العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته0%

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 603

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
تصنيف:

الصفحات: 603
المشاهدات: 30261
تحميل: 2382

توضيحات:

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 603 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30261 / تحميل: 2382
الحجم الحجم الحجم
العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

العبّاس ابوالفضل ابن أمير المؤمنين عليه السلام سماته وسيرته

مؤلف:
العربية

وأمّا الجدُّ الأعلى : عَدْنانُ :

فَقَدْ قال المسعوديّ : إنّما سُمّيَ «عدنان» من العَدْنِ ، وهو الإقامة ، لأنّ الله أقام ملائكةً لحفظه ، وذلك لأنّ أعين الإنس والجنّ كانت إليه مصروفةً ، وأرادوا قتلَهُ ، وقالوا : «لئن تركنا هذا الغلام حتّى يدرك مدارك الرجال ليخرجنّ من ظهره من يسود الناس» فوكّل الله به من يحفظه (فَنَشَأ أحْسَنَ أهلِ زمانِه خَلْقاً وخُلُقاً)(١) .

وهو أوّل من وضع أنصاب الحرم ، وَكَسا الكعبة(٢) وهو أصلُ العَدْنانيّة كلّهم ، ومنه تفرّقت شعوبهم وقبائلهم ، وعلى عهده اجتاح بُخْتَنُصَّرُ بلاد العرب وشتّتهم ، وعلى يد ابنِهِ مَعَدّ استعاد مجد أبيه وقومه(٣) .

هؤلاء هم آباءُ أبي الفَضْلِ العَبّاس عليه السلام :

فتراهم قد توارثوا الشرفَ والمجدَ والفضيلةَ خَلَفاً عن سَلَفٍ وهم على ما نعتقده نحن الإماميّة الاثني عشريّة : كلّهم مؤمنون موحّدون ، على ملّة أبيهم إبراهيم النَبِيّ صلّى الله على نبيّنا وآله وعليه. بل كانوا من الصدّيقين ،

__________________

(١) إثبات الوصيّة (ص ٧٤) وتاريخ الخميس (١ / ١٤٦) وما بين القوسين لم يرد فيه.

(٢) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٧٠).

(٣) ولا خلافَ بين علماء النسب أنّ عدنانَ من ذُرّية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام لكنّهم اختلفوا في عَدَدِ الوسائط إليه. والمأْثُوْرُ عَنْهُ صلى الله عليه وآله كان إذا وَصَلَ إلى عدنان أَمْسَكَ ولم يَتَجاوَزْهُ أُنظر : الكامل لابن الأثير (٢ / ٣٣).

وقال بعضهم بَعْدَ رَفْعِهِ نَسَبَ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عدنان :

إلى هُنا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

واخْتَلَفُوْا مِنْ آدمٍ (*) إلَيهِ

(*) صَرَفَ (آدَمَ) لِمُراعاةِ الْوَزْنِ.

٤١

وفي آبائهم من كانوا من الأنبياء والمرسلين ، والأوصياء والمعصومين(١) .

وَلعَذنان الشَّرَفُ الْأَقْعَسُ وَطِرازُ السُّؤْدَدِ الأنْفَسُ بولادَتهِ لأَشْرَفِ الْخَلْقِ وَسَيّدِ الأنبياء والمرسلين وفي ذلك يقولُ ابنُ الرُّوْميّ الشاعرُ الشهيرُ(٢) :

فَكَمْ أَبٍ قَدْ عَلا بِابْنِ ذُرى شَرَفٍ كَما عَلا بِرَسُول اللهِ عَدْنانُ

وأمّا أُمّهات أُولئك :

فقد ذكر المسعودي : أنّ كلّ واحدٍ منهم ـ أي أَجْداد النَبِيّ صلى الله عليه وآله ـ كان يأخذ على ابنه أن لا يَتَزَوَّدَ إلاّ أطهر النساء في زمانه(٣) .

__________________

(١) أوائل المقالات للشيخ المفيد (ص ١٢) ولاحظ بحار الأنوار للمجلسي (١٥ / ١١٧) وراجع تفسير الرازي (٢٤ / ١٧٤) ط البهيّة في مصر ، و(٨ / ٥٣٧) ط بيروت حديثاً. والبداية والنهاية (٢ / ٤٨١).

(٢) للماوَرْدِيّ الفقيه الشافعي صاحب (الأحكام السلطانيّة) كلامٌ نفيسٌ في إيمان آباء النَبِيّ صلى الله عليه وآله كلّهم كما هو مذهب العترة عليهما السلام.

(٣) إثبات الوصيّة (ص ٧٤).

٤٢

وأعمامُ العبّاس عليه السلام

فأعمامُ أبيه أمير المؤمنين هُم أولاد عَبْد المطّلب :

فكان لعَبْد المطّلب عشرةُ أبناء أكبرُهم الحارثُ ، وبه كان يُكنّى وللحارث عقبٌ.

فينبغي استيفاء ذكر الأعمام :

حمزةُ بنُ عَبْد المطّلب : أسدُ الله وأسد رسوله ، سيّد الشهداء في صدر الإسلام.

الزُبيرُ بنُ عَبْد المطّلب : صاحب حِلْف الفضول ، والّذي حمى مكّة أنْ يُظْلَمَ بها أحدٌ ، وكانت قُريشٌ لا تُبرمُ أمراً حتّى يشهدُهُ.

وهُو الّذي طرد حرب بن أُميّة حتّى استجار منهُ بأبيه عَبْد المطّلب(١) .

وعَبْد الله بنُ عَبْد المطّلب : والدُ النَبِيّ صلى الله عليه وآله ولم يُعْقِبْ سواهُ ، وكان آخر بني أبيه لأُمّه ، وهم الزُبير ، وأبو طالب ، أُمّهم فاطمةُ بنتُ عمرو المخزومية.

والعَبّاسُ بنُ عَبْد المطّلب : كانت له سقاية الحاج وعمارة البيت بعد وفاة أبي طالب عليه السلام والعمارة : أن لا يتكلّم أحدٌ في المسجد الحرام بِهُجْرٍ

__________________

(١) بطل العلقمي (١ / ٢٦٢) وانظر مروج الذهب للمسعودي (٢ / ٢٧٧) ورسائل الجاحظ (ص ٤٧) ـ

٤٣

ولا رَفَثٍ ولا يرفعُ فيه صوتَهُ ، وكان العبّاس ينهاهم عن ذلك(١) .

وأبو طالب بن عَبْد المطّلب : والدُ أمِيْر المُؤْمِنِيْن عليّ عليه السلام :

وقد مرّ ذكره في الآباء.

وأولاده أعمال العَبّاس أبي الفضل ، هم :

جعفر :

شهيد مُؤتَةَ ، ذو الجناحين ، قطعت يداه في المعركة ، وكان حامل لواء المسلمين فضمّ اللواء على صدره حتّى ضُرِب على يافوخه فسقط هو واللواء(٢) كان يشبّه برسول الله صلى الله عليه وآله خَلَقاً وخُلقاً.

كان جواداً ، ويحبّ المساكين ويجلس إليهم ويحدّثهُم ، فلقّبه النَبِيّ صلى الله عليه وآله «أبا المساكين»(٣) .

وبكى رسول الله في نعيه ، وقال : «على مثل جعفر فلتبك البواكي»(٤) .

وعقيل بن أبي طالب :

قال الجاحظ : كان عقيل ناسباً عالماً بالأُمّهات ، بيّن اللسان ، شديد الجواب لا يقوم له أحد وكان من رواة الأشعار ومن علماء قريش بالأنساب والأخبار وكان أكثرهم ذكراً لمثالب الناس (ولمثالب قريش

__________________

(١) العقد الفريد (٢ / ٣٢٠).

(٢) بطل العلقمي (١ / ٢٩١).

(٣) حلية الأولياء لأبي نعيم (١ / ١١٧).

(٤) ذخائر العقبى للطبري (٢ / ٤٤٤) طبع قم ، و(ص ٣٦٢) طبع جدّة.

٤٤

خاصّة) فعادوه لذلك(١) .

وكان مبغّضاً إليهم لأنّه كان يعدّ مساويهم ، فعادوه لذلك وقالوا فيه بالباطل ، ونسبوه إلى الحمق واختلقوا عليه أحاديث مزوّرة(٢) .

وقال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله : إنّك لتحبّ عقيلاً؟! فقال صلى الله عليه وآله : «إيْ والله ، إنّي لأُحبّه حُبَّيْنِ : حُبّاً له ، وحَبّاً لحُبّ أبي طالب له ، وإنّ ولده المقتول في محبّة ولدك ، فتدمع عليه عيون المُوْمنين وتصلّي عليه الملائكةُ المقرَّبون».

ثمّ بكى صلى الله عليه وآله حتّى جرتْ دموعُهُ على صدره ، ثمّ قال : «اللهمّ إنّي أشكُوا إليك ما تلقى عترتي من بعدي»(٣) .

وهذا الحديث من (أعلام النُبُوَّة ودلائلها) حيث أخبر صلى الله عليه وآله عن شهادة الحسين سبطه الشهيد وشهادة مسلم بن عقيل في الكوفة ، وهو شارة فخرٍ عُظمى ووسام شرفٍ في كتف مسلمٍ عليه السلام من نبي الإسلام ، فهنيئاً له.

فهؤلاء أعمام العَبّاس الشهيد ، إخوة أبيه ، الّذين توجّهم رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : «لو أنّ أبا طالب ولد الناسَ كُلَّهم لكانوا أشِدّاء أقوياء»(٤) .

__________________

(١) البيان والتبيين (٢ / ٣٢٤) طبع هارون ، و(٢ / ٢٢١) طبع ملحم وما بين القوسين من الاستيعاب (٢ / ٢٥٢) وانظر : الوافي بالوفيّات (٢٠ / ٦٣).

(٢) الاستيعاب (٢ / ٢٥٢).

(٣) الأمالي للشيخ الصدوق (ص ٨٨ المجلس ٢٧) والاستيعاب (٢ / ٢٥٢).

(٤) شرح الأخبار للقاضي النعمان المصريّ (١ / ٣٠) في حديث ٣٠٨ و(٣ / ٢١٦) أُمّ هاني بنت أبي طالب وعن غرر الخصائص للوطواط (ص ١٧). ولاحظ : كشف الغمّة للأربلي (٢ / ٢٣٥).

٤٥

وهؤلاء أعمام أبي الفَضْلِ العَبّاس ، في الإسلام وكلّهم من الصحابة الكرام ، وقد أوجز فيهم القول حسّان شاعر النَبِيّ إذْ قال :

وما زال في الإسلام من آل هاشمٍ

دعائم عِزٍّ لا تُرامُ ومَفْخَرُ

بهاليلُ منهم جعفرٌ وابن أُمّه

عليٌّ ومنهم أحمدُ المُتَخَيَّرُ(١)

وقلتُ ـ أنا الجلاليُّ ـ مُجارياً ومُكَمِّلاً :

وحمزةُ والعَبّاسُ ثمّ عقيلُهم

مآثرُهُم في الصُحْفِ تُتلى وتُنْشَرُ

أُولئك أهلُ البيتِ آلُ مُحمَّدٍ

بِطُهْرِهِمُ القرآنُ أُنْزِلَ يُخْبِرُ

__________________

(١) بطل العلقمي (١ / ٢٤٩) وقد اعتمدنا على هذا الكتاب في البحث عن نسب العَبّاس عليه السلام بما له من الآباء والأعمام ، فقد بحث فيه بتفصيل واف عن تراجم هؤلاء وأرجعنا إلى مصادره مع مراجعة بعضها المتيسّر ، في مطبوعاته الحديثة وتصحيح نصوصه.

٤٦

أُمَّهاتُ أبي الفضل العَبّاس وأَخْوالُهُ

فوالدتُهُ : أُمّ البَنِيْنَ :

فاطمة بنت حَرَام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ـ وهو عامر ـ بن كعب ابن عامر بن كِلاب بن ربيعة(١) بن عامر بن صعصعة(٢) .

اسمُها : فاطمة :

سمّاها «فاطمة» من كبار النسّابين : أبو نصر البخاريّ(٣) وابن عِنَبة(٤) وأكّد الإمام السيّد محسن الأمين في مواضع من كتابه أعيان الشيعة(٥) أنّ اسْمَها «فاطِمَةُ». وصرّح بذلك الأُردوباديّ ونقل ذلك عن أبي نصر البخاريّ ، وعن ابن أمير الحاجّ في شرح قصيدة أبي فراس(٦) .

وقد توهّم من قال : إنَّ اسْمَها كُنْيَتُها (يعني أُمّ البَنِيْنَ).

__________________

(١) إلى هنا أثبتت النسب أكثر المصادر ، وأقدمها مقتل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام لابن أبي الدنيا (ص ١٣٠).

(٢) صَعْصَعَة بن مُعاوِيَةَ بْنِ بكْرِ بْنِ هَوازِنٍ بْنِ مَنْصُوْر بْنِ عِكْرِمَة بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلان (قيس بن عَيْلان خ ل) بن مُضَر بْنِ نِزارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدنان.

(٣) سرّ السلسلة (ص ٨٨) معالم أنساب الطالبيين (ص ٢٥٥).

(٤) عمدة الطالب (ص ٣٥٦).

(٥) أعيان الشيعة (٧ / ٤٢٩) و(٨ / ٣٨٩) و(٣ / ٤٧٥).

(٦) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام (ص ١٨).

٤٧

وقد أغربَ من ادّعى أنّه : لم تذكر المصادر المعتبرة (!) لها اسماً وأضاف : بل ظاهرهم أنّ «أُمّ البنين» هو اسمها(١) .

أبوها : حَرامٌ :

كذا أثبته بالراء النسّابون ، منهم : ابنُ الكَلْبي(٢) والزُبَيْرُ بنُ بَكّار(٣) وافقهم : ابْنُ عَبْد رَبِّهِ(٤) وابنُ حَجَر العسقلانيُّ(٥) والمَقْريزيُّ(٦) والشيخُ الطوسيُّ في الرجال عند ذكر العَبّاس في أصحاب الإمام الحسين عليه السلام قال : أُمّ البنين بنت حَرَام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد ، من بني عامر(٧) .

وعلّق السيّد الزنجاني على اسم (حرام) بقوله : كذا في نسختين وفي بعض النسخ ، و(تنقيح المقال)(٨) وجامع الرواة(٩) : «حزام» بالمهملة بعدها معجمة.

ثمّ قال : والصحيح الأوّل ، فقد ترجمه في الإصابة (رقم ١٩٦٥) في

__________________

(١) قاموس الرجال للتستري (١٢ / ١٩٦) وقلّده في موسوعة التاريخ الإسلامي (٥ / ١٣٦).

(٢) جمهرة النسب (ص ٣٥٧).

(٣) النسب للزبير بن بكّار. ولا حظ : الجوهرة في النسب للبري (١ / ٣٩٥) و(٢ / ٢٢).

(٤) العقد الفريد (٥ / ١٣٤).

(٥) الإصابة (٢ / ٦٠) رقم ١٩٦١ ، وقال : العامري ثمّ الوحيدي ، له إدراك.

(٦) اتّعاظ الحنفا (١ / ١٠٥).

(٧) الرجال للشيخ الطوسي (ص) وبرقم (٩٦١) في نسخة السيّد الحجّة الشبيري الزنجاني دام ظلّه ، المصوّرة عندنا.

(٨) تنقيح المقال للشيخ المامقاني (٣ / ٧٠) في فصل النساء.

(٩) جامع الرواة للشيخ الأردبيلي ، وراجع مستدركات علم الرجال للنمازي (٨ / ٥٥١) رقم ١٧٩٥٧.

٤٨

باب الحاء والراء المهملتين ، فراجع(١) .

أقولُ : وقد جاء في «مقتل أَميْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام» لابن أبي الدُّنيا ، عند ذكر أولاده ، ذكر العَبّاس وإخوته من أُمّ البَنِيْنَ ، فقال : «بنت حَرَام»(٢) .(٣) .

وكذلك أثبته «بنت حَرَام» السيّد أبو السعادات ؛ عليّ بن محمّد الحَسَنيّ المعروف بابن الشَجَرِيّ(٤) وابن قتيبة(٥) .

وجاء عند أبي العَبّاس الحسنيّ من الزيدية في كتاب «المصابيح» بلفظ «حرام» لكن طبع في موضع آخر : «حزام» بالزاي(٦) ولا ريب في كون أحدهما تصحيفاً ، والصواب هو الأوّل. وكذلك صوّب الأُردوبادي «حرام»(٧) . والشيخ عَبْد الواحد المظفّر قد حسم الأمر وأصاب المنحر بقوله : اسمه «حرام» بالحاء المهملة ، والراء المهملة ، بعدها ألِفٌ وميمٌ ،

__________________

(١) الرجال للطوسي هامش الرقم (٩٦١) من النسخة المصوّرة عندنا.

(٢) مقتل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام المصوّرة المحفوظة عندنا.

(٣) كذا قرأتُ الكلمة في النسخة المصوّرة. لكن المرحوم الطباطبائي الّذي حقّق الكتاب ، أثبت الكلمة «حزام» بالزاي ، من غير تعليق. انظر مجلّة (تراثنا) العدد (١٢) ص (١٣٠).

وأظنّه اتّبع المشهور في أكثر الكتب المتداولة ، لوجود تشويهٍ بالسواد على حرف الراء من كلمة (حرام) من النسخة المصوّرة التي اعتمدها ، وقد تحقّق لديّ أنّ التشويه إنّما هو علامةٌ كان يضعها الكاتب على حرف الراء في الكلمات تمييزاً لها عن حرف الزاي ، الّتي وضع عليها نقطة فقط ، وهذا واضح لمن دقّق في تلك النسخة.

(٤) الأمالي الخميسية لابن الشجري (١ / ١٧٠ و ١٧١).

(٥) المعارف ـ طبع عكاشة ـ (ص ٢١١).

(٦) المصابيح (ص ٣٣١).

(٧) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام للأُردوبادي (ص ١٨).

٤٩

ويأتي في كثير من النسخ «حزام» بالزاي المعجمة(١) وهو غلطٌ قطعيٌّ(٢) .

وقد جاءت الكلمة «حزام» بالزاي في أكثر المصادر المطبوعة ، منها ما للقدماء مثل : يحيى بن الحسن العقيقي(٣) والطبري(٤) وأبي الفرج الأصفهاني(٥) والخوارزمي(٦) وابن حزم(٧) وعلى ذلك أكثر المطبوعات المتأخّرة.

وقد عرفت نّ الّذي صوّبه المحقّقون هو «حَرام» بالراء.

مَن هو «أبو المُحِلّ»(٨) ؟ :

كُنّي «حرام» في بعض المصادر بـ «أبي المُحِلّ» كما سيأتي.

وهذا غلطٌ فاحش ؛ فإنّها كُنيةٌ للديّان ، وهو ولد (حرام) وأخو أُمّ البَنِيْنَ.

وأُمّهما : ليلى بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كِلاب(٩) .

__________________

(١) اسم هذا الحرف هو (الزاي) فلا حاجة إلى تمييزه عن (الراء) بوصف المعجمة ، وكذلك لا حاجة في ذلك بوصف الراء بالمهملة ، كما حقّقناه في رسالة (الضبط).

(٢) بطل العلقمي (١ / ١١١).

(٣) في (تسمية من أَعْقَبَ من ولد أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام) (ص ٢) من المخطوطة والنسخة غير منقوطة في أكثر حروفها المعجمة ولذلك يَدُبُّ الشكُّ إلى التنقيط في كلمة (حزام) فليدقّق.

(٤) تاريخ الطبري (٥ / ٤٦٨).

(٥) مقاتل الطالبيين (ص ٨٧).

(٦) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (٢ / ٢٩).

(٧) جمهرة أنساب العرب لابن حزم (ص ٣٧).

(٨) جمهرة النسب ، للكلبي (ص ٣٣).

(٩) جمهرة النسب ، للكلبي (ص ٧ ـ ٣٢٨).

٥٠

وذكر ابنه : عَبْد الله بن الديّان أبي المُحِلّ في بعض المصادر(١) . والديّان أبو المحِلّ هو أخو أُمّ البَنِيْنَ ، وعبد الله هذا هو ابن أخيها ، وهي عمّتُهُ.

وكلمة «المُحِلّ» بضمّ الميم ، وكسر الحاء المهملة ، وتشديد اللام ، كما ضبط بالقلم في كتاب الكلبيّ(٢) .

وتصحّفت كلمة «المُحِلّ» إلى «المجْل»(٣) .

فممّن وقع هذا التصحيف في مؤلّفاتهم : أبو نصر البخاريّ(٤) وابن عِنَبة(٥) والطبريّ(٦) والمظفّر(٧) والأُردوبادي(٨) ومن تأخّر عنهم.

وأغرب ابن كثير في قوله : أُمّ البَنِيْنّ بنت حزام وهو المُحِلّ(٩) فحذف حرف الكنية. وقد أغرب المقريزي فقال : أُمّ البَنِيْنَ بنت المحل بن الديّان ابن حَرام(١٠) .

__________________

(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤١٥) وفيه : عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام ، وكذلك في الكامل لابن الأثير (٤ / ٥٦) ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي (١ / ٣٤٨).

(٢) جمهرة النسب للكلبي. وضبطه كذلك في عُمدة القاري شرح البخاري (٤ / ١٨٩) وهو في المصنّف لعبد الرزّاق (١ / ٤١٥) رقم ١٦٢٣ ومصنّف ابن أبي شيبة (٥ / ٣٩١) والطبقات الكبرى لابن سعد (٦ / ٢٤٢) وتهذيب التهذيب لابن حجر (٥ / ٣٤١).

(٣) سرّ السلسلة للبخاري (ص ٨٨) وتاريخ الطبري (٥ / ١٥٣).

(٤) سرّ السلسلة (٨٨) ومعالم أنساب الطالبيين (ص ٢٥٥).

(٥) عمدة الطالب (ص ٣٥٦).

(٦) تاريخ الطبري (٥ / ١٥٣) قال : بنت حزام وهو أبو المجل بن خالد.

(٧) بطل العلقميّ (ص ١٠٢) وقال في (ص ١١١) : أبوها أبو المحل حرام.

(٨) فصول من حياة العَبّاس عليه السلام (ص ١٨).

(٩) البداية والنهاية (٧ / ٥٥١).

(١٠) اتّعاظ الحنفا (١ / ١٠٥).

٥١

وجاء اسم أبيها عند بعضهم : حزام بن خالد بن دارم :

ففي كتاب الشيخ المفيد أنّها : بنت خالد بن دارم بن ربيعة(١) .

وقد عارضه الشيخ ابن إدريس ، وقال : إنّما أُمّ العبّاس أُمّ البنين بنت حزام بن خالد ربيعة بن عامر وليس من بني دارم التميميّ(٢) .

وفي كتاب نصر الجهضميّ : بنت خالد بن يزيد الكلابيّة(٣) .

وفي تذكرة سبط ابن الجوزيّ : وقيل : بنت خالد كلابية(٤) .

وفي مواضع أُخر : وقيل بنت خلة(٥) .

وجميع هذا بين خلطٍ وتصحيفٍ.

وأغرب ما رأينا ما جاء في كتاب «المنمّق» لابن حبيب البغدادي ، حيثُ عَدَّ العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام من «أبناء الحبشيّات من قريش»(٦) .

ذكر ذلك ابن إدريس ، وقال : هذا خطأٌ منه ، وتغفيلٌ ، وقلّة تحصيل(٧) .

أقولُ : لكنّ ابن حبيب نفسه ذكر في الكتاب المذكور أُمّ البَنِيْنَ ونَسَبَها

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (١ / ٣٥٤).

(٢) السرائر (١ / ٦٥٦) وفي طبعة موسوعة ابن إدريس (٢ / ٤٩٤) ولمحقّقه اعتراض عليه وفصل الحديث عن هذه المعارضة في بطل العلقمي فراجع.

(٣) تاريخ أهل البيت عليهم السلام (ص ١٠٧).

(٤) تذكرة خواص الأُمّة (١ / ٦٦٤).

(٥) تذكرة خواص الأُمّة (١ / ٦٦٤).

(٦) المنمّق لابن حبيب البغدادي (ص ٤٠١).

(٧) السرائر لابن إدريس (٢ / ٤٩٥).

٥٢

«الوحيديّة»(١) .

فكيف يقول بكونها حبشيّة؟ وهو علاّمة في هذا الفَنّ لا يعارض!.

فلابدّ من وقوع الخطأ من غيره في ذلك الموضع.

وقد تبيّن أنّ الصواب في نسبها هو ما أثبتناه عند ذكر اسمها ، وهو ما اتّفقت عليه كلمة جمهور العُلماء من النسّابين والمُؤرّخين ، كما سلف. فهي : العامريّةُ ، الكِلابيّةُ ، الوَحِيْدِيّةُ. سلام الله عليها وعلى أولادها الشهداء الأبرار.

كُنْيتُها : أُمُّ البَنِيْنَ :

هذه الكُنْيةُ معروفةٌ لزوجة مالك بن جعفر بن كِلاب ، الّتي ولدتْ له خمسة أولاد كلّ واحدٍ منهم سيّدٌ من سادات قومه ، رئيسٌ من رؤسائهم ، وهم :

١ ـ ربيعة : وهو من فرسان العرب ، ويعرف «ربيع المُقْتِرِيْنَ» ، وهو أبو لَبِيْد الشاعر الشهير أحد أصحاب المعلّقات(٢) .

٢ ـ معاوية : وهو «مُعَوِّدُ الحُكّام»(٣) .

٣ ـ الطُفَيل : وهو «فارس قُرْزُل»(٤) .

__________________

(١) المنمّق ، (ص ٣٥١) وانظر السرائر (في الموسوعة) (٢ / ٤٩٥).

(٢) العقد الفريد (١ / ١٣٧).

(٣) الأمالي للسيد الشريف المرتضى (١ / ١٣٧) وفي طبعة إبراهيم (١ / ١٩٣).

(٤) كذا جاء ضَبْطُهُ في (القاموس المحيط) : (قُرْزُل) وهو اسم فرسه.

٥٣

٤ ـ عامر : وهو من فرسان العرب يعرف «مُلاعب الأسنّة»(١) .

٥ ـ سلمى : وهو «نَزّالُ المضِيْقِ»(٢) .

وفي أُمّ البَنِيْنَ هذه سارَ المثلُ : «أَنجبُ من أُمّ البَنِيْنَ»(٣) .

وفيهم يقول لَبيد الشاعر :

نَحْنُ بَنُو أُمّ البَنِيْنَ الأرْبَعهْ

وَنحْنُ خَيْرُ عامِر بنِ صَعْصَعَهْ(٤)

وإنّما ذكر الشاعر (الأربعة) لمناسبة السجع ، إذ هم خَمْسة.

ولكلّ واحدٍ من هؤلاء قصّة في تلقيبه بلقبه المذكور.

وفي «بني عامر» من الرجال الأبطال ، والفرسان ، والأجواد ، عدد كبير ، منهم الصحابة الكرام والتابعون العظام ، وقد ملئت الصحائف بذكرهم(٥) .

قال فيهم اليعقوبيّ : كانت الرئاسة ـ على العرب ـ في أقوام ثمّ صارت في بني عامر بن صعصعة ، ولم تزل فيهم(٦) .

وقال أهل اللغة : بنو عامر ـ قوم أُمّ البَنِيْنَ ـ كانوا حُمْساً(٧) ـ وهم

__________________ـ

(١) العقد الفريد (١ / ١٣٧).

(٢) المحبر لابن حبيب (ص ٣٥٨).

(٣) مجمع الأمثال للميداني (٣ / ٤٠٢) وجمهرة الأمثال للعسكري (٢ / ٣٢٥).

(٤) بطل العلقمي (١ / ٤ ـ ٢٠٥) وأمالي المرتضى (١ / ١٣٥) ومعجم البلدان (١ / ٣٨٦) وخزانة الأدب (٤ / ١٧٠) طبعة قديمة ، وفي طبعة هارون (٩ / ٥٤٨).

(٥) فصّل عن تاريخهم وآثارهم ومآثرهم الشيخ عَبْد الواحد المظفّر في كتاب (بطل العلقمي) (ج ١ ص ـ ٢٢٧) فليراجع.

(٦) تاريخ اليعقوبي (١ / ٢٢٧).

(٧) الرسائل للجاحظ (١ / ٢٦٢).

٥٤

المتشدّدون في دينهم ـ والحُمْسُ هم قريش قُطّان مكّة وسُكّانُها ومن له فيهم ولادة ، فكان لبني عامِر ولادةٌ في قريش(١) .

وانتقلت هذه الكُنْيةُ «أُمّ البَنِيْنَ» إلى والدة العَبّاس الشهيد ، قبلَ أن تدخل بيت الإمام أمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام كما هي العادة في تسمية الخلف بِاسْمِ واحدٍ من السَّلَفِ أو كُنْيَتِه ، ليكون ذكرى للماضين ، وعبرة وتنويهاً للباقين. وشاءَ اللهُ أن يكون لفاطمة (بَنُونَ أرْبَعَةٌ) من الإمام أمِيْر المُؤْمِنِينَ عليه السلام فينطبق عليها الاسْمُ كما جاء في الشعر ، فيكون لها حقيقةً بعدَ ما كانَ لتلك مَجازاً ، بل أصبحَ في التراث والتاريخَ عَلماً لِهذِهِ الأُمِّ سلام الله عليها لا تنصرف الكُنْية إلى غيرها.

وكفى أُم البَنيْنَ هذا الانتخاب من الإمام أمير المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام فضلاً وشرفاً ، مع مالها من النسب والحسب وما أثر عنها من الرعاية والعناية في بيت الإمام عليه السلام من دون نقل ما يخالف من سيرةٍ أو سريرة بل كانت كما نقل عن الشهيد الأوّل «من النساء الفاضلات»(٢) .

أُمُّ الْبَنِيْنَ وَكَفاها فَخْرا

أنْ لَمْ تَلِدْ إلاّ فَتىً هِزَبْرا

فَيالَها كُنْيَةَ فَخْرٍ خَلَّدَتْ

لَها بِسِفْرِ الْمَكْرُماتِ ذِكْرا

__________________

(١) لسان العرب ، وتاج العروس (مادّة : حمس) وانظر الكامل في التاريخ (١ / ٦٣٩) والنهاية والبداية لابن الأثير مادّة (حمس) (١ / ٣٥٨).

(٢) مجموعة الشهيد الأوّل نقلاً في كتاب العبّاس عليه السلام للسيّد المقرّم.

٥٥

أَضْحَتْ بِها «مَخْصُوْصَةً» حَثُ اغْتَدَتْ

أوْلى بِها مِنْ غَيْرِها وأحْرى

إذْ وَلَدتْ أَرْبَعَةً قَد أَشْرَقُوا

في أُفُقِ الْمَجْدِ نُجُوْماً زُهْرا

مُجَزَّرِيْنَ كَالأَضاحِيِّ غَدَوْا

فَاحْتَسَبَهُمْ طاعَةً وَصَبْرا

جادُوْا عَنِ ابْنِ الْمُصْطَفى بِأَنْفُسٍ

نَفِيْسَةٍ سَمَتْ عُلاً وَقَدْرا

خَيْرُ قَرابِيْنَ بِطَفِّ كَرْبلا

بَعْدَ حُسَيْنٍ ؛ شَرَفاً وطُهْرا

بِالثُّكْلِ أَوْلاها الإِلهُ أَجْرَهُ

مُذْ واسَتِ الطُّهْرَ الْبَتُوْلَ الزَّهْرا

وَنالَتِ الزُّلْفى مِنَ اللهِ بِما

قَدْ أخْلَصَتْ سَرِيْرَةً وَجَهْرا

مِنْ رَبِّنا لا بَرِحَتْ بِمَنِّهِ

سَحائِبُ اللُّطْفِ عَلَيْها تَتْرى

ذكر أَمِيْر المُؤْمِنِينَ عليه السلام لها :

وكلّ تلك الأمجاد كانت هي المطلوبة للإمام أمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام وهو الممتثل لأمر النَبِيّ صلى الله عليه وآله القائل : «اختاروا لنُطَفِكُم ، فإنّ الخال أحد

٥٦

الضَجِيْعَيْن»(١) ـ(٢) .

ولذلك طلبَ الإمامُ من أخيه عقيل ـ الّذي كان عارفاً بأنساب العرب وأخبارهم ، بل كانَ من أعلم قريشٍ بالنَسَبِ(٣) ـ فقال له :

«اطلُبْ لي امرأةً ولدتْها شجعانُ العرب ، حتّى تَلِدَ لي وَلَداً شُجاعاً».

فوقع الاختيار على أُمّ البَنِيْنَ الكِلابِيّةِ ، وولدتْ له العَبّاس بن علي ، وإخوته عليهم السلام(٤) .

وروي : أنّ الإمامَ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام قال لأخيه :

«انْظُرْ إِلَيَّ (٥) امرأةً قد وَلَدْتْها الفحولة من العرب لأتَزَوَّجَها ، فتلدَ لي غُلاماً فارساً» .

فقال له عقيلٌ أمَّ البَنِيْنَ الكِلابيّةَ ، فإنّه ليس في العرب أشجعُ من آبائها(٦) ـ(٧) .

__________________

(١) رواه الإمام الكليني في الكافي الشريف (٢ / ٥) وعنه في وسائل الشيعة (٣ / ٦).

(٢) في بعض الطُّرُق : «اختارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإنَّ الْعِرْقُ دَسّاسٌ» وفي ذلِكَ يَقُولُ الشاعِرُ :

لا تَخْطِبَنَّ سِوى كَرِيْمَةِ مَعْشَرٍ

فَالْعِرْقُ دَسّاسٌ مِنَ الْجِهَتَيْنِ

أَوَ ما تَرى أنَّ النَّتِيجَةَ دائماً

تَبَعُ الأخَسِّ مِنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ

(٣) أسد الغابة (٣ / ٤٢٣) والوافي بالوفيات (٢٠ / ٦٣).

(٤) سرّ السلسلة (٨٨) ومعالم أنساب العرب (٢٥٤).

(٥) كذا ضبطه العلاّمة الأُردوبادي ، والمطبوع في المصادر : (إلى امراةٍ) وفي الكتب المتأخرة (انظر لي امراةً).

(٦) عمدة الطالب (ص ٣٥٧).

(٧) وبنو كلابٍ كانوا مِنْ أَشْرافِ الْعَرَبِ ، وفيهم ذُؤابَةُ المَجْدِ من بني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وفيهم

٥٧

وفي نصٍّ آخر : قال عقيل : إنّه ليس في العرب أشجعُ ـ أو أفرسُ ـ من آباء أُمّ البَنِيْنَ الّتي وَلَدَتْها الفُحولةُ من العرب ، وهم بنُو كِلاب.

ولقد صَدَّقَ العَبّاسُ توقُّع أبيه في أُمّه ، حيثُ حقّق أروع أمثلة البسالة والمروءة في كربلاء ، مقرُوناً بسائر ملكاته الفاضلة الّتي بدتْ في تلك المعركة الحاسمة من الإيمان والوفاء وغيرهما من سيرته المعنويّة.

وكَفَى العَبّاس فخراً أنْ تنطبق عليه نُبُوءةُ أبيه ، وتتحقَّقَ فيه أُمنيتُهُ الّتي قصدَها من ذلك الزواج المُقدّس.

متى تزوّجها الإمام أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام؟

لا ريبَ أنّ الإمام عليه السلام كان قد أقدم عليها متخذاً نصب عينيه وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسنّته في قوله : «اختاروا لنُطَفِكُم ، فإنّ الخال أحد الضَجِيْعَيْن»(١) .

وذكر سبطُ ابن الجوزي أولاد أُممّ البَنِيْنَ الأربعة ، وقال : تزوّجها [الإمامُ عليه السلام] بعد فاطمة(٢) . وذكر زوجات الإمام أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام :

__________________

يقولُ جرير في هجاء الراعي النُّمَيريّ :

فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ

فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كِلابا

ونُمَير هو ابن عامر بن صعصعة ، وكعب وكلاب ابْنا أَخِيْهِ ربيعة بن عامر بن صَعْصَعَة ، لكنّ الشَّرَفَ والسُّؤْدَدَ كانا في أَولادِهِما دُوْنَ أَوْلادِ نمير.

(١) رواه الكليني في الكافي (٥ / ٣٣٢) باب ١٢ ح ٣. والطوسي في تهذيب الأحكام (٧ / ٤٠٢) ب ٣٤.

(٢) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).

٥٨

فقال في «أسماء بنت عُمَيْسٍ» : تزوّجها بعد أُمّ البَنِيْنَ(١) .

وقال في «أُمامة بنت أبي العاص» : تزوّجها بعد الصَهْباء(٢) .

وقال أبو الفداء : ثمّ بعد موت فاطمة ، تزوّج أُمّ البَنِيْنَ بنت حرام(٣) الكلابيّة ، فولد له منها [ثمّ ذكر أولادها الأربعة] وقال : قُتِلَ هؤلاء مع أخيهم الحسين ، ولم يُعْقِبْ منهم غيرُ العَبّاس(٤) .

أقولُ : لكن المشهور : أنّ أوّل من تزوّج الإمام بعد فاطمة الزهراء عليها السلام هي (أُمامةُ) بنتُ أبي العاص ، وأُمّها زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله. تزوّجها الإمامُ بوصيّة من الزهراء عليها السلام.

قال الشيخ ابنُ شهر آشوب : «وأوصتْ [الزهراء عليها السلام] إلى علي عليه السلام بثلاث :

أن يتزوّج بابنة أُختها «أُمامة» لحُبّها أولادها.

وأن يتّخذَ نعشاً ، ووصفته له.

وأن لا يشهدَ أحدٌ جنازتها ممّن ظَلَمَها.

وأن لا يترك أن يُصلّي عليها أحدٌ منهم»(٥) .

وقال ابنُ طلحة الشافعي : أُمامةُ بنتُ أبي العاص ، وهي بنتُ زينب ابنة

__________________

(١) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).

(٢) تذكرة الخواص (١ / ٦٦٤).

(٣) في المصدر : حزام ، وهو غلط كما مضى.

(٤) تاريخ أبي الفداء المسمّى بالمختصر في أخبار البشر (١ / ١٨١).

(٥) مناقب آل أبي طالب (٣ / ٤١١).

٥٩

رسول الله صلى الله عليه وآله تزوّجَها بعد موت خالتها فاطمة(١) .

وأمّا من قال : إنّ الإمامَ عليه السلام تزوّج أُمّ البَنِيْنَ بعدَ فاطمة عليها السلام كالطبري الّذي قال عند ذكر فاطمة عليها السلام : ثمّ تزوّج بَعْدُ أُمّ البنين(٢) .

فلا يُنافي ما تقدّم ، لأنّ البعدية تصدُق مع تراخٍ بين وفاة فاطمة وبين هذا الزواج. فيما إذا كان مسكن أُمّ البَنِيْنَ مع أهلها في الكوفة ، فلاحظ ما سنذكره عن محلّ ولادة العَبّاس عليه السلام.

الإمام وبني أمّ البنين :

وفي الحديث عن ابن عبّاس ، قال : ذكر التزويج عند أَمِير المُؤْمِنِيْنَ عليه السلام فقال : إنّ من لذّة العيش أنْ ترى في كلّ عامٍ عرساً. فقال له بعض أصحابه : وأنتَ لمْ تفعلْ ذلك! فقال : كيف وعندي أربعٌ؟ قال : أترك واحدةً منهنّ!

فقال : عن أيّتهنّ؟

فعندي أمامةُ بنت أبي العاص ، أوصتني فاطمةُ بتزوّجها بعدها.

وعندي أُمّ البَنِيْنَ ، وهي تأتي في كلّ عامٍ بابنٍ.

وعندي أسماءُ بنت عُمَيسٍ ، كأنّها جامٌ من ذَهَبٍ.

وعندي أمّ حبيب التغلبيّة ، وهي النفسُ الّتي بينَ الجَنْبَينِ(٣) .

__________________

(١) مطالب السؤول (١ / ٦٤٧).

(٢) لاحظ تاريخ الطبري (٥ / ١٥٣).

(٣) مكارم أخلاق النبيّ والأئمّة عليهم السلام للراوندي (ص ١٩١) رقم (٢٣٦ / ٧٣).

٦٠