ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172774
تحميل: 1997

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172774 / تحميل: 1997
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه «الف باء» ج ١ / ٢٢٢ قال : لما وصل معاوية خبر قتل عليّعليه‌السلام ، قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب.]

وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنّه قال [كان عمر (رض) يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن(١) .]

__________________

(١) هذا الخبر ذكره جمع كثير من علماء العامة وأعلامهم منهم :

الحاكم النيسابوري في المستدرك رواه عن سعيد بن المسيّب ورواه عنه أيضا ابن عبد البرّ في الاستيعاب : ج ٢ / ٤٨٤ ، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى / ٨٢ ، فإنّه بعد ما ذكر مراجعة عمر بن الخطاب إلى الإمام علي عليه‌السلام في حكم المرأة التي ولدت لستة أشهر ، قال : وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال [كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن.] قال الطبري : أخرجه أحمد بن حنبل وأبو عمر.

وروى العلامة سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص مسائل وقضايا شتى راجع فيها عمر علياعليه‌السلام وأخذ منه حكمها ، وذكرها في فصل بعنوان : (فصل في قول عمر ابن الخطاب [أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ، وما ورد في هذا المعنى) فنقل في أوله مقال سعيد بن المسيّب عن كتاب «الفضائل» لأحمد بن حنبل ، ثم نقل قضايا ، قال عمر في إحداها [لو لا عليّ لهلك عمر.

وقال في اخرى : اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.

وقال في أخرى : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.

ونقل المتقي في كنز العمال : ج ٣ / ٥٣ ، عن عمر أنّه قال : اللهم لا تنزل بي شدّة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي.]

وروى الطبري أيضا في ذخائر العقبى / ٨٢ ، مراجعة عمر في قضاياه المعضلة وأموره المشكلة ، ثم قوله [اللهم لا تنزلنّ بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي ، وذكر أنّ عمر كان يقول لعليّ إذا سأله ففرّج عنه : لا أبقاني الله بعدك يا علي.]

وقال الطبري : وعن أبي سعيد الخدري أنّه سمع عمر يقول لعلي ـ وقد سأله عن معضل فأجابه ـ [أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن.]

والعبارات في هذا المعنى كثيرة جدا. «المترجم»

١٠٢١

وقال أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي في شرح «الفتح المبين» : [كانت الصحابة (رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى عليّعليه‌السلام ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوى ، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدّة مواطن : لو لا علي لهلك عمر.]

وقال النبي (ص) «أعلم أمّتي علي بن أبي طالب».

فتحصّل من كتب التاريخ والسير أنّ عمر بن الخطّاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام ، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة. وربّما اشتبه في المسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة التي كان يعرفها أكثر المسلمين ، فكان الحاضرون ينبّهونه ويرشدونه إلى الصواب.

الشيخ عبد السلام : لا نسمح لك أن تتكلّم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه ، نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر ، ولا شك أنّ كلامكم بعيد عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب!!

قلت : على مهلك يا شيخ! قف عند حدّك ولا تهرّج ، تريد بهذا الكلام أن تحرّك أحاسيس الحاضرين من أهل السنّة ، ولكنّهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأنّي لا أتكلم بغير دليل وبرهان ، وهذه المرة كالمرّات الأخرى ، إنّما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم ، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم ، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب ، وقائله مفتر كذّاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم.

الشيخ عبد السلام : هذا الكلام غير مقبول ، ولا أظن قائله إلاّ

١٠٢٢

أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامّة أهل السّنّة ، والجدير أنّك لمّا تنقل خبرا في إثبات كلامك ، تقول : نقله أعلامكم وأئمتكم ، ولم تذكر اسم القائل ، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا ، بل هو كاتب سنيّ غير معتبر ، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه ، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلاّ من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا ، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها.

قلت : لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان ، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لا سيما أهل العلم والإيمان ، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي ، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم ، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الاشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مرّ ، وأكتفي بذلك رعاية للوقت.

عمر : لا يعرف التيمّم وأحكامه!!

جاء في صحيح مسلم / باب التيمّم ، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج ٤ / ٢٦٥ و ٣١٩ ، والبيهقي في السنن : ج ١ / ٢٠٩ ، وأبو داود في السنن : ج ١ / ٥٣ ، وابن ماجة في السنن : ج ١ / ٢٠٠ ، والنسائي في السنن : ج ١ / ٥٩ الى ٦١ ، هؤلاء كلّهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام ، وذكر

١٠٢٣

أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمّم / روى بسنده عن عبد الرحمن بن أبزي [أنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء. فقال : لا تصلّ.]

فقال عمّار [أما تذكر يا أمير المؤمنين! إذ أنا وأنت في سريّة فأجنبنا فلم نجد ماء. أمّا أنت فلم تصلّ وأمّا أنا فتمعّكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم : فتمرّغت في التراب ـ فصلّيت.

فقال النبي (ص) «إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفّيك».

فقال عمر : اتّق الله يا عمّار! قال : إن شئت لم أحدّث به.]

فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدّعاه بأنّ عمر أحد الفقهاء الكبار ، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة أعوام ، وسمع منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحكام الاسلام ، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول :( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١) .

فيفتي بترك الصلاة الواجبة ، عند فقدان الماء!!

هل يصحّ أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين؟! والجدير بالذكر ، أنّ مسئلة التيمّم من المسائل المبتلى بها في المسلمين ، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسّوقيين منهم الملتزمين بالصلاة

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٦.

١٠٢٤

والعبادة ، فكيف بأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وكيف بحاكم المسلمين؟!

ليس لأحد أن يقول بأنّ عمر كان متعمّدا في فتواه بترك الصلاة ، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه ، ولكن لنا أن نقول : بأنّه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشّرع المبين ، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام ، وكان سريع الجواب حتى في جزئيّات الأحكام ، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا؟!

الشيخ عبد السلام : ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا.

قلت : نعم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى ، إلاّ باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولذلك خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه قائلا «أعلمكم عليّ».

إحاطة الإمام عليّعليه‌السلام بالعلوم

روى العلاّمة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأنّ يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب ، الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذ رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأنّ وتفكّر. فقال [يا علي! كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكير؟!

فبسط عليعليه‌السلام كفّه وسأله : كم عدد أصابع الكف؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير : خمسة.

فقال له عليّ : كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير؟

١٠٢٥

فأجاب عمر : إنّه واضح ، لا يحتاج إلى تفكير.

فقال عليعليه‌السلام : اعلم أنّ كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(١) .]

__________________

(١) لا يشك المحقق البصير والمدقق الخبير ، بأنّ أحدا من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقاس بالإمام عليّعليه‌السلام في العلم والمعرفة ، فهو أعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون إليه في علم الدين وكانوا يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنيّا عنهم ، روى العلاّمة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / الباب الرابع عشر في غزارة علمهعليه‌السلام ، روايات كثيرة في هذا المعنى وكلها من الكتب المعتبرة لدى العامّة.

فقال : وعن الكلبي ، قال ابن عباس [علم النبي (ص) من علم الله سبحانه وعلم عليّ من علم النبي (ص) ، وعلمي من علم عليّ. وما علمي وعلم الصحابة في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.]

وفي أواخر الباب روى عن المناقب ، عن عمّار بن ياسر (رض) قال [كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا. فقلت : يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا النمل؟

قال : نعم يا عمار ، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ، ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى.

فقلت من ذلك الرجل؟

فقال : يا عمار ما قرأت في سورة يس ، الآية ١٢ : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ) !

فقلت : بلى يا مولاي ، قال : أنا ذلك الإمام المبين.]

وروى أيضا عن أبي ذر (رض) قال [كنت سائرا مع عليّ عليه‌السلام ، إذ مررنا بواد نمله كالسيل ، فقلت : الله أكبر جلّ محيصه فقال عليه‌السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل جلّ بارؤه.

فو الذي صوّرني وصوّرك ، إنّي أحصي عددهم ، وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله عزّ وجلّ.]

أيّها القارئ الكريم : الروايات في باب إحاطة علم الإمام عليّ عليه‌السلام بالأشياء كثيرة في كتب الفريقين ، وقد ذكرت نموذجا منها. «المترجم»

١٠٢٦

اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام عليّعليه‌السلام

لقد تذكّرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب :

(وفضائل شهد العدوّ بذكرها

والفضل ما شهدت به الأعداء)

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن حجر في الصواعق المحرقة / ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر / قال : وأخرج أحمد [بن حنبل] : [أنّ رجلا سأل معاوية عن مسئلة ، فقال : اسأل عنها عليّا فهو أعلم.

فقال : يا أمير المؤمنين! جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب علي.

قال : بئسما قلت ، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا ، ولقد قال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ، قال ابن حجر : وأخرجه آخرون بنحوه(١) .]

عجز عمر في حلّ المعضلات وخضوعه لعليّعليه‌السلام

نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلاّمة نور الدين

__________________

(١) وذكر ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : ٢٤ و ٢٥ ، طبع دار إحياء الكتب العربية [ولمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ـ وقصد علياعليه‌السلام ـ قال له :

ويحك! كيف يكون أعيا الناس! فو الله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره.]

«المترجم»

١٠٢٧

المالكي في كتابه الفصول المهمة / ١٨ ، في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول. ولكن العلاّمة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر [كيف أصبحت يا ابن اليمان؟ فقال : كيف تريدني أصبح؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحبّ الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلّي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطّريق إذ مرّ بعلي بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر؟!

فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت أكره الحق ، فقالعليه‌السلام : صدق ، يكره الموت وهو حق.

فقال : يقول : وأحب الفتنة ، قال (ع) : صدق ، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى :( أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) . فقال : يا علي يقول : واشهد بما لم أره. فقالعليه‌السلام : صدق ، يشهد لله بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كلّه. فقال : يا علي وقد قال : إنّني أحفظ غير المخلوق ، قالعليه‌السلام : صدق ، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق ، قال : ويقول : أصلّي على غير وضوء. فقالعليه‌السلام : صدق ، يصلّي على ابن عمّي رسول الله (ص) على غير وضوء ، وهي جائزة.

فقال : يا أبا الحسن قد قال : أكبر من ذلك ، فقال (ع) : وما هو؟

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية ٢٨.

١٠٢٨

قال : قال : إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قالعليه‌السلام : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.

ثم قال العلاّمة الكنجي : هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السّير.]

وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر ، فكانا يعجزان عن حلّها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام عليّعليه‌السلام فيعطيهم الجواب ، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديّون ، فكانت معضلات علميّة ومشكلات كلاميّة لم يتمكن أحد من الصحابة ردّها والإجابة عليها بالصواب إلاّ سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم : البخاري ومسلم في الصحيحين ، والنيسابوري في التفسير ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السّئول ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ص ١٨ ، وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / ٣٣٧ ، طبع حيدرآباد ، وفي الإصابة ج ٢ / ٥٠٩ ، طبع مصر ، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل ، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج ٢ / ١٩٤ ، وابن الأثير الجزري المتوفّى سنة ٣٦٠ هجرية في أسد الغابة : ج ٤ / ٢٢ ، وابن قتيبة المتوفى سنة ٢٧٦ هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث : ٢٠١ ـ ٢٠٢ طبع مصر ،

١٠٢٩

وابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب ج ٢ / ٤٧٤ وج ٣ / ٣٩ ، وابن كثير في تاريخه : ج ٧ / ٣٥٩ ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ٦٦ ، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار : ص ٧٣ ، والعلاّمة السمهودي في جواهر العقدين ، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / ١٤٦ و ١٥٢ ، والشيخ محمد الصبّان في إسعاف الراغبين : ص ١٥٢ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص في الباب السادس ، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة ، والمولى علي القوشچي في شرح التجريد : ص ٤٠٧ ، والخوارزمي في المناقب / ٤٨ و ٦٠ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ص ١٠٧ طبع المطبعة الميمنيّة بمصر ، والعلاّمة ابن قيّم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / ٤٧ و ٥٣ ، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما ، عليّاعليه‌السلام وهو حكم فيها ، وخاصّة عمر بن الخطاب ، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلّها الإمام عليّعليه‌السلام [أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويقول في بعضها الآخر : لو لا علي لهلك عمر. وقوله : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.]

ولقد تحصّل من هذه الأخبار أنّهم كانوا يحتاجون إلى الإمام عليعليه‌السلام لحلّ القضايا والحكم فيها ، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم ، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإنّ الأعلم مقدّم على غيره وهو أحقّ أن يتّبع ، وقال الله سبحانه :( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١) ؟

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٣٥.

١٠٣٠

وقال عزّ وجلّ :( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (١) ؟

فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدّموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخّروا من قدّمه الله تعالى وفضّله على غيره؟!

الإمام عليعليه‌السلام وخلافة من سبقوه

الشيخ عبد السلام : لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا عليّ كرّم الله وجهه إلاّ معاند متعصّب أو جاهل متعنّت. ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأنّ عليا رضي بخلافة الراشدين وسلّم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة ، فليس لنا بعد ذلك ولا يصحّ منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف بين المسلمين وتشبّ نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين.

أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ونتّبع الواقع ونخضع للتاريخ؟

فلا ينكر أحد من أهل العلم والاطّلاع أنّ الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرّت لعمر بن الخطاب ، وبعده تعيّن عثمان بن عفّان لها. فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وتفوّقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده ، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الامام عليّ حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامّة المسلمين.

وقلت : بأننا لا ننكر تفوّق سيدنا عليّ كرّم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أظنكم تصدّقوني بأنّ أبا بكر (رض) كان أولى بالخلافة

__________________

(١) سورة الزمر ، الآية ٩.

١٠٣١

لكبر سنّه ، وكثرة تجاربه ، وعلمه بالسياسة ، وإدارة الأمور ، ولوجود هذه الامتيازات فيه أجمعوا على خلافته ، فإنّ سيدنا عليّ كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنّك في أمور السياسة والإدارة ، وحتى من بعد وفاة رسول الله (ص) بخمسة وعشرين عام لمّا بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيّامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدّماء وزهقت النفوس ، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة.

قلت : لقد خلطت الحابل بالنابل ، وضربت السليم بالسّقيم ، فلا بدّ لي أن أميّز بين كلامك ، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها.

مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال

أولا : لقد جاء في الأمثال : أنّ عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال.

فجاء الولد وهو شاب قويّ إلى بيّاع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز ، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن ، ولمّا أراد أن يذهب ، طالبه صاحب الكفن بالثمن ، فقال السارق : ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحلّه لي.

فقال الشيخ : لا أحلّه. إمّا أن تعطي الثمن أو تردّ الكفن! فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله ، ويسحقه بأقدامه ، ويقول : هبني الثمن وحلّل الكفن وإلاّ قتلتك!!

١٠٣٢

فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ : وهبتك الثمن وحلّلت الكفن.

فقال السارق : لا أقبل. إلاّ ان تصيح بصوت رفيع ، تسمعك أمّي في بيتها.

فصاح الشيخ بكل صوته : وهبتك الثمن وحللت الكفن.

فتركه وجاء الى أمه العجوز وأعطاها الكفن.

وقال لها : يا أمّاه سمعت صوت الشيخ يقول : حللت الكفن! قالت : نعم يا ولدي جزاك الله خيرا!!

أقول : فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم ، هل كانت تؤيّده وتقول له : جزاك الله خيرا؟!

إنّ كلامك بأنّ علياعليه‌السلام كان راضيا بخلافة الراشدين قبله ، وأنّه بايعهم بالطوع والرغبة ، فقد تكرّر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة الى كتبكم وتواريخكم ، بأنّهم أجبروه على البيعة بحرق بابه ، وإسقاط ولده المحسن ، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين ، وإخراجه من البيت حاسرا قد جرّدوا السيف على رأسه ، وهدّدوه بالقتل إن لم يبايع ؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة.

فلو تظاهر الإمام عليعليه‌السلام بالرضا فإنّما كان رضاه مثل رضا الشيخ بيّاع الأكفان ، عن كره وإجبار ، لا كما تزعمون عن طوع ورغبة. فكيف رضي وهوعليه‌السلام إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمّر؟

وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة ، كان كلّما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول «صبرت وفي العين قذى وفي

١٠٣٣

الحلق شجى». فأين هذا الكلام من الرضا؟

ثانيا : قلتم : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتّحد مع بعض ...؟ كما قلتم قبله ، ولا يصح منّا أن نجدّد ذكر الحوادث التي تبعث الاختلاف والفرقة بين المسلمين.

فأقول : نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الاتحاد ، وكنّا نحذّر من الفرقة والاختلاف ، ونبتعد عن التخاصم والنزاع ، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالأحداث لأذعنتم لقولي ، ولقد مضى في أبحاثنا أنّ الإمام عليّعليه‌السلام إنّما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمّة ولقد تحمّل ما لو نزل على صمّ الصخور لتصدّعت وصارت هباء منثورا.

وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه ، إنّما هادن معاوية ليوحّد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم ، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسنعليه‌السلام التي كان قد وقّع عليها. وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الاتحاد والائتلاف ، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف ، وذلك بتصدير الفتاوى ضد الشيعة ، والافتراء عليهم ، واتهامهم بالكفر ، وتسميتهم بالرافضة ، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و... ، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نردّ عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأنّنا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين.

لا يصح اختيار دين بغير دليل!!

ثالثا : أما قولك : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونتحد مع بعض ونتّبع الواقع؟

١٠٣٤

فأقول : بل الأفضل أن نعتبر من الماضي ولا نكرر أخطاء أسلافنا الماضين ولا سيما في أمر الدين.

والأفضل أيضا أن نتحد مع بعض ، ولكن يجب أن يكون اتحادنا على قبول الحق ، فيلزم قبل الاتحاد أن نبحث ونناقش لنعرف الحق فنتقبّله ونتمسك به كلّنا ، وهذا هو الاتحاد الممدوح والذي يريده الله تعالى.

وأما قولك : فنتّبع الواقع ونخضع للتاريخ. فهو كلام أوهن من بيت العنكبوت. وفيه ضرب من المغالطة ، لأنك بهذا الكلام تريد منّا أن نتّبع من غلب ، ونخضع لمن حكم ، وما أكثر الظالمين الذين غلبوا المظلومين وما أكثر الطغاة الذين حكموا في العالم. فليس كل من غلب وحكم حقيق بأن نتّبعه ونخضع له.

وأما فيما هو بحثنا وهو الخلافة ، فإنّ التاريخ يحدّث ويحكي بأنّه بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقسم المسلمون واختلفوا ، فقسم منهم تبعوا أبا بكر وبايعوه وخضعوا لحكمه وخلافته ، والقسم الآخر خالفوه ورفضوا حكمه وخلافته ، وتبعوا عليا وأطاعوه مستندين في عملهم بالقرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فالواجب علينا اليوم أن ننظر إلى أقوال الطرفين ودلائلهم ونختار مذهب أحدهما بالدليل والبرهان ، فإنّه لا يصح التقليد في أصول الدين والمذهب. فهل يعذر أبناء اليهود والنصارى إذ اتّبعوا ملّة آبائهم وقلّدوا أسلافهم بحجّة القول :( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) ؟

بل يجب على كلّ مكلّف أن يتديّن بدين الله تعالى عن دراسة

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ٢٣.

١٠٣٥

وتحقيق ، ولا بدّ له من دليل عقلي في اختيار الدين والمذهب.

فلا يصحّ أن يتبع الهوى فيميل إلى من أحبّ ويختار مذهبه ، فإنّ اختيار الدين والمذهب يجب أن يكون على أساس المنطق القويم والعقل السليم.

ما هو دليلي على اختياري التّشيع؟

أتظنّون أنّي اخترت مذهب التشيّع ، لأنّي وجدت آبائي على هذا المذهب فقلّدتهم تقليد أعمى؟ لا والله!

فانّي من حين عرفت نفسي وأحسست بحاجتي إلى دين أتديّن به وأعمل بأحكامه وتعاليمه ، بدأت أطالع في الأديان السماويّة وغيرها ، حتى أنّي طالعت أقوال الماديين والوجوديين أيضا ، لكي أعرف الحق والحقيقة. فاخترت الإسلام عن معرفة ودراية ، ثم درست أصوله وفروعه بدقة وتحقيق ، فوحّدت الباري جلّ وعلا وعبدته وفوّضت إليه أموري كلها ، وطالعت تاريخ سيد المرسلين وفهمت رسالته الشريفة ، وقد ثبت عندي بالأدلّة العقليّة وبمقايسة دينه بسائر الأديان أنّ الإسلام هو الدين الأكمل والمعتقد الأفضل.

ثم نظرت إلى اختلاف المذاهب وتاريخ تأسيسها في الإسلام ، وطالعت الأحداث التي حدثت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقضيّة الخلافة وتشكيل السقيفة وما بعدها ، وطالعت تاريخ الخلفاء وأعمالم ، وكنت معتمدا في دراستي ومطالعاتي على مصادر الفريقين وكتب علماء الطرفين ومحدّثيهم ومتكلّميهم ومؤرّخيهم.

وأشهد الله أنّي وصلت إلى حقّانيّة مذهب الشيعة ، وحقيقة

١٠٣٦

أقوالهم وعقائدهم ، وعرفت حقّ الإمام عليعليه‌السلام بالولاية والخلافة وأنّ الآخرين قد غصبوا حقّه.

وأقسم بالله أنّي ما حصلت على هذه النتائج والحقائق إلاّ من الروايات والأخبار المذكورة في كتب علماء العامّة وأعلامهم ، وفي صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة والموثوقة التي لا يجوز عندهم ردّها ، ولقد اعتمدت في بحث الخلافة والإمامة خاصّة ، على تآليف وتصانيف علماء السّنة وطالعتها ، أكثر من مطالعتي لكتب الشيعة. لأنّ الدلائل التي ذكرها علماء الشيعة في كتبهم ، كانت أكثرها من كتب علماء السنّة وأعلامهم. فرجعت الى المصادر فوجدت فيها الدلائل أكمل وأتم. ولكن علماء السنة عند ما يذكرون الآية القرآنية وشأن نزولها في الامام عليّعليه‌السلام ، أو يذكرون حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضل الإمام عليّعليه‌السلام فإنهم ينظرون إليها نظرا سطحيا ، ويمرّمون عليها من غير تحقيق وتدقيق ، فلا يتعمّقون في معانيها والمقصود منها ، ولو نظروا فيها بنظر التحقيق لوجدوا فيها نصوصا صريحة في خلافة الإمام عليّعليه‌السلام وإمامته ، وشهدوا كما نشهد بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام وليّ الله وحجة الله وخليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الأول بلا فصل.

الشيخ عبد السلام : لا توجد في كتبنا المعتبرة نصوص في ولاية سيّدنا عليّ كرّم الله وجهه وإمامته ولزوم طاعته على الأمّة!!

قلت : أظنّك يا شيخ كثير النسيان ، وكأنّك لم تذكر من أحاديثنا ومحاوراتنا إلا قليلا ، فلذا أدعوك للرجوع إلى الصّحف والمجلاّت التي نشرت مناقشاتنا الماضيّة ، فإنّنا ذكرنا فيما سبق في كلامنا نصوصا كثيرة من القرآن الحكيم وحديث النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامة علي بن أبي

١٠٣٧

طالب ولزوم طاعته ومتابعته ، وسأذكر بعضها من باب( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

الآيات والروايات في لزوم طاعة عليّعليه‌السلام

أمّا النصوص في ولاية الإمام عليّعليه‌السلام فكثيرة منها ما رواه الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة / باب ٣٧ عن الفردوس للديلمي ، وعن أبي نعيم الحافظ ، وعن محمد بن إسحاق المطّلبي صاحب كتاب المغازي ، وعن الحاكم ، والحمويني ، والخوارزمي ، وابن المغازلي ، وبعضهم أسند إلى ابن عباس ، وبعضهم إلى ابن مسعود ، وبعضهم إلى أبي سعيد الخدري أنهم قالوا : لمّا نزلت الآية الكريمة :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢) .

قال النبي (ص) «إنّهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب(٣) ».

__________________

(١) سورة الذاريات ، الآية ٥٥.

(٢) سورة الصافات ، الآية ٢٤.

(٣) رواه جمع كثير من كبار علماء العامّة وأعلامهم ، منهم ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في الفصل الأول من الباب الحادي عشر ، يذكر فيه الآيات النازلة في فضل أهل البيتعليهم‌السلام ، فقال : الآية الرابعة ، قوله تعالى :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي (ص) قال :وقفوهم إنّهم مسئولون ، عن ولاية عليّ (انتهى كلام ابن حجر).

وأخرجه العلاّمة الآلوسي في تفسيره المسمّى بروح المعاني ، في تفسير الآية ، ورواه العلاّمة الكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) نقل عن ابن مردويه في مناقبه وعن أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري أنه [يسأل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب]. [ونقل عن فردوس الأخبار عن ابن عباس وأبي سعيد قالا عن النبي (ص) قال : يسألون عن الإقرار بولاية علي بن أبي طالب.]

١٠٣٨

ثم إنّنا نجد في كثير من الأخبار المرويّة في كتبكم المعتبرة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يختار الإمام عليّ من دون كلّ الصحابة ، فيجعله باب علمه ويأمر المسلمين بلزوم طاعته بل يجعل طاعته طاعة الله سبحانه.

فقد روى أحمد بن حنبل في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، والعلاّمة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال» يا معشر الأنصار! ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا

__________________

وأخرجه الشيخ أبو بكر بن مؤمن في كتاب رسالة الاعتقاد : وأخرج العلاّمة الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / صفحة ١٢٠ ، طبع مطبعة الغري.

قال : وروى ابن جرير الطبري ، وتابعه الحافظ أبو العلاء الهمداني. وذلك ذكره الخوارزمي عن أبي إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) يعني [عن ولاية عليّ عليه‌السلام .]

ورواه العلاّمة أبو نعيم الحافظ في كتابه ما نزل من القرآن في عليّ.

وأخرج سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / الباب الثاني / قال : ومنها في الصافات قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) . قال : قال مجاهد [عن حبّ علي عليه‌السلام .]

أقول : هذا التفسير يأتي بالمعنى الأعم ، وأما بالمعنى الأخصّ فلا.

لأنّ ما يوجب التوقف عند الصراط ويقتضي السؤال عنه. فهو الولاية بمعنى الإمامة ، فإنّ حبّ الإمام عليّ عليه‌السلام لم يجعل بانفراده أصلا اعتقاديا يسأل عنه كما يسأل عن الرب وعن الكتاب وعن النبي ، فالسؤال عن الولاية أي الخلافة التالية للنبوّة ، فهذا التفسير هو الذي يقتضيه الحال والمقال.

«المترجم»

١٠٣٩

بعدي أبدا؟ قالوا : بلى.

قال : هذا عليّ فأحبّوه وأكرموه واتّبعوه ، إنّه مع القرآن والقرآن معه ، إنّه يهديكم إلى الهدى ولا يدلّكم على الرّدى ، فإنّ جبرائيل أخبرني بالذي قلته».

وكذلك روى كثير من علمائكم ونقلته لكم في الليالي السالفة ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمار بن ياسر «يا عمّار إن سلك الناس كلهم واديا وسلك عليّ واديا فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس».

وكذلك ذكرت لكم في الليالي الماضية من كتب أعلامكم : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تكرارا وأعلن مرارا بين أصحابه «من أطاع عليّا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله عزّ وجلّ».

فلا يخفى على العالم المتتبّع أنّ مثل هذه الأحاديث كثيرة جدّا في كتبكم ، وقد صحّحها كبار أعلامكم وأئمتكم ، حتى كاد يحصل منها التواتر المعنوي في لزوم متابعة الإمام عليّعليه‌السلام ووجوب طاعته.

مع العلم بأنّنا ما وجدنا ولا وجد غيرنا حتى حديثا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول للمسلمين بأن يطيعوا بعده أبا بكر أو عمر أو عثمان ، ولا يوجد في الكتب حديث واحد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه بأنّ أحد هؤلاء الثلاثة وصيّه أو باب علمه ، أو خليفته.

ومع ذلك ، تريدون منّا أن نوافقكم في قولكم بأنّ الإمام عليّعليه‌السلام هو رابع الخلفاء الراشدين ، ونقدّم عليه أولئك الذين لن نجد حتى في كتبكم ما ينبئ بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عيّنهم أوصياء وخلفاء له ، وأئمّة على المسلمين!!

فهل هذا يوافق حكم العقل؟ وهل هو صحيح عند العقلاء

١٠٤٠