لأنّ زيد بن حارثة كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عمر، وأسامة بن زيد كان أحبّ إلى رسول الله (ص) من عبد الله بن عمر، فلذلك فعلت.(١)

ويروي أيضاً: فقلت: لم فرضت لأسامة أكثر ممّا فرضت لي ولم يشهد مشهداً إلاّ وقد شهدته؟ فقال: إنّه كان أحبّ إلى رسول الله (ص) منك وكان أبوه أحبّ إلى رسول الله (ص) من أبيك.

فتوح البلدان: ما يقرب من الروايتين.(٢)

أقول: يعترف عمر بأنّ مناط القرب والفضيلة هو المحبوبية عند الله تعالى وعند رسوله، والأعمال الآخر مقدمات لحصول هذه النتيجة، فمن كان أحبّ إلى الله والى رسوله فله الفضيلة والتفوّق والفخر والكمال، وإن كان في حداثة السنّ.

وبعبارة أخرى: إنّ الأهم في العبادات والطاعات هو الكيفية ودرجة الإيمان وشدّة اليقين وطمأنينة النفس، لا الكمية وكثرة العمل. قال الله تعالى:( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) ، يريد الإخلاص. وهذا هو الموجب لحصول القرب والمحبوبية عند الله تعالى ورسوله الأكرم.

(عمر والسَحَرة)

سير الأعلام: عن بَجالة: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عمّ الأحنف بن قيس،

____________________

١ - الطبقات، ج ٤، ص ٧٠.

٢ - فتوح البلدان، ص ٤٤٣.

٢٢٤

فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة: أن اقتلوا كلّ ساحر وساحرة، وفرّقوا بين كلّ ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة.

فقتلنا ثلاث سواحر، وجعلنا نفرّق بين الرجل وحريمته في كتاب الله، وصنع لهم طعاماً كثيرا ودعا المجوس، وعرض السيف على فخذه وألقى وقر بغل أو بغلين من وَرِق، وأكلوا بغير زمزمة.(١)

أقول: الحكم بقتل كلّ ساحر وساحرة وإن لم يستعملا السحر أو استعملا ولم يوجبا قتلا أو جناية: باطل، فإنّ من السحر ما يكون في أمور عادية كتحريك حجر أو شجر أو إراءة شيء على خلاف ما هو عليه. نعم إذا أفسدا في الأرض ولم يتوبا من عملهما وسعيا في الإفساد بين المسلمين: يحكم عليهما بالقتل بشرائط مخصوصة لا مطلقا.

(عمر والخلاف)

مستدرك الحاكم: عن جابر: أنّ النبيّ (ص) دفع الراية يوم خيبر إلى عمر فانطلق فرجع يُجبن أصحابه ويُجبنونه.(٢)

أقول: قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) . وقال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) .

السيرة النبوية: ثمّ دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكنّي أدلك على رجل أعزّ بها منّي.(٣)

أقول: يدلّ على أنّ عمر بن الخطاب لم يكن ممّن يَشري نفسه ابتغاء مرضاة

____________________

١ - سير الأعلام، ج ١، ص ٤٧.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ٣٨.

٣ - السيرة النبوية، ج ٣، ص ٣٢٩.

٢٢٥

الله ومرضاة الرسول، وكان محبّاً لنفسه، غير مجاهد في الغزوات.

ويروي أيضاً: فلمّا التأم الأمر ولم يبقَ إلاّ الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر ألزم غرزة فإنّي أشهد أنّه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد أنّه رسول الله. ثمّ أتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟! قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يُضيّعني، قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلّي واعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلّمت به.(١)

أقول: يدل على أنّ إيمانه لم يكن بدرجة التسليم ولم يكن له معرفة تامّة بمقام الرسالة ولم يكن له علم بمصالح الأمور.

مستدرك: عن جابر قال: بعنا أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا. وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(٢)

وله شاهد صحيح - عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نبيع أمّهات الأولاد على عهد رسول الله (ص).

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت عابت أمتك منك أربعاً قال: قلت وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها، قال: ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلاّ الخير واستغفر الله.(٣)

أقول: يظهر من هذه الرواية أنّ المراد من الحديثين السابقين هو الإعتاق بمجرد الوضع، وهذا خلاف القواعد الفقهية، وخلاف ما كان في عهد رسول الله (ص).

وسيجيء تتمّة الحديث في متعة النساء ومتعة الحج.

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣٣١.

مستدرك الحكم، ج ٢، ص ١٨.

٣ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢٢٦

مسند أحمد: عن الحسن، أنّ عمر أراد أن ينهي عن مُتعة الحجّ، فقال له أبيّ: ليس ذلك لك قد تمتّعنا مع رسول الله (ص) ولم ينهنا عن ذلك، فأضرب عن ذلك عمر. وأراد أن ينهي عن حلل الحبرة لأنّها تُصبغ بالبول، فقال له أُبي: ليس ذلك لك قد لبسهن النبي (ص) ولبسنا في عهده.(١)

عمر والجاهلية

السيرة النبوية: فقال عمر: اللهمّ غفرً كنا في الجاهلية شرّ من هذا نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله.(٢)

وقال: أنّه كان يقول: كنت للإسلام مباعداً، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبّها وأُسرّ بها.(٣)

وقال: ومرّ أبو بكر بجارية بني مؤمل - حيّ من بني عديّ بن كعب -، وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يُعذّبها لتترك الإسلام، وهو يومئذٍ مشرك وهو يضربها حتى إذا ملّ، قال: إنّي أعتذر إليك، أنّي لم أتركك إلاّ ملالة، فتقول: كذلك فعل الله بك! فابتاعها أبو بكر فاعتقها.(٤)

مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لما نزلت تحريم الخمر، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) الذي في سورة البقرة، فدُعي عمر فقُرئت عليه، فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافيا، فنزلت التي في المائدة، فدُعيَ عمر فقُرئت عليه، فلما بلغ:( فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) ، قال عمر قد انتهينا.(٥)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أنّ عمر كان عابد الوثن ومديم شرب الخمر، قبل إسلامه.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ١٤٣.

٢ - السيرة النبوية، ج ١، ص ٢٢٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٧١.

٤ - نفس المصدر، ص ٣٣٩.

٥ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٣. ومستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٢٧٨.

٢٢٧

مسند أحمد: عن ابن عمر، أنّ رسول الله (ص) قال: اللّهمّ أعِز الإسلام بأحبّ هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب، فكان أحبّهما إلى الله عمر بن الخطاب.(١)

أقول: يستفاد من هذه الرواية أنّ عمر كان قبل الإسلام مخالفاً ومعاندا لرسول الله (ص) اشد عناد كأبي جهل.

عمر والنّبيذ

الطبقات: أنّ عمر بن الخطاب لما طُعن، قال له الناس يا أمير المؤمنين لو شربت شربة؟ فقال أسقوني نبيذاً وكان من أحبّ الشرب إليه، قال فخرج النبيذ من جرحه.(٢)

أقول: قد صرّح بأنّه طلب النبيذ بعنوان الشربة لا بعنوان الدواء، وبأنّ النبيذ كان من أحبّ الشراب إليه.

مستدرك الحاكم: عن أبي وائل قال: غزوت مع عمر الشام فنزلنا منزلاً، فجاء دهقان يستدل على أمير المؤمنين حتى أتاه فلما رأى الدهقان عمر سجد ثمّ قال عمر لغلامه: هل في إدواتك شيءٌ من ذلك النبيذ؟ قال: نعم، قال: فابعث لنا، فأتاه فصبّه في إناء ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه الماء ثلاث مرات ثمّ شربه، ثمّ قال: إذا رابكم من شرابكم فافعلوا به هكذا.(٣)

مستدرك الحاكم: فلمّا انصرف توجه الناس إلى عمر بن الخطّاب قال: فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه، فأتي بنبيذ فشربه قال: فخرج فلم يدر أدمٌ هو أم نبيذ، فدعا بلبن فأُتي به فشربه فخرج من جرحه، فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين.(٤)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٢، ص ٩٥.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٢٥٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٨٢.

٤ - نفس المصدر، ص ٩١.

٢٢٨

أقول: الظاهر من إطلاق النبيذ هو النبيذ المطبوخ المسكر، ويدلّ عليه قوله: ثمّ شمّه فوجده منكر الريح، فصبّ عليه ماءً، ويظهر من الميزان للشعراني أنّ أبا حنيفة يقول بنجاسة النبيذ وحرمته إذا أسكر لا مطلقاً.

٢٢٩

فتنة:

( متعة النساء )

مستدرك الحاكم: عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عبّاس:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) ، قال ابن عبّاس: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى، قال أبو نضرة: فقلت ما نَقرأها كذلك، فقال ابن عبّاس: والله لأنزلها الله كذلك.(١)

الفائق: أذن في المتعة عام الفتح. قال سبرة الجهيني: فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة شابة كأنّها بكرة عَيطاء. وروي: أذن لنا رسول الله (ص) في المتعة عام الفتح، فخرجت أنا وابن عمّ لي ومعي بُرد قد بُسّ منه، فلقينا فتاة مثل البكرة العَنَطنَطَة، فجعل ابن عمي يقول لها: بردي أجود من برده، قالت: برد هذا غير مفنوخ، ثمّ قال: برد كبرد.(٢)

وقال الزمخشري: العَيطاء والعنطنطة الطويلة العنق. وبُسّ منه: نيل منه ونهك بالبلى. المفنوخ: المنهوك، وفنخه إذا ذلّله.

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال: صلّيت الصبح مع عمر قلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّا وعشيّاً، قلت: عابت أمتك منك أربعا! قال: فوضع رأس درّته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثمّ قال: هات، قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ وذكروا أنّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقُبضة ونفارق عن ثلاث، قال: إنّ رسول الله (ص) أحلّها في زمان ضرورة ثمّ رجع الناس إلى السعة، ثمّ لم أعلم

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٠٥.

٢ - الفائق، ج ٢، ص ٢٠٢.

٢٣٠

أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقُبضة وفارق عن ثلاث بطلاق.(١)

أقول: قراءة ابن عبّاس في الآية( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وإحلافه بنزولها كذلك صريحة في نكاح المتعة، ولا خلاف بين المسلمين في أنّها كانت مباحة في زمان رسول الله (ص)، ومن يدّعي نسخها فعليه أن يُثبت، وما ورد من الروايات في تحريمها فهي أخبار آحاد. وأمّا نهي عمر: فإن كان مراده نهياً في زمان معيّن أو في مكان أو بقيد مخصوص يلاحظ فيها صلاح المسلمين - فذلك لا يبعد إصلاحه وتصحيحه، وأمّا إذا كان المراد التحريم والنهي في مقابل تجويز الشرع فلا إشكال في كونه بدعة وأحدوثة في الدين وخلافا للكتاب والسنّة الثابتة، فلا يعتنى بها بوجه. قال رسول الله (ص) كما في ابن ماجة: وسترون من بعدي اختلافاً شديداً، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهدّيين، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كلّ بدعة ضلالة.(٢)

وليعلم أنّ المراد من الخلفاء الراشدين خلفاؤه في العلم والعمل الذين أوصى بهم وجعلهم أئمّة وهم أهل بيت الرسالة ومختلف الملائكة وخزّان العلم، وأنهم يتّبعون الكتاب وسنة رسول الله (ص) ولا يخالفون ما جاء به بأيّ وجه.

مسند أحمد: عن أبي نضرة، قلت لجابر بن عبد الله: إنّ ابن الزبير ينهى عن المتعة، وأنّ ابن عبّاس يأمر بها، قال: فقال لي: على يديّ جرى الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص) ومع أبي بكر، فلمّا ولي عمر خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ رسول الله (ص) هو الرسول، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (ص) أحداهما متعة الحجّ والأخرى متعة النساء.(٣)

وفي سنن البيهقي: نظيرها، وفيها: وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، أحداهما متعة

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٢٠.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٥٢.

٢٣١

النساء ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة، والأخرى متعة الحجّ، افصلوا حجّكم من عمرتكم فإنّه أتمّ لحجّكم وأتمّ لعمرتكم.(١)

ويروي: عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نتمتّع على عهد رسول الله (ص) بالثوب.(٢)

ويروي: عن جابر قال: تمتعّنا متعتين على عهد النبيّ (ص) الحجّ والنساء، فنهانا عمر عنهما فانتهينا.(٣)

سنن البيهقي: يقول البيهقي بعد نقل روايات مختلفة كما في مسلم وغيره: قال الشيخ - ونحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله (ص)، لكنّا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد الإذن فيه، ثمّ لم نجده إذن فيه بعد النهي حتى مضى لسبيله (ص) فكان نهي عمر بن الخطاب عن نكاح المتعة موافقاً لسنة رسول الله (ص)، فأخذنا به ولم نجده (ص) نهى عن متعة الحجّ في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر ما دلّ على أنّه أحبّ أن يفصل بين الحجّ والعمرة ليكون أتمّ لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحجّ على التنزيه وعلى اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم.(٤)

أقول: ينبغي التنبيه على أمور:

١ - أنّ المتعة هي النكاح المنقطع التي أحلّها الله في كتابه المجيد، وأحلّها رسوله (ص) وعمل بها الأصحاب إلى زمان عمر.

٢ - المتعة هي عقد على شرائط لازمة في النكاح الدائم في الزوج والزوجة والمهر وانتفاء الموانع ولزوم العدّة، ويفارق الدائم في تعيين الأجل.

٣ - قد صرّح عمر في كلماته ( كانتا في عهد رسول الله وأنا أحّرمهما ) بأنّ المتعتين كانتا في عهد رسول الله (ص) جائزتين وواقعتين، فكيف يدّعي الشيخ بأنّ رسول الله (ص) لم يأذن فيها بعد.

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٦.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٢٢.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٥٦.

٤ - سنن البيهقي، ج ٣، ص ٢٢.

٢٣٢

٤ - أنّ حكم الجواز والنهي في المتعتين على السواء ( متعتان كانتا في عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما ) فيكف يجوز للشيخ أن يفصل بينهما بالتحريم في الأوّل والتنزيه في الثاني.

٥ - إذا قال عمر في خطبته: بأنّ القرآن هو القرآن والرسول هو الرسول، لم يتغيّروا، فكيف يصحّ منه القول بالتحريم والنهي.

مسلم: بإسناده عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال: إنّ رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا. يعني متعة النساء.(١)

وبإسناد آخر عنهما: أنّ رسول الله (ص) أتانا فأذن لنا في المتعة.

ويروي: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة؟ فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر.(٢)

ويروي أيضاً: عن جابر: كنا نستمتع القبضة من التمر والدقيق الأيامَ. على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث.

ويروي أيضاً: عن أبي نضرة: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين! فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نُعدلهما.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر فمكثت معها ثلاثاً، ثمّ إنّ رسول الله (ص) قال: مَن كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع، فليخل سبيلها.

ويروي أيضاً: عن سبرة، قال: أذن لنا رسول الله (ص) عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثمّ نهى عنها.

أقول: في حاشية الكتاب - عام أوطاس هو عام الفتح وهو وادٍ بديار هوازن،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٠.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣١.

٢٣٣

وقوله ثلاثاً، أي: ثلاث ليالٍ. انتهى.

فالمراد من النهي عنها بقرينة لحن هذه الرواية وبصراحة روايات أخرى هو النهي عن جهة الزمان وعدم اقتضاء أيام الحرب الترخيص أكثر من ثلاث ليالٍ، فلا دلالة فيها على النهي المطلق وتحريم أصل العمل، كما لا يخفى.

ويروي أيضاً: بإسناده عن قيس، قال: سمعت عبد الله ( هو ابن مسعود ) يقول: كنّا نغزو مع رسول الله (ص) ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) .(١)

سنن البيهقي: يروي روايات قريبة منها.(٢)

ويروي أن عبد الله بن الزبير قام بمكّة فقال: إنّ أناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة، يُعرّض برجل، فناداه فقال إنّك لجلف جاف ؛ فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتقين ( يريد رسول الله (ص) ) فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك.(٣)

قال ابن شهاب فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنّه بينا هو جالس عند رجل، جاءه رجل فاستفتاه في المتعة؟ فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلا! قال: ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتّقين، قال ابن أبي عمرة: إنّها كانت رخصة في أوّل الإسلام لمن اضطرّ إليها، كالميتة والدم ولحم الخنزير، ثمّ أحكم الله الدين ونهى عنها.

أقول: لا يخفى على الخبير أنّ الترخيص إنّ كان متوقّفا على الاضطرار فلا يقيّد بزمان ولا معنى لتخصيصه بأوّل الإسلام.

وأيضاً لا معنى للتحريم والنهي عن العمل الاضطراريّ فإنّه يرتفع التكليف في

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ١٣٠.

٢ - سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٠.

٣ - مسلم ج ٤، ص ١٣٣.

٢٣٤

حال الاضطرار، ويثبت إذا انتفى الموضوع.

ثمّ إنّه يلزم على هذا الفرض أن يثبت الحكم التحريميّ للموضوع أوّلا وبالذات كما في الميتة والدم، ثمّ يستثنى منه مورد الاضطرار لا بالعكس.

ورابعاً: قد ثبت الجواز في زمان النبيّ (ص) فالتقييد بحال الاضطرار أو التحريم بعده يحتاج إلى دليل قطعيّ، ولم يثبت.

ويروي: بإسناد عن علي بن أبي طالب: أنّ رسول الله (ص) نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحُمر الإنسية.(١)

ويروي: بمثلها بأسانيد أخرى.

أقول: هذا النهي من جهة خصوصية زمان معيّن لا من جهة أصل الموضوع، وقد ثبت التجويز في عام الفتح بعد عام خيبر.

ابن ماجة: عن ابن عمر: قال: لمّا ولي عمر بن الخطّاب خطب الناس فقال: إنّ رسول الله (ص) أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثمّ حرّمها، والله لا أعلم أحداً يتمتع وهو مُحصن إلاّ رجمته بالحجارة إلاّ أن يأتيني بأربعة يشهدون أنّ رسول الله (ص) أحلّها بعد إذ حرّمها.(٢)

أقول: يعترف الخطيب بأنّ رسول الله (ص) أحلّها وحكم بحلّيتها ثلاثَ مرّات أو ثلاث ليالٍ، فتثبت الحلّية. وأمّا نفيها والتحريم بعد، فيحتاج إلى الإثبات. ثمّ إنّ غاية ما يمكن أن نقول هنا: إنّ حلّية المتعة تتوقّف على شرائط، وإذا فقدت الشرائط المأخوذة فتلحقها الحرمة والممنوعية، وإلاّ فلا معنى للتحليل ثمّ التحريم مرّة بعد مرّة.

والحاصل من هذه الروايات الشريفة: أنّ المتعة كانت واقعة في زمان رسول الله (ص)، بل إلى زمان عمر، وتدلّ عليه الآية الشريفة:( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ولا سيّما على قراءة ابن عبّاس.

ولمّا كانت الأحكام الشرعية تعبّدية وتوقيفيّة صرفة لا يجوز لنا أن ننصرف

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ١٣٤.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٦٠٥.

٢٣٥

عنها ونبدلها بوجه من الوجوه، وليس لأحدٍ أن يغيّر حكم الله ويحرّف كلمات الله عن مواضعها بعقله الضعيف وإدراكه المحدود وفهمه الناقص:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) .

ويلزم أن يتوجّه المسلم الغيور المتعبّد بأنّ تحليل المتعة ليس بمعنى التجويز على الإطلاق، بل له شرائط وآداب لازمة أزيد من شرائط النكاح الدائم، من رعاية حقوق المرأة وحفظ حرمتها والتوجّه إلى حياتها الاجتماعية، وعدم إيجاب هذا الأمر مضيقة لها في معاشها وابتلاء في أمورها المستقبلة والتدبير في ما يرتبط بحمل المرأة ووضع الولد وتربيته، وهذا ابتلاء ما أعظمه، فإذا لم تراع هذه الشرائط: تكون حراما بالعنوان الثانويّ.

٢٣٦

فتنة:

( تحريم المتعة في الحجّ )

الفائق: قال عمر بن الخطّاب في متعة الحجّ: علمت أنّ رسول الله (ص) فعلها وأصحابه، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ مُعرسين تحت الأراك، ثم يُلبّون بالحج تقطر رؤوسهم.(١)

سنن الدارمي: عن مروان بن الحكم أنّه شهد علياً وعثمان بين مكّة والمدينة، وعثمان ينهي عن المتعة، فلمّا رأى ذلك عليّ، أهلّ بهما جميعاً، فقال: لبيك بحجّة وعمرة معاً، فقال: تراني أنهى عنه وتفعله! فقال لم أكن لأدع سنّة رسول الله (ص) بقول أحدٍ من الناس.(٢)

ويروي: عن أنس أنه سمع النبي (ص)، يقول: لبيك بعمرة وحج.(٣)

ويروي أيضاً: عن أنس: أنّ رسول الله (ص) أهلّ بهما جميعاً، فلقيت ابن عمر فأخبرته بقول أنس، فقال إنّما أهلّ بالحجّ، فرجعت إلى أنس فأخبرته بقول ابن عمر، فقال: ما يَعدّونا إلاّ صبياناً.

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

١ - اعترف عمر بأنّ رسول الله (ص) فعل متعة الحجّ وكذا أصحابه.

٢ - صرّح بأنّ علّة تحريم كراهته أن يظلّوا بهنّ مُعرسين ثمّ يُلبون بالحجّ، غفلةً منه بأنّ الإعراس كالأكل والشرب، وقد يجب، واستحبابه مسلّم، وهو من الطاعات، بل من الأمور الضرورية لطبيعة البشر، يصان به عن إفراط الشهوة ويعتدل به المزاج والفكر.

____________________

١ - الفائق، ج ٢، ص ١٣٦.

٢ - سنن الدارمي، ج ٣، ص ٦٩.

٣ - نفس المصدر، ص ٧٠.

٢٣٧

مسلم: بإسناده عن جابر: قدم النبيّ (ص) صبح رابعة مضت من ذي الحجّة فأمرنا أن نحلّ، قال: حِلّوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلّهنّ لهم، فقلنا لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلاّ خمس أمرنا أن نفضي إلى نسائنا فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المنيّ الحديث.(١)

ويروي مسند أحمد: نظيره.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده: أهللنا مع رسول الله (ص) بالحجّ فلمّا قدمنا مكّة أمرنا أن نحلّ ونجعلها عمرة، فكبُر ذلك علينا وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبيّ (ص) فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس؟ فقال: أيّها الناس أحلّوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم.قال فأحللنا حتى وطأنا النساء ... الحديث.

ويروي أيضاً: بإسناده: كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهي عنها، قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله، فقال: على يديّ دار الحديث، تمتّعنا مع رسول الله (ص)، فلمّا قام عمر قال: إنّ الله كان يُحلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وأنّ القرآن قد نزل منازله، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتّوا نكاح هذه النساء ؛ فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي موسى، إنّه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فُتياك ؛ فإنّك لا تدري ما أحد أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد، فسأله، فقال عمر: قد علمت أنّ النبي (ص) قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت أن يظلّوا مُعرسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم.(٤)

وفي النسائي: نظيرها. وكذا في أحمد.(٥)

ويروي أيضاً: بإسناده: كان عثمان ينهي عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها،

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٣٧.

٢ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٣١٧.

٣ - مسلم، ج ٤، ص ٣٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٤٥.

٥ - النسائي، ج ٥، ص ١١٩ ومسند أحمد، ج ١، ص ٥٠.

٢٣٨

فقال عثمان لعليّ كلمة، ثمّ قال عليّ: لقد علمت إنّا قد تمتّعنا مع رسول الله (ص)؟ فقال: أجل ولكنّا كنّا خائفين.(١)

ويروي أيضاً: اجتمع عليّ وعثمان رضيَ الله عنهما بعُسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله (ص) تنهي عنه؟! فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إنّي لا أستطيع أن أدعك. فلمّا أن رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعاً.

ويروي أيضاً: بإسناده عن أبي ذرّ قال: كانت لنا رخصة يعني المتعة في الحجّ.

أقول: ثبت من هذه الروايات أنّ متعة الحجّ كانت مسلّمة في عهد رسول الله (ص) وقد عملت الصحابة بها وكانوا مرخّصين فيها.

ويروي أيضاً: بإسناده عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ (رض) قال: كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد (ص) خاصة.

ويروي أيضاً: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة.

أقول: إنّ كانت المتعة مخصوصة بأصحاب الرسول الله (ص): فكيف كان عمر وعثمان ينهيان الصحابة عنها؟! وإن كانت مخصوصة بهم مقيّدة بزمان الرسول وحياته (ص): فكيف كان عمر وابن عبّاس وعليّ وغيرهم جاهلين بهذا القيد؟! وهل كان التحريم في زمان عمر فرع ثبوت الحليّة في هذا الزمان مع ما في خلاصة التهذيب: أنّ إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي العابد يُرسل ويُدلّس.

ويروي أيضاً: بإسناده، سألت سعد بن أبي وقّاص (رض) عن المتعة؟ فقال: فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ ( أي: أنّ معاوية في ذلك اليوم ) كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِى بُيُوتَ مَكَّةَ.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ( يعني متعة الحجّ ) وأمرنا بها رسول الله (ص) ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ولم ينه عنها رسول الله (ص) حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء.(٣)

____________________

١ - مسلم، ج ٤، ص ٤٦.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٤٧.

٣ - نفس المصدر، ص ٤٩.

٢٣٩

وفي النسائي: قريب منها.(١)

وروى روايات أخر قبلها قريباً منها، وصرّح فيها بأنّ المراد من الرجل هو عمر بن الخطّاب، وهو الذي ارتأى برأيه، وقال بالتحريم.

ويروي أيضاً: بإسناده، عن مسلم القُريّ قال: سألت ابن عبّاس (رض) عن متعة الحجّ فرخّص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أمّ ابن الزبير تُحدّث أنّ رسول الله (ص) رخّص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها؟ قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخّص رسول الله (ص) فيها.(٢)

ويروي أيضاً: بإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (ص): هذه عمرة استمتعنا بها فمن لم يكن عنده الهدي فليُحلّ الحلّ كلّه، فإن العمرة قد دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة.(٣)

ويروي أيضاً: عن أبي حمزة الضبعي، قال: تمتّعت فنهاني ناسٌ عن ذلك، فأتيت ابن عبّاس فسألته عن ذلك فأمرني بها، قال: ثمّ انطلقت إلى البيت فنمت فأتاني آت في منامي فقال: عمرة متقبّلة وحجّ مبرور، قال: فأتيت ابن عبّاس فأخبرته بالذي رأيت، فقال: الله أكبر! الله أكبر! سنّة أبي القاسم (ص).

ويروي: بإسناده قال عطاء: كان ابن عبّاس يقول: لا يطوف بالبيت حاجّ ولا غير حاجّ إلاّ حِلّ، قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى:( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ، قال: قلت فإن ذلك بعد المعرف، فقال: كان ابن عبّاس يقول: هو بعد المعرّف وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبيّ (ص) حين أمرهم أن يُحلّوا في حجّة الوداع.(٤)

أقول: أي بعد الوقوف بعرفة وقبله، والمعرّف موضع التعريف.

ويروي: بإسناده عن أبي نضرة، قال: كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت

____________________

١ - النسائي، ج ٥، ص ١٢٠.

٢ - مسلم، ج ٤، ص ٥٥.

٣ - نفس المصدر، ص ٥٧.

٤ - نفس المصدر، ص ٥٨.

٢٤٠