العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته12%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39488 / تحميل: 4344
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

سليمان كافرا ساحرا ماهرا. بسحره ملك ما ملك، وقدر على(١) ما قدر. فرد الله ـ عزّ وجلّ ـ عليهم. فقال:( وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ ) . ولا استعمل السّحر [، كما قال هؤلاء الكافرون.( وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ](٢) الذي نسبوه إلى سليمان وإلى ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.

وكان بعد نوح ـ عليه السّلام ـ قد كثر السّحرة المموّهون(٣) . فبعث الله تعالى ملكين إلى نبيّ ذلك الزّمان، يذكر ما يسحر به السحرة. وذكر ما يبطل به سحرهم، ويردّ به كيدهم. فتلقّاه النّبيّ، عن الملكين. وأدّاه إلى عباد الله، بأمر الله ـ عزّ وجلّ ـ وأمرهم(٤) أن يقفوا به على السّحرة. وان يبطلوه. ونهاهم أن يسحروا به النّاس. وهذا كما يدلّ على السّمّ ما هو، وعلى ما يدفع به غائلة السّمّ.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) ، يعني: أنّ ذلك النّبيّ ـ عليه السّلام ـ أمر الملكين، أن يظهرا للنّاس بصورة بشرين، ويعلّماهم ما علّمهما(٥) الله من ذلك. فقال الله ـ عزّ وجلّ:( وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ ) ذلك السّحر وإبطاله،( حَتَّى يَقُولا ) للمتعلّم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) وامتحان للبلاء(٦) ، ليطيعوا الله فيما يتعلّمون من هذا، ويبطلوا به كيد السّحرة. ولا يسحروهم. «فلا تكفر» باستعمال هذا السّحر وطلب الإضرار به ودعاء النّاس إلى أن يعتقدوا أنّك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه إلّا الله ـ عزّ وجلّ. فأنّ ذلك كفر. قال الله تعالى: «فيتعلّمون»، يعني: طالبي السّحر، «منهما»، يعني: ممّا كتبت الشّياطين على ملك سليمان، من النّيرنجات وما(٧) أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، «يتعلّمون من» هذين الصّنفين،( ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) . هذا من يتعلّم للإضرار(٨) بالناس. يتعلّمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والإيهام، وأنّه قد دفن في موضع كذا، وعمل كذا لتحبّب المرأة إلى

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) المصدر: والمموّهون.

(٤) المصدر: فأمرهم.

(٥) الأصل ور: علّمهم.

(٦) المصدر: للعباد. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: مما.

(٨) المصدر: من يتعلّم الإضرار.

وأشار في الهامش إلى أنّه في بعض النسخ كما موجود في المتن هنا.

١٠١

الرّجل والرّجل إلى المرأة، أو(١) يؤدي إلى الفراق بينهما.

ثمّ قال ـ عزّ وجلّ:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، أي: ما المتعلّمون لذلك(٢) بضارّين به من أحد، إلّا بإذن الله، يعني: بتخلية الله وعلمه. وإنّه لو شاء، لمنعهم بالجبر والقهر.

ثمّ قال:( وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ) . إذا تعلّموا ذلك السّحر، ليسحروا به، ويضرّوا، قد تعلّموا ما يضرّهم في دينهم ولا ينفعهم فيه. بل ينسلخون عن دين الله بذلك. ولقد علّم هؤلاء المتعلّمون لمن اشتراه بدينه الّذي ينسلخ عنه بتعلّمه،( ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ، أي: من نصيب في ثواب الجنّة.

ثمّ قال تعالى:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) . ورهنوا(٣) بالعذاب،( لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا الآخرة، وتركوا نصيبهم من الجنّة. لأنّ المتعلّمين لهذا السّحر الّذين يعتقدون أنّ لا رسول ولا إله ولا بعث ولا نشور. فقال:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) . لأنّهم يعتقدون(٤) أنّها إذا لم تكن آخرة، فلا خلاق لهم في دار بعد الدّنيا. وإن كان بعد الدّنيا، آخرة. فهم مع كفرهم بها، لا خلاق لهم فيها.

ثمّ قال:( وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ) (٥) » إذ باعوا الآخرة بالدّنيا ورهنوا بالعذاب الدّائم أنفسهم،( لَوْ [كانُوا ]) (٦) ( يَعْلَمُونَ ) أنّهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب. ولكن لا يعلمون ذلك، لكفرهم به، فلمّا تركوا النّظر في حجج الله، حتّى يعلموا أنّهم عذّبهم على اعتقادهم الباطل وجحدهم الحقّ.

قال يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما: إنّهما قالا: فقلنا للحسن، أبي القائم ـ عليه السّلام(٧) : فإنّ قوما عندنا، يزعمون أنّ هاروت وماروت ملكان اختارتهما(٨) الملائكة لـمّا كثر عصيان بني آدم، وأنزلهما مع ثالث لهما، إلى الدّنيا(٩) ، وإنّهما قد افتتنا بالزّهرة، وأرادا الزّنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النّفس المحرّمة، وإنّ الله ـ عزّ

__________________

(١) المصدر: و.

(٢) المصدر: بذلك. وهو الظاهر.

(٣) المصدر: رهنوها. وهو الظاهر.

(٤) المصدر: لأنّهم يعتقدون أنّ لا آخرة فهم يعتقدون.

(٥) المصدر: أنفسهم بالعذاب.

(٦) يوجد في المصدر.

(٧) المصدر: للحسن بن عليّ.

(٨) المصدر: اختارهما الله.

(٩) المصدر: دار الدنيا.

١٠٢

وجلّ ـ يعذّبهما ببابل، وإنّ السّحرة منهما يتعلّمون السّحر، وإنّ الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الّذي هو الزّهرة.

فقال الإمام ـ عليه السّلام: معاذ الله من ذلك. إن (الملائكة)(١) معصومون محفوظون من الكفر والقبائح، بألطاف الله تعالى. قال الله تعالى فيهم(٢) : «( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ. وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) . وقال ـ عزّ وجلّ(٣) :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَمَنْ عِنْدَهُ ) ، يعني: الملائكة، «لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ. وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ . وقال الله تعالى(٤) في الملائكة ـ أيضا:( بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ. وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى. وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) .

ثمّ قال ـ عليه السّلام: لو كان كما يقولون، كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه على(٥) الأرض. وكانوا كالأنبياء في الدنيا و(٦) كالأئمّة. فيكون من الأنبياء والأئمّة ـ عليهم السّلام ـ قتل النّفس والزّنا.

ثمّ قال ـ عليه السّلام: أو لست تعلم أنّ الله تعالى لم يخل الدّنيا قطّ من نبيّ(٧) أو إمام من البشر؟ أو ليس الله يقول(٨) :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ ) (٩) ، يعنى: إلى الخلق،( إِلَّا رِجالاً (نُوحِي ) (١٠) ( إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) ؟ فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض، ليكونوا أئمّة وحكّاما. وإنّما(١١) أرسلوا إلى أنبياء الله.

قالا: فقلنا: فعلى هذا(١٢) ، لم يكن إبليس ـ أيضا ـ ملكا؟

فقال: لا! بل كان من الجنّ. أما تسمعان الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول(١٣) :

__________________

(١) المصدر: ملائكة الله.

(٢) التحريم / ٦.

(٣) الأنبياء / ١٩.

(٤) الأنبياء / ٢٨ ـ ٢٦.

(٥) المصدر: في.

(٦) المصدر: أو.

(٧) المصدر: من بني قط.

(٨) النحل ٤٣ ويوسف / ١٠٩ والأنبياء / ٢٥ والحج / ٥٢.

(٩) المصدر: قبلك من رسول.

(١٠) المصدر: يوحي.

(١١) المصدر: إنما كانوا.

(١٢) المصدر: هذا أيضا.

(١٣) الكهف / ٥٠.

١٠٣

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ، كانَ مِنَ الْجِنِ ) ؟ فأخبر ـ عزّ وجلّ ـ أنّه كان من الجنّ. وهو الّذي قال الله تعالى(١) :( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) .

قال الإمام الحسن بن عليّ ـ عليه السّلام: حدّثني أبي، عن جدّي، عن الرّضا، عن آبائه، عن عليّ ـ عليه السّلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله: إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ اختارنا معاشر آل محمد واختار النّبيّين واختار الملائكة المقرّبين. وما اختارهم إلّا على علم منه بهم، أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته، وينقطعون به عن عصمته، وينتهون به إلى المستخفّين بعذابه(٢) ونقمته.

قالا: فقلنا له: فقد روى(٣) أنّ عليّا ـ عليه السّلام ـ لـمّا نصّ عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالإمامة، عرض الله تعالى ولايته في السّماوات على فئام من النّاس وفئام من الملائكة، فأبوها. فمسخهم الله ضفادع.

فقال ـ عليه السّلام: معاذ الله! هؤلاء المكذّبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله. فهم كسائر أنبيائه(٤) ورسله، إلى الخلق. أفيكون منهم الكفر بالله؟

قلنا(٥) : لا قال: فكذلك الملائكة. إنّ شأن الملائكة لعظيم وإنّ خطبهم لجليل.

حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشيّ ـ رضي الله عنه(٦) ـ قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم. قال: سمعت المأمون يسأل الرّضا ـ عليه السّلام ـ عمّا يرويه النّاس من أمر الزّهرة، وإنّها امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

وما يروونه من أمر سهيل. وإنّه كان عشّارا باليمن.

فقال الرّضا ـ عليه السّلام: كذبوا في قولهم إنّهما كوكبان، وإنّما كانتا دابّتين من دوابّ البحر. فغلط النّاس. وظنّوا أنّهما كوكبان. وما كان الله تعالى ليمسخ أعداءه أنوار مضيئة، ثمّ يبقيها ما بقيت السّماوات والأرض. وإنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيام، حتّى ماتت. وما يتناسل منها شيء. وما على وجه الأرض مسخ اليوم. وانّ التي وقع عليها اسم المسوخة(٧) مثل القرد والخنزير والدّبّ وأشباهها، إنّما هي مثل ما مسخ الله تعالى على

__________________

(١) الحجر / ٢٧.

(٢) المصدر: لعذابه.

(٣) المصدر: روي لنا.

(٤) المصدر: أنبياء الله.

(٥) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: قلت.

(٦) نفس المصدر ١ / ٢٧١، ح ٢.

(٧) المصدر: المسوخيّة.

١٠٤

صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم (رسل الله). وأمّا هاروت وماروت، فكانا ملكين علّما النّاس [السحر](١) ليحترزوا به من سحر السّحرة ويبطلوا به كيدهم. وما علّما أحدا من ذلك شيئا إلّا قالا له( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَلا تَكْفُرْ ) فكفر قوم باستعمالهم لـمّا أمروا بالاحتراز منه. وجعلوا يفرّقون بما يعملون(٢) بين المرء وزوجه. قال الله تعالى:( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) ، يعني: بعلمه.

عن الرّضا ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. في تعداد الكبائر وبيانها، من كتاب الله. وفيه(٣) : يقول الصّادق ـ عليه السّلام: والسّحر، لأنّه تعالى يقول:( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم(٤) : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: إنّ سليمان بن داود ـ عليهما السّلام ـ أمر الجنّ(٥) . فبنوا له بيتا من قوارير. فبينما هو (متّك)(٦) على عصاه ينظر إلى الشّياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت منه التفاتة، فإذا هو برجل معه في القبّة. ففزع منه. وقال: من أنت؟

فقال: أنا الّذي لا أقبل الرّشا. ولا أهاب الملوك. أنا ملك الموت. فقبضه وهو متك(٧) على عصاه. فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه. ويد أبون(٨) له، ويعملون، حتّى بعث الله الإرضة. فأكلت منسأته. وهي العصا. فلمّا خرّ تبيّنت الإنس، أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، ما لبثوا سنة في العذاب المهين. فالجنّ تشكر الإرضة بما عملت بعصا سليمان.

قال: فلا تكاد تراها في مكان إلّا وجد عندها ماء وطين. فلمّا هلك سليمان، وضع إبليس السّحر. وكتبه في كتاب. ثمّ طواه. وكتب على ظهره: «هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود، من ذخائر كنوز العلم. من أراد كذا وكذا، فليفعل كذا وكذا.» ثمّ دفنه تحت سريره. ثمّ استأثره لهم. فقرأه. فقال الكافرون: ما كان

__________________

(١) يوجد في المصدر.

(٢) المصدر: تعلّموه.

(٣) نفس المصدر ١ / ٢٨٦، مقطع من ح ٣٣.

(٤) تفسير القمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) المصدر: الجنّ والانس.

(٦) المصدر: متكئ. وهو الظاهر.

(٧) المصدر: متكئ.

(٨) المصدر: يدانون.

١٠٥

سليمان يغلبنا إلّا بهذا. وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيّه. فقال الله ـ جلّ ذكره:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ) .

وما روى في كتاب الخصال(١) ، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. قال: إنّ المسوخ من بني آدم، ثلاثة عشر ـ إلى أن قال ـ وأمّا الزهرة، فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت. فمسخها [الله](٢) كوكبا(٣) .

وعن جعفر بن محمّد(٤) ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام. قال: سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن المسوخ. فقال: هي(٥) ثلاثة عشر ـ إلى أن قال عليه السّلام ـ وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة نصرانيّة. وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل. وهي الّتي فتن بها هاروت وماروت. وكان اسمها ناهيد(٦) .

وفي كتاب علل الشّرائع(٧) ، بإسناده إلى محمّد بن الحسن بن علان، عن أبي الحسن ـ عليه السّلام. حديث طويل. يقول فيه: ومسخت الزّهرة. لأنّها كانت امرأة، فتن بها هاروت وماروت.

بإسناده(٨) إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمّد ـ عليهم السّلام. حديث طويل. يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة. فإنها كانت امرأة تسمّى ناهيد. وهي الّتي تقول النّاس إنّه افتتن بها هاروت وماروت.

وبإسناده(٩) إلى عليّ بن جعفر، عن مغيرة، عن أبي عبد الله ـ عن أبيه، عن جدّه ـ عليهم السّلام. حديث طويل يقول فيه ـ عليه السّلام: وأمّا الزّهرة، فكانت امرأة فتنت(١٠) هاروت وماروت. فمسخها الله ـ عزّ وجلّ ـ زهرة(١١) .

وفي تفسير عليّ بن ابراهيم(١٢) ، حدّثنى أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن

__________________

(١) الخصال / ٤٩٣.

(٢) يوجد في ر والمصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) نفس المصدر / ٤٩٤.

(٥) المصدر: هم.

(٦) المصدر: وكان اسمها ناهيل والناس يقولون ناهيد.

(٧) علل الشرائع: ٤٨٥ ـ ٤٨٦، مقطع من ح ١.

(٨) نفس المصدر / ٤٨٦، ذيل ح ٢.

(٩) نفس المصدر / ٤٨٨ ـ ٤٧٧.

(١٠) المصدر: فتن بها.

(١١) متقدم على حديث تفسير على بن إبراهيم السابق.

(١٢) تفسير القمي / ٥٤ ـ ٥٨.

١٠٦

رئاب، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام. قال: سأله عطاء ونحن بمكة، عن هاروت وماروت. فقال أبو جعفر ـ عليه السّلام: إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء إلى الأرض، في كلّ يوم وليلة، يحفظون أعمال(١) أوساط أهل الأرض، من ولد آدم والجن، فيكتبون(٢) أعمالهم. [و] يعرجون بها إلى السّماء.

قال: فضجّ أهل السماء، من معاصي أهل الأرض.(٣) فتؤامروا(٤) فيما بينهم ممّا يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله ـ تبارك وتعالى ـ وجرأتهم عليه. ونزّهوا الله ممّا يقول فيه خلقه ويصفون. فقال طائفة من الملائكة: يا ربّنا! أمّا(٥) تغضب ممّا يعمل خلقك في أرضك وممّا يصفون فيك الكذب ويقولون الزّور ويرتكبون المعاصي؟ وقد نهيتهم عنها. ثمّ أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك.

قال أبو جعفر ـ عليه السّلام: فأحبّ الله أن يري الملائكة القدرة، ونفاد أمره في جمع خلقه، ويعرّف الملائكة ما منّ به عليهم ممّا(٦) عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطّاعة، وعصمهم من الذّنوب.

قال: فأوحى الله إلى الملائكة، ان انتدبوا(٧) منكم ملكين، حتّى أهبطهما إلى الأرض. ثمّ أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلته في ولد آدم. ثمّ أختبرهما في الطّاعة لي.

قال(٨) : فندبوا لذلك هاروت وماروت. وكانا أشدّ(٩) الملائكة قولا في الغيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم.

[قال :](١٠) فأوحى الله إليهما، أن «اهبطا إلى الأرض. فقد جعلت فيكما من طبائع

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر: ويكتبون.

(٣) كذا في المصدر. وفي الأصل ور: أهل أوساط الأرض. وكذا في تفسير العياشي ١ / ٥٢ وتفسير الصافي ١ / ١٢٧.

(٤) كذا والظاهر: فتآمروا.

(٥) المصدر وتفسير العياشي: ما.

(٦) المصدر: وممّا.

(٧) المصدر: انتحبوا. تفسير العياشي: اندبوا. وقيل في هامشه: وفي بعض النسخ «انتدابوا» وهو بمعناه. واستظهره المجلسي ـ ره ـ في البحار.

(٨) ليس في المصدر ويوجد في العياشي.

(٩) المصدر والعياشي: من أشدّ.

(١٠) يوجد في المصدر وفي العياشي ـ أيضا.

١٠٧

المطعم والمشرب(١) والشّهوة والحرص والأمل، مثل ما جعلت في ولد آدم(٢) .» قال: ثمّ أوحى الله إليهما: «انظرا أن لا تشركا بي شيئا. ولا تقتلا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحق(٣) . ولا تزنيا. ولا تشربا الخمر.» قال: ثمّ كشط عن السّماوات السّبع، ليريهما قدرته. ثمّ أهبطهما إلى الأرض، في صورة البشر ولباسهم. فهبطا ناحية بابل. فرفع(٤) لهما بناء مشرف(٥) . فأقبلا نحوه. فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزيّنة عطرة مسفرة مقبلة(٦) نحوهما.

قال: فلمّا نظرا إليها وناطقاها وتأمّلاها(٧) ، وقعت في قلوبهما موقعا شديدا، لموضع الشّهوة الّتي جعلت فيهما. فرجعا إليها، رجوع فتنة وخذلان. وراوداها عن نفسها.

فقالت لهما: إنّ لي دينا أدين به. وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما، إلى ما تريدان، إلّا أن تدخلا في ديني الّذي أدين به.

فقالا لها: وما دينك؟

قالت: لي إله من عبده وسجد له، كان علىّ(٨) السّبيل، إلى أن أجيبه، إلى كلّ ما سألني.

فقالا لها: وما إلهك؟

قالت: إلهي هذا الصّنم.

قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال: «هاتان خصلتان ممّا نهينا عنه(٩) ، الشّرك والزّنا. لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم وعبدناه، أشركنا بالله. وإنّما نشرك بالله لنصل إلى الزّنا.

وهو ذا نحن نطلب الزّنا. فليس نخطأ إلّا بالشّرك.» فائتمرا بينهما. فغلبتهما الشّهوة الّتي جعلت فيهما.

فقالا لها: فإنّا نجيبك إلى ما سألت.

__________________

(١) المصدر: الطعام والشراب.

(٢) الفقرة الأخيرة، ليس في العياشي.

(٣) «إلّا بالحق»، ليس في المصدر.

(٤) كذا في الأصل ور والعياشي. وفي المصدر: فوقع.

(٥) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مشرق

(٦) كذا في الأصل ورو العياشي. وفي المصدر: مقبلة مسفرة.

(٧) ر: فلمّا نظر إليهما وناطقاهما وتأمّلاهما.

(٨) المصدر: لي.

(٩) المصدر: نهانا عنهما.

١٠٨

فقالت: فدونكما. فاشربا هذا الخمر. فإنّه قربان لكما عنه(١) وبه تصلون إلى ما تريدان.

فائتمرا بينهما. فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهانا عنها ربّنا، الشرك والزّنا وشرب الخمر. وإنّما ندخل في شرب الخمر والشّرك، حتّى نصل إلى الزّنا.

فائتمرا بينهما. فقالا: ما أعظم بليتنا(٢) بك. وقد أجبناك إلى ما سألت.

قالت: فدونكما. فاشربا من هذا الخمر. واعبدا هذا الصّنم. واسجدا له.

فشربا الخمر. وعبدا الصّنم. ثمّ راوداها عن نفسها. فلمّا تهيّأت لهما، وتهيّئا لها، دخل عليهما سائل يسأل. فلمّا أن رآهما ورأياه، ذعرا منه.

فقال لهما: إنّكما لمريبان(٣) ذعران. فقد خلوتما(٤) بهذه المرأة العطرة الحسناء. إنّكما لرجلا سوء.

وخرج عنهما. فقالت لهما: لا وإلهي! ما تصلان الآن إليّ. وقد اطّلع هذا الرّجل على حالكما. وعرف مكانكما. ويخرج الآن ويخبر بخبركما. ولكن بادرا إلى هذا الرّجل.

فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني. ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما. وأنتم مطمئنّان آمنان.

قال: فقاما إلى الرّجل. فأدركاه. فقتلاه. ثمّ رجعا إليها. فلم برياها. وبدت لهما سوآتهما. ونزع عنهما رياشهما. وأسقط في أيديهما.

قال: فأوحى الله إليهما: إنّما أهبطتكما إلى الأرض، مع خلقي ساعة من النّهار.

فعصيتماني بأربع من معاصي كلّها قد نهيتكما عنها. [وتقدّمت إليكما فيها].(٥) فلم تراقباني.

ولم تستحيا منّي. وقد كنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصي. واستجرّ(٦) غضبي وأسفي عليهم. ولمّا جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إيّاكما من المعاصي، فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما اختارا عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة؟

فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا(٧) في الدّنيا، إذ صرنا إليها إلى نصير، إلى عذاب الآخرة.

__________________

(١) المصدر: عنده.

(٢) المصدر: البلية.

(٣) المصدر: لامرآن.

(٤) المصدر: فدخلتما.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر: للمعاصي. واستنجر.

(٧) المصدر: شهواتها.

١٠٩

فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا، له مدّة وانقطاع. وعذاب الآخرة، قائم لا انقضاء له. فلسنا نختار عذاب الآخرة الدّائم الشّديد، على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.

قال: فاختارا عذاب الدّنيا. وكانا يعلّمان النّاس السّحر، في أرض بابل. ثمّ لـمّا علّما النّاس السّحر، رفعا من الأرض إلى الهواء. فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء، إلى يوم القيامة.

فهو موافق لمذهب العامّة.

وفي روضة الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام:( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ) بولاية الشّياطين،( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) .

وفي كتاب الاحتجاج، للطّبرسيّ ـ رحمه الله(٢) ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه قال السّائل له ـ عليه السّلام: فمن أين علم الشّياطين السّحر؟

قال: من حيث عرف الأطباء الطّب، بعضه تجربة وبعضه علاج.

قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟ وما يقول النّاس بأنهما يعلّمان النّاس السّحر؟

قال: إنّهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتسبيحهما اليوم، لو فعل الإنسان كذا وكذا، لكان كذا وكذا. ولو يعالج بكذا وكذا، لصار كذا أصناف السّحر فيتعلّمون منهما ما يخرج عنهما. فيقولان لهم:( إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ ) . فلا تأخذوا عنها ما يضرّكم ولا ينفعكم.

قال: أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب والحمار، أو غير ذلك؟

قال: هو أعجز من ذلك. وأضعف من أن يغيّر خلق الله. إنّ من أبطل ما ركّبه الله وصوّره وغيّره، فهو شريك الله في خلقه. تعالى عن ذلك علوّا كبيرا].(٣)

( وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا ) بالرّسول وما جاء به،( وَاتَّقَوْا ) بترك المخالفة،( لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ) (١٠٣) جهلهم، لترك التّدبّر، أو(٤) العمل

__________________

(١) الكافي ٨ / ٢٩٠، ح ٤٤٠.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٨٢، مع اختلاف قليل.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) ر: و.

١١٠

بالعلم.

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) :

[في أصول الكافي(١) : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه الطّيّار(٢) ، عن ابن أبي عمير، عن جميل. قال: كان الطّيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة. وإنّما أمرت الملائكة بالسّجود لآدم.

فقال: إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، وليس هو من الملائكة؟

قال: فدخلت أنا وهو، على أبي عبد الله ـ عليه السّلام: قال: فأحسن والله في المسألة.

فقال: جعلت فداك! أرأيت ما ندب الله ـ عزّ وجلّ ـ إليه المؤمنين من قوله( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أدخل في ذلك المنافقون معهم؟

قال: نعم. والضّلّال وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة. وكان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظّاهرة، معهم.

وفي روضة الكافي(٣) : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج. قال سأل الطّيّار أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ وأنا عنده. فقال له: جعلت فداك! أرأيت(٤) قوله ـ عزّ وجلّ ـ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين؟ أيدخل في هذا المنافقون؟

قال: نعم. يدخل في هذا المنافقون والضّلّال وكل من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

وقد تقدّم هذان الحديثان](٥)

( لا تَقُولُوا راعِنا. وَقُولُوا انْظُرْنا ) :

كان المسلمون يقولون لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا(٦) ، يا رسول الله!، أي: راقبنا. وتأنّ بنا حتّى نفهمه ونحفظه. وكانت لليهود كلمة(٧) يتسابّون بها عبرانيّة، كما قال الباقر ـ عليه السّلام(٨) ـ وهي راعينا. فلمّا سمعوا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٤١٢، ح ١.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) الكافي ٨ / ٢٧٤، ح ٤١٣. مع تلخيص في أوائل الحديث.

(٤) المصدر: رأيت.

(٥) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٦) أ: راعنا، افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون.

(٧) ر. مجمع البيان ١ / ١٧٨.

(٨) ليس في ر.

١١١

بقول(١) المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهم يعنون به تلك المسبّة، فنهي المؤمنون عنها. وأمروا بما هو في معناها. وهو انظرنا بمعنى انظر إلينا، وانتظرنا من نظره إذا انتظره.

وقرئ «أنظرنا»، من الإنظار، بمعنى الإمهال، و «راعونا» على لفظ الجمع، للتّوقير، و «راعنا» (بالتّنوين)، أي: قولا ذا رعن، نسبة إلى الرّعن. وهو الهوج(٢) ، لمشابهة قولهم راعينا.

( وَاسْمَعُوا ) ، أي: أحسنوا الاستماع لما يكلّمكم به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ويلقي عليكم من المسائل بآذان(٣) واعية وأذهان حاضرة، حتّى لا تحتاجوا إلى الاستعارة وطلب المراعاة.

أو: واسمعوا، سماع(٤) قبول وطاعة. لا يكن مثل سماع اليهود، حيث قالوا: سمعنا وعصينا.

او: واسمعوا ما أمرتم به بجدّ، حتى لا تعودوا إلى ما نهيتم عنه.

( وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (١٠٤)، يعني: للّذين تهاونوا بالرّسول، عذاب موجع مؤلم.

( ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ) :

نزلت تكذيبا لجمع من الكافرين يظهرون مودّة المؤمنين ويزعمون أنّهم يودّون لهم الخير.

والمودة: محبّة الشيء، مع تمنّيه. ولذلك يستعمل في كلّ منهما.

و «من»، للتّبيين. لأنّ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) جنس، تحته نوعان أهل الكتاب والمشركون.

( أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) :

مفعول «يودّ».

و «من» الأولى، مزيدة للاستغراق، والثّانية، للابتداء.

والمراد بالخير، ما يعمّ الوحي والعلم والنّصرة.

__________________

(١) ليس في ر. وأ: يقول.

(٢) أ: الهرج.

(٣) ر: بإذن.

(٤) ر: إسماع.

١١٢

( وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) :

روي عن أمير المؤمنين ـ عليه السّلام ـ وعن أبي جعفر الباقر ـ عليه السّلام(١) : أنّ المراد برحمته هاهنا، النّبوّة.

وفي شرح الآيات الباهرة(٢) : روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ ـ رحمه الله ـ عمّن رواه، بإسناده عن أبيّ بن صالح، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الحسن الرّضا، عن أبيه موسى، ان أبيه جعفر ـ صلوات الله عليهم ـ في قوله تعالى( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) ، قال: المختصّون(٣) بالرّحمة، نبيّ الله ووصيّه وعترتهما. إنّ الله تعالى خلق مائة رحمة: فتسع وتسعون رحمة عنده مذخورة لمحمّد وعليّ وعترتهما. ورحمة واحدة، مبسوطة على سائر الموجودين].(٤)

( وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) (١٠٥) :

فيه إشعار بأنّ النّبوّة من فضله، وأنّ كلّ خير نال عباده في دينهم أو دنياهم، فإنّه من عنده، ابتداء منه، إليهم، وتفضّلا عليهم، من غير استحقاق منهم لذلك عليه. فهو عظيم الفضل ذو المنّ والطّول.

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) :

نزلت لـمّا قال المشركون، أو اليهود: ألا ترون إلى محمّد يأمر أصحابه بأمر، ثمّ ينهاهم عنه. ويأمرهم بخلافه؟

والنّسخ»، في اللّغة، إزالة الصّورة عن الشيء وإثباتها في غيره، كنسخ الظّلّ للشّمس. ومنه التّناسخ. ثمّ استعمل في كلّ منهما، كقولك: نسخت الرّيح الأثر. ونسخت الكتاب.

ونسخ الآية، بيان انتهاء التّعبّد بها :

إمّا بقراءتها فقط، كآية الرّجم. فقد قيل: إنّها كانت منزلة فرفع لفظها(٥) . فقط، دون حكمها.

أو بالعكس، كقوله(٦) :( إِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٧٩.

(٢) تأويل الآيات الباهرة / ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) المصدر: المختصّ.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٥) مجمع البيان ١ / ١٨٠.

(٦) الممتحنة / ١١.

١١٣

(الاية) فهذه الاية ثابتة في الخطّ، مرتفعة الحكم.

أو بهما، كما روي عن أبي بكر، قال: كنّا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم. فإنّه كفر بكم.» فرفع وإنساؤها إذهابها، عن القلوب.

و «ما»، شرطيّة جازمة، لننسخ. منتصبة به على المفعوليّة.

( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ، أي: بما هو خير للعباد في النّفع والثّواب، أو مثلها في الثّواب.

[وقرأ ابو عمرو(١) بقلب الهمزة ألفا].(٢)

[وفي أصول الكافي(٣) : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب. قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر. وقلقت لذلك. فلا تغتمّ. فإنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون. وصاحبك بعدك أبو محمّد ابني. وعنده ما تحتاجون إليه. يقدّم ما يشاء الله ويؤخّر ما يشاء.(٤) ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) وقد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

وفي تفسير العيّاشيّ(٥) : عن عمر بن يزيد. قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السّلام ـ عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) ».

فقال: كذبوا. ما هكذا هي إذا كان ينسخها. نأت بمثلها ينسخها(٦) .

قلت: هكذا قال الله؟

قال: ليس هكذا قال الله ـ تبارك وتعالى.

قلت: فكيف قال؟

قال: ليس فيها ألف ولا واو. قال:( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) . يقول: ما نميت من إمام، أو ننسه ذكره، نأت بخير منه من صلبه مثله.

وفيه(٧) : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ في قوله تعالى

__________________

(١) أنوار التنزيل ١ / ٧٥.

(٢) ليس في أ.

(٣) الكافي ١ / ٣٢٨، ح ١٢.

(٤) المصدر: ما يشاء الله.

(٥) تفسير العياشي ١ / ٥٦، ح ٧٨.

(٦) المصدر: «فعال: كذبوا ما هي إذا كان ينسى وينسخها أو يأت بمثلها لم ينسخها.» وهو الظاهر.

(٧) نفس المصدر ١ / ٥٥، ح ٧٧.

١١٤

( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ) قال: النّاسخ ما حوّل. وما ينسيها، مثل الغيب الّذي لم يكن بعد، كقوله(١) : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب.

قال: فيفعل الله ما يشاء. وما يحوّل ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له. فرحمهم.

ومثل قوله(٢) : فتولّ عنهم فما أنت بملوم.

قال: أدركتهم رحمته].(٣)

( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٦). فهو يقدر على النّسخ والإتيان، بمثل المنسوخ، وبما هو خير منه؟

( أَلَمْ تَعْلَمْ ) :

الخطاب للنّبيّ. والمراد هو وأمّته، لقوله:( أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) : يملك أموركم. ويدبّرها على حسب ما يصلحكم. وهو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ؟

( وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (١٠٧) الفرق بين «الوليّ» و «النّصير»، أنّ «الوليّ» قد يضعف عن النصرة.

و «النّصير» قد يكون أجنبيّا عن المنصور.

( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ؟ ) :

لمّا بيّن لهم أنّه مالك أمورهم، ومدبّرها على حسب مصالحهم، من نسخ الآيات وغيره، وقرّدهم على ذلك بقوله «ألم تعلم»، أراد أن يوصيهم بالثّقة به فيما هو أصلح لهم، ممّا يتعبّدهم به وينزل عليهم، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى، من الأشياء الّتي كانت عاقبتها وبالا عليهم.

قيل(٤) : نزلت في أهل الكتاب، حين سألوا أن ينزّل [الله](٥) عليهم كتابا من السّماء. وقيل: في المشركين، لـمّا قالوا لن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه.

( وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ ) ومن ترك الثّقة بالآيات المنزلة وشكّ فيها واقترح غيرها.

__________________

(١) الرعد / ٣٩.

(٢) الذاريات / ٥٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(٤) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٥) يوجد في المصدر.

١١٥

( فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) (١٠٨)، أي: الطّريق المستقيم حتّى وقع في الكفر، بعد الإيمان.

( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ) :

روى(١) أنّ فنحاص بن عازورا وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر، بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم؟ ولو كنتم على حقّ ما هزمتم. فارجعوا إلى ديننا. فهو خير لكم، وأفضل. ونحن أهدى منكم سبيلا.

فقال عمّار: كيف نقض العهد فيكم؟

قالوا: شديد.

قال: فإنّي عاهدت أن لا أكفر بمحمّد ما عشت.

فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا.

قال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا، وبالقرآن اماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا.

ثمّ أتيا رسول الله. وأخبراه. فقال: أصبتما خيرا. وأفلحتما، فنزلت.

وعن ابن عبّاس(٢) : أنّها نزلت في حيّ بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب.

وقد دخلا على النّبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ حين قدم المدينة. فلمّا خرجا قيل لحيّ: هو نبيّ.

قال: هو هو.

فقيل: فما له عندك؟

قال: العداوة إلى الموت.

وهو الّذي نقض العهد. وأثار الحرب يوم الأحزاب.

وقيل(٣) : نزلت في كعب بن الأشرف.

( حَسَداً ) : علّة ود(٤) .

( مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) :

امّا متعلّق بودّ، أي: تمنّوا ذلك من عند أنفسهم، وتشبيههم لا من قبل التّديّن والميل مع الحقّ، أو بحسدا، أي: حسدا منبعثا من أصل نفوسهم.

__________________

(١) الكشاف ١ / ١٧٦.

(٢) مجمع البيان ١ / ١٨٤.

(٣) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٤) ليس في أ.

١١٦

( مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ ) بالمعجزات والنّعوت المذكورة في التوراة.

( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) :

«العفو»: ترك عقوبة المذنب. و «الصّفح»: ترك تثريبه.

( حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) الّذي هو الإذن في قتالهم، وضرب الجزية عليهم، أو قتل قريظة، وإجلاء بني النضير.

قيل(١) : إنّ هذه الآية، منسوخة. فقال بعضهم: بقوله(٢) :( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، وبعضهم: بآية السّيف. وهو قوله(٣) :( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) ».

والمرويّ عن الباقر ـ عليه السّلام، أنّه قال(٤) : لم يؤمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بقتال، ولا أذن له فيه، حتّى نزل جبرئيل بهذه الآية(٥) :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) وقلّده سيفا.

( إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (١٠٩)، فيقدر على الانتقام منهم.

( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) : عطف على «فاعفوا». كأنّه أمرهم بالصّبر والالتجاء إلى الله، بالعبادة والبرّ.

( وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ ) ، كصلاة، أو صدقة. وقرئ(٦) [تقدموا](٧) من أقدم،( تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ ) ، أي: ثوابه.

( إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (١١٠): لا يضيع عنده عمل عامل.

وقرئ(٨) بالياء. فيكون وعيدا. «وَقالوا» عطف على «ودّ» والضّمير لأهل الكتاب.

( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ) : جمع هائد، كعوذ وعائذ وباذل وهو جمع للمذكّر والمؤنّث، على لفظ واحد.

والهائد: التّائب الرّاجع إلى الحقّ.

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٢) التوبة / ٢٩.

(٣) التوبة / ٥.

(٤) مجمع البيان ١ / ١٨٥.

(٥) الحج / ٣٩.

(٦) أنوار التنزيل ١ / ٧٦.

(٧) يوجد في المصدر.

(٨) نفس المصدر ونفس الموضع.

١١٧

وقيل(١) : مصدر. يصلح للواحد والجمع، كما يقال: رجل صوم وقوم صوم.

وقيل(٢) : أصله يهود: فحذفت الياء الزّائدة.

وعلى ما قلنا، فتوحيد الاسم المضمر وجمع الخبر، لاعتبار اللّفظ والمعنى.

( أَوْ نَصارى ) : سبق تحقيقه. والكلام على اللّفّ بين قولي الفريقين. والتّقدير: وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلّا من كان هودا. والنّصارى لن يدخل الجنّة، إلّا من كان نصارى، ثقة بأن السامع يرد إلى كلّ فريق قوله، وأمنا من الالتباس، لما علم من التّعادي بين الفريقين وتضليل كلّ واحد منهما، صاحبه.

( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) :

إشارة إلى الأمانيّ المذكورة. وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربّهم وأن يردّوهم كفّارا. وأن لا يدخل الجنّة غيرهم.

أو إلى ما في الآية على حذف مضاف، أي: أمثال تلك الأمنيّة المذكورة في الآية، أمانيّهم.

والجملة اعتراض.

والأمنيّة: أفعولة من التّمنّي، كالأضحوكة والأعجوبة والجمع الأضاحيك والأعاجيب.

( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) على اختصاصكم بدخول الجنّة.

والبرهان والحجّة والدّلالة والبيان، بمعنى واحد. وقد فرّق عليّ بن عيسى، بين الدّلالة والبرهان، بأن قال: «الدّلالة» قد ينبئ عن معنى فقط. لا يشهد لمعنى آخر. و «البرهان» ليس كذلك. لأنّه بيان عن معنى ينبئ عن معنى آخر. وقد نوزع في هذا الفرق. وقيل: «إنّه محض الدّعوى(٣) ».

( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) (١١١) في دعواكم. فإنّ كلّ قول لا دليل عليه غير ثابت.

وفي هذه الآية، دلالة على فساد التّقليد في الأصول. الا ترى أنّه لو جاز التقليد لما أمروا بأن يأتوا فيما قالوا ببرهان؟

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على جواز المحاجّة في الدّين.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

(٢) نفس المصدر ونفس الموضع.

(٣) مجمع البيان ١ / ١٨٦.

١١٨

وفيها ـ أيضا ـ دلالة على أنّه لا حجّة في إجماع يخلو عن معصوم. وإلّا لجاز لهم أن يقولوا البرهان. إنّا أجمعنا على ما قلنا. فالمتمسّكون بالإجماع المذكور، أضلّون من محرّفي أهل الكتاب.

( بَلى ) : اثبات لما نفوه، من دخول غيرهم الجنّة.

( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) :

من(١) أخلص نفسه له، لا يشرك به غيره، أو قصده وتوجّهه له،( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) الّذي يستوجبه ثابتا،( عِنْدَ رَبِّهِ ) : لا يضيع ولا ينقص.

والجملة جواب «من»، إن كانت شرطيّة، وخبرها، إن كانت موصولة.

و «الفاء» لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. فيكون الرّدّ بقوله «بلى» وحده، أو يكون «من أسلم»، فاعلا لفعل محذوف، أي: بلى يدخلها من أسلم.

ويكون قوله «فله أجره»، كلاما معطوفا على يدخلها «من أسلم».

( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١١٢) في الآخرة.

وهذا ظاهر على قول من يقول: أنّه لا يكون على أهل الجنّة خوف ولا حزن في الآخرة. وأمّا على قول من قال: بعضهم يخاف ثمّ يأمن، فمعناه أنّهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم. لأنّهم يكونون على ثقة، بأنّ ذلك لا يفوتهم.

[وفي كتاب الاحتجاج(٢) ، للطّبرسيّ ـ رحمه الله ـ حديث طويل، عن النّبي ـ صلّى الله عليه وآله. وفيه: فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لأصحابه: قولوا( إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) أي: نعبد واحدا. لا نقول كما قال الدّهريّة: «إنّ الأشياء لا بدو لها وهي دائمة.» ولا كما قال الثّنويّة الّذين قالوا: «إنّ النّور والظّلمة هما المدبّران.» ولا كما قال مشركوا العرب: «إنّ أوثاننا آلهة.» فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها، يقول هؤلاء الكفّار. ولا نقول كما تقول النّصارى واليهود: «إنّ لك ولدا.» تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا.

قال: فذلك قوله.:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ٢٥.

١١٩

وقالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفّار: ما قالوا؟

قال الله: يا محمّد!( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ ) الّتي يمنّونها بلا حجّة.( قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ ) وحجّتكم على دعواكم،( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) كما أتى محمّد ببراهينه الّتي سمعتموها.

ثمّ قال:( بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، يعني: كما فعل هؤلاء الّذين آمنوا برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ لـمّا سمعوا براهينه وحجّته( وَهُوَ مُحْسِنٌ ) في عمله لله،( فَلَهُ أَجْرُهُ ) ، ثوابه( عِنْدَ رَبِّهِ ) ، يوم فصل القضاء،( وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) حين يخاف الكافرون بما يشاهدونه من العقاب،( وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) عند الموت. لأنّ البشارة بالجنان، تأتيهم.

وفيه(١) ، عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ حديث طويل. وفيه: فالجدال بالّتي هي أحسن: قد قرنه العلماء بالدّين والجدال بغير الّتي هي أحسن، محرّم وحرّمه الله على شيعتنا.

وكيف يحرّم(٢) الجدال جملة وهو يقول:( وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى ) .، قال الله تعالى:( تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ؟» فجعل(٣) علم الصّدق والإيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالّتي هي أحسن والّتي ليست بأحسن؟

وفي كتاب الخصال(٤) ، في احتجاج عليّ ـ عليه السّلام ـ على النّاس، يوم الشورى. قال: نشدتكم بالله! هل فيكم أحد قال له رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مثل ما قال لي؟: أهل ولايتك يخرجون يوم القيامة من قبورهم، على نوق بيض شراك نعالهم نور يتلألأ. قد سهلت عليهم الموارد. وفرجت عليهم(٥) الشّدائد. واعطوا الأمان.

وانقطعت عنهم الأحزان، حتّى ينطلق بهم إلى ظلّ عرش الرّحمن. فوضع(٦) بين أيديهم مائدة. يأكلون منها حتّى يفرغ من الحساب يخاف النّاس ولا يخافون ويحزن النّاس ولا يحزنون غيري.» قالوا: أللّهمّ لا!](٧)

( وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ ) ، أي: أمر يصحّ ويعتدّ به. وهذه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٤.

(٢) المصدر: يحرّم الله.

(٣) المصدر: فجعل الله.

(٤) الخصال / ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٥) المصدر ور: عنهم.

(٦) المصدر: توضع.

(٧) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

كما أنّ الولاية الّتي يستحقّ صاحبها الكرامة ، وكذلك الكرامة الّتي تثبتُ لصاحب الولاية ، إنّما يحتاجانِ إلى إثباتٍ.

فلا يثبتان بالادّعاء ، أو بالتوهّم ، أو الفرض ، وإنّما هما بحاجة إلى مثبتات بمستوى الحُجج الصالحة للاستناد والاعتماد.

ومن أوضح أدلّة ذلك :

الشهرة والشيوع عند المؤمنين ، شهرةً مفيدةً للعلم ، ونافيةً للريب ، ومفندهً للإنكار والمعارضة.

فكيف بها إذا سلّم بها الخصمُ ، وتناقلَها الأعداءُ ، ولم يُعارضها نقلٌ ولو ضعيفٌ؟!

وإذا ارتفعت الموانع ، وتمّت المُثبتات ، فلا يجدُ المسلمُ المتشرّعُ إشكالاً أو شبهةً في الالتزام بما يتحقّق من الكرامات ، قديماً وحديثاً.

وأمثلة ذلك في حضارة الإسلام كثيرةٌ جدّاً ، كما لم تخلُ من نماذج ثابتة لذلك في الحضارات السابقة ، إلاّ أنّ النماذج الإسلاميّة قد تناقلتها الرواياتُ والأحاديثُ ، وسجّلتها الدواوينُ والمصادرُ ، واستقرّتْ في الصدور وشاعتْ على الألسن ، ووصلتْ إلينا بالتواتُر المعنويّ القاطع لكلّ مكابرةٍ والدافع لكلّ إنكارٍ.

وإذا خضعت الكراماتُ للإمكان الموضوعيّ عقلاً ، وثبت وقوعُها بالروايات والآثار نقلاً ، فلم يبقِ للإنسان المتشرّع والمتعبّد إلاّ القبولُ والاقتناعُ بها وجداناً ، بل تكون مفخرةً للمسلمين وللإسلام أن يوجد فيهم

٢٤١

مثلُ تلك النماذج الرائعة ، وبكثرةٍ ملحوظةٍ ، ممّا يدلّ على عمق الإيمان في قلوب معتنقيه ومدى رسوخ العقيدة في نفوس تابعيه ، وبلوغ أوليائه إلى القِمَمِ ، وسيطرتهم على مقدّرات الكون لكونهم أفضل الاُمم ، مع تواضع فذٍّ للهِ الخالق جلّ وعلا ، وخدمةٍ خالصةٍ للخلق المبتلى.

وبعد هذا الّذي أوردنا ؛ فمن يحاول الاستغرابَ من بعض الكرامات ، أو يُكابِرُ قبول شيء منها ، أو يُناقِشُ في إمكانها ، أو ثبوتها ، أو صحّتها ، أو إثباتها ، مستنداً إلى عقله! أو نظره! فانّما يُنْبِىء عن قُصُور من تناول تلك المحكَمات من الآياتِ ، أو جهلٍ بتلك المشهورات من الأخبار ، أو تعامٍ عن الحقّ : رغبةً في المخالفة. وحبّاً للشهرة. أو تزلّفاً إلى الأعداء بموافقتهم في الأفكار. أو معاندة وعصبيّة لمرض في قلبه ، وعَمَىً في بصيرته ، وهوىً في نفسه. نعوذ بالله من الخذلان.

ولقد انبرى جمعٌ من العلماء لجمع عيّناتٍ بارزةً من النماذج الإسلاميّة من الكرامات لأصحابها ، بالطرق الموثوقة رواية عن الرجال الموثوقين ، لتكون شواهدَ صدقٍ ، ونواطق حقّ ، بتحقّق ذلك.

وليكون دليلاً واضحاً على بلوغ تلك الكرامات مبلغ الشهرة المؤدّية إلى القناعة والعلم ، لسعة رواياتها ونقولها ، واعتماداً على رواتها الّذين يعدّون من رجالات العلم والدين.

وإنّ مثل هذه الكرامات يعدّ دعماً لمواقف أهل الحقّ على طول تاريخ النضال العقيديّ المُستميت ، الّذي خاضَهُ اُولئك الأبرارُ الأوتادُ

٢٤٢

الأولياءُ لله وللرسول وللأئمّة الأطهار من آل محمّد عليهم السلام ولا يزال يخوضه المجاهدون الأحرارُ من شيعتهم الأخيار ، وهم الّذين وقفوا ـ ولا يزالون ـ على طول خطّ التاريخ وحتّى اليوم ـ في صفّ المواجهة الأوّل ، للدفاع عن القرآن الكريم ، والإسلام العظيم ، والرسول الأعظم ، والأئمّة الطاهرين ، وكلّ المقدّسات ؛ بِنِيّاتٍ صادقةٍ ، وعزماتٍ قويّةٍ وإرادات جادّة ، ويقين بوعد الله جلّ وعزّ بالنصر ، والمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ليستخلفنّهم فيها ، ويجعلهم أئمّةً ويجعلهم الوارثين.

جعلنا اللهُ ممّن ينتصرُ به لدينه تحت راية نبيّه وأوصيائه والأولياء من شيعتهم ، وقيادة صاحب الأمر إمام الزمان المهديّ المنتظر عليه السلامُ وعجّل اللهُ فرجه ، الّذي يملأ الدُنيا عَدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئتْ ظُلماً وجَوراً.

وأمّا كرامات العَبّاس عليه السلام :

فقد ملأتْ أسماعَ التاريخ ، وأوراقَ الكتب ، وأجواءَ الفضاء ، وبلغت من الشُهرة والشُيوع ما أقرّ بِها الأولياءُ ، وخضعَ لها الأعداءُ ، ولا تزال ـ حتّى في عصرنا ـ تُحَسُّ وتُمَسُّ ، وتُرَى وتُرْوَى ، وتُسَجَّلُ وتُنْقَلُ ، بما لا مجال لاستيعاب جميعها ، بل ، ولا لتعدادها ، ولا للوصول إلى غورها ومدى أبعادها.

ويكفي الحضور في مزاره الشريف ، ليرى الطالبُ للكرامة تحقّقها في كلّ ساعةٍ ، ويومٍ ، وأسبوعٍ ، وشهرٍ ، وسنةٍ.

وليس كلّ هذا إلاّ من بعض إكرام الله تعالى لهذا العَبْد ، الصالح ، المطيع

٢٤٣

لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ولفاطمة وللحسن ولأخيه الحسين عليهم السلام.

وبما حصّل بذلك من الدرجة الراقية والمنزلة الرفيعة والمقام المحمود عند الله.

فسلامُ الله عليه :

يوم وُلِدَ ،

ويوم جاهد وناضل ،

ويوم استشهد بين يدي أخيه المظلُوم ،

ويوم يقُوم بين يديه في الجنّة ، ويحظى بدرجته ومقامه.

ونسألُ الله تعالى أن يشفّعه فينا يوم لقائه ، وأن يجعلنا معهُ في الآخرة كما وفّقنا لحُبّه ولخدمته والفوز بزيارته في الدُنيا.

آمين يا ربّ العالمين.

٢٤٤

الملاحق

الملحق الأوّل : نصوص الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

الملحق الثاني : زوجة العَبّاس عليه السلام وأولاده ، وذرّيّته في كتب

النسب والأعلام منهم عبر التاريخ

الملحق الثالث : خلاصة الكتاب

٢٤٥
٢٤٦

الملحق الأوّل : الزيارات المأثورة للعبّاس عليه السلام

زيارة العبّاس عليه السلام المُطلَقَهُ :

روى ابن قولويه ، والشيخ المفيد زيارةً له عليه السلام غير مقيّدة بوقت من الأوقات ، قالا : إذا وَرَدتَ إنْ شاءَ اللهُ أرضَ كربلاء ، فانزلْ منها بشاطئ العَلْقَمِيّ ، ثمّ اغتسل غسل الزيارة مندوباً ، ثمّ امْشِ حتّى تأتي مشهد العبّاس بن عليّ عليه السلام (وهو على شطّ الفُراتِ بِحِذاءِ الحائر)(١) فإذا أتيت ، فقفْ على باب السقيفة ، وقل :

سلامُ الله وسلامُ ملائكته المُقرّبين ، وأنبيائه المرسلين ، وعبداه الصالحين ، وجميع الشهداء والصِدِّيقين ، والزاكِياتُ الطيِّباتُ في ما تغتدي وتروحُ ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، أشهدُ لَكَ بِالتسليمِ والتصديقِ والوفاءِ والنصيحةِ لِخَلَفِ النّبيِّ صلّى الله عليه وآله المُرسَلِ ، والسِبطِ المُنتَجَبِ ، والدَليلِ العالمِ ، والوَصِيِّ المُبلِّغِ ، والمَظلُومِ المُهْتَضَمِ ، فجزاكَ اللهُ عن رسولِهِ وعن فاطِمةَ وعن أمير المؤمنين وعن الحَسَنِ والحُسينِ أفضلَ الجزاءِ بِما صبرتَ واحتسبتَ وأعَنْتَ ، فنعمَ عقبى الدار. لعنَ اللهُ مَنْ قتلكَ ولعنَ اللهُ من جهلَ حقَّكَ واستخفَّ بِحُرمتِكَ ولعنَ اللهُ مَنْ حالَ بينَكَ وبينَ ماءِ الفُراتِ ، أشهدُ أنّك قُتِلْتَ مَظلُوماً ،

__________________

(١) ما بين القوسين من كامل الزيارات ، ولاحظ ما ذكرناه عن (الحائر المقدس) في هذا الكتاب.

٢٤٧

وأنّ اللهَ مُنجزٌ لكُم ما وَعَدَكمْ ، جئتُكَ يا ابنَ أمير المؤمنين وافِداً إليكُم ، وقلبي مُسَلِّمٌ لكمْ وأنا لكم تابِعٌ ونُصرَتي لكمْ مُعَدَّةٌ ، حتّى يحكُمَ اللهُ وهُو خيرُ الحاكمين ، فَمَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكمْ إنّي بكمْ وبإيابِكُمْ من المؤمنين ، وبِمَنْ خالَفَكُمْ وقَتَلَكُمْ من الكافرين ، لعنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكُمْ بِالأيديْ والألْسُن .

ثمّ ادخل وانكبَّ على القبر وقل :

السلامُ عليك أيّها العبدُ الصالحُ المُطيعُ للهِ ولِرسولِهِ ولأمير المؤمنين والحسنِ والحُسينِ صلّى الله عليهم وسلّم. والسلامُ عليك ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ ومغفرتُهُ ، وعلى روحك وبدنك.

أشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البَدْرِيّون والمُجاهِدُون في سبيل الله ، المُناصِحُون لهُ في جهاد أعدائه ، المُبالِغُون في نُصرةِ أوليائه الذابُّون عن أحبّائِه.

فجزاكَ اللهُ أفضلَ الجزاء وأوفر جزاءِ أحَدٍ ممّنْ وفي بِبَيْعَتِهِ ، واستجابَ لهُ دعوَتَهُ ، وأطاعَ وُلاةَ أمرِهِ ، أشهدُ أنّك قدْ بالغتَ في النَصِيحَةِ ، وأعطيتَ غايَةَ المَجهودِ ، فَبَعَثَكَ اللهُ في الشُهداءِ ، وجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ أرواحِ السُعَداءِ ، وأعطاكَ مِن جِنانِهِ أفْسَحَها مَنْزِلاً ، وأفْضَلَها غُرَفاً ، ورَفَعَ ذِكْرَكَ في العِلِّيِّيْنَ ، وحشركَ مَعَ النَبِيِّينَ والصِدِّيْقِينَ ، والشُهداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولئكَ رَفيقاً ، أشهدُ أنّكَ لَمْ تَهِنْ ولمْ تَنْكُلْ ، وأنّكَ مَضَيْتَ على بصيرةٍ من أمرِكَ ، مُقْتَدِياً بِالصالِحِينَ ، ومُتَّبِعاً لِلنَبِيِّين ،

٢٤٨

فَجَمَعَ اللهُ بَينَنا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولِهِ وأولِيائِهِ في منازِلَ المُخْبِتِينَ ، فإنّهُ أرحَمُ الراحمين.

ثُمّ انحرِفْ إلى عند الرأس ، فَصَلِّ رَكعتين ، ثُمَّ صَلِّ بَعدَهُما ما بَدا لَكَ ، وادعُ اللهَ كثيراً ، وقُلْ عقيبَ الرَكَعاتِ :

اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، ولا تَدَعْ لي في هذا المكان المُكرّمِ ، والمشهدِ المُعظّمِ ، ذَنْباً إلاّ غَفَرَتَهُ ، ولا هَمّاً إلاّ فَرَّجْتَهُ ، ولا مرضاً إلاّ شفيته ، ولا عَيْباً إلاّ سَتَرْتَهُ ، ولا رِزْقاً إلاّ بَسَطْتَهُ ، ولا خَوْفاً إلاّ آمَنْتَهُ ، ولا شَمْلاً إلاّ جَمَعْتَهُ ، ولا غائِباً إلاّ حَفِظْتَهُ وأدْنَيْتَهُ ، ولا حاجَةً من حوائِجِ الدُّنْيا والآخِرَةِ لَكَ فِيها رضاً ولِيَ فِيها صَلاحٌ إلاّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الراحِمين.

ثُمّ عُدْ إلى الضريحِ فقفْ عندَ الرِجلين ، وقُلْ :

السلامُ عليك يا أبا الفَضْلِ العبّاس ابن أمير المؤمنين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ سيّدِ الوَصيّين ، السلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القومِ إسلاماً ، وأقْدَمِهم إيْماناً ، وأقْوَمِهمْ بِدِينِ اللهِ ، وأحْوَطِهم على الإسلامِ ، أشهدُ لَقَدْ نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِهِ ولأخِيْكَ ، فنعمَ الأخُ المُواسِي ، فَلَعَنَ اللهُ أُمّةً قَتَلَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً ظَلَمَتْكَ ، ولَعَنَ اللهُ أُمّةً اسْتَحَلَّتْ منكَ المَحارِمَ وانْتَهَكَتْ حُرْمَةَ الإسلام ، فَنِعْمَ الصابِرُ المُجاهِدُ ، المُحامي الناصِرُ ، والأخُ الدافِعُ عن أخِيهِ المُجِيبُ إلى طاعَةِ رَبِّهِ ، الراغِبُ في ما زَهَدَ فِيهِ غيرُهُ من الثوابِ الجزيْلِ والثَناءِ الجَميلِ ، فألْحَقَكَ اللهُ بِدَرَجَةِ آبائِكَ في دارِ النَعيمِ .

٢٤٩

اللّهمّ إنّي تَعَرَّضْتُ لِزيارَةِ أوْلِيائِكَ ، رَغْبَةً في ثوابِكَ ، ورَجاءً لِمَغْفِرَتِكَ وجَزِيْلِ إحسانِكَ ، فأسْألُكَ أنْ تصلّيَ على محمّدٍ وآله الطاهرين ، وأنْ تَجْعَلَ رِزْقِي بِهِمْ دارّاً ، وعَيْشَي قارّاً ، وزِيارَتِي بِهِمْ مقبُولَةً ، وحياتِي بِهِم طيّبَةً ، وأدْرِجْنِي إدْراجَ المُكَرَّمِيْنَ ، واجْعَلْني مِمّنْ يَنْقَلِبُ مِن زِيارَةِ مَشاهِدِ أحِبّائِكَ مُنْجِحاً ، قد اسْتَوْجَبَ غُفرانَ الذُنُوبِ ، وسَتْرَ العُيُوبِ ، وكَشْفَ الكُرُوبِ ، إنّكَ أهْلُ التَقْوى وأهلُ المَغْفِرَةِ .

فإذا أردتَ وَداعَهُ للانصراف ، فقفْ عندَ القبرِ ، وقل :

أستوْدِعُكَ اللهَ وأسْتَرْعِيكَ وأقْرأُ عليكَ السلامَ ، آمَنّا بِاللهِ وبِرسولِهِ وبِكِتابِهِ ، وبِما جاءَ بِهِ من عندِ اللهِ ، اللّهمّ اكتُبْنا مَعَ الشاهدين ، اللّهمّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن زِيارَةِ قبرِ ابنِ أخِي رسولِكَ ، وارزُقْني زِيارَتَهُ أبَداً ما أبْقَيْتَنِي ، واحْشُرْنِي مَعَهُ ومَعَ آبائِهِ في الجِنانِ ، وعرِّفْ بَيْنِي وبَيْنَهُ وبَيْنَ رَسُولِكَ وأولِيائِكَ ، اللّهمّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ ، وتَوَفَّنِي على الإيْمانِ بِكَ ، والتصدِيقِ بِرسولِكَ ، والوَلايَةِ لِعليِّ بن أبي طالب والأئِمّةِ عليهم السلام والبراءَةِ مِن عَدُوِّهِم ، فإنّي رَضِيْتُ بِذلِكَ ، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ .

ثُمّ ادْعُ لِنفسكَ ولِوالِدَيكَ ولِلمؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ، وتَخَيَّرْ من الدُّعاء ما شِئْتَ(١) .

وللعباس عليه السلام زياراتٌ خاصّة في يوم الأربعين العشرين من شهر صفر ،

__________________

(١) ابن قولويه في كامل الزيارات (ص ٢٥٦ ـ ٢٥٨) ونقله المجلسي في البحار (٩٨ / ٢٠٦ ، ٢١٧ ـ ٢١٩) و(٩٨ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨).

٢٥٠

وفي أوّل يوم من شهر رجب ، وفي ليلة النصف من شهر رجب ونهاره ، وفي النصف من شهر شعبان ، وفي ليالي القدر الثلاث ، وفي ليلتي عيدَي الفطر والأضحى ونهارهما ، وفي يوم عَرَفة ليلها ونهارها.

ومن مجموع ذلك يستدلّ على استحباب زيارة العبّاس عليه السلام كلّما زار المؤمنُ الإمامَ الحُسينَ عليه السلام.

وفقنا الله لذلك إنّه خير موفقٍ ومعين.

وقد وردت زيارة للعباس عليه السلام في التراث الزيدي ـ أيضاً ـ كما في ما نقل عن عبد الله بن حمزة (ت ٦١٤ هـ) في كتاب «الزيارات» بعنوان «زيارة الحسين وأهل البيت عليهم السلام» ما نصّه : إذا وصلتَ ؛ فاغتسل ـ إن شاء الله ـ على الفُرات ، ومسّ ما أمكنك من الطِيب ، ثمّ ادْنُ إلى القبر ؛ فكبّر اللهَ تعالى ، ، ثمّ تقول :

السلامُ عليك يا سبطَ رسول الله.

السلامُ عليك يا ريحانةَ الرسول. السلامُ عليك يا فرخَ البتول.

السلامُ عليك أيُّها الشهيدُ السعيدُ. السلامُ عليك أيُّها الفقيدُ الحميدُ.

السلامُ عليك أبا الشُهداء. السلامُ عليك يا ثمرةَ قلب المصطفى. السلامُ عليك يا بحرَ العطاء. السلامُ عليك يا جمّ النَوال. السلامُ عليك يا ليثَ النِزال. السلامُ عليك يا نورَ الملّة. السلام عليك يا واهبَ نفسِه لله. السلامُ عليك يا ليثَ العرين. السلامُ عليك يا معدوم القَرِين.

السلامُ عليك يا شهيدَ الطُفُوف. السلامُ عليك يا مُلاقيَ الأُلُوف. السلامُ عليك يا مَسْتَهْوِنَ الحُتُوف. السلامُ عليك يا سيّد شباب أهل

٢٥١

الجنّة ، السلامُ عليك يا قويّ المنّة ، السلامُ عليك يا مَن مَطَرَت السماءُ لِقَتلِهِ دَماً ؛ لِغَضَبِ ربّ السماء ، السلامُ عليك يا مَنْ فرّقَ بهِ بينَ الشَقِيّ والسعيد ، السلامُ عليك يا مَنْ باءَ بِالخِزْيِ والعارِ فيه يَزِيدُ. السلامُ عليك يا قتيلَ الدَعِيّ. السلامُ عليك يا سبطَ النبيّ. يا أبا عبد الله ابن رسول الله ، هذه كلماتٌ أَهْدَيْناها إليك ، فصلوات الله وملائكته على جدّكَ وأبيكَ وأمّكَ وأخيكَ وعليكَ وعلى الطيّبينَ من آلِكُم ، ورحمة الله ، أرَدْنا بإهدائِها القُرْبَ إليكم والفوز لَدَيْكُم (١) .

ثمّ قال : وتُسلّمُ بعدَ ذلكَ على العبّاس بن عليَّ وعلى أهل البيت ، بالطَفِّ ، وتقول :

السلامُ عليك يا عبّاسُ ، يا ثابتَ الأساس ، ونُورَ النِبْراس ، وعروس الأفراد(٢) . السلامُ عليك يا ليثَ الطِراد ، وسيفَ الجِلاد ، وسمّ الأعادِ. السلامُ عليك يا مَنْ احْتَسَبَ نَفْسهُ وبني أمّهِ وأبيهِ دُونَ أَخِيه.

السلامُ عليك يا ابنَ مَنْ كاعَتْ عنهُ الفوارسُ الشوامِسُ. السلامُ عليك يا ساقيَ الماءَ الطيّبين المُهتدِين ، ومُبِيحَ حِمَى الجبّارينَ المُعْتَدِين.

ثمّ أتبع السلام على عليّ بن الحسين ، وعموم بني هاشم ، وعلى أوليائهم الشهداء(٣) .

__________________

(١) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

(٢) وفي نسخة : «عروس الأفراس».

(٣) مجموع مكاتبات الإمام عبد الله بن حمزة (ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧).

٢٥٢

الملحق الثاني

زوجة العَبّاس عليه السلام

وأولاده

وذريّته في كتب النسب والأعلام منهم عبرَ التاريخ

٢٥٣
٢٥٤

زوجتُهُ لُبابَةُ بنتُ عُبَيْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب

اتّفق أهل النسب ـ وورد في أكثر المصادر ـ على :

أنّ العَبّاس الأكبر السقّاء عليه السلام تزوّج (لُبابة) بنت (عُبَيْد الله) بن العَبّاس ابن عَبْد المطّلب.

وأنّعُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام هو من لُبابَة بنت عُبَيْد الله.

وأنّعقب العَبّاس السقّاء عليه السلام منحصرٌ في أولاد عُبَيْد الله ابنه هذا .

قال أبو نصر البخاري ـ نقلاً عن عدّة من النسّابين والمؤرّخين تبلغ(١٨) شخصاً ، أنّهم ذكروا(١) : إنّ العَبّاس بن علي عليه السلام وَلَدَ عُبَيْدَ الله بنَ

__________________

(١) قال : ذكر :

أبو اليقظان سحيم بن حفص النّسّابة ؛

وعليّ بن مجاهد الكابليّ ؛

ومحمّد بن عمر الواقديّ ؛

وعليّ بن محمّد بن سيف المدائنيّ ؛

وهشام بن محمّد الكلبيّ ؛

والشَرَقيّ بن القطاميّ ؛

والهيثم بن عديّ ؛

وأبو القاسم خرداذبه ؛

ومحمّد بن حبيب ؛

٢٥٥

العَبّاس ، من بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب(١) .

أقولُ : وبهذا تتمّ الحُجّةُ على الجميع في الأمور الثلاثة :

الأوّل : أنّ اسم زوجة العَبّاس عليه السلام هو «لُبابَة» بلامٍ مضمومةٍ وبائين موحّدتين ، بينهما ألِفٌ ، وفي آخره تاءٌ مُثنّاةٌ قصيرةٌ.

الثاني : أنّهابنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، لا عَبْد الله.

الثالث : أنّعقب العَبّاس من عُبَيْد الله ابنه ، وحدَهُ ، وغيرهُ من أولاده لم يُعْقِبُوا. وعلى هذا أثبت الأكثر من القُدماء والمتأخّرين.

لكنّ وقع في هذه الأُمور خلافٌ من آحادٍ منهم ، كما يلي :

الأمر الأوّل : اسم زوجة العَبّاس عليه السلام لُبابَة :

لكنّ المطبوع في (الدرجات الرفيعة) : وكان له من الولد ولُبانَة

__________________

والزّبير بن بكار الزّبيريّ ؛

وعَبْد الله بن سليم القينيّ ؛

ومحمّد بن أبي الجَهْمِ العدويّ ؛

وحمزة بن الحسن الأصفهانيّ ؛

وأحمد بن حييى ثعلب ؛

ومحمّد بن جرير الطّبريّ ؛

والشّريف أبو الحسين يحيى بن الحسن بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبيد الله بن الحسين الأصغر ؛

وأبو طاهر عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛

والنّاصر الحسن بن علي بن الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ؛ أنّ كلّهم ذكروا : أنّ العبّاس بن عليّ ولد عُبَيْد الله بن العَبّاس ، من لُبابة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، ومنه أعقب.

أبو نصر ، سرّ السّلسلة ، / ٨٨ ـ ٩٥.

(١) سرّ السلسلة (ص ٨٩) معالم أنساب (ص ٢٥٦).

٢٥٦

وأسماء(١) والظاهر أنّه خطأٌ مطبعيٌّ ، والصواب : لُبابَة ، فقد انفردت تلك النسخة بذلك ، وإنّما المذكور في المصادر (لُبابة) لا غير.

وجاء في مخطوطة كتاب النسب ليحيى بن الحسين باسم (أُمامة) وهي نسخةٌ فريدةٌ قال : والعقب من ولد العَبّاس من عُبَيْد الله ، وأُمّه أُمامة بنت عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٢) .

إلاّ أنّ ذلك غير موثوق ، لعدم التأكّد من صحّة هذه النسخة ، لكونها وحيدةً ، ولم تحتوِ على شيءٍ من أدوات التوثيق العلميّ المتداولة.

والمظنون تصحيف كلمة أُمامة من كلمة (لُبابة) للتشابُه الكبير بينهما في الرسم والوزن ، المؤدّي إلى مثل ذلك.

وقد وقع مثل ذلك التصحيف في ما ذكره الزَبِيدي قال : وأُمامة بنت الحارث الهلاليّة ، إنّما هي (لُبابة) صحّفها بعضهم(٣) .

ووقع عكس هذا التصحيف في اسم ابنة الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد ذكرها الشيخ المفيد باسم (لُبابة)(٤) لكنّها مسمّاةٌ بأُمامة في كتاب نصر بن علي الجهضمي(٥) . والظاهر صحّة ما في الإرشاد للمفيد ، لأنّ النُسخة المُعتَمَدة منهُ موثوقةٌ جيّدةٌ.

__________________

(١) الدرجات الرفيعة للمدني (ص ١٤١) ذكر ذلك في أولاد عُبَيْد الله بن العَبّاس.

(٢) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام.

(٣) تاج العروس (٨ / ١٩٢).

(٤) الإرشاد (٢ / ٢٤٤).

(٥) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٢٠).

٢٥٧

الأمر الثاني : إنّها بنت عُبَيْد الله ، لا عَبْد الله :

وقد أثبت ذلك ـ مع مَنْ ذُكِرَ سابقاً ـ ابنُ قتيبة ، قال : العَبّاس بن عليّ ابن أبي طالب ، قُتِلَ مَعَ الحُسين عليه السلام وَلَدَ العَبّاسُ عُبَيْد الله ، أُمّه لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، وحسَنَاً : لأُمّ ولدٍ ، وله عقبٌ(١) .

وقد أصرّ السيّد الأعرجيّ على كون زوجة أبي الفَضْلِ هي (لُبابة بنت عَبْد الله) فقال : لُبابة بنت عَبْد الله ، خرجت إلى العَبّاس ابن أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام(٢) .

وقال الناسبُ البيهقيّ : عُبَيْد الله بن العَبّاس السقّاء ، أُمّه لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العَبّاس بن عَبد المطّلب(٣) .

وكذا جاء في مطبوعة (سرّ السلسلة) قال : كان لزيد بن الحسن بن عليّ ابن أبي طالب ابنةٌ يُقال لها : «نفيسةٌ» أُمّها : لُبابَة بنت عَبْد الله بن عبّاس بن عَبْد المطّلب ، وكانتْ تحت العَبّاس بن عليّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قُتِلَ عنها يوم الطَفّ مع الحسين عليه السلام تزوّجها(٤) زيدُ بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وأخو نفيسة هذه لأُمّها : عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ عليه السلام ونفيسةٌ تزوّجها الوليدُ بن عَبْد الملك بن مروان ، ووُلِدَ له منها أولاد(٥) .

__________________

(١) المعارف ط مصر (٢١٧).

(٢) مناهل الضرب (ص ١ ـ ٦٢) ولعلّ هذا من الأخطاء الكثيرة في هذا الكتاب.

(٣) لباب الأنساب (١ / ٣٥٧).

(٤) في المطبوعة : فزوّجها.

(٥) سرّ السلسلة (ص ٢٩).

٢٥٨

أقولُ : والتحقيق في هذا الأمر ، يبتني على معرفة أُمور :

أوّلاً : إنّ كلا الرَجُلين : عَبْد الله ، وعُبَيْد الله ، ابني العبّاس بن عَبْد المطّلب ، قد سمّيا بنتيهما باسم أُمّهما (لُبابة بنت الحارث) فهما اثنتان : لُبابَة بنت عَبْد الله ، ولُبابة بنت عُبَيْد الله.

ثانياً : خرجتْ لُبابَة بنت عَبْد الله الحَبْر ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى : عليّ بن عَبْد الله بن جعفر(١) .

ثمّ إسماعيل بن طلحة(٢) .

قال في المحبّر : وتزوّجتْ لُبابَة بنتُ عَبْد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب : عليَّ بن عَبْد الله بن جعفر ، ثمّ خلف عليّاً : إسماعيلُ بنُ طلحة بن عُبَيْد الله ، ثمّ محمّدُ بنُ عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عَبْد المطّلب(٣) ؛ وهو ابنُ عمّها.

وقال الزُبيريّ : كانتْ عند عليّ بن عَبْد الله بن جعفر : فولدتْ له محمّداً.

ثمّ خلف عليها إسماعيلُ بن طلحة بن عُبَيْد الله ؛ فولدتْ له يعقوب.

ثمّ فارقها فتزوّجها محمّدُ بن عُبَيْد الله(٤) بن العَبّاس(٥) .

__________________

(١) سير أعلام النبلاء (٣ / ٣٣٣) والمحبّر (ص ٤٤١) ومستدرك الحاكم (٣ / ٥٤٥) وشرح الأخبار (٣ / ٣٠٣) وشرح النهج الحديدي (١٥ / ٢٧٧) وبحار الأنوار (٤٧ / ١٧٦)

(٢) المعارف لابن قتيبة (ص ٢٣٢).

(٣) المحبّر (ص ٤٤٠).

(٤) في المطبوعة (عَبْد الله) وهو خطأ.

(٥) نسب قريش (ص ٢٩).

٢٥٩

وذكر يحيى بن الحسن في كتاب (تسمية المُعْقِبِيْنَ) : لُبابَة بنت عَبْد الله ابن العَبّاس بن عَبْد المطّلب ، وقال : والعقب من ولد عليّ بن عَبْد الله بن جعفر ابن أبي طالب : من (محمّد بن عليّ) و(إسحاق بن عليّ) وأُمّهما (لُبابة بنت عَبْد الله بن العَبّاس)(١) .

لكنّ ابن عَبْد ربّه قال : إنّها من العقائل اللّاتي كُنّ عند الوليد بن عَبْد الملك الأمويّ(٢) .

وقد ردّ السيّدُ الخِرْسان هذا ، واعتبر القول «كذبةً شنعاء»(٣) بل الّتي كانت عند الوليد الأموي هي «نفيسةٌ» بنتها ، كما مرّ عن البخاري في (سرّ السلسلة)؟ أو أنّه خلط بين الوليد بن عتبة ، وبين الوليد بن عَبْد الملك ، فلاحظ.

مع أنّ زوجة الوليد بن عتبة هي لُبابَة بنت عُبَيْد الله ، لا بنت عَبْد الله(٤) .

ثالثاً : خرجت لُبابَة بنت عُبَيْد الله الجواد ـ كما ذكره النسّابون ـ إلى العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قال البخاري : كانت تحت العَبّاس بن عليّ ، قُتِلَ عنها يومَ الطَفّ ،

__________________

(١) تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام (ص ١٠٦).

(٢) العقد الفريد (٢ / ١١٢).

(٣) موسوعة ابن عبّاس (٥ / ٥ ـ ٤٠٦).

(٤) ويلاحظ أنّ التي كانت عند عَبْد الملك بن مروان (لُبابة بنت عَبْد الله بن جعفر بن أبي طالب) وقد تزوّجها بعده ابن عمها علي بن عَبْد الله بن عباس ، فضربه الوليد بالسياط لذلك ، كما في الجوهرة للبري الأندلسي ص ٣٧٢ تحقيق التونجي.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603