العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته3%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39487 / تحميل: 4342
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

لمّا انتهى إليهِ قتلُ جعفر بن أبي طالب ؛ دخَل على أسماء بنت عُميسٍ امرأة جعفر ، فقال : «أينَ بني جعفر (١) » فدعتْ بهم ، وهم ثلاثةٌ : عَبْد الله ، وعونٌ ، ومحمّدٌ ؛ فَمَسَحَ رُؤوسَهم.

فقالتْ : إنّك تمسحُ رؤوسَهم كأنّهم أيتامٌ!؟

فتعجّبَ رسول الله صلى الله عليه وآله ؛ فقال : «يا أسماءُ! أَلَمْ تعلمي أنّ جعفراً رضي الله عنه استشهد! » فَبَكَتْ ؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : «لا تبكي ، فإنّ جبرئيل عليه السلام أخبرني أنّ له جناحينِ في الجنّة ، من ياقوت أحمر ».

فقالتْ : يا رسول الله! لو جمعتَ الناسَ وأخبرتَهم بفضل جعفرٍ ؛ لا يُنسى فضلُهُ.

فعجبَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله من عقلها! ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «ابعثُوا إلى أهل جعفرٍ طعاماً ». فجَرَتْ بهِ السُنّةُ(٢) .

أقول : والعبّاسُ أبُو الفضل أشبهَ عمَّهُ جعفراً في الشهادة ، وفي الجناحينِ في الجنّة ، وله من الفضائل ما عبّرنا عن بعضها ، فكيفَ يُنسى فضلُ ابي الفَضْلِ السقّاء الشهيد؟. ولئنْ جَرَت (السُنّةُ) بتقديم الطعام لأهل الشهيد. فماذا قدّمت الأمّةُ لآلِ الرسول صلى الله عليه وآله بعد شهادة الحُسين والعبّاس عليهما السلام يوم كربلاء؟ سوى الأسر! والسبي! والقُيود في الأيدي والأرجل والرقاب! والحمل على العِجاف من بلدٍ إلى بلدٍ!؟.

__________________

(١) كذا! وفي طبعة : «أين بَنِيَّ؟» بدون الإضافة إلى اسم «جعفر».

(٢) المحاسن للبرقي (٢ / ٤٢٠) باب (٢٥) إطعام الطعام للمأتم ، رقم (١٩٤).

١٨١
١٨٢

البابُ الخامس :

سيرة العَبّاس عليه السلام في كربلاء

١ ـ الجهاد في سبيل الحقّ

٢ ـ الوفاء ، وردّ أمان الظلمة

٣ ـ المواساة والإيثار

٤ ـ الصبر والتحمُّل والمثابرة

٥ ـ الطاعة حتّى الشهادة

١٨٣
١٨٤

أوّلاً : الجهادُ في سبيل الحقّ

لا ريبَ أنّ العَبّاس عليه السلام مع صلته بالحسين عليه السلام نَسَبيّاً ؛ فهو أخُوهُ من أبيه ، ومعرفتُه بهِ سِبطاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وابناً للزهراء البتول عليها السلام.

وكلّ أَمرٍ من هذه يكفي حافِزاً لهُ على أداء ما يجبُ تجاهَ أخيه أبي عَبْد الله عليه السلام والأولى من بين ذلك كلّه اعترافُهُ بكونِ الحسين إماماً منصوباً من قبل الله والرسول المصطفى ، وأبيه المرتضى ، تجبُ على كلّ مسلمٍ طاعتُهُ المُطلقةُ ، ولم يكن العَبّاس عليه السلام ـ وهو في مقامه من المعرفة والإيمان والدين من هو ـ ليَتَخَلَّفُ عن ذلك أبداً.

وليس في الإقدام على الجهاد والقتل وبذل الدم والتضحية بالنفس ، مؤاربةٌ في منطق الدين ، فلا يُقبل إلاّ أن يكون في سبيل الله والعقيدة الحقّة ، والعَبّاس عليه السلام على معرفة تامّة بمثل هذا.

ومع ذلك ، فإنّ العَبّاس عليه السلام ـ وهو في محضر الإمام ـ يُريدُ أن يكون على بيّنةٍ تامّة من أمره ، كما يُريدُ أن يُعلنَ للتاريخ أنّه إنّما يخطُو على هذه السيرة ويرنُو إلى هذا الهدف ، ويعمل لأجل تحقيق هذه المعاني ، فهو يسألُ أخاهُ ـ قبلَ أن تلتحِمَ المعركةُ ـ : يا أبا عَبْد الله ، نحنُ على الحقّ ، فنقاتلُ؟ قال : «نعم»(١) .

__________________

(١) الإمامة والسياسة (٢ / ٦ ـ ٧).

١٨٥

إنّها الطريقهُ المُثلى لمن يحتاطُ لدينه ، ولا يتصرّف حسبَ رغباتهِ ولم يُقدِم في تصرّفاته على أساس من العصبيّة العِرقيّة والعُنصريّة والقَبَليّة ، بل إنّما اتّبع ما هو الحقّ الإلهيّ الّذي هو مُنتهى غاية المؤمنين.

وهذه أولى خُطوةٍ وضعها العَبّاس عليه السلام على أرض الجهاد في كربلاء لتكون قَدَمُهُ ثابتةً على الإيمان الصادق بحقّ اليقين ، المُبتني على علم اليقين ، للبُلُوغ إلى عين اليقين ، وهو لِقاءُ الله بين يَدَيْ وليّ الله.

وثانياً : إعلان الوفاء :

لمّا اندحَرَ جيشُ الكوفة ، مساءَ يوم التاسع ، وابتعدُوا عن مخيّم الحسين عليه السلام وغشي الظلامُ فضاءَ المقام ، عند قُرب المساء ليلةَ عاشوراء ؛ جمع الإمامُ عليه السلام أصحابه ـ والحديث من هنا لولده علي زين العابدين ـ قال : فدنوتُ منه لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذْ ذاك مريضٌ ، فسمعتُ ابي يقولُ لأصحابه :

أُثْني على اللهِ أحسنَ الثناء ، وأحمدهُ على السرّاء والضرّاء ، الّلهمّ إنّي أحمدُكَ على أنْ أكْرَمْتَنا بِالنُبُوّة ، وعلّمْتَنا القُرآنَ ، وفَقَّهْتَنا في الدين ، وجعلتَ لَنا أَسْماعاً وأَبْصاراً وأَفْئِدةً ، فاجْعَلْنا من الشاكرين.

أمّا بعدُ ، فإنّي لا أَعْلَمُ أَصْحاباً أَوْفى ولا خَيْراً من أَصْحابي ، ولا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ ولا أَوْصَلَ من أَهل بَيتي ، فَجَزاكُمُ اللهُ مِنّي خَيراً.

أَلا ، وإنّي لأَظُنُّ أّنَّهُ آخِرَ يومٍ لَنا مِن هؤلاء.

أَلا ، وإنّي قد أَذِنْتُ لكُم ، فانْطَلِقُوا جَميعاً في حِلٍّ ، لَيْسَ عليكمُم مِنّي

١٨٦

ذِمامٌ. هذا الليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَملاً ».

فقال له إخوتُه ، وأبناؤُه وبنُو أخيه وأبناءُ عَبْد الله بن جعفر :

«لِمَ نفعلُ ذلك؟ لِنَبقى بعدَكَ؟ لا أَرانا اللهُ ذلِكَ أَبَداً.

بدأهم بهذا القول «العَبّاس بن عليّ رضوان الله عليه» واتّبعته الجماعةُ عليه ، فتكلّموا بمثله ونحوه(١) .

ولفظ أبي الفرج :

قال عليه السلام : «...فجزاكم الله خيراً ، فقد آزرْتُم وعاونتم والقوم لا يُريدون غيري ، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أبداً ، فإذا جنّكم الليل فتفرّقوا في سواده ، وانجُو بِأنفسِكُم ».

فقام إليه العَبّاس بن علي أخوه ، وعليٌّ ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا :

معاذَ الله ، والشهر الحرام!

فماذا نقولُ للناسِ إذا رَجعنا إليهم : أنّا تَرَكْنا سيّدنَا وابنَ سيّدنا وعمادَنا ، تَرَكْناهُ غَرَضاً لِلنبل ودريئةً لِلرِماح ، وجَزراً لِلسباع ، وفَرَرْنا عنه رَغْبةً في الحياة؟!

معاذَ الله!

بَلْ نَحْيا بِحياتِكَ ونَمُوتُ مَعَكَ.

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (٢ / ٩١) وتاريخ الطبري (٥ / ٤١٩) والمنتظم لابن الجوزي (٥ / ٣٣٨) واللهوف لابن طاوس (ص ٩٠) والنويري في نهاية الإرب (٢٠ / ٢٧٢) والتاريخ لأبي الفداء (١ / ١٩١).

١٨٧

فَبَكى ، وبَكَوا عليه ، وجَزَّاهُم خَيراً ، ثُمّ نزل صلوات الله عليه(١) .

وفي كثير من المصادر أنّهم أنهوا كلامَهم بقولهم : «فَقَبَّحَ اللهُ العَيْشَ بَعْدَكَ»(٢) .

إنّه موقفٌ صعبٌ ، وخطيرٌ : خَيارٌ يشقُّ على المرءِ فيهِ الاختيارُ والمجالُ ضيّقٌ لا يتحمّلُ التأخير للتفكير ، ولا التَلَكُؤَ في الجواب المختار.

والخُطورة هي في أنّ الأمرَ واقعٌ في وجه الإمام بذاته ، فليس إلاّ ما ذكر الحُرُّ الرِياحيّ ، حيثُ قال : «إنّي أُخيّرُ نفسي بينَ الجنّة والنار في الدنيا الآخرة!».

وهل المؤمنُ العاقلُ يختارُ على الجنّة شيئاً ، غير الخسار والبوار؟!

ولكنّ أصحاب الحسين عليه السلام في ذلك الموقف كان الخيارُ عندهم بين الجنّة وشيءٍ آخر ، وهو : المصيرُ المجهولُ ، والضياعُ في هذه الدُنيا قبل النار.

بل صوّرَ بعضهُم الخيارَ : بينَ الجنّة المضمونة في مقعدِ صِدْقٍ ، مع الحسين وجدّه الرسول المُصطفى وأبيه الوصيّ المُرتضى وأخيه الحسن المُجتبى وأُمّه فاطمة الزهراء ، عندَ مليكٍ مقتدرٍ.

وبينَ الأسفِ والحسرةِ والندم والحزن مدى الحياة ، على ترك الحسين وأهله عُرضةً لتلك الوُحوش الشرسة!.

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ١١٣).

(٢) الإرشاد (٢ / ٩٥) وتجارب الأُمم لابن مسكويه (٢ / ٦٩) مقتل الحسين للخوارزمي (١ / ٢٤٦) والبداية والنهاية لابن كثير (٨ / ٢٥١).

١٨٨

لكنّ الّذين فازوا بالبقاء في تلك الليلة الحرجة ، كانُوا قد مرّوا بتجارب شديدة قبل هذه الساعة ، صقلتهم وصَفَّتْ ذواتَهم من دَرَنِ النُكُول والغدر ، ولم يبق في نفوسهم سوى معاني الوفاء والإخلاص ، وفي مقدّمتهم أهلُ بيتِ الحسين عليه السلام وفي طليعتهم الرائدُ المُجاهدُ «أبو الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام».

فهو أبو الوفاء ، الّذي نذرهُ أبُوهُ وبذرَهُ ، وأعدّهُ وبذرَهُ ، وأعدّهُ لِمثل هذا اليوم عندَما طلبَ مولوداً شجاعاً فارساً من أُمٍّ قد ولدتها الفُحولة من العرب ، وهي «أُمّ البَنِيْنَ عليها سلام الله».

إنّ التصميم السريع للإجابة على طلبٍ ، مثل ما جاء في كلام الإمام عليه السلام في مثل ذلك الموقف الخطير الصعبِ ، والانتخاب في مثل تلك الليلة الحرجة ؛ لَهُو من أصعب الأُمور ، لا يَتَأَتّى لكلّ أحدٍ بِيُسرٍ ، إلاّ ممّنْ كانَ سريعَ البديهة ، ويملكُ قلباً مُطمئنّاً ، ومعرفةً تامّةً ، وفكراً صائباً ، ولم يكنْ ذلك لشخصٍ سوى العَبّاس ، الّذي سبق الجميع بالجواب السريع.

إنّ العَبّاس بكلمته تلك وَفى بحقّ الجواب ، وفتح للآخرين الباب ، فانطلقوا يتبعوه بمثله ونحوه ، وكان كلام الآخرين كأنّه تفصيلٌ لما أوجزه العَبّاس بكلمته.

فبدأ من كان حاضراً من أهل البيت قبل سائر الأصحاب :

فقال آل عقيل :

«سُبحانَ الله! فما يقول الناس؟

١٨٩

يقولون : أنّا تركنا شيخَنا وسيّدَنا وبني عُمومَتنا خيرِ الأعمام! ولم نَرْمِ معهم بِسَهمٍ! ولم نَطْعَنْ معهم بِرُمحٍ! ولم نَضْرِبْ معهم بِسَيْفٍ!؟

ولا ندري ما صنعوا؟!

لا والله ، ما نفعل ذلك.

ولكن نفديك أنفسَنا وأموالَنا وأهلِينا ، ونقاتلُ معكَ حتّى نَرِدَ مَورِدَكَ.

فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَكَ»(١) .

وتلاهم الأصحاب :

فقام إليه مسلم بن عوسجة ، وزهير بن القين البجلي ، فتكلّما بما يدلّ على إخلاصهما ووفائهما. وتكلّم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجهٍ واحد(٢) .

فجزّاهم الحسين عليه السلام خيراً ، وانصرف إلى مضربه(٣) .

إنّه لابتلاءٌ عظيمٌ ، عرضه الإمام على الملأ ، وخرج منه أهله وأصحابه الأوفياء بدرجة عالية ، وأثبتوا أنّ كلّ واحد منهم أُمثولة للوفاء ، بكلماتهم ليلة عاشوراء ، وفي يوم عاشوراء : طبّقوا أقوالهم بصمودهم أمام الأعداء ؛ ففازوا بشارات الفلاح والنجاح.

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (٢ / ٩٢).

(٢) لقد جمعنا هذه الكلمات في مقال بعنوان (شهداء حقّاً) نشر في مجلّة (ذكريات المعصومين عليهم السلام) الكربلائية الّتي كان يصدرها صديقنا المرحوم السيّد محمّد علي الطبسيّ رحمة الله في سنة (١٣٨٥).

(٣) الإرشاد للمفيد (٢ / ٩٣) ولاحظ الطبري (٥ / ٤١٩ ـ ٤٢٠).

١٩٠

وكما خلدتْ قضيّتُهم وأهدافُهم ، فقد خلدُوا هُم في قائمة (شهداء الحقّ) مدى الدهر ، وفي طليعة القائمة اسمُ السقّاء ابي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام أبي الوفاء.

فقد سجّلوا مواقفهم بدمائهم الحمراء ، الّتي اختلطت بدماء أهل البيت من أولاد علي والحسين ، وها هي تظهر على الأُفق معلنةً انتصار الحقّ ، وتشهدُ لخُلُود أهله مَدى الدهرِ إلى يوم الخلود ، كما قال المعرّي :

وعلى الدَهْرِ من دِماءِ الشهيديـ ـنِ عليٍّ ونجلِهِ شاهِدانِ

فهُما في أواخرِ الليلِ فَجْرا نِ وفي أولَياتِهِ شَفَقانِ

ثَبَتَا فِي قَمِيصِهِ لِيَجِيءَ الحَشْـ ـرَ مُسْتَعْدِياً إلى الرَحْمنِ(١)

رفضُ أمان الولاة الجائرين :

ولئن واجَهَ العَبّاسُ وإخوتُهُ ذلك الامتحانَ الصعبَ معَ عامّة الأصحاب ، وخرجُوا جميعاً مرفوعي الرأس ، فإنّ العَبّاسَ وإخوتَه خاصّةً ، امتُحِنُوا ببلاءٍ أصعبَ وفتنةٍ أدهى وأَمَرَّ ، وهو «الأمان» الّذي اختصّهم به بعض أقاربهم من بني قبيلة أُمّ البَنِيْنَ أُمّهم.

والروايةُ ـ كما نقلها الطبريّ ـ هي : قال أبو مِخنَف : عن الحارث بن حصيرة ، عن عَبْد الله بن شريك العامريّ ، قال :

قام شَمِرُ [بن ذي الجَوْشَن الكِلابيّ] وعَبْد الله بن أبي المُحِلّ (الديّان)

__________________

(١) لأبي العلاء المعري وهو في ديوانه سقط الزند (ص ٩٦) والمرويّ : وعلى الأُفْقِ .

١٩١

ابن حَرام(١) بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن عامر بن كعب بن عامر بن كِلاب.

وكانت أُمُّ البَنِيْنَ ابنةُ حرام عمّتُهُ ، عند عليّ بن ابي طالب عليه السلام فولدتْ له : العَبّاسَ ، وعَبْد الله ، وجعفراً ، وعثمانَ ـ.

فقال عَبْد الله (لِعُبَيْد الله بن زياد) : أصلح الله الأمير ، إنّ بني أُختِنا معَ الحُسين ، فإنْ تكتبْ لهم أماناً ؛ فعلتَ.

قال : نعم ، ونعمة عينٍ.

فأمَرَ كاتبَهُ ؛ فكتب لهم أماناً ، فبعثَ به عَبْد الله بن أبي المُحِلّ مع مولىً له يقال له : «كرمان» فلمّا قدمَ عليهمْ دعاهمْ فقال : هذا أمانٌ بَعَثَ بِهِ خالُكُمْ.

وقال ابن الأعثم الكوفيّ : فلمّا وردَ كتابُ عَبْد الله بن أبي المُحِلّ على بني عليٍّ ، ونظروا فيه ، أَقْبَلوا بِه إلى الحُسين ؛ فَقَرَأَهُ.

فقال الفِتيةُ(٢) : اقْرأ خالَنا السلامَ وقلْ له : لا حاجَةَ لَنا في أمانِكُم ، أمانُ اللهِ خَيْرٌ من أمانِ ابنِ سُميّة(٣) .

وهذا الجواب يُعبّرُ عن نفسٍ مُطمئنّةٍ ، وأَدَبٍ فَذٍّ ، يَلِيقانِ بِأُولئك الأشراف ، ولو في مثل تلك الظروف الحرجة.

__________________

(١) في المصدر (حزام) وقد صوّبناه.

(٢) كلمة (الفتية) لم يرد في المصدر ، وإنّما ذكر من الطبري.

(٣) الطبري (٥ / ٤١٥) والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام (١ / ٢٤٦) ولاحظ الكامل لابن الأثير (٤ / ٥٦). وانظر : الفتوح لابن أعثم : (٥ / ٧ ـ ١٦٨).

١٩٢

والرواية في المصادر الشيعيّة تقول : إنّ الجائي بالأمان هو شَمِرُ بن ذي الجَوْشَنْ ، وهو ـ أيضاً ـ كِلابيّ ضِبابيّ ، من بني معاوية ـ الضِباب ـ ابن كِلابٍ. فقد روى الشيخ المفيدُ ، قال : ونهضَ عمرُ بن سعد للحُسين عليه السلام عشيّةَ الخميس لتسعٍ مضينَ من المُحرّم ، وجاء شَمِرٌ حتّى وقف على أصحاب الحُسين عليه السلام فقال : أينَ بَنُو أُختِنا؟.

فخرج إليه العَبّاسُ ، وجعفرٌ ، وعَبْد الله ، وعثمانُ ، بَنُو عليّ بن أبي طالب عليه وعليهم السلام ، فقالُوا : ما تُريدُ؟

فقال : أنتُمْ ـ يا بني أُختي ـ آمِنُونَ.

فقال له الفِتيةُ : لَعَنَكَ اللهُ ، ولَعَنَ أمانَكَ! أتُؤمِننا وابنُ رسول الله لا أمانَ لَهُ(١) ؟!

وفي رواية ابن عِنَبة ، قال الرواةُ : لَمّا كانَ نومُ الطَفّ ؛ قال شَمِرُ بن ذي الجوشن الكلابيّ لِلعبّاس وإخوته : أينَ بَنُو أُختي؟ فلم يُجِيبُوهُ.

فقال الحُسينُ لإخوته : أَجِيبُوهُ وإنْ كان فاسِقاً ، فإنّه بعضُ أَخْوالِكم؟

فقالوا له : ما تُرِيدُ؟ قال : أُخرجُوا إليَّ ، فإنّكم آمِنُونَ ، ولا تقتلوا أنْفُسَكم معَ أَخِيكم.

فَسَبُّوهُ ، وقالُوا له : قَبُحْتَ وقَبُحَ ما جِئتَ بِهِ ، أنَتْرَكُ سيّدَنا وأخانا ونَخْرُجَ إلى أمانِكَ؟!(٢) .

__________________

(١) الإرشاد (٢ / ٨٩) ونحوه في تاريخ الطبري (٥ / ٤١٦).

(٢) عمدة الطالب (ص ٣٥٧).

١٩٣

وفي رواية ابن أعثم الكوفيّ : وأقبل شَمِرُ بن ذي الجوشن حتّى وقف على معسكر الحُسين عليه السلام فنادى بأعلى صوته أين بنو أُختنا : عَبْد الله ، وجعفر ، والعَبّاس ؛ بنو عليّ ابن أبي طالب؟ فقال الحسين لإخوته : أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنّه من أخوالكم! فنادوه : ما شأنُك؟ وما تُريد؟

فقال : يا بني أُختي ، أنتم ىمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، والزموا طاعةَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ يزيدَ بن مُعاوية.

فقال له العَبّاس بن عليّ رضي الله عنه : تبّاً لَكَ يا شَمِر ، لَعَنَكَ اللهُ ، ولَعَنَ ما جِئتَ بهِ من أمانِكَ هذا ، يا عدوَّ الله! أتأمُرُنا أنْ ندخُلَ في طاعة العُتاة ، ونَتْرُكَ نُصرةَ أخِينا الحُسين؟!.

قال : فرجَعَ الشمر إلى معسكرهِ مُغْتاظاً(١) .

ونجدُ هنا أنّ المتكلّمَ في جواب شَمِرٍ هو العَبّاسُ عليه السلام وقد جاء في رواية الشَجَريّ الزيديّ أنّ المُخاطب كان هو العَبّاسُ أيضاً ، فقد روي بالسند إلى ابن الكلبي ، قال : صاحَ شَمِرُ بن ذي الجوشن ، يومَ واقَعوا الحُسين عليه السلام : أيا عبّاسُ ـ يعني العَبّاس بن عليّ عليهما السلام ـ أُخرجْ إليَّ أُكلّمْك!

فاستأذن الحُسينَ ، فأذِنَ لَهُ ؛ فقال له : ما لَكَ؟

قال : هذا أمانٌ لَكَ ، ولإخْوَتِكَ من أُمّك ، أَخَذْتُهُ لَكَ من الأمير ـ يعني ابن زياد ـ لِمكانِكم مِنّي ، لأنّي أحدُ أخوالِكم ، فاخْرُجُوا آمِنينَ.

فقال له العَبّاس : لَعَنَكَ اللهُ ، ولَعَنَ أمانَكَ ، واللهِ ، إنّك تطلُبُ لَنا الأمانَ أنْ

__________________

(١) الفتوح لابن أعثم (٥ / ٨ ـ ١٦٩) وانظر الكامل لابن الأثير (٤ / ٥٦).

١٩٤

كُنّا بني أُختك ، ولا يأمَنُ ابنُ رسول الله صلى الله عليه وآله!؟!(١) .

ويظهر من مجموع الروايات أنّ المحاولة قد تكرّرت :

تارةً : من عَبْد الله الكلابيّ.

وقد كان جواب العَبّاس وإخوته ، هادِئاً ومُعبِّراً عن أدب ، وإيمان بأمانِ اللهِ! وتذكير لمن غَفَلَ عن الله ورفض اللُجُوء إلى أمان الظالمين.

وتارةً أُخرى : من شَمِر الضِبابيّ الكِلابيّ.

وكأنّه لم يقنع بالمحاولة الأُولى ، أو أرادَ أنْ تكونَ له هذهِ المأثرةُ ، فتقدّمَ بنفسهِ على تنفيذها.

ثمّ إنّ روايات محاولة شَمِرٍ ، تحتوي على أُمور مهمّة تسترعي التنبّه :

١ ـ أنّ الفِتيةَ كانوا على علمٍ به ومعرفة ، حيثُ لم يُجيبوهُ أوّلاً.

٢ ـ أنّ الإمام عليه السلام ـ وفي تلك الظروف القاسية ـ أكّدَ على رِعاية صِلة الرَحِمِ ، مهما كانت بعيدةً ، فإنّ شَمِراً لم يرتبطْ بأُمّ البَنِيْنَ إلاّ في جدّها الأعلى ، فإنّها من بني عامر بن كلابٍ ، وشَمِرٌ من بني معاوية بن كِلابٍ ، فمع ذلك راعى الحسين عليه السلام هذه الرحم ، وأطلق عليه كلمة «الخال» الّتي تعوّد العربُ على إطلاقها في هذه الحال ، لأنّه من أقرباء الأُمّ.

وهذه دلالةٌ أُخرى على عظمة أهل البيت عليهم السلام وكونهم محافظين على الشريعة الإسلاميّة وآدابها ، لا تصرفهم عنها أحرجُ المواقف وأشدّ الأزمات!

__________________

(١) الأمالي الخميسية (١ / ٤ ـ ١٧٥).

١٩٥

وهل موقفٌ أعظم تأزّماً ممّا كان فيه الحسين يوم ذاك!؟

٣ ـ استنكار العَبّاس وإخوته ما ذكره شمر من (طاعة الطغاة) تلك الّتي اعتمدها الحشويّة شعاراً وديناً ، وقضوا بذلك على مكارم الإسلام ، وانتهكوا به محارم المسلمين ، بتسليطهم للفجرة والفسقة ، بل الكفرة ، على الحكم في البلاد الإسلاميّة(١) .

٤ ـ استنكارهم على شمر رعايته لرحمه منهم ، وعدم رعايته لرحم رسول الله ، بطلب الأمان لهم ، والحُسين عليه السلام ابن رسول الله لا أمانَ له.

بذلك أتمّوا الحُجّة على الّذين يُراعون جزئيّات أحكام الدين ويُحاولون امتثال فروع الفرائض والنوافل ، ويأتُون الكبائر من الجرائم العظائم من المظالم ، كما واجهوا به أهل البيت عليهم السلام عامّة ، وهم اليوم يُواجهون الحُسين عليه السلام خاصّة.

٥ ـ وتقبيحهم لما جاء به من الأمان ، ورفضهم طلبه منهم ترك الإمام بشدّةٍ وقُوّةٍ ، لما يحتوي عليه من الجهل بمقام الإمام أوّلاً ، وما فيه من غباءٍ ورذالةٍ وعَمَىً عن أنّ هؤلاء الأشراف أعمقُ إيماناً ، وأصدقُ مقاماً ، وأوفى ذِماماً من أن يتركوا سيّدهم وإمامهم ويلجؤُوا إلى الفسقة والقتلة!

٦ ـ وأهمّ ما في هذه الروايات : أنّ المخاطبَ فيها هو خصوص

__________________

(١) اقرأ عن هذا الموضوع مقالنا (الحشوية الأميريون) المنشور في مجلّة (علوم الحديث) الصادرة من كلّية علوم الحديث ـ بطهران.

١٩٦

العَبّاس عليه السلام وأنّ المُتكلّم المُجيب فيها هو العَبّاسُ نفسه. ممّا يدلّ على أنّه المحور المَعْنِيُّ ، بين أصحاب الحُسين عليه السلام وأهل بيته.

أهداف الأمان :

ثمّ لا ريب أنّ عملية «الأمان» هذه كانت تدبيراً من قبل أعداء الحسين عليه السلام وهدفهم تقطيع أوصال الركب الحسينيّ ، وتشتيت جمع أصحاب الإمام ، وتفتيت قوّته العسكريّة ، والفَتّ في عَضُد أنصاره ، فإنّ انفصال العَبّاس وإخوته عن أخيهم الحسين عليه السلام ـ بأيّ عُنوان كانَ وكيفما حصل ـ كان فيه تحقّق تلك الأهداف اللئيمة.

ولئنْ قال الحسين عليه السلام : «الآن ، انكسر ظهري » عند مقتل العَبّاس أخيه ، في آخر لَحظات الحَرب ، وبعدَ انفرادِهِ ، فإنّ هذه المحاولة ـ لو تحقّقت ـ كانت تقضي على كيانه كلّه من أوّل لَحظةٍ!

لكن الموقف المُشرّف للإخوة الأوفياء ـ وفي مقدّمتهم العَبّاسُ النافِذُ البصيرة بأحابيل الأعداء وأساليب مكرهم ـ أفشلَ تلك المُحاولة الدنيئة ، فدفنت في أهدافها الخفيّة ، بردّهم الحاسم على المحاولة من جذورها.

وأفضحُ ما في العمليّة من الخُبث : أنّها ظهرتْ بمظهر «صِلَة الرَحِم» من قبل عدوٍّ لئيمٍ ، كان من أشدّ الخوارج على الإمام أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام وهو شَمِر ؛ فكان العَبّاسُ أذكى من أن تنطليَ عليه أمثالُ تلك المكائد الّتي أصدق ما يُطلَقُ عليها أنّها (كلمةُ حقٍّ يُرادُ بِها الباطِلُ) حيثُ العناوين الحَسَنةُ والطيّبةُ تنطوي على الأغراض الفاسدة والخبيثة وتُستخدمُ من

١٩٧

أجل تنفيذها!.

وإلاّ ؛ فكلّ مؤمنٍ يعلمُ أنّ صلة الدين والإيمان ، أحقُّ بالرعاية من صلة الرحم غير المؤمنة ، لو دارَ الأمرُ بينهما.

وأنّ صلة النُبُوّة والإمامة ، أقوى من صلة النَسَبِ بِدونهما ، وأنّ صلة رحم رسول الله وعليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ وأهل البيت الطاهرين من ذَوِي قُرباهُ ، هي اللازمة المراعاة ، لأنّها أجرُ الرسالة المُقدّسة بِنَصّ القُرآن حيثُ قال الله :( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) الآية(٢٣) من سورة الشورى(٣٣) .

فهل يُصدّقُ من يُراعي صلةَ الأرحام النسبيّة بين الناس ، ويقوم بأداء حقّها؟ أن يكون ممّن يُحارِبُ ارحام الرسول وأهل بيته ، ويُريدُ قتلَ ابن بنت رسول الله!

وموقف العَبّاس ـ وبتبعه إخوتُهُ الكرامُ ـ احتوى على الجانب الدينيّ بوقوفهم غلى جانب إمامهم ووليّ أمرهم ، كما كشف عن الالتزام بالوفاء الّذي هو خُلُقٌ إنسانيٌّ محمودٌ ، ومن الصفات الخيّرة الممدوحة حيث أعرضوا عن هذه الفُرصة المُتاحة لنجاة أجسامهم من القتل المحتوم ، لكن على حساب أرواحهم الطيّبة ، وأهدافهم النبيلة ، وحفاظاً على مجدهم الخالد التليد ، وكرامتهم المتوارَثة والمُتواتِرة بينَ الناس منذُ الجاهليّة وحتّى يوم الناس هذا وإلى الأَبَد.

فلذلك اختاروا خُلودَ الذكر في سجِلّ المؤمنين الأوفياء ، لا فقط

١٩٨

لعقائدهم وإمامهم فحسب ، بل لشرفهم ومجدهم المؤثّل.

ومن أجل هذا ؛ فإنّ كثيراً من النصوص الواردة في (زيارات أبي الفَضْلِ العبّاس عليه السلام) تُركّزُ على عُنصر «الوفاء» الّذي جسّده في ذلك اليوم الخالد.

وثالثاً : المُواساة والإيثار :

كان الإيثارُ والمُواساةُ من أظهر ما ظهر من العَبّاس عليه السلام في يوم عاشوراء : حتّى ثبت في الحديث الشريف ، قول الإمام السجّاد عليه السلام ـ وهو شاهدُ عيانٍ وشاهدُ صدقٍ ـ : «رحمَ اللهُ العَبّاسَ فقد (آثَرَ) وأَبْلى ، وفَدَى أخاه بنفسه حتّى قُطِعَتْ يداه »(١) .

وكذلك في حديث الإمام الصادق عليه السلام : «كان عمّي العَبّاسُ نافِذَ البصيرةِ ، صلبَ الإيمان ، جاهَدَ مَعَ أبي عَبْد الله الحُسين عليه السلام وأبْلى بَلاءً حَسَناً ومَضى شَهِيداً »(٢) .

وقال ابن الطِقْطَقى : كان العَبّاسُ عليه السلام شُجاعاً ، فارساً ، نَجيباً ، كَريماً ، باسِلاً ، وفَيّاً لأخيه ، واساهُ بنفسه ، عليه وعلى أخيه صلوات الله(٣) .

__________________

(١) الأمالي للصدوق (ص ٧ ـ ٥٤٨) وهو آخر حديث في المجلس (٧٠) تسلسل (٧٣١) ورواه في كتابه الخصال (ص ٦٨ رقم ١٠١) بالسند ، من قوله : «رحم الله العَبّاس ...» إلى آخره وقال والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه مع ما رويته في فضائل العَبّاس بن علي عليهما السلام في كتاب (مقتل الحسين بن علي عليهما السلام).

(٢) مرّ الحديث عن سرّ السلسلة للبخاري (ص ٨٩).

(٣) الأصيلي (ص ٣٢٨).

١٩٩

وقد مثّل العَبّاسُ في كربلاء أروعَ أمثله الإيثار والمواساة ، وصدّق ذلك بفعله في عاشوراء. قال الدينوريّ : بقيَ العَبّاسُ بن عليّ قائماً أمامَ الحُسين ، يُقاتِلُ دُونَه ، ويَمِيلُ مَعَهُ حيثُ مالَ(١) .

وموقفٌ شهيرٌ تُضربُ به الأمثال ، ويَسْتَدِرُّ الدمعَ مع الإكبار ، ما ذكره الأُردوباديّ بقوله : وبلغَ من إيثاره ومواساته أنّه مَلَكَ الشريعةَ ، ولم يَذُقْ طعمَ الماء ، تذكاراً لِعَطَشِ أخيه ، ومُواساةً له(٢) .

وما برحَ يُؤْثِرُ ، حتّى أَقْدَمَ ، وفي كفيّه نَفْسُه ، باذِلاً مُرْخِصاً ثَمَنَها ، وهو غايَةُ الكَرَم ونهاية الجُود ، إذْ هي أَعَزُّ الأشياء وأَنْفَسُ ما يُستأثَر(٣) .

أقولُ : بل قدّم روحه الشريفة ، ويديِه ، بل ورجليه أيضاً ، إيغالاً في الإيثار ، حيث لا يملك سواها ، وذلك الغاية في الإيثار ، كما قال الشاعر أبو الشيص الخزاعيّ :

أَمْسى يَقِيْكَ بِنَفْسٍ قَدْ حَباكَ بِها

والجُودُ بِالنَفْسِ أَقْصى غايةِ الجُودِ

بل الأجْدَرُ أنْ أقولَ فيه :

يُدافِعُ عن أهلِ الهُدى وحريمِهِمْ

وأهدافِهِمْ بِالنَفْسِ والرِجْلِ واليَدِ

ورابعاً : الصبر والتحمُّل والمثابرة :

إنّ أهمّ ما كان يؤلم العَبّاس عليه السلام ما كان يراه من الظلم والجفاء من الأُمّة

__________________

(١) الأخبار الطوال (ص ٢٥٧).

(٢) فصول من حياة أبي الفَضْلِ (ص ٩٠ ـ ٩١) وعلّق عليه بقوله : الرواية الّتي تذكر (نفض العَبّاس الماء من يده) رواها العلّامة المجلسي في البحار ، وجلاء العيون ، وفي مقتل عوالم العلوم وغير ذلك.

(٣) فصول من حياة أبي الفَضْلِ (ص ٩٢).

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603