الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام0%

الحقائق في تاريخ الاسلام مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 495

الحقائق في تاريخ الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة المصطفوي
تصنيف: الصفحات: 495
المشاهدات: 174571
تحميل: 5517

توضيحات:

الحقائق في تاريخ الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 495 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174571 / تحميل: 5517
الحجم الحجم الحجم
الحقائق في تاريخ الاسلام

الحقائق في تاريخ الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أقول: هذه الرواية تدلّ على غاية حبّه (ص) لعليّ وكمال علاقته به، والسؤال والإعطاء والسكوت والابتداء تشمل جميع الموارد من المال والعلم والحكمة وحوائج أخرى.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

خصائص النسائي: كما في الترمذي.(١)

الطبقات: قيل لعلي: مالك أكثر أصحاب رسول الله (ص) حديثاً؟ فقال إنّي كنت إذا سألتُه أنبأني، وإذا سكتُ ابتدأني.(٢)

أقول: يريد أنّ النبيَّ (ص) له توجّه مخصوص وتعمّد في تعليمي والمذاكرة معي قبل أن يكون سؤال من جانبي.

* * *

( مبيته على فراش رسول الله (ص) )

هذا أوّل مقام المبارزة في تاريخ الإسلام، وفي هذه المبارزة كان عليّ (ع) وحيداً، وقد ثبت واستقام وشرى نفسه في نجاة رسول الله (ص) وسلامته، وفي نجاته رضوان الله تعالى، وهذا أوّل القدم وآخر القدم.

إمتاع الأسماع: فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول الله (ص) يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه. فلما رآهم (ص) أمر علي بن أبي طالب (رض) أن ينام على فراشه ويتّشح ببرده الحضرمي الأخضر وأن يؤدّي عنه ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك، فقام عليّ مقامه وغُطيَ ببرد أخضر، فكان أوّل من شرى نفسه، وفيه نزلت( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ) . (٣)

مستدرك الحاكم: عن ابن عباس قال: شرى عليّ نفسه ولبس ثوب النبيّ (ص) ثمّ نام مكانه، وكان المشركون يرمون رسول الله (ص) وقد كان رسول الله (ص) ألبسه برده وكانت قريش تريد أن تقتل النبيّ (ص)، فجعلوا

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢١.

٢ - الطبقات، ج ٢، ص ٣٣٨.

٣ - إمتاع الأسماع،

٦١

يرمون علياً ويرمونه النبيّ (ص) وقد لبس برده، وجعل علي (رض) يتضوّر، فإذا هو عليّ، فقالوا: إنّك للئيم إنك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ولقد استنكرناه منك.(١)

ويروي أيضاً: عن عليّ بن الحسين قال: إنّ أوّل من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله عليّ بن أبي طالب، وقال عليّ عند مبيته على فراش رسول الله (ص):

وَقَيتُ بِنَفسي خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى

وَمَن طافَ بِالبَيتِ العَتيقِ وَبِالحَجَر

رسول إله خافَ أَن يَمكُروا بِهِ

فنجّاه ذوا الطول الإله مِنَ المَكرِ

وَباتَ رَسولُ اللَهِ في الغارِ آمِناً

موقّى وَفي حِفظِ الإِلَهِ وَفي سِترِ

وَبِتُّ أُراعيهِم ولم يُتهمونني

وَقَد وَطَّنتُ نَفسي عَلى القَتلِ وَالأَسرِ

أقول التضوّر بمعنى التلوّي والانعطاف. والاتّشاح: اللبس بالثوب.

مسند أحمد: عن ابن عبّاس: تشاورت قريش ليلة بمكّة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأَطلع الله عزّ وجلّ نبيّه على ذلك، فبات عليّ على فراش رسول الله (ص) تلك الليلة وخرج النبيّ (ص) حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبيّ. فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فاقتصَّوا أثره.(٢)

السيرة النبوية: أمّا عليّ فإنّ رسول الله (ص) فيما بلغني أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلّف بعده بمكّة حتى يؤدّي عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله (ص) ليس بمكّة أحد عنده شيء يخشى عليه إلاّ وضعه عنده لما يعلم من صِدقِه وأمانته (ص).(٣)

أقول: يكشف هذا عن شدّة اعتماد رسول الله (ص) عليه، وكمال اطمينانه

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ٤.

٢ - مسند أحمد، ج ١، ص ٣٨٤.

٣ - السيرة النبوية، ج ٢، ص ١٢٩.

٦٢

إلى أمانته، ونهاية وثوقه بقوله وعمله، حيث اعتمد عليه في ثلاث موضوعات مهمّة:

- اعتمد عليه في إخفاء سرّه من الهجرة.

- اعتمد عليه في المبيت على فراشه.

- اعتمد عليه في توديع أماناته المخصوصة المهمّة.

وكلّ واحد منها مساوٍ حياة رسول الله (ص).

( أمر رسول الله (ص) بحبّه )

كان رسول الله (ص) يحبّ علياً حبّا شديداً، بحيث كان يأمر الناس بحبّه، ويقول: إن الله أمرني بحبّه. ومَن أحبّه فقد أحبّني. ومن يريد أن يحيى محياي فليتولَّ علياً. ولا يحبّ عليا منافق.

تهذيب ابن عساكر: عن ابن عبّاس، قال رسول الله (ص): حبّ عليّ يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب.(١)

العقد الفريد: عن عايشة، قالت: ما رأيت رجلاً أحبّ إلى الله (ص) من عليّ ولا رأيت امرأة كانت أحبّ إليه من امرأته.(٢)

ابن ماجة قال عليّ: عهد إلي النبيّ الأميّ (ص) أنّه لا يحبّني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق.(٣)

مسند أحمد: ما يقرب عنها.(٤)

سنن الترمذي: عن أبي سعيد الخدري قال: إنّ كنا لنعرف المنافقين - نحن معشر الأنصار - ببغضهم عليّ بن أبي طالب.(٥)

____________________

١ - تهذيب ابن عساكر، ج٤، ص ١٥٩.

٢ - العقد الفريد، ج٤، ص ٣١٢.

٣ - ابن ماجة، ج١، ص ٥٥.

٤ - مسند أحمد، ج١، ص ٨٤.

٥ - سنن الترمذي، ص ٥٣٢.

٦٣

ويروي أيضاً: عن أمّ سلمة، قالت: كان رسول الله (ص) يقول لا يحبّ علياً منافقٌ ولا يبغضه مؤمنٌ.

خصائص النسائي: يروي روايات قريبة من ابن ماجة.(١)

المحاسن للبيهقي: عن أمّ سلمة، قال رسول الله (ص): لا يحبّ علياً منافق ولا يبغض علياً مؤمن.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أبي ذرّ قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ بتكذيبهم الله ورسوله والتخلّف عن الصلوات والبغض لعليّ بن أبي طالب (رض).(٣)

أقول: لمّا كان عليّ (ع) مظهر الحقّ والدين، مظهر كلمات الله التامّات، مظهر صفات الله وأسمائه، مظهر صفات خاتم النبييّن ولا يزال، كان مع الحقّ والحقّ معه، وكان مع القرآن والقرآن معه: فلا ريب أنّ المنافقين يخالفونه ويبغضونه. فإنّه حقّ صريح وصدق خالص، لا يوافقه إلا مؤمن.

في الاستيعاب: وروى طائفة من الصحابة أنّ رسول الله (ص) قال لعليّ (رض): لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق. وكان عليّ (رض) يقول: والله إنّه لعهد النبيّ الأمّيّ إنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق.(٤)

ويروي: عن جابر، قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب (رض)(٥)

مستدرك الحاكم: عن النهدي، قال: قال رجل لسلمان: ما أشدّ حبّك لعليّ؟ قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: من أحب عليا فقد أحبّني ومن أبغض عليا فقد أبغضني.(٦)

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ١٩.

٢ - المحاسن للبيهقي، ص ٤١.

٣ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٢٩.

٤ - الاستيعاب، ج٣، ص ١١١٠.

٥ - نفس المصدر، ص ١١١٠.

٦ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٣٠.

٦٤

ويروي: عن بريدة قال، قال رسول الله (ص): إنّ الله أمرني بحبّ أربعة من أصحابي وأخبرني أنّه يحبّهم، قال: قلنا: مَن هم يا رسول الله؟ وكنّا نحبّ أن نكون منهم، فقال: ألا أنّ علياً منهم، ثمّ سكت، ثمّ قال: أَما أنّ علياً منهم ثمّ سكت!

أقوّل: يفسّر هذه الرواية ما في الكنى للبخاري وسنن الترمذي ؛ وفيه: أنّ علياً منهم وسلمان الفارسي وأبا ذرٍ والمقداد بن الأسود الكندي.(١)

تهذيب ابن عساكر: عن أنس قال: والله الذي لا اله إلاّ هو لسمعت رسول الله (ص) يقول: عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ بن أبي طالب.(٢)

ويروي في منتخب كنز العمّال: عن ابن عبّاس ما ثبّت الله حبّ علي في قلب مؤمن فزلت به قدم إلاّ ثبّت الله قدميه يوم القيامة على الصراط.(٣)

مستدرك الحاكم: عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): من يريد أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي فليتولّ عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(٤)

الكنى للبخاري: عن أمّ عطية، أنّ النبيّ (ص) بعث علياً في سرية، فسمعته يقول: لا تمتني حتى تُريني علياً.(٥)

سنن الترمذي: مثلها، وفيها: فسمعت رسول الله (ص) وهو رافع يديه يقول: اللّهم الرواية.(٦)

أقول: ويستفاد من هذه الأحاديث أمور:

١ - قول رسول الله (ص): من أحبّ علياً فقد أحبّني.

٢ - قوله (ص): من أبغض علياً فقد أبغضني.

____________________

١ - الكُنى للبخاري، ص ٣١ وسنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٢ - تهذيب ابن عساكر، ج١، ص ٤٥٤.

٣ - منتخب كنز العمّال، ج ٥، ص ٣٤.

٤ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٨.

٥ - الكُنى للبخاري، ص ٢٠.

٦ - سنن الترمذي، ص ٥٣٦.

٦٥

٣ - قوله (ص): إنّ الله أمره بحبّه.

٤ - قوله (ص): لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق.

٥ - قوله (ص): مَن أراد أن يحيى حياتي ويموت موتي فليتولّ علي بن أبي طالب (ع).

٦ - قوله (ص): لن يُخرجكم من هدى ولن يُدخلكم في ضلالة.

٧ - قوله (ص): لا تُمِتني حتى تُريني علياً.

وهذا يدل على نهاية محبّة رسول الله (ص) وعلاقته به.

(حديث الطير)

سنن الترمذي: عن انس قال: كان عند النبيّ (ص) طير، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء عليّ فأكل معه.(١)

خصائص النسائي: مثلها، وفيها: فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء علي، فأذن له.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أنس قال: كنت أخدم رسول الله (ص) فقدّم لرسول الله (ص) فرخ مشويّ، فقال: اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. قال، فقلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار. فجاء عليّ (رض) فقلت: إنّ رسول الله (ص) على حاجة. ثمّ جاء، فقلت: إنّ رسول الله (ص) على حاجة. ثمّ جاء فقال رسول الله (ص): افتح، فدخل، فقال رسول الله (ص): ما حبسك عليّ؟! فقال: إنّ هذه آخر ثلاث كرّات يردّني أنس يزعم أنّك على حاجة. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلاً من قومي، فقال رسول الله (ص): إنّ الرجل قد يُحبّ قومه.(٣)

____________________

١ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٢ - خصائص النسائي، ص ٤.

٣ - مستدر الحاكم، ج٣، ص ١٣٠.

٦٦

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً.

ثمّ يروي عن ثابت: أنّ أنس بن مالك كان شاكياً، فأتاه محمّد بن الحجاج يعوده في أصحاب له، فجرى الحديث حتى ذكروا علياً (رض) فتنقَّصه محمّد بن الحجاج، فقال أنس: مَن هذا؟ أقعدوني! فأقعدوه فقال: يا ابن الحجّاج ألا أراك تنقص عليّ بن أبي طالب، والذي بعث محمّداً (ص) بالحقّ، لقد كنت خادم رسول الله (ص) بين يديه، وكان كلّ يوم يخدم بين يدي رسول الله (ص) غلام من أبناء الأنصار، فكان ذلك اليوم يومي فجاءت أمّ أيمن مولاة رسول الله (ص) بطير فوضعته بين يدي رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): يا أمّ أيمن ما هذا الطائر؟ قالت: هذا الطائر أصبته فصنعته لك، فقال رسول الله (ص): اللّهم جئني بأحبّ خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر. وضُرب الباب، فقال رسول الله (ص): يا أنس انظر مَن على الباب. قلت: اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار، فذهبت فإذا عليّ بالباب الحديث(١)

يستفاد من هذه الحديث أمور:

١ - أنّه أحبّ الناس عند الله وعند رسوله (ص).

٢ - ردّ أبي بكر وعمر، والإذن له (ع).

٣ - شدّة محبّة رسول الله (ص) له بحيث لم يهنأ له الطير حتى دعا أن يحضر عنده.

* * *

( ردّ الشكوى عن عليّ (ع) )

إنّ بعض الصحابة لما رأوا شدّة محبّة النبيّ (ص) لعليّ (ع) كَبر ذلك عندهم، وكانوا يطلبون الفرصة لينالوا منه، وكان رسول الله (ص) يغضب من قولهم يردّ كلامهم بخطاب شديد.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ص ١٣١.

٦٧

مسند أحمد: عن بريدة قال: بَعَثنا رسول الله (ص) في سريّة، فلما قَدِمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فأمّا شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فإذا النبيّ (ص) قد احمرّ وجهه وهو يقول: من كنت وليّه فعليّ وليه.(١)

ويروي: عن بريدة، أنّه مرّ على مجلس وهم ينالون من عليّ فوقف عليهم فقال: إنّه قد كان في نفسي على عليّ شيء وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله (ص) في سرية عليها عليّ، وأصبنا سبياً، فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه، فلمّا قدمناه الرواية(٢)

سنن الترمذي، عن البراء: بعث النبيّ (ص) جيشين وأمّر على أحدهما عليّ بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، وقال: إذا كان القتال فعليّ، قال: فافتتح عليّ حصنا فأخذ منه جارية، فكتب معي خالد كتاباً إلى النبيّ (ص) يشي به، قال: فقدمت على النبيّ (ص) فقرأ الكتاب فتغيّر لونه، ثمّ قال: ما ترى في رجل يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله؟ قال: قلت أعوذ بالله غضب الله ومن غضب رسوله، وإنّما أنا رسول، فسكت.(٣)

خصائص النسائي: عن عمران قال: جهّز رسول الله (ص) جيشاً واستعمل عليه عليّ بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (ص) إذا بُعثنا إلى رسول الله (ص) أخبرناه ما صنع، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله (ص) فسلّموا عليه، فانصرفوا إلى رحالهم، فلمّا قدمت السرية فسلّموا على النبيّ (ص) فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم ترَ أنّ علي بن أبي طال صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله (ص)، ثمّ قام الثاني فأقبل إليهم رسول الله (ص) - والغضب يُبصر في وجهه - فقال: ما تريدون من عليّ؟! إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٣٥٠.

٢ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٣٥٨.

٣ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٦٨

بعدي.(١)

ويروي أيضاً عن بريدة، قال: بعثنا رسول الله (ص) إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث علياً رضي الله عنه على جيش آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ (كرّم الله وجهه) على الناس، وإن تفرّقتما فكلّ واحد منكما على جُنده. فلقينا بني زبيد من أهل اليمن وظفر المسلمون على المشركين فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فأصطفى عليّ جارية لنفسه من السبي، وكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ (ص) وأمرني أن أنال منه، قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من عليّ رضي الله عنه، فتغيّر وجه رسول الله (ص) وقال: لا تُبغضنَّ - يا بريدة - ليَ علياً ؛ فإنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.(٢)

وفي مسند أحمد قريباً منها.(٣)

مسند أحمد وخصائص النسائي: عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا يا ابن عبّاس إمّا أن تقوم معنا وإمّا إن تخلّونا هؤلاء؟ قال: فقال ابن عبّاس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يَعمى، قال: فابتدأوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء وهو ينفض ثوبه وهو يقول: أفٍ وتفٍّ! وقعوا في رجل له عشر: وقعوا في رجل قال له رسول الله (ص): لأبعثنّ رجلاً يحبّ الله ورسوله لا يخزيه الله أبداً، قال: فاستشرف لها من استشرف، فقال: أين ابن أبي طالب؟ قيل: هو في الرحى يطحن، قال: ما كان أحدكم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يُبصر فتفل في عينيه ثمّ هزّ الراية ثلاثاً فدفعها إليه، فجاء بصفية بنت حيي. وبعث أبا بكر بسورة التوبة، وبعث علياً خلفه فأخذها منه، فقال: لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه. قال: وقال لبني عمّه: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة، قال: وعليّ معه جالس، فقال عليّ: أنا أُواليك في الدنيا والآخرة. قال: وكان أوّل من أسلم

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ١٦.

٢ - نفس المصدر، ص ١٧.

٣ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٣٥٦.

٦٩

من الناس بعد خديجة. قال: وأخذ رسول الله (ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) . وشرى عليّ نفسه، لبس ثوب النبي (ص) ثمّ نام مكانه، قال: وكان المشركون يَرمون رسول الله (ص) فجاء أبو بكر وعليّ نائم، قال: وأبو بكر يحسبه أنّه نبيّ الله، قال: فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله (ص) قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه، قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال وجعل عليّ يرمي بالحجار كما كان يرمي نبيّ الله وهو يتضوّر، قال: لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثمّ كشف عن رأسه، فقالوا: إنّك لَلئيم ؛ كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك.

قال: وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال له نبيّ الله: لا. فبكى عليّ، فقال له: أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّك لست بنبيّ، إنّه لا ينبغي أن اذهب إلاّ وأنت خليفتي، قال، وقال له رسول الله (ص): أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي. قال، وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ، قال، فقال: فيدخل المسجد جُنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره. قال، وقال: من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ.

قال: وأخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن قد رضيَ عنهم، عن أصحاب الشجرة، فعلم ما في قلوبهم، هل حُدثنا أنّه سخط عليهم بعد؟ قال، وقال نبيّ الله (ص) لعمر حين قال: ائذن لي فلأضرب عنقه! قال: أو كنت فاعلاً، وما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم.(١)

أقول: يستكشف من هذه الرواية مقامات ثابتة لعليّ (ع):

١ - أنّه يحبّ الله ورسوله ولا يخزيه أبداً.

٢ - أنّه من رسول الله (ص) وهو منه.

٣ - أنّه موالي رسول الله في الدنيا والآخرة.

____________________

١ - مسند أحمد، ج ١، ص ٣٣٠، وخصائص النسائي، ص ٦.

٧٠

٤ - أنّه أوّل مَن أسلم من الناس بعد خديجة.

٥ - أنّه ممّن أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

٦ - أنّه شرى نفسه من رسول الله (ص) ونام مكانه.

٧ - أنّه بمنزلة هارون من موسى وخليفة رسول الله (ص) ووليّ كلّ مؤمن بعده.

٨ - وسدّ الأبواب إلاّ بابه.

٩ - أنّه مولى الناس كمّا كان الرسول (ص) مولاه.

١٠ - قد رضي الله عنه وهو من أصحاب الشجرة.

مستدرك الحاكم: عن عمرو بن ميمون، قال: إنّي لجالس عند ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل الحديث. وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(١)

سنن الترمذي: عن جابر، قال: دعا رسول الله (ص) علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمّه، فقال رسول الله (ص): ما انتجيته ولكنّ الله انتجاه.(٢)

رجال أصبهان: ما يقرب منها.(٣)

مسند أحمد: عن عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيُسبّ رسول الله (ص) فيكم؟ قلت: معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سبّ علياً فقد سبّني.(٤)

أقول: في الأجوبة عن الشكايات هداية إلى مقامه الروحاني وارتباطه الإلهي وولايته التامّة، بحيث يكون حبّه حبّا لله ولرسوله، وبغضه بغضاً لله ولرسوله، وطاعته طاعتهما، وسبّه سبّهما، وإيذاؤه إيذاؤهما، ويشير إلى هذا المقام جملة: مَن

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٣٢.

٢ - سنن الترمذي، ص ٥٣٥.

٣ - رجال أصبهان، ج١، ص ١٤١.

٤ - مسند أحمد، ج٦، ص ٣٢٣.

٧١

كنت مولاه فعلي مولاه.

و: مَن آذى عليا فقد آذاني ومن سبّه فقد سبّني.

و:إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ.

و:وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ.

و:إنّه بمنزلة هارون.

و: إنّه لأخشن في ذات الله.

و: إنّ الله انتجاه.

مسند احمد وخصائص النسائي: عن بُريدة قال: خرجت مع عليّ (رضي الله عنه) إلى اليمن فرأيت منه جَفوة، فقدّمت على النبيّ (ص) فذكرت علياً، فتنقّصته. فجعل رسول الله (ص) يتغيّر وجهه، فقال: يا بُريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قلت بلى يا رسول الله، قال: مَن كنتُ مولاه فعلي مولاه.(١) ويروي روايات أُخر بهذا المضمون.

معجم الشعراء للمرزباني: ومن أصحاب النبيّ (ص) عمرو بن شأس الأسلمي، وهو الذي روى عن النبيّ (ص) أنّه قال: يا عمرو بن شأس قد آذيتني. قال، قلت: أعوذ بالله أن أوذيك، قال: إنّه من آذى علياً فقد آذاني.(٢)

المحاسن للبيهقي: عن مصعب عن أبيه سمعت النبيّ (ص) يقول: ما لكم ولعلي، من آذى عليا فقد آذاني.(٣)

البيان والتعريف: من آذى علياً فقد آذاني. أخرجه الإمام أحمد في التاريخ، والحاكم في فضائل الصحابة. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.(٤)

مستدرك الحاكم: جاء رجل من أهل الشام فسبّ علياً عند ابن عبّاس، فحصبه ابن عبّاس فقال: يا عدو الله آذيت رسول الله (ص)، ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) ، لو كان رسول الله (ص) حياً لآذيته. (٥)

ويُروى أيضاً كما في مسند أحمد: عن عمرو الأسلمي قال: خرجنا مع عليّ إلى

____________________

١ - مسند أحمد، ج ٥، ص ٣٤٧. وخصائص النسائي، ص ١٦.

٢ - معجم الشعراء للمرزباني، ص ٢٣.

٣ - المحاسن للبيهقي، ص ٤١.

٤ - البيان والتعريف، ج٢، ص ٢٠٣.

٥ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٢١.

٧٢

اليمن فجفاني في سفره ذلك، فلما قدّمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله (ص)، قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله في ناس من أصحابه، فلما رآني حدّد إليّ النظر حتى إذا جلست قال: يا عمرو أمّا والله كما في المعجم. (١)

مسند أحمد والسيرة النبوية: اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه فقام رسول الله (ص) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيّها الناس لا تشكوا علياً فوالله إنّه لأخشن في ذات الله - أو: في سبيل الله - من أن يُشكى.(٢)

وفي مستدرك الحاكم: يروي مثله، ثمّ يقول: هذا حديث صحيح الإسناد.(٣)

أقول: إنّ رسول الله (ص) ردّ شكاياتهم في هذه الأحاديث بكلمات:

١ - أنّه يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

٢ - أنّه: منّي وأنا منه.

٣ - أنّه: وليّ كلّ مؤمن بعدي.

٤ -أنّ الله انتجاه للنجوى.

٥ - مَن كنت مولاه فهو مولاه.

٦ - مَن آذى علياً فقد آذاني.

٧ - أنّه والله لأخشن في ذات الله من أن يُشكى.

هذه الشكايات والاعتراضات كانت جارية طول حياة رسول الله (ص)، وكان رسول الله (ص) يتأذّى ويغضب من كلماتهم وأعمالهم، ويدفع سوء نظرهم.

( الإيذاء والطعن فيه )

لمّا رأى المخالفون والمنافقون شدّة محبّة رسول الله (ص) له، وإدامة تذكرته

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص١٢٢. ومسند أحمد، ج٣، ص٤٨٣.

٢ - مسند أحمد، ج٣، ص ٨٦. والسيرة النبوية، ج٤، ص٢٥٠.

٣ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص١٣٤.

٧٣

وتوصيته فيه، وعدم توجّهه إلى اعتراضاتهم، بل ردّهم بكلمات مهيّجة لبغضهم وحسدهم: اشتدّ خلافهم، وكانوا ينتظرون الفرصة، إلى أن مرض رسول الله ثمّ ارتحل عنهم، فشرعوا في إعمال بغضائهم، وآذوا وطعنوا وسبّوا وفعلوا ما فعلوا.

عيون ابن قتيبة: تنقّص ابنٌ لعامر بن عبد الله بن الزبير عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال له أبوه: لا تتنقّصه يا بنيّ! فإنّ بني مروان ما زالوا يشتمونه ستين سنة فلم يزده الله رفعة، وإنّ الدين لم يَبنِ شيئاً فهدمته الدنيا، وإنّ الدنيا لم تبنِ شيئا إلاّ عادت ما بنت فهدمته. (١)

الكُنى للبخاري: قال سعد بن مالك: ذكر لي إنّكم تسبّون علياً، فلعلّك قد سببته، قلت: معاذ الله، قال: لا تسبّه، فلو وضع المنشار على مِفرقيَّ على أن أسبّ علياً ما سببته بعدما سمعت من رسول الله ما سمعت. (٢)

خصائص النسائي: عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على أمّ سلمة فقالت لي: أيُسبّ رسول الله (ص) فيكم؟! قلت: سبحان الله أو معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سبَّ عليا فقد سبّني. (٣)

المحاسن للبيهقي: عن الأصمعي: سمع عامر بن عبد الله بن الزبير ابنه ينال من عليّ رضي الله عنه، فقال: يا بنيّ إياك وذكر عليّ رضي الله عنه، فإنّ بني أمية تنقّصته ستّين عاماً فما زاده الله بذلك إلاّ رفعة. (٤)

البيان والتعريف: من سبَّ علياً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله. أخرجه الإمام أحمد والحاكم من حديث الجدلي عن أمّ سلمة. (٥)

أقول: لا يكون تأكيد ونهي أقوى من هذا التعبير، ولا يكون جهل ولا عناد

____________________

١ - عيون ابن قتيبة، ج ٢، ص ١٨.

٢ - الكُنى للبخاري، ص ١١.

٣ - خصائص النسائي، ص ١٧.

٤ - المحاسن للبيهقي، ص ٥٥.

٥ - البيان والتعريف، ج ٢، ص ٢١٨.

٧٤

ولا نفاق - بل ولا كفرٌ - أشدّ من سبّه، فإنّ سبّه ينتهي إلى سبّ الله، وسبّ الله أعلى درجة الكفر. والعجب ممّن يدّعي الإسلام وهو يسبّه بل ويأمر المسلمين بسبّه.

مسلم: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله (ص) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حُمر النِّعم، سمعت رسول الله (ص) يقول له: لما خلّفه في بعض مَغازيه فقال له: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص): أَمَا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينَ الراية رجلاً يحبّ الله، ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال فتطاولنا لها، فقال ادعوا لي علياً فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ) ، دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمةَ وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي.(١)

ابن ماجة: قَدِم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه، فغضب سعد، وقال: تقول هذا الرجل! سمعت رسول الله (ص) يقول: الحديث. (٢)

خصائص النسائي: قريباً من مسلم. (٣)

ويروي أيضاً: بهذا المضمون ملخّصاً، وفيها: وسمعته يقول: مَن كُنت مولاه فعليّ مولاه.(٤)

سنن الترمذي: كما في مسلم. (٥)

____________________

١ - مسلم، ص١٢٠، ج ٧.

٢ - ابن ماجة، ج١، ص ٥٨.

٣ - خصائص النسائي، ص ٣.

٤ - خصائص النسائي، ص ٤.

٥ - سنن الترمذي، ص ٥٣٤.

٧٥

أقول: يا للعجب من قلّة تدبّر بعض المسلمين وضعف تعقّلهم وشدّة جهلهم وتعصّبهم، حيث قالوا: إنّ سبّ الصحابة والوقل السيّئ فيهم بغيٌ وعنادٌ بل كفرٌ ونفاقٌ، مع أنّ معاوية وأتباعه قد طعنوا وسبّوا علياً، وهو من أفضل الصحابة، وهو بمنزلة هارون من موسى، ومولى المؤمنين، ومن أحبّه الله ورسوله، ومن أهل رسول الله، وأوّل المسلمين، وفي رأس المجاهدين.

وقد قال رسول الله (ص) في حقّه: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، قال: اللّهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه، وقال: لا يبغضه مؤمنٌ، وقال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

خصائص النسائي: ذكر عليّ بن أبي طالب، فقال سعد: والله لأن يكون لي واحدة من خِلال ثلاث أحبُّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ولأن يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له، أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. (١)

مستدرك الحاكم: عن عامر بن سعد يقول قال معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب؟ قال، فقال: لا أسبّ ما ذكرت ثلاثاً قال: لا أسبّه ما ذكرتً حين نزل عليه الوحي فأخذ علياً وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه، ثمّ قال: ربِّ إنّ هؤلاء أهل بيتي، ولا أسبّه ما ذكرت حين خلّفه في غزوة تبوك قال: فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة. (٢)

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. وقد اتفقا جميعا على إخراج حديث المؤاخاة وحديث الراية.

مستدرك الحاكم: عن أبي صادق قال، قال عليّ (رض): إنّكم ستُعرَضون على سبّي فسبُّوني، فإن عُرضت عليكم البراءة منّي فلا تبرؤوا منّي فإنّي على الإسلام. (٣)

____________________

١ - خصائص النسائي، ص ٢٣.

٢ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٠٨.

٣ - نفس المصدر، ج٢، ص ٣٥٨.

٧٦

ويروي: عن طاووس قال: كان حجر بن قيس المدري من المختصّين بخدمة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رض) فقال له عليّ يوماً: يا حجر، إنّك تقام بعدي فتؤمر بلعني فالعنّي ولا تبرأ منّي.

قال طاووس فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني أمية في الجامع ووكّل به ليلعن علياً أو يُقتل، فقال حجر: أما أنّ الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعنَ علياً فالعنوه لعنه الله. فقال طاووس فقد أعمى الله قلوبهم حتى لم يقف أحد منهم على ما قال.

أقول: أيّها المسلم الحرّ، انظر كيف قلّبوا حقائق الإسلام، وحرّفوا ما قال ووصّى به رسول الله (ص) بعد موته، وكيف جهلوا وضلّوا ضلالاً بعيداً، وقد استهوتهم الشياطين وغشيتهم الأهواء وعميت أبصارهم، واظهروا الكفر والنفاق، وعاندوا الله ورسوله وكتابه، وقد وصّى رسول الله (ص) أمّته الإسلامية وقال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، وقال (ص): لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق. وقال (ص): اللّهمّ والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نَصره واخذل مَن خذله.

المستدرك: عن الجدلي قال: دخلت على أمّ سلمة فقالت لي: أيُسبُّ رسول الله (ص) فيكم؟ فقلت: معاذ الله، فقالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: من سبّ علياً فقد سبّني. (١)

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ويروي أيضاً عنه قال: حججت وأنا غلام فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد، فاتبعتهم فدخلوا على أمّ سلمة زوج النبيّ (ص) فسمعتها تقول: يُسبّ رسول الله (ص) في ناديكم؟ فأجاب رجل: وأنّى ذلك؟ قالت: فعليّ بن أبي طالب، قال: إنّا لنقول أشياء نريد عَرَض الدنيا، قالت: فإنّي سمعت

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٢١.

٧٧

رسول الله (ص) يقول: مَن سبّ علياً فقد سبّني ومَن سبّني فقد سبّ الله تعالى.

ويروي: عن عليّ بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة، ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن: إنّ هذا معاوية بن حديج السابّ لعلي، فقال: عَلَيّ به. فأُتي به، فقال: أنت الساب لعليّ؟ فقال: ما فعلت. فقال: والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة، لتجده قائماً على حوض رسول الله (ص) يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصا من عوسج، حدّثنيه الصادق المصدوق (ص) وقد خاب من افترى. (١)

ويروي: عن قيس قال: كنت بالمدينة فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغتُ أحجار الزيت، فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابّة وهو يشتم عليّ بن أبي طالب والناس وقوف حواليه، إذ أقبل سعد بن أبي وقاص فوقف عليهم، فقال: ما هذا؟ فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب.فتقدّم سعد فأفرجوا له حتى وقف عليه، فقال: يا هذا على ما تشتم عليّ بن أبي طالب؟! ألم يكن أوّل من أسلم؟! ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول الله (ص)؟! ألم يكن أزهد الناس؟! ألم يكن اعلم الناس؟! وذكر حتى قال: ألم يكن ختن رسول الله (ص) على ابنته؟! ألم يكن صاحب راية رسول الله (ص) في غزواته؟! ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللّهمّ إنّ هذا يشتم ولياً من أوليائك فلا تفرّق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك! قال قيس: فوالله ما تفرّقنا حتى ساخت به دابّته فرمته على هامته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات.(٢)

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

أقول: يكفي في جواب المخالفين والقائلين قول السوء في عليّ بن أبي طالب (ع) ما قال رسول الله (ص): من سبَّ علياً فقد سبًني ومَن سبّني فقد سبّ الله. وهذا أدلّ دليلٍ وأوضح برهان على أنّ مَن نال في عليّ فقد نال في الله، ومن نال في الله فقد كفر. ولا حاجة لنا إلى كلمة أخرى.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٣٨.

٢ - نفس المصدر، ص ٤٩٩.

٧٨

( عليّ بمنزلة رسول الله (ص) )

قد رودت روايات كثيرة في أبواب مختلفة وموارد متعدّدة أنّ أمير المؤمنين علياً (ع) بمنزلة رسول الله (ص)، وحكمهما واحد، وما جرى فيه أو له أو عليه كمثل ما جرى في رسول الله (ص) أو له أو عليه. وقد سبق بعض هذه الروايات، ونورد هنا بعضا آخر.

ابن ماجة: قال رسول الله (ص): مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومَن عصى الإمام فقد عصاني.(١)

سنن النسائي: قال رسول الله (ص): مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أميري فقد عصاني.(٢)

مستدرك الحاكم: عن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومَن عصى علياً فقد عصاني.(٣)

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.

أقول: حكم رسول الله (ص) بتساوي طاعته وعصيانه مع طاعة عليّ (ع) وعصيانه، فمن عصى علياً فقد عصى رسول الله (ص)، فهو في هذه الجهة بمنزلة النبيّ (ص).

مستدرك الحاكم: عن عائشة، قال النبيّ (ص): أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيد العرب.(٤)

ويروي أيضاً بسندين: قال رسول الله (ص): ادعوا إلي سيّد العرب. فقالت

____________________

١ - ابن ماجة، ج٢، ص ٢٠١.

٢ - سنن النسائي، ج٧، ص ١٥٤.

٣ - مستدرك الحاكم، ج٣، ص ١٢١.

٤ - نفس المصدر، ص ١٢٤.

٧٩

عائشة: ألستَ سيّد العرب يا رسول الله؟ قال: أنا سيّد ولد آدم وعليّ سيد العرب.

ويروي أيضاًً عن ابن عبّاس قال: نظر النبيّ (ص) إلى عليّ فقال: يا علي أنت سيّدٌ في الدنيا سيّدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوّي وعدوّي عدوّ الله، والويل لمن أبغضك بعدي..(١)

هذا صحيح على شرط الشيخين.

ويروي أيضاً: عن رسول الله (ص) قال: أوحي إليّ في عليٍّ ثلاث: أنّه سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغُر المحجَّلين.(٢)

أقول: حكم رسول الله (ص) في هذه الأحاديث الأربعة، باشتراك عليّ (ع ) معه في السيادة، وإنّ عدوّه وحبيبه عدوّ رسول الله وحبيبه، وعدوّهما عدوّ الله، وأنّه سيّد العرب في الدنيا والآخرة وسيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغر المحجَّلين.

مستدرك الحاكم: عن أبي ذر قال ؛ قال النبيّ (ص): يا عليّ من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك يا عليّ فقد فارقني.(٣)

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

أقول: وقد ذكرنا أحاديث في أبواب متفرّقة تدلّ على اشتراكهما وتساويهما في آثار وأحكام وموضوعات، هذه خلاصتها:

١ - أنا أمان لأصحابي، وأهل بيتي أمان لأمّتي.

٢ - أنا حرب لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم.

٣ - أحبّوني بحبّ الله وأحبّوا أهل بيتي بحبّي.

٤ - عليٌّ منّي وأنا منه.

٥ - أنت أخي ترثني وأرثك.

____________________

١ - مستدرك الحاكم، ج ٣، ص ١٢٨.

٢ - نفس المصدر، ص ١٣٧.

٣ - نفس المصدر، ص ١٢٤.

٨٠