تربة الحسين عليه السلام الجزء ٣

تربة الحسين عليه السلام0%

تربة الحسين عليه السلام مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 554

تربة الحسين عليه السلام

مؤلف: الشيخ أمين حبيب آل درويش
الناشر: دار المحجّة البيضاء
تصنيف:

الصفحات: 554
المشاهدات: 31887
تحميل: 2129


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31887 / تحميل: 2129
الحجم الحجم الحجم
تربة الحسين عليه السلام

تربة الحسين عليه السلام الجزء 3

مؤلف:
الناشر: دار المحجّة البيضاء
العربية

وذلك لأهمية الملائكة من خلال تنفيذهم للأوامر الإلهية ؛ كإيصال الوحي إلى الأنبياء ، وكتابة أعمال البشر ، وقبض الأرواح ونحو ذلك من الأوامر. فهم جند الله الذين لا يعصونه ما أمرهم ، يوجههم بوحيه وأمره.

٣ ـ الجن :

خلق الله من نار السموم ، وهم خلق غير مرئي. وذهب بعض الباحثين إلى القول بـ : «أنّ الجن له قاسم مشترك مع الملائكة والإنس ، فالجن هم بين بين.

أولاً ـ إشتراك بالخفاء مثل الملائكة تماماً ؛ أي أنّهم كائنات غير مرئية.

ثانياً ـ إشتراك بحرية الإرادة والإختيار مثلهم بذلك كالانس تماماً ...» (٧).

وقد جاء لفظ الجن في القرآن الكريم في (٢٢ مورداً). والملاحظ لهذه الآيات يخرج بهذه النتيجة التالية :

١ ـ الجن خلق قبل الإنس كما أشار القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) [الحجر / ٢٦ ـ ٢٧].

٢ ـ أنّهم يشاركون الإنس في التكليف والعبادة.

٣ ـ أنّهم يشاركون الإنس في الحياة على هذه الأرض ، ولهم إرتباط بهم ، قال تعالى :( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) [الجن / ٦١].

٤ ـ أنهم يشاركون الإنس في أنبيائهم ، وخير شاهد على ذلك ما ذكره القرآن عن قصة سليمان عليه السلام مع الجن ، كما في سورة النحل / ١٧ ، ٣٩ ، وسبأ / ١٢ ، ١٤. وقصة إستماع الجن للقرآن كما في سورة الأحقاف / ٢٩ ،

__________________

(٧) ـ العبد الله ، رياض : الجن والشياطين بين العلم والدين / ٣١.

٢١

والجن / ١. وأيضاً نلاحظ هذا واضحاً في السيرة الحسينية ، نذكر منها ما يلي :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (لما سار أبو عبد الله عليه السلام من المدينة أتته أفواج من مسلمي الجنّ ـ إلى أن قال ـ قال عليه السلام : وإذا أقمت بمكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد إختارها الله تعالى لي يوم دحو الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ، ويكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة)(٨) . وفي خطبة السجاد عليه السلام في مجلس يزيد : (أنا ابن من ناحت عليه الجن في الأرض والطير في الهواء)(٩) .

٤ ـ الشيطان :

إبليس لعنه الله كان من الجن كما قال تعالى :( إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) [الكهف / ٥٠].

وبذلك شَطَن عن الحق ، ونال اللعنة الأبدية ، فأصبح شَيطاناً مَرِيداً يقوم باغواء الإنسان ، وهو العدو المبين له ، إبتداء من آدم عليه السلام حيث وردت قصته معه في سبع سور من القرآن الكرمي : في الأعراف / ١١ ، ٢٧ ، والحجر / ٢٦ ، ٤٣ ، والإسراء / ٦١ ، ٦٥ ، والكهف / ٥٠ ، وطه / ١١٦ ، ١٢٣ ، وص / ٧١ ، ٨٥ ، والبقرة / ٣٠ ، ٣٩.

والمفهوم من سياق القصة أنّها قد إستهدفت العظة والتنبيه ، كما أنّها تنوعت في اسلوبها ، وهكذا يوضح لنا القرآن عداوة الشيطان وقد أكد على

__________________

(٨) ـ النوري ، ميرزا حسين : مستدرك الوسائل ، ج ١٠ / ٢١٧ ـ (باب ١٧ من أبواب المزار ـ حديث ٤).

(٩) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٥ / ١٧٤.

٢٢

ذلك في ستة وتسعين مرة ، وفي كل مرة يذكرنا بأنّه عدو مبين ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه : كيف يوسوس لنا الشيطان فيغوينا؟

إنّ وسوسة الشيطان لا ندري كيف تتم ، ومتى يقترب منا ، لأننا لا ندري عن كنه وحقيقة الشيطان ، حتى ندرك كيفيات أفعاله ، إلا أننا نعلم أنّ الشيطان يغوينا بطريقة ما. وبهذه الظاهرة الشيطانية والإعتقاد بوجودها ليست مقتصرة على المسلمين فقط ، بل لها وجود حتى عند غيرهم من الديانات كالمسيحية ، فقد عَبّر البابا (بولس الثاني) عن معارضته للأقوال المغايرة لعدم وجود الشيطان ، وقد صَرّح بحزم وقوة بأنّ الشيطان موجود فعلاً ، وذلك في خطبة ألقاها وسط حشد كبير في الفاتيكان عام ١٩٧٢ م.

قال فيها : «وإنّ من يرفض الإقرار بوجود الشيطان ، فهذه الحقيقة المرعبة المخيفة ، يخرج عن تعاليم العهد القديم والعهد الجديد. وبهذا فقد استقبل المؤمنون تلك الكلمات لبابا روما بحماس كبير مما جعلهم يستعيدون إيمانهم بحقيقة وجود الشيطان وبحقيقة مكافحته بأي وسيلة ، وخاصة الصلاة للرب بإيمان مخلص ، فلا يمكن للشيطان الإقتراب منهم إذا كانوا حذرين منه»(١٠) .

«وأما القضية الهامة التي شغلت الصحف الإنكليزية في منتصف عام ١٩٣٤ م ، فقد كانت تتلخص في أنّ الدكتور : (الكسندر كانون) وهو طبيب وباحث ومتخصص في معالجة الأمراض العقلية ، قد وضع كتاباً بعنوان (الشيطان وتأثيره الخفي) وأورد ضمن صفحاته كافة صنوف السحر وآثاره وتعلقه بالشيطان ، ولم يسردها على شكل رواية ، بل على شكل بحث علمي

__________________

(١٠) ـ العبد الله ، رياض : الجن والشياطين بين العلم والدين / ١٦٩.

٢٣

علق عليه بحوادث مشاهدة من قبله بالذات ، وجميع نظرياته تؤكد وجود الشيطان والمسيطر على عدد كبير من سكان العالم»(١١) .

إنّ قضية الشيطان قد أخذت أشواطاً وأبعاداً في هذا العصر ، وما زالت قصص الشيطان تحدث في العالم بأسره ، والشيطان ما زال منذ الخليقة سيد موقفه يمارس كافة وساوسه. وبعد هذا نقول : إنّ القصص القرآنية والنبوية تحفل بالتحذير من هذه الشخصية ، وكذلك السيرة الحسينية حافلة بذلك كما في خطبة يوم كربلاء : (لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنسانكم ذكر الله العظيم فتباً لكم ولما تريدون)(١٢) . وعَبّر عن أعدائه : (ونفثة الشيطان ومطفئي السنن)(١٣) .

٥ ـ الحيوانات والطيور والحشرات :

ومن الشخصيات التي لها دور بارز في القصة سواء كانت قرآنية أو نبوية أو غير ذلك من أنواع القصة الحيوانات والطيور ، وهذا الدور يمكن تقسيمه إلى قسمين :

الأول ـ أنّ يكون لهذه الشخصية دور بارز ، وتعامل كأنّها شخصيات بشرية ، ومن أمثلة هذا النوع ما ذكره القرآن الكريم في قصة الهدهد مع النبي سليمان عليه السلام في قوله تعالى :( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ) [النمل / ٢٠ ـ ٢١]. وأيضاً في قصة النملة معه عليه السلام ، كما في قوله تعالى :( حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [النمل / ١٨].

__________________

(١١) ـ المصدر السابق / ١٦٢.

(١٢) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(١٣) ـ نفس المصدر / ٢٣٤.

٢٤

الثاني ـ أن تكون الأدوار عادية ؛ بحيث تعرض القصة أمثال هذه الشخصيات في صورة عادية ، كأنّ لها دور تكميلي للحدث أو لها صلة به ، كما في قصة النبي ابراهيم عليه السلام والطيور وقد ذكرها القرآن في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [البقرة / ٢٦٠]. وأيضاً قصة حمار عزير ، كما في قوله تعالى :( ...وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [البقرة / ٢٥٩]. هذه بعض النماذج القرآنية لهذا النوع من الشخصية ، وأما بالنسبة للسيرة الحسينية ، فقد ذكرت مثل ذلك. فمن النماذج التي لها دور بارز فرس الحسين عليه السلام حينما خاطبه بقوله : «أنت عطشان وأنا عطشان ، فلا أشرب حتى تشرب! فرفع الفرس رأسه كأنّه فهم الكلام»(١٤) .

وأيضاً للفرس موقف آخر حينما وقع الحسين عليه السلام : «وأقبل الفرس يدور حوله ويلطخ ناصيته بدمه ، فصاح ابن سعد دونكم الفرس ، فإنّه من جياد خيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجله حتى قتل أربعين رجلاً وعشرة أفراس ، فقال ابن سعد : دعوه لننظر ما يصنع؟ فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرغ ناصيته بدمه ويشمه ويصهل صهيلاً عالياً. قال أبو جعفر الباقر عليه السلام : كان يقول : الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها. وتوجه نحو

__________________

(١٤) ـ المصدر السابق / ٢٧٥.

٢٥

المخيم بذلك الصهيل. فلما نظرت النساء إلى الجواد مخزياً ، والسرج عليه ملوياً ، خرجن من الخدور ، ناشرات الشعور! على الخدود لاطمات ، وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العزّ مذللات ، وإلى مصرع الحسين مبادرات»(١٥) .

ومن النماذج التي لها إرتباط تكميلي بالحدث ، أو أدنى صلة بذلك العقرب الأسود ، وذلك حينما دعا الحسين عليه السلام على محمد بن الأشعث «فقال الحسين : اللهم إنّ محمد بن الأشعث يقول : ليس بيني وبين محمد قرابة. اللهم أرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً. فاستجاب الله دعاءه ، فخرج محمد بن الأشعث من العسكر ، ونزل عن فرسه لحاجته ، وإذا بعقرب أسود ، يضربه ضربة تركته مُتَلَوِثاً في ثيابه ومات بادي العورة»(١٦) .

وأيضاً ما ورد عن الحسن عليه السلام مخاطباً أخاه الحسين عليه السلام عن بكاء الوحوش والحيتان قال : «ويكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفاً يَدّعُون أنّهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وإنتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار)(١٧) .

__________________

(١٥) ـ المصدر السابق / ٢٨٣.

(١٦) ـ نفس المصدر / ٢٣١.

(١٧) ـ نفس المصدر / ٢١١.

٢٦

ثالثاً ـ الحدث :

يعتبر الحدث في أي قصة رُوحُها الذي يمنحها الحياة والحيوية ، وهو محط الإعتبار فيها ؛ بحيث تجده هو المسيطر ، فالشخصيات حين ترد في القصة لا يُهتم بها لذاتها بل لما سيحدث لها ، وتكون العناية بمواقفها. وقد أثار الدكتور محمد خلف الله في دراسة للفن القصصي في القرآن الكريم ملاحظة جدير بالاهتمام والعناية ؛ لما تلقيه من ضوء على ظاهرة العناية بالحدث في القصة النبوية ، فقد لاحظ أنّ القرآن الكريم وخاصة في عهده الأول لم يكن يعنى بتصوير الشخصيات ، وعزا ذلك ـ وهذا ما يهمنا هنا ـ إلى أنّه هو المذهب السائد في إعتبار قصاص العربية ؛ لأنّ العرب كانوا يهتمون بالحادثة أكثر من إهتمامهم بالبطل ، ويهتمون بالفكرة والرأي أكثر من إهتمامهم بالأشخاص ، وهذا هو الواضح تماماً فيما يروى عن العرب من قصص ، فنجد في (العقد الفريد) بعض هذه النوادر التي وإن تكن إسلامية ، إلا أنّها قد حافظت ـ إلى حد ما ـ على الشكل والصورة في لون من ألوان القصص والنوادر»(١٨) .

ويضيف محمد الزير : «ومما يؤكد هذه الملاحظة التي تحمل قدراً كبيراً من المعقولية ، أنّ البيئة التي عاش فيها العربي ، بيئة أحداث تتردد أصداؤها كل يوم في مسامعه ، فهو منذ أن يتفتح وعيه على الحياة ، إلى أن يغمض عينيه في نومة الموت ، وهو يعيش أعنف صور الأحداث ، متمثلة في تلك الحروب التي لا تبقي ولا تذر. مما أعطى هذا العربي وعياً خاصاً (بالحدث) وجعل له مكانة معينة في حسه ونفسه بحيث يزن به الأمور والأشياء ، ويقيمها من خلال تصوره

__________________

(١٨) ـ الزير ، محمد بن حسن : القصص في الحديث النبوي / ٢٤٢ (بتصرف).

٢٧

للحدث وقد كان أمراً منطقياً أن تعتني القصة النبوية (بالحدث) وأن تسخره كنقطة قوة فيها ، من أجل تأثير أكثر عمقاً في نفوس مستمعيها وقارئيها»(١٩) .

وبعد هذا يمكن دراسة الحدث من جهتين :

الأولى ـ دراسة الحدث من حيث التأثير بالحادثة ، وذلك عن طريق الوسائل التالية :

١ ـ تصور الحادثة بما يثير عوامل الرغبة أو الرهبة في النفوس ، ومن هذا القبيل ما نجده في تصوير القرآن لحياة الشهداء ، كما في قوله تعالى :( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [آل عمران / ١٦٩]. ومن الشواهد على ذلك في السيرة الحسينية ما يلي : ما بَشّر به الحسين عليه السلام أصحابه لما فرغ من الصلاة قال لأصحابه : «يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها ، وإتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها ، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، يتوقعون قدومكم ، ويتباشرون بكم فحاموا عن دين الله ودين نبيه ، وذبوا عن حرم رسول ، فقالوا : نفوسنا لنفسك الفداء ، ودماؤنا لدمك الوقاء ، فوالله لا يصل إليك والى حرمك سوء وفينا عرق يضرب»(٢٠) . نعم إنّ الحسين عليه السلام قدوة الأحرار في أقواله وأفعاله ، وخير شاهد على ذلك بعض مواقف أصحابه ليلة العاشر من المحرم منها : «هازل برير عبد الرحمن الأنصاري ، فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل؟ فقال برير : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ولكني مستبشر بما

__________________

(١٩) ـ المصدر السابق / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

(٢٠) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٤٦.

٢٨

نحن لاقون ، والله ما بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولو وددت أنّهم مالوا علينا الساعة».(٢١) ومنها «وخرج حبيب بن مظاهر يضحك ، فقال له يزيد بن الحصين الهمداني : ما هذه ساعة ضحك! قال حبيب : وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور»(٢٢) .

٢ ـ عرض الحوادث المثيرة في ذاتها ؛ ومن هذه الأحداث المثيرة ما نجده في قصة (صوت في سحابة) حين فوجئ الرجل الذي كان يسير في أرض فلاة بصوت في سحابة يقول : «إسق حديقة فلان»(٢٣) . فالصوت الذي كان ينادي بصوت إنسان باسم فلان مثير في ذاته باعث على العجب ، وتزداد إثارته حين يستجيب ذلك السحاب للنداء فينتحى ويفرغ ماءه وإذا الماء يتجه إلى حديقة الرجل صاحب الاسم.

وفي السيرة الحسينية كثير من الأدلة والشواهد منها التالي :

أ ـ «لما رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة ودخل قصر الإمارة ، ووضع أمامه الرأس المقدس ، سالت الحيطان دماً ، وخرجت نار من بعض نواحي القصر وقصدت سرير ابن زياد ، فولى هارباً منها ودل بعض بيوت القصر فتكلم الرأس الأزهر بصوت جهوري سمعه ابن زياد وبعض من حضر : «إلى أين تهرب؟! فإن لم تنلك في الدنيا فهي في الآخرة مثواك. ولم يسكت حتى ذهبت النار! وادهش من في القصر لهذا الحادث الذي لم يشاهد مثله»(٢٤) .

__________________

(٢١) ـ المصدر السابق / ٢١٦.

(٢٢) ـ نفس المصدر.

(٢٣) ـ النيسابوري ، مسلم بن الحجاج : صحيح مسلم ، ج ٤ / ٢٢٨٨.

(٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٣.

٢٩

ب ـ «ولما نصب الرأس الأقدس في موضع الصيارفة وهناك لغط المارة وضوضاء المتعاملين ، فأراد سيد الشهداء توجيه النفوس نحوه ليسمعوا بليغ عظاته ، فتنحنح الرأس تنحنحاً عالياً فاتجهت إليه الناس ، واعترتهم الدهشة حيث لم يسمعوا رأساً مقطوعاً يتنحنح قبل يوم الحسين عليه السلام ، فعندها قرأ سورة الكهف إلى قوله تعالى :( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) [الكهف / ١٣]. وصلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع ، فأخذ يقرأ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) »(٢٥) [الشعراء / ٢٢٧].

٣ ـ محاولة التنقل السريع في تسلسل الأحداث والإعتماد على تتابع الأحداث سريعاً لخلق جوٍ مليء بالحركة ، وكأنّما نحن أمام مسرح حافل بالنشاط في مشاهدة حيوية متتابعة ، كما في قصة الإسراء والمعراج ، حيث تتابع الأحداث فيها إبتداء من ركوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ، ثم إتيانه بيت المقدس وصلاته فيها ، ثم العروج إلى السماء ، حيث أخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جبرائيل في التنقل من سماء إلى سماء صعوداً إلى أعلى ، وفي كل سماء يقابل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نبياً من الأنبياء إلى سدرة المنتهى ، إلى أن أنهى رحلته المقدسة إلى مكة المكرمة في ليلة واحدة ، ولهذا عَبّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى :( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الإسراء / ١].

وأيضاً ما نجده في السيرة الحسينية ، إبتداءاً من خروج الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ثم إلى كربلاء ، وما جرى على أرض كربلاء من

__________________

(٢٥) ـ المصدر السابق.

٣٠

المجازر الرهيبة في يوم العاشر من المحرم ، وما ترتب على ذلك من سبي حرمه وأطفاله من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام ، إلى أن رجعوا إلى المدينة ، حيث تتابع الأحداث بصورة متلاحقة وسريعة.

الثانية ـ دراسة أنواع الحدث ، وهي كالتالي :

١ ـ أن يكون من قبيل القضاء والقدر ، بحيث تحدث القصة بصورة تجعلنا ننسبها مباشرة إلى تدخل قدرة الله في إجرائها ، كما نجد ذلك في قصة مبيت أمير المؤمنين علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الهجرة ، وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه التاريخ البشري ، فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه : «... وإنّ الله عَزّ وجَلّ ، أوحى في تلك الليلة إلى جبرائيل وميكائيل أني قضيت على أحدكما بالموت ، فأيكما يواسي صاحبه؟ فاختار الحياة كلاهما ، فأوحى الله إليهما ، هَلّا كنتما كعلي بن أبي طالب؟! ، آخيت بينه وبين محمد ، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر ، فاختار علي الموت وآثر محمداً بالبقاء وقام في مضجعه ، إهبطا فاحفظاه من عدوّه ، فهبط جبرائيل وميكائيل ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه يحرسانه من عَدوِّه ، ويصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، من مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سموات! وخَلّف علياً على فراشه لرد الودائع التي كانت عنده وصار إلى الغار ، فكمن فيه وأتت قريش فراشه ، فوجدوا علياً فقالوا : أين ابن عمّك؟ قال : قلتم له اخرج عنّا ، فخرج عنكم. فطلبوا الأثر فلم يقعدوا عليه ، وأعمى عليهم المواضع ، فوقفوا على باب الغار وقد عشعشت عليه حمامة ، فقالوا : ما في هذا الغار أحد. وانصرفوا ، وخرج رسول الله متوجهاً إلى المدينة»(٢٦) . من تتبع أحداث

__________________

(٢٦) ـ اليعقوبي ، احمد بن ابي يعقوب : تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ / ٣٩.

٣١

هذه القصة ؛ توصل إلى تدخل يد القدرة فيها. كما نجد هذا النوع من الحدث له نماذج في السيرة الحسينية ، ومن تلك النماذج : «وأراد رجل منهم أخذ تكة سرواله وكان لها قيمة ، وذلك بعد ما سلبه الناس. يقول : أردت أن أنزع التكة فوضع يده اليمنى عليها ، فلم أقدر على رفعها فقطعت يمينه! فوضع يده اليسرى عليها فلم أقدر على رفعها فقطعتها ، وهممت بنزع السروال ، فسمعت زلزلة فخفت وتركته وغشي عليّ ، وفي هذه الحال رأيت النبي وعلياً وفاطمة والحسن ، وفاطمة تقول : يا بني قتلوك قتلهم الله. فقال لها : يا أم قطع يدي هذا النائم. فدعت عليّ فقالت : قطع الله يديك ورجليك ، وأعمى بصرك ، وأدخلك النار. فذهب بصري ، وسقطت يداي ورجلاي ، فلم يبق من دعائها إلا النار»(٢٧) .

من تأمل أحداث هذه القصة ؛ تَبيّن له جلياً أنّ الحوادث تنبأ عن إرتباطها بالسماء مباشرة كي تظهر للبشر مدى عظمة هؤلاء ومنزلتهم الجليلة عند الله عَزّ وجَلّ.

٢ ـ خوارق ومعجزات ، يجربها الله تبارك وتعالى لنصرة أوليائه من الأنبياء والأوصياء ونحوهم. ولعل الهدف من ذلك ، هو طمأنت المؤمنين على التمسك بالحق الذي هم عليه ، وأن يثبتوا مهما كَلّفهم ذلك من عناء ومن تلك المعجزات : «أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يصلي عند الكعبة ، وقد حلف أبو جهل لئن رآه يصلي ليدمغنّه ، فجاءه ومعه حجر ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي ، فجعل كلما

__________________

(٢٧) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٨٥.

٣٢

رفع الحجر ليرميه أثبت الله يده إلى عنقه ، ولا يدور الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه سقط الحجر من يده»(٢٨) .

ومن الخوارق والمعجزات الحسينية في كربلاء : «وأقبل القوم يزحفون نحوه ، وكان فيهم عبد الله بن حوزة التميمي فصاح : أفيكم حسين؟ وفي الثالثة قال أصحاب الحسين : هذا الحسين فما تريد منه؟

قال يا حسين ، أبشر بالنار. قال الحسين : كذبت بل أقدم على رب غفور كريم مطاع شفيع فمن أنت؟!

قال : أنا ابن حوزة. فرفع الحسين يديه حتى بان بياض إبطيه وقال : اللهم حزه إلى النار. فغضب ابن حوزة وأقحم الفرس إليه وكان بينهما نهر ، فسقط عنها وعلقت قدمه بالركاب وجالت به الفرس ، وانقطعت قدمه وساقة وفخذه وبقي بجانبه الآخر مُعلّقاً بالركاب ، وأخذت الفرس تضرب به كل حجر وشجر ، وألقته في النار المشتعلة في الخندق ، فاحترق بها ومات ، فخر الحسين ساجداً شاكراً حامداً على إجابة دعائه ، ثم انّه رفع صوته يقول : اللهم إنّا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا ، إنّك سميع قريب»(٢٩) .

٣ ـ أحداث غير ماألوفة ، لا تحدث إلا نادراً ، بحيث تبدو في نظر السامع أو القارئ أحداثاً غريبة ، كالأحداث التي كان يقدم عليها الخضر في قصته مع موسى (عليهما السلام) : من خرقه للسفينة ، وقتله للغلام ، وإقامته للجدار الذي يريد أن ينقض ، وكانت هذه الأحداث مثار عجب موسى وإستغرابه ،

__________________

(٢٨) ـ القمي ، الشيخ عباس : منتهى الآمال ، ج ١ / ٥٦.

(٢٩) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٠.

٣٣

ولذلك كان يستنكر على الخضر في كل مرة ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القصة في سورة الكهف من آية (٦٦ إلى ٨٨). ومن هذا النوع ما ذكر في السيرة الحسينية ، كما في حوار محمد بن الحنفية للحسين عليه السلام في الخروج الى العراق : «وأتاه محمد بن الحنفية في الليلة التي سار الحسين في صبيحتها إلى العراق وقال : عرفت غدر أهل الكوفة بأبيك وأخيك ، وأني أخاف أن يكون حالك حال من مضى ، فأقم هنا فإنّك أعزّ من في الحرم وأمنعه. فقال الحسين : أخاف أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم ، فأكون الذي تستباح به حرمة هذا ال بيت ، فأشار عليه ابن الحنفية بالذهاب إلى اليمن أو بعض نواحي البر ، فوعده عبد الله في النظر في هذا الرأي ، وفي سحر تلك الليلة ، إرتحل الحسين عليه السلام فأتاه ابن الحنفية وأخذ بزمام ناقته وقد ركبها ، وقال : ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ قال : بلى ، ولكن بعدما فارقتك أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : يا حسين ، اخرج فإنّ الله تعالى شاء أن يراك قتيلاً ، فاسترجع محمد ، وحينما لم يعرف الوجه في حمل العيال معه ، وهو على مثل هذا الحال ، قال الحسين عليه السلام : قد شاء الله تعالى أن يراهن سبايا»(٣٠) .

رابعاً ـ الحوار :

ينظر إلى الحوار كاسلوب هام من الأساليب العملية القصصية ، وبناء الشخصية في القصة ، بحيث نستطيع أن نشهد هذه الشخصية وهي تتحدث في حوار مع الآخرين ، مُعَبِّرة عما تحمله من أفكار ، وسوف يأتي البحث مُفَصّلاً في (القصة الحوارية).

__________________

(٣٠) ـ المصدر السابق / ١٦٧.

٣٤

خامساً ـ الزمان والمكان :

يمكن دراسة عنصري الزمان والمكان في القصة من خلال ما يلي :

أولاً ـ علاقة الحدث بالقصة :

إنّ الحدث في القصة عبر إنتظام في الإطار الزمني ، هذا الإطار الذي يعتبر وسيلة من وسائل الحركة والتطور في القصة ؛ أي أنّ الأحداث تبرز العرض السردي في صورة زمنية منطقية تترتب فيها النتائج على المقدمات ، وتنتقل الشخصيات من حال إلى حال ، عبر تسلسل زمني له أثره في السير بالأحداث إلى النهاية.

ثانياً ـ النظر إلى الزمن كوعاء للحدث :

أو بلفظ آخر تحديد الفترة الزمنية التي وقع فيها الحدث ، وقد نجد إشارات متناثرة تبرز في القصة حين يكون لهذا الزمن أهمية خاصة في تقدير الحدث نفسه ، وطبعه بطابع الأهمية والخطورة ، وهذا ما نجده واضحاً في القرآن ، كيوم القيامة أو اليوم الآخر ، فهذا اليوم تتكرر فيه الإشارة إليه في كل قصة تكون أحداثها فيه. وكذلك ما ذكره القرآن في غزوة بدر التي عبّر عنها في قوله تعالى :( ...وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الأنفال / ٤١]. وأيضاً ما ذكر في قوله تعالى :( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) [التوبة / ٢٥].

٣٥

وأمّا ما ورد في السيرة الحسينية ؛ فكثير نذكر منه ما يلي :

١ ـ «أنّ الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، دخل يوماً إلى الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسن عليه السلام : إنّ الذي يُؤتي إليّ سَمّ يُدس إليَّ فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يَدّعُون أنّهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ...»(٣١) .

٢ ـ قال الرضا عليه السلام : «إنّ المحرم شهر كان أهل الجاهلية يُحرِّمُون فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهبت ما فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله حرمة في أمرنا ، إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذَلّ عزيزنا بأرض كرب وبلا الخ»(٣٢) .

ثالثاً ـ كون المكان وعاء للأحداث :

فهو مسرحها الذي تقع عليه ، والقصة أحياناً تحاول أن تشعرنا بالمكان ، والواقع أنّ هناك وظيفة غير مباشرة لعنصري الزمان والمكان من الناحية الفنية ، فهما يعمقان لدى القارئ أو السامع ، الإحساس بالحدث والشخصيات ، بحيث يأتي العرض القصصي أكثر تأثيراً وفاعلية ، فالشخصية التي تمارس الحدث في مكان ، كالجنة أو النار كمكانين لهما دلالات معينة ، تختلف في تأثيرها عن الشخصية التي تتحرك وتعمل من غير ارتباط بمكان ما ، وقد أشار القرآن

__________________

(٣١) ـ البحراني : الشيخ عبد الله بن نور الله : عوالم العلوم ، ج ١٧ / ١٥٤.

(٣٢) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ، ج ٤٤ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

٣٦

الكريم في قوله تعالى :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) [طه / ١٢] ، إلى دور الشخصية ـ وهو موسى عليه السلام ـ التي تمارس الحدث ـ وهو خلع النعلين ـ في المكان وهو : وادي طوى. وأما ما ورد في السيرة الحسينية ؛ فكثير نذكر منه التالي :

١ ـ جاء الحسين عليه السلام إلى قبر جده وصلى ركعات ، ولما كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فغفا ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ، فَضَمّ الحسين إلى صدره ، وقبّل ما بين عينيه وقال : (حبيبي يا حسين ، كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك ، مذبوحاً بأرض كربلا بين عصابة من أمتي ، وأنت مع ذلك عطشان ، وظمآن لا تروى ، وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة)(٣٣) .

٢ ـ وقال في خطبة في مكة : (... وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطِّعُها عُسْلَان الفَلاة بين النواويس وكربلاء ...)(٣٤) .

وبعد هذا العرض المتقدم ؛ قد تَمّ ما يمكن دراسته في عناصر القصة الفنية.

__________________

(٣٣) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٣٣.

(٣٤) ـ نفس المصدر / ١٦٦.

٣٧
٣٨

أقسام القصة

١ ـ القصة الواقعية.

أ ـ القضايا الشخصية

ب ـ القضايا التاريخية

ج ـ قصص متعلقة بتربة الحسين (عليه السلام)

٣٩
٤٠