شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء0%

شرح زيارة عاشوراء مؤلف:
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف: الشيخ أبي المعالي الكلباسي
المحقق: الشيخ يوسف أحمد الأحسائي
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
تصنيف:

ISBN: 978-964-8438-50-5
الصفحات: 290
المشاهدات: 22856
تحميل: 2070

توضيحات:

شرح زيارة عاشوراء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22856 / تحميل: 2070
الحجم الحجم الحجم
شرح زيارة عاشوراء

شرح زيارة عاشوراء

مؤلف:
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
ISBN: 978-964-8438-50-5
العربية

[التنبيه] السادس :

في أنه هل يشترط في زيارة عاشوراء من البعيد بالبروز

إلى الصحراء أو الصعود فوق الدار أو لا؟

إنّ مقتضى ما تقدّم من صدر رواية كامل الزيارة وصدر رواية «المصباح» أنه يشترط للبعيد أن يبرز إلى الصحراء أو يصعد إلى فوق الدار ، حيث قال في الأوّل(١) : «قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره الخ»

وقال في الثاني(٢) :

«قلت : جعلت فداك ، فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟

قال :إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرفتعاً في داره » ، لكن مقتضى قول علقمة : «ومن سطح داري» في سؤاله عن أبي جعفر عليه السلام بقوله : «علّمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ، ودعاء أدعو به إذا لم أزره من قريب وأومأت إليه من بعد البلاد ومن سطح داري؟» في رواية كامل الزيارة هو تعاهد اشتراط خصوص الصّعود فوق الدار.

لكن في رواية «المصباح» : «ومن داري» فالعطف على «بعد البلاد» من باب العطف التفسيري ، إلّا أن الزيارة مقدّمة على النقيصة ، لكون النقيصة أقرب إلى

__________________

(١) يعني صدر كامل الزيارة.

(٢) يعني صدر رواية المصباح.

١٤١

الاشتباه ، ومقتضى غير واحد من أخبار الاشتراط ، خصوص الصّعود إلى فوق الدار.

إما في باب مطلق الزيارة ، كما في «الكافي» و «التهذيب» بالإسناد عن ابن أبي عمير ، عمّن رواه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام :إذا بعدت بأحدكم الشقّة (١) ونأت به الدار ، فليَعْلُ أعلى منزله ، وليصلّ ركعتين ، وليومِ بالسّلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا »(٢) .

وما في «الفقيه» مرسلاً : عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا بعدت لأحدكم الشقّة ونأت به الدار ، فليصعد على منزله ، وليصلِّ ركعتين ، وليومِ بالسلام إلى قبورنا ، فإنّ ذلك يصل إلينا »(٣) .

وأما ما في زيارة سيّد الشهداء عليه السلام(٤) ، كما في «الفقيه» مرسلاً : عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام : يا سدير(٥) ، تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ يوم؟

قلت : جعلت فداك ، لا إلى أن قال :فتزوره في كلّ سنة؟

قلت : قد يكون ذلك.

قال : ياسدير ،ما أجفاكم (٦) للحسين عليه السلام، أما علمت أنّ لله تبارك وتعالى ألف

__________________

(١) الشقّة ـ بالضم والكسر ـ : البعد والناحية ، ذكره في القاموس. منه عفي عنه.

(٢) فروع الكافي : ٤: ٥٨٧ ، باب النوادر ، الحديث ١. وفي التهذيب : ٦: ١٠٣ ، باب من بعدت شقّته وتعذّر عليه قصد المشاهد ، الحديث ١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ٢: ٥٩٩ ، باب ما يقوم مقام زيارة الحسين عليه السلام وغيره ، الحديث ١.

(٤) قوله : «وأمّا في باب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام» ظاهر غير واحد من زيارات سيّد الشهداء عليه السلام المرويّة في كامل الزيارة اشتراط الصعود. منه رحمه الله.

(٥) قوله : «سدير» بفتح السين المهملة. منه عفي عنه.

(٦) قوله : «ما أجفاكم» فعل التعجّب من الجفاء ، أي ما أكثر جفائكم. منه رحمه الله.

١٤٢

ألف ملك شعث (١) غبر يبكون ويزورون ولا يفترون (٢) ، وما عليك ـ يا سدير ـ أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ جمعة خمس مرات ، أو في كلّ يوم مرّة.

فقلت : جعلت فداك ، بيننا وبينه فراسخ كثيرة.

فقال :اصعد فوق سطحك ، ثمّ التفت يمنة ويسرة (٣) ،ثمّ ارفع رأسك إلى السماء ، ثمّ تنحو نحو قبر الحسين فتقول : السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، يكتب لك بذلك زورة ، والزورة حجّة وعمرة (٤) .

قال سدير : فربّما فعلت ذلك في شهر أكثر من عشرين مرّة».

لكن نقول : إنّه يمكن تقييد مرسل ابن أبي عمير ومرسل الفقيه عن ابن أبي عمير بعد اعتبار السند ، وكلّ منهما أعمّ من زيارة سيّد الشهداء عليه السلام بصدر رواية كامل الزيارة وصدر رواية «المصباح» بعد اعتبار سند الروايتين ، لاختصاصهما بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء ، وكذا تقييد خبر سدير بعد اعتبار سنده وإن اختصّ بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام بالصدرين المذكورين ، لاختصاصهما بزيارة سيّد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء.

__________________

(١) وقوله : «شعث». الشعث ـ محرّكة ـ: انتشار الأمر ، ومصدر الأشعث للمغبرّ الرأس ، كما في القاموس. منه رحمه الله.

(٢) قوله : «لا يفترون». قال في القاموس : «فتر يفتُرُ ويفتِرُ سكن بعد حدّة ولان بعد شدّة». منه رحمه الله.

(٣) قوله : «يمنة ويسرة» بفتح الياء وسكون الميم والسين على ما اُعرب في الصحاح. قال : اليمنة : خلاف اليسرة ، وقال : قعد فلان يمنة.

وفي بحار الأنوار : «لا يبعد أن يكون الالتفات يمنة ويسرة وإلى جانب الفوق للتقيّة لئلّا يطلع عليه أحد». منه عفي عنه.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٢:٥٩٩ ، باب ما يقوم مقام زيارة الحسين عليه السلام وزيارة غيره ، الحديث ٢.

١٤٣

ويمكن أن يقال : إن مقتضى قوله عليه السلام : «إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسّلام وقلت عند الإيماء إليه بعد الركعتين هذا القول» في ذيل رواية كامل الزيارة.

وكذا قوله عليه السلام : «وإذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام ، فقل عند الإيماء إليه بعد التكبير هذا القول » في ذيل رواية «المصباح» ، عدم اشتراط البروز إلى الصحراء والصعود فوق سطح الدار.

إلّا أن يقال : إنّ قوله عليه السلام : «تومئ إليه بالسلام » في ذيل الروايتين إيماء إلى قوله عليه السلام : «وأومئ إليه بالسلام » في صدر الروايتين المسبوق باشتراط البروز والصعود ، مع أن التقييد أمر سهل بعد اعتبار سند المطلق والمقيّد.

ويمكن أن يقال : إن مقتضى قول الصادق عليه السلام في آخر رواية صفوان : «إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة » هو عدم اشتراط البروز والصعود.

إلّا أن يقال : إنّ الظاهر أنّ الغرض من قوله عليه السلام : «من حيث كنت » هو عدم الحاجة إلى المسافرة والزيارة عن قرب ، مضافاً إلى سهولة التقييد ، إذ لا يخرج أمر قوله عليه السلام : «من حيث كنت » عن الإطلاق.

تذييلات

أحدها : في أنّه لو كان سطوح الدار مختلفة فكان بعضها فوق بعض ،

فهل المدار تعييناً أو تخييراً على الأرفع أو يكفي المرتفع؟

الأظهر الأخير ، لأنّ مقتضى قوله عليه السلام في صدر رواية كامل الزيارة : «أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره » ، وقوله عليه السلام في رواية «المصباح» : «أو صعد مرتفعاً في داره » ، وقوله عليه السلام في خبر حنان بن سدير : «أصعد فوق سطحك »(١) ، كفاية المرتفع.

__________________

(١) المتقدّم ذكره عن الفقيه مرسلاً.

١٤٤

وإن قلت : إن مقتضى قوله عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير ، كما في «الكافي» و «التهذيب» والمرسل عن ابن أبي عمير كما في «الفقيه» : «فليعل أعلى منزله»(١) كون المدار على الأرفع.

قلت : إنّ الظاهر كون الأعلى من باب الأفعل الوصفي ، فالغرض بالفارسية
(بالاى منزلش) لا من باب أفعل التفضيل بأن يكون الغرض بالفارسية (بالاتر منزلش) (٢) . مع أن سائر الروايات يرجّح كون الأمر من باب الأفعل الوصفي.

لكن نقول : إنّ في «الوافي» في مرسل ابن أبي عمير : «فليعل أعلى منزل له »(٣) مقتضاه كون المدار على الأرفع ، بل في رواية حنان بن سدير التي رواها في «كامل الزيارة» : «واصعد إلى أعلى منزل في دارك »(٤) ، بل في رواية أخرى رواها في «كامل الزيارة» أيضاً : «فليعل أعلى منزل له »(٥) .

ثانيها : في أن حكم الدار جار في غير الدار ، سواء كان المدار على المرتفع أو الأرفع

إنّ حكم الدار جار في غير الدار ، كالمدرسة والمسجد ، سواء كان المدار على المرتفع أو الأرفع ، للقطع بعدم الفرق ، بل التعبير بالدار في رواية «كامل الزيارة»

__________________

(١) المتقدّم ذكرها.

(٢) قوله : «بالاتر منزلش» يمكن أن يقرأ بكسر الراء وسكونها. منه رحمه الله.

(٣) الوافي : ١٤ : ١٥٧٧ ، باب زيارتهم عليهم السلام من بعيد ، الحديث ١٤٦٥٥/١ ، حيث نقل مرسلة ابن أبي عمير المتقدّم ذكرها عن الكافي والتهذيب ، بهذه العبارة : «فليعل أعلى منزل له» بينما المذكور فيما تقدّم عن الكافي والتهذيب : «فليعل أعلى منزله».

(٤) كامل الزيارة : ٤٨٣ ، باب ٩٦ من نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ٧ ، ولكن فيه : «واصعد أعلى موضع في دارك».

(٥) كامل الزيارة : ٤٨٠ ، باب ٩٦ من نأت داره وبعدت شقّته كيف يزوره عليه السلام ، الحديث ١.

١٤٥

و ««المصباح» وارد مورد الغالب ، مضافاً إلى أنّ المأخوذ في مرسل ابن أبي عمير والمرسل عن ابن أبي عمير هو أعلى المنزل والمنزل أعمّ من الدار.

ثالثها : في أنّه لو كان البعيد في أحد المشاهد المشرّفة ، فهل يطرد اشتراط البروز والصعود بناءً على الاشتراط أم لا؟

إنّه لو كان البعيد في أحد المشاهد المشرّفة على مشرفيها آلاف السّلام والتحيّة ، فهل يطرد اشتراط البروز والصّعود ، بناء على الاشتراط أم لا؟

أقول : إنّه إن كان البعيد في حرم أمير المؤمنين عليه السلام فمقتضى فعل صفوان المحكي عن الصادق عليه السلام ، حيث زار سيّد الشهداء عليه السلام في حرم أمير المؤمنين عليه السلام عدم اطراد الاشتراط ، قضية قول سيف بن عميرة : «فزرنا أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا فرغنا من زيارته صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام ، فقال :تزورون الحسين عليه السلام » ، بل اشتراط البروز والصّعود في صدر رواية «كامل الزيارة» و ««المصباح»» ينصرف إلى الأمكنة المتعارفة الغالبة ولا يشمل الحرم المحترم المذكور ، فيقيد إطلاق الاشتراط بعد شموله للحرم المحترم المذكور بفعل الصادق عليه السلام بعد اعتبار سند المطلق والمقيد ، بل الاعتبار يقضي أيضاً بالتقييد لكمال شرافة الحرم المحترم المذكور.

وبما ذكرنا من انصراف إطلاق الاشتراط إلى الأمكنة المتعارفة ، مضافاً إلى الاعتبار ، يتّجه القول بجواز الزيارة من سائر المشاهد المشرّفة.

ويمكن أن يقال : إن حديث الانصراف لا يثبت كفاية الزيارة من المشاهد المشرّفة ، إذ لا مفهوم للإنصراف ، وإن يقتضي بعض كلمات المحقّق القمّي ثبوت المفهوم لانصراف المطلق إلى الفرد الشائع في باب الفرد النادر ، فالأمر في الزيارة من المشاهد المشرّفة مشكوك فيه فلابدّ من الرجوع إلى مقام العمل والبناء على

١٤٦

الاشتراط على القول بالاحتياط في باب الشكّ في المكلّف به ، والقول بعدم الاشتراط على القول بحكومة أصل البرائة ، إلّا أنه ها هنا لا يجري أصالة البراءة بناء على عدم جريانها في المستحبات ، كما هو الأظهر ، وإنما تجري أصالة العدم ، لو قلنا بحجيّتها ، وإلّا فلابدّ من البناء على الاشتراط ، عملاً باستصحاب عدم الإتيان بالزيارة المندوبة ، بل على القول بالاحتياط في الشكّ في المكلّف به ، لا تجري هنا قاعدة الإشتغال ، ومدرك القول بالاشتراط هنا على القول المذكور منحصر أيضاً في استصحاب عدم الإتيان بالمستحب ، والأمر في المقام نظير الغُلْيان في الصوم المندوب ، وقد حرّرنا الكلام فيه في رسالة منفردة

ويمكن أن يقال : إنه بعد فرض انصراف الاشتراط إلى غير المشاهد المشرّفة ، فمقتضى كون المتكلّم في مقام البيان واطلاعه على الإنصراف عدم اطّراد الاشتراط في المشاهد المشرّفة فلا يتجاوز الكلام في المقام عن مقام الاجتهاد.

لكن يمكن القول : بأن المفروض انحصار الدليل على الاشتراط فلما فرض الانصراف يحصل الظن بعدم اطراد اشتراط البروز والصعود في المشاهد المشرّفة ، لعدم الدليل على الاطراد.

إلّا أن يقال : إنّه يتبني حجيّة هذا الظن بعد فرض حصوله على حجيّة مطلق الظنّ.

إلّا أن يقال : إنّه يتأتّى الحجيّة ، ولو على القول بحجيّة الظنون الخاصّة ، بناء على حجيّة الظنّ الناشئ من اللفظ ولو بالواسطة ولو على القول بحجيّة الظنون الخاصّة ، على ما حرّرناه في الاُصول.

إلّا أنّه يشكل : بلزومُ حجيّة القياس لو كان ثبوت الحكم في الأصل باللفظ ، لكون الظن اللفظي الناشئ بالحكم في الفرع ناشئاً من اللفظ بتوسط العقل.

١٤٧

رابعها : فيما يمكن أن يكون حكمة اشتراط البروز والصعود.

إنّه يمكن أن يكون حكمة اشتراط البروز والصعود هي وقوع الزيارة في مكان خلوة خال عن الشواغل الموجبة لتفرق الخيال ، كما هو الحال في أكثر الأحوال والمانعة عن تمحيض القصد وفراغة البال ، كما يشرد إليه ما في زيارة أخرى رواها في «المصباح» مرسلاً عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام من قوله : «تحلل إزرارك ، ثمّ تحسر عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب ، ثمّ تخرج إلى أرض مقفرة ، أو مكان لا يراك به أحد ، أو تعمد إلى منزل لك خال ، أو في خلوة ، حين يرتفع النهار فتصلّي أربع ركعات؟ إلى أن قال : ثمّ تسلّم وتحوّل وجهك نحو قبر الحسين عليه السلام »(١) .

خامسها : في كلام من الشهيد في «الدروس».

أنه قد حكم الشهيد في «الدروس» باستحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام كلّ يوم جمعة ولو من البعد ، وإذا كان على مكان عالٍ كان أفضل(٢) .

وحكم في ««البحار»» بأن ما ذكره من جواز الزيارة في أيّ مكانٍ تيسّر وإن لم يكن موضعاً عالياً لايخلو عن قوة ، تعليلاً بعمومات بعض الأخبار ، قال : «وإن كان الأفضل والأحوط إيقاعها في سطح دار عالٍ أو صحراء»(٣) .

أقول : إنّه إن كان المقصود اقتضاء بعض الأخبار استحباب زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من دون اشتراط الصعود إلى سطح الدار والبروز إلى الصحراء ، وهذا هو المناسب لما ادّعاه الشهيد في «الدروس» ، ففيه بعد اعتبار سند الخبر المذكور

__________________

(١) مصباح المتهجّد : ٧٨٢.

(٢) الدروس : ٢: ١٦ ، باب المزار.

(٣) بحار الأنوار : ٩٨: ٣٧١ ، ذكر ذلك في ذيل الحديث ١٤ من باب زيارة الحسين عليه السلام وسائر الأئمّة عليهم السلام حيّهم وميّتهم من بعيد.

١٤٨

ورود التقييد في زيارة عاشوراء وغيرها كما تقدم ، وإن كان المقصود تعدّد ما يقتضي استحباب عموم الزيارة أو بعض الزيارات من دون الاشتراط بالصعود والبروز ، كما يرشد إليه التعبير بالعمومات ، فإن كان المقصود تعدّد ما يقتضي استحباب بعض الزيارات على الاطلاق فهو لا يناسب مقالة الشهيد ، وإن كان المقصود تعدّد مايقتضي استحباب بعض الزيارات على الاطلاق إلى زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام فكون تعدّد المطلق بحيث يوجب الظنّ بالاطلاق ، فهو غير ثابت ، بل الظاهر عدمه ، بل لا إشكال فيه.

١٤٩

[التنبيه] السّابع :

في اشتراط كون زيارة عاشوراء صدر النهار قبل زوال الشمس

أنّ مقتضى رواية كامل الزيارة و «المصباح» كون الزيارة المبحوث عنها صدر النهار قبل زوال الشمس.

أقول : أن المقصود بصدر النهار إما أوّله أو النصف الأوّل.

وعلى الثاني إمّا أن يكون المقصود الأعم بالقبل من القريب والبعيد ، فيعمّ أول النهار على حسب عموم النصف الأوّل ، فالأمر من باب التوضيح.

وإما أن يكون المقصود خصوص القبل القريب ، فالأمر من باب التخصيص.

وعلى الأوّل يتعيّن كون المقصود بالقبل هو القبل البعيد ، لكن لا إشكال في كون الوجه الأوّل خلاف الظاهر ، والوجه الثاني أيضاً خلاف الظاهر ، فيتعيّن الوجه الأخير أعني كون المقصود بالصدر هو النصف الأوّل والمقصود بالقبل هو القبل القريب.

وإن قلت : إن الظاهر من الصدر هو الأوّل ، والحمل على النصّف الأوّل خلاف الظاهر ، والظاهر من القبل هو القبل القريب ، والحمل على القبل البعيد والأعمّ خلاف الظاهر ، ولاترجيح لحمل القبل على القبل القريب ، وحمل الصدر على النصف الأوّل على حمل القبل على القبل البعيد أو الأعم وحمل الصدر على الأوّل.

قلت : إن المرجّح هو العرف وفيه الكفاية ، كيف لا وفي جميع موارد التجوّز مع القرينة يدور الأمر بين التصرّف في المقرون والتصرّف في القرينة ، والمرجّح العرف(١) ، مثلاً في (رأيت أسداً يرمي) يدور الأمر بين حمل الأسد على الرجل

__________________

(١) قوله : «والمرجّح العرف» ويتأتّى الترجيح بالعليّة أيضاً بالبناء على المجاز فيما كان»

١٥٠

الشجاع ، وحمل الرّمي في يرمي على معناه الحقيقي ، وحمل الأسد على الحيوان المفترس ، وحمل الرمي على إثارة التراب ، وكذا الحال في (رأيت أسداً في الحمام) حيث إن الأمر دائر بين حمل الأسد على الرجل الشجاع ، وحمل الحمام على معناه الحقيقي ، وحمل الأسد على الحيوان المفترس ، وحمل الحمام على الفلاة الحارة ، وليس حمل الأسد على الرجل الشجاع في المثالين كما هو المعروف ، بل السائر مسير المثل إلّا من باب الترجيح بالعرف ، ونظيره ما قيل في باب تعارض الأمر بالشيء مع النهيّ عنه بالجمع بحمل الأمر على الرخصة في الفعل ، والنهي على الكراهة ، مع إمكان الجمع بالعكس أعني حمل النهي على الرخصة في الترك وحمل الأمر على الاستحباب ، من أن المرجّح هو العرف ، مع قطع النظر عن غلبة استعمال الأمر في الرخصة بالنسبة إلى استعمال النهي في الرخصة ، هذا وعلى تقدير حمل الصّدر على الأوّل والقبل على القبل البعيد يختلف الأوّل باختلاف معنى النهار ، فعلى القول بكون ابتداء النهار من أول طلوع الفجر ، فأوّل النهار هو ما بين الطّلوعين ، وعلى القول بكون ابتدائه لغة أو بحسب الحقيقة الشرعية من أوّل طلوع الشمس على القولين في المقام ، فأوّل النهار هو أوّل طلوع الشمس.

لكن يمكن القول : بانصراف النهار إلى بعض الأجزاء مع اختلاف الانصراف والمنصرف إليه نظير انصراف الكلي إلى الجزئي من باب انصراف المطلق إلى بعض الأفراد من جهة شيوع الفرد أو غيره ، والظاهر من النهار هنا هو ما بين طلوع الشمس وغروبها ، أو ذهاب الحمرة ، والظاهر من النهار في استيجار شخص لتنظيف حريم

__________________

«التجوّز فيه من القرينة أو المقرون أغلب. هذا ، ونظير دوران الأمر بين ارتكاب خلاف الظاهر على وجه الحقيقة في القرينة والمقرون ، فلا بدّ من البناء على العرف وارتكاب خلاف الظاهر فيما كان وقوع أحد خلاف الظاهر فيه أغلب. منه رحمه الله.

١٥١

الباب هو القدر الوافي بالتنظيف مما بعد طلوع الشمس ، لكن الظاهر من النهار في استيجار شخص لخدمة حمّام الرجال هو ما بين طلوعُ الفجر وغروب الشمس أو ذهاب الحمرة ، بل الظاهر دخول قليل مما قبل الطلوع وبعد الغروب.

إلّا أن يقال : إنّ النهار في موارد الإنصراف إلى الجزء مستعمل في معناه الحققي ، أعني ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ، أو ذهاب الحمرة ، بناء على ما هو المفروض من كون ابتداء النهار من طلوع الفجر.

إلا أن الحكم الوارد على الكل أعني النهار يختلف انصراف وروده على الأجزاء ، وليس هذا من باب استعمال الكل في الجزء ، بل صدق ورود الحكم الوارد على الكلّ بوروده على الجزء واختلاف انصراف ورود الحكم واختلاف مورد الحكم على حسب اختلاف ورود الحكم في الموارد ، مثلاً لو قال بعض الخدّام (جلست في الدار) فالدار مُستعمل في معناه الحقيقي ، لكن الظاهر كون الجلوس في الدّهليز ، وأما لو قال بعض الموالي (جلست في الدار) فالدار مستعمل أيضاً في معناه الحقيقي ، لكن الظاهر كون الجلوس في البيت.

لكن نقول : إن ما ذكر وإن كان الظاهر تماميته ، لكن لا يتمّ في صدر النهار بناء على ما ادّعينا من ظهور كون النهار حقيقة في ما بين طلوع الشمس وغروبها أو ذهاب الحمرة.

وينبغي أن يعلم أنه يتأتى الكلام في أنّ منتهى النهار هو استتار القرص ، أو ذهاب الحمرة المشرقية ، بناء على انفكاك ذهاب الحمرة عن الاستتار ، وإلّا فالنمتهى هو ذهاب الحمرة.

وأيضاً يتأتى الكلام في اليوم بداية ونهاية على حسب الكلام في النهار لو قلنا بترادف اليوم والنهار ، وإلّا فيختلف الكلام.

١٥٢

[التنبيه] الثامن :

في أنّه هل يشترط زيارة عاشوراء بالغُسل؟

أنه هل يشترط الزيارة المتقدّمة بالغسل؟

ربّما يقال لا إشكال في استحباب الغسل لعموم ما دل على استحبابه في مطلق الزيارة.

أقول : إنّ مقتضى خلوّ رواية كامل الزيارة و «المصباح» من اشتراط الغسل وكذا خلو فعل صفوان عن الغسل ، عدم اشتراط تلك الزيارة بالغسل.

بل نقول : إنّ في طائفة مما رواه في كامل الزيارة التصريح بعدم اشتراط الغسل في زيارة سيّد الشهداء.

كما رواه بسنده عن الحسن بن عطية ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام؟

قال :ليس عليك غسل »(١) .

وما رواه أيضاً بسنده عن أبي اليسع ، قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين عليه السلام.

فقال :لا »(٢) .

إلّا أن يقال : إنّ المقصود عدم اشتراط الغسل في مُجرّد التشرف بالإتيان إلى قبر سيّد الشهداء عليه السلام.

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٩.

(٢) كامل الزيارة : ٣٤٧ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٤.

١٥٣

إلّا أن يقال : إنّ الظاهر الإتيان للزيارة ، كما هو صريح الخبر الأخير ، بل الظاهر أنّ الإتيان بدون الزيارة نادر ، بل معدوم.

لكن نقول : إن مقتضى طائفة أخرى مما رواه في كامل الزيارة اشتراط الغسل.

كما رواه فيه بسنده عن علي بن جعفر الهمْداني ، عن العسكري عليه السلام قال : «من خرج من بيته يريد زيارة الحُسين بن عليّ عليهما السلام فصار إلى الفرات فاغتسل منه كُتِبَ من المفلحين ، فإذا سلم على أبي عبد الله عليه السلام كتب من الفائزين ، فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقرئك السّلام ويقول لك : أما إن ذنوبك فقد غُفِرَت لك ، استانف العمل »(١) .

وما رواه فيه بسنده عن يوسف الكناسي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «إذا أتيت قبر الحُسين بن عليّ عليه السلام فأتِ الفرات واغتسل بحيال قبره »(٢) .

وما رواه فيه بسنده عن بشير الدهّان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «ويحك! يا بشير إن المؤمن إذا أتاه عارفاً بحقّه فاغتسل في الفرات كتب له بكلّ خطوة حجّة وعمرة مبرورات متقبّلات وغزوة مع نبيّ مرسل وإمام عدل »(٣) .

وما رواه فيه بسنده عن صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من اغتسل بماء الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام كان كيوم ولدته أمّه »(٤) إلى آخر الحديث.

وهو مقتضى ما رواه في «التهذيب» بسنده : عن الحسن بن عبدالرحمن الرواسي(٥) ، عمّن حدثه ، عن بشير الدّهان ، عن الصادق عليه السلام قال : «من اغتسل في

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٤ ، الباب ٧٥ من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٥.

(٢) كامل الزيارة : ٣٤٥ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٨.

(٣) كامل الزيارة : ٣٤٣ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٢.

(٤) كامل الزيارة : ٣٤٢ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل فى الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ١.

(٥) قوله : «الرواسي» بضمّ الراء المهملة والسين المهملة ، كما في التوضيح. منه رحمه الله.

١٥٤

الفرات ثم مشى إلى قبر الحسين عليه السلام كان له بكل قدم يرفعها ويضعها حجّة متقبّلة بمناسكها »(١) .

وكذا ما رواه فيه بسنده عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، قال : «كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في غسل الزيارة إذا فرغ من الغسل :اللهم اجعل لي »(٢) إلى آخر الدعاء.

إلا أن الاستدلال به بعد اعتبار سنده وثبوت التأسي بالإمام ، كما هو الحقّ كما حررّناه في الأصول خلافاً للمشارق حيث تأمّل فيه(٣) ، مبنيّ على دلالته على المداومة على الغسل ، وإلّا فلايثبت الاشتراط ، وكذا على دلالته على اشتراط الغسل لا كون الأمر من باب المستحب في المستحب ، حيث إنه قد وقع الكلام فيما فعله النبيّ صلى الله عليه وآله في ضمن الواجب في كون الأمر من باب الإناطة بالجزئية أو الشرطية أو الوجوب التعبّدي.

إلا أن الظاهر الاشتراط هنا والإناطة في باب الواجب.

إلا أن اعتبار الظهور مبنيّ على اعتبار نظر الناشئ من الفعل ، ومع هذا يبتني الاستدلال على كون الزيارة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام.

__________________

(١) الظاهر أنّ المصنّف هنا سهى قلمه الشريف فركب سند رواية على متن رواية اُخرى ، حيث إنّ الشيخ في التهذيب : ٦: ٥٣ ، ذكر هذا المتن بسنده إلى الحسين بن سعيد ، عن جعفر بن محمّد عليه السلام ، وهو الحديث الرابع في الباب ١٧ ، باب فضل الغسل للزيارة.

وأمّا السند الذي ذكره المصنّف هنا فهو للحديث الأوّل في نفس الباب ، ونذكره لارتباطه بالموضوع : «قال : من أتاه ـ يعني الحسين عليه السلام ـ فتوضّأ واغتسل من الفرات لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلّاكتب الله بذلك حجّة وعمرة».

(٢) تهذيب الأحكام : ٦: ٤٥ ، الباب ١٧ باب فضل الغسل للزيارة ، الحديث ٧.

(٣) مراده بذلك : مشارق الشموس في شرح الدروس : ١: ٨٨ ، للمحقّق الخوانساري المعروف بين أهل العلم بـ (آقا جمال) ، حيث إنّ المحقّق الخوانساري استشكل في ثبوت التأسّي بالإمام ، وظاهر كلامه اختصاصه بالنبيّ صلى الله عليه وآله.

١٥٥

لكن يمكن أن يذبّ عنه : بأن الشيخ ذكره في باب فضل غسل الزيارة ، وهذا الباب مقعود في غسل زيارة سيّد الشهداء عليه السلام ، وإن كان العنوان مطلقاً ، بشهادة الباب السابق عليه والباب اللاحق له ، حيث إنّ الباب السابق عليه باب نسب أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام وباب فضل زيارته ، والباب اللاحق له باب زيارته ، والغرض زيارة سيّد الشهداء عليه السلام وباب وداع أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام.

بل نقول : إنّ مقتضى بعض الروايات تعاهد الاشتراط.

كما رواه في كامل الزيارة بسنده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «أتاه رجل فقال له : هل يزار والدك؟

فقال :نعم إلى قال :من اغتسل من ماء الفرات وهو يريده تساقطت عنه خطا ياهُ كيوم ولدته اُمّه »(١) .

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة»(٢) : عن الحسن بن زبرقان(٣) الطبري بإسناده يرفعه إلى الصادق عليه السلام قال : «قلت ربّما أتينا قبر الحسين بن عليّ عليه السلام فيصعب علينا الغسل للزيارة من البرد أو غيره. فقال عليه السلام :من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام كتب له من الفضل ما لا يحصى ...»(٤) .

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٤ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٤.

(٢) قوله : «وكذا ما رواه في كامل الزيارة» هذا ما كتبه سابقاً ، لكنّه بعدما نقل من عبارة الحديث ، فمتى ما رجع إلى الموضع الذي اغتسل فيه وتوضّأ وزار الحسين عليه السلام كتب له ذلك الثواب ، ومقتضاه عدم اشتراط الغسل ، ويرشد إليه أنّ الحديث مذكور في كامل الزيارة في باب الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين بن عليّ صلوات الله عليه. منه رحمه الله.

(٣) قوله : «زبرقان» بكسر الزاي المعجمّة وسكون الباء الموحدة وكسر اللام المهملة والقاف ، كما في التوضيح. منه عفي عنه.

(٤) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ١٠.

١٥٦

بل مقتضاه شدة الاهتمام في باب الغسل وعدم ارتفاع اشتراطه بالعسر والحرج.

إلّا أن يقال : إن اعتبار شيء في عبادة ، سواء كان بالأمر الحاضر أو الغائب أو بالجملة الخبريّة ، ظاهر في كون الأمر من باب الاشتراط ، لا الواجب التعبدي في الواجب إن كانت العبادة واجبة ، أو المستحبّ في المستحب إن كانت العبادة مستحبة ، كما أنّ النهي عن الشيء مقيّداً بعبادة ظاهر في كون الأمر من باب الممانعة وفساد العبادة مع الاقتران بالمنهيّ عنه ، والأمر بالشيء مقيّداً بعبادة بالأمر الحاضر غير عزيز ، وقد حرّرنا المقال فيه في الأصول ، ومن باب الأمر الغائب والجملة الخبريّة ما في بيان زيارة عاشوراء من قوله :«فليعل أعلى منزله » ، وقوله عليه السلام : «برز إلى الصحراء أو صعد مرتفعاً في داره » حكاية الصعود إلى السطح والبروز إلى الصحراء في زيارة عاشوراء في الأمر الغائب ومطلق الزيارة في الجملة الخبريّة ، ويظهر الحال بما مرّ ، لكن اعتبار شيء في العبادة على وجه القضية الشرطية ، كما في هذه الأخبار المذكورة لا دلالة فيه على اشتراط الشيء في العبادة ، وإنّما المدلول اشتراط ترتّب الثواب والجزاء بالشيء المذكور ، فغاية الأمر الدلالة على كمال العبادة لا الاشتراط والإناطة.

بل نقول : إنّ مقتضى كثير من الروايات كون الغسل من باب الكمال.

كما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن بشير الدّهان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : «من أتى الحسين بن عليّ عليهما السلام فتوضّأ واغتسل في الفرات ، لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلّا كتب الله عليه حجّة وعمرة »(١) .

إذ لم يقل أحد باشتراط الوضوء مع الغسل لو كان العبارة بالواو ، أو على وجه الترديد لو كانت العبارة بأو ، فالظاهر مساوقة الوضوء والغسل ولا إشكال في كون الوضوء من باب الكمال.

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٥ ، الباب ٧٥ مَن اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام ، الحديث ٧.

١٥٧

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «إذا كنت منه قريباً ، يعني الحسين عليه السلام فإن أصبت غسلاً فاغتسل وإلّا فتوضّأ ...»(١) .

إلّا أن يقال : إنّ الأمر فيه ليس على منوال الرواية السابقة ، إذ لا بأس باستحباب الوضوء لمن لم يتمكّن من الغسل.

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن أبي الصّامت ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه السلام وهو يقول :من أتي قبر الحسين عليه السلام ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة ، ومحى عنه ألف سيئة ، ورفع له ألف درجة ، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلّق نعليك وامشِ حافياً وامشِ مشي العبد الذليل ، فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً ثم امشِ قليلاً ثم كبّر أربعاً ثم ائت رأسه فقف عليه فكبّر أربعاً وصلّ عنده واسأل الله حاجتك »(٢) .

إذ مقتضى الوقوع في سياق تعليق النعل والمشي حافياً ومشى العبد الذليل استحباب الغسل كاستحباب التعليق والمشي حافياً ومشي العبد الذليل.

نعم ظاهر اعتبار التكبير ولاسيّما أربعاً خصوصاً على التفصيل المذكور في الحديث اشتراط التكبير وهو الحال في الصّلاة.

وكذا ما رواه في «كامل الزيارة» بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام ، وعن نسخة عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : «قلت : إذا خرجنا إلى أبيك فلسنا في حج؟

قال :بلى.

قلت : فيلزمنا ما يلزم الحاج؟

__________________

(١) كامل الزيارة : ٣٤٨ ، الباب ٧٦ الرخصة في ترك الغسل لزيارة الحسين عليه السلام ، الحديث ٨.

(٢) كامل الزيارة : ٢٥٤ ، الباب ٤٩ ثواب من زار الحسين عليه السلام راكباً أو ماشياً ، ومناجاة الله لزائره ، الحديث ٤.

١٥٨

قال :يلزمك حسن الصحابة لمن يصحبك ، ويلزمك قلّة الكلام إلّا لخير ، ويلزمك كثرة ذكر الله ، ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر ، ويلزمك نظافة الثياب ، ويلزمك الخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمّد وآل محمّد ، ويلزمك التوقي لأخذ ما ليس لك ، ويلزمك أن تغضّ بصرك ، ويلزمك أن تعود على أهل الحاجة من إخوانك إذا رأيت منقطعاً والمواساة ، ويلزمك التقية التي هي قوام دينك بها والورع عما نهيت عنه والخصومة وكثرة الأيمان والجدال الذي فيه الأيمان ، فإذا فعلت ذلك تمّ حجك وعمرتك ، واستوجب من الذي طلبت ما عنده بنفقتك واغترابك عن أهلك ورغبتك فيما رغبت أن تنصرف بالمغفرة والرحمة والرّضوان »(١) .

__________________

(١) كامل الزيارة : ٢٥٠ الباب ٤٨ كيف يجب أن يكون زائر الحسين بن عليّ عليهما السلام ، الحديث ١.

١٥٩

[التنبيه] التاسع :

في أنه هل يجوز الإكتفاء في زيارة عاشوراء

باللعّن والسلام مرة واحدة؟

أنّه هل يجوز الإكتفاء في كل من اللعن والسلام بالمرّة الواحدة أم لا؟

قيل : إنّه يعتبر في اللعن والتسليم الإتيان بكل منهما مائة مرة ولا يكفي الأقل.

أقول : إن مقتضى رواية علقمة في كل من رواية كامل الزيارة و «المصباح» اشتراط تكرار اللعن والتسليم مائة مرة ، ومقتضى رواية كامل الزيارة ورواية عقبة وإن كان عدم اشتراط المائة ، لكن مقتضاه اشتراط كمال الإكثار ، حيث إنه مقتضى الاجتهاد المأخوذ في الروايتين ، فلا يكفي المرة الواحدة على التقديرين.

نعم يتأتى الكلام لو صدق الاجتهاد بدون المائة ، فلو قلنا بحمل المطلق على المقيّد في المستحبّات ، فلابدّ من البناء على المائة ، وإلّا فيكفي ما دون المائة ، كما أنّه لو قلنا بحمل المطلق على المقيّد يكفي ما دون المائة أيضاً ، بناء على التسامح في المستحبّاب لو قلنا باطراده مع الظنّ المعتبر بالخلاف ، وأمّا الاكتفاء بالمرة الواحدة فلا وجه لحرمنه ، إلّا تطرق البدعة ، لكنها غير متطرقة مع الاطلاع على اعتبار التكرار مائة مرة.

نعم لو كان مبيناً على خيال فاسد ، كخيال من عند النفس ، أو اجتهاد غير معتبر ، أو تقليد غير معتبر ، كتقليد بعض العوام لبعض آخر ، أو بعض أرباب العلم الغير البالغ رتبة الاجتهاد أو المجتهد مع عدم اعتبار مدرك اجتهاده ، كما لو كان اجتهاده مبنياً على القياس ، يتأتى تطرق البدعة ، ويظهر الأمر كمال الظهور بملاحظة ما حرّرناه في الأصول في باب البدعة في بحث التسامح في أدلّة السنن.

١٦٠