العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته6%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42729 / تحميل: 4664
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

١

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

المؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

٢

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالَمين

والصلاة والسلامُ على سيّد المرسلين

وعلى الأئمّة من آله المعصومين

وعلى أوليائهم أجمعين إلى يوم الدين

٣
٤

الأهداء

إلى سيّدي الوالد :

* الّذي اْستظَلَّ بِجِوارِ أبي الفَضْل العَبّاسِ عليه السلام عُمراً مَديداً

* وأَمَّ جماعةَ المُؤمنينَ في الحَرَمَينِ الشريفين الحُسَينيّ والعبّاسيّ سنينَ عَدِيدَةً

* وظلّ مدرّساً في الحوزةِ العلميّةِ في كربلاءَ المُقدّسة فترةً طويلةً الفقيه الحُجّة الشهيد السيّد مُحسن الحُسينيّ الجلاليّ الحائريّ

(١٣٣٠ ـ ١٣٩٦ هـ)

أُقدّم هذا العملَ الّذي هوَ ممّا نَفَثَهُ في رُوْعيَ من مَعارِفِهِ ومنوِيّاتهِ ورَغَباتِهِ قدّسَ اللهُ رُوحهُ وحَشَرَهُ مع الصِدّيقينَ ، آمين.

السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

٥
٦

دليلُ الكتاب

كلمة إدارة المكتبة ٩

مقدّمة المؤلّف ١٢

القسم الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام وسماتُه ١٥ ـ ١٤٣

البابُ الأوّل : هويّة العبّاس عليه السلام الشخصيّة ١٧

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة ١٢٧

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة ١٣١

القسم الثاني : سيرةُ العبّاس عليه السلام ١٤٥ ـ ٢٣٢

البابُ الرابع : سيرة العَبّاس عليه السلام في رحاب الأئمّة عليهم السلام ١٤٧

البابُ الخامس : سيرة العَبّاس عليه السلام في كربلاء ١٨٣

البابُ السادس : قِتال العَبّاس عليه السلام وأرجازه ومقتله ومرقدُهُ ٢٠٣

الخاتمة : ٢٣٣ ـ ٢٤٤

العَبّاس معجزة الحسين عليهما السلام ٢٣٣

الملاحق ٢٤٥ ـ ٣٧٠

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام ٢٤٧

الملحق الثاني : زوجة العبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيته في كتب النسب ، والأعلام منهم عبر التاريخ ٢٥٣

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب ٣٥٩

الفهارس العامّة ٣٧١

٧
٨

كلمة إدارة المكتبة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ لله ربّ العالمين ، وصلّى اللهُ على رسولهِ الأكرمِ ، وعلى آلِه الطيّبينَ الطاهِرينَ ، وسَلَّمَ وبعد :

حينَ تَشَرَّفنا باستلامِ مَهامّ إِدارةِ مكتبةِ العَتَبَةِ العَبّاسيّةِ المُشرَّفَةِ ؛ تداعَتْ إلى أذْهانِنا مجموعَةٌ من الإنجازاتِ المُنبَثِقة من رغبةٍ جادّةٍ في النهوضِ بِواقِعِ المكتبةِ ورَفْعِ أركانها بِما يليقُ بِمكانةِ مُشرِّفها عليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ، فبعد ما عانتهُ خلال السَنَواتِ العِجافِ الّتي أثّرتْ بعُمقٍ ملموسٍ على الواقع الثقافيّ في العراق عموماً ، وعلى هذا الصَرْحِ المقدّس بخاصّة.

وقد وضعنا في اعتبارنا أنّ نقطةَ الانْطلاقِ لا بُدّ أنْ تَسيرَ على خُطُواتٍ مرسومةٍ وِفْقَ خُطّةٍ مدروسةٍ تشملُ مَحاوِرَ عِدّةً :

فمن جهةٍ : أنّ المكتبة بحاجةٍ إلى المصادر العامّة الكثيرة والمنوّعة ، لِسَدِّ حاجةِ رُوّادِها بِمُختلفِ مشاربِبهم ومستوياتهم الثقافيّة والعلميّة.

ومن جهةٍ أُخرى : ونحنُ في مقامِ بابِ الحوائجِ أبي الفَضْلِ العَبّاس ابن أميْر المُؤْمِنيِنَ عليه السلام ، وفي مكتبتهِ العامِرَةِ ، والكلُّ ينهلُ من فيضهِ العَذْبِ ، ومَعَ ذلَك فنحنُ لا نملكُ من تُراثه إلاّ النَزْرَ الّذي لا يَسُدُّ طَلَبَ مُحبّيهِ ، ولا يُروّي ظَمَأَ شَوقِهِم إلى الوُقُوفِ عليهِ.

٩

فاستعَنّا بِاللهِ تعالى وقَصَدْنا بابَ مَنْ يلوذُ بِبابِهِ السائِلُونِ ، أنْ يُوفّقَنا لِخِدْمَةِ مُحبّيهِ في مَشارقِ الأرضِ ومَغارِبها ، من خلال إخراج دراساتٍ علميّةٍ ، بأقلامٍ مُعاصرةٍ ، وعلى منهجِ البُحُوثِ والدِراسات القويمةِ في مجالَي السيرةِ والتراجمِ ، ودراسةِ المَصادِرِ التاريخيّة ، وبِأُسلوبٍ مُواكِبٍ لِمُتطلّباتِ المَرحَلةِ الراهِنَةِ ، في ما يَخُصُّ سيّدَنا العَبّاسَ عليه السلام لِمَحدوديّة الأعمالِ الجادّةِ لِدراسةِ شَخصيّتهِ وسِماتِهِ وسِيرَتِهِ المُباركةِ ، وهُوَ القَمَرُ الزاهِرُ بينَ شُمُوسِ العِتْرةِ الطاهرةِ عليهم السلام والمُتألّق في رِحابِ العِصْمةِ والهُدى ، فكانَ لهَ نَورٌ يَشِعُّ في ظِلَّ الأوْتادِ المُطهّرةِ ، المَعْصومينَ : والده الإمام أمير المُؤمنينَ وسيّد الوّصِيّينَ ، وأخَوَيْه الإمامَينِ السِبْطَيْنِ الحَسَنِ والحُسَينِ عليهما السلام فكانَ من المُحَتّم أنْ يُكْتَبَ عن سِماتِهِ وسِيرَتِهِ بِالبحثِ والتنقيبِ والتَحَرّي الدقِيقِ.

وقد استجابَ اللهُ جلّ وعلا سُؤْلَنا بِأَنْ هَيَّأ لِهذِهِ المُهِمّةِ الشريفةِ أحَدَ أبْرَزَ المُحقّقينَ في مجالِ التأليفِ والبحثِ السيّدَ الجلاليَّ دامَ عِزُّهُ ، المُؤلِّفُ لِهذا الكتاب ، فانْبرى لِكتابَتِهِ مُعْتمِداً أوْثَقَ المَصادِرَ وأقْدَمَها ، مُستخدِماً ما عُرِفَ عنهُ وشاعَ من غزَارَةِ فِكْرٍ وعُمْقِ رُؤْيَةٍ وسَدادَ نَظَرٍ ، مَعَ بَراعَةِ الأُسْلُوب ، ومَنْهَجيّةِ الطَرْحِ ، وقدْ تَمَّ ما أَنجَزَهُ بِتَوفيقٍ من اللهِ تعالى وفَضْلٍ (ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

ونحنُ إِذْ نُقدّمُ هذا الكتابَ لِعاشقي سيّدِنا أبي الفَضْل العبّاس عليه السلام وطالبي المعرفَةِ ، نهنِّئُ السيّدَ المُؤلِّفَ للتوفيقِ لهذا العَمَلِ ، ونَدْعُو لَهُ بِالمزيدِ من التوفيقِ لِنيلِ شَرَفِ خِدمةِ الحَقّ وأَهلهِ من الّذينَ رَسَمُوا على جبينِ الإنسانيّة

١٠

بَصَمَات العِزِّ والفَخارِ ، كما قام به لأبي الفَضْل العَبّاس عليه السلام الّذي طبعَ بِكِلتي يَدَيْهِ بَصْمَةً ظلّتْ شِعاراً لِلوَلاءِ والوَفاءِ والإخْلاصِ ، لِكَشفِ الحقيقةِ ونَصْرِها ، وإزالَةِ الزَيْفِ والتزويرِ والظُلمِ ودَحْرِها.

وما نأملُ ونرجُو من الله تعالى التوفيقَ لِتحقيقه في القريب العاجل ، هُو جمعِ تُراث أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام من الشِعْرِ والنَثْرِ ، على طُولِ القُرُونِ من الأوّل حتّى عصرنا هذا.

ونسألُهُ تعالى العَفْوَ عن التقصيرِ ، والعَوْنَ في أَداءِ المُهمّاتِ ، والتوفيقَ لِما يُحِبُّ ويَرْضَى ، إنّهُ قَرِيْبٌ مُجِيْبٌ.

نور الدين الموسوي

إدارة مكتبة العتبة العبّاسيّة المشرّفة

كربلاء المقدّسة

١٤٣٣ هـ

١١

مقدّمة المؤلّف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

كانَ من توفيق الله تباركَ اسمُه أنْ حظيتُ بزيارة العَتَباتِ المُقدّسة في العراق ، في ثلاثة شُهُورٍ مُتواليةٍ : شهر رجبٍ المُكرّم ، وشهر شعبانَ المُعظّم وشهر رمضانَ المُبارك ، هذه السنةَ (١٤٢٩ هـ).

ومن مكارم تلك السَفرات أنّي فُزْتُ بزيارة مرقد سيّدنا الشهيد العبّاس أبي الفَضْلِ ابن أمير المؤمنين عليهما السلام في كربلاء المقدّسة ، وفي تلك البقعة المُباركة ساقني الحظُّ إلى لِقاء القائمين على خدمة عتبته المُقدّسة ، ووقفت عن كَثَبٍ على جُهُودهم الكبيرة في المجالات كافّةً ، وفي المجال الثقافيّ والإعلاميّ خاصّة ، فكانتْ أعمالُهم ممّا يفتخرُ به نظير ما يصدر في العتبات المقدّسة الأُخرى ، فشكرَ اللهُ سعيَهم وأجزلَ أجرَهم.

وفي اللقاء دارَ الحديثُ عن كِتابي (الحُسينُ عليه السلام سماتُهُ وسيرتُهُ) الّذي كانَ لهُ وَقْعٌ بين الأوساط العلميّة والتاريخيّة والأدبيّة ، منذُ ظُهوره ، فتداولَهُ خُطباء المِنْبر الحُسَينيّ دامَ مجدُهُم وعُلاهم ، وتقبّلُوهُ بقبولٍ حَسَنٍ ، وقرّظوهُ ، فأوقعَ في نفسي اعتزازاً ، لكونِهِ يَدُلُّ على قبولِهِ عندَ الله جلّ وعَزَّ ، وما يستَتبعُ من دُعاء القُرّاء لي بالمغفرة والرضوان.

١٢

وفي تلك الأجواء الْمَلْأى بالقُدسيّة ، وفي ظِلال العَتبة العَبّاسيّة المقدّسة وأروقة مرقده الشريف ، وصحنه الواسع المُبهج ، وفي جَمْعٍ مِنَ الفُضَلاء العاملين في خدمته ؛ وَقَعَ في خَلَدي أنْ أكتبَ عن سيّدنا أبي الفضل العَبّاس الشهيد عليه السلام كذلك كتاباً يحوي (سماته وسيرته) على منوال ما كتبتُ عن الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام.

ورجعتُ إلى مقرّ عملي في قُمّ المُقدّسة ، وبدأتُ العمل لإنجاز هذا الكتاب باسم (العَبّاس عليه السلام سماته وسيرته).

وقد التزمتُ فيه اعتماد أقدم المصادر المختصّة وأوثقها ، مقدّماً ما اتّفقت عليه ثمّ ما اجتمع عليه اثنان على الأقلّ ممّن تأخّر عصرُه.

مُحاولاً استنطاق النُصُوص بما يتوافقُ مع معطَيات العقائد الحقّة ، والتاريخ المثبَت ، ومؤدّى اللّغة والأدب.

ومعضّداً لذلك بالقرائن الحاليّة والمقاليّة المنثورة في التُراث الإسلاميّ ممّا تؤطِّرُ تلك النُصوصَ وتُقارن دلالاتِها.

هادفاً من العمل : أن لا تبقى النُصوصُ المنقولةُ مُبْهَمةً ، أو جامدةً على ظواهرها ، أو بعيدةً عن مُقارناتها المُهِمَّةِ الّتي تُثيرُ مداليلها وتُضيئ مقاصدها ؛ فالغرضُ الأقصى هو : توضيحُ النُصُوص وتقريب دلالاتها للوصول إلى أهدافها الواقعيّة ، الّتي نبتغي تقديمها إلى القُرّاءِ بأبهى شَكلٍ وأيسره.

وأرجُو من الله الكريم المَنّان أَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ بقبولِ هذا العمل الّذي لم أقصدْ به سوى وجههِ الكريم ، خدمةً لوليّهِ الصالِحِ.

١٣

وأن يُثِيْبَنِي عليهِ يَوْمَ لِقائِهِ ، بوسيلَةِ سَيِّدي وَعَمِّي وَمَوْلايَ أبي الفَضْلِ العبّاس عليه السلام بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوانِ في الآخرةِ ، والرحمةِ والتوفيقِ في هذِهِ الدُّنيا.

وآمُلُ أنْ يَقَعَ هذا الكتابُ عندَ القُرّاءِ المَوْقِعَ الَّذي سَبَقَ لكتاب (الحسين عليه السلام سماتُه وسيرتُه) ليكونا خُطَىً من قَدَمِ صِدقٍ لِي مَعَهما وأصحابِهما الّذين بَذَلُوا دُونهَما ، فأفُوزَ فَوزاً عظيماً ، وَاللهُ هُوَ المُسْتَعانُ.

وكَتَبَ

السيّد مُحَمَّد رِضا الحُسينيّ الجلاليّ

قمّ المُقدّسة ٢٠ شهر صفر الخير ١٤٣٣ هـ

١٤

القسم الأوّل

هويّة العبّاس عليه السلام وسِماتُه

البابُ الأوّل : هويّة العَبّاس عليه السلام الشخصيّة

البابُ الثاني : سمات العَبّاس عليه السلام الجسديّة

البابُ الثالث : سمات العَبّاس عليه السلام الروحيّة

١٥
١٦

البابُ الأوّل

هويّةُ العَبّاس عليه السلام الشَّخْصِيَّةُ

آباؤُهُ وأعْمامُهُ

أُمَّهاتُهُ وأَخْوالُهُ

اسمُهُ وأَلْقابُهُ وكُناهُ

إخْوَتُهُ وأَخَواتُهُ

١٧
١٨

آباؤُهُ الكِرامُ وأعْمامُهُ العِظامُ

ولد العَبّاس عليه السلام في كنف والدين ، فاحتوشه آباء وأُمّهاتٌ هم القمّة في الشرف والمجد

أتاهُ المجدُ مِنْ هَنّا وهَنّا

فَكانَ لَهُ بِمُعْتَلِجِ السُّيُوْلِ(١)

فوالدُهُ :

الإمامُ أَميْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليٌّ المُرتضى ، ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وآله وصهرُهُ زوجُ الزهراء فاطمة البتول عليها السلام وأبو السبطين الحسن والحسين عليهما السلام.

وهو مَن فضائلُهُ وفواضلُهُ كثيرةٌ سائرةٌ ، معروفةٌ مرفوعةٌ ، كالشمس في رائعة النهار ، وقد ملأت الدُنيا وخلدتْ ، لأنّها من الوحي صدرتْ ، وفي آيات القرآن الكريم وردتْ ، وعلى لسان النَبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله رويتْ.

وها هي سلسلةُ نَسَبِهِ الشريف :

فهو العَبّاسُ :

ابنُ عليٍّ أَمير المُؤْمِنِيْنَ ، أبي الحسن : وليد الكعبة المعظّمة ، وربيب

__________________

(١) من شعر يزيد بن عُبَيْد السعديّ ، أبي وجزة السلميّ (ت ١٣٠ هـ) قاله في محمّد الديباج ، وفي ديوانه : (أتاك) و(وكنت). وراجع : اختيار الممتع في علم الشعر وعمله للنهشلي (١ / ٧٣) ، وفيه : كمجتمع السيول.

١٩

الرسول ، وأوّل من آمن به ، وصهره ، ووصيّه ، وشهيد الصلاة في محراب مسجد الكوفة.

ابن أبي طالب :

شيخ البطحاء ، وسيّد بني هاشم ، ومؤمن قريش ، وعَمُّ الرسول وناصره وكافله ، فقال فيه لمّا مات : «يا عمّ ، ربّيت صغيراً ، وكَفَلْتَ يتيماً ونصرتَ كبيراً ، فجزاك الله عنّي خيراً» ومشى بين يدي سريره ، وجعل يعرضه ويقول : «وصلتك رحمٌ وجُزيت خيراً»(١) .

وقد أعلن أبو طالب إيمانَهُ ، وكشف عن معرفته بالحقّ ، في وصيّته وهو مُحْتَضَرٌ ، وهذا نصُّها منقولاً من خطّ ابن الشِحْنَة :

لمّا حضرت الوفاةُ أبا طالبٍ عمّ النَبِيّ ، جمع إليه وجوه قريشٍ وأوصاهم ، قال :

«يا معشر قريشٍ أنتم صفوةُ الله من خلقه ، وقلبُ العرب ، وفيكم السيّدُ المُطاعُ ، وفيكم المُقْدِمُ الشُجاعُ ، الواسعُ الباع.

واعلموا أنّكم لم تتركوا للعرب في المآثر نَصيباً إلاّ أحرزتموهُ ، ولا شَرَفاً إلاّ أدركتموهُ ، فلكم بذلك على الناس الفضيلة ، ولهم إليكم الوسيلة ، والناسُ لكم حربٌ ، وعلى حربكم ألْبٌ.

وإنّي أُوصيكم بتعظيم هذه البِنْية ، فإنَّ فيها مرضاةً للربّ ، وقواماً للمعاش ، ونبأة للوطأة.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (٢ / ٣٥)

٢٠

صِلُوا أرحامَكم ولا تقطعوها ؛ فإنَّ في صلة الرحم مَنسَأَة الأجَلِ ، وزيادة للعُمُرِ ، واتركوا البَغْيَ والعُقُوقَ ، ففيها هَلكَت القُرُون قبلكم ، وأعْطُوا السائِلَ ، وأجيبوا الداعِيَ ؛ فإنَّ فيهما شرف الحياة والممات. وعليكم بالصدق في الحديث ، وأداء الأمانة ؛ فإنّ فيهما مَحَبَّةً للخاصّةِ ومكرمةً للعامّة.

وإنّي أُوصيكم بمحمَّدٍ خيراً ، فإنّه الأمينُ في قريش ، والصدّيقُ في العرب ، وهو بكلّ ما أُوصيكم به ، وقد جاءَ بأمرٍ قَبِلَهُ الجنانُ وأنكرهُ اللسانُ مخافةَ الشنآن ، وأيمُ اللهِ ، لكأَنّي أنظرُ إلى صعاليك العرب وأهل الوَبَر والأطراف ، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دَعْوَتَهُ ، وصدّقوا كلمتهُ ، وعظّموا أمرهُ ، فخاضَ بهم غَمَراتِ الموت ، فصارت رؤساءُ قريشٍ وصناديدها أذْناباً ، ودُوْرُها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وأعظمُهم عليه أحوجَهم إليه ، وأنفرُهم منه أحضاهم عنده ، قد مَحَضَتْهُ العرب ودادها ، وأصْفَت لهُ فؤادها ، وأَعْطتْ له قِيادَها ، دونكم.

يا معشر قريشٍ ، كونوا له ولاةً ، ولحزبهِ حماةً ، والله لا يسلك أحدُكم سبيلَهُ إلاّ رَشَدَ ، ولا يأخذُ أحَدٌ بهدْيهِ إلاّ سَعَدَ.

ولو كانَ لنفسي مدّةٌ ولأَجَلي تأخيرٌ ، لكفَفْتُ عنهُ الهزاهِزَ ، ولدفَعْتُ عنه الدواهِيَ»(١) .

__________________

(١) نقل هذه الوصيّة المظفّر في بطل العلقمي (١ / ٨١ ـ ٨٢) عن كتاب (طراز المجالس ص ٢١٧).

٢١

وفي هذه الوصيّة الدلالة الوافية على ما لأبي طالب من مقام رفيع في الإيمان والحكمة والمعرفة والنصيحة لأُمّته ، بما يرفعه إلى مقام الحكماء الإلهيين ، فكلامه مستلهم من وصايا الأنبياء والأوصياء سلام الله عليهم أجمعين.

وقال السَّيِّدُ الناسبُ ابنُ عِنَبة : كان أبو طالب مع شَرَفه وتقدُّمه ـ جمَّ المناقب ، غَزير الفضل ، ومن أعظم مناقبه كفالته لرسول الله صلى الله عليه وآله وقيامه دونه ، ومنعه إيّاه من كفّار قريشٍ حتّى حصروه في الشعب ثلاث سنين.

ومن مناقِبهِ أنّه استسقى بعد وفاة أبيه عَبْد المطّلب ؛ فسُقِيَ(١) .

وقال الزبير : هو كافل رسول الله وحاميه من قريش وناصره ، والرفيق به والشفيق عليه ، ووصيّ عَبْد المطّلب فيه : فكان سيّد بني هاشم في زمانه ، ولم يكن أحد في قريش يسود في الجاهلية بغير مالٍ إلاّ أبو طالب وعتبة بن ربيعة.

وقال : وأبو طالب أوّلُ من سَنَّ القُسامة في الجاهلية ، ثمّ أثبتتها السنّة في الإسلام ، وكانت السقايةُ في الجاهلية بيد أبي طالب ، ثمّ سلّمها إلى أخيه العَبّاس(٢) .

وقال الديار بكري : كان عبْد المطّلب بعد هاشم يلي الرفادة ، فلمّا تُوُفِّيَ قامَ بذلك أبو طالب في كلّ موسم حتّى جاء الإسلامُ وهو على ذلك

__________________

(١) عمدة الطالب (ص ٦ ـ ٧).

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد (١٥ / ٢١٩).

٢٢

... وهو طعام الموسم يُطعمونه أيّام الحجّ بمكّة وبمِنى حتّى تنقضي أيّام الموسم(١) وعدّه ابن حبيب من حُكّام قريش(٢) ومن أشرافهم(٣) .

ابن عَبْد المُطَّلِب :

قال الجاحظ : عَبْد المطّلب سيّد الوادي غير مدافع ، أجمل الناس جمالاً ، وأظهرهم جوداً وأكملهم كمالاً ، وهو صاحب الفيل ، والطير الأبابيل ، صاحب زمزم وساقي الحجيج(٤) .

قام بسقاية الحاج ، وزاد أن حفر «زمزم» وبنى عليها حوضاً ، وقال : هي مأْثَرَتُنا وعِزُّنا(٥) . وفيه وفي بيته وآبائه يقول العدويّ :

بني شيبة الحمد الكريمِ فعالُهُ

يُضيئُ ظلامَ الليلِ كالقَمَرِ البدرِ

لَساقي الحجيج ثمّ للشيخ هاشم

وعَبْد منافٍ ذلك السيّدِ الغمرِ

أبوهم قُصَيٌّ كانَ يُدعى مُجمّعاً

به جَمَعَ اللهُ القبائلَ من فهرِ(٦)

__________________

(١) تاريخ الخميس (١ / ١٥٧).

(٢) المحبّر (ص ١٣٢).

(٣) المحبّر (ص ١٦٥).

(٤) فضل بني هاشم على عبد شمس للجاحظ (ص ٤١١).

(٥) الكافي للكليني (٤ / ٢١٩). وانظر : المصنّف للصنعانيّ (٥ / ١١٤) وتاريخ اليعقوبيّ (١ / ٤٧) والمنمّق لابن حبيب (ص ٣٣٥) ومعجم البلدان للحمويّ (٣ / ١٤٩).

(٦) فضل بني هاشم على عَبْد شمس للجاحظ (ص ٤١١) ونسب البيت الأخير إلى العدوي وهو حذافة بن غانم في البداية والنهاية لابن كثير. ونسب إلى الأخضر الّلَهَبِيّ ، وبلفظ (أبوكُم) إلى مطرود بن كعب الخُزاعيّ ، وفي الاشتقاق لابن دريد (ص ١٥٥) وفيه : (أبونا) منسوباً إلى شاعرٍ.

٢٣

هو شيبةُ الحمد ، أبو الحارث ، والملقّب بـ «الفيّاض»(١) .

قال الماورديّ الشافعي (ت ٤٥٠) : انتقلت السقايةُ ، والرفادةُ ، والرئاسةُ ، إلى عَبْد المطّلب ، وحَفَرَ ـ حين قويَ واشتدّ ـ زمزمَ ، وأخرجَ ما كان ألقاهُ فيها عامرُ بن الحارث الجُرْهميّ من غزالَي الكعبة وحَجَر الركن ، فضرب الغزالينِ صفائحَ ذَهَبٍ على الكعبة ، ووضع الحَجَرَ على الركن.

وقال ابن الأثير : وكان إلى عبد المطّلب : السقاية ، والرفادة ، وشَرُفَ في قومه ، وعظُم شأنُه ، ثمّ إنّه حَفَرَ زمزم وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، التي أسقاه الله تعالى منها ، فدفنتها جرهم(٢) .

وقال : وهو أوّل مَنْ تَحنَّثَ بحِرَاء ، فكان إذا دخل شهرُ رمضان صعد حِرَاء ، وأطعم المساكينَ جميع الشهر(٣) . وصار عَبْد المطّلب سيّداً عظيم القدر ، مطاع الأمر ، نجيب النسل ، حتّى مرّ به أعرابيُّ وهو جالسٌ في الحِجْرِ ، وحوله بنوهُ كالأُسُدِ ، فقال : «إذا أحَبَّ اللهُ إنْشاءَ دولةٍ ، خلقَ لها أمثال هؤلاء». فأنشأ الله لهم بالنُبُوّة دَولةً خلّدَ بها ذكرهم ، ورفع بها قدرهم ، حتّى سادوا الأنام ، وصاروا الأعلام ، وصار كُلُّ من قَرُب إلى

__________________

ويُروى : (قصيّ أبوكم كان يُدعى مجمّعاً) أُنظر : الروضُ الأُنُف للسهيليّ (١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٩) باختلاف.

(١) السيرة الحلبية (١ / ٤) بحار الأنوار (١٥ / ١١٩).

(٢) الكامل في التاريخ (٢ / ١٢).

(٣) الكامل في التاريخ (٢ / ١٥).

٢٤

رسول الله صلى الله عليه وآله أعظمُ رئاسةً وتنوّهاً ، وأكثر فضلاً وتألّهاً(١) .

لكن نَفَسَ آلُ حربٍ هذا المقامَ لآلِ هاشمٍ وأورثوا حقدَهم في أذيالهم ، حتّى قال القائل :

عَبْد شمسٍ قد أضرمت لبني ها

شم ناراً يشيبُ منها الوليدُ

فابنُ حربٍ للمصطفى وابنُ هندٍ

لعليٍّ وللحسينِ يزيدُ(٢)

ولمّا تنافَرَ عَبْد المطّلب ، وحربٌ بن أُميّة ، قال الحَكَمُ بينَهما وهو نُفيل ابن عَبْد العُزّى مُخاطباً لِحَربٍ :

أَتُنافرُ رجلاً هو أطولُ منك قامةً ، وأعظمُ منك هامَةً ، وأوسمُ منك وِسامةً , وأقلّ منك لآمةً ، وأكثرُ منك ولداً ، وأجزلُ منك صَفَداً ، وأطولُ منك مِذْوَداً»؟ فنفرهُ عليه (٣) .

فقال حربٌ : إنّ من انتكاث الزمان أنْ جعلناك حَكَماً!!(٤) .

وهو ابن هاشم :

عمرو ـ ويقال له : عمرُو العُلا ـ الّذي هَشَمَ الثريدَ لقومه في وقت شدِّة المَحْلِ ، فلقّب هاشِماً ، وكنيتُهُ أبو نَضْلة ، ويُدعى : «القَمَر» و«زَاد

__________________

(١) أعلام النبوّة للماوردي (ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤) وراجع تاريخ الطبري (٢ / ٢٥١).

(٢) النزاع والتخاصم للمقريزي واقرأ فيه تفاصيل ما بين الطائفتين ، وما لكلّ من الشأن والمقام.

(٣) المنافرة : هي المحاكمة في الحَسَبِ ، وهو من النفور بمعنى البعد والتجافي ، ونفره : يعني غلبه ، ونفر الحَكَمُ أحدهما على الآخر : بمعنى قضى له عليه بالغلبة.

(٤) تاريخ الطبري (٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤) وراجع : الكامل لابن الأثير (٢ / ١٥).

٢٥

الرَكْب» و«سيّد العَرَب».

وفي ذلك يقول الخُزاعي :

إلى القمر الساري المُنير دعوته ومُطعمهم في الأزل من قمع الجزرِ(١)

وقال ابن الأثير : كان يقال لهاشم والمطّلب البدران ، لجمالهما(٢) .

وكان يحمل الماء إلى منى لسقاية الحاجّ وكان بعد أبيه عبد مناف على السقاية والرفادة ، فكان يعمل الطعام للحجّاج(٣) وحفر بئراً اسمه «النيرد»(٤) .

قال الماوَرْدِيُّ : ملك هاشم الرِفادَةَ والسِقايَةَ ، واستقرّتْ له الرِئاسَةُ ، وصارتْ له قريشٌ تابِعةً تَنقادُ لأوامرهِ ، وتعملُ برأيِهِ. وتنافَرت قريشٌ وخُزاعة إليه ، فخطَبَهم بِما أذعَنَ له الفريقان بِالطاعة ، فقال في خطبته :

«أيّها الناسُ ، نحنُ آلُ إبراهيم وذرّيةُ إسماعيل وبنو النضر بن كنانة ، وبنو قصيّ بن كلاب ، وأرباب مكّة ، وسُكّان الحرم ، لَنا ذِرْوَةُ الحَسَبِ ، وَمعْدِنُ المجد ، ولكلّ في كلّ خلف يجب عليه نصرته ، وإجابة دعوته ، إلاّ ما دعا إلى عقوق عشيرةٍ أو قطع رحم. يا بَني قُصَيٍّ ، أنتم كغُصْنَيْ شجرةٍ أيّهما كُسِرَ أوحشَ صاحبَه ، والسيفُ لا يُصانُ إلاّ بغمدِه ،

__________________

(١) فضل بني هاشم على عَبْد شمس للجاحظ (ص ٤١٠) وقد سبق ذكر الشاعر مرود الخزاعيّ.

(٢) الكامل (٢ / ١٧) وانظر عمدة الطالب (ص ٩).

(٣) السيرة الحلبيّة (١ / ٦ و ٢٢).

(٤) معجم البلدان (١ / ٣٦١).

٢٦

ورامي العشيرة يُصيبهُ سهمُه ، ومَنْ أمحكهُ اللجاج أخرجه إلى البَغْيِ. أيّها الناسُ ، الحِلْمُ شَرفٌ ، والصَبْرُ ظَفَرٌ ، والمعروف كنزٌ ، والجودُ سُؤْددٌ ، والجهلُ سَفَهٌ والأيّامُ دَوَلٌ ، والدهرُ غِيَرٌ ، والمرءُ منسوبٌ إلى فعله ، ومأخوذٌ بعمله ، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمدَ ، ودعوا الفضول تجانبكم السفهاءُ ، وأكرموا الجليس يعمرُ ناديكم ، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم ، وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم ، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنّها رفعةٌ ، وإيّاكم والأخلاق الدنيئة فإنّها تضعُ الشرفَ وتهدمُ المجدَ.

ألا! وإنّ نهنهة الجاهلِ أهونُ من جريرته ، ورأسُ العشيرة يحملُ أثقالها ، ومقام الحليم عظةٌ لمن انتفع به».

فقالت قريشٌ : رضينا بك ، يا أبا نَضلة ـ وهي كنيته ـ فانقلبوا إلى ما أمر به من شريف الأخلاق ، ونهى عنه من مساوئ الأفعال.

فهل صدرَ إلاّ عن غزارة فضلٍ وجلالة قدر وعُلُوّ همّة ، وما ذاك إلاّ لاصطفاءٍ يُراد ، وذكرٍ يُشاد ، لأنّ توالي ذلك في الآباء يوجبُ تناهيهِ في الأبْناءِ.(١) .

__________________

أعلام النبوّة (ص ٢٨١ ـ ٢٨٢).

٢٧

وهو ابن عَبْد مَناف :

اسمهُ «المُغيرة» وكان يُدْعى «القَمَرَ» لجماله(١) ، ويُدعى «السيّدَ» لشرفه ، وسُؤدده(٢) . وكان له الشوكةُ في قريش ، ويُدْعى فخرَ البطحاء(٣) .

قال الماورديّ : أفضتْ رئاسةُ قريشٍ بعد قُصيّ أبيه ، إلى عَبْد مناف ابنه ، فجدّ ، وزاد ، وساد ، ، واستحكمت رئاستهُ بعد أبيه لِجُوده وسياسته ، وكان يُسمّى «القَمَرَ» لجماله(٤) .

وعن الواقدي : كان في يد عَبْد مَناف لِواءُ نِزار ، وقوس إسماعيل ، وكان فيه نُورُ رسول الله صلى الله عليه وآله.

ووُجِدَ كِتابٌ في حَجَرٍ : «أَنا المُغيرة بن قُصَيٍّ أُوصي قُريشاً بتقوى اللهِ جَلَّ وَعَلا وَصِلَةِ الرَّحِمِ»(٥) .

ولم تزلْ السقايةُ والرِّفادَةُ والقِيادَةُ لِعَبْد مَناف يقومُ بها حتّى تُوُفّيَ(٦) .

وهو ابن قُصَيّ :

اسمهُ «زيدٌ» وسُمّيَ بـ «قُصَيّ» لأنّ أُمّه بعد أبيه «كلاب» أقصتْ به ـ وهو فطيمٌ ـ إلى الشّام حيث مساكن زوجها الأخير من بني عُذْرَةَ

__________________

(١) الكامل لابن الأثير (٢ / ١٨).

(٢) عمدة الطالب لابن عِنبة (ص ٩).

(٣) نهاية الأرب للقلقشندي (ص ٢٨٠) وسبائك الذهب (ص ٦٩) عن ابن الأثير

(٤) أعلام النبوّة (ص ٢٨٠).

(٥) السيرة الدحلانية (١ / ٧).

(٦) شفاء الغرام.

٢٨

القُضاعيّ ، فتقصّى عن أهله وسُمّي «قُصيّاً».

فلمّا سار إلى مكّة الشريفة تزوَّج حُبّى بنت حُلَيلٍ الخُزاعيّ أبي غبشان الّذي صار إليه أمر البيت ، لأنّ خزاعة كانت قد وليت أمر البيت وسدانة الكعبة في ذلك العهد ، فاشترى قصيٌّ منه مفاتيح الكعبة ، وأشهد عليه ، ونادى ابنه عَبْد الدار عند الكعبة : «يا بني إسماعيل ، هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردّها الله عليكم».

وجمع قبائل قريش ـ وكانت متفرّقةً في البوادي ، فأسكنها الحرم فسمّي «مُجَمِّعاً» قال الشاعر :

أبوكُمْ قُصَيٌّ كان يُدْعى «مُجَمِّعاً»

به جَمَعَ اللهُ القبائِلَ من فِهْرِ

فصارت إليه السدانةُ والرِفادةُ.

وأذعنتْ قريشٌ لقصيٍّ بسقاية الحاجّ ، وكان يَسقيهم الماء المحَلّى بالزبيب ، كما كان يَسقيهم اللبَنَ(١) وحَفَرَ بئرَ «العجول» وهي أوّل سقاية حفرت بمكّة(٢) ثمّ حفر بئر «سجلة»(٣) .

وبنى دار الندوة ـ وهي أوّل دارٍ بُنِيَتْ بمكّةَ ، فلم يكن يُعقدُ أمرٌ تجتمع فيه قريش إلاّ فيها ، فصارَ لهُ مع السدانة والرفادة والسقاية : «النَدوةُ»(٤) .

وعن ابن إسحاق : فولِيَ قُصَيٌّ البيتَ وأمرَ مكّة ، وجمع قومَه من

__________________

(١) معجم البلدان (٣ / ٢٦٦).

(٢) معجم البلدان (٤ / ٨٨) وفتوح البلدان للبلاذري (١ / ٥٦).

(٣) معجم ما استعجم (٣ / ١٤).

(٤) عمدة الطالب (ص ١٠) وسبائك الذهب للسويدي (ص ٦٧).

٢٩

منازلهم إلى مَكّةَ ، وتملّكَ على قومه وأهل مَكَّةَ فملّكوهُ ، فكان أوّل بني كَعْبٍ أصابَ مُلكاً أطاعَ لهُ بهِ قومُهُ ، فكانتْ إليه الحجابةُ والسقايةُ والرفادةُ والندوةُ واللواءُ(١) ، فحاز شرفَ مكّةَ كلَّهُ ، فسمّتهُ قريشٌ «مُجَمِّعاً» لما جمعَ من أمرها ، وتيمّنت بأمره ، فما نُكِحَتِ امْرَأَةٌ ، ولا تزوّجَ رجلٌ من قريش ، ولا يَتشاورون في أمرٍ نزلَ بهم ، إلاّ في دارِهِ ، ولا تدّرع امرأةٌ من قريشٍ إلاّ في بيته ، ولا يخرجُ عِيْرٌ من قريشٍ فيرحلون إلاّ من داره ، ولا يُقدِمُ إلاّ نزلُوا دارَهُ ، فكان أمرُهُ في حياته وبعد موته كالدِيْنِ المُتّبَع لا يُعمل بِغيرِهِ ، واتّخذَ لنفسه دارَ النَدْوةَ ، قيل : كانَت في جهة الحِجْر والميزاب ، وجعل بابَها إلى مسجد الكعبة ، ففيها كانت قريشٌ تقضي أُمورها ، ولم يكن يدخُلها من قريشٍ من غير ولد قُصَيّ إلاّ ابن أربعين سنة(٢) .

وهو ابن كِلاب :

واسمه «حُكَيْم» ويُكنّى «أبا زُهْرَةَ»(٣) وإنّما سُمّي «كِلاباً» لأنّه كان يُحِبّ الصَّيْدَ ، فجمع كِلاباً يصطاد بها ، وكانت إذا مرّتْ على قريشٍ قالوا : «هذه كِلابُ ابنِ مُرّة» يعنون «حكيماً» فَغَلَبَ عليه(٤) .

قال اليعقوبيّ : شَرُفَ كلابٌ وجلَّ قدرُهُ ، واجتمعَ له شرفُ الأب ،

__________________

(١) لمعرفة هذه المناصب ، راجع الكامل لابن الأثير (٢ / ٢١ ـ ٢٣).

(٢) نقله عن ابن إسحاق وانظر الكامل لابن الأثير (٢ / ٢١) والاكتفاء (ص ١٧٥).

(٣) وإلى زهرة بن كلاب ينتهي نسب سيّدتنا آمنة بنت وهب والدة رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٤) عمدة الطالب (ص ١١).

٣٠

والجدّ من قبل الأُمّ ـ وهي نُعْمى بِنْتُ سرير الكنانيّة ـ(١) وفيه يقول الشاعر :

حَكِيْمُ بْنُ مُرَّةَ سادَ الورى

ببذلِ النوالِ وكفِّ الأذى

أباحَ العشيرةَ إفضالَهُ

وجنّبَها طارِقاتِ الرَدى(٢)

وهو ابن مُرَّة :

ويكنّى «أبا يَقَظَةَ»(٣) قال اليعقوبي : كان سيّداً هُماماً(٤) .

وهو ابن كَعْبٍ :

ويكنّى «أبا هصيص».

سألت ماوية أُمّ كعب أباه لؤيّاً : أيُّ بنيكَ أحبُّ إليك؟ فقال لها :

«الّذي لا يَرُدُّ بَسْطَ يديهِ بُخلٌ ، ولا يلوي لسانَهُ عجْزٌ ، ولا يلوّن طبيعتَهُ سَفَهٌ ، وهو أحَدُ وُلْدكِ باركَ الله فيكِ». وعنى به كَعْباً (٥) .

قال اليعقوبيّ : فكان أعظمَ وُلدِ أبيه قدراً ، وأعظمهم شرفاً ، وكان أوّلَ من سَمّى يوم الجمعة بـ «الجُمعة» وكان يُسَمَّى عروبة ، فجمعهم فيه وكان يخطب عليهم ويقول :

__________________

(١) تاريخ الخميس (١ / ١٥٣).

(٢) عمدة الطالب (ص ١١).

(٣) كذا بالظاء المعجمة في الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٣ ـ ٢٤) وفي سبائك الذهب (ص ٦٥) بالمهملة.

(٤) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٧).

(٥) بطل العلقمي (١ / ٥٢) عن مناهج الألباب (٢ / ٢٠٣).

٣١

«اسمعوا وتعلّموا ـ أو ـ أقيموا واعلموا ـ أنّ الليلَ ساحٍ ، والنهار ضاحٍ ، والسماء عمادٌ ، والجبال أوتادٌ ، والنجوم أعلامٌ ، والأوّلون كالآخرين ، والأنباء ذكرٌ ، فصِلُوا أرحامَكم ، وأحفظوا أصهاركم ، وثمّروا أموالكم ، فهل رأيتم من هلك رجع؟ أو من مات نُشِرَ؟ الدار أمامكم ، والظنّ غير ما تقولون ، وحَرَمُكم زيّنوهُ ، وتمسّكوا به ، فسيّأتي له نبأٌ عظيمٌ ، وسيخرجُ منه نبيٌّ كريمٌ».

ثمّ يقول :

نهارٌ وليلٌ كلّ أوبٍ بِحادثٍ

سواءٌ علينا ليلُها ونهارُها

يؤوبانِ بالأحداثِ حينَ تأوّبا

وبالنعمِ الضافي علينا ستارُها

صروفٌ وأنباءٌ تغلّبَ أهلُها

لها عقدُ ما [لا] يستحلّ مرارُها

على غفلةٍ يأتي النَبيُّ محمّدٌ

يصدّق أخباراً صدوقاً خبارُها

ثمّ يقول :

فياليتني شاهدٌ فحواء دعوتِه

وإذْ قريشٌ تُبَغّي الحقّ خِذْلانا(١)

[ويقول :] :

«لو كنتُ ذا سَمْعٍ وذا بَصَرٍ ويَدٍ ورِجْلٍ ؛ لتنصَّبتُ إليهِ تنصُّب الجَمَل ، ولأَرْقَلْتُ إليه إرقالَ الفَحْلِ ، فَرِحاً بِدعْوَتِهِ وجذلاناً بِصَرْخَتِهِ» (٢) .

قال الماوردي : وأفضتْ معالم الحجّ من أوزاع مضر إلى قريشٍ ،

__________________

(١) صبح الأعشى للقلقشندي (١ / ٢١٢) والسيرة النبويّة لابن كثير (١ / ١٦٧) باختلاف.

(٢) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٦) ودلائل النبوّة لأبي نعيم الأصفهاني (ص ٩٠).

٣٢

فولِيَها منهم كَعْبٌ ، وهو أوّل من أفصحَ بالنُبُوّةِ حين شاهَدَ آثارَها وعرف أسرارَها(١) .

قالوا : وكان كَعْبٌ عظيمَ القدر في العَرَبِ ، ولمّا ماتَ أرّخوا ـ وأرّخت قريشٌ ـ بِموتِهِ ، إعظاماً لهُ(٢) .

وقد عيّنهُ أبوه لؤيٌّ من بين أولاده لمقامه في كلمته الّتي سننقلها عند ذكره.

وأبوه لُؤَيّ بن غالب : يكنّى «أبا كَعْبٍ».

قال ابن قتيبة : إليه ينتهي عَدَدُ قريشٍ وشَرَفُها(٣) .

وقال اليعقوبيّ : كان لؤيٌّ سيّداً شريفاً بَيِّن الفضل ، يُروى أنّه ـ وهو غلامٌ حدث ـ قال لأبيه غالب :

يا أبَتِ ، رُبَّ معروفٍ قلَّ أخلافه ، ونصرٍ ـ يا أبتِ ـ مَن أخلفهُ أخملهُ وإذا أخْمِلَ الشيءُ لم يُذكرْ ، وعلى المولى تكبيرُ صغيرِه ونشرُه ، وعلى المولى تصغيرُ كبيرِه وسترُه.

فقال له أبوه : يا بُنيّ ، إنّي أستدلّ بما أسمع من قولك على فضلك وأستدعي به الطَوْل لك في قومك(٤) .

إلى آخر ما ننقله في ذكر غالب أبيه.

__________________

(١) أعلام النبوّة (ص ٢٧٦).

(٢) الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٥) وتاريخ الخميس (١ / ١٥٣).

(٣) المعارف (ص ٦٨).

(٤) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٤).

٣٣

وأُمّه : عاتكة بنت يخلُد بن النَضْر بن كنانة ، وهي أُولى العَواتك اللاتي ولدنَ رسول الله صلى الله عليه وآله من قريشٍ ، حتّى قال : «أنا ابن العواتك»(١) .

قالوا : فلمّا مات غالبٌ قَامَ لُؤيُّ بن غالبٍ مقامَهُ(٢) .

وأبوه غالب بن فِهْر : يكنّى «أبا تَيْمٍ»(٣) :

قال اليعقوبيّ : فلمّا مات فِهْرٌ شرف غالب ، وعلا أمرُهُ(٤) .

ولمّا قال له ابنُه لُؤَيٌّ ـ وهو غلامٌ حدث ـ : يا أبتِ ، رُبّ معروفٍ قلّ أخلافُه ، ونصرٍ ـ يا أبتِ ـ مَن أخلفهُ أخملهُ ، وإذا أخْمِلَ الشيءة لم يُذكرْ ، وعلى المولى تكبيرُ صغيرِه ونشرُه ، وعلى المولى تصغيرُ كبيرِه وسترُه.

قال له أبوه غالب :

يا بُنيَّ إنّي أستدلّ بما أسمعُ من قولِك على فضلِك ، وأستدعي بِهِ الطَوْلَ لَكَ في قومِكَ. فإنْ ظفرتَ بِطَوْلٍ فَعُدْ بِهِ على قومِكَ ، وكُفَّ غربَ جهلِهِم بِحِلمِكَ ، ولُمَّ شَعَثَهُم بِرِفْقِكَ فإنّما يفضُلُ الرِجالُ بِأفعالِهِم فإنّها على أوزانِها وأسقط الفضل. ومن لم تَعْلُ درجته على آخَرَ لم يكنْ له فَضْلٌ ، وللعُلْيا أبَداً على السُفْلى فَضْلٌ (٥) .

__________________

(١) تاريخ الطبري (٢ / ٢٦٢) والكامل لابن الأثير (٢ / ٢٥) وانظر عن عدد العواتك الكامل لابن الأثير (٢ / ٣٣ ـ ٣٥) ومقال (أنا رسول الله) في العدد (٢٠) من مجلة علوم الحديث.

(٢) تاريخ اليعقوبي (١ / ١٩٣).

(٣) سبائك الذهب (٦٣).

(٤) تاريخ اليعقوبي (١ / ١٩٢).

(٥) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٤).

٣٤

وأمّا فِهْرٌ : يكنّى «أبا غالب» :

قال اليعقوبي : ظهر في فِهْرٍ علامات فضلٍ في حياة أبيه(١) .

وقال الماوردي : كان فهر في زمانه رئيس الناس بمكّة(٢) .

وهو جماع قريشٍ عند الأكثر ، وقيل اسمه «قريش» و«فِهْر» لقبٌ.

ولمّا قصد حسّان بن عَبْد كلال في جمع حِمْيَرَ وأقْيَال اليمن ، ليهدمَ الكعبة ، فسارَ إليه فِهْرٌ في كنانة وأحلافهم من مضر ، فانهزمتْ حمير ، وأُسِرَ حسّان ، فعظمَ بهذا شأنُ فِهْرٍ ، وعزّتْ قريشٌ حين حَمَى مكّةَ ومنعَ من هدم الكعبة ، وهابَت العربُ فِهراً وعظّمُوهُ وعلا أمرُهُ(٣) .

ومن قوله لابنه غالب ، لمّا حضرته الوفاة :

أيْ بُنَيَّ ، إنّ في الحَذَرِ انْغلاقُ النفسِ ، وإنّما الجَزَعُ قبل المصائب ، فإذا وَقَعَتْ مُصيبةٌ ترتجز لها ، وإنّما القلقُ في غليانها ، فإذا قامتْ فَبَرِّدْ حَرَّ مصيبتِكَ بِما تَرى من وَقع المَنيّةِ أمامَكَ وخَلفَكَ وعن يمينِكَ وعن شِمالِكَ ، وما تَرى في آثارها من محقِ الحياةِ. ثمّ اقتصرْ على قليلكَ وإنْ قلّتْ منفعتُهُ ، فقليل ُ ما في يَدِكَ أغْنى لَكَ من كثيرٍ ممّا أخْلَقَ وَجْهَكَ إنْ صارَ إليكَ (٤) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٣).

(٢) أعلام النبوّة (ص ١٣٣).

(٣) تاريخ اليعقوبي (١ / ١٩٣) وانظر الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٦).

(٤) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٣).

٣٥

وهذا كلامٌ مَلْآنُ(١) بالحكمة البالغة.

وأبوه مالك : كنيته «أبو الحارث»(٢) :

قال اليعقوبي : كان عظيمَ الشأن(٣) .

وقال المسعودي : قيل له مالك ، لأنّه ملك العرب(٤) .

وهو ابْنُ النَّضْرِ : واسمه «قيس» ويكنّى بابنه «أبا يَخْلُد» :

وإنّما سُمّيَ «النضر» لجماله ووضاءته(٥) وهو المسمّى «قريش» على المشهور وقيل : بل هو «قُصَيّ» كما سبق.

وهو ابن كنانة : يكنّى «أبا النضر»(٦) :

وإنّما سُمّي «كنانة» لأنّه لم يزل في كِنٍّ من قومِهِ(٧) .

كان شيخاً عظيماً ، تقصده العربُ لعلمه وفضله(٨) .

وقال اليعقوبي : وظهر في كنانة فضائل لا يُحصى شرفها وعظمتها فروي : أنّ كنانة أُتِيَ ـ وهو نائمٌ في الحِجْر ـ فقيل له : تخيّر ـ يا أبا النضر ـ

__________________

(١) المَلِئُ وقد تُسَهَّلُ الهَمْزَةُ : الجدير ، وليس بمعنى المملوء كما شاع ، يُقال : فلانٌ ملِئٌ بكذا إذا كان خليقاً به وأهلاً لَهُ.

(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير (٢ / ٢٦).

(٣) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٣).

(٤) إثبات الوصيّة (ص ٧٤).

(٥) الكامل لابن الأثير (٢ / ٢٧) وذكره ابن عنبة في العمدة (ص ١١) وتاريخ الخميس (١ / ١٥٠) وغيرهما.

(٦) الكامل في التاريخ (٢ / ١٢).

(٧) السيرة الحلبية (١ / ١٦).

(٨) السيرة الدحلانية (١ / ١٠) والحلبية (١ / ١٦) وفي هذه : تحجّ إليه العرب.

٣٦

بين الصهيل والهدر ، أو عمارة الجُدُر ، أو عِزّ الدَهر.

قال : «كلّ هذا ، يا ربّ» فأُعْطِينَهُ(١) فصار كلّ هذا في «قريش»(٢) .

وكان في كنانة نورُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وكان يقول :

«قد آنَ خروج نبيّ من مكّة يُدعى «أحمد» يدعو إلى الله وإلى البِرّ والإحسان ومكارم الأخلاق ، فاتّبعوه تزدادوا شرفاً وعزّاً إلى عزّكم ولا تفنّدوا ما جاء به فهو الحقُّ» (٣) .

وهو ابن خُزَيْمَةَ : يكنّى «أبا أسد» :

وسمّي «خزيمة» لأنّه خزم ـ أي جمع ـ نورَ آبائه(٤) وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله(٥) .

وقال اليعقوبي : كان من حكّام العرب ، ومن يُعَدُّ له الفضل والسؤدد(٦) .

وأبوه مُدْرِكَةُ : واسمه «عَمْرو» أو «عامر» ويكنّى «أبا خزيمة» و«أبا هُذَيْل» بابنيه :

قال اليعقوبي : كان سيّد ولد نِزار ، قد بان فضلُهُ وظَهَرَ مجدُه(٧) .

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٣٢).

(٢) تاريخ الخميس (١ / ١٥١).

(٣) السيرة الحلبية (١ / ١٦).

(٤) إثبات الوصيّة (٧٤).

(٥) تاريخ الخميس (١ / ١٧٠).

(٦) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٩).

(٧) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٩).

٣٧

وقيل له : «مدركة» لأنّه أدرك كلّ عزٍّ وفخرٍ كان في آبائه ، وكان فيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله(١) .

وهو ابن الْياس :

قال اليعقوبي : كان قد شَرُفَ وبان فَضْلُهُ ، وكان أوّلَ من أنكر على بني إسماعيل ما غيّروا من سُنن آبائهم ، وظهرت منه أُمورٌ جميلةٌ ، حتّى رضوا به رِضاً لم يرضوا بأحدٍ من ولد إسماعيل عليه السلام بعد أدد ، فردّهم إلى سنن آبائهم حتّى رجعت سننهم تامّةً على أوّلها. وكان أوّل من أهدى البُدْنَ إلى البيت ، وأوّل من وضع الركن بعد هلاك إبراهيم عليه السلام. فكانت العربُ تعظّم الياسَ تعظيم أهل الحكمة(٢) .

وكان يُدعَى : كبير قومه وسيّد عشيرته ، ولا يُقطع أمرٌ ولا يُقضى لهم دونه(٣) .

وهو ابن مُضَر :

قال اليعقوبي : وَأَمّا مُضَرُ بن نِزار : فسيّد ولد أبيه ، وكان كريماً حكيماً(٤) .

قال المسعودي : إنّما سُمِّي «مُضَراً» لأنّه أخذ بالقلوب ، فلم يَرَهُ أحدٌ

__________________

(١) السيرة الحلبية (١ / ١٦) وانظر سيرة ابن هشام (١ / ٢٣ و ٧٩).

(٢) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨).

(٣) تاريخ الخميس (١ / ١٤٩).

(٤) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٦).

٣٨

إلاّ أحبّه(١) لحسنه وجماله ، وكان يُشاهد في وجهه نور النَبِيّ صلى الله عليه وآله(٢) ويقال له «مضر الحمراء» لأنّ أباه أورثه الذهب وما أشبهه.

قال الديار بكري : كان مسلماً على ملّة إبراهيم وفيه نورُ رسول الله صلى الله عليه وآله(٣) .

ومن كلامه :

«خير الخير أعجلُهُ ، فاحملوا أنفسكم على مكروهها ، واصرفوها عن هواها فيما أفسدها ، فليس بين الصلاح والفساد إلاّ صَبْرَ فَوَاقٍ ـ وهو ما بين الحلبتين ـ» (٤) .

وأبوه نِزار :

اسمه «خلدان»(٥) يكنّى «أبا أياد» أو «أبا ربيعة»(٦) وهما ولداه : قال اليعقوبي : كان نِزار بن معدّ سيّد بني أبيه وعظيمهم ، ومقامه بمكّة(٧) .

وفي السيرة : إنّ نِزاراً لمّا وُلِدَ ، نَظَرَ أبُوهُ إلى نُور النَبِيّ صلى الله عليه وآله بين عينيْهِ فرح فرحاً شديداً ونَحَرَ وأَطْعَمَ ، وقال : «إنّ هذا كلّه نزْرٌ ـ أي قليلُ ـ في

__________________

(١) إثبات الوصية (ص ٧٤).

(٢) السيرة الدحلانية بهامش السيرة الحلبية (١ / ١٠ ـ ١١).

(٣) تاريخ الخميس (١ / ١٤٨).

(٤) السيرة الدحلانية (١ / ١٣).

(٥) أعلام النبوّة (ص ١١٨).

(٦) تاريخ الطبري (٢ / ٢٧٠).

(٧) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٣).

٣٩

حقّ هذا المولود» فسُمِّي نِزاراً ، وكان أجمل أهل زمانه وأكبرهم عقلاً(١) وهو أَوَّلُ من كَتبَ الكِتاب العربيّ(٢) .

وقال الماوردي : عند ذكر مَعَدّ : ثمّ ازداد العزّ بوَلَدهِ نزارٍ وانبسطتْ به اليَد(٣) .

وقد قدّموه على أخيه قَنَص بْنِ مَعَدّ ، الّذي كانت له الأمارة على العرب بعد أبيهما(٤) .

وأبوه مَعَدُّ بن عدنان :

وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله(٥) .

قال المسعودي : إنّما سُمّيَ «مَعَدّاً» لأنّه صاحب حروبٍ وغاراتٍ على يهود بني إسرائيل ، ولم يُواقع أحَدَاً إلاّ رجع منصوراً مُظَفَّراً ، فجمع من المال ما لم يَجْمَعْهُ أحدٌ في زمانه(٦) وقد كان هو وأبوه على مِلَّةِ إبراهيمَ عليه السلام(٧) .

__________________

(١) السيرة الدحلانية (١ / ١٠) بهامش الحلبية.

(٢) السيرة الحلبية (١ / ١٧).

(٣) أعلام النبوّة (ص ٢٧٣).

(٤) تاريخ ابن خلدون (٢ / ٣٥٨).

(٥) تاريخ الخميس (١ / ١٤٧).

(٦) إثبات الوصيّة (ص ٧٣) وتاريخ الخميس (١ / ١٤٧).

(٧) السيرة الدحلانية (١ / ١٠).

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603