الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174560
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174560 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من علم الله علمنا، وبحكم الله حُكمنا، ومن قول صادق سمعنا، فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، معنا راية الحقّ من يتّبعها لَحِق، ومن تأخّر عنها غرق.(١)

المعارف: قال أبو ذر سمعت رسول الله (ص) يقول: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا.(٢)

الكُنى للدولابي: عن عامر بن واثلة، سمعت مثلها، وفيها: ومن تركها غرق.(٣)

مستدرك الحاكم: كما في الكُنى(٤)

أقول: كما أنّ الملتجئ إلى السفينة ينجو من الأمواج الهائلة، كذلك المتمسّك بهم والسالك على طريقتهم والتابع لهم ينجو من المهلكات والمضلاّت، ويهتدي بنورهم ويتخلّص من الظلمات والشبهات. وأمّا التارك لهم فهم في ظن، بل وفي ريبٍ ممّا يعلمون، ما لهم به من علم، إن يتّبعون إلاّ الظنّ وإنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئاً.

( نسبهم لا ينقطع )

مستدرك الحاكم: في حديث عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ ما كان من سببي ونسبي.(٥)

البيان والتعريف: كلّ بني أنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ؛ فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم. أخرجه الطبراني في الكبير عن عمر بن الخطّاب(٦)

ويروي أيضا: كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكلّ وُلد أب فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا وُلد فاطمة ؛ فإنّي أنا أبوهم وعَصَبتهم. أخرجه

____________________

١ - العقد الفريد، ج ٤، ص ٦٧.

٢ - المعارف، ص ٢٥٢.

٣ - الكُنى، للدولابي، ج ١، ص ٧٦.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٣٤٣.

٥ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤٢.

٦ - البيان والتعريف، ج ٢، ص ١٤٤.

٤١

أبو نعيم في معرفة الصحابة عن عمر بن الخطاب.(١)

أقول: العَصَبُ - محرّكة - والعَصَبة: قوم الرجل الذين يتعصّبون له. يُشير النبيّ (ص) إلى أنّ أهل البيت معصوبون به نسباً وروحاً، وأنّ ولد فاطمة ولده.

مسند أحمد: عن المسور، قال: بعث حسن بن حسن إلى المسوّر يخطب بنتاً له، قال له توافيني في العتمة، فلقيه فحمد الله المسورُ، فقال: ما من سبب ولا نسب ولا صهر أحبّ إليّ من نسبكم وصهركم، ولكنّ رسول الله (ص) قال: فاطمة شجنة منّي يبسطني ما بسطها، ويقبضني ما قبضها، وإنّه تنقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلاّ نسبي وسببي. وتحتك ابنتها، ولو زوّجتك قبضها ذلك، فذهب عاذرا له.(٢)

( أهل البيت والمباهلة )

مسند أحمد: عن عامر بن سعد عن أبيه، قال سمعت رسول الله (ص) يقول له وخلّفه في بعض مغازيه، فقال علي ( رض ): أتخلّفني مع النساء والصبيان؟! قال: يا عليّ أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنّه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله. فتطاولنا لها فقال: ادعوا ليّ علياً (رض)، فأُتي به أرمد فبصق في عينه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية:( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) ، دعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة وحسنا وحسيناً رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي(٣).

دلائل النبوّة: عن جابر، قَدِم على النبيّ (ص) العاقبُ والطيّبُ فدعاهما إلى الإسلام فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه على أن يغادياه بالغداة، فغدا رسول الله (ص) وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، ثمّ

____________________

١ - البيان والتعريف، ص ١٤٥.

٢ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٣٢.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ١٨٥.

٤٢

أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له، فقال رسول الله (ص): والذي بعثني بالحقّ لو فعلاً، لأمطر الوادي عليهما ناراً، قال جابر: فيهم نزلت:( تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) ، قال الشعبي: قال جابر: وأنفسنا وأنفسكم رسول الله (ص) وعليّ، وأبناءنا وأبناءكم الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة، رضي الله عنهم أجمعين.(١)

أقول: قال تعالى:( تََعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) . (٢)

الكشّاف: فأتوا رسول الله (ص) محتضناً الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزالها بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة

وعن عايشة أنّ رسول الله (ص) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله ثمّ فاطمة ثمّ عليّ، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ، فإن قلت: فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟

قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.(٣)

سنن الترمذي: عن سعد لمّا نزلت هذه الآية:( نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ ) الآية، دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ

____________________

١ - دلائل النبوّة، ج ١، ص ١٢٤.

٢ - آل عمران، آية ٦١.

٣ - الكشّاف، ج ١، ص ٣٠٧.

٤٣

هؤلاء أهلي.(١)

فتوح البلدان: عن الحسن: ثمّ دعا رسول الله (ص) راهبا نجران إلى المباهلة، واخذ بيد فاطمة والحسن والحسين، فقال أحدهما لصاحبه: أصعد الجبل ولا تباهله فإنّك إن باهلته بُؤت باللعنة.(٢)

أقول: يستفاد من هذه الروايات بأنّ المصداق الحقيقي من أبنائه ونسائه وأنفسه: هو الحسن والحسين وفاطمة وعلي عليهم السلام، وأنّهم أحبّ الناس إليه، وأنّهم أهل بيته المخصوصون المقرّبون.

( ما يستفاد من الروايات )

وقد نقلنا الأحاديث الواردة في أهل البيت (ص) ملخّصاً، واعتمدنا فيها على الكتب المؤلّفة في ستة قرون من صدر الإسلام، من صحاح أهل السنّة، وفيها كفاية للمعتبر ومن تعوّذ من الشيطان والهوى، وتورّع عن العصبيّة، وطلب الحقيقة، فله أن يتدبّر فيها وينظر فيها بالإنصاف والتحقيق، ليجد ما هو الحقّ.

ويستفاد منها أمور:

١ - قد صرّح رسول الله (ص) في الأحاديث المذكورة بأنّ مراده من أهل البيت هو عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، والتفسير بمعنى آخر مخالف لقوله (ص)، وممّا لا يرضى به صاحبه.

٢ - قد ترك رسول الله (ص) في أمّته الثقلين، وأوصاهم بالتمسك بهما: فللأمّة أن يتمسّكوا بهما، ولا يخالفوهما، ويراقبوا أعمالهم وعقائدهم وسلوكهم حتى لا يتراءى فيها خلاف وانحراف عن طريقتهما.

٣ - قد أكد رسول الله (ص) التمسّك بالثقلين بقوله: ( إن أخذتم بهما لن تضلّوا )، ( إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي )، ( لن يفترقا حتى يردا عليّ )، ( فانظروا كيف تخلفوني فيهما )، ( أذكّركم الله في أهل بيتي ) فبئس ما عملت الأمّة بالوصية، وبئس

____________________

١ - سنن الترمذي، ص ٤٢٦.

٢ - فتوح البلدان، ص ٧٥.

٤٤

ما يصنعون.

٤ - يُخبر رسول الله (ص) بأنّ الله تعالى قد أذهب عن أهل بيته الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنّهم مورد نزول آية التطهير، وهم أهل الكساء، فقولهم وعملهم لنا حجّة، وهم منزّهون عن كلّ عيب وشين.

٥ - حكم رسول الله (ص) بأنّ الصلاة عليه يلزم أن تقترن بالصلاة على آله ؛ والأمّة لم يعملوا بهذا أيضاً.

٦ - أنّهم أمان للأمّة من الاختلاف، وإذا اختلفوا فصاروا حزب إبليس ؛ فمخالفة طريقة أهل البيت تكشف عن انحرافهم وضلالهم واتّباعهم إبليس وقومه.

٧ - أنّهم أوّل من يدخل الجنّة، ومحبّوهم من ورائهم.

٨ - أنّ رسول الله (ص) حرب لمن حاربهم، وسلمٌ لمن سالمهم. ومن المحاربة مخالفتهم والانحراف عن طريقتهم، وتركهم والتوجّه إلى غيرهم وترك العمل بأقوالهم.

٩ - لو أنّ رجلاً صلّى وصام وهو مبغض لهم دخل النار.

١٠ - أنّ حُبّ الرسول (ص) ملازم بحبّ آله.

١١ - أنّهم كسفينة نوح من تركها غرق.

١٢ - أنّ رسول الله (ص) أبوهم وعَصبَتهم.

١٣ - أنّهم أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) وأعزّ الأشخاص وأقرب النفوس إليه.

١٤ - أنّهم مورد نزول آية المباهلة، وأنّهم المصداق المسلّم من أبنائه ونسائه وأنفسه في الآية.

أولئك الذين هدى الله فبهُداهم اقتده.

٤٥

( رسول الله وعليّ بن أبي طالب )

لمّا أدرجنا الأحاديث المروية عن رسول الله (ص) في أهل البيت عليهم اللام وعرفنا مقاماتهم، وتوصية رسول الله (ص) بهم، وإرجاع الأمة إليهم ولزوم اتّباعهم: يناسب هنا أن نذكر شطراً من الروايات الصحيحة المرويّة في صحاح أهل السنّة، ممّا صدر عن رسول الله (ص) في حقّ عليّ (ع) تأييدا للأحاديث السابقة، وتأكيداً لدلالتها، وتحكيماً لمعانيها، وتشريحا لمجملها، وتوضيحا لمبهمها، حتى يكون القارئ طالب الحقيقة على بصيرة، لا يخفى عليه الحقّ.

واللازم لنا أن نذكر تلك الروايات الشريفة المعتبرة على ترتيب حياة أمير المؤمنين علي (ع) ليطلّع الطالب سليم القلب على جريان تاريخ حبّ النبيّ (ص) له، وإرجاع الناس إليه، وتعيينه لمقام الخلافة والولاية.

ولا نريد من هذا جزاءاً ولا أجراً ولا عنواناً، وليس غرضي إلا عرض المحبّة والأدب وإظهار الموالاة والخدمة لأهل بيت الطهارة وعترة خاتم الرسالة، ثمّ التذكرة والتنبيه لأخواني المسلمين، الذين انقطعوا عن آل رسول ربّ العالمين، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين، وإنّ الله تعالى هادي المتّقين.

( تربية عليّ بن أبي طالب (ع) )

المقاتل: وكان رسول الله (ص) أخذ علياً من أبيه وهو صغير في سنةٍ أصابت قريشاً وقحط نالهم، وأخذ حمزة جعفراً وأخذ العبّاس طالباً ؛ ليكفوا أباهم مؤنتهم ويخفّفوا عنه ثقلهم، فقال رسول الله (ص): اخترت مَن اختار الله لي عليكم: علياً.(١)

____________________

١ - المقاتل، ص ٢٦.

٤٦

مستدرك الحاكم: عن مجاهد قال: كان من نعم الله على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ما صنع الله له وأراده به من الخير، أنّ قريشا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب في عيال كثير، فقال رسول الله (ص) لعمّه العباس: إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا إليه نُخفف عنه فأخذ رسول الله (ص) علياً فضمّه إليه وأخذ العبّاس جعفراً فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله فاتبعه وصدّقه. (١)

أقول: هذه أوّل مرحلة من حياة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، حيث ربّي في حجر رسول الله (ص)، ولم يزل معه حتى بعثه الله فاتّبعه، وقال رسول الله (ص): اخترت من اختار الله لي عليكم علياً. ولا ريب أنّ التربية الأوّلية لها غاية التأثير في المراحل المتأخّرة من الحياة، ومن آثارها: أن وفّقه الله تعالى حتى آمن به وصدّق رسول الله (ص) قبل أن يؤمن به آخرون.

وما أحسن ما يقول المقريزي في إمتاع الأسماع: وأمّا عليّ بن أبي طالب فلم يشرك بالله قط ؛ وذلك أنّ الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمّه سيد المرسلين محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعندما أتى رسول الله (ص) الوحي وأخبر خديجة رضي الله عنها وصدقت، كانت هي وعليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة - حِبّ رسول الله (ص) - يُصلّون معه، وكان يخرج إلى الكعبة أوّل النهار فيصلّي صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها قريش. فلم يحتجّ عليّ رضي الله عنه أن يُدعى ولا كان مشركاً حتى يوحّد فيقال أسلم، بل كان عندما أوحى الله إلى رسول الله (ص) عمره ثماني سنين، وقيل سبع سنين وقيل إحدى عشرة سنة، وكان مع رسول الله (ص) في منزله بين أهله كأحد أولاده يتّبعه في جميع أحواله، وكان أبو بكر أوّل من أسلم ممّن له أهلية الذّب عن رسول الله (ص) والحماية والمناصرة، هذا هو التحقيق في المسألة.(٢)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٥٧٦.

٢ - إمتاع الأسماع، ج ١، ص ١٦.

٤٧

( أوّل من آمن وصدّق )

الاستيعاب: وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد لخدري وزيد بن الأرقم: أنّ عليّ بن أبي طالب (رض) أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره، ويروي عن ابن عبّاس، قال: لعلي أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله (ص)، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره، وهو الذي غسّله وأدخله قبره.(١)

ويروي: عن سلمان، قال رسول الله (ص): أوّلكم وُرودا عليّ الحوض أوّلكم إسلاما: عليّ بن أبي طالب (رض).(٢)

ويروي: عن عمرو مولى عفرة، سُئل محمّد بن كعب القرظي عن أوّل من أسلم، عليّ أو أبو بكر؟ قال سبحان الله عليّ أوّلهما إسلاما، وإنّما شبه على الناس لأنّ علياً أخفى إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، ولا شكّ أنّ علياً أوّلهما إسلاماً.(٣)

أقول: هذا خلاف ما ورد في الأحاديث المعتبرة بأنّ علياً كان يصلّي مع رسول الله (ص) في المسجد، كما في حديث عفيف وغيره، نعم يمكن أن نقول: إنّ علياً كان من أهل بيت رسول الله (ص) كما أنّ زيد بن حارثة كان مولى رسول الله (ص)، وكان يتّبعه في جميع أحواله، فأوّل مسلم من سائر الناس هو أبو بكر.

ويروي: قال رسول الله (ص) لفاطمة (ع): زوجكِ سيدٌ في الدنيا والآخرة، وإنّه أوّل أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً.(٤)

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩٠.

٢ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩١.

٣ - نفس المصدر، ج ٣، ص ١٠٩٢.

٤ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩٩.

٤٨

أخبار أصبهان: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): أوّل من صلّى مع رسول الله (ص) خديجة ثمّ عليّ. فأمرهما بخلع الأنداد وترك اللات والعزى.(١)

السيرة النبوية: قال ابن إسحاق: ثمّ كان أوّل ذكر من الناس آمن برسول الله (ص) وصلّى معه وصدّق بما جاءه من الله تعالى عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم رضوان الله وسلامه عليه، وهو يومئذٍ ابن عشر سنين. وكان ممّا أنعم الله على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه كان في حجر رسول الله ( ص) قبل الإسلام.(٢)

ويقول: فلم يزل عليّ مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبياً، فاتّبعه عليّ رضي الله عنه وآمن به وصدّقه.(٣)

وذكر بعض أهل العلم: أنّ رسول الله (ص) كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكّة، وخرج معه عليّ بن أبي طالب مستخفياً من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصلّيان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا.

ويقول: ثمّ أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل، مولى رسول الله (ص)، وكان أوّل ذكر أسلم وصلّى بعد عليّ بن أبي طالب.(٤)

ويقول: ثمّ أسلم أبو بكر بن أبي قحافة.(٥)

أقول: قد صرّح من دون ذكر خلاف بأنّ أوّل من أسلم وصلّى هو: عليّ بن أبي طالب، ثمّ زيد بن حارثة، ثمّ أبو بكر.

المعارف: قال ابن إسحاق: أوّل من اتّبع رسول الله (ص) وآمن به من

____________________

١ - أخبار أصبهان، ج ٢، ص ١٨١.

٢ - السيرة النبوية، ج ١، ص ٢٦٢.

٣ - السيرة النبوية، ص ٢٦٣.

٤ - نفس المصدر ص٢٦٤.

٥ - نفس المصدر ص٢٦٦.

٤٩

أصحابه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن تسع سنين، ثمّ زيد بن حارثة، ثم أبو بكر بن أبي قحافة.(١)

ويقول: عن معاذة: سمعت عليّ بن أبي طالب على منبر البصرة وهو يقول: أنا الصدّيق الأكبر ؛ آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر. ويقول حبّة العرني: سمعت علياً يقول: أنا أوّل من صلّى مع رسول الله (ص).(٢)

سنن الترمذي: عن ابن عبّاس قال: أول من صلّى، عليّ.(٣)

ويروي أيضاً: عن زيد بن أرقم قال: أوّل من أسلم عليّ.

ويروي أيضاً: عن أنس قال: بُعث النبيّ (ص) يوم الاثنين وصلّى عليّ يوم الثلاثاء.

ويروي الاستيعاب نظيرها.(٤)

الخصائص للنسائي: قال حبّة العُرني: سمعت علياً كرّم الله وجهه يقول: أنا أوّل من صلّى مع رسول الله (ص).

ويروي: عن زيد بن أرقم: أوّل من صلّى مع رسول الله (ص) عليّ (رض).

ويروي: عن عفيف: قال جئت في الجاهلية إلى مكّة وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العبّاس بن عبد المطلب وكان رجلاً تاجراً، فأنا عنده جالس حيث انظر إلى الكعبة وقد حلّقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت، إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثمّ قام مستقبل الكعبة ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاء غلام فقام على يمينه، ثمّ لم البث إلاّ يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقلت: يا عبّاس أمرٌ عظيم، قال العبّاس: أمر عظيم، تدري من هذا الشاب؟ قلت لا. قال: هذا محمّد بن عبد الله

____________________

١ - المعارف، ص ١٦٨.

٢ - المعارف، ص ١٦٩.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٣٥.

٤ - الاستيعاب، ج ٥، ص ١٠٩٥.

٥٠

ابن أخي، أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ ابن أخي، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته، إنّ ابن أخي هذا أخبرني أنّ ربّه ربّ السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا والله ما على الأرض كلّها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.(١)

الطبقات: يروي نظيرها.(٢)

الاستيعاب: يروي عن عفيف عن جده نظيرها.(٣)

خصائص النسائي: عن خالد بن قثم، قيل له: أعليّ ورث رسول الله (ص) دون جدّك وهو عمّه؟ قال: إنّ علياً أوّلنا لحوقاً وأشدّنا به لزوقا.(٤)

الطبقات: عن زيد بن أرقم، قال: أوّل من أسلم مع رسول الله (ص) عليّ. قال عفّان: أوّل من صلّى.(٥)

ومسند أحمد يروي نظيرها.(٦)

ويروي في الطبقات عن مجاهد: أوّل من صلّى عليّ وهو ابن عشر سنين.

ويروي: عن محمّد بن عبد الرحمن: أسلم عليّ وهو ابن تسع سنين.

الكُنى للدولابي: يروي نظير ما في المعارف.(٧)

أنساب الأشراف: كما في الخصائص عن زيد بن أرقم.(٨)

ويروي أيضاً: عن الواقدي: قال رأى عليّ النبيّ (ص) تُصلي معه خديجة، فقال: ما هذا يا محمّد؟ فقال رسول الله (ص): يا عليّ هذا دين الله الذي اصطفاه واختاره، وأنا أدعوك إلى الله وحده وأن تذر اللات والعزة ؛ فإنّهما لا تنفعان

____________________

١ - الخصائص للنسائي، ص ٢.

٢ - الطبقات، ج ٨، ص ١٧.

٣ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩٦.

٤ - خصائص النسائي، ص ٢٠.

٥ - الطبقات، ج ٣، ص ٢١.

٦ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٣٦٨.

٧ - الكُنى، للدولابي، ج ٢، ص ٨١.

٨ - أنساب الأشراف، ج ١، ص ١١٢.

٥١

ولا تضران، فقال علي: ما سمعت بهذا الدين إلى اليوم وأنا استأمر أبي فيه. فكره النبيّ (ص) أن يفش ذلك قبل استعلان أمره. فقال: يا عليّ، إن فعلت ما قلت لك وإلاّ فاكتم ما رأيت. فمضى ليلته ثمّ غدا على رسول الله (ص)، فقال له: أعِد عليّ ما قلت. فأعاده، فأسلم، ومكث يأتي رسول الله (ص) فيصلّي معه على خوف من أبي طالب، وكان هو زيد بن حارثة يلزمان رسول الله (ص).. إلخ.

أقول: يظهر من هذه الرواية أنّ عليّ بن أبي طالب (ع) أسلم وصلّى وليس مع النبيّ أحد غير زوجته خديجة، ثمّ أسلم زيد بن حارثة، وهما يلزمان النبيّ (ص) وليس معهما شخص آخر. ويعلم أيضاً أنّ إسلامه (ع) كان قبل استعلان أمره وإفشاء دعوته.

مستدرك الحاكم: عن ابن عبّاس قال: لعليٍّ أربع خصال ليست لأحدٍ: هو أوّل عربي وأعجمي صلّى مع رسول الله (ص)، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، والذي صبر معه يوم المهراس، وهو الذي غسّله وأدخله قبره.(١)

ويروي: عن جوين عن عليّ (ع)، قال: عبدت الله مع رسول الله (ص) سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمّة.(٢)

ويروي: عن سلمان قال رسول الله (ص): أوّلكم وارداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً، علي بن أبي طالب.(٣)

ويروي: عن أبي موسى الأشعري قال: إن عليّا أوّل من أسلم مع رسول الله (ص).(٤)

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

البدء والتاريخ: روى عن الواقدي كما في أنساب الأشراف، وفيها: فمكث علي تلك الليلة وألقى الله في قلبه الإسلام فغدا على رسول الله فأسلم، ثمّ إنّ أمّه

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١١١.

٢ - مستدرك الحاكم، ص ١١٢.

٣ - نفس المصدر، ص ١٣٦.

٤ - نفس المصدر، ص ٤٦٥.

٥٢

فاطمة بنت أسد أنكرت شأنه واختلافه إلى رسول الله فقالت لأبي طالب: إنّي أرى ابنك قد صَبأ!

وكان النبيّ وخديجة وزيد يخرجون إلى شعاب مكّة فيصلّون مستخفين من الناس، فتبعهم أبو طالب حتى عثر عليهم وهو يصلّون، فقال: ما هذا يا ابن أخي؟! فقال دين الله الذي ارتضاه لنفسه وبعث به رُسله، ادعوك إليه. فقال: إنّي أكره أن أفارق دين آبائي! ولكن امض لما أردت، فلا يخلص إليك أحدٌ بما تكره، فقال: لعلي الزمه فإنّه لم يدعك إلاّ إلى خير.(١)

أقول: هذه روايات صحيحة مسلّمة لا ريب فيها، ومخالفها مكابر ومعاند للحقيقة، وقد يستفاد من هذه الروايات أمور، نشير إليها بالإجمال:

١ - أنه أوّل من آمن وصدّق به.

٢ - أنّه كان في حجر رسول الله (ص) حتى آمن.

٣ - أنّه كان يصلي مع رسول الله (ص) مستخفياً.

٤ - أنّ زيدا أسلًم بعده، ثمّ أبو بكر.

٥ - انّه أسلم بعد يوم من بعثة الرسول (ص).

٦ - أنّ صلواته مع رسول الله (ص) وخديجة قد وقعت مدّة، ولم يكن يومئذٍ غيرهما مصلّياً ومؤمناً.

٧ - أنّه الصدّيق الأكبر لأنّه أوّل من صدّق.

٨ - له أربع خصال ليست لأحد غيره.

٩ - أنّه أوّل من يَرِد الحوض.

١٠ - أنّ الله تعالى ألقى في قلبه الإسلام.

١١ - أنّه أكثرهم علماً وأعظمهم حلماً.

( إنّ علياً من رسول الله (ص) )

مستدرك الحاكم: عن جابر قال: سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي: يا عليّ!

____________________

١ - البدء والتاريخ، ج ٥، ص ٧٢.

٥٣

الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة، ثمّ قرأ رسول الله (ص):( وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ ) .(١)

أقول: ليس المراد من الشجر الأصل المادي، فإن تمام قريش من شجرة واحدة وتمام بني هاشم من أصل واحد، ولا اختصاص لهما بأصل معيّن مادّي، بل المراد الأصل الرّوحاني، بمعنى كونهما من نورٍ واحد. وهذا نهاية المقامات وكمال المراتب، فإنّه لا يتصوّر مقام أعلى من أن يتكوّن ويُخلق شخص من النور والأصل الذي خلق منه رسول الله (ص) وأن يشتركا في أصل الشجرة المعنوية.

مسند أحمد: عن يحيى السلولي - وكان قد شهد يوم حجّة الوداع - قال: قال رسول الله (ص): ( عليّ منّي وأنا منه ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ )، وقال ابن أبي بكير: لا يقضي عنّي دَيني إلا أنا أو عليّ (رضي الله عنه).(٢)

ويروي: عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله (ص) سرية وأمّر عليهم عليّ بن أبي طالب (رض)، فأحدث شيئاً في سفرة فتعاهد أربعة من أصحاب محمد (ص) أن يذكروا أمره لرسول الله (ص)، قال عمران وكنّا إذا قَدِمنا من سفر بدأنا برسول الله (ص) فسلّمنا عليه، فدخلوا عليه فقام رجل منهم، فقال: يا رسول الله، إنّ علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثمّ قام فأقبل رسول الله (ص) على الرابع وقد تغير وجهه، فقال: دعوا علياً! دعوا علياً ؛ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.(٣)

أخبار أصبهان: عن حُبشي السلولي، قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: عليّ منّي وأنا منه ولا يُبلّغ عنّي إلاّ أنا أو عليّ. قالها في حجة الوداع(٤) .

البخاري: قال النبيّ (ص) لعليّ: أنت منّي وأنا منك.(٥)

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٢، ص ٢٤١.

٢ - مسند أحمد، ج ٤، ص ١٦٤.

٣ - نفس المصدر، ص ٤٣٨.

٤ - أخبار أصبهان، ج١، ص ٣٥٣.

٥ - البخاري، ج ٢، ص ٧٠ و ١٨٤ و ج ٣، ص ٣٦.

٥٤

ابن ماجة: عن رسول الله (ص) يقول: عليّ منّي وأنا منه ولا يؤدّي عنّي إلاّ عليّ.(١)

سنن الترمذي: بعث رسول الله (ص) جيشاً واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه فأقبل رسول الله (ص) والغضب يُعرف في وجهه، فقال: ما تريدون من عليّ؟! ما تريدون من عليّ؟! ما تريدون من عليّ؟! إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي.(٢)

ويروي أيضاً: كما في ابن ماجة.(٣)

خصائص النسائي: عن عمران عن النبي (ص) قال: إنّ علياً منّي وأنا منه ووليّ كلّ مؤمن من بعدي.(٤)

ويروي بإسناد آخر: روايات قريبة منها.

ويروي: أيضاً قريباً ممّا في ابن ماجة.(٥)

ويروي أيضاً: عن زيد: قال رسول الله (ص): أمّا أنت يا عليّ فختني وأبو ولدي أنت منّي وأنا منك.(٦)

أقول: يستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - أنّ رسول الله (ص) وعلياً من شجرة واحدة.

٢ - أنّ رسول الله (ص) منه وهو من رسول الله (ص).

٣ - لا يؤدّي عن جانب رسول الله (ص) حقّاً أو حكماً أو عهداً، إثباتا أو نفياً، إلاّ عليّ (ع) فهو كنفسه.

٤ - أنّه وليّ المؤمنين بعد ارتحال رسول الله (ص).

فهذه كلّها تدلّ على كمال الاختصاص بينهما، وهذا المقام لم يتحقق لأحد سوى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع).

____________________

١ - ابن ماجة، ج ١، ص ٥٧.

٢ - سنن الترمذي، ص ٥٣٣.

٣ - نفس المصدر، ص ٥٣٤.

٤ - خصائص النسائي، ص ١٣.

٥ - نفس المصدر، ص ١٤.

٦ - نفس المصدر، ص ٢٥.

٥٥

فهو كنفس رسول الله (ص) كما استفيد هذا من آية المباهلة، حيث جعل علياً (ع) مصداقا لكلمة أنفسنا.

( أنّه أخو رسول الله (ص) )

الأخوّة مرتبة ثانوية من الاختصاص، وتكشف عن كمال الاتّفاق والاتّحاد الباطني والتوافق في العقيدة والأخلاق والعمل، حتى لا يوجد تخالف بينهما.

الاستيعاب: لما احتضر عمر جعلها شورى بين عليّ، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، فقال لهم: أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه غيري؟! قالوا اللّهم لا.(١)

ويروي أيضاً: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص) لعليّ: أنت أخي وصاحبي.

ابن ماجة: بإسناده عن عليّ قال: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب، صلّيت قبل الناس لسبع سنين.(٢)

السيرة النبوية: وآخى رسول الله (ص) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: تآخوا في الله أخوين، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: هذا أخي، فكان أخا لرسول الله (ص) سيّد المرسلين.(٣)

سنن الترمذي: عن ابن عمر قال: آخى رسول الله (ص) بين أصحابه فجاء عليّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله (ص): أنت أخي في الدنيا والآخرة.(٤)

ويروي أيضاً: ما أعرف أحداً من هذه الأمّة عَبَدَ الله بعد نبيّنا غيري، عبدت الله

____________________

١ - الاستيعاب، ج ٣، ص ١٠٩٨.

٢ - ابن ماجة، ج ١، ص ٥٧.

٣ - السيرة النبوية، ج ٢، ص ١٥٠.

٤ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٥٦

قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأمة تسع سنين.(١)

الطبقات: بإسناده: أنّ النبيّ (ص) حين آخى بين أصحابه وضع يده على منكب عليّ ثمّ قال: أنت أخي ترثني وأرثك.(٢)

الطبقات: فجاء رسول الله (ص) وقف بالباب وسلّم، فاستأذن فأذن له، فقال: أثمّ أخي؟ فقالت أم أيمن: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله مَن أخوك؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قالت: وكيف يكون أخاك وقد زوّجته ابنتك؟ قال: هو ذاك يا أمّ أيمن.(٣)

مستدرك الحاكم: عن ابن عمر قال: لمّا ورد رسول الله (ص) المدينة آخى - كما في الترمذي.(٤)

ويروي: أيضاً عنه قال: إنّ رسول الله (ص) آخى بين أصحابه، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف، فقال عليّ: يا رسول الله، إنّك قد آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال رسول الله (ص): أَمَا ترضى - يا عليّ - أن أكون أخاك؟! قال ابن عمر: وكان عليّ (رض) جَلِداً شجاعاً. فقال عليّ: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله (ص): أنت أخي في الدنيا والآخرة.

أقول: يستفاد من هذه الروايات أمور:

١ - قد آخى رسول الله (ص) بينه وبين عليّ (ع).

٢ - أنّه الصدّيق الأكبر لا يدّعيه أحد إلاّ وهو كاذب.

٣ - أنّه أخو رسول الله (ص) في الدنيا والآخرة.

٤ - أنّه آمن قبل الدعوة العامة، وإيمان العموم بسبع سنين أو تسع سنين لا ينافى إيمان بعضٌ قبلها.

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٣.

٢ - الطبقات، ج ٨، ص ٢٢.

٣ - نفس المصدر، ج ٨، ص ٢٤.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٤.

٥٧

٥ - أنّه أخو رسول الله (ص) وصاحبه.

(علي (ع) وكسر الأصنام)

ومن الأعمال التي تدلّ على الاختصاص الشديد بين رسول الله (ص) وبين ابن عمّه (ع) انطلاقه به إلى جنب الكعبة لكسر الأصنام، وحمله على منكبه، حتى يكسر آلهتهم بيده ويدقّ أصنامهم.

مستمسك الحاكم: عن عليّ بن أبي طالب (رض) قال: انطلق بي رسول الله (ص) حتى أتى بي الكعبة، فقال لي: اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله (ص) بمنكبي ثمّ قال لي: انهض، فنهضت فلمّا رأى ضعفي تحته قال لي اجلس فنزلت وجلست، ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي، فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول الله (ص) فقال لي: صنمهم الأكبر صنم قريش، وكان من نحاس، موتّداً بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال لي رسول الله (ص): عالجه! ورسول الله يقول لي: أيه أيه جاء الحقّ وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه، فقال: اقذفه. فقذفته فتكسّر، وتردّيت من فوق الكعبة، فانطلقت أنا والنبيّ (ص) نسعى وخشينا أن يرانا أحدٌ من قريش وغيرهم.قال عليّ: فما صعد به حتى الساعة.(١)

ويروي ما يقرب منها. وفيها: ثمّ نهض بي رسول الله (ص) وخيّل إليّ أنّي لو شئت نلت السماء، وصعدت إلى الكعبة فقال: دقّه فدققته فكسرته، ونزلت.(٢)

مسند أحمد: يروي ما يقرب منها.(٣)

خصائص النسائي: قال علي رضي الله عنه: انطلقت مع رسول الله (ص) حتى أتينا الكعبة، فصعد رسول الله (ص) على منكبي فنهضت به. فلمّا رأى

____________________

١ - مستمسك الحاكم، ج ٢، ص ٣٦٦.

٢ - نفس المصدر، ج ٣، ص ٥.

٣ - مسند أحمد، ج ١، ص ٨٤.

٥٨

رسول الله (ص) ضعفي قال لي: اجلس، فجلست. فنزل النبيّ (ص) وجلس لي وقال لي: اصعد على منكبيّ فصعدت على منكبيه فنهض بي فقذفت به فكسرته كما تُكسر القوارير، ثمّ نزلت فانطلقت أنا ورسول الله (ص).(١)

أقول: هذا يدلّ على كمال الصميمية ونهاية المودّة والاختصاص وشدّة المساواة بينهما.

(ما يدلّ على شدّة الاختصاص)

وممّا يدلّ على شدّة الاختصاص وكما الاتّفاق وتمام المحبّة بين رسول الله (ص) وبين عليّ بن أبي طالب: دعاؤه (ص) له بما يدعو لنفسه، وأذنه (ص) لدخوله عليه في أي وقت، وجواب عن سؤاله إذا سأل، وابتداؤه إذا سكت، ودعاؤه لبرئه من مرضه.

مسند أحمد: عن النعمان، استأذن أبو بكر على رسول الله (ص) فسمع صوت عايشة عالياً وهي تقول: والله لقد عرفت أنّ علياً أحبّ إليك من أبي ومنّي مرّتين أو ثلاثا، فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها، فقال يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله (ص).(٢)

خصائص النسائي: عن عليّ (رضي الله عنه)، قال: مرضتُ فعادني رسول الله (ص)، فدخل عليّ وأنا مضطجع فاتكأ إلى جنبي ثمّ سجّاني بثوبه، فلما رآني قد برئت قام إلى المسجد يصلّي، فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب، وقال: قم يا علي فقمت وقد برئت كأنّما لم أشْكُ شيئاً قبل ذلك، فقال: ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك.(٣)

ويروي أيضاً: عنه (رضي الله عنه) قال: وجعت وجعاً فأتيت، فأقامني في

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢٢.

٢ - مسند أحمد، ج ٤، ص ٢٧٥.

٣ - خصائص النسائي، ص ٢٧.

٥٩

مكانه وقام يصلّي وألقى عليّ طرف ثوبه، ثمّ قال: قم يا علي! قد برئت لا بأس عليك، وما دعوت لنفسي بشيءٍ إلاّ دعوت لك بمثله، وما دعوت بشيء إلاّ استجيب لي، إلاّ أنّه قيل لي لا نبيَّ بعدي.

أقول: يدلّ هذا الحديث على أنّ النبيّ (ص) قد دعا لعليّ وسأل الله تعالى له أعلى المقامات وارفع المراتب، كما دعا لنفسه وقد استجيبت دعوته كلّها ما خلا النبوّة، وما سأل لنفسه بشيء إلا سأل له بمثله.

خصائص النسائي: قال عليّ (رضي الله عنه): كان لي من النبيّ (ص) مدخلان ؛ مدخل بالليل ومدخل بالنهار، إذا دخلت بالليل تنحنح لي.(١)

ويروي أيضاً: قال عليّ: كنت أدخل على نبيّ الله (ص) كلّ ليلة، فإن كان يصلّي سبّح فدخلت، وان لم يكن يصلّي أَذِن لي فدخلت.

ويروي أيضاً: قال علي: كان لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله (ص)، فإن كان في صلاته سبّح، وإن لم يكن في صلاته أذن لي.

أقول: يظهر من هذه الأحاديث كمال اختصاصه بالنبيّ (ص) وشدّة المحبّة والصميمية بينهما. ويدلّ عليه ما يروي الحاكم في المستدرك عن أم سلمة: أنّ النبي (ص) كان إذا غضب لم يجترئ أحد منّا يكلّمه غير عليّ بن أبي طالب (رض).(٢)

تهذيب ابن عساكر: عن قيس قال: سُئل عليّ عن نفسه؟ قال: كنت إذا سكتُّ أُُبتديت وإذا سألت أُعطيت، فإنّ بين دفتيّ علماً جمّا.(٣)

سنن الترمذي والمستدرك للحاكم: قال عليّ: كنت إذا سألت رسول الله (ص) أعطاني وإذا سكتّ ابتدأني(٤) .

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢١.

٢ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٣٠.

٣ - تهذيب ابن عساكر، ج ٤، ص ٩٧.

٤ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤، والمستدرك للحاكم، ج ٣، ص ١٢٥.

٦٠