ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 172533
تحميل: 1991

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172533 / تحميل: 1991
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

ولا يسمح لي الوقت لأن أذكر أكثر ممّا ذكرت ، وفيه كفاية لمن أراد الهداية والابتعاد عن الغواية.

فالإمام الحسين بن عليّعليهم‌السلام حقّه كثير وفضله كبير على الإسلام والإنسانية ، فقد جاهد وكافح مثل هذا الظالم الفاجر ، وفضحه في العالم ، وأنقذ الدين من براثن كفر يزيد وحزبه الظالمين الفاسقين المنافقين.

وإنّي أتأسّف لما يصدر منكم ، فبدلا من أن تقدّروا هذا الجهاد العظيم للحسين السبط ، وتقدّروا تضحياته القيّمة وتفانيه في سبيل الله سبحانه ، فتأبّنوه في كلّ عام وتحيوا يوم عاشوراء بتشكيل المجالس والمحافل ، وتقرءوا على المسلمين تاريخه المبارك ، وتلقوا على الناس خطبه وكلماته التي يبيّن فيها أسباب نهضته المقدّسة وأهدافه السامية ، ويفضح فيها يزيد وبني اميّة وحزبهم.

وبدل أن تذهبوا إلى زيارة مرقده الشريف وتقفوا أمامه وقفة إجلال وإكرام واحترام ، فتستلهموا منه الإيمان واليقين ، وتتعلّموا منه التضحية والتفاني في سبيل الدين.

بدل كلّ ذلك ، تعارضون الملايين من شيعته ومحبّيه الّذين يؤدّون له الاحترام ويقدّرون نهضته المباركة وجهاده العظيم ، وينظرون إليه نظرة إكبار وإجلال ، ويبكون ويحزنون لما أصابه من أعدائه الظالمين ، ويزورون مرقده المقدّس بلهفة وخشوع.

وإنّكم ترمونهم بالكفر والشرك ، وتعبّرون عن زيارة تلك المراقد المشرّفة بعبادة الأموات!!

٢٢١

رمز قبر الجنديّ المجهول

جرت العادة في أكثر بلاد العالم وخاصة البلاد المتقدّمة الاروبية والدول الحضارية ، أنّهم يشيّدون مبنى على شكل قبر رمزي باسم : الجندي المجهول ، ويصرفون أموالا باهظة في إنشائه ، ويعيّنون مديرا مسئولا وبإمرته موظفين لإدارته والمحافظة عليه.

فيأخذون ضيوف الدولة وهم شخصيّات البلدان الاخرى كرؤساء الجمهوريات ورؤساء الدول والوزراء والممثّلين عنهم ، إلى ذلك القبر الوهمي ، فيقفون وقفة خشوع واحترام ، ويؤدّون المراسم التي تنبئ عن إجلال وتعظيم ذلك المكان الذي ليس هو إلاّ قبر رمزي قام بنيانه وشيّدت أركانه لإحياء اسم الجندي الذي دافع عن وطنه وضحى نفسه في سبيل حرّيّة شعبه وبلاده.

ولم يكن في العالم ، ولا يوجد هناك عاقل يعارض هذا العمل وينهى عنه. بل كاد أن يكون من المراسم الواجبة عند الحكومات والدول المتقدّمة.

ولن نجدكم تعارضون الشيعة وتنكرون عملهم حينما يقفون أمام قبور شهداء الإسلام وخاصّة شهداء العترة الهادية وهم جنود الله سبحانه ، المعلومون المعرفون في السماوات والأرضين.

وتنقدون الشيعة لوقوفهم أمام تلك القبور التي لم تكن وهمية وخالية أو خيالية ، بل هي مراقد أطهار ومراكز أنوار ، تتضمّن أشخاصا كان لهم الأثر العظيم في بناء حضارة البشر وإنسانية الإنسان ، تتضمّن أجسادا تشعّ منها أنوار العلم والفضيلة ، وأنوار الإيمان والإحسان ،

٢٢٢

وتذكّر زائريها بالمثل العليا وتلهمها الصبر والجهاد وصفات الأمجاد ، وكلّ خصال الخير والأخلاق الحميدة.

فالشيعي يقف أمام تلك القبور المقدّسة والمراقد الطاهرة ويخاطب أصحابها الّذين تحسبونهم أمواتا ، والله يقول :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

لذلك يخاطبهم الشيعي فيقول :

«أنا سلم لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ، ووليّ لمن والاكم ، وعدوّ لمن عاداكم» وهو يعلن بهذه العبارات الرائعة أنّه سائر على خطّ الجهاد في سبيل الله تعالى ونيل الشهادة من أجل الدين والعقيدة وأنتم تنتقدون الشيعة وتنكرون عليهم زيارة تلك القبور المقدّسة!!

وطائفة اخرى ـ وهم الوهّابيّون ـ يهدمون تلك المراقد المباركة ، ويخرّبون تلك القباب الطاهرة ، ويهتكون حرمتها ، ويقتلون زوّارها ، كما حدث في سنة ١٢١٦ هجرية في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة في يوم الغدير ، وكان أهالي كربلاء أكثرهم قد ذهبوا إلى زيارة مرقد الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في النجف الأشرف ، وبقيت النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المدينة ، فاغتنم الوهّابيّون هذه الفرصة وهجموا من الحجاز على كربلاء المقدّسة ، وهدموا قبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام وقبور الشهداء من صحبه الكرام ، ونهبوا خزانة الحرم الشريف التي كانت تحتوي على ثروة عظيمة لا تثمّن من هدايا الملوك وغيرهم.

وقد أبدوا وحشية وضراوة لا نظير لها ، فما رحموا حتّى النساء

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٦٩.

٢٢٣

والأطفال والشيوخ والمرضى ، فقتلوا خلقا كثيرا حتّى بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف ، وأسروا جمعا آخر وساقوهم معهم فباعوهم في الأسواق!!

وهكذا صنعوا ما صنعوا وارتكبوا ما ارتكبوا باسم الدين المبين وشريعة سيّد المرسلين وهو منهم بريء ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هدم قبور أهل البيتعليهم‌السلام في البقيع

إنّ الأمم المتمدّنة في العالم تبني قبور شخصيّاتها من العلماء والقادة والملوك والزعماء وتحافظ عليها وتحترمها ، وحتّى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم قبر الجندي المجهول.

ولكن مع الأسف الشديد ، إنّ فرقة من الّذين يدّعون أنّهم مسلمون ، ويزعمون أنّ مخالفيهم في عقائدهم الشاذّة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، مشركون ، وهي الفرقة الوهّابيّة ، هجموا بكلّ وحشية ، بالأسلحة الفتّاكة ، الجارحة والنارية ، على مراقد أئمّة أهل البيت النبويعليهم‌السلام ومنتسبيهم في البقيع بالمدينة المنوّرة وهدموا قبابهم المقدّسة ، وساووا قبورهم ومراقدهم الطاهرة بالأرض ، وسحقوها سحقا ، وذلك في اليوم الثامن من شوّال سنة ١٣٢٤ هجرية.

فكأنّهم أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم الّذين رشقوا جنازة الحسن المجتبى السبط الأكبر للنبي المصطفى بالسهام والنبال ، أو مع أسلافهم الّذين سحقوا جسد الحسين الشهيد سبط الرسول وقرّة عين الزهراء البتول وأجساد أهله وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.

ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي

٢٢٤

الكرام ، فقد نالوا من قبورهم وسحقوا مراقدهم المقدّسة!

فتلك قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع ، وقبور شهداء احد وسيّدهم حمزة سيّد الشهداءعليهم‌السلام في احد ، وقبور غيرهم من الصحابة الكرام ، مهدومة مهجورة ، ليس هناك سقف يستظلّ به الزائرون ، ولا مصباح وسراج يستضيء بنوره الوافدون ، بمرأى من المسلمين ، وهم أحقّ من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة ، فقد قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حرمة المسلم ميّتا كحرمته حيّا. وكم عندنا وعندكم من الأخبار الصحيحة المرويّة في فضل زيارة قبور المؤمنين ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل :

لمن القبور الدراسات بطيبة

عفّت لها أهل الشقا آثارا

قل للذي أفتى بهدم قبورهم

أن سوف تصلى في القيامة نارا

أعلمت أيّ مراقد هدّمتها؟!

هي للملائك لا تزال مزارا

فلم هذه المعاملة السيّئة مع آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ؟! وهم الّذين جعلهم الله عزّ وجلّ في المرتبة العليا والدرجة العظمى ، وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين.

الحافظ : إنّكم تغالون في حقّ أئمّتكم ، ما الفرق بينهم وبين سائر أئمة المسلمين؟! إلاّ أنّهم يمتازون بانتسابهم إلى النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وليس لهم أيّ فضل آخر على غيرهم!

قلت : هذا مقال من يجهل قدرهم ولا يعرف شأنهم ومقامهم! ولو تركتم التعصّب والعناد ، ودرستم حياتهم وسيرتهم دراسة تحقيق وإمعان ، لعرفتم كيف هم أفضل من أئمّتكم ، ولا قررتم أنّ أئمّتنا هم

٢٢٥

وحدهم يمثّلون جدّهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه.

وبما أنّ الوقت لا يتّسع لخوض هذا البحث أختم حديثي وأدع هذا المبحث الهامّ إلى مجلس آخر إن شاء الله تعالى.

فوافق الحاضرون كلّهم وتركوا المجلس مودّعين ، فخرجت إلى الباب لتوديعهم أيضا.

٢٢٦

المجلس الرابع ليلة

الاثنين ٢٦ / رجب

في أوّل المغرب دخل ثلاثة من أهل السنّة من غير العلماء ، وكانوا من الحاضرين في المجالس السابقة ، وقالوا : جئنا قبل الآخرين لنقول لسماحتكم : إنّ حديث الناس في كلّ مكان ، في الدوائر الحكومية والمتاجر ، وحتّى في الحوانيت ، يدور حول مناظرتكم وحواركم مع علمائنا ، وإنّ الصحف التي تنشر هذا الحوار مهما كثرت نسخها فهي مع ذلك تنفد في أوّل ساعة من نشرها.

ويشاهد في كلّ نقطة وزاوية من البلد شخص بيده صحيفة يقرأ حديثكم بصوت عال وحوله جمع غفير من الناس يستمعون إليه وهم يتابعون حواركم وحديثكم بكلّ لهفة واشتياق.

اعلم يا سيّد! إنّ مجتمعنا متعطّش لفهم هذه الحقائق التي طالما أخفاها علماؤنا! فنرجوك يا مولانا أن تكشف أستار الظلام وتزيل الأوهام أكثر فأكثر ، لتتنوّر أفكار الناس لا سيّما العوامّ ، فيعرفوا حقائق الإسلام.

٢٢٧

ونرجوك أن تبسط لنا المواضيع المطروحة وتبيّنها من غير تكلّف ، ببيان وكلام سهل نفهمه نحن العامّة والسوقة.

فإنّ الناس إذا عرفوا عقائدكم وفهموا مذهبكم سيتقبّلونه ويعتنقونه ، وسيتمسّكون بعقائدكم لأنّها مبنيّة على أساس القرآن والأحاديث الصحيحة المروية في كتبنا وهي أقرب إلى الفطرة والعقل.

والله يا سيّد إنّ كلامك بعث الوعي في مجتمعنا ، فكأنّهم كانوا نياما فانتبهوا وكانوا عميا فأبصروا.

نحن وأهل بلدنا كنّا نسمع منذ الطفولة من علمائنا ومشايخنا بأنّ الشيعة مشركون وكفّار وأنّهم من أهل النار!

ولكن بفضل حديثكم في الليالي الماضية عرفنا أنّ شيعة أهل البيت هم المسلمون حقّا ، فهم أتباع النبيّ وأهل بيته ، وعرفنا أنّ ما يقوله مشايخنا وعلماؤنا عن الشيعة كلّه كذب وافتراء ، فالشيعة إخواننا في الدين.

قلت : إنّي أشكركم على حسن فهمكم واتباعكم للحق بعد ما عرفتموه ، واشكركم على هذا الكلام النابع من قلوبكم الصافية ونفوسكم الزاكية.

ثمّ استأذنت منهم لأصلّي العشاء ، وبينما أنا في الصلاة إذ دخل سائر الإخوة من العلماء وغيرهم ، فأنهيت الصلاة والدعاء ، وأقبلت نحوهم وسلّمت عليهم ورحّبت بهم.

فقال النوّاب : لقد قرّرت في الليلة الماضية أن تحدّثنا عن مقام أئمّتكم واعتقادكم في حقّهم ، لأنّنا نحبّ أن نعرف ما هو الاختلاف بيننا وبينكم حول الأئمّة.

٢٢٨

قلت : لا مانع لدي من ذلك إذا يسمح العلماء الأعلام والحاضرون الكرام.

الحافظ : ـ وهو منخطف اللون ـ : لا مانع لدينا أيضا.

معنى الإمام في اللغة

قلت : إنّ العلماء في المجلس يعرفون إنّ لكلمة الإمام معان عديدة في اللغة ، منها : المقتدى.

فإمام الجماعة هو الذي تقتدي به جماعة المصلّين وتتابعه في أفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود.

وأئمّة المذاهب الأربعة هم فقهاء بيّنوا لأتباعهم أحكام الإسلام ومسائل الدين ، واجتهدوا فيها واستنبطوها من القرآن والسنّة الشريفة بالقياس والاستحسانات العقلية ، فلذلك لمّا نطالع كتبهم نرى في آرائهم وأقوالهم ، في الاصول والفروع ، اختلافا كثيرا.

ويوجد مثل الأئمّة الأربعة في كلّ دين ومذهب ، وحتّى في مذهب الشيعة ، وهم العلماء الفقهاء الّذين يرجع إليهم الناس في امور دينهم ويعملون بأقوالهم ويقلّدونهم في الأحكام الشرعية والمسائل الدينية ، ومقام هؤلاء المراجع عندنا كمقام الأئمّة الأربعة عندكم ، وهم في هذا العصر الذي غاب فيه عن الأنظار الإمام المعصوم المنصوص عليه من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يستنبطون الأحكام الشرعية ويستخرجون المسائل الدينية على أساس القرآن والسنّة والإجماع والعقل ، فيفتون بها ، وللعوامّ أن يتّبعوهم ويقلّدوهم ، وفي اصطلاح مذهبنا نسمّيهم : مراجع الدين ،

٢٢٩

والواحد منهم : المرجع الديني.

سدّ باب الاجتهاد عند العامّة

كان الأئمّة الأربعة حسب زعمكم فقهاء أصحاب رأي وفتوى في المسائل الدينية ومستندهم : الكتاب والسنّة والقياس. فهنا سؤال يطرح نفسه وهو :

إنّ الفقهاء وأصحاب الرأي والفتوى عددهم أكثر من أربعة ، وأكثر من أربعين ، وأكثر من أربعمائة ، وأكثر وكانوا قبل الأئمة الأربعة وبعدهم ، وكثير منهم كانوا معاصرين للأئمّة الأربعة ، فلما ذا انحصرت المذاهب في أربعة؟!

ولما ذا اعترفتم بأربعة من الفقهاء وفضّلتموهم على غيرهم وجعلتموهم أئمّة؟!

من أين جاء هذا الحصر؟!

ولما ذا هذا الجمود؟!

نحن وأنتم نعتقد أنّ الإسلام قد نسخ الأديان التي جاءت قبله ، ولا يأتي دين بعده ، فهو دين الناس إلى يوم القيامة ، قال تعالى :( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١) .

فكيف يمكن لهذا الدين الحنيف أن يساير الزمن والعلم في الاختراعات والاكتشافات والصناعات المتطوّرة ، ولكلّ منها مسائل مستحدثة تتطلّب إجابات علمية؟!

فإذا أغلقنا باب الاجتهاد ولم نسمح للفقهاء أن يبدوا رأيهم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٨٥.

٢٣٠

ويظهروا نظرهم ـ كما فعلتم أنتم بعد الأئمّة الأربعة ـ فمن يجيب عن المسائل المستحدثة؟!

وكم ظهر بينكم بعد الأئمّة الأربعة فقهاء أفقه منهم ، ولكنّكم ما أخذتم بأقوالهم وما عملتم بآرائهم! فلما ذا ترجّحون اولئك الأربعة على غيرهم من الفقهاء والعلماء لا سيّما على الأفقه والأعلم منهم؟! أليس هذا ترجيح بلا مرجّح ، وهو قبيح عند العقلاء؟!

انفتاح باب الاجتهاد عند الشيعة

ولكن في مذهبنا نعتقد : أنّ في مثل هذا الزمان وبما أنّ الإمام المعصوم غائب عن الأبصار ، فباب الاجتهاد مفتوح غير مغلق ، والرأي غير محتكر ، بل كلّ صاحب رأي حرّ في إظهار رأيه ، شريطة أن يكون مستندا إلى الكتاب أو السنّة أو الإجماع أو العقل ، وعلى العوامّ أن يرجعوا إليهم في أخذ الأحكام ومسائل الإسلام.

والإمام الثاني عشر ، وهو المهديّ المنتظر (عج) ، آخر أئمّتنا المعصومين ، أمر بذلك قبل أن يغيب عن الأبصار فقال : من كان من الفقهاء حافظا لدينه ، صائنا لنفسه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ـ أي ربّه ـ فللعوامّ أن يقلّدوه.

لذلك يجب عند الشيعة ، على كلّ من بلغ سنّ الرشد والبلوغ الشرعي ، ولم يكن مجتهدا فقيها ، يجب عليه أن يقلّد أحد الفقهاء الأحياء الحاوين لتلك الشرائط التي اشترطها الإمام المعصومعليه‌السلام .

ولا يجوز عندنا تقليد الفقيه الميّت ابتداء ، والعجيب أنّكم تتّهمون الشيعة بأنّهم يعبدون الأموات لزيارتهم القبور!!

٢٣١

ليت شعري هل زيارة القبور عبادة الأموات أم عبادة الأموات هي اعتقادكم بأنّ كلّ من لم يتّبع الأئمّة الأربعة في الأحكام الشرعية ، ولم يلتزم برأي الأشعري أو المعتزلي في اصول الدين ، فهو غير مسلم ، يجوز قتله ونهب ماله وسبي حريمه حتّى إذا كان يتبع أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الهاديةعليهم‌السلام ؟!!

مع العلم أنّ أئمّة المذاهب الأربعة ، وأبا الحسن الأشعري والمعتزلي ، ما كانوا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يدركوا صحبته ، فبأيّ دليل تحصرون الإسلام في رأي هؤلاء الستّة؟! أليس هذا العمل منكم بدعة في الدين؟!

الحافظ : لقد ثبت عندنا أنّ الأئمّة الأربعة حازوا درجة الاجتهاد وتوصّلوا إلى الفقه وإبداء الرأي في الأحكام ، وكانوا على زهد وعدالة وتقوى. فلزم علينا وعلى جميع المسلمين متابعتهم والأخذ بقولهم.

قلت : إنّ الامور التي ذكرتها لا تصير سببا لانحصار الدين في أقوالهم وآرائهم وإلزام المسلمين بالأخذ منهم فقط إلى يوم القيامة ، لأنّ هذه الصفات متوفّرة في علماء وفقهاء آخرين منكم أيضا.

ولو قلتم بانحصار هذه الصفات في الأئمّة الأربعة فقد أسأتم الظنّ في سائر علمائكم الأعلام ، بل أهنتموهم وهتكتم حرمتهم ولا سيّما أصحاب الصحاح منهم!!

ثمّ إنّ إلزام المسلمين وإجبارهم على أيّ شيء يجب أن يكون مستندا إلى نصّ من القرآن الحكيم أو حديث النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنتم تجبرون المسلمين وتلزمونهم على أخذ أحكام دينهم من أحد الأئمّة الأربعة من غير استناد إلى الله ورسوله ، فعملكم هذا لا يكون إلاّ تحكّما وزورا.

٢٣٢

السياسة تحصر المذاهب في أربعة

لقد سبق زعمكم أنّ التشيّع مذهب سياسي ، ولا أساس له في الدين ، ونحن أثبتنا وهن هذا الكلام وبطلانه. بنقل عدد كبير من الأحاديث النبوية الشريفة التي يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها شيعة عليّعليه‌السلام بالفوز والفلاح ويعدهم الجنّة.

وأثبتنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو مؤسّس مذهب الشيعة ، واضع أساسه ، وهو الذي سمّى موالي الإمام عليّعليه‌السلام وأتباعه بالشيعة ، حتّى صار هذا الاسم علما لهم في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستندنا في كلّ ذلك على الروايات المعتبرة المرويّة في كتبكم ، المقبولة لديكم ، والتي تعتمدون عليها كلّكم.

والآن أقول بكلّ صراحة : إنّ مذاهبكم الأربعة هي مذاهب سياسية ليس لها أساس في الدين ، وهذا ثابت لأهل التقوى واليقين.

فإن كنتم لا تعلمون أساس التزامكم بالمذاهب الأربعة وانحصار الإسلام الحنيف فيها كما تزعمون ، فراجعوا التاريخ وطالعوه بدقّة وحقّقوا بهذا حتّى تعرفوا إنّما وجدت المذاهب الأربعة بدواع سياسية ، وكان الهدف منها ابتعاد المسلمين عن أهل البيتعليهم‌السلام وإغلاق مدرستهم العلمية!

هذا ما كان يبتغيه السلطان الظالم الغاصب الذي تسمّونه : «الخليفة» لأنّ الخلفاء كانوا يرون أهل البيتعليهم‌السلام منافسين لهم في الحكم والسلطة ، فهم يحكمون على الناس بالقوّة والقهر والسوط والسيف ، ولكنّ الناس يميلون إلى أهل البيتعليهم‌السلام بالرغبة والمحبّة قربة

٢٣٣

إلى الله تعالى فيطيعونهم ويأخذون بأقوالهم ويتّبعونهم في مسائل الحلال والحرام ، وكلّ أحكام الإسلام.

فأهل البيتعليهم‌السلام هم أصحاب السلطة الشرعية والحكومة الروحية المهيمنة على النفوس والقلوب عند الناس ، فلأجل القضاء على هذه الحالة ـ التي جعلت الخلفاء في حذر وخوف دائم ، وسلبت منهم النوم والراحة ـ بادروا إلى تأسيس المذاهب الأربعة ، واعترفت السلطات الحكومية والجهات السياسية بها دون غيرها ، وأعطتها الطابع الرسمي ، وحاربت ما سواها بكلّ قوّة وقسوة.

وأصدرت قرارات رسمية تأمر الناس بالأخذ بقول أحد الأئمّة الأربعة ، وأمرت القضاة أن يحكموا على رأي أحدهم ويتركوا أقوال الفقهاء الآخرين ، هكذا انحصر الإسلام بالمذاهب الأربعة ، وإلى هذا اليوم أنتم أيضا تسيرون على تلك القرارات الظالمة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

والعجيب أنّكم ترفضون كلّ موقف من مسلم مؤمن يعمل بالأحكام الدينية على غير رأي الأئمّة الأربعة ، حتّى إذا كان يعمل برأي الإمام عليّ بن أبي طالب والعترة الهاديةعليهم‌السلام كمذهب الشيعة الإمامية.

فإنّ الشيعة سائرون على منهج أهل البيت الصحيح السليم وهو الخطّ الذي رسمه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأخذون دينهم من الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي تربّى في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو باب علمه ، وقد أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسلمين بمتابعته والأخذ منه ، والأئمّة الأربعة بعد لم يخلقوا ، فقد جاءوا بعد رسول الله بعهد طويل ، مائة عام أو أكثر ، مع ذلك تزعمون أنّكم على حقّ والشيعة على باطل!!

٢٣٤

أما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا(١) ؟!

فانظروا وفكّروا من المتمسّك بالثقلين ، نحن أم أنتم؟!

أما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ـ وفي رواية : هلك(٢) ـ فمن المتخلّف عنهم ، نحن أم أنتم؟!

هل الأئمّة الأربعة من أهل البيتعليهم‌السلام ؟! أم الإمام عليّ والحسن والحسين ريحانتا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة؟!

أما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : فلا تتقدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم(٣) ؟!

ثم يقول ابن حجر في «تنبيه» له على الحديث : سمّى رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) القرآن وعترته ثقلين ، لأنّ الثقل : كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك ، إذ كلّ منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار والحكم العليّة والأحكام الشرعية ، ولذا حثّ (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم منهم

وقيل سميّا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما ، ثمّ الّذين وقع الحث عليهم منهم ، إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله ، إذ هم الّذين لا يفارقون الكتاب إلى ورود الحوض ، ويؤيّده الخبر السابق :

__________________

(١) ذكرنا فيما سبق مصادره من كتب العامّة بالتفصيل.

(٢) ذكرنا مصادره بالتفصيل فيما سبق وانظر : الصواعق المحرقة : ٩١ ، تحت الآية السادسة.

(٣) الصواعق المحرقة : ٨٩ ، تحت الآية الرابعة.

٢٣٥

ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم.

وتميّزوا بذلك عن بقيّة العلماء ، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها إلى آخر ما قاله ابن حجر.

وما لي لا أتعجّب منه ومن أمثاله وما أكثرهم في علمائكم! فإنّه مع إذعانه وإقراره بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام يجب أن يقدّموا على من سواهم ، ويجب أن تأخذ الأمّة منهم أحكام دينها ومسائلها الشرعية ، لكنّه قدّم أبا الحسن الأشعري عليهم وأخذ منه اصول دينه ، وقدّم الأئمّة الأربعة ، وأخذ أحكام الشريعة المقدّسة منهم لا من أهل البيتعليهم‌السلام !!

وهذا نابع من العناد والتعصّب واللجاج ، أعاذنا الله تعالى منها.

مطاعن الأئمّة الأربعة

ثمّ أسألك أيّها الحافظ ، إذا كان الواقع كما زعمت أنّ الأئمّة الأربعة كانوا على زهد وعدالة وتقوى ، فكيف كفّر بعضهم بعضا ، ورمى بعضهم الآخر بالفسق؟!!

الحافظ : ـ وقد تغيّر لونه ولاح الغضب في وجهه وصاح ـ : لا نسمح لكم أن تتهجّموا على أئمّتنا وعلمائنا إلى هذا لحدّ ، أنا اعلن أنّ كلامك هذا كذب وافتراء على أئمّة المسلمين ، وهو من أباطيل علمائكم ، أمّا علماؤنا فكلّهم أجمعوا على وجوب احترام الأئمّة الأربعة وتعظيمهم ، ولم يكتبوا فيهم سوى ما يحكي جلالة شأنهم وعظيم مقامهم.

٢٣٦

قلت : يظهر أنّ جنابك لا تطالع حتّى كتبكم المعتبرة ، أو تتجاهل عن مثل هذه المواضيع فيها. وإلاّ فإنّ كبار علمائكم كتبوا في ردّ الأئمّة الأربعة ، وفسّق بعضهم الآخر بل كفّر بعضهم بعضهم الآخر!!

الحافظ : نحن لا نقبل كلامك ، بل هو مجرّد ادّعاء ، ولو كنت صادقا في ما تزعم فاذكر لنا أسماء العلماء وكتبهم وما كتبوا حتّى نعرف ذلك!

قلت : أصحاب أبي حنيفة وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي.

وأصحاب الشافعي ، مثل : إمام الحرمين ، والإمام الغزالي وغيرهما يطعنون في أبي حنيفة ومالك.

فما تقول أنت أيها الحافظ ، عن الامام الشافعي وأبي حامد الغزّالي وجار الله الزمخشري؟!

الحافظ : إنّهم من كبار علمائنا وفقهائنا ، وكلّهم ثقات عدول يعتمد عليهم ويصلّى خلفهم.

قلت : جاء في كتبكم عن الإمام الشافعي أنّه قال : ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة!

وقال أيضا : نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنّة!

وقال الإمام الغزّالي في كتابه «المنخول في علم الاصول» : فأمّا أبو حنيفة فقد قلّب الشريعة ظهرا لبطن ، وشوّش مسلكها ، وغيّر نظامها ، وأردف جميع قواعد الشرع بأصل هدم به شرع محمّد المصطفى ، ومن فعل شيئا من هذا مستحلا كفر ، ومن فعله غير

٢٣٧

مستحلّ فسق.

ويستمرّ بالطعن في أبي حنيفة بالتفصيل إلى أن قال : إنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، يلحن في الكلام ولا يعرف اللغة والنحو ولا يعرف الأحاديث ، ولذا كان يعمل بالقياس في الفقه ، وأوّل من قاس إبليس.

انتهى كلام الغزالي.

وأمّا جار الله الزمخشري صاحب تفسير «الكشّاف» وهو يعدّ من ثقات علمائكم وأشهر المفسّرين عندكم ، قال في كتابه «ربيع الأبرار» : قال يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعمائة حديث أو أكثر!

وحكي عن يوسف أيضا : أنّ أبا حنيفة كان يقول : لو أدركني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأخذ بكثير من قولي!!

وقال ابن الجوزي في «المنتظم» : اتّفق الكلّ على الطعن فيه ـ أي : في أبي حنيفة ـ والطعن من ثلاث جهات :

١ ـ قال بعضهم : إنّه ضعيف العقيدة ، متزلزل فيها.

٢ ـ وقال بعضهم : إنّه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها.

٣ ـ وقال آخرون : إنّه صاحب رأي وقياس ، وإنّ رأيه ـ في أغلب الأحيان مخالف للأحاديث الصّحاح.

انتهى كلام ابن الجوزي.

والكلام من هذا النوع كثير في كتبكم حول الأئمّة الأربعة ، وأنا لا أحبّ أن أخوض هذا البحث ، وما أردت أن أتكلّم بما تكلّمت ، ولكنّك أحرجتني بكلامك حيث قلت : إنّ علماء الشيعة يكذبون على

٢٣٨

علمائنا وأئمّتنا! فأردت أن أثبت لك وللحاضرين أنّ كلام علماء الشيعة مستدلّ وصحيح ولا يعبّر إلاّ عن الواقع والحقيقة. ولكن كلامك أيّها الحافظ عار من الصحّة والواقع ، وإذا أردت أن تعرف المطاعن كلّها حول الأئمّة الأربعة ، فراجع كتاب «المنخول في علم الأصول» للغزّالي ، وكتاب «النكت الشريفة» للشافعي ، وكتاب «ربيع الأبرار» للزمخشري ، وكتاب «المنتظم» لابن الجوزي حتى تشاهد كيف يطعن بعضهم بعضهم الآخر حدّ التكفير والتفسيق!!

ولكن لو تراجع كتب الشيعة الإمامية حول الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام لرأيت إجماع العلماء والفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين على تقديسهم وعظم شأنهم وجلال مقامهم وعصمتهم (سلام الله عليهم).

لأنّنا نعتقد أنّ الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام كلّهم خرّيجو جامعة واحدة ، وهم أخذوا علمهم من منبع ومنهل واحد ، وهو منبع الوحي ومنهل الرسالة ، فلم يفتوا إلاّ على أساس كتاب الله تعالى والسنّة الصحيحة التي استورثوها من جدّهم خاتم النبيّين وسيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الإمام عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمينعليها‌السلام ، وحاشا أئمّتناعليهم‌السلام أن يفتوا على أساس الرأي والقياس ، ولذا لا تجد أيّ اختلاف في ما بيّنوه ، لأنّهم كلّهم ينقلون عن ذلك المنبع الصافي الزلال : «روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري»!.

٢٣٩

مقام الإمام عند الشيعة الإمامية

الإمام في اصطلاح الشيعة يختلف عن الإمام في اصطلاحكم ، فإنّ الإمام عندكم بمعناه اللغوي وهو : المقتدى ، كإمام الجمعة والجماعة.

ولكن الإمام عندنا ـ كما هو ثابت في علم الكلام ـ هو : صاحب الرئاسة العامة الإلهية خلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في امور الدين والدنيا ، إذ يجب على الامة كافة اتّباعه ، ولذا نعتقد بأنّ الإمامة من اصول الدين.

الشيخ عبد السلام : الإمامة عند علمائنا لا تعدّ من اصول الدين ، بل أثبتوا أنّها من فروع الدين ، وهم فنّدوا قول الشيعة بالأدلّة القطعية ، فقولكم : إنّ الإمامة من اصول الدين كلام بلا دليل.

قلت : كثير من علمائكم وافقونا في هذه العقيدة وأثبتوا صحّتها ، وردّوا كلام القائلين بأنّ الإمامة من فروع الدين.

منهم : القاضي البيضاوي ، وهو من أشهر مفسّريكم ، قال في كتابه «منهاج الاصول» : إنّ الإمامة من أعظم مسائل اصول الدين التي توجب مخالفتها الكفر والبدعة.

ومنهم : العلاّمة القوشجي ، وهو من أشهر الكلاميّين عندكم ، قال في كتابه «شرح التجريد» في مبحث الإمامة : وهي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا خلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومنهم : القاضي روزبهان ، وهو من علمائكم الّذي اشتهر

٢٤٠