ليالي بيشاور

ليالي بيشاور0%

ليالي بيشاور مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 1205

ليالي بيشاور

مؤلف: السيّد محمّد الموسوي الشيرازي
تصنيف:

الصفحات: 1205
المشاهدات: 178141
تحميل: 2090

توضيحات:

ليالي بيشاور
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 1205 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 178141 / تحميل: 2090
الحجم الحجم الحجم
ليالي بيشاور

ليالي بيشاور

مؤلف:
العربية

يعيّن خليفته بأمر من الله العزيز المتعال ، وإنّما كان يشير إلى عليّعليه‌السلام ويرشّحه للخلافة برأيه الشخصي ، وقد فتح على الأمّة باب الاختيار وفسح لهم المجال ، وأقرّه إجماعهم بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تجتمع أمّتي على خطأ أو ضلال.

فنقول : إنّ الإجماع الذي أقرّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما حصل في خلافة أبي بكر ولم يحصل لغيره.

الحافظ : نفي الإجماع على خلافة أبي بكر (رض) أمر غريب! لأنّه حكم في الأمّة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من سنتين من غير مخالف أو منازع ، وانقاد له جميع المهاجرين والأنصار ، وبهذا حصل الإجماع على خلافته.

قلت : إنّ هذا الكلام مغالطة وجدل! لأنّ سؤالي وكلامي كان حول إجماع الأمّة على خلافة أبي بكر في بداية الأمر ، حينما اجتمعوا في السقيفة ، هل وافق الحاضرون كلّهم على خلافته؟!

وهل اتّفق رأي المسلمين الّذين كانوا في المدينة المنوّرة على خلافته آنذاك؟!

وهل كان لرأي سائر المسلمين ـ الّذين كانوا خارج المدينة المنوّرة ، ـ حواليها أو بعيدين عنها ـ أثر في الانتخاب؟!

أم ليس لرأيهم محلّ من الإعراب؟!

الحافظ : لا نقول إنّ اجتماع السقيفة كان يمثّل جميع الأمّة ، وإن كان فيه كثير من كبار الصحابة ، ولكنّ الحاضرين فيها اختاروا أبا بكر ، وبعد ذلك وافقهم المسلمون فحصل الإجماع تدريجيا مع مرور الزمن!

قلت : بالله عليكم فكّروا وأنصفوا! هل الإجماع الذي أقرّه

٥٢١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديثه حصل في السقيفة ، مع مخالفة سعد بن عبادة الخزرجي وأهله وأنصاره؟!

فهل تكشف واقعة السقيفة عن إجماع الصحابة البررة ، أو تنبئ عن مؤامرة مدبّرة؟!

وإذا ما كانت هناك مؤامرة ، ولم تتدخّل فيها الأغراض والأطماع ، لما ذا لم يصبروا حتّى يتحقّق الإجماع؟!

وكلّنا نعلم ، بأنّ الأوس قد وافقوا على خلافة أبي بكر لا لمصلحة الإسلام ، بل بسبب النزاعات والخلافات التي كانت بينهم وبين الخزرج ، وقد كانت لها جذور جاهلية ، فلمّا رأوا كفّة سعد بن عبادة قد رجحت وكاد أن يبتزّ الحكم ، أسرعوا إلى أبي بكر فبايعوه رغما لأنوف مناوئيهم الخزرجيّين.

وأمّا المسلمون خارج السقيفة ، لمّا سمعوا بما حدث في السقيفة ذهلوا وبهتوا ، ثمّ انجرفوا مع التيّار ، وكان أكثر الناس في ذلك المجتمع همجا رعاعا ، ينعقون مع كلّ ناعق ، ويميلون مع الريح ، وهم الّذين يصفهم الباري عزّ وجلّ بقوله :( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (١) .

وسوف يخاطبهم الله تعالى في جهنم بقوله سبحانه :( لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ ) (٢) و(٣) .

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٣٨.

(٢) سورة الزخرف ، الآية ٧٨.

(٣) روى علماؤنا الأعلام وجمع من محدّثي العامة وأعلامهم ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه

٥٢٢

__________________

قال : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ» منهم :

١ ـ الخطيب البغدادي ، في تاريخ بغداد ١٤ / ٣٢١ بسنده عن أبي ثابت مولى أبي ذرّ ، عن أمّ سلمة ـ أمّ المؤمنين ـ رضي الله عنها ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة».

٢ ـ وأخرج الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٦ بسنده عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : سمعت رسول الله ٦ في دار أم سلمة يقول : «عليّ مع الحقّ ـ أو :الحقّ مع عليّ ـ حيث كان».

٣ ـ والحافظ ابن مردويه في «المناقب»

٤ ـ وكذلك السمعاني في كتاب «فضائل الصحابة» أخرجا بالإسناد عن محمد بن أبي بكر ، عن عائشة ، أنّها قالت : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

٥ ـ وأخرج ابن مردويه في «المناقب»

٦ ـ والديلمي في «الفردوس» ، رويا : أنه لمّا عقر جمل عائشة ودخلت دارا بالبصرة أتى إليها محمد بن أبي بكر فسلّم عليها فلم تكلّمه. فقال لها : أنشدك الله أتذكرين يوم حدّثتيني عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الحقّ لن يزال مع عليّ ، وعليّ مع الحقّ ، لن يختلفا ولن يفترقا؟!»

فقالت : نعم!

٧ ـ وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة : ٧٠ ط مطبعة الأمّة بمصر سنة ١٣٢٨ هجرية ، قال : وأتى محمد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة رضي الله عنها ، قال لها : أما سمعت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يقول : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» ، ثمّ خرجت تقاتلينه بدم عثمان؟!!

٥٢٣

__________________

٨ ـ وأخرج ابن مردويه في «المناقب» عن أبي ذرّ رحمه‌الله تعالى أنّه سئل عن اختلاف الناس. فقال : عليك بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ ، والحقّ معه وعلى لسانه ، والحقّ يدور حيثما دار علي».

٩ ـ الزمخشري في «ربيع الأبرار» روى

١٠ ـ والعلاّمة الحمويني في «فرائد السمطين» روى أيضا بسنده عن شهر بن حوشب ، قال : كنت عند أمّ سلمة رضي الله عنها إذ استاذن رجل ، فقالت له : من أنت؟

قال : أنا أبو ثابت مولى عليّ عليه‌السلام .

فقالت أمّ سلمة : مرحبا بك يا أبا ثابت ، ادخل.

فدخل فرحّبت به ، ثمّ قالت : يا أبا ثابت! أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟

قال : تبع عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام .

قالت : وفّقت ، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «عليّ مع الحقّ والقرآن ، والحقّ والقرآن مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

١١ ـ وأخرج العلاّمة عبيد الله الحنفي في أرجح المطالب : ٥٩٨ ط لاهور.

١٢ ـ وأخرج الحافظ ابن مردويه في «المناقب».

١٣ ـ وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ط مكتبة القدسي بالقاهرة ، عن أمّ سلمة أنّها كانت تقول : كان عليّ على الحقّ ، من اتّبعه اتّبع الحقّ ، ومن تركه ترك الحقّ ، عهد معهود [كذا] قبل يومه هذا.

قال : رواه الطبراني.

١٤ ـ القندوزي في «ينابيع المودّة» الباب العشرين ، عن الحمويني ، عن ابن عبّاس

٥٢٤

وأمّا الّذين استقاموا على الدين ، وثبتوا في طريق الحقّ واليقين ، وتمسّكوا بولاية سيّد الوصيّين ، واعتقدوا خلافة وإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فعددهم قليل ، وهم الّذين يصفهم ربّهم سبحانه وتعالى بقوله :( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) (١) .

وهم صفوة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المطهّرين وعترته الطيّبين ، وهم الّذين غضبوا من أحداث السقيفة وأعلنوا مخالفتهم لبيعة أبي بكر.

فلذلك نقول : إنّ الإجماع ـ الذي تدّعونه لإثبات وتصحيح خلافة أبي بكر وشرعيّتها ـ لم يحصل!

الحافظ : يحصل الإجماع ويقع إذا وافق أهل الحلّ والعقد وسنام الأمّة على أمر ، وليس من حقّ أيّ مسلم أن ينقض ما أبرموا.

قلت : إنّ هذا التفسير والمعنى لكلمة الإجماع ادّعاء لا دليل عليه ، وهو خلاف ظاهر الحديث الذي تمسّكتم به لتشريع الإجماع.

فالحديث يصرّح : لا تجتمع أمّتي على خطأ ـ أو : ضلال ـ.

__________________

رضي الله عنهما ، قال : «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحقّ مع علي حيث دار».

١٥ ـ أخرج المحدّث الحافظ البدخشي في «مفتاح النجا».

١٦ ـ وكذلك عبيد الله الحنفي في أرجح المطالب : ٥٩٨ و ٥٩٩.

أخرجا عن أبي موسى الأشعري أنّه قال : أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ولكن مالت الدنيا بأهلها ، ولقد سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له : «يا عليّ! أنت مع الحقّ ، والحقّ بعدي معك».

نكتفي بهذا المقدار ، وفيه كفاية لطالب الحقّ. «المترجم»

(١) سورة سبأ ، الآية ١٢.

٥٢٥

فكيف استخرجتم هذا المعنى ، وخصّصتم الأمّة بأهل الحلّ والعقد والسنام ـ أي الطبقة العليا من المجتمع ـ ثمّ ألزمتم الآخرين باتّباع رأي أولئك وإطاعتهم؟!!

والحال أنّ إضافة الأمّة إلى ياء المتكلّم ، أو نسبتها إلى ياء النسبة تفيد العموم ، فلا يجوز عند النحويّين أن تخصّص الأمّة بعدد من الصحابة دون الآخرين.

وحتّى إذا سلّمنا أن الإجماع يحصل بتوافق أهل الحلّ والعقد ، فهل الّذين حضروا السقيفة كانوا أهل الحلّ والعقد دون سواهم؟!

أم كان في المدينة وحواليها آخرون من أهل الحلّ والعقد ، ولم يحضروا آنذاك في السقيفة؟!

فهلا أخبروهم بانعقاد ذلك المؤتمر ودعوهم للحضور؟!

وهلا استفسروا عن رأيهم في خلافة أبي بكر؟!

الحافظ : الظروف ما سمحت بذلك ، فإذا كان على الشيخين أن ينتظرا رأي جميع أهل الحلّ والعقد الّذين كانوا في المدينة المنوّرة وخارجها ، لكانت دسائس المنافقين تعمل عملها ، فلذلك لمّا سمع أبو بكر وعمر (رض) أنّ جماعة من الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، ليتشاوروا في أمر الخلافة ، أسرعا إليها وتكلّما بكلام استوليا به على الوضع.

ثمّ إنّ عمر ـ الذي كان رجلا سياسيا وشيخا محنّكا ـ رأى صلاح الإسلام في أن يبايع أبا بكر بالخلافة ، فمدّ يده وبايعه ، وتبعه أبو عبيدة ابن الجرّاح والأوسيون.

فلمّا رأى سعد بن عبادة ذلك ، خرج من السقيفة غاضبا غير

٥٢٦

راض عمّا حصل ، لأنّه كان يريد الخلافة لنفسه ، وتبعه قومه الخزرجيّون وخرجوا من السقيفة غاضبين.

هذا هو سبب استعجال الشيخين في أمر الخلافة ، ولو لا اتّخاذهما ذلك الموقف الحاسم في السقيفة لكان الأمر يؤول إلى النزاع بين قبيلتي الأنصار : الأوس والخزرج.

قلت : ما كان اجتماع الأنصار في السقيفة من أجل تعيين خليفة ، بل كانوا بصدد تعيين أمير لأنفسهم ، وأخيرا كاد التوافق يحصل بأن يكون للأوس أمير وللخزرج أمير ـ وهو أشبه شيء برئيس القبيلة وشيخ العشيرة.

فهنا اغتنم الشيخان أبو بكر وعمر الفرصة من نزاع القوم ، فتقدّم أبو بكر وتكلّم في أمر الخلافة ، وتعجّل عمر في بيعته ، وإلاّ لو كان الاجتماع من أجل تعيين خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان الاجتماع يضمّ كلّ الصحابة الّذين كانوا في المدينة المنوّرة من المهاجرين والأنصار ، وحتّى الّذين كانوا في معسكر أسامة بن زيد خارج المدينة.

فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر أيّامه عقد راية لأسامة وأمر المسلمين بالانضمام تحتها ، وكرّر الأمر بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنفذوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة!

وكان الشيخان تحت إمرة أسامة بن زيد ، ولكنّهما تخلّفا وتركا المعسكر ، فكان المفروض عليهما أن يستشيرا أميرهما في مثل ذلك الأمر الهامّ ، ولكنّهما استبدّا بالرأي وما شاوراه!

فلذلك لمّا سمع بما حدث في السقيفة وأنّ أبا بكر صار خليفة جاء إلى مسجد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعترض ، فاقترب منه عمر قائلا : لقد انقضى

٥٢٧

الأمر وتمّت البيعة لأبي بكر ، قم وبايع ولا تشقّ عصا المسلمين! فقام وبايع!

ولكن كان لأسامة أن يقول : لقد جعلني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميرا عليك وعلى أبي بكر ولم يعزلني بعد ، فكيف يصبح أميركم الذي أمّره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليكم تحت إمرتكم؟!

أما أمركما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطاعتي؟! وأمركم أن تكونا تحت إمرتي؟! فكيف انعكس الأمر؟!!

فإن تقولوا : إنّ المسافة كانت بعيدة بين المدينة والمعسكر والظروف الراهنة ما سمحت للشيخين أن يستشيرا أميرهما أسامة ومن كان تحت رايته من ذوي البصائر وأهل الحلّ والعقد!

فما تقولون في بني هاشم الّذين كانوا مجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك الصحابة المقرّبين الذين كانوا آنذاك عند جثمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعزّون أهله المصابين بتلك المصيبة العظمى؟!

فلما ذا ما استشار أولئك ، وبالخصوص عليّ بن أبي طالب والعبّاس(١) عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما بإجماع المسلمين كانا من أهل

__________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٢١٩ ـ ٢٢١ ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت :روى عن البراء بن عازب ، قال : لم أزل لبني هاشم محبّا ، فلمّا قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكنت أتردّد إلى بني هاشم وهم عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحجرة ، وأتفقّد وجوه قريش ، فإنّي كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر.

٥٢٨

__________________

فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالازر الصنعانيّة لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى.

فأنكرت عقلي ، وخرجت أشتدّ حتّى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا ، وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ؛ فقال العبّاس : تربت أيديكم إلى آخر الدهر ؛ أما إنّي قد أمرتكم فعصيتموني.

قال البراء : فمكثت أكابد ما في نفسي ، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التّيهان وحذيفة وعمّارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين.

وبلغ ذلك أبا بكر وعمر ، فأرسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة ، فسألاهما عن الرأي ، فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب.

[أقول : هذا معنى المؤامرة المدبّرة والخديعة والمكر].

فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتّى دخلوا على العبّاس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ، وقال : إنّ الله ابتعث لكم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّا وللمؤمنين وليّا ، فمنّ الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتّى اختار له ما عنده ، فخلّى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متّفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم واليا ، ولأمورهم راعيا ، فتولّيت ذلك ، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلاّ بالله ، عليه توكّلت وإليه أنيب.

وما أنفكّ يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامّة المسلمين يتّخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع وخطبه البديع.

٥٢٩

__________________

فإمّا دخلتم فيما دخل فيه الناس ، أو صرفتموهم عمّا مالوا إليه. فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومكان أهلك ، ثمّ عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّا ومنكم.

فتكلّم العبّاس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ الله ابتعث محمدا نبيا ـ كما وصفت ـ ووليّا للمؤمنين ، فمنّ الله به على أمته حتّى اختار له ما عنده ، فخلّى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحقّ ، مائلين عن زيغ الهوى.

«هذا الكلام من العبّاس ، من باب المماشاة ، أي على فرض أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلّى الناس ليختاروا لأنفسهم».

فإن كنت برسول الله طلبت ، فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين ، فنحن منهم ؛ ما تقدّمنا في أمركم فرطا ، ولا حللنا وسطا ، ولا نزحنا شحطا ؛ فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا كارهين ، وما أبعد قولك : إنّهم طعنوا من قولك إنّهم مالوا إليك!

وأمّا ما بذلت لنا ، فإن يكن حقّك أعطيتناه فأمسكه عليك ، وإن يكن حقّ المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

وما أقول هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ، ولكن للحجّة نصيبها من البيان.

وأمّا قولك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّا ومنكم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.

وأمّا قولك يا عمر : إنّك تخاف الناس علينا ، فهذا الذي قدّمتموه أوّل ذلك ، وبالله المستعان.

ويحدّثنا ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة : ١٢ ط مطبعة الأمّة بمصر ، فيقول :ثمّ إنّ عليّا كرّم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥٣٠

الحلّ والعقد في الإسلام وكانا من ذوي البصيرة والرأي ، هل المسافة كانت بعيدة؟! أم الظروف الراهنة ما سمحت؟!!

الحافظ : أظنّ بأنّ الأمر كان خطيرا والخطر كبيرا بحيث لم يمكن

__________________

فقيل له : بايع أبا بكر.

فقال : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا!

ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمد منكم ، فأعطوكم المقادة ، وسلّموا إليكم الإمارة ، فإذا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ؛ نحن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا وميّتا ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون! وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون!

فقال له عمر : إنّك لست متروكا حتّى تبايع.

فقال له عليّ : احلب حلبا لك شطره ، وشدّ له اليوم يردده عليك غدا.

ثمّ قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال له أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك.

فقال عليّ كرّم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقّه.

فو الله يا معشر المهاجرين! لنحن أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المتطلع لأمر الرعيّة ، الدافع عنهم الأمور السيّئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، والله إنّه لفينا فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعدا.

قال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك. «المترجم»

٥٣١

للشيخين ترك السقيفة حتّى لحظة واحدة.

قلت : ولكنّي أقول : إنّ الشيخين ما أرادا أن يخبرا عليّا وبني هاشم وسائر الصحابة ، بل كانا يريدان خلوّ الساحة من أولئك ، حتّى

يحقّقا أمرا دبّراه فيما بينهما!

الحافظ : وهل لكم دليل على ذلك؟

قلت : أوّلا ، كان بإمكانهما أن يراقبا الوضع في السقيفة ويبعثا أبا عبيدة الجرّاح ، فيخبر بني هاشم وسائر الصحابة.

ثانيا : قبل أن يأتي الشيخان إلى السقيفة ، كان أبو بكر مع المجتمعين في بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء عمر عند الباب ولم يدخل البيت ، فطلب أبا بكر وأخبره باجتماع الأنصار في السقيفة ، ولم يخبر الآخرين ، ثمّ أخذه معه وانطلقا نحو السقيفة.

الحافظ : هذا الخبر من أقاويل الروافض!

قلت : سبحان الله ، مالك كلّما عجزت عن الجواب ، اتّهمت الشيعة وأسأت إليهم بالكلام؟! ولقد تكرّر منك هذا الموقف العنيف ، ثمّ ثبت للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك وهذه المرّة كذلك.

ولكي تعرف الحقيقة فراجع تاريخ محمد بن جرير الطبري ـ من كبار أعلامكم ومؤرّخيكم في القرن الثالث ـ ٢ / ٤٥٦ ، ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٣٨ فقال : وروى أبو جعفر أيضا في التاريخ ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ـ إلى أن قال : ـ وسمع عمر الخبر ، فأتى منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه : أن أخرج إليّ ؛ فأرسل : إنّي مشغول ؛ فأرسل إليه عمر أن اخرج ، فقد حدث أمر لا بدّ أن تحضره ؛

٥٣٢

فخرج فأعلمه الخبر ، فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة إلى آخر الخبر(١) .

__________________

(١) وروى ابن أبي الحديد في الجزء ٦ / ٤٣ من شرح نهج البلاغة : عن أبي بكر الجوهري ، قال : سمعت عمر بن شبّة يحدّث رجلا ، قال : مرّ المغيرة بن شعبه بأبي بكر وعمر ، وهما جالسان على باب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قبض ، فقال : ما يقعدكما؟

قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ـ يعينان عليّا ـ.

فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت؟! وسّعوها في قريش تتّسع.

قال : فقاما إلى سقيفة بني ساعدة.

انظر أيّها القارئ الكريم ، كيف ترك الشيخان أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبيعة لعليّ وأخذا بكلام المغيرة ، وقد كافأه عمر إذ ولاّه البصرة في خلافته ، فزنى فيها بامرأة يقال لها أمّ جميل ، وشهد عليه أربعة شهداء ولكن عمر درأ عنه الحدّ.

وتجد تفصيل الواقعة في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١٢ / ٢٢٧ ـ ٢٣٩ ، وهو بعد ما يروي الخبر من تاريخ الطبري ومن كتاب الأغاني ـ لأبي الفرج الأصفهاني ـ يستنتج فيقول في صفحة ٢٣٩ : فهذه الأخبار كما تراها تدلّ متأمّلها على أنّ الرجل ـ المغيرة ـ زنى بالمرأة لا محالة.

وكلّ كتب التواريخ والسّير تشهد بذلك وإنّما اقتصرنا نحن منها على هذين الكتابين.

قال : وقد روى المدائني ، أنّ المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية ، فلمّا دخل في الإسلام قيّده الإسلام ، وبقيت عنده منه بقيّة ظهرت في أيّام ولايته البصرة.

أقول : والمغيرة هو الذي أشار على أبي بكر وعمر فقال : الرأي أن تلقوا العبّاس فتجعلوا له ولولده في هذه الإمرة نصيبا ؛ ليقطعوا بذلك ناحية عليّ بن أبي طالب إلى آخر الخبر الذي ذكرته في ما علّقته قبل هذا التعليق فراجع.

وحسب مطالعاتي لأخبار السقيفة ، أرى أنّ المغيرة كان أحد المتآمرين في أمر

٥٣٣

فبأيّ دليل ومنطق ، تسمّون هذه الواقعة ، إجماع الأمّة أو إجماع أهل الحلّ والعقد؟!

إنّ هذا الطريقة في تعيين رئيس الجمهورية أو أمير القوم أو خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخالف القوانين السماوية والأرضية ، وتناقض سيرة العقلاء في العالم وترفضها جميع الأمم والشعوب ، لا الشيعة فحسب!

لا إجماع على خلافة أبي بكر

أيّها العلماء لو فكّرتم قليلا وأنصفتم ، ثمّ نظرتم إلى أحداث السقيفة وما نجم منها ، لأذعنتم أنّ خلافة أبي بكر ما كانت بموافقة جميع أهل الحلّ والعقد ، ولم يحصل الإجماع عليها ، وأنّ ادّعاء القوم وتمسّكهم بالإجماع فارغ عن المعنى واسم من غير مسمى!

فإنّ إعلان النتيجة في مثل هذه الأمور تعبّر برأي الأكثرية والأقلّيّة أو الإجماع.

فلو تشاور قوم في أمر ، فوافق أكثرهم وخالف آخرون.

فالموافقون أكثرية والمخالفون أقلّيّة.

__________________

الخلافة ، ولا عجب ، لأنّه ما دخل الإسلام عن بصيرة وإيمان.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٣ / ٤٢ ط دار إحياء الكتب العربية ، وقد علم الله تعالى والمسلمون ، أنّه لو لا الحدث الذي أحدث ، والقوم الّذين صحبهم فقتلهم غدرا ؛ واتّخذ أموالهم ، ثمّ التجأ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعصمه ، لم يسلم ، ولا وطئ حصا المدينة.

انتهى كلام ابن أبي الحديد. «المترجم»

٥٣٤

ولكن إذا وافق كلّهم ، بحيث لم يخالف منهم أحد ، فقد حصل الإجماع.

والآن أسألكم بالله! هل حصل هذا الإجماع على خلافة أبي بكر ، في السقيفة أو في المسجد أو في المدينة؟!

وحتّى لو تنزّلنا وقلنا : إنّ الملحوظ هو رأي كبار الصحابة وذوي العقل والبصيرة من المسلمين ؛ فهل أجمع كبار الصحابة وعقلاء المسلمين وأهل الحلّ والعقد كلهم على خلافة أبي بكر ، بحيث لم يكن فيهم مخالف واحد؟!

الحافظ : قلنا بأنّ الاجماع ما حصل في بادئ الأمر ، بل حصل تدريجا بموافقة المخالفين واحدا بعد الآخر مع طول الزمن.

قلت : وحتّى هكذا ـ إجماع تدريجي ـ لم يحصل أيضا ؛ لأنّ كثيرا من المخالفين بقوا على مخالفتهم لخليفة السقيفة ، إلى أن وافاهم الأجل ، منهم سيدة نساء العالمين وبنت سيّد المرسلين وحبيبة خاتم النبيّين ، فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكانت هي مدار سخط الله سبحانه ورضاه ، حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنها : «فاطمة بضعة منّي ، يرضى الله لرضاها ، ويسخط لسخطها».

فأعلنت سخطها على الخليفة ، ومخالفتها لرأي السقيفة ، ورفضت أن تبايع أبا بكر حتّى ماتت وهي واجدة عليه(١) .

__________________

(١) قال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة ١٤ و ١٥ ط مطبعة الأمّة بمصر : فقال عمر لأبي بكر (رض) : انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها!

فانطلقا جميعا فاستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما!

٥٣٥

وأحد المخالفين لخلافة أبي بكر ، سعد بن عبادة الخزرجي ، وهو سيّد قومه ، أعلن خلافه لمّا بعث إليه أبو بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس.

فقال : أما والله حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب منكم سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع

__________________

فأتيا عليّا فكلّماه ، فأدخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط.

فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السّلام!

فتكلّم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله! والله إلى آخر كلامه الذي يرويه ابن قتيبة ، ثمّ يقول : فقالت [فاطمة] أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) تعرفانه وتفعلان به؟!

قالا : نعم.

فقالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعا رسول الله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟!

قالا : نعم سمعناه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونّكما إليه!

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة.

ثمّ انتحب أبو بكر يبكي وهي تقول : والله لأدعونّ عليك في كلّ صلاة أصلّيها.

هذا ، ولقد اتّفق المؤرّخون والمحدّثون من أهل السنّة والشيعة أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام ماتت وهي ساخطة ـ وفي بعض الأخبار : واجدة ، وفي بعضها : غضبى ـ على أبي بكر وعمر. «المترجم»

٥٣٦

الإنس ما بايعتكم حتّى أعرض على ربّي وأعلم حسابي(١) .

فالإجماع الذي تزعمونه نفاه كثير من أعلامكم أيضا ، منهم صاحب كتاب «المواقف» والفخر الرازي وجلال الدين السيوطي وابن أبي الحديد والطبري والبخاري ومسلم بن الحجّاج وغيرهم.

وقد ذكر العسقلاني والبلاذري في تاريخه ومحمد خاوندشاه في «روضة الصفا» وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» وغير هؤلاء أيضا ذكروا : أنّ سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وجماعة من قريش ما بايعوا أبا بكر ، وثمانية عشر من كبار الصحابة رفضوا أيضا أن يبايعوه ، وهم شيعة عليّ بن أبي طالب وأنصاره ، وذكروا أسماءهم كما يلي :

١ ـ سلمان الفارسي ٢ ـ أبو ذرّ الغفاري ٣ ـ المقداد بن الأسود الكندي ٤ ـ أبي بن كعب ٥ ـ عمّار بن ياسر ٦ ـ خالد بن سعيد بن العاص ٧ ـ بريدة الأسلمي ٨ ـ خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ٩ ـ أبو الهيثم بن التيهان ١٠ ـ سهل بن حنيف ١١ ـ عثمان بن حنيف ١٢ ـ أبو أيّوب الأنصاري ١٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري ١٤ ـ حذيفة بن اليمان ١٥ ـ سعد بن عبادة ١٦ ـ قيس بن سعد ١٧ ـ عبد الله بن عبّاس ١٨ ـ زيد ابن أرقم.

وذكر اليعقوبي في تاريخه فقال : تخلّف قوم من المهاجرين والأنصار عن بيعة أبي بكر ، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب ، منهم العبّاس بن عبد المطّلب والفضل بن العبّاس والزبير بن العوّام وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد وسلمان وأبو ذر الغفاري وعمّار بن ياسر

__________________

(١) الإمامة والسياسة : ١١.

٥٣٧

والبرّاء بن عازب وأبيّ بن كعب.

أقول :

ألم يكن هؤلاء من صفوة أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن المقرّبين إليه والمكرّمين لديه؟! فلما ذا لم يشاوروهم؟!

فإن لم يكن هؤلاء الأخيار من أهل الحلّ والعقد ومن ذوي البصيرة والرأي في المشورة والاختيار ، فمن يكون إذن؟!!

وإذا لم يعبأ برأي أولئك الّذين كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاورهم في الأمور ويعتمد عليهم ، فبرأي من يعبأ ، ورأي من يكون ميزانا ومعيارا لإبرام الأمور المهمّة وحسم قضايا الأمّة؟!

مخالفة العترة لخلافة أبي بكر

لا شكّ أنّ العترة وأهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم أفضل الصحابة ، وهم في الصفّ الأوّل والمتقدّمين على أهل الحلّ والعقد ، وأنّ إجماع أهل البيتعليهم‌السلام حجّة لازمة ، ليس لأحد من المسلمين ردّهم ، بدليل الحديث النبويّ الشريف المروي في كتب الفريقين أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».

[ذكرنا بعض مصادره من كتب العامة في مجلس سابق].

فجعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منار الهدى ، وأمانا من الضلالة والعمى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى». [ذكرنا مصادره في المجلس الثالث من هذا الكتاب].

٥٣٨

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وأهل بيتي شجرة [أصلها] في الجنة ، وأغصانها في الدنيا ، فمن شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا فليتمسّك بها(١) ». فجعلهم سبيل الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ فانظروا من توفدون!(٢) ».

هذه الأحاديث الشريفة وأمثالها ، جاءت في كتبكم ، وذكرت في مسانيدكم وصحاحكم ، وهي تشير إلى أنّ المسلمين إذا أطاعوا أهل البيتعليهم‌السلام واتّبعوا العترة الهادية سعدوا في الدنيا والآخرة.

واتّفق المؤرّخون والمحدّثون على أنّ أهل البيت وبني هاشم كلّهم تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ولم يرضوا بخلافته.

فثبت أنّ دليلكم الأوّل ـ وهو الإجماع على خلافة أبي بكر ـ مردود.

تفنيد الدليل الثاني

وأمّا دليلكم الثاني ، وهو كبر السنّ ، إذ قلتم : إنّهم قدّموا أبا بكر في الخلافة لأنّه كان أكبر سنّا من عليّ بن أبي طالب.

صحيح أنّ أصحاب السقيفة استدلّوا بهذا الدليل لإقناع الإمام عليّعليه‌السلام ليبايع أبا بكر(٣) ولكنّه دليل ضعيف وكلام سخيف.

__________________

(١) الصواعق المحرقة / ذيل الآية الرابعة / في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

(٢) الصواعق المحرقة / ذيل الآية الرابعة / في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام .

(٣) قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ١٢ : فقال أبو عبيدة بن الجرّاح له [لعليّ كرّم الله

٥٣٩

فلو كان كبر السنّ ملحوظا في المنصوب للخلافة ، فقد كان في المسلمين والصحابة من هو أكبر سنّا من أبي بكر ، حتّى إن والده أبا قحافة كان حيّا في ذلك اليوم ، فلم أخّروه وقدّموا ابنه؟!!(١) .

الحافظ : إنّ الملحوظ عندنا كبر السنّ مع السابقة في الإسلام.

وقد كان أبو بكر شيخا محنّكا في الأمور ، ذا سابقة حسنة ، وكان مقدّرا ومحبوبا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يقدّم عليه عليّ كرم الله وجهه وهو حديث السن غير محنّك في الأمور.

قلت : إن كان كذلك فلما ذا قدّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاعليه‌السلام عليه في كثير من الأمور والقضايا؟!

منها : في غزوة تبوك ، حينما عزم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج مع المسلمين إلى تبوك وكان يخشى تحرّك المنافقين في المدينة وتخريبهم ،

__________________

وجهه] : يا ابن عمّ! إنّك حديث السنّ ، وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشدّ احتمالا واستطلاعا ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق وحقيق ، في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك

فأنظر أيّها القارئ الكريم كيف يعترف للإمام عليّ عليه‌السلام بفضله في الدين والعلم والفهم والسابقة والنسب والحسب ، ولكن لأنّه حديث السنّ يؤخّر عن مقامه!!

«المترجم»

(١) شرح ابن أبي الحديد ١ / ٢٢٢ ، قال : قيل لأبي قحافة يوم ولي الأمر ابنه : قد ولي ابنك الخلافة. فقرأ :( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ) ثمّ قال : لم ولّوه؟ قالوا : لسنّه! قال : أنا أسنّ منه!! «المترجم»

٥٤٠