الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174588
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174588 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال: إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله (ص) ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعُد لهما.(١)

سنن النسائي: حجّ عليّ وعثمان فلمّا كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع، فقال عليّ: إذا رأيتموه ارتحل فارتحلوا، فلبّى عليّ وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان، فقال عليّ: ألم أخبر أنّك تنهي عن التمتع؟ قال: بلى، قال له عليّ: ألم تسمع رسول الله (ص) تمتع؟ قال: بلى.(٢)

مسند أحمد: يروي قريبا منها.(٣)

ويروي أيضاً: أن سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحجّ، فقال الضحّاك: لا يصنع ذلك إلاّ من جهلَ أمر الله تعالى، فقال سعد: بئسما قلت يا ابن أخي، قال الضحّاك: فإنّ عمر بن الخطّاب نهى عن ذلك، قال سعد: قد صنعها رسول الله (ص) وصنعناها معه.

مسند أحمد: يروي نظيرها.(٤)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس قال سمعت عمر يقول: والله إنّي لأنهاكم عن المتعة وإنّها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله (ص)، يعني العمرة في الحجّ.(٥)

ويروي أيضاً: قال معاوية لابن عبّاس: أعلمتَ أنّي قصّرت من رأس رسول الله (ص) عند المروة؟ قال: لا، يقول ابن عبّاس: هذا معاوية ينهى الناس عن المتعة وقد تمتّع النبيّ (ص).

ويروي أيضاً: قال سراقة: تمتّع رسول الله (ص) وتمتّعنا معه فقلنا: ألنا خاصة أم لأبد؟ قال: بل لأبد.(٦)

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٥٩.

٢ - النسائي، ج ٥، ص ١١٨.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٦٠.

٤ - نفس المصدر، ج ١، ص ١٧٤.

٥ - سنن النسائي، ج ٥، ص ١١٩.

٦ - نفس المصدر، ص ١٤٠.

٢٤١

أقول: قال الله تعالى وتبارك:( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) . عقيدة الإمامية: إنّ أفضل أقسام الحجّ التمتّع، وهو حجّة الإسلام والفريضة لكلّ من نأى عن مكّة، ويتركّب من عمرة واجبة وحجّ واجب، يُحلّ بعد التقصير من العمرة لله، فمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي. وقال مالك: الإفراد أفضل، وقال أبو حنيفة: القِران أفضل، وقالا: إنّ العمرة مستحبّة. ومنشأ هذه الأقوال نهي عمر عن المتعة وعن عمرة التمتّع، وقد صرّح بقوله: متعتانِ كانتا في عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما.

مسند أحمد: عن أبي موسى ؛ أنّ عمر قال: هي سنّة رسول الله (ص) - يعني المتعة - ولكنّي أخشى أن يُعرسوا بهنّ تحت الأراك ثمّ يروحوا بهنّ حُجاجاً.(١)

ويروي: عن عبد الله بن الزبير قال: أنا والله لمع عثمان بن عفّان بالجُحفة ومعه رهط من أهل الشام، فيهم حبيب بن مسلمة الفهري، إذ قال عثمان وذُكر له التمتّع بالعمرة إلى الحج: إنّ أتمّ الحجّ والعمرة أن لا يكونا في أشهُر الحجّ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل ؛ فإنّ الله قد وسّع في الخير، وعليّ بن أبي طالب في بطن الوادي يَعلف بعيراً له، قال، فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان، فقال: لقد عمدت إلى سنّة سنّها رسول الله (ص) ورخصة رخّص بها الله تعالى للعباد في كتابه تَضيق عليهم فيها وتنهي عنها، وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار، ثمّ أهلّ بحجّة وعمرة معاً. فأقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها، إنّي لم أنه عنها، إنّما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه.(٢)

ويروي: عن ابن عبّاس قال: تمتّع النبي (ص). فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: ما يقول عُرّية؟! قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. فقال ابن عبّاس: أراهم سيهلكون.

أقول: قال

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٤٩.

٢ - نفس المصدر، ص ٩٢.

٢٤٢

النبيّ (ص)، ويقول: نهى أبو بكر وعمر!(١)

ويروي عن سالم: كان عبد الله بن عمر يُفتي بالذي أنزل الله - عزّ وجلّ - من الرخصة بالتمتّع وسَنّ رسول الله (ص) فيه، فيقول ناس: كيف تُخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟! فقال: ويلكم أفرسول الله أحقّ أن تتبعوا سنّته أم سنّة عمر.(٢)

سنن أبي داود: عن جابر: حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمّرنا رسول الله (ص): أن يُحلّ منّا مَن لم يكن معه هَدي. قال: فقلنا حلّ ماذا؟ قال: الحلّ كلّه، فواقعنا النساء وتطيّبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلاّ أربع ليال، ثمّ أهللنا يوم التروية.(٣)

ويروي عنه أيضاً: ثمّ أمَرنا رسول الله (ص) أن نُحلّ، وقال: لولا هديي لحللت، ثمّ قام سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال رسول الله (ص): بل هي للأبد.(٤)

مسند أحمد: يروي مثلهما.(٥)

الموطّأ: أنّ سعد بن أبي وقاص والضحّاك بن قيس عام حجّ معاوية بن أبي سفيان يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال الضحّاك: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله، فقال سعد: بئسَ ما قلت يا ابن أخي؟ فقال الضحّاك: فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: صنعها رسول الله (ص) وصنعناها معه.(٦)

سنن البيهقي: يروي نظيرها وروايات أخر.(٧)

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٣٣٧.

٢ - نفس المصدر، ج ٢، ص ٩٥.

٣ - سنن أبي داود، ج ١، ص ٢٤٨.

٤ - نفس المصدر، ص ٢٤٩.

٥ - مسند أحمد، ج ٣، ص ٢٩٢.

٦ - الموطأ، ص ٣٥٤.

٧ - سنن البيهقي، ج ٥، ص ١٦.

٢٤٣

أقول: قال الزرقاني في شرح الموطّأ ما خلاصته: وكان من رأي عمر عدم الترفّه للحاجّ بكلّ طريق، وقول سعد: ( صنعها رسول الله (ص) ) إشارة إلى عمرة التمتّع والحجّة وهي مقدّمة على الاجتهاد والرأي، والآية:( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ) دلّت على إتمامهما وذلك صادق بأنواع الإحرام الثلاثة، أي وأتمّوا كما أمركم الله. وقال النووي: الظاهر أنّه كان ترغيباً إلى الإفراد ثمّ انعقد الإجماع على جواز التمتّع بلا كراهة، وبقي الخلاف في الأفضل.(١)

تاريخ الطبري: عن عمران بن سوادة قال صلّيت الصبح مع عمر قلت عابت أمّتك منك أربعاً، قال: فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه، ثمّ قال: هات! قلت: ذكروا أنّك حرّمت العمرة في أشهُر الحجّ ولم يفعل ذلك رسول الله (ص) ولا أبو بكر وهي حلال، قال: هي حلال لو أنّهم أعقروا في أشهُر الحجّ رأوها مُجزية من حجّهم فكانت قائبة قوب عامها، فقرع حجهم وهو بهاء من بهاء الله.(٢)

أقول: قد صرّح المعترض بأنّه حرّم العمرة في أشهر الحجّ مع أنّها كانت جائزة في عهد رسول الله (ص).

ولا تدّعي: بأنّ عمر بن الخطاب [ ما ] أراد أن يبدّل أحكام الدين ويغيّر ما جاء به رسول الله (ص) بسوء القصد وفساد النية، بل ما كان مقصده إلاّ الإصلاح، وإجراء ما كان فيه صلاح الأمة، وإنما الإشكال في أنّ أحكام الله وما جاء به رسول الله (ص) توقيفيّة لا يتصرّف فيها وتعبّدية لا يجوز التغيير فيها، ولو بقصد الإصلاح، فإن نظر الإنسان قصر وفكره محدود وعقله ضعيف، ( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) .

____________________

١ - شرح الموطأ، ج ٢، ص ١٧٨.

٢ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٢.

٢٤٤

( كلماته في آخر عمره )

أنّه كان نادماً على أمور صدرت منه، وكان متحسّراً عليها، ويظهر الأسف الشديد على تلك الأمور، ويقول في آخر أيام من عمره ما يبعد عن ظاهر مقامه.

مستدرك الحاكم، والطبقات: فقال عمر: والله لو أنّ لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع.(١)

ويروي في الطبقات أيضاً، ومسند أحمد: أمّا تبشيرك لي بالجنّة: فوالله الذي لا إله إلاّ هو لو أنّ لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر، وأمّا ما ذكرت في إمرة المؤمنين: فوالله لوددت أنّ ذلك كفاف لا لي ولا عليّ.(٢)

ويروي أيضاً: قال: ثمّ صحبت أبا بكر فسمعت وأطعت، فتُوفّي أبو بكر وأنا سامع مطيع، وما أصبحتُ أخاف على نفسي إلاّ إمارتكم هذه.(٣)

ويروي أيضاً: قال: إنّ مَن غرّه عمره لمغرور، والله لوددت أنّي أخرج منها كما دخلت فيها، والله لو كان لي ما طلعت الخ.

تاريخ الطبري: قال عمر: لا أرب لنا في أموركم، ما حمدتها فأرغب فيها لأحدٍ من أهل بيتي، إن كان خيراً فقد أصبنا منه، وإن كان شراً فشرّ عنّا إلى عمر، بحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجلٌ واحد ويُسأل عن أمر أمّة محمّد، أمَا لقد جهدتُ نفسي وحرمتُ أهلي، وإن نجوت كفافاً لا وزر ولا أجر إنّي لسعيد.(٤)

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٩٢ والطبقات، ج ٣، ص ٣٥٢.

٢ - الطبقات، ص ٣٥٣ ومسند أحمد، ج ١، ص ٤٦.

٣ - الطبقات، ص ٣٥٥.

٤ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٢٤٥

١ - اضطرابه الشديد من هول الموت وما بعده.

٢ - خوفه من عوارض الإمارة وآثارها وأوزارها.

٣ - انه يودّ أن له كفافاً لا وزر له ولا أجر.

فدلّت هذه الكلمات على أنّ تولّيه الإمارة لم يكن من باب العمل بالوظيفة الإلهية، ولم يكن مستندا إلى أمر ربّاني وحقيقة روحانية مسلّمة، حتى لا يبقى اضطراب وتزلزل وتردّد في باطنه.

الطبقات: آخر كلمة قالها عمر حتى قضى: ويَلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي، ويل وويل أمّي إن لم يغفر الله لي، ويلي وويل أمّي إن لم يغفر الله لي.(١)

ويروي بإسناد آخر: ما يقرب منها.

ويروي أيضاً: رأيت عمر بن الخطاب أخذ تِبنة من الأرض فقال: ليتني كنت هذه التِبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمّي لم تَلدني، ليتني لم أكُ شيئا، ليتني كنت نسياً منسياً.

ويروي بأسناد آخر: ما يقرب منها.

أقول: هذه الكلمات تدلّ على غاية الاضطراب ونهاية التحسّر على ما فرّط في جنب الله، ولا يمكن ظهورها والتكلّم بها إلاّ ممّن لم يرتبط قلبه بالملكوت واللاهوت، ولم ترسخ مقامات العبودية والأنوار الإلهية في باطنه، ولو أنّ لكلّ نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به. ويكفي في اضطراب النفس ما وقع بينه وبين أهل بيت الرسول (ص)، من إحراق بيت فاطمة (ع)، والتهيؤ لمقاتلتهم، وإخراج عليّ (ع) للبيعة، وأخذ حقوقهم. وقد سبق أنّ فاطمة (ع) ماتت وهي غَضبى عليه، وأوصت أن لا يحضر في جنازتها.

الطبقات: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه، فقلت يا أمير المؤمنين ما فعلت؟ فقال: الآن فرغتُ ولولا رحمة ربّي لهلكت.(٢)

____________________

١ - الطبقات ج ٣، ص ٣٦٠.

٢ - نفس المصدر، ص ٣٧٦.

٢٤٦

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس: دعوت الله أن يُريني عمر في النوم فرأيته بعد سنة وهو يسلت العرق عن وجهه وهو يقول: الآن خرجت من الحِناذ أو مثل الحناذ.

ويروي روايات آخر قريبة منها.

أقول: هذه الروايات تدل على ابتلائه الشديد في هذه المدّة، وقد رفعت الشدّة بدرجة. وما هذه الشدّة إلاّ بمخالفته أهل البيت، وانحرافه عن وصيه رسول الله (ص).

العقد الفريد: قال عمر: المغرور والله من غررتموه، أمَا والله لو أنّ لي ما بين المشرق والمغرب لافتديت به من هول المطلع.(١)

ويروي عن قتادة: لما ثقل عمر، قال لولده عبد الله: ضع خدّي على الأرض فكره أن يفعل ذلك. فوضع عمر خده على الأرض وقال: ويل لعمر ولامّ عمر إن لم يعفُ الله عنه.

أقول: قلنا إنّ مبدأ اضطرابه ما وقع بينه وبين أهل بيت رسول الله (ص)، وقد أشار إليه إجمالا في آخر كلماته، حيث قال: لئن سألت رسول الله (ص) عن الخلافة، أحبّ إليّ من حُمر النعم.

مستدرك الحاكم: عن عمر بن الخطاب قال: لأنّ أكون سألت رسول الله (ص) عن ثلاث أحبّ إليّ من حُمر النعم: من الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نُقرّ بالزكاة في أموالنا ولا نُؤديها إليك أيحلّ قِتالهم، وعن الكلالة.(٢)

وعن ابن عبّاس قال: كنت آخر الناس عهدا بعمر فسمعته يقول: القول ما قلتُ. قلتُ: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة من لا ولد له.

ويروي عن عمر بن الخطاب قال: ثلاث لأن يكون النبيّ (ص) بيّنهنّ لنا أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، الخلافة، والكلالة، والرِّبا.(٣)

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٤.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٠٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٣٠٤.

٢٤٧

سنن البيهقي: ما يقرب منها.(١)

أقول: تدلّ هذه الروايات على أنّه كان في ريب في هذه الموضوعات، وقد اشتدّ اضطرابه من هذه الجهة في الأيام الأخيرة من حياته. وقد كان أبو بكر أيضاً يُظهر الأسف والندامة في موضوع الخلافة، وكان يقول: وددت أنّي سألت رسول الله (ص) لمن هذا الأمر، ووددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين. وقد قال الله تعالى:( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) .

سنن البيهقي: عن الشعبي قال: قال عمر: الكلالة ما عدا الولد. قال أبو بكر: ما عدا الولد والوالد. فلما طُعن عمر قال: إنّي لأستحيي أن أخالف أبا بكر، الكلالة ما عدا الولد والوالد.(٢)

أقول: قال الله تعالى في آخر سورة النساء:( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ) الآية. وعلى أيّ حال فأحد القولين مخالف للكتاب. راجع كتاب التحقيق.

( عمر والعُلوج )

الطبقات: في كلام لعمر وأوصيكم بالأعراب ؛ فإنّهم أصلكم ومادّتكم.(٣)

ويروي أيضاً: عنه ثمّ قال لابن عبّاس: لقد كنت أنت وأبوك تُحبان أن تكثر العُلوج بالمدينة، فقال ابن عبّاس: إنّ شئت فعلنا، فقال: أبعدَ ما تكلموا بكلامكم، وصلّوا بصلاتكم، ونسكوا نُسككم؟!.(٤)

ويروي أيضاً: وأوصيه بالأعراب ؛ فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام وأن يؤخذ

____________________

١ - سنن البيهقي، ج ٦، ص ٢٢٥.

٢ - نفس المصدر، ج ٦، ص ٢٤٤.

٣ - الطبقات، ج ٣، ص ٣٣٧.

٤ - نفس المصدر، ص ٣٣٨.

٢٤٨

من حواشي أموالهم فيردّ على فقرائهم.(١)

أقول: قال الله تعالى:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، أي: لا كرامة لأحدٍ ولا فضلَ إلاّ بالتقوى، وليس لعربٍ على عجمٍ فضلٌ، ولا لأهل بلدٍ على أهل بلدٍ آخر كرامة، وليس في الإسلام تعصّب جاهلية، وأنّ أصل الإسلام ومادته هو القرآن المنزّل من الله تعالى، فمن كان ذا نصيب وافر من حقائق الإسلام فهو الكريم:( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) ، وأمّا قوله: أبعد ما تكلّموا بكلامكم وصلّوا بصلاتكم. يدلّ على تعصّبه الشديد مع الاعتراف بإسلامهم وتسليمهم.

____________________

١ - الطبقات، ج ٣، ص ٣٣٩.

٢٤٩

فتنة:

( وصية عمر بن الخطاب )

تاريخ الطبري: قال عمر بن الخطّاب: وأنظر فإنّ استخلفتُ فقد استخلفُ من هو خير منّي، وإن أترك فقد تركَ مَن هو خير منّي، ولن يُضيّع الله دينه. فخرجوا ثمّ راحوا فقالوا يا أمير المؤمنين، لو عهدت عهدا؟! فقال قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أنظر فأُوليّ رجلا أمركم هو أحراكم أن يَحملكم على الحقّ، وأشار إلى عليّ، ورهفتني غشية فرأيت رجلاً دخل جنّة قد غرسها فجعل يَقطف كلّ غضّة ويانعة فَيضّمه إليه ويُصيّره تحته، فعلمت أنّ الله غالب أمره ومُتوفٍّ عمر، فما أريد أن أتحمّلها حياً و ميّتاً، عليكم الرهط الذين قال رسول الله أنهم من أهل الجنّة: سعيد بن زيد، وعمرو بن نفيل، منهم ولستُ مدخله، ولكن الستّة.(١)

أقول: المتّبع هو سنّة الرسول (ص)، فكيف يعارض عمل فرد من الرعية وهو أبو بكر سنّته وعمله، حتى يتخيّر فرد آخر في اختيار أيّهما شاء، فعلى تقدير صحّة القول بترك استخلاف الرسول (ص)، فكيف يجوز مخالفته وترك اتّباعه. ثمّ أنّه إذا كان عليّ (ع) أحرى الأمّة والحامل على الحقّ: فكيف يجوز التعدّي عنه والميل إلى غير الأحرى والأفضل؟! وأمّا رؤية رجل يَقطف كلّ غضّة ويانعة ممّا غرسه: فلعلّها إشارة إلى ما نواه من استخلافه غير عليّ (ع)، فإنّه مرادف لقطف ما عمله من خير وصلاح وخدمة، ولا يمكن أن تكون إشارة إلى نظره في تولية علي (ع)، فإنّ كونه أحرى الأمّة والحامل على الحق يُضاد أن يقطف كلّ غضّة

____________________

١ - تاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٢٥٠

ويانعة، ثمّ إنّ تعيينه علياً من عداد الستّة ينافي تأويله هذا.

مستدرك الحاكم: عن ثابت قال: بلغني أنّ عمر بن الخطاب قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح لاستخلفته وما شاورت، فإن سُئلت عنه قلت: استخلفت أمين الله وأمين رسول الله (ص).(١)

أقول: هذا اشتباه من عمر، فإنّ اللازم من صفات الخليفة أن يكون عالماً بالأحكام، عارفاً بالحقائق الإلهية، مدبّرا لأمور المسلمين، وأمّا صفة الأمانة المنفردة فقط فلا تكفي في هذا المقام.

العقد الفريد وتاريخ الطبري: قال عمر: لو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً استخلفته، فإن سألني ربي قلت سمعت نبيّك يقول: أّنّه أمين هذه الأمّة، ولو كان سالم مولى أبي حُذيفة حياً استخلفته، فإن سألني ربّي قلت: سمعت نبيّك يقول: أنّ سالماً شديد الحبّ لله.(٢)

أقول: كأنّه ما سمع الأحاديث المتواترة في فضل عليّ (ع) عن النبيّ (ص)، أو أنّه كان مخالفاً لخلافته.

وقد قال رسول الله (ص): من أطاع عليّا فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني.

-وقال: أنا مِن عليّ وعليّ منّي.

-وقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

-وقال: مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.

-وقال: أفلا ترضى يا عليّ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

وغيرها، وقد سبق مِن قوله في عليّ (ع): هو أحراكم أن يحملكم على الحقّ. وفي الاستيعاب: وقوله في عليّ: إن ولّوها الأجلح سلك بهم الطريق المستقيم. الأجلح: يعني علياً.(٣)

البخاري: بإسناده، قيل لعمر ألا تَستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلفَ من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، رسول الله (ص)، فأثنوا عليه، فقال: راغب وراهب، إنّي وددتُ أنّي نجوت منه

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٢٦٨

٢ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٤. وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣٤.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١١٥٤.

٢٥١

كفافاً لا ليَ ولا عليّ، لا أتحمّلها حياً وميّتاً.(١)

مسلم: عن ابن عمر قال: حضرت أبي حين أصيب، فأثنوا عليه وقالوا: جزاك الله خيراً، فقال: راغب وراهب، قالوا: استخلف! فقال: أتحمّل أمركم حيّا وميّتاً! لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليَّ ولا ليَ، فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وأن أترككم فقد ترككم من هو خير منّي رسول الله (ص). (٢)

أقول: يستفاد من هذه الجملات أمور:

الأوّل: أنّه استبصر في آخر ساعة من حياته بأنّ تحمّله للخلافة قد وقع في غير محلّه وعلى خلاف صلاحه، وأنّ الكفاف والنجاة منها كان أصلح وأوقع له.

الثاني: أنّه مع هذا القول - بأنّ عدم التحمّل حيّاً وميّتاً أوقع له، وأنّ رسول الله (ص)، ما استخلف ويلزم اتّباع الرسول - خالف قوله، وخالف سيرة الرسول، واستخلف بطريق الشورى بين ستّة على شرايط ومقررات معلومة أنتجت خلافة عثمان.

ويروي مسلم أيضاً: عن ابن عمر: قال: دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال: قلت ما كان ليفعل، قالت: إنّه فاعل، قال: فحلفتُ إنّي أكلّمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوتُ ولم أكلّمه، قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جَبلاً، حتى رجعت فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنّك غير مستخلف وأنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاك وتركها رأيت أن قد ضيّع؟ فرعاية الناس أشدّ، قال: فوافقه قولي فوضع رأسه ساعة ثم رفعه إليّ، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحفظ دينه، وإنّي لئن لا استخلف فإنّ رسول الله (ص) لم يستخلف، وإن استخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف. قال: فوالله ما هو إلاّ أن ذكر رسول الله (ص) وأبا بكر، فعلمت

____________________

١ - البخاري، ج ٤، ص ١٥٢.

٢ - مسلم، ج ٦، ص ٤.

٢٥٢

أنّه لم يكن ليعدل برسول الله أحدا وأنّه غير مستخلف.(١)

أقول: قول ابن عمر ( لو كان لك راعي إبل )، كلامٌ فطريّ عقليّ وجدانيّ لا يُنكره من كان له أدنى تدبّر، وعلى هذا ترى أنّ عمر وافقه ولم ينكره، وهذا رأينا في رسول الله (ص) بأنّه قد أوصى واستخلف.

الثاني: أنّ أبا بكر على قولهم خالف عمل الرسول (ص) صريحاً، واعتذاره غير مقبول، ولا سيّما في هذا الأمر المهم.

الثالث: أنّ عمر قد استخلف أيضاً، فإنّ تعيين شخص على نحو التفصيل أو الإجمال لا فرق بينهما من جهة أصل التعيين، مضافا إلى أنّ التعيين الإجمالي يدلّ على تحقّق الضعف والعجز أمّا من ناحية العلم والمعرفة، وإمّا من جانب رعاية التقية وملاحظة الأحوال وعدم التمكّن والاستطاعة من التعيين التفصيلي.

فإذا كان النبيّ (ص) لم يستخلف على اعتقادهم، وجعل الأمة بعد، حيارى وتركهم لا يهتدون سبيلا: فكيف خالفوا هذه الطريقة وحكموا بلزوم تعيين الخليفة.

هل كان رسول الله (ص) لا يدري ما وظيفته؟ أو لم يعمل بما علم وسامح في العمل برسالته؟ أو أن الله تعالى قد أهمل عباده وأظلّهم بعد أن أرسل إليهم رسولا؟

ثمّ إذا كان هذا الإهمال وترك الأمة صلاحاً فكيف لم يعمل به آخرون، ولم يتمكّنوا من اتّباع هذه المصلحة وسلوك هذه الطريقة، حتى أنّ عمر التزم أن يستخلف بهذه الكيفية المخصوصة.

وما هذا إلا لأنّ الاستخلاف أمر طبيعي يحكم به العقل والوجدان، وقد استخلف رسول الله (ص)، وصرّح باستخلافه في موارد كثيرة، وأعلن وصيّتها بألفاظ مختلفة، ويكفي لنا قوله: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا.

____________________

١ - مسلم، ج ٦، ص ٥.

٢٥٣

فنحن نتمسّك بالقرآن الحكيم وأهل البيت الطاهرين، ونتّبع الثقلين الذين أوصى بهما رسول الله (ص)، وعلم أنّه ما ينطق عن الهوى( إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) . وهذه حجّتنا فيما بيننا وبين الله تعالى. فأتوا بكتاب من عنده إن كنتم صادقين.

٢٥٤

فتنة:

( أمر الشورى واختلاف الآراء )

الملل والنحل: الخلاف التاسع في أمر الشورى واختلاف الآراء فيها، حتى اتّفقوا كلّهم على بيعة عثمان وانتظم الملك.(١)

البدء والتاريخ: وكان قال لعبد الله بن عبّاس: اذكر لي مَن أعهد إليه؟ فقال: عثمان! فقال: ذاك كلِفٌ بأقاربه، يَحمل بني ابن أبي معيط على رقاب الناس. قال: فعبد الرحمن بن عوف! قال: مسلمٌ ضعيف، وأميرته امرأته! قال: فسعد! قال: ذاك فارس يكون في مقنب من مقانبكم. قال: فالزبير! قال: مؤمن الرضا كافر الغضب. قال: فطلحة! قال: فيه باء وعجب. قال فعليّ! قال: فيه دعابة وأنّه لأخلقهم أن يحملهم على المحجّة. ثمّ جعل الأمر في هؤلاء الستّة باختيارهم، وقال: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها، فمن عاد إلى مثلها من غير مشورة فاقتلوه.(٢)

أقول: إذن اعترف بأنّ علياً (ع) لأخلقهم أن يحملهم على المحجّة، فكيف عدل عنه وجعله في عدادهم، مع إقراره بضعف إسلام عبد الرحمن ومقهريته، وبأنّ عثمان كلِف بأقاربه يحملهم على رقاب الناس، وهكذا الآخرون.

ثمّ أنّ بيعة أبي بكر على ما وقعت، إن كانت صحيحة ومشروعة شرعاً وعقلاً: فكيف يحكم بقتل من عاد إلى مثلها. وإن كانت باطلة: فكيف أعان عليها وحكم بقتل من خالفها، وحضر لإحراق باب أهل البيت، ألم يمكن لهم أن يتذكّروا ويذكروا ما وصى لهم رسول الله (ص) في عليّ بن أبي طالب (ع)

____________________

١ - الملل والنحل، ج ١، ص ١٨.

٢ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ١٩٠.

٢٥٥

البخاري: فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف! قال ( عمر بن الخطاب ): ما أجد أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين تُوفى رسول الله (ص) وهو عنهم راض، فسمّى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كثيئة التعزية، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإنّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة ...

فلما فُرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم! فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ، فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن أيكما تبرّأ من هذا الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنَّ أفضلهم في نفسه! فأُسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ، والله عليّ أن لا آلوا عن أفضلكم! قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال لك قرابة من رسول الله (ص) والقِدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتُك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتُطيعنّ! ثمّ خلا بالآخر ( عثمان ) فقال له مثل ذلك، فلمّا أخذ الميثاق، قال: أرفع يدك يا عثمان فبايعه.(١)

أقول: يستفاد من صريح هذا الكلام أمور:

١ - أنّ عمر بن الخطاب ما قدر أن يَعرف أفضلهم وأولاهم.

٢ - أنّه جعل مَدار الإمرة كون النبيّ (ص) راضياً عنه، ولم يُراع شرائط أخرى، ولم يتوجّه إلى أحوالهم وأعمالهم بعد الإمرة.

٣ - فإذا كان عمر بن الخطاب لم يتكلّم بالوحي وعن الله وبتعيين الله، ولم يقد أن يُميّز الأفضل والأولى: فكيف يوصي بهذه الوصية المخصوصة.

٤ - فإذا ادّعى عبد الرحمن: أن لا يألو عن أفضلهم، فهل كان عثمان أفضل من عليّ علماً وعملاً وسابقةً ومقاماً؟.

ويقول البخاري: إنّ المِسور بن مَخرمة أخبره أنّ الرهط الذين ولاّهم عمر

____________________

١ - البخاري، ج ٢، ص ١٨٤.

٢٥٦

اجتمعوا فتشاوروا، قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم! فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولُّوا عبد الرحمن أمرهم، فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع أولئك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه تلك الليالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان.

قال المِسور: طَرقني عبد الرحمن بعد هجع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً! فوالله ما اكتحلتُ هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادعُ الزبير وسعداً! فدعوتهما له فشاورهما، ثمّ دعاني فقال: ادع ليّ علياً! فدعوته فناجاه حتى إبهار الليل، ثمّ قام عليّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى من عليّ شيئاً، ثمّ قال: ادع لي عثمان فدعوته، فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذّن بالصبح، فلمّا صلّى للناس الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجّة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن ثمّ قال: أمّا بعد: يا علي إنّي قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، فقال: أبايعك على سنّة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس، المهاجرون الأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.(١)

أقول: هذا الكلام ( قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان ) في وجه ترجيح عثمان وانتخابه: يخالف كلامه السابق وعهده بأنّ لا يألو عن أفضلهم، فهل يكون تمايل الناس موجبا للأفضلية؟! مع أنّ أكثر الناس لا يعقلون.

نعم، تشكيل الحكومة الظاهرية يعتبر فيها أكثرية الآراء والأفكار، وهذا غير مقام الحقيقة والخلافة المعنوية والمرجعية للأمور الدنيوية والدينية والوصاية عن رسول الله (ص)

____________________

١ - البخاري، ج ٤، ص ١٥١.

٢٥٧

مسلم: بإسناده فإن عجل بي أمر، فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين تُوفي رسول الله (ص) وهو عنهم راضٍ، وإنّي قد علمت أنّ أقواما يطعنون في هذا الأمر، أنا ضربتُهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضُّلال.(١)

أقول: يستفاد من هذا الكلام أمور:

١ - يستفاد من هذا الكلام أنّ جمعاً ممّن أسلموا بعد غلبة الإسلام وفتح مكّة من الذين حملوا السلاح على رسول الله، كانوا يطعنون في الخلافة ويجهدون أن تكون الإمرة فيهم، وقد عبّر عنهم بقوله: فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلاّل. وهذا الكلام يشمل معاوية بل وينطبق عليه، ولا سيّما بعد خلافة عليّ (ع) ؛ إذ هو من هؤلاء الستة وقد أجمع المهاجرون والأنصار عليه، وقد طعن معاوية في خلافته وحمل السلاح عليه.

٢ - المناط في الإمرة إن كان رضا الرسول (ص) عنه! فأغلب أصحاب الرسول (ص) كانوا بهذه الصفة، وإن كان لهؤلاء الستّة امتياز وخصوصية، فهل كانوا متساوين من جميع الجهات حتى يكون الناس مختارين في اختيار أيّهم شاءوا، أو أنّ لبعض منهم فضيلة وتفوّقا على بعض آخر؟ وعلى كلّ فرض يبقى محذور وإشكال لا يخفى على من له أدنى تدبّر.

الطبقات: عن أبي جعفر قال عمر بن الخطاب لأصحاب الشورى: تشاوروا في أمركم فإن كان اثنان واثنان، فارجعوا في الشورى، وإن كان أربعة واثنان، فخذوا صنف الأكثر.(٢)

ويروي أيضاً: عن ابن عمر قال عمر: وان اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتّبعوا صنف عبد الرحمن بن عوف واسمعوا وأطيعوا.

ويروي أيضاً: عن سعيد قال عمر. ليُصل لكم صهيب ثلاثاً وتشاوروا في أمركم، والأمر إلى هؤلاء الستّة، فمن بَعل أمركم فاضربوا عنقه، يعني من خالفكم.

____________________

١ - مسلم، ج ٢، ص ٨١.

٢ - الطبقات، ج ٣، ص ٦١.

٢٥٨

ويروي أيضاً: عن أنس قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي طلحة قبل أن يموت بساعة، فقال: يا أبا طلحة كن في خمسين من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى، فلا تتركهم يَمضي اليوم الثالث حتى يُؤمّروا أحدهم.

ويروي أيضاً: عن سماك أنّ عمر بن الخطاب لما حُضر قال: ان أستخلف فسنةٌ وإلاّ أستخلف فسنةٌ، تُوفي رسول الله (ص) ولم يستخلف وتوفي أبو بكر فاستخلف وقال للأنصار أدخلوهم بيتاً ثلاثة أيام فإن استقاموا وإلاّ فادخلوا عليهم فاضربوا أعناقهم.(١)

العقد الفريد وتاريخ الطبري: فقال العبّاس لعلي: لا تدخل معهم! قال: أكره الخلاف، قال: إذا ترى ما تكره. فلمّا أصبح عمر دعا عليّاً وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن عوام، فقال: إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس وقادتهم ولا يكون هذا الأمر إلاّ فيكم، وقد قُبِض رسول الله (ص) وهو عنكم راضٍ، إنّي لا أخاف الناس عليكم أن استقمتم، ولكنّي أخاف عليكم اختلافكم فيما بينكم فيختلف الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة - بإذن منها - فتشاوروا واختاروا رجلاً منكم، ثمّ قال: لا تدخلوا حجرة عائشة ولكن كونوا قريباً، ووضع رأسه وقد نزفه الدم، فدخلوا فتناجوا ثمّ ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر: سبحان الله إنّ أمير المؤمنين لم يمت بعد، فأسمعه، فانتبه فقال: ألاَ أعرضوا عن هذا أجمعون ؛ فإذا متُّ فتشاوروا ثلاثة أيام وليُصل بالناس صُهيب، ولا يأتينّ اليوم الرابع إلاّ وعليكم أمير عنكم، ويحضر عبد الله بن عمر مشيراً ولا شيء له من الأمر، وطلحة شريككم في الأمر فإن قدم في الأيام الثلاثة فأحضروه أمركم وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم، ومن لي بطلحة! فقال عمر: أرجوا أن لا يخالف إن شاء الله، وما أظن أن يلي إلاّ أحدٌ هذين الرجلين عليّ أو عثمان، فإن ولي عثمان فرجل فيه لين، وإن ولي عليّ ففيه دعابة وأحرى به أن يحملهم على طريق الحقّ فإن اجتمع خمسة

____________________

١ - نفس المصدر السابق، ص ٣٤٢.

٢٥٩

ورضوا رجلاً وأبى واحد، فاشدخ رأسه، أو اضرب رأسه بالسيف، وإن اتّفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منه فحكّموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس وتلقّاه العبّاس فقال: عدلت عنا، فقال: وما علّمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا، ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون، فيولّيها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فول كان الآخران معي لم ينفعاني! بله إنّي لا أرجوا إلاّ أحدهما فقال العبّاس: احفظ عنّي واحدة كلمّا عرض عليك القوم فقل لا، إلاّ أن يُولّوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم لنا به غيرنا وأيم الله لا يناله إلاّ بشرّ لا ينفع معه خير، فقال علي: أما لئن بقي عثمان لأذكرنّه ما أتى، ولئن مات ليتداولنّها بينهم ولئن فعلوا ليجدنّي حيث يكرهون.(١)

أقول: في هذا الكلام مواقع للاعتبار:

١ - قال علي (ع) أكره الخلاف: إشارة إلى أهمّية الاتفاق والاتّحاد بين المسلمين والحذر من الخلاف في أيّ مورد كان، وأمّا مقام الولاية والإمامة الحقيقية الثابتة الإلهية فهي غير متوقفة إلى أمر آخر ولا تلازم بينها وبين الحكومة الظاهرية.

٢ - قال عمر: فتشاوروا واختاروا رجلاً. يدلّ على أنّ هذا الأمر مقامٌ اجتماعي ظاهري عرفي متحصّل باختيار الناس، ولا ربط له بالأحكام الإلهية والأصول والفروع الدينية المنزّلة.

٣ - قال عمر: وليُصلّ بالناس صُهيب. يدلّ على أنّ الإمامة في الصلاة

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٢٧٧ وتاريخ الطبري، ج ٥، ص ٣.

٢٦٠